تُولِجُ اللَّيْلَ فِي
النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ
الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ
الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (27)
الْكَلْبِيُّ: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ
تَشَاءُ: مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ
مِمَّنْ تَشاءُ أَبِي جَهْلٍ وَصَنَادِيدِ قُرَيْشٍ،
وَقِيلَ: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ: الْعَرَبَ،
وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ: فَارِسَ
وَالرُّومَ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ
تَشاءُ، آتَى اللَّهُ الأنبياء عليهم السلام الملك
وَأَمَرَ الْعِبَادَ بِطَاعَتِهِمْ، وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ
مِمَّنْ تَشاءُ، نَزَعَهُ مِنَ الْجَبَّارِينَ، وَأَمَرَ
الْعِبَادَ بِخِلَافِهِمْ، وَقِيلَ: تُؤْتِي الْمُلْكَ
مَنْ تَشاءُ: آدَمَ وَوَلَدَهُ، وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ
مِمَّنْ تَشاءُ: إِبْلِيسَ وَجُنُودَهُ، وَقَوْلُهُ
تَعَالَى: وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ،
قَالَ عَطَاءٌ: وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ: الْمُهَاجِرِينَ
وَالْأَنْصَارَ، وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ: فَارِسَ
وَالرُّومَ، وَقِيلَ: تُعِزُّ مَنْ تَشاءُ مُحَمَّدًا
صَلَّى الله عليه وسلّم وأصحابه، حين [1] دَخَلُوا مَكَّةَ
فِي عَشْرَةِ آلَافٍ ظاهرين عليها [قهرا على أهلها] [2] ،
وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ أَبَا جَهْلٍ وأصحابه، حتى جزت
رؤوسهم وَأُلْقُوا فِي الْقَلِيبِ، وَقِيلَ: تُعِزُّ مَنْ
تَشاءُ: بالإيمان والهداية [ودخول الجنة] [3] . وَتُذِلُّ
مَنْ تَشاءُ: بِالْكُفْرِ وَالضَّلَالَةِ [ودخول النار]
[4] ، [وَقِيلَ تُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ بِالطَّاعَةِ،
وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِالْمَعْصِيَةِ] [5] ، وَقِيلَ:
تُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ بِالنَّصْرِ، وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ
بِالْقَهْرِ، وَقِيلَ: تُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ بِالْغِنَى،
وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِالْفَقْرِ، وَقِيلَ: تُعِزُّ
مَنْ تَشَاءُ بِالْقَنَاعَةِ وَالرِّضَى، وَتُذِلُّ مَنْ
تَشَاءُ بِالْحِرْصِ وَالطَّمَعِ، بِيَدِكَ الْخَيْرُ،
أَيْ: بِيَدِكَ الْخَيْرُ وَالشَّرُّ فَاكْتَفَى بِذِكْرِ
أَحَدِهِمَا. قَالَ تَعَالَى: سَرابِيلَ تَقِيكُمُ
الْحَرَّ [النَّحْلِ: 81] ، أَيِ: الْحَرَّ وَالْبَرْدَ،
فَاكْتَفَى بِذِكْرِ أَحَدِهِمَا. إِنَّكَ عَلى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ.
[سُورَةُ آل عمران (3) : آية 27]
تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي
اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ
الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ
حِسابٍ (27)
قَوْلُهُ تَعَالَى: تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ،
أَيْ: تُدْخِلُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ، حَتَّى يَكُونَ
النَّهَارُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَاعَةً وَاللَّيْلُ تِسْعَ
سَاعَاتٍ، وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ، حَتَّى
يَكُونَ اللَّيْلُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَاعَةً، وَالنَّهَارُ
تِسْعَ سَاعَاتٍ، فَمَا نَقَصَ مِنْ أَحَدِهِمَا زَادَ فِي
الْآخَرِ، وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ
الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ، قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ
وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ
الْمَيِّتِ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ هَاهُنَا وَفِي
الْأَنْعَامِ وَيُونُسَ وَالرُّومِ [6] ، وفي الأعراف:
لِبَلَدٍ مَيِّتٍ [الأعراف: 57] ، وَفِي فَاطِرٍ: إِلى
بَلَدٍ مَيِّتٍ [فاطر: 9] ، زَادَ نَافِعٌ: أَوَمَنْ كانَ
مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ [الأنعام: 122] ، ولَحْمَ أَخِيهِ
مَيْتاً [الحجرات: 12] والْأَرْضُ الْمَيْتَةُ
أَحْيَيْناها [يس:
33] فيشددها والآخرون يخففونها وشدّد يعقوب وَتُخْرِجُ
الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ولَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً
[الحجرات: 12] ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَسَعِيدُ بْنُ
جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: مَعْنَى الْآيَةِ:
يُخْرِجُ الْحَيَوَانَ مِنَ النُّطْفَةِ وَهِيَ مَيْتَةٌ،
وَيُخْرِجُ النُّطْفَةَ مِنَ الْحَيَوَانِ، [وهو حيّ] [7]
، وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَالْكَلْبِيُّ: يُخْرِجُ الْحَيَّ
مِنَ الْمَيِّتِ، أَيِ: الْفَرْخَ مِنَ الْبَيْضَةِ
وَيُخْرِجُ الْبَيْضَةَ مِنَ الطَّيْرِ، وَقَالَ الْحَسَنُ
وَعَطَاءٌ: يُخْرِجُ الْمُؤْمِنَ مِنَ الْكَافِرِ
وَيُخْرِجُ الْكَافِرَ مِنَ الْمُؤْمِنِ، فَالْمُؤْمِنُ
حَيُّ الْفُؤَادِ وَالْكَافِرُ مَيِّتُ الْفُؤَادِ، قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ
[الْأَنْعَامِ: 122] ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: يُخْرِجُ
النَّبَاتَ الْغَضَّ الطَّرِيَّ مِنَ الْحَبِّ الْيَابِسِ،
وَيُخْرِجُ الحب اليابس من النبات الطري [8] النامي.
__________
(1) في المطبوع «حتى» .
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) ما بين المعقوفتين سقط من المخطوط.
(6) الأنعام: 95 ويونس: 31 والروم: 19.
(7) زيادة عن المخطوط.
(8) في المطبوع «الْحَيِّ» .
(1/426)
لَا يَتَّخِذِ
الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ
الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ
اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ
تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ
الْمَصِيرُ (28)
وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ،
مِنْ غَيْرِ تَضْيِيقٍ وَلَا تَقْتِيرٍ.
«376» أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بن
محمد الحيري [1] أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ
الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ
الْهَاشِمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ
الصَّائِغُ أَنَا محمد بن [زنبور بْنُ أَبِي] [2]
الْأَزْهَرِ أَنَا الْحَارِثُ بْنُ عُمَيْرٍ، أَنَا
جَعْفَرُ بْنُ محمد بن أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيِّ
بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِنَّ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَآيَةَ الْكُرْسِيِّ
وَالْآيَتَيْنِ مِنْ آلِ عِمْرَانَ شَهِدَ اللَّهُ إِلَى
قَوْلِهِ: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ،
وقُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ إِلَى قَوْلِهِ:
بِغَيْرِ حِسابٍ مشفّعات [3] معلقات بالعرش [4] مَا
بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حِجَابٌ،
قُلْنَ: يَا رَبُّ تُهْبِطُنَا إِلَى أَرْضِكَ وَإِلَى
مَنْ يَعْصِيكَ؟ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: بِي
حَلَفْتُ لَا يَقْرَؤُكُنَّ أَحَدٌ مِنْ عِبَادِي دُبُرَ
كُلِّ صَلَاةٍ إِلَّا جَعَلْتُ الْجَنَّةَ مَثْوَاهُ عَلَى
ما كان منه وأسكنته حظيرة القدس، ونظرت إِلَيْهِ
بِعَيْنِيَ الْمَكْنُونَةِ، [كُلَّ يَوْمٍ سبعين مرة] [5]
وقضيت لَهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِينَ حَاجَةً أدناها
المغفرة، وأعذته مِنْ كُلِّ عَدُوٍّ وَحَاسِدٍ،
وَنَصَرْتُهُ منهم» . [رواه الحارث بن عمير وهو ضعيف] [6]
.
[سورة آل عمران (3) : آية 28]
لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ
مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ
مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ
تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ
الْمَصِيرُ (28)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ
الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
كَانَ الحجاج بن عمرو وابن أَبِي الْحُقَيْقِ وَقَيْسُ
بْنُ زَيْدٍ [يبطنون بِنَفَرٍ] [7] مِنَ الْأَنْصَارِ
لِيَفْتِنُوهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، فَقَالَ رِفَاعَةُ بْنُ
الْمُنْذِرِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُبَيْرٍ وَسَعِيدُ
بْنُ خَيْثَمَةَ لِأُولَئِكَ النَّفَرِ: اجْتَنِبُوا هؤلاء
اليهود لا يفتنوكم عن دينكم [ويخرجوكم عن طاعة الله
ورسوله] [8] ، فَأَبَى أُولَئِكَ النَّفَرُ إِلَّا
مُبَاطَنَتَهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ
الْآيَةَ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي حَاطِبِ بْنِ
أَبِي بَلْتَعَةَ وَغَيْرِهِ، وَكَانُوا يُظْهِرُونَ
الْمَوَدَّةَ لِكُفَّارِ مَكَّةَ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: نَزَلَتْ فِي
الْمُنَافِقِينَ: عَبْدِ اللَّهِ بن أبي
__________
376- موضوع. إسناده ساقط، وعلته الحارث بن عمير، فقد قال
الحاكم كما في «الميزان» (1/ 440) : روى عن جعفر الصادق
أحاديث موضوعة، ثم ذكر الذهبي هذا الحديث، ونقل عن ابن
حبان قوله: موضوع لا أصل له، ووافقه، ونص على وضع هذا
الحديث الأئمة: ابن حبان وابن خزيمة وابن الجوزي، والذهبي
لكنه موافقة.
- وأخرجه ابن السني في «عمل اليوم والليلة» (125) وابن
حبان في «المجروحين» (1/ 223) وابن الجوزي في «الموضوعات»
(1/ 244- 245) من طريق محمد بن زنبور بن أبي الأزهر، عن
الحارث بن عمير به.
قال ابن حبان: موضوع لا أصل له، والحارث بن عمير كان يروي
عن الأثبات الأشياء الموضوعات.
ووافقه ابن الجوزي وزاد: وقال ابن خزيمة: الحارث كذاب، ولا
أصل لهذا الحديث اهـ. وضعفه المصنف بالحارث بن عمير! وانظر
«تفسير الشوكاني» (479) بتخريجي، وهو حديث باطل لا أصل له،
وألفاظه تدل على وضعه، والله أعلم. [.....]
(1) في المطبوع «الحنقي» .
(2) ما بين المعقوفتين زيادة من «التقريب» و «تهذيب
الكمال» للمزي.
(3) «مشفعات» سقط من المخطوط.
(4) لفظ «بالعرش» سقط من المخطوط.
(5) زيادة عن المخطوط وط.
(6) زيد في المطبوع وط.
(7) كذا في المطبوع، وفي- ط «يظنون بنفر» وهو في «أسباب
النزول» «يباطنون نفرا» وتصحف في المخطوط إلى ناظر والنفر»
.
(8) زيادة عن المخطوط، وليست في النسخ وكتب الحديث والأثر.
(1/427)
قُلْ إِنْ تُخْفُوا
مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ
وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ
وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29) يَوْمَ تَجِدُ
كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا
عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا
وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ
نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30)
وَأَصْحَابِهِ كَانُوا يَتَوَلَّوْنَ
الْيَهُودَ وَالْمُشْرِكِينَ وَيَأْتُونَهُمْ
بِالْأَخْبَارِ، وَيَرْجُونَ أَنْ يَكُونَ لَهُمُ
الظَّفَرُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ الله هَذِهِ الْآيَةَ وَنَهَى
الْمُؤْمِنِينَ عَنْ مِثْلِ فِعْلِهِمْ [1] ، قَوْلُهُ
تَعَالَى: وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ، أَيْ: مُوَالَاةَ
الْكُفَّارِ فِي نَقْلِ الْأَخْبَارِ إِلَيْهِمْ
وَإِظْهَارِهِمْ عَلَى عَوْرَةِ [2] الْمُسْلِمِينَ،
فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ، أَيْ: لَيْسَ مِنْ
دِينِ اللَّهِ فِي شَيْءٍ، ثُمَّ اسْتَثْنَى فَقَالَ:
إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً، يَعْنِي: إِلَّا
أَنْ تَخَافُوا مِنْهُمْ مَخَافَةً، قَرَأَ مُجَاهِدٌ
وَيَعْقُوبُ: «تَقِيَّةً» عَلَى وَزْنِ بَقِيَّةٍ
لِأَنَّهُمْ كَتَبُوهَا بِالْيَاءِ، وَلَمْ يَكْتُبُوهَا
بِالْأَلِفِ: مِثْلَ حَصَاةٍ وَنَوَاةٍ، وهي مصدر يقال:
تقيت تُقَاةً وَتَقَى تَقِيَّةً وَتَقْوًى، فَإِذَا
قُلْتَ: اتَّقَيْتَ كَانَ الْمَصْدَرُ [3] الِاتِّقَاءَ،
وَإِنَّمَا قَالَ تَتَّقُوا مِنَ الِاتِّقَاءِ، ثُمَّ
قَالَ: تُقَاةً وَلَمْ يَقُلِ: اتِّقَاءً لِأَنَّ مَعْنَى
اللَّفْظَيْنِ إِذَا كَانَ وَاحِدًا يَجُوزُ إِخْرَاجُ
مَصْدَرِ أَحَدِهِمَا عَلَى لَفْظِ [4] الْآخَرِ
كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا
[الْمُزَّمِّلِ: 8] ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّ اللَّهَ
تَعَالَى نَهَى الْمُؤْمِنِينَ عَنْ مُوَالَاةِ
الْكُفَّارِ وَمُدَاهَنَتِهِمْ وَمُبَاطَنَتِهِمْ، إِلَّا
أَنْ يَكُونَ الكفار غالبين ظاهرين [على المؤمنين] [5] ،
أَوْ يَكُونَ الْمُؤْمِنُ فِي قَوْمٍ كفار يخافهم فيداريهم
[ويداهنهم] [6] بِاللِّسَانِ، وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ
بِالْإِيمَانِ دَفْعًا عن نفسه [مضارتهم ما أمكن] [7] ،
مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَحِلَّ دَمًا حَرَامًا أَوْ مَالًا
حَرَامًا أَوْ يُظْهِرَ الْكُفَّارَ عَلَى عَوْرَةِ
الْمُسْلِمِينَ، وَالتَّقِيَّةُ لَا تَكُونُ إِلَّا مَعَ
خَوْفِ الْقَتْلِ وَسَلَامَةِ النِّيَّةِ، قَالَ اللَّهُ
تَعَالَى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ
بِالْإِيمانِ [النَّحْلِ: 106] ثُمَّ هَذَا رُخْصَةٌ،
فَلَوْ صَبَرَ حَتَّى قُتِلَ فَلَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ،
وَأَنْكَرَ قَوْمٌ التَّقِيَّةَ الْيَوْمَ، قَالَ مُعَاذُ
بْنُ جَبَلٍ وَمُجَاهِدٌ: كَانَتِ التَّقِيَّةُ [8] في
جدّة الْإِسْلَامِ قَبْلَ اسْتِحْكَامِ الدِّينِ وَقُوَّةِ
المسلمين، [فأما الْيَوْمَ فَقَدْ أَعَزَّ اللَّهُ
الْإِسْلَامَ] [9] ، فَلَيْسَ يَنْبَغِي لِأَهْلِ
الْإِسْلَامِ أَنْ يَتَّقُوا مِنْ عَدُوِّهِمْ، وَقَالَ
يَحْيَى الْبَكَّاءُ: قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي
أَيَّامِ الْحَجَّاجِ إِنَّ الْحَسَنَ كان يقول لكم: تقية
بِاللِّسَانِ وَالْقَلْبُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ،
فَقَالَ سَعِيدٌ: لَيْسَ فِي الْإِسْلَامِ تَقِيَّةٌ،
وإنما التَّقِيَّةُ فِي أَهْلِ الْحَرْبِ، وَيُحَذِّرُكُمُ
اللَّهُ نَفْسَهُ، أي: [و] يُخَوِّفُكُمُ اللَّهُ
عُقُوبَتَهُ عَلَى مُوَالَاةِ الكفار وارتكاب المنهي [10]
ومخالفة الأمور [11] ، وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 29 الى 30]
قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ
يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّماواتِ وَما
فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29)
يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ
مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ
بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ
اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (30)
. قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ [12] ، ما في
قلوبكم من مودّة الكفارة، أَوْ تُبْدُوهُ من
مُوَالَاتُهُمْ، قَوْلًا وَفِعْلًا، يَعْلَمْهُ اللَّهُ،
قال الْكَلْبِيُّ: إِنْ تُسِرُّوا مَا فِي قُلُوبِكُمْ
لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ
التَّكْذِيبِ، أَوْ تُظْهِرُوهُ بِحَرْبِهِ وَقِتَالِهِ،
يَعْلَمْهُ اللَّهُ ويحفظه عليكم حتى يجازيكم [في الدنيا
بالأسر والقتل بنصره عليكم وفي الآخرة بالعذاب الشديد]
[13] ، ثم قال: وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي
الْأَرْضِ، يَعْنِي: [إِذَا كَانَ] [14]
__________
(1) في المخطوط «قولهم» .
(2) في المخطوط «عورات» .
(3) في المخطوط «مصدره» .
(4) في المخطوط «عن اللفظ» .
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) زيادة عن المخطوط. [.....]
(7) زيادة عن المخطوط.
(8) زيادة عن المخطوط وط.
(9) سقط من المخطوط.
(10) في المخطوط «النهي» .
(11) في المخطوط «الأمر» .
(12) زيادة عن المخطوط، وفي ط «أي» بدل «ما في» .
(13) ما بين المعقوفتين زيادة عن المخطوط.
(14) ما بين المعقوفتين في المخطوط «إذ» .
(1/428)
قُلْ إِنْ كُنْتُمْ
تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ
وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ
(31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ
تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ
(32)
لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي السموات
ولا في الأرض؟ فكيف يخفى عَلَيْهِ مُوَالَاتُكُمُ
الْكُفَّارَ وَمَيْلُكُمْ إِلَيْهِمْ بِالْقَلْبِ؟
وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ نصب يَوْمَ
بِنَزْعِ حَرْفِ الصِّفَةِ، أَيْ: فِي يَوْمِ، وَقِيلَ:
بِإِضْمَارِ فِعْلٍ أَيِ اذْكُرُوا وَاتَّقُوا يَوْمَ
تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ، مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً
لَمْ يُبْخَسْ مِنْهُ شَيْءٌ كَمَا قَالَ اللَّهُ
تَعَالَى: وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حاضِراً [الْكَهْفِ:
49] ، وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ جَعَلَهُ بَعْضُهُمْ
خَبَرًا [1] فِي مَوْضِعِ النَّصْبِ، أَيْ تَجِدُ
مُحْضَرًا مَا عَمِلَتْ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ،
فَتُسَرُّ بِمَا عَمِلَتْ مِنَ الْخَيْرِ، وَجَعَلَهُ
بَعْضُهُمْ خَبَرًا [2] مُسْتَأْنَفًا، دَلِيلُ هَذَا
التَّأْوِيلِ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا: «وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ وَدَّتْ لَوْ أَنَّ
بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا» ، قَوْلُهُ
تَعَالَى: تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها، أَيْ: بَيْنَ
النَّفْسِ وَبَيْنَهُ، يَعْنِي: وَبَيْنَ السُّوءِ أَمَداً
بَعِيداً، قَالَ السُّدِّيُّ: مَكَانًا بَعِيدًا، وَقَالَ
مُقَاتِلٌ: كَمَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ
وَالْأَمَدُ الْأَجَلُ، وَالْغَايَةُ الَّتِي ينتهى إليها،
قال الْحَسَنُ: يَسُرُّ أَحَدَهُمْ أَنْ لَا يَلْقَى
عَمَلَهُ أَبَدًا، وَقِيلَ: يَوَدُّ أَنَّهُ لَمْ
يَعْمَلْهُ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ
رَؤُفٌ بِالْعِبادِ.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 31 الى 32]
قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي
يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ
وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ
وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا
يُحِبُّ الْكافِرِينَ (32)
قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي
يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ، نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ
وَالنَّصَارَى حَيْثُ قَالُوا: نَحْنُ أبناء الله
وأحبّاؤه.
ع «377» وَقَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا: وَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قُرَيْشٍ وَهُمْ فِي الْمَسْجِدِ
الْحَرَامِ وَقَدْ نَصَبُوا أَصْنَامَهُمْ وَعَلَّقُوا
عَلَيْهَا بَيْضَ النَّعَامِ وَجَعَلُوا فِي آذَانِهَا
الشُّنُوفَ [3] وَهُمْ يَسْجُدُونَ لَهَا، فَقَالَ:
«والله [4] يا معشر قريش لَقَدْ خَالَفْتُمْ مِلَّةَ
أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ» ، فَقَالَتْ لَهُ
قُرَيْشٌ: إِنَّمَا نَعْبُدُهَا حُبًّا لِلَّهِ
لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى، فَقَالَ اللَّهُ
تَعَالَى: قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ إِنْ كُنْتُمْ
تُحِبُّونَ اللَّهَ وَتَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ ليقرّبوكم
إليه [زلفى] [5] ، فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ،
فَأَنَا رَسُولُهُ إِلَيْكُمْ وَحُجَّتُهُ عَلَيْكُمْ،
[أَيِ:] [6] اتَّبِعُوا شَرِيعَتِي وَسُنَّتِي
يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ، فَحُبُّ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ
اتِّبَاعُهُمْ أَمْرَهُ وَإِيثَارُ طَاعَتِهِ،
وَابْتِغَاءُ مَرْضَاتِهِ وَحُبُّ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ
ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِمْ وَثَوَابُهُ لَهُمْ وَعَفْوُهُ
عَنْهُمْ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَغْفِرْ لَكُمْ
ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
[و] [7] قيل: لِمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ لِأَصْحَابِهِ: إِنَّ مُحَمَّدًا
يَجْعَلُ طَاعَتَهُ كَطَاعَةِ الله
__________
377- ع لا أصل له عن ابن عباس، الضحاك لم يلق ابن عباس،
وهو بدون إسناد، فلا حجة فيه، وهو منكر، وذكره الواحدي في
«الوسيط» (1/ 429) و «أسباب النزول» (203) من طريق
جُوَيْبِرٌ عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عباس بدون إسناد.
وعامة روايات الضحاك، عن ابن عباس إنما هي من طريق جويبر
بن سعيد، وهو متروك ليس بشيء، ولعل المصنف بسبب وهن
الإسناد جعله معلقا.
1 في المطبوع «خيرا» .
2 في المطبوع «خيرا» .
(3) الشنف: القرط الأعلى.
(4) زيد في المطبوع «والله» وليس في- ط والمخطوط وكتب
الأثر.
(5) زيادة من المخطوط. [.....]
(6) زيادة من المخطوط.
(7) زيادة من المخطوط.
(1/429)
إِنَّ اللَّهَ
اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ
عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا
مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34) إِذْ قَالَتِ
امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي
بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ
السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35)
وَيَأْمُرُنَا أَنْ نُحِبَّهُ كَمَا
أَحَبَّتِ النَّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَنَزَلَ
قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ
فَإِنْ تَوَلَّوْا، [أَيْ] : أَعْرَضُوا عَنِ
طَاعَتِهِمَا، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكافِرِينَ،
[أي] : لَا يَرْضَى فِعْلَهُمْ وَلَا يَغْفِرُ لهم [زللهم]
[1] :
«378» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
سِنَانٍ أَنَا فُلَيْحٌ أَنَا هِلَالُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ
عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كُلُّ [2] أُمَّتِي
يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى» ، قَالُوا:
وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ
الْجَنَّةَ، وَمِنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى» .
«379» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْمَاعِيلَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَادَةَ أَنَا يزيد
أنا سُلَيْمُ [3] بْنُ حَيَّانَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، أَنَا
سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَوْ سَمِعْتُ
جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ:
جَاءَتْ مَلَائِكَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ نَائِمٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ:
إِنَّهُ نَائِمٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْعَيْنَ
نَائِمَةٌ وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ، [فَقَالُوا: إِنَّ
لِصَاحِبِكُمْ هَذَا مَثَلًا فَاضْرِبُوا لَهُ مَثَلًا]]
، فَقَالُوا: مَثَلُهُ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى دَارًا
وَجَعَلَ فِيهَا مَأْدُبَةً وَبَعَثَ دَاعِيًا، فَمَنْ
أَجَابَ الدَّاعِيَ دَخَلَ الدَّارَ وَأَكَلَ مِنَ
الْمَأْدُبَةِ، وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّاعِيَ لَمْ
يَدْخُلِ الدَّارَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنَ الْمَأْدُبَةِ،
فَقَالُوا: أَوِّلُوهَا [لَهُ] [5] يَفْقَهْهَا، قَالَ
بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ نَائِمٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ:
إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ،
فَقَالُوا: فَالدَّارُ [6] : الْجَنَّةُ، وَالدَّاعِي:
مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَنْ
أَطَاعَ مُحَمَّدًا فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ عَصَى
مُحَمَّدًا فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمُحَمَّدٌ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَّقَ بَيْنَ الناس.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 33 الى 35]
إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ
وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً
بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34) إِذْ
قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا
فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ
السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35)
قوله تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً
الْآيَةَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:
قَالَتِ الْيَهُودُ نَحْنُ مِنْ أَبْنَاءِ إِبْرَاهِيمَ
وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، وَنَحْنُ عَلَى دِينِهِمْ،
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، يَعْنِي: إن
الله اصطفى
__________
378- إسناده صحيح على شرط البخاري، فليح هو ابن سليمان.
أخرجه المصنف من طريق البخاري وهو في «صحيحه» (7280) عن
محمد بن سنان بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد 2/ 361 والحاكم 1/ 55 من طريق فليح بن
سليمان به.
- وفي الباب من أبي سعيد الخدري أخرجه ابن حبان 17
والطبراني في «الأوسط» (812) وقال الهيثمي في «المجمع»
(10/ 70) : ورجاله رجال الصحيح اهـ.
- ومن حديث أبي أمامة الباهلي أخرجه أحمد 5/ 258 والحاكم
1/ 55 و4/ 247 والطبراني في «الأوسط» (3173) .
قال الهيثمي: ورجال أحمد رجال الصحيح غير علي بن خالد، وهو
ثقة اهـ.
379- إسناده صحيح على شرط البخاري، يزيد هو ابن هارون وهو
في «شرح السنة» (93) بهذا الإسناد.
- أخرجه المصنف من طريق البخاري وهو في «صحيحه» (7281) عن
محمد بن عبادة بهذا الإسناد.
(1) سقط من المخطوط.
(2) زيد في المطبوع «من» وليس بشيء.
(3) في الأصل «سليمان» والتصويب من «شرح السنة» و «صحيح
البخاري» .
(4) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة» .
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) في المطبوع «أما الدار» والمثبت عن «شرح السنة» و
«صحيح البخاري» .
(1/430)
هَؤُلَاءِ بِالْإِسْلَامِ، وَأَنْتُمْ
عَلَى غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ. اصْطَفى: اخْتَارَ،
افْتَعَلَ مِنَ الصَّفْوَةِ، وَهِيَ الْخَالِصُ مِنْ كُلِّ
شَيْءٍ، آدَمَ أَبُو [1] الْبَشَرِ، وَنُوحاً وَآلَ
إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ، قِيلَ: أَرَادَ بِآلِ
إِبْرَاهِيمَ وَآلِ عِمْرَانَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ
السَّلَامُ وَعِمْرَانَ أَنْفُسَهُمَا كَقَوْلِهِ
تَعَالَى: وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ
هارُونَ [الْبَقَرَةِ: 248] ، يَعْنِي: مُوسَى وَهَارُونَ،
وَقَالَ آخَرُونَ: آلَ إِبْرَاهِيمَ: إِسْمَاعِيلُ
وَإِسْحَاقُ وَيَعْقُوبُ وَالْأَسْبَاطُ، وَكَانَ
مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ آلِ
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَمَّا آلَ عمران فقد
قال مُقَاتِلٌ: هُوَ عِمْرَانُ بْنُ يَصْهُرَ بْنِ فَاهَتْ
بْنِ لَاوِي بْنِ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالِدُ
[2] مُوسَى وَهَارُونَ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَوَهْبٌ: هُوَ
عِمْرَانُ بْنُ أَشْهَمَ بْنِ أَمُونَ مِنْ وَلَدِ
سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عليهما السلام، وآله [3] :
مَرْيَمَ وَعِيسَى، وَقِيلَ:
عِمْرَانُ بْنُ مَاثَانَ، وَإِنَّمَا خَصَّ هَؤُلَاءِ
بِالذِّكْرِ لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالرُّسُلَ كُلَّهُمْ
مِنْ نسلهم، عَلَى الْعالَمِينَ [أَيْ عَالَمِي
زَمَانِهِمْ] [4] .
ذُرِّيَّةً، اشْتِقَاقُهَا مِنْ ذَرَأَ بِمَعْنَى خَلَقَ،
وَقِيلَ: مِنَ الذَّرِّ لِأَنَّهُ استخرجهم مِنْ صُلْبِ
آدَمَ كَالذَّرِّ، وَيُسَمَّى الْأَوْلَادُ [5]
وَالْآبَاءُ ذُرِّيَّةً، فَالْأَبْنَاءُ ذُرِّيَّةٌ،
لِأَنَّهُ ذَرَأَهُمْ، وَالْآبَاءُ ذُرِّيَّةٌ لِأَنَّهُ
ذَرَأَ الْأَبْنَاءَ مِنْهُمْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ [يس: 41] ،
أَيْ: آبَاءَهُمْ، ذُرِّيَّةً نصب على معنى: اصطفى
ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ، أَيْ: بَعْضُهَا مِنْ
وَلَدِ بَعْضٍ، وَقِيلَ: بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ فِي
التَّنَاصُرِ، وَقِيلَ: بَعْضُهَا عَلَى دِينِ بَعْضٍ،
وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.
إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ، وهي حنة بنت فاقوذا [6]
أم مريم، وعمران: هو [7] ابن ماثان، وليس [هو] [8]
بِعِمْرَانَ أَبِي مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، لأن [9]
بينهما ألفا وثمانمائة سنة، [وقيل: كان بين إبراهيم وموسى
عليهما السلام أَلْفُ سَنَةٍ، وَبَيْنَ مُوسَى وَعِيسَى
عليهما السلام ألفا سنة] [10] ، وكان بنو [11] ماثان [12]
رؤوس بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَحْبَارَهُمْ وَمُلُوكَهُمْ،
وَقِيلَ: عِمْرَانُ بْنُ أَشْهَمَ. قَوْلُهُ تَعَالَى:
رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً،
أَيْ: جَعَلْتُ الَّذِي فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا نَذْرًا
مني لك [13] ، وَالنَّذْرُ: مَا يُوجِبُهُ الْإِنْسَانُ
عَلَى نَفْسِهِ مُحَرَّراً، أَيْ: عَتِيقًا خَالِصًا
لِلَّهِ مُفْرَغًا لِعِبَادَةِ اللَّهِ وَلِخِدْمَةِ
الْكَنِيسَةِ، لَا أَشْغَلُهُ بِشَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا،
وَكُلُّ مَا أُخْلِصَ فَهُوَ مُحَرَّرٌ، يُقَالُ:
حَرَّرْتُ الْعَبْدَ إِذَا أَعْتَقْتُهُ وَخَلَّصْتُهُ
مِنَ الرِّقِّ، قَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ
إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُمَا: كَانَ الْمُحَرَّرُ إِذَا
حُرِّرَ جُعِلَ في الكنيسة يقوم عليها يكنسها ويخدمها ولا
يبرح [مقيما عليها] [14] حَتَّى يَبْلُغَ الْحُلُمَ، ثُمَّ
يُخَيَّرُ إن أحب أقام فيها وَإِنْ أَحَبَّ ذَهَبَ حَيْثُ
شَاءَ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ بَعْدَ التَّخْيِيرِ
لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ
الْأَنْبِيَاءِ والعلماء إلا من نسله محرّر لِبَيْتِ
الْمَقْدِسِ، وَلَمْ يَكُنْ مُحَرَّرًا إِلَّا
الْغِلْمَانُ وَلَا تَصْلُحُ لَهُ الْجَارِيَةُ، لِمَا
يُصِيبُهَا مِنَ الْحَيْضِ وَالْأَذَى، فَحَرَّرَتْ أَمُّ
مَرْيَمَ مَا فِي بَطْنِهَا وَكَانَتِ الْقِصَّةُ فِي
ذَلِكَ أَنَّ زَكَرِيَّا وَعِمْرَانَ تَزَوَّجَا أختين،
وكانت إيشاع بنت فاقوذا أم يحيى عند زكريا،
__________
(1) في المطبوع «أبا» .
(2) في المطبوع «وآله» .
(3) في المخطوط «والد» .
(4) زيادة عن المخطوط. [.....]
(5) في المطبوع «فالأولاد» .
(6) كذا في المطبوع والمخطوط، وفي- ط «قاقوذا» وهو تصحيف.
وعند ابن كثير «فاقوذ» وكذا عند الطبري.
(7) زيد في المطبوع وط «عمران» .
(8) زيادة عن المخطوط.
(9) في المخطوط وط «و» بدل «لأن» .
(10) زيد في المطبوع وحده.
(11) في المخطوط «أبو» والتصويب عن- ط و «الدر المنثور» .
(12) زيد في المخطوط «من» .
(13) زيد في المطبوع وط فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ
السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.
(14) زيادة عن المخطوط.
(1/431)
فَلَمَّا وَضَعَتْهَا
قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ
أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى
وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ
وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36)
وكانت حنة بنت فاقوذا أُمُّ مَرْيَمَ
عِنْدَ عِمْرَانَ، وَكَانَ قَدْ أُمْسِكَ عَنْ حَنَّةَ
الْوَلَدُ حتى أيست [1] وَكَانُوا أَهْلَ بَيْتٍ مِنَ
اللَّهِ بِمَكَانٍ، فَبَيْنَمَا هِيَ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ
بَصُرَتْ بِطَائِرٍ يُطْعِمُ فَرْخًا فَتَحَرَّكَتْ
بِذَلِكَ نَفْسُهَا لِلْوَلَدِ، فَدَعَتِ اللَّهَ أَنْ
يَهَبَ لَهَا وَلَدًا، وَقَالَتْ: اللَّهُمَّ لَكَ عَلَيَّ
إِنْ رَزَقْتَنِي وَلَدًا أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى
بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَيَكُونُ مِنْ سدنته وخدمه،
فَحَمَلَتْ بِمَرْيَمَ فَحَرَّرَتْ مَا فِي بَطْنِهَا،
وَلَمْ تَعْلَمْ مَا هُوَ، فَقَالَ لَهَا زَوْجُهَا:
وَيْحَكِ مَا صَنَعْتِ؟ أَرَأَيْتِ إِنْ كَانَ مَا فِي
بَطْنِكِ أُنْثَى [لَا] [2] تَصْلُحُ لِذَلِكَ؟ فَوَقَعَا
جَمِيعًا فِي هَمٍّ مِنْ ذَلِكَ، فَهَلَكَ عِمْرَانُ
وَحَنَّةُ حامل بمريم.
[سورة آل عمران (3) : آية 36]
فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها
أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ
الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ
وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ
الرَّجِيمِ (36)
فَلَمَّا وَضَعَتْها، أَيْ: وَلَدَتْهَا، إِذَا هِيَ
جَارِيَةٌ، وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ: وَضَعَتْها راجعة إلى
النذيرة لا إلى [ما في بطنها] [3] ، ولذلك أُنِّثَ، قالَتْ
حَنَّةُ وَكَانَتْ تَرْجُو أَنْ يَكُونَ غُلَامًا، رَبِّ
إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى، اعْتِذَارًا إِلَى اللَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ،
بِجَزْمِ التَّاءِ إِخْبَارًا عَنِ الله تعالى عَزَّ
وَجَلَّ، وَهِيَ قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ وَقَرَأَ ابْنُ
عَامِرٍ وَأَبُو بَكْرٍ وَيَعْقُوبُ وَضَعَتْ بِرَفْعِ
التَّاءِ جَعَلُوهَا مِنْ كَلَامِ أَمِّ مَرْيَمَ،
وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى، فِي خِدْمَةِ
الْكَنِيسَةِ والعبّاد الذين فيها للينها وَضَعْفِهَا
وَمَا يَعْتَرِيهَا مِنَ الْحَيْضِ والنفاس، وَإِنِّي
سَمَّيْتُها مَرْيَمَ، وهي بِلُغَتِهِمُ الْعَابِدَةُ
وَالْخَادِمَةُ، وَكَانَتْ مَرْيَمُ من أَجْمَلَ
النِّسَاءِ فِي وَقْتِهَا وَأَفْضَلَهُنَّ، وَإِنِّي
أُعِيذُها أَمْنَعُهَا وَأُجِيرُهَا، بِكَ وَذُرِّيَّتَها
أَوْلَادَهَا مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ، والشيطان
الطَّرِيدُ اللَّعِينُ وَالرَّجِيمُ الْمَرْمِيُّ
بِالشُّهُبِ.
«380» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ
أَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ
حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ قَالَ: قَالَ أَبُو
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا من بني آدم من مَوْلُودٌ إِلَّا
يَمَسُّهُ الشَّيْطَانُ حِينَ يُولَدُ، فَيَسْتَهِلُّ
الصَّبِيُّ صَارِخًا مِنَ [مسّ] [4] الشَّيْطَانِ، غَيْرَ
مَرْيَمَ وَابْنِهَا» ، ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ
وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ.
«381» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
__________
380- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، أبو اليمان هو
الحكم بن نافع البهراني، وشعيب هو ابن دينار، والزهري هو
محمد بن مسلم بن شهاب.
- وهو في «شرح السنة» (4104) بهذا الإسناد.
- أخرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (3431) عن
أبو اليمان بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 2366 والطبري 6887 من طريق الزهري به.
- وأخرجه البخاري 4548 ومسلم 2366 وأحمد 2/ 233 و274- 275
والطبري 6891 وابن حبان 6235. والواحدي 1/ 431.
381- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، أبو اليمان هو
الحكم بن نافع، شعيب هو ابن دينار، أبو الزناد هو عبد الله
بن ذكوان، الأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز.
(1) في المطبوع وط «أسنت» .
(2) سقط من المطبوع. [.....]
(3) في المطبوع «ما» بدل «ما في بطنها» وفي- ط «ما ولد» .
(4) سقط من المطبوع.
(1/432)
فَتَقَبَّلَهَا
رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا
وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا
زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ
يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ
اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ
حِسَابٍ (37)
إِسْمَاعِيلَ أَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَنَا
شُعَيْبٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«كُلُّ بَنِي آدَمَ يَطْعَنُ الشَّيْطَانُ فِي جَنْبِهِ
بِأُصْبُعِهِ حِينَ يُولَدُ غَيْرَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ،
ذَهَبَ يطعن فطعن في الحجاب» .
[سورة آل عمران (3) : آية 37]
فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها
نَباتاً حَسَناً وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا كُلَّما دَخَلَ
عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً
قالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قالَتْ هُوَ مِنْ
عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ
بِغَيْرِ حِسابٍ (37)
قَوْلُهُ: فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ، أَيْ:
تَقَبَّلَ اللَّهُ مَرْيَمَ مِنْ حَنَّةَ، مَكَانَ
الْمُحَرَّرِ، وَتَقَبَّلَ بِمَعْنَى:
قَبِلَ وَرَضِيَ، وَالْقَبُولُ: مَصْدَرُ قَبِلَ يقبل
قبولا، مثل الولوع [1] ، وَلَمْ يَأْتِ غَيْرُ هَذِهِ
الثَّلَاثَةِ، وَقِيلَ: مَعْنَى التَّقَبُّلِ:
التَّكَفُّلُ فِي التَّرْبِيَةِ وَالْقِيَامِ بِشَأْنِهَا،
وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً، مَعْنَاهُ: وَأَنْبَتَهَا
فَنَبَتَتْ نَبَاتًا حَسَنًا، وَقِيلَ:
هَذَا مَصْدَرٌ عَلَى غَيْرِ اللَّفْظِ [2] ، [3]
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ
حَسَنٍ، وَمَثَلُهُ شَائِعٌ [4] كقوله:
تَكَلَّمْتُ كَلَامًا [5] ، وَقَالَ جُوَيْبِرٌ [6] عَنِ
الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا: فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ، أَيْ:
سَلَكَ بِهَا طَرِيقَ السُّعَدَاءِ، وَأَنْبَتَهَا
نَبَاتًا حَسَنًا، يَعْنِي: سَوَّى خَلْقَهَا مِنْ غَيْرِ
زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ، فَكَانَتْ تَنْبُتُ فِي
الْيَوْمِ مَا يَنْبُتُ الْمَوْلُودُ فِي الْعَامِ،
وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا، قَالَ أَهْلُ الْأَخْبَارِ:
أَخَذَتْ حَنَّةُ مَرْيَمَ حِينَ وَلَدَتْهَا،
فَلَفَّتْهَا فِي خِرْقَةٍ وَحَمْلَتْهَا إِلَى
الْمَسْجِدِ فَوَضَعَتْهَا عِنْدَ الْأَحْبَارِ أَبْنَاءِ
هَارُونَ، وَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَلُونَ مِنْ [7] بَيْتِ
الْمَقْدِسِ مَا يَلِي الْحَجَبَةُ مِنَ الْكَعْبَةِ،
فَقَالَتْ لَهُمْ: دُونَكُمْ هَذِهِ النَّذِيرَةَ،
فَتَنَافَسَ فِيهَا الأحبار [أيهم يأخذها] [8] ،
لِأَنَّهَا كَانَتْ بِنْتَ إِمَامِهِمْ وَصَاحِبِ
قُرْبَانِهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ زَكَرِيَّا: أَنَا
أَحَقُّكُمْ بِهَا، عِنْدِي خَالَتُهَا، فَقَالَتْ له
الأحبار: لا تفعل ذَلِكَ فَإِنَّهَا لَوْ تُرِكَتْ
لِأَحَقِّ الناس بها لَتُرِكَتْ لِأُمِّهَا الَّتِي
وَلَدَتْهَا، لَكِنَّا نَقْتَرِعُ عَلَيْهَا فَتَكُونُ
عِنْدَ مَنْ خَرَجَ سَهْمُهُ، فَانْطَلَقُوا وَكَانُوا
تِسْعَةً وَعِشْرِينَ رَجُلًا إِلَى نَهْرٍ جَارٍ، قَالَ
السُّدِّيُّ: هُوَ نَهْرُ الْأُرْدُنِّ، فَأَلْقَوْا
أَقْلَامَهُمْ فِي الْمَاءِ عَلَى أَنَّ مَنْ ثَبَتَ
قَلَمُهُ فِي الماء وصعد فَهُوَ أَوْلَى بِهَا، وَقِيلَ:
كَانَ عَلَى كُلِّ قَلَمٍ اسْمُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ،
وَقِيلَ: كَانُوا يَكْتُبُونَ التَّوْرَاةَ فَأَلْقَوْا
أَقْلَامَهُمُ الَّتِي كَانَتْ بِأَيْدِيهِمْ في الماء
فارتدّ قَلَمُ زَكَرِيَّا، فَارْتَفَعَ فَوْقَ الْمَاءِ
وَانْحَدَرَتْ أَقْلَامُهُمْ وَرَسَبَتْ فِي النَّهْرِ،
قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَجَمَاعَةٌ، وَقِيلَ:
جَرَى قَلَمُ زَكَرِيَّا مُصْعِدًا إِلَى أَعْلَى الْمَاءِ
وَجَرَتْ أَقْلَامُهُمْ بجري الماء، قال السُّدِّيُّ
وَجَمَاعَةٌ:
بَلْ ثَبَتَ قَلَمُ زَكَرِيَّا وَقَامَ فَوْقَ الْمَاءِ
كَأَنَّهُ فِي طِينٍ، وَجَرَتْ أَقْلَامُهُمْ مَعَ
جَرْيَةِ الْمَاءِ [فَذَهَبَ بِهَا الْمَاءُ] [9] ، فسهمهم
وقرعهم زكريا، وكان رَأْسَ الْأَحْبَارِ وَنَبِيَّهُمْ،
فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا،
قَرَأَ حَمْزَةُ
__________
- أخرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (3286)
بهذا الإسناد.
وأخرجه الحميدي 1042 من طريق أبي الزناد به.
وأخرجه مسلم 2366 ح 147 والطبري 6889 وابن حبان 6234 من
طريق ابن وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عن أبي
يونس مولى أبي هريرة، عن أبي هريرة.
وأخرجه الطبري 6879 و6880 من طريق عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
قُسَيْطٍ عَنْ أبي هريرة مرفوعا.
وانظر ما تقدم.
(1) في المطبوع «الولوغ والوزوع» .
(2) في المطبوع «الصدر» وفي المخطوط «مصدر» والمثبت عن- ط
وتفسير الطبري (3/ 240) .
(3) زيد في المطبوع «أي المصدر» .
(4) في المطبوع «سائغ» .
(5) لو كان مصدرا على اللفظ لكان الكلام «تكلمت تكلما» .
ومثل: «أنبتها إنباتا» ، فتنبه، والله الموفق.
(6) تصحف في المطبوع إلى «جرير» .
(7) لفظ من ليس في المخطوط.
(8) زيادة عن المخطوط.
(9) زيادة عن المخطوط وط.
(1/433)
وعاصم والكسائي «كفّلها» بِتَشْدِيدِ
الْفَاءِ، فَيَكُونُ زَكَرِيَّا فِي مَحَلِّ النَّصْبِ
أَيْ: ضَمَنَهَا اللَّهُ [زَكَرِيَّا] [1] وَضَمَّهَا
إِلَيْهِ بِالْقُرْعَةِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ
بِالتَّخْفِيفِ فَيَكُونُ زَكَرِيَّا فِي مَحَلِّ
الرَّفْعِ، أَيْ: ضَمَّهَا زَكَرِيَّا إِلَى نَفْسِهِ
وَقَامَ بِأَمْرِهَا، وَهُوَ زَكَرِيَّا بْنُ آذَنَ بْنِ
مُسْلِمِ بْنِ صَدُوقَ مِنْ أَوْلَادِ سُلَيْمَانَ بن داود
عليهما السلام، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ
عَنْ عاصم زَكَرِيَّا مقصورا، والآخرون ممدودا [2] ،
فَلَمَّا ضَمَّ زَكَرِيَّا مَرْيَمَ إِلَى نَفْسِهِ بَنَى
لَهَا بَيْتًا وَاسْتَرْضَعَ لها [مرضعة] [3] ، وَقَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: ضَمَّهَا إِلَى خَالَتِهَا
أَمِّ يَحْيَى حَتَّى إِذَا شَبَّتْ وَبَلَغَتْ مَبْلَغَ
النِّسَاءِ، بَنَى لَهَا مِحْرَابًا فِي الْمَسْجِدِ
وَجُعِلَ بَابُهُ فِي وَسَطِهَا لَا يُرْقَى إِلَيْهَا
إِلَّا بِالسُّلَّمِ مِثْلَ باب الكعبة [و] [4] لَا
يَصْعَدُ إِلَيْهَا غَيْرُهُ، وَكَانَ يَأْتِيهَا
بِطَعَامِهَا وَشَرَابِهَا وَدُهْنِهَا كُلَّ يَوْمٍ،
كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ، [وأراد
بالمحراب] [5] الغرفة [التي بناها] [6] ، وَالْمِحْرَابُ
أَشْرَفُ الْمَجَالِسِ وَمُقَدَّمُهَا، وَكَذَلِكَ [7]
هُوَ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَيُقَالُ لِلْمَسْجِدِ أيضا:
محراب، وقال الْمُبَرِّدُ: لَا يَكُونُ الْمِحْرَابُ
إِلَّا أن يرتقى [عليه بدرج] [8] ، قال الرَّبِيعُ بْنُ
أَنَسٍ: كَانَ زَكَرِيَّا إِذَا خَرَجَ يُغْلِقُ عَلَيْهَا
سَبْعَةَ أَبْوَابٍ [9] ، فَإِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا
غُرْفَتَهَا [10] ، وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً، أَيْ:
فَاكِهَةً في غير حينها [فيرى] [11] فَاكِهَةَ الصَّيْفِ
فِي الشِّتَاءِ، وَفَاكِهَةَ الشِّتَاءِ فِي الصَّيْفِ،
قالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا، قَالَ أَبُو
عُبَيْدَةَ مَعْنَاهُ: مِنْ أَيْنَ لَكِ هَذَا، وَأَنْكَرَ
بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ وَقَالَ: مَعْنَاهُ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ
لَكِ هَذَا لِأَنَّ أَنَّى لِلسُّؤَالِ عن الجهة و «أين»
لِلسُّؤَالِ عَنِ الْمَكَانِ، قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ
اللَّهِ، أَيْ: مِنْ قطف الجنّة، وقال الحسن: إن مريم من
حين ولدت لم تلقم ثديا [12] قط بل كَانَ يَأْتِيهَا
رِزْقُهَا مِنَ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ لَهَا زَكَرِيَّا
أَنَّى لَكِ هذا؟ فتقول: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ،
تَكَلَّمَتْ وَهِيَ صَغِيرَةٌ، إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ
مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْحَاقَ: ثُمَّ أَصَابَتْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَزْمَةٌ،
وَهِيَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ حَالِهَا حَتَّى ضَعُفَ
زَكَرِيَّا عَنْ حَمْلِهَا، فَخَرَجَ عَلَى بَنِي
إِسْرَائِيلَ فَقَالَ: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ تَعْلَمُونَ
وَاللَّهِ لَقَدْ كَبُرَتْ سِنِّي وَضَعُفْتُ عَنْ حَمْلِ
مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ، فَأَيُّكُمْ يَكْفُلُهَا
بَعْدِي؟ فقالوا:
وَاللَّهِ لَقَدْ جَهِدْنَا وَأَصَابَنَا مِنَ السَّنَةِ
مَا تَرَى فَتَدَافَعُوهَا بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا
مِنْ حَمْلِهَا بُدًّا فَتَقَارَعُوا عَلَيْهَا
بِالْأَقْلَامِ، فَخَرَجَ السَّهْمُ عَلَى رَجُلٍ نَجَّارٍ
مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، يُقَالُ لَهُ: يُوسُفُ بْنُ
يَعْقُوبَ، وَكَانَ ابْنَ عَمِّ مَرْيَمَ، فَحَمَلَهَا
فَعَرَفَتْ مَرْيَمُ فِي وَجْهِهِ شِدَّةَ مُؤْنَةِ ذَلِكَ
عَلَيْهِ، فَقَالَتْ لَهُ: يَا يُوسُفُ أَحْسِنْ بِاللَّهِ
الظَّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ سَيَرْزُقُنَا، فَجَعَلَ يُوسُفُ
يُرْزَقُ بِمَكَانِهَا مِنْهُ فَيَأْتِيهَا كُلَّ يَوْمٍ
مِنْ كَسْبِهِ بِمَا يُصْلِحُهَا فَإِذَا أَدْخَلَهُ
عَلَيْهَا فِي الْكَنِيسَةِ أَنْمَاهُ اللَّهُ فَيَدْخُلُ
عَلَيْهَا زَكَرِيَّا فَيَرَى عِنْدَهَا فَضْلًا مِنَ
الرِّزْقِ لَيْسَ بِقَدْرِ مَا يَأْتِيهَا بِهِ يُوسُفُ،
فَيَقُولُ:
يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا؟ قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ
اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ
حِسابٍ، قَالَ أَهْلُ الْأَخْبَارِ:
فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ زَكَرِيَّا قَالَ: إِنَّ الَّذِي
قَدَرَ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ مَرْيَمَ بِالْفَاكِهَةِ فِي
غَيْرِ حِينِهَا مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ لَقَادِرٌ عَلَى أَنْ
يُصْلِحَ زَوْجَتِي وَيَهَبَ لِي ولدا في غير حينه على
الْكِبَرِ، فَطَمِعَ فِي الْوَلَدِ وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ
بَيْتِهِ كَانُوا قَدِ انْقَرَضُوا، وَكَانَ زَكَرِيَّا
قَدْ شَاخَ وأيس من الولد.
__________
(1) زيادة عن المخطوط وط.
(2) في المطبوع وط «يمدونه» . [.....]
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) زيادة عن المخطوط و «الوسيط» (1/ 432) .
(5) زيد في المطبوع وط.
(6) زيادة عن المخطوط.
(7) كذا في المطبوع وط- وتفسير الطبري (3/ 246) وفي
المخطوط «ولذلك» .
(8) في المطبوع «إليه بدرجة» وكذا في- ط-.
(9) هذا من الإسرائيليات المنكرة.
(10) في المطبوع «فتحها» .
(11) زيادة عن المخطوط.
(12) في المطبوع «ثديها» .
(1/434)
هُنَالِكَ دَعَا
زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ
ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38)
[سورة آل عمران (3) : آية 38]
هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي
مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ
الدُّعاءِ (38)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: هُنالِكَ، أَيْ: عِنْدَ ذَلِكَ
دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ، فدخل المحراب وغلّق الأبواب
وَنَاجَى رَبَّهُ، قالَ رَبِّ، أَيْ: يَا رَبِّ، هَبْ لِي
أَعْطِنِي مِنْ لَدُنْكَ، أَيْ: مِنْ عِنْدِكَ، ذُرِّيَّةً
طَيِّبَةً، أَيْ: وَلَدًا مُبَارَكًا تَقِيًّا صَالِحًا
رَضِيًّا، وَالذُّرِّيَّةُ تَكُونُ وَاحِدًا وَجَمْعًا
ذَكَرًا وَأُنْثَى، وَهُوَ هَاهُنَا وَاحِدٌ بِدَلِيلِ
قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ
وَلِيًّا [مَرْيَمَ: 5] ، وَإِنَّمَا قَالَ: طَيِّبَةً
لِتَأْنِيثِ لَفْظِ الذُّرِّيَّةِ، إِنَّكَ سَمِيعُ
الدُّعاءِ، أَيْ: سَامِعُهُ، وَقِيلَ: مُجِيبُهُ
كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ
فَاسْمَعُونِ (25) [يس: 25] ، أي: فأجيبوني.
[سورة آل عمران (3) : آية 39]
فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي
الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى
مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً
وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39)
فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ، قَرَأَ حَمْزَةُ
وَالْكِسَائِيُّ فناداه بالألف، وَالْآخَرُونَ بِالتَّاءِ
[فَمَنْ قَرَأَ بِالتَّاءِ فالتأنيث] [1] لتأنيث لَفْظِ
الْمَلَائِكَةِ، وَلِلْجَمْعِ مَعَ أَنَّ الذُّكُورَ إِذَا
تَقَدَّمَ فِعْلُهُمْ وَهُمْ جماعة كان التأنيث فيهم
أَحْسَنَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قالَتِ الْأَعْرابُ
[الْحُجُرَاتِ: 14] ، وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانَ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ الله عنه [2] :
يُذَكِّرُ الْمَلَائِكَةَ فِي الْقُرْآنِ، قَالَ أَبُو
عُبَيْدَةَ: إِنَّمَا نَرَى عَبْدَ اللَّهِ اخْتَارَ
ذَلِكَ خِلَافًا لِلْمُشْرِكِينَ فِي قَوْلِهِمُ:
الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ تَعَالَى، وَرَوَى
الشَّعْبِيُّ: أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ قَالَ: إِذَا اخْتَلَفْتُمْ فِي التَّاءِ
وَالْيَاءِ فَاجْعَلُوهَا يَاءً، وَذَكِّرُوا الْقُرْآنَ،
وَأَرَادَ بِالْمَلَائِكَةِ هَاهُنَا جِبْرِيلَ عَلَيْهِ
السَّلَامُ وَحْدَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ
النحل: يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ [النحل: 2] ، يعني: جبريل
بالروح والوحي، وَيَجُوزُ فِي الْعَرَبِيَّةِ أَنْ
يُخْبَرَ عَنِ الْوَاحِدِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ،
كَقَوْلِهِمْ: سَمِعْتُ هَذَا الْخَبَرَ مِنَ النَّاسِ،
وَإِنَّمَا سَمِعَ مِنْ وَاحِدٍ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ
تَعَالَى: الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ [آلِ عِمْرَانَ:
173] ، يَعْنِي: نُعَيْمَ بْنَ مَسْعُودٍ، إِنَّ النَّاسَ،
يَعْنِي: أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، وَقَالَ
الْمُفَضَّلُ بْنُ سَلَمَةَ: إِذَا كَانَ الْقَائِلُ
رَئِيسًا يَجُوزُ الْإِخْبَارُ عَنْهُ بِالْجَمْعِ،
لِاجْتِمَاعِ أَصْحَابِهِ مَعَهُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ
عَلَيْهِ السَّلَامُ رَئِيسَ الْمَلَائِكَةِ، وَقَلَّ مَا
يُبْعَثُ إِلَّا وَمَعَهُ جَمْعٌ، فَجَرَى عَلَى ذَلِكَ،
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي
الْمِحْرابِ، أَيْ: فِي الْمَسْجِدِ، وَذَلِكَ أَنَّ
زَكَرِيَّا كَانَ الْحَبْرَ الْكَبِيرَ الَّذِي يُقَرِّبُ
الْقُرْبَانَ فَيَفْتَحُ بَابَ الْمَذْبَحِ، فَلَا
يَدْخُلُونَ حَتَّى يَأْذَنَ لهم بالدخول، فَبَيْنَمَا
هُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ، يَعْنِي: فِي
الْمَسْجِدِ عِنْدَ الْمَذْبَحِ يُصَلِّي وَالنَّاسُ
يَنْتَظِرُونَ أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ فِي الدُّخُولِ،
فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ شَابٍّ عَلَيْهِ ثِيَابٌ بيض تلمع
فَفَزِعَ مِنْهُ، فَنَادَاهُ وَهُوَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ
السَّلَامُ: يَا زَكَرِيَّا أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ،
[قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ أَنَّ اللَّهَ بِكَسْرِ
الْأَلِفِ عَلَى إِضْمَارِ الْقَوْلِ، تَقْدِيرُهُ:
فَنَادَتْهُ الملائكة فقالت: إنّ الله، وَقَرَأَ
الْآخَرُونَ بِالْفَتْحِ بِإِيقَاعِ النِّدَاءِ عَلَيْهِ
كَأَنَّهُ قَالَ: فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ بِأَنَّ
اللَّهَ يُبَشِّرُكَ] [3] ، قَرَأَ حَمْزَةُ يُبَشِّرُكَ
وَبَابُهُ بِالتَّخْفِيفِ كُلَّ الْقُرْآنِ إِلَّا
قَوْلَهُ: فَبِمَ تُبَشِّرُونَ [الْحِجْرِ: 54] ،
فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى تَشْدِيدِهَا، وَوَافَقَهُ
الْكِسَائِيُّ هَاهُنَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَفِي «سبحان»
و «الكهف» و «حمعسق» ، وَوَافَقَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو
عَمْرٍو في «حمعسق» ، وَالْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ،
فَمَنْ قَرَأَ بِالتَّشْدِيدِ فَهُوَ مِنْ بَشَّرَ
يُبَشِّرُ تَبْشِيرًا، وَهُوَ أَعْرَبُ اللُّغَاتِ
وَأَفْصَحُهَا، دَلِيلُ التَّشْدِيدِ قَوْلُهُ تَعَالَى:
فَبَشِّرْ عِبادِ [الزمر: 17] ، ووَ بَشَّرْناهُ
بِإِسْحاقَ [الصافات: 112] ،
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) وقع في المطبوع «عنهما» .
(3) زيد في المطبوع وط.
(1/435)
قَالُوا: بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ
[الْحِجْرِ: 55] ، وَغَيْرُهَا مِنَ الْآيَاتِ، وَمَنْ
خَفَّفَ فَهُوَ مِنْ بَشَرَ يَبْشُرُ وَهِيَ لُغَةُ تهامة،
وقراءة ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بِيَحْيى
هُوَ اسْمٌ [1] لَا يُجَرُّ لِمَعْرِفَتِهِ، وَلِلزَّائِدِ
فِي أَوَّلِهِ، مِثْلَ:
يَزِيدَ وَيَعَمُرَ، وَجَمْعُهُ يَحْيَوْنَ مِثْلَ
مُوسَوْنَ وَعِيسَوْنَ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ لم سمي
يحيى، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:
لِأَنَّ اللَّهَ أَحْيَا بِهِ عقر أمّه، [و] [2] قَالَ
قَتَادَةُ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أحيا قلبه بالإيمان،
[وقيل: سمّي يحيى لأنه استشهد، والشهداء أحياء، وقيل:
معناه يموت] [3] ، وَقِيلَ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى
أَحْيَاهُ بِالطَّاعَةِ حَتَّى لَمْ يَعْصِ وَلَمْ يَهُمَّ
بِمَعْصِيَةٍ، مُصَدِّقاً نُصِبَ عَلَى الْحَالِ،
بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ، يَعْنِي: عِيسَى عَلَيْهِ
السَّلَامُ، سُمِّيَ عِيسَى كَلِمَةَ اللَّهِ لِأَنَّ
اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لَهُ: كُنْ مِنْ غَيْرِ أَبٍ
فَكَانَ، فَوَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ الْكَلِمَةِ [لِأَنَّهُ
بِهَا كَانَ] [4] ، وَقِيلَ: سُمِّيَ كَلِمَةً لِأَنَّهُ
يُهْتَدَى بِهِ كَمَا يُهْتَدَى بِكَلَامِ اللَّهِ
تَعَالَى، وَقِيلَ: هِيَ بِشَارَةُ اللَّهِ تَعَالَى لمريم
بِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، بِكَلَامِهِ عَلَى لِسَانِ
جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقِيلَ: لِأَنَّ اللَّهَ
تَعَالَى أَخْبَرَ الْأَنْبِيَاءَ بِكَلَامِهِ فِي
كُتُبِهِ أَنَّهُ يَخْلُقُ نَبِيًّا بِلَا أَبٍ،
فَسَمَّاهُ كَلِمَةً لِحُصُولِهِ بِذَلِكَ الْوَعْدِ،
وَكَانَ يَحْيَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَوَّلَ مَنْ آمَنَ
بِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَصَدَّقَهُ، وَكَانَ
يَحْيَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَكْبَرَ مِنْ عِيسَى
بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَكَانَا ابْنَيِ خالة، ثُمَّ قُتِلَ
يَحْيَى قَبْلَ أَنْ يرفع عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ
[إِلَى السَّمَاءِ] [5] ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ
بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ، أَيْ: بِكِتَابٍ مِنَ اللَّهِ
وَآيَاتِهِ، تَقُولُ الْعَرَبُ: أَنْشِدْنِي كَلِمَةَ
فُلَانٍ، أَيْ: قَصِيدَتَهُ. قَوْلُهُ تَعَالَى:
وَسَيِّداً هو فعيل مِنْ سَادَ يَسُودُ، وَهُوَ الرَّئِيسُ
الَّذِي يُتْبَعُ وَيُنْتَهَى [6] إِلَى قَوْلِهِ، قَالَ
الْمُفَضَّلُ: أَرَادَ سَيِّدًا فِي الدِّينِ، قَالَ
الضَّحَّاكُ:
السَّيِّدُ: الْحَسَنُ الْخُلُقَ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ
جُبَيْرٍ: السَّيِّدُ الَّذِي يُطِيعُ رَبَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ:
السَّيِّدُ الْفَقِيهُ الْعَالِمُ، وَقَالَ قَتَادَةُ:
سَيِّدٌ فِي الْعِلْمِ وَالْعِبَادَةِ وَالْوَرَعِ،
وَقِيلَ: الْحَلِيمُ الَّذِي لَا يُغْضِبُهُ شَيْءٌ، قَالَ
مُجَاهِدٌ: الْكَرِيمُ عَلَى الله تعالى، وقيل: السيد
التقي [قاله الضحاك] [7] ، [و] [8] قَالَ سُفْيَانُ
الثَّوْرِيُّ: الَّذِي لَا يحسد، وقيل: الذي يفوق [أقرانه
و] [9] قَوْمَهُ فِي جَمِيعِ خِصَالِ الْخَيْرِ، وَقِيلَ:
هُوَ الْقَانِعُ بِمَا قَسَمَ الله له، وقيل: هو السخي.
ع «382» قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «مَنْ سَيِّدُكُمْ يَا بُنِيَ سَلَمَةَ؟»
قَالُوا: جَدُّ بْنُ قَيْسٍ عَلَى أَنَّا نُبَخِّلُهُ،
قَالَ: «وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَأُ مِنَ الْبُخْلِ، لَكِنَّ
سَيِّدَكُمْ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ» .
__________
382- ع جيد بشواهده. ورد مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ
الله، أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (296) وأبو الشيخ
في «الأمثال» (91- 93) والخطيب في «تاريخه» (4/ 217)
والقضاعي في «مسند الشهاب» (286 و287) وأبو نعيم في
«الحلية» (7/ 317) وإسناد البخاري حسن، رجال ثقات مشاهير،
وأبو الزبير صرح عنده بالتحديث، وورد من حديث ابن عباس
أخرجه الطبراني 12116 وإسناده ضعيف لضعف إبراهيم بن عثمان،
وبه أعله الهيثمي 15742، وورد من حديث كعب بن مالك، أخرجه
الطبراني في «الصغير» (317) ، وقال الهيثمي: رجاله رجال
الصحيح غير شيخ الطبراني، وورد من حديث أبي هريرة عند
الطبراني في «الأوسط» ، وأعله الهيثمي بإبراهيم بن يزيد
المكي، وهو متروك. فهذا الشاهد لا يفرح به، لكن الروايات
المتقدمة تتأيد بمجموعها، وورد مثله لكن في بِشْرُ بْنُ
الْبَرَاءِ بْنُ مَعْرُورٍ بدل عمرو بن الجموح، راجع
«المجمع» (9/ 315) . [.....]
(1) في المطبوع «الاسم» .
(2) زيادة يقتضيها السياق.
(3) زيد في المطبوع وحده.
(4) زيادة عن المخطوط وط.
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) في المخطوط «ينتمي» .
(7) زيد في المطبوع وحده، ويدل عليه سياق الطبري (6968
و6969) .
(8) زيادة يقتضيها السياق.
(9) زيادة عن المخطوط.
(1/436)
قَالَ رَبِّ أَنَّى
يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ
وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا
يَشَاءُ (40) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ
أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا
رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ
بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (41) وَإِذْ قَالَتِ
الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ
وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ
(42)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَحَصُوراً وَنَبِيًّا
مِنَ الصَّالِحِينَ، والحصور: أَصْلُهُ مِنَ الْحَصْرِ
وَهُوَ الْحَبْسُ، وَالْحَصُورُ فِي قَوْلِ ابْنِ
مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ
وقتادة [1] ، وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ: الَّذِي لَا يَأْتِي
النِّسَاءَ وَلَا يَقْرَبُهُنَّ، وَهُوَ عَلَى هَذَا
الْقَوْلِ، فَعُولٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، يَعْنِي: أَنَّهُ
يَحْصُرُ نَفْسَهُ عَنِ الشهوات، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ
الْمُسَيَّبِ: هُوَ [العنين الذي لا ماء لَهُ] [2] ،
فَيَكُونُ الْحَصُورُ بِمَعْنَى الْمَحْصُورِ، يَعْنِي:
الْمَمْنُوعَ مِنَ النِّسَاءِ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ
الْمُسَيَّبِ: كَانَ لَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ،
وَقَدْ تَزَوَّجَ مَعَ ذَلِكَ لِيَكُونَ أَغَضَّ
لِبَصَرِهِ، وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ:
إِنَّ الْحَصُورَ [هُوَ] [3] الْمُمْتَنِعُ مِنَ الْوَطْءِ
مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَ قَوْمٌ هَذَا
الْقَوْلَ لِوَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: لِأَنَّ الْكَلَامَ
خَرَجَ مَخْرَجَ الثَّنَاءِ، وَهَذَا أَقْرَبُ إِلَى
اسْتِحْقَاقِ الثَّنَاءِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَبْعَدُ
مِنْ إِلْحَاقِ الْآفَةِ بِالْأَنْبِيَاءِ.
[سورة آل عمران (3) : آية 40]
قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ
الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ قالَ كَذلِكَ اللَّهُ
يَفْعَلُ مَا يَشاءُ (40)
قَوْلُهُ تَعَالَى: قالَ رَبِّ، أَيْ: يَا سَيِّدِي، قَالَ
لِجِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، هَذَا قَوْلُ
الْكَلْبِيِّ وَجَمَاعَةٍ:
وَقِيلَ: قَالَهُ لِلَّهِ عزّ وجلّ أَنَّى يَكُونُ، يعني:
أَيْنَ يَكُونُ، لِي غُلامٌ، أَيِ: ابْنٌ وَقَدْ
بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ، هَذَا مِنَ الْمَقْلُوبِ، أَيْ:
وَقَدْ بَلَغْتُ الكبر وشخت، كما تقول: بَلَغَنِي
الْجَهْدُ، أَيْ: [أَنَا فِي] [4] الْجَهْدِ، وَقِيلَ:
مَعْنَاهُ: وَقَدْ نَالَنِيَ الْكِبَرُ وَأَدْرَكَنِي
وَأَضْعَفَنِي، قَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانَ زَكَرِيَّا
يَوْمَ بُشِّرَ بِالْوَلَدِ ابن اثنتين وَتِسْعِينَ
سَنَةً، وَقِيلَ: ابْنُ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً،
وَقَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا: كَانَ ابْنَ عِشْرِينَ وَمِائَةِ سَنَةٍ،
وَكَانَتِ امْرَأَتُهُ بِنْتَ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً،
فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَامْرَأَتِي عاقِرٌ، أَيْ:
عَقِيمٌ لَا تَلِدُ، يُقَالُ: رَجُلٌ عَاقِرٌ وَامْرَأَةٌ
عَاقِرٌ، وَقَدْ عَقُرَ بِضَمِّ الْقَافِ يَعْقِرُ عُقْرًا
وَعُقَارَةً، قالَ كَذلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشاءُ،
فَإِنْ قِيلَ: لم قال زكريا بعد ما وَعَدَهُ اللَّهُ
تَعَالَى: أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ، أَكَانَ شَاكًّا فِي
وَعْدِ اللَّهِ وَفِي قُدْرَتِهِ، قِيلَ: إِنَّ زَكَرِيَّا
لَمَّا سَمِعَ [نِدَاءَ] [5] الْمَلَائِكَةِ جَاءَهُ
الشَّيْطَانُ فَقَالَ: يَا زَكَرِيَّا إِنَّ الصَّوْتَ
الَّذِي [سَمِعْتَ] [6] ليس مِنَ اللَّهِ إِنَّمَا هُوَ
مِنَ الشَّيْطَانِ، وَلَوْ كَانَ مِنَ اللَّهِ لَأَوْحَاهُ
إِلَيْكَ كَمَا يُوحِي إِلَيْكَ فِي سَائِرِ الْأُمُورِ
[7] ، فَقَالَ ذَلِكَ دَفْعًا لِلْوَسْوَسَةِ، قَالَهُ [8]
عِكْرِمَةُ وَالسُّدِّيُّ، وَجَوَابٌ آخَرُ: وَهُوَ
أَنَّهُ لَمْ يَشُكَّ فِي وَعْدِ اللَّهِ إِنَّمَا شَكَّ
فِي كَيْفِيَّتِهِ، أَيْ: كَيْفَ ذلك [أتجعلني وامرأتي
شابّين، أم ترزقنا ولدا على الكبر منّا أم ترزقني من امرأة
أخرى؟ قاله مستفهما لا شاكّا، هذا قول الحسن] [9] .
[سورة آل عمران (3) : الآيات 41 الى 42]
قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ
تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً
وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ
وَالْإِبْكارِ (41) وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا
مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ
عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ (42)
قَوْلُهُ تَعَالَى: قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً، أَيْ
[10] : عَلَامَةً أَعْلَمُ بِهَا وَقْتَ حَمْلِ امْرَأَتِي
فَأَزِيدُ فِي الْعِبَادَةِ شُكْرًا لَكَ، قالَ آيَتُكَ
أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ، أي: تَكُفَّ عَنِ الْكَلَامِ،
ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، وَتُقْبِلَ بِكُلِّيَّتِكَ عَلَى
عِبَادَتِي لَا أنه يحبس لِسَانَهُ عَنِ الْكَلَامِ،
وَلَكِنَّهُ نَهْيٌ عَنِ الْكَلَامِ، وَهُوَ صَحِيحٌ
سَوِيٌّ كما قال في سورة
__________
(1) زيد في المطبوع هاهنا «رضي الله عنهم» وغير مناسب أن
تجعل هذه العبارة هاهنا معترضة رجالا من التابعين الأئمة.
(2) ما بين المعقوفتين في المخطوط «المعسر الذي لا مال له»
وهو تصحيف، ليس بشيء.
(3) زيادة عن المخطوط وط.
(4) في المخطوط «نالني» والمثبت هو الذي يدل عليه كلام
المصنف.
(5) في المطبوع وحده «النداء من» . [.....]
(6) في المطبوع «كنت تسمعه» .
(7) في المطبوع «الأحوال» .
(8) في المطبوع «قال» .
(9) ما بين المعقوفتين سقط من- ط-.
(10) زيد في المخطوط «قال بعضهم» .
(1/437)
مريم: أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ
لَيالٍ سَوِيًّا [مريم: 10] ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ
تَعَالَى: وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ،
فَأَمَرَهُ بِالذِّكْرِ وَنَهَاهُ عَنْ كَلَامِ النَّاسِ،
وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: عَقَلَ لِسَانَهُ عَنِ
الْكَلَامِ مع الناس ثلاثة أيام، قال قَتَادَةُ: أَمْسَكَ
لِسَانَهُ عَنِ الْكَلَامِ عُقُوبَةً [لَهُ] [1]
لِسُؤَالِهِ الْآيَةَ، بَعْدَ مُشَافَهَةِ الْمَلَائِكَةِ
إِيَّاهُ، فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْكَلَامِ ثَلَاثَةَ
أَيَّامٍ وَقَوْلُهُ: إِلَّا رَمْزاً، أَيْ: إِشَارَةً
وَالْإِشَارَةُ قَدْ تَكُونُ بِاللِّسَانِ وَبِالْعَيْنِ
وَبِالْيَدِ، وكانت إشارته بالأصبع المسبّحة، قال
الْفَرَّاءُ: قَدْ يَكُونُ الرَّمْزُ بِاللِّسَانِ مِنْ
غَيْرِ أَنْ يُبَيِّنَ، وَهُوَ الصوت الخفي شبه [2]
الْهَمْسَ، وَقَالَ عَطَاءٌ: أَرَادَ بِهِ صَوْمَ
ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِأَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا صَامُوا
لَمْ يَتَكَلَّمُوا إِلَّا رَمْزًا، وَاذْكُرْ رَبَّكَ
كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ، قِيلَ:
الْمُرَادُ بِالتَّسْبِيحِ: الصَّلَاةُ وَالْعَشِيُّ مَا
بَيْنَ زَوَالِ الشمس إلى [غروبها] [3] ، ومنه سمّيت
صَلَاةُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ صَلَاتَيِ الْعَشِيِّ
وَالْإِبْكَارُ، مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْفَجْرِ إِلَى
الضُّحَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ، يَعْنِي:
جِبْرِيلَ، يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ:
اخْتَارَكِ، وَطَهَّرَكِ، قِيلَ: مِنْ مَسِيسِ الرِّجَالِ،
وَقِيلَ: مِنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، قَالَ السُّدِّيُّ:
كَانَتْ مَرْيَمُ لَا تَحِيضُ، وَقِيلَ: مِنَ الذُّنُوبِ،
وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ، قيل: على [نساء]
[4] عَالَمِي زَمَانِهَا، وَقِيلَ:
عَلَى جَمِيعِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ فِي أَنَّهَا
وَلَدَتْ بِلَا أَبٍ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِأَحَدٍ مِنَ
النِّسَاءِ، وَقِيلَ: بِالتَّحْرِيرِ في المسجد ولم [يحرر
فيه أحد من النساء إلّا هي] [5] .
«383» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ،
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن [أبي] رَجَاءٍ
[6] ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ عَنْ هِشَامٍ أخبرني أَبِي
قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ قَالَ:
سَمِعْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ:
سَمِعْتُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ: «خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ بِنْتُ عمران، وخير
نسائها خديجة» .
وَرَوَاهُ وَكِيعٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ
عُرْوَةَ، وَأَشَارَ وَكِيعٌ إِلَى السَّمَاءِ
وَالْأَرْضِ.
«384» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [7]
الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن يوسف] [8]
__________
383- إسناده صحيح على شرط البخاري، أبو رجاء اسمه عبد الله
بن أيوب، النضر هو ابن شميل المازني، هشام هو ابن عروة بن
الزبير، وقد توبع أحمد بن أبي رجاء عند مسلم وغيره، ومن
فوقه على شرطهما.
- وهو في «شرح السنة» (3847) بهذا الإسناد.
- أخرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (3432) عن
أحمد بن أبي رجاء بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 3815 ومسلم 2431 والترمذي 3887 وأحمد 1/
84 و132 و143 وأبو يعلى 522 من طرق عن هشام بن عروة به.
384- إسناده صحيح على شرط البخاري، آدم هو ابن أبي إياس
عبد الرحمن العسقلاني، روى له البخاري دون مسلم، ومن فوقه
رجال الشيخين، شعبة هو ابن الحجاج، عمرو هو ابن مرة بن عبد
الله الجملي، ومرة هو ابن شراحيل الهمداني.
(1) زيادة عن المخطوط وط.
(2) في المخطوط «يشبه» .
(3) في المطبوع وط «غروب الشمس» .
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) العبارة في المطبوع وط «تحرر أنثى» .
(6) في الأصل «بن رجاء» والتصويب من «صحيح البخاري» و «شرح
السنة» .
(7) زيادة عن المخطوط. [.....]
(8) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «شرح
السنة» .
(1/438)
يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي
لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)
ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا
كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ
يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ
يَخْتَصِمُونَ (44) إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا
مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ
اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي
الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45)
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ
أَخْبَرَنَا آدَمُ أَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو [1] بن مرة
[عن مُرَّةَ] [2] عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«كَمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ
النِّسَاءِ إِلَّا مَرْيَمَ بِنْتَ عِمْرَانَ وَآسِيَةَ
امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ، وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى
النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ»
.
«385» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ [3] عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ أَخْبَرَنَا جَدِّي عَبْدُ
الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ [4] ،
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعَذَافِرِيُّ
أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ [5] أَخْبَرَنَا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ
عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: «حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ: مَرْيَمُ
بِنْتُ عِمْرَانَ، وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ،
وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ» .
[سورة آل عمران (3) : الآيات 43 الى 45]
يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي
مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ
نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ
أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ
لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44) إِذْ قالَتِ
الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ
بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ
مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ
الْمُقَرَّبِينَ (45)
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ،
قَالَتْ لَهَا الْمَلَائِكَةُ شَفَاهًا، أي: أطيعي ربك،
قال مُجَاهِدٌ:
أَطِيلِي الْقِيَامَ فِي الصَّلَاةِ لِرَبِّكِ،
وَالْقُنُوتُ: الطَّاعَةُ، وَقِيلَ: الْقُنُوتُ طُولُ
الْقِيَامِ، قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: لَمَّا قالت
__________
- وهو في «شرح السنة» (3857) بهذا الإسناد.
أخرجه المصنف من طريق البخاري وهو في «صحيحه» (3433) عن
آدم بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 5418 ومسلم 2431 وابن ماجه 3280 وابن
حبان 7114 من طريق محمد بن بشار، عن غندر مُحَمَّدُ بْنُ
جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ به.
- وأخرجه البخاري 3411 و3769 والنسائي 7/ 68 وابن أبي شيبة
12/ 128 وأحمد 4/ 394 و409 والطبراني 23/ (106) من طرق عن
شعبة به.
(1) وقع في الأصل «عروة» والتصويب عن «صحيح البخاري» و
«شرح السنة» .
(2) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «صحيح
البخاري» و «شرح السنة» .
(3) وقع في الأصل «أبو بكر سعيد بن عبد الله» والتصويب من
«شرح السنة» و «الأنساب» للسمعاني.
(4) وقع في الأصل «عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ
الصَّمَدِ البزار» والتصويب من «الأنساب» للسمعاني (4/ 33)
و «شرح السنة» .
(5) في الأصل «الديري» وهو تصحيف.
385- إسناده صحيح رجاله رجال البخاري ومسلم، سوى إسحق، وهو
ثقة، معمر هو ابن راشد، قتادة هو ابن دعامة السدوسي.
وهو في «شرح السنة» (3848) بهذا الإسناد.
- أخرجه المصنف من طريق عبد الرزاق وهو في «مصنفه» (20919)
عن معمر بهذا الإسناد.
- ومن طريق عبد الرزاق أخرجه الترمذي 3878 وأحمد 3/ 135
وابن حبان 7003 والطحاوي في «المشكل» (147) والطبراني في
«الكبير» (22/ (1003) والحاكم 3/ 157.
قال الترمذي: هذا حديث صحيح اهـ.
- وأخرجه أحمد في «فضائل الصحابة» (1332 و1338) ومن طريقه
الحاكم 3/ 157- 158 عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ
مَعْمَرٍ، عن الزهري، عن أنس به وصححه الحاكم على شرطهما،
ووافقه الذهبي.
- وله شاهد من حديث ابن عباس بلفظ «أفضل نساء أهل الجنة
خديجة ... » .
أخرجه أحمد 1/ 293 والطحاوي في «المشكل» (148) وأبو يعلى
2722 وابن حبان 7010 والطبراني 11928 و22/ (1019) والحاكم
2/ 594 و3/ 160 و185 وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
(1/439)
وَيُكَلِّمُ النَّاسَ
فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46)
قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ
يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا
يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ
فَيَكُونُ (47) وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (48)
لَهَا الْمَلَائِكَةُ ذَلِكَ قَامَتْ فِي
الصلاة حتى [تورمت] [1] قَدَمَاهَا وَسَالَتْ دَمًا
وَقَيْحًا وَاسْجُدِي وَارْكَعِي، قِيلَ: إِنَّمَا قَدَّمَ
السُّجُودَ عَلَى الرُّكُوعِ لِأَنَّهُ كَانَ كَذَلِكَ فِي
شَرِيعَتِهِمْ، وَقِيلَ: بَلْ كَانَ الرُّكُوعُ قَبْلَ
السُّجُودِ فِي الشَّرَائِعِ كُلِّهَا، وَلَيْسَ الْوَاوُ
لِلتَّرْتِيبِ بَلْ للجمع، يجوز أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ:
رَأَيْتُ زَيْدًا وَعَمْرًا وَإِنْ كَانَ قَدْ رَأَى
عَمْرًا قَبْلَ زَيْدٍ، مَعَ الرَّاكِعِينَ، وَلَمْ يَقُلْ
مَعَ الرَّاكِعَاتِ لِيَكُونَ أَعَمَّ وَأَشْمَلَ،
فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ،
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ مَعَ المصلّين في الجماعة.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ
نُوحِيهِ إِلَيْكَ، يَقُولُ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذَلِكَ الَّذِي ذَكَرْتُ مِنْ حَدِيثِ
زَكَرِيَّا ويحيى ومريم وعيسى، [على نبيّنا وعليهم السلام،
مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ، أَيْ] [2] : مِنْ أَخْبَارِ
الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ رَدَّ الْكِنَايَةَ إِلَى
ذَلِكَ فَلِذَلِكَ ذَكَرَهُ، وَما كُنْتَ يَا مُحَمَّدُ،
لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ، سِهَامَهُمْ فِي
الْمَاءِ لِلِاقْتِرَاعِ، أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ
يَحْضُنُهَا وَيُرَبِّيهَا، وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ
يَخْتَصِمُونَ، فِي كَفَالَتِهَا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا
مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ
اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، إنما قال اسمه،
وردّ الْكِنَايَةَ إِلَى عِيسَى، وَاخْتَلَفُوا فِي أنه لم
سمّي مسيحا، فمنهم مَنْ قَالَ: هُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى
الْمَفْعُولِ يَعْنِي: أَنَّهُ مُسِحَ مِنَ الْأَقْذَارِ
وَطُهِّرَ مِنَ الذُّنُوبِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ مُسِحَ
بِالْبَرَكَةِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ بَطْنِ
أُمِّهِ مَمْسُوحًا بِالدُّهْنِ، وَقِيلَ: مَسَحَهُ
جِبْرِيلُ بِجَنَاحِهِ حَتَّى لَمْ يَكُنْ لِلشَّيْطَانِ
عَلَيْهِ سَبِيلٌ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ كَانَ مَسِيحَ
الْقَدَمِ لَا أَخْمَصَ لَهُ، وَسُمِّيَ الدجال مسيحا
[لأنه مَمْسُوحَ إِحْدَى الْعَيْنَيْنِ] [3] ، وَقَالَ
بَعْضُهُمْ: هُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ، مِثْلُ
عليم وعالم، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما:
سمّي [عيسى عليه السلام] [4] مَسِيحًا لِأَنَّهُ مَا
مَسَحَ ذَا عَاهَةٍ إِلَّا بَرِأَ، وَقِيلَ: سُمِّيَ
بِذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ يَسِيحُ فِي الْأَرْضِ وَلَا
يُقِيمُ فِي مَكَانٍ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَكُونُ
الْمِيمُ فِيهِ زَائِدَةً، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ
النَّخَعِيُّ: الْمَسِيحُ الصِّدِّيقُ، وَيَكُونُ
الْمَسِيحُ بِمَعْنَى:
الْكَذَّابِ، وَبِهِ سُمِّيَ الدَّجَّالُ. وَالْحَرْفُ
مِنَ الْأَضْدَادِ، وَجِيهاً، أَيْ: شَرِيفًا رَفِيعًا ذَا
جَاهٍ وَقَدْرٍ، فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ
الْمُقَرَّبِينَ، عِنْدَ الله.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 46 الى 48]
وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ
الصَّالِحِينَ (46) قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي
وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قالَ كَذلِكِ اللَّهُ
يَخْلُقُ مَا يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ
لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47) وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ
وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (48)
وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ صَغِيرًا قَبْلَ
أَوَانِ الْكَلَامِ، كَمَا ذَكَرَهُ فِي سُورَةِ مَرْيَمَ:
قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ [مريم: 30]
الآية، حكي عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَتْ مَرْيَمُ:
كُنْتُ إِذَا خَلَوْتُ أَنَا وَعِيسَى حَدَّثَنِي
وَحَدَّثْتُهُ، فَإِذَا شَغَلَنِي عَنْهُ إِنْسَانٌ
سَبَّحَ فِي بَطْنِي وَأَنَا أَسْمَعُ قَوْلَهُ،
وَكَهْلًا، قَالَ مُقَاتِلٌ: يعني إذا [اجتمعت قوته] [5]
قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ إِلَى السَّمَاءِ، وَقَالَ
الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: وَكَهْلًا: بَعْدَ نُزُولِهِ
مِنَ السَّمَاءِ، وَقِيلَ: أخبرها [الله] [6] أَنَّهُ
يَبْقَى حَتَّى يَكْتَهِلَ وَكَلَامُهُ بَعْدَ
الْكُهُولَةِ إِخْبَارُهُ عَنِ الْأَشْيَاءِ
الْمُعْجِزَةِ، وَقِيلَ:
وَكَهْلًا: نَبِيًّا بَشَّرَهَا بِنُبُوَّةِ عِيسَى
عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَكَلَامُهُ فِي الْمَهْدِ
مُعْجِزَةٌ وَفِي الْكُهُولَةِ دعوة، وقال مجاهد:
__________
(1) في المطبوع وط «ورمت» .
(2) زيد في المطبوع.
(3) العبارة في المخطوط «لأنه ممسوح العين» .
(4) زيد في المطبوع وحده.
(5) ما بين المعقوفتين في المخطوط وط «اجتمع» .
(6) زيادة عن المخطوط. [.....]
(1/440)
وَرَسُولًا إِلَى
بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ
رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ
كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا
بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ
وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ
بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ
مُؤْمِنِينَ (49)
وَكَهْلًا أَيْ: حَلِيمًا، وَالْعَرَبُ
تَمْدَحُ الْكُهُولَةَ، لِأَنَّهَا الْحَالَةُ الْوُسْطَى
فِي احْتِنَاكِ السِّنِّ وَاسْتِحْكَامِ الْعَقْلِ
وَجَوْدَةِ الرَّأْيِ وَالتَّجْرِبَةِ، وَمِنَ
الصَّالِحِينَ، أَيْ: هُوَ مِنَ الْعِبَادِ الصَّالِحِينَ.
قالَتْ رَبِّ يَا سَيِّدِي، تَقُولُهُ لِجِبْرِيلَ،
وَقِيلَ: تَقُولُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَنَّى يَكُونُ
لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ولم يُصِبْنِي
رَجُلٌ، قَالَتْ ذَلِكَ تَعَجُّبًا إِذْ لَمْ تَكُنْ
جَرَتِ الْعَادَةُ بِأَنْ يُولَدَ وَلَدٌ لَا أَبَ لَهُ،
قالَ كَذلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشاءُ إِذا قَضى
أَمْراً، أراد كَوْنَ الشَّيْءِ، فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ
كُنْ فَيَكُونُ، كَمَا يُرِيدُ، قَوْلُهُ تعالى:
وَيُعَلِّمُهُ، قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَعَاصِمٌ
وَيَعْقُوبُ بِالْيَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: كَذلِكِ
اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشاءُ، وَقِيلَ:
رَدَّهُ عَلَى قَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ.
وَيُعَلِّمُهُ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالنُّونِ عَلَى
التَّعْظِيمِ، كَقَوْلِهِ [1] تَعَالَى: ذلِكَ مِنْ
أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ [آل عمران: 44] ،
قَوْلُهُ: الْكِتابَ، أَيِ: الْكِتَابَةَ وَالْخَطَّ،
وَالْحِكْمَةَ: الْعِلْمَ وَالْفِقْهَ، وَالتَّوْراةَ
وَالْإِنْجِيلَ علّمه الله التوراة والإنجيل.
[سورة آل عمران (3) : آية 49]
وَرَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ
بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ
الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ
طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ
وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ
وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي
بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ
مُؤْمِنِينَ (49)
وَرَسُولًا، أَيْ: وَنَجْعَلُهُ رَسُولًا إِلى بَنِي
إِسْرائِيلَ، قِيلَ: كَانَ رَسُولًا فِي حَالِ الصِّبَا،
وَقِيلَ:
إِنَّمَا كَانَ رَسُولًا بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَكَانَ
أَوَّلُ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ يُوسُفَ
وَآخِرُهُمْ عِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، فَلَمَّا
بُعِثَ قَالَ: أَنِّي، قَالَ الْكِسَائِيُّ: إِنَّمَا
فَتَحَ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الرِّسَالَةَ عَلَيْهِ،
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ بِأَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ،
عَلَامَةٍ، مِنْ رَبِّكُمْ، تُصَدِّقُ قَوْلِي، وَإِنَّمَا
قَالَ بِآيَةٍ وَقَدْ أَتَى بِآيَاتٍ لِأَنَّ الْكُلَّ [من
ذلك الآيات] [2] دَلَّ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ وَهُوَ
صِدْقُهُ فِي الرِّسَالَةِ، فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ عِيسَى
عَلَيْهِ السَّلَامُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ قَالُوا: وَمَا
هِيَ؟ قَالَ: أَنِّي، قَرَأَ نَافِعٌ بِكَسْرِ الْأَلْفِ
عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ
عَلَى مَعْنَى بِإِنِّي أَخْلُقُ، أَيْ: أُصَوِّرُ
وَأُقَدِّرُ، لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ،
قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ «كَهَيْئَةِ الطَّائِرِ» ، هَاهُنَا
وَفِي الْمَائِدَةِ، وَالْهَيْئَةُ الصُّورَةُ
الْمُهَيَّأَةُ مِنْ قَوْلِهِمْ: هَيَّأْتُ الشَّيْءَ
إِذَا قَدَّرْتُهُ وَأَصْلَحْتُهُ، فَأَنْفُخُ فِيهِ،
أَيْ:
فِي الطَّيْرِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ،
قِرَاءَةُ الْأَكْثَرِينَ بِالْجَمْعِ، [لِأَنَّهُ خَلَقَ
طَيْرًا كَثِيرًا] [3] ، وَقَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ
وَيَعْقُوبُ «فَيَكُونُ طَائِرًا» عَلَى الْوَاحِدِ
هَاهُنَا وَفِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ، ذَهَبُوا إِلَى
نَوْعٍ وَاحِدٍ مِنَ الطَّيْرِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَخْلُقْ
غَيْرَ الْخُفَّاشِ، وَإِنَّمَا خَصَّ الْخُفَّاشَ
لِأَنَّهُ أَكْمَلُ الطَّيْرِ خلقا لأن له ثَدْيًا
وَأَسْنَانًا، وَهِيَ تَحِيضُ، قَالَ وَهْبٌ:
كَانَ يَطِيرُ مَا دَامَ النَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ
فَإِذَا غَابَ عَنْ أَعْيُنِهِمْ سَقَطَ مَيِّتًا
لِيَتَمَيَّزَ فِعْلُ الْخَلْقِ مِنْ فِعْلِ الْخَالِقِ
[تعالى] ، وَلِيَعْلَمَ أَنَّ الْكَمَالَ لِلَّهِ عَزَّ
وجلّ، قوله تعالى: وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ،
أَيْ: أَشْفِيهِمَا وَأُصَحِّحُهُمَا، وَاخْتَلَفُوا فِي
الْأَكْمَهِ قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا وَقَتَادَةُ: هُوَ الَّذِي وُلِدَ أَعْمَى،
وَقَالَ الْحَسَنُ وَالسُّدِّيُّ: هُوَ الْأَعْمَى،
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هُوَ الْأَعْمَشُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ:
هُوَ الَّذِي يُبْصِرُ بِالنَّهَارِ ولا يبصر بالليل،
وَالْأَبْرَصَ هو الَّذِي بِهِ وَضَحٌ، وَإِنَّمَا خَصَّ
هَذَيْنِ لِأَنَّهُمَا دَاءَانِ عَيَاءَانِ وَكَانَ الغالب
في
__________
(1) في المخطوط «لقوله» .
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) العبارة في المخطوط «على أنه طيور كثيرة» .
(1/441)
زَمَنِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ
الطِّبَّ، [فأراهم الله الْمُعْجِزَةَ] [1] مِنْ جِنْسِ
ذَلِكَ، قَالَ وهب [2] : ربما اجتمع على عِيسَى عَلَيْهِ
السَّلَامُ مِنَ الْمَرْضَى فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ
خَمْسُونَ أَلْفًا مَنْ أَطَاقَ مِنْهُمْ أَنْ يَبْلُغَهُ
بَلَغَهُ، وَمَنْ لَمْ يُطِقْ مَشَى إليه عيسى، وَكَانَ
يُدَاوِيهِمْ بِالدُّعَاءِ عَلَى شَرْطِ الإيمان، قوله
تعالى: وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ، قَالَ ابْنُ
عباس [3] : قَدْ أَحْيَا أَرْبَعَةَ أَنْفُسٍ عَازِرَ
وَابْنَ الْعَجُوزِ وَابْنَةَ الْعَاشِرِ وَسَامَ بْنَ
نُوحٍ، فَأَمَّا عَازِرُ فَكَانَ صَدِيقًا لَهُ
فَأَرْسَلَتْ أُخْتُهُ إِلَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ
أَنَّ أَخَاكَ عَازِرَ يَمُوتُ وَكَانَ بَيْنَهُ
وَبَيْنَهُ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَأَتَاهُ هُوَ
وَأَصْحَابُهُ فَوَجَدُوهُ قَدْ مَاتَ مُنْذُ ثَلَاثَةِ
أَيَّامٍ، فَقَالَ لِأُخْتِهِ: انْطَلِقِي بِنَا إِلَى
قَبْرِهِ، فَانْطَلَقَتْ مَعَهُمْ إِلَى قَبْرِهِ [فَدَعَا
اللَّهَ تَعَالَى فقام عازر وودكه بقطر فَخَرَجَ مِنْ
قَبْرِهِ] [4] وَبَقِيَ وَوُلِدَ له، وأما ابن العجوز فإنه
مُرَّ بِهِ مَيِّتًا عَلَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ
عَلَى سَرِيرٍ يُحْمَلُ، فدعا الله عيسى فجلس عن سَرِيرِهِ
وَنَزَلَ عَنْ أَعْنَاقِ الرِّجَالِ وَلَبِسَ ثِيَابَهُ
وَحَمَلَ السَّرِيرَ عَلَى عُنُقِهِ وَرَجَعَ إِلَى
أَهْلِهِ فَبَقِيَ وَوُلِدَ لَهُ، وَأَمَّا ابْنَةُ
الْعَاشِرِ فكان والدها رَجُلًا يَأْخُذُ الْعُشُورَ،
مَاتَتْ لَهُ بِنْتٌ بِالْأَمْسِ فَدَعَا اللَّهَ عَزَّ
وجلّ فأحياها، وبقيت ولدت [5] ، وَأَمَّا سَامُ بْنُ نُوحٍ
عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ
جَاءَ إِلَى قَبْرِهِ فَدَعَا بِاسْمِ اللَّهِ الْأَعْظَمِ
فَخَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ، وَقَدْ شَابَ نِصْفُ رَأْسِهِ
خَوْفًا من قيام الساعة، [وقيل:
خوفا من خروج روحه ثانيا فيحصل له ما حصل أولا من سكرات
الموت] [6] ، وَلَمْ يَكُونُوا يَشِيبُونَ فِي ذَلِكَ
الزمان، فقال [سام] [7] : قد قامت القيامة؟ قال [عيسى] [8]
: لَا وَلَكِنَّ دَعَوْتُكَ بِاسْمِ اللَّهِ الْأَعْظَمِ،
ثُمَّ قَالَ لَهُ:
مُتْ، قَالَ: بِشَرْطِ أَنْ يُعِيذَنِي اللَّهُ مِنْ
سَكَرَاتِ الْمَوْتِ، فَدَعَا اللَّهَ ففعل [9] . قوله
تعالى: وَأُنَبِّئُكُمْ أخبركم، بِما تَأْكُلُونَ، مِمَّا
لَمَّ أُعَايِنْهُ، وَما تَدَّخِرُونَ، تَرْفَعُونَهُ، فِي
بُيُوتِكُمْ، حَتَّى تَأْكُلُوهُ، وَقِيلَ: كَانَ يُخْبِرُ
الرَّجُلَ بِمَا أَكَلَ الْبَارِحَةَ وَبِمَا يَأْكُلُ
الْيَوْمَ وَبِمَا ادَّخَرَهُ لِلْعَشَاءِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: كَانَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ
فِي الْكُتَّابِ يُحَدِّثُ الْغِلْمَانَ بِمَا يَصْنَعُ
آبَاؤُهُمْ، وَيَقُولُ لِلْغُلَامِ: انْطَلِقْ فَقَدْ
أَكَلَ أَهْلُكَ كَذَا وَكَذَا وَرَفَعُوا لَكَ كَذَا
وَكَذَا، فَيَنْطَلِقُ الصَّبِيُّ إِلَى أَهْلِهِ
وَيَبْكِي عَلَيْهِمْ حَتَّى يُعْطُوهُ ذَلِكَ الشَّيْءَ،
فَيَقُولُونَ: مَنْ أَخْبَرَكَ بِهَذَا؟ فَيَقُولُ: عيسى
عليه السلام، فَحَبَسُوا صِبْيَانَهُمْ عَنْهُ، وَقَالُوا:
لَا تَلْعَبُوا مَعَ هَذَا السَّاحِرِ فَجَمَعُوهُمْ فِي
بَيْتٍ، فَجَاءَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ يَطْلُبُهُمْ
فَقَالُوا: لَيْسُوا هَاهُنَا، فَقَالَ: فَمَا فِي هَذَا
الْبَيْتِ؟ قَالُوا: خَنَازِيرُ، قَالَ عِيسَى: كَذَلِكَ
يكونون، ففتحوا عنهم فإذا هم خنازير، ففشا ذَلِكَ فِي
بَنِي إِسْرَائِيلَ فَهَمَّتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ،
فَلَمَّا خَافَتْ عليه أمه حملته على حمار لها وخرجت هاربة
إلى مصر، وقال قتادة: إنما كان هذا في المائدة، وكانت
خِوَانًا يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ أَيْنَمَا كَانُوا
كَالْمَنِّ وَالسَّلْوَى، وَأُمِرُوا أَنْ لَا يخونوا ولا
يخبئوا للغد فخانوا وخبؤوا، فَجَعَلَ عِيسَى يُخْبِرُهُمْ
بِمَا أَكَلُوا مِنَ الْمَائِدَةِ وَبِمَا ادَّخَرُوا
مِنْهَا، فَمَسَخَهُمُ اللَّهُ خَنَازِيرَ. قَوْلُهُ
تَعَالَى: إِنَّ فِي ذلِكَ، الَّذِي ذَكَرْتُ، لَآيَةً
لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.
__________
(1) العبارة في المخطوط «فأتاهم بالمعجزة» .
(2) هذا من إسرائيليات وهب بن منبه.
(3) لا يصح عن ابن عباس، وهو من الإسرائيليات.
(4) زيد في المطبوع وط.
(5) في المخطوط وط «وولد لها» .
(6) زيادة عن المخطوط، ولعلها ليست من كلام ابن عباس لأن
فيه لفظ «قيل» وإنما هي تفسيرية معترضة، والله أعلم.
(7) زيادة عن المخطوط.
(8) في المطبوع «عليهم» .
(9) هذا من الإسرائيليات لا حجة فيه.
(1/442)
وَمُصَدِّقًا لِمَا
بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ
بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ
مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50)
[سورة آل عمران (3) : الآيات 50 الى 51]
وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ
وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ
وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ
وَأَطِيعُونِ (50) إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ
فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (51)
وَمُصَدِّقاً عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَرَسُولًا، لِما
بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ
بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ، مِنَ اللُّحُومِ
وَالشُّحُومِ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَرَادَ
بِالْبَعْضِ الْكُلَّ، يَعْنِي: كُلَّ الَّذِي حُرِّمَ
عَلَيْكُمْ، وقد ذكر الْبَعْضُ وَيُرَادُ بِهِ الْكُلُّ
كَقَوْلِ لَبِيدٍ:
تَرَّاكُ أَمْكِنَةٍ إِذَا لَمْ أرضها ... أو يرتبط بَعْضَ
النُّفُوسِ حِمَامُهَا
يَعْنِي: كُلَّ النُّفُوسِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ،
يَعْنِي: مَا ذَكَرَ [1] مِنَ الْآيَاتِ، وَإِنَّمَا
وَحَّدَهَا لِأَنَّهَا كُلَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ فِي
الدَّلَالَةِ عَلَى رِسَالَتِهِ، فَاتَّقُوا اللَّهَ
وَأَطِيعُونِ.
[سورة آل عمران (3) : آية 52]
فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ
أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ
أَنْصارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا
مُسْلِمُونَ (52)
فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى، أي: وجد، قال الْفَرَّاءُ،
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: عَرَفَ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ:
رَأَى، مِنْهُمُ الْكُفْرَ وأرادوا قتله استنصر عليهم،
قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ، قَالَ السُّدِّيُّ:
كَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ
لَمَّا بعثه الله تعالى إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ
وَأَمَرَهُ بِالدَّعْوَةِ نَفَتْهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ
وَأَخْرَجُوهُ، فَخَرَجَ هُوَ وَأُمُّهُ يَسِيحَانِ [2]
فِي الْأَرْضِ، فَنَزَلَ فِي قَرْيَةٍ عَلَى رَجُلٍ
فَأَضَافَهُمَا وَأَحْسَنَ إِلَيْهِمَا وَكَانَ لِتِلْكَ
الْمَدِينَةِ جَبَّارٌ مُتَعَدٍّ فَجَاءَ ذَلِكَ الرجل
يوما مغتما [3] حَزِينًا فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ وَمَرْيَمُ
عِنْدَ امْرَأَتِهِ، فَقَالَتْ لَهَا مَرْيَمُ: مَا شَأْنُ
زَوْجِكِ أَرَاهُ كَئِيبًا، قَالَتْ: لَا تَسْأَلِينِي،
قَالَتْ: أَخْبِرِينِي لَعَلَّ اللَّهَ يُفَرِّجُ
كُرْبَتَهُ، قَالَتْ: إِنَّ لَنَا مَلِكًا يَجْعَلُ عَلَى
كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا يَوْمًا أَنْ يُطْعِمَهُ وَجُنُودَهُ
وَيَسْقِيَهُمُ الْخَمْرَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ
عَاقَبَهُ، وَالْيَوْمَ نَوْبَتُنَا وَلَيْسَ لِذَلِكَ
عِنْدَنَا سَعَةٌ، قَالَتْ: فَقُولِي له لا تهتم فَإِنِّي
آمُرُ ابْنِي فَيَدْعُو لَهُ فَيُكْفَى ذَلِكَ، فَقَالَتْ
مَرْيَمُ لِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي ذَلِكَ،
فَقَالَ عِيسَى: إِنْ فَعَلْتُ ذَلِكَ وَقَعَ شرّ، قالت:
فلا تبالي فَإِنَّهُ قَدْ أَحْسَنَ إِلَيْنَا
وَأَكْرَمَنَا، قَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ:
فَقُولِي لَهُ إِذَا اقْتَرَبَ ذَلِكَ فَامْلَأْ قُدُورَكَ
وَخَوَابِيكَ مَاءً، ثُمَّ أَعْلِمْنِي، فَفَعَلَ ذَلِكَ،
فَدَعَا اللَّهَ تَعَالَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ
فَتَحَوَّلَ مَاءُ الْقُدُورِ [4] مَرَقًا وَلَحْمًا
وَمَاءُ الْخَوَابِي خَمْرًا لَمْ يَرَ النَّاسُ مِثْلَهُ
قَطُّ، فَلَمَّا جَاءَ الْمَلِكُ أَكَلَ فَلَمَّا شَرِبَ
الْخَمْرَ قَالَ: مِنْ أَيْنَ هَذَا الْخَمْرُ؟ قَالَ:
مَنْ أَرْضِ كَذَا، قَالَ الْمَلِكُ: فَإِنَّ خَمْرِي مِنْ
تِلْكَ الْأَرْضِ وَلَيْسَتْ مِثْلَ هَذِهِ، قَالَ: هِيَ
مِنْ أَرْضٍ أُخْرَى، فَلَمَّا خَلَطَ عَلَى الْمَلِكِ
وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ، قَالَ: فَأَنَا أُخْبِرُكَ عِنْدِي
غُلَامٌ لَا يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ
إِيَّاهُ، وَإِنَّهُ دَعَا اللَّهُ فَجَعَلَ الْمَاءَ
خَمْرًا [5] ، وَكَانَ لِلْمَلِكِ ابْنٌ يُرِيدُ أَنْ
يَسْتَخْلِفَهُ فَمَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ بِأَيَّامٍ، وَكَانَ
أَحَبَّ الْخَلْقِ إِلَيْهِ، فَقَالَ: إِنَّ رَجُلًا دَعَا
اللَّهَ حتى جعل الماء خمرا ليجاء به إليّ حَتَّى يُحْيِيَ
ابْنِي، فَدَعَا عِيسَى فَكَلَّمَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ
عِيسَى: لَا تَفْعَلْ فَإِنَّهُ إِنْ عَاشَ وقع شر، قال
الْمَلِكُ: لَا أُبَالِي أَلَيْسَ أَرَاهُ حيا؟ فقال
عِيسَى: إِنْ أَحْيَيْتُهُ تَتْرُكُونِي وَأُمِّي نذهب حيث
__________
(1) في المخطوط «ذكرنا» .
(2) في المطبوع «يسبحان» . [.....]
(3) في المطبوع وط «مهتما» .
(4) في المطبوع «القدر» .
(5) زيد في المطبوع وحده «ومرقا ولحما» .
(1/443)
نَشَاءُ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَدَعَا اللَّهَ
فَعَاشَ الْغُلَامُ فَلَمَّا رَآهُ أَهْلُ مملكته قد عاش
تبادروا إلى السلاح، وَقَالُوا: أَكَلَنَا هَذَا حَتَّى
إِذَا دَنَا مَوْتُهُ يُرِيدُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ عَلَيْنَا
ابْنَهُ، فَيَأْكُلُنَا كَمَا أَكَلَ أبوه، فاقتتلوا وذهب
عِيسَى وَأُمُّهُ فَمَرَّ بِالْحَوَارِيِّينَ وَهُمْ
يَصْطَادُونَ السَّمَكَ، فَقَالَ: مَا تَصْنَعُونَ؟ قالوا:
نَصْطَادُ السَّمَكَ، قَالَ: أَفَلَا تَمْشُونَ حَتَّى
نَصْطَادَ النَّاسَ، قَالُوا: وَمَنْ أنت؟ قال: عِيسَى
ابْنُ مَرْيَمَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، مَنْ
أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ، فَآمَنُوا بِهِ وَانْطَلَقُوا
مَعَهُ [1] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ، قَالَ
السُّدِّيُّ وَابْنُ جُرَيْجٍ: مَعَ اللَّهِ تَعَالَى،
تَقُولُ الْعَرَبُ: الذَّوْدُ إِلَى الذَّوْدِ إِبِلٌ،
أَيْ: مَعَ الذود كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلا
تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ [النِّسَاءِ:
2] ، أَيْ: مَعَ أَمْوَالِكُمْ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَأَبُو
عُبَيْدَةَ: إِلى، بِمَعْنَى فِي، أَيْ: مَنْ أَعْوَانِي
فِي اللَّهِ، أَيْ: فِي ذَاتِ اللَّهِ وَسَبِيلِهِ، وقيل:
إِلى على مَوْضِعِهِ [2] مَعْنَاهُ: مَنْ يَضُمُّ
نُصْرَتَهُ إِلَى نُصْرَةِ اللَّهِ لِي، وَاخْتَلَفُوا فِي
الْحَوَارِيِّينَ، قَالَ مُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ: كَانُوا
صَيَّادِينَ يَصْطَادُونَ السَّمَكَ، سُمُّوا
حَوَارِيِّينَ لِبَيَاضِ ثِيَابِهِمْ، وَقِيلَ: كَانُوا
مَلَّاحِينَ، وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانُوا قَصَّارِينَ،
سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُحَوِّرُونَ
الثِّيَابَ، أَيْ: يُبَيِّضُونَهَا، وَقَالَ عَطَاءٌ:
أسلمت [3] مَرْيَمُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى
أَعْمَالٍ شَتَّى، فَكَانَ آخِرُ مَا دَفَعَتْهُ إِلَى
الْحَوَارِيِّينَ وَكَانُوا قَصَّارِينَ وَصَبَّاغِينَ،
فَدَفَعَتْهُ إِلَى رَئِيسِهِمْ لِيَتَعَلَّمَ منه فاجتمع
عنده ثياب [كثيرة، لتصبغ على ألوان شتى] [4] ، وَعَرَضَ
لَهُ سَفَرٌ فَقَالَ لِعِيسَى: إِنَّكَ قَدْ تَعَلَّمْتَ
هَذِهِ الْحِرْفَةَ وَأَنَا خَارِجٌ فِي سَفَرٍ لَا
أَرْجِعُ إِلَى عَشْرَةِ أَيَّامٍ، وَهَذِهِ ثياب مختلفة
الألوان وقد علّمت كل واحد بِخَيْطٍ عَلَى اللَّوْنِ
الَّذِي يُصْبَغُ به، فأحب [5] أَنْ تَكُونَ فَارِغًا
مِنْهَا وَقْتَ قدومي، وخرج فطبخ عيسى حبّا [6] وَاحِدًا
عَلَى لَوْنٍ وَاحِدٍ وَأَدْخَلَ جميع الثياب [فيه] [7] ،
وَقَالَ: كُونِي بِإِذْنِ اللَّهِ عَلَى مَا أُرِيدَ
مِنْكِ، فَقَدِمَ الْحَوَارِيُّ والثياب كلها في الحب،
فَقَالَ: مَا فَعَلْتَ؟ فَقَالَ:
فَرَغْتُ [مِنْهَا] [8] ، قَالَ: أَيْنَ هِيَ؟ قَالَ: في
الحب، قَالَ: كُلُّهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: لقد أفسدت
تلك الثياب، قال: قُمْ فَانْظُرْ، فَأَخْرَجَ عِيسَى
ثَوْبًا أَحْمَرَ وَثَوْبًا أَصْفَرَ وَثَوْبًا أَخْضَرَ
إِلَى أَنْ أَخْرَجَهَا عَلَى الْأَلْوَانِ التي أرادها
[ذلك الحواري] [9] ، فجعل الحواري يتعجّب ويعلم أَنَّ
ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ [تَعَالَى] ، فَقَالَ لِلنَّاسِ [10]
:
تَعَالَوْا فَانْظُرُوا، فَآمَنَ بِهِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ،
فَهُمُ الْحَوَارِيُّونَ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: سُمُّوا
حَوَارِيِّينَ لِصَفَاءِ قُلُوبِهِمْ، وَقَالَ ابْنُ
الْمُبَارَكِ: سُمُّوا بِهِ لِمَا عَلَيْهِمْ مِنْ أَثَرِ
الْعِبَادَةِ وَنُورِهَا، وَأَصْلُ الْحَوَرِ عِنْدَ
الْعَرَبِ: شِدَّةُ الْبَيَاضِ، [يُقَالُ: رَجُلٌ أَحْوَرُ
وَامْرَأَةٌ حَوْرَاءُ، أَيْ: شَدِيدَةُ بَيَاضِ
الْعَيْنِ] [11] ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ وَعِكْرِمَةُ:
الْحَوَارِيُّونَ هُمُ الْأَصْفِيَاءُ، وَهُمْ كَانُوا
أَصْفِيَاءَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَكَانُوا
اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا، قَالَ رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ:
سَأَلْتُ قَتَادَةَ عَنِ الحواريين، قال: هم الذين تصلح
لهم الخلافة، وعنه أيضا أَنَّهُ قَالَ: الْحَوَارِيُّونَ
هُمُ الْوُزَرَاءُ، وَقَالَ الْحَسَنُ: الْحَوَارِيُّونَ
الْأَنْصَارُ، وَالْحَوَارِيُّ النَّاصِرُ،
وَالْحَوَارِيُّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ خَاصَّةً:
الرَّجُلُ الَّذِي يَسْتَعِينُ بِهِ فيما ينويه.
__________
(1) هذا الخبر من الإسرائيليات، لا حجة فيه البتة، والسدي
روى الكثير عن أهل الكتاب.
(2) في المطبوع «في موضعها» وفي- ط «في موضعه» .
(3) في المطبوع وط «سلمت» والمثبت عن المخطوط والقرطبي (4/
96) .
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) في- ط «فيجب» .
(6) تصحف في المخطوط إلى «جنسا» وفي ط «جبا» والمثبت هو
الصواب، والحب وعاء كبير كان يستخدم قديما.
(7) زيادة عن المخطوط.
(8) زيادة عن المخطوط.
(9) زيادة عن المخطوط.
(10) في المطبوع «الناس» .
(11) زيد في المطبوع وط. [.....]
(1/444)
رَبَّنَا آمَنَّا
بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا
مَعَ الشَّاهِدِينَ (53) وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ
وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (54)
«386» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ
أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ
أَخْبَرَنَا الْحُمَيْدِيُّ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: سَمِعْتُ
جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،
يَقُولُ:
نَدَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
النَّاسَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ،
ثُمَّ نَدَبَهُمْ، فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرَ، فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ
لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا، وَحَوَارِيِّي الزُّبَيْرُ»
.
قَالَ سُفْيَانُ: الْحَوَارِيُّ: النَّاصِرُ [1] .
قَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ قَتَادَةُ: إِنَّ الْحَوَارِيِّينَ
كُلَّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ، أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ
وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَحَمْزَةُ وَجَعْفَرٌ وَأَبُو
عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ
وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي
وَقَّاصٍّ وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَالزُّبَيْرُ
بْنُ الْعَوَّامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ،
قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ، أَعْوَانُ
دِينِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ،
يَا عيسى، بِأَنَّا مُسْلِمُونَ.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 53 الى 54]
رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ
فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53) وَمَكَرُوا وَمَكَرَ
اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (54)
رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ، مِنْ كِتَابِكَ [2] ،
وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ، عِيسَى، فَاكْتُبْنا مَعَ
الشَّاهِدِينَ، الَّذِينَ شَهِدُوا لِأَنْبِيَائِكَ
بِالصِّدْقِ، وَقَالَ عَطَاءٌ: مَعَ النَّبِيِّينَ لِأَنَّ
كُلَّ نَبِيٍّ شَاهِدُ أُمَّتِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: مَعَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّتِهِ، لِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ
للرسل بالبلاغ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَكَرُوا، يَعْنِي: كُفَّارَ بَنِي
إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ أَحَسَّ عِيسَى منهم الكفر، دبروا
فِي قَتْلِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، [وذلك أن عيسى]
[3] بَعْدَ إِخْرَاجِ قَوْمِهِ [إِيَّاهُ] وَأُمَّهُ [من
بينهم] [4] عَادَ إِلَيْهِمْ مَعَ الْحَوَارِيِّينَ،
وَصَاحَ فيهم بالدعوة فهمّوا بقتله وتواطؤوا عَلَى
الْفَتْكِ بِهِ فَذَلِكَ مَكْرُهُمْ، قَالَ اللَّهُ
تَعَالَى:
وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ،
فَالْمَكْرُ مِنَ المخلوقين الخبث والخديعة والحيلة و [5]
، من الله: استدراج
__________
386- إسناده صحيح على شرط البخاري، الحميدي هو عبد الله بن
الزبير بن عيسى القرشي المكي أبو بكر، سفيان هو ابن عيينة،
أخرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (2997) عن
الحميدي بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 2847 و7261 ومسلم 2415 والنسائي في
«الكبرى» (8860) وأحمد 3/ 307 وأبو عوانة 4/ 301 من طريق
سفيان بن عيينة بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 2846 و4113 ومسلم 2415 والترمذي 3745
والنسائي في «الكبرى» (8211 و11159) وابن ماجه 122 وأحمد
3/ 365 والبيهقي في «الدلائل» (3/ 431) والبغوي في «شرح
السنة» (3811) من طرق عن سفيان الثوري عن ابن المنكدر به.
- وأخرجه البخاري 3719 وأحمد 3/ 338 من طريق عبد العزيز عن
ابن المنكدر به.
- وأخرجه ابن أبي شيبة 12/ 92 ومسلم 2415 وأحمد 3/ 314
وابن حبان 6985 عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ ابن
المنكدر به.
(1) إلى هنا لفظ البخاري.
(2) في المخطوط «آياتك» والمثبت عن المطبوع وط.
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) في المطبوع وط «والمكر» بدل «و» .
(1/445)
الْعَبْدِ وَأَخْذُهُ بَغْتَةً مِنْ حَيْثُ
لَا يَعْلَمُ، كَمَا قَالَ: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ
حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ [الْأَعْرَافِ: 182] ، وَقَالَ
الزَّجَّاجُ: مَكْرُ اللَّهِ عَزَّ وجلّ مجازاته [1] عَلَى
مَكْرِهِمْ، فَسَمَّى الْجَزَاءَ بِاسْمِ الِابْتِدَاءِ
[2] لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَتِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ [الْبَقَرَةِ: 15] ، وَهُوَ
خادِعُهُمْ
[النِّسَاءِ: 142] ، وَمَكْرُ اللَّهِ تَعَالَى خَاصَّةً
بِهِمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَهُوَ إِلْقَاؤُهُ الشَّبَهَ
عَلَى صَاحِبِهِمُ الَّذِي أَرَادَ قَتْلَ عِيسَى عَلَيْهِ
السَّلَامُ، حَتَّى قُتِلَ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: عَنْ
أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا [3] : أَنَّ عِيسَى اسْتَقْبَلَ رَهْطًا مِنَ
الْيَهُودِ فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: قَدْ جَاءَ
السَّاحِرُ ابْنُ السَّاحِرَةِ وَالْفَاعِلُ ابْنُ
الْفَاعِلَةِ، وَقَذَفُوهُ وَأَمَّهُ فَلَمَّا سَمِعَ
ذَلِكَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ منهم دَعَا عَلَيْهِمْ،
وَلَعَنَهُمْ فَمَسَخَهُمُ اللَّهُ خَنَازِيرَ، فَلَمَّا
رَأَى ذَلِكَ يَهُوذَا رَأْسُ الْيَهُودِ وَأَمِيرُهُمْ،
فَزِعَ لِذَلِكَ وَخَافَ دَعْوَتَهُ، فَاجْتَمَعَتْ
كَلِمَةُ الْيَهُودِ عَلَى قَتْلِ عِيسَى عَلَيْهِ
السَّلَامُ، [فثاروا إليه] [4] ليقتلوه فبعث الله
جِبْرِيلَ فَأَدْخَلَهُ فِي خَوْخَةٍ فِي سقفها روزنة
فرفعه إِلَى السَّمَاءِ مِنْ تِلْكَ الرَّوْزَنَةِ،
فَأَمَرَ يَهُوذَا رَأْسُ الْيَهُودِ رَجُلًا مِنْ
أَصْحَابِهِ يُقَالُ لَهُ: طَطْيَانُوسُ أَنْ يَدْخُلَ
الْخَوْخَةَ وَيَقْتُلَهُ، فَلَمَّا دخل غرفته لَمْ يَرَ
عِيسَى فَأَبْطَأَ عَلَيْهِمْ فَظَنُّوا أَنَّهُ
يُقَاتِلُهُ فِيهَا فَأَلْقَى اللَّهُ عَلَيْهِ شِبْهَ
عِيسَى عَلَيْهِ السلام، فلما خرج [عليهم] [5] ظَنُّوا
أَنَّهُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَتَلُوهُ
وَصَلَبُوهُ، قَالَ وَهْبٌ: طَرَقُوا عِيسَى فِي بَعْضِ
اللَّيْلِ وَنَصَبُوا [له] [6] خشبة ليصلبوه [عليها] [7] ،
فَأَظْلَمَتِ الْأَرْضُ فَأَرْسَلَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ
فَحَالَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، فَجَمَعَ عِيسَى
الْحَوَارِيِّينَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَأَوْصَاهُمْ ثُمَّ
قَالَ: لَيَكْفُرَنَّ بِي أَحَدُكُمْ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ
الدِّيكُ وَيَبِيعُنِي بِدَرَاهِمَ يَسِيرَةٍ، فَخَرَجُوا
وَتَفَرَّقُوا، وَكَانَتِ [8] الْيَهُودُ تَطْلُبُهُ
فَأَتَى أَحَدُ الْحَوَارِيِّينَ إِلَى الْيَهُودِ فَقَالَ
لَهُمْ: مَا تَجْعَلُونَ لِي إِنْ دَلَلْتُكُمْ عَلَى
الْمَسِيحِ؟ فَجَعَلُوا لَهُ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا،
فَأَخَذَهَا وَدَلَّهُمْ عَلَيْهِ، وَلَمَّا دَخَلَ
الْبَيْتَ أَلْقَى اللَّهُ عَلَيْهِ شَبَهَ عِيسَى،
فَرُفِعَ عِيسَى، وَأُخِذَ الَّذِي دَلَّهُمْ عَلَيْهِ،
فَقَالَ: أَنَا الَّذِي دَلَلْتُكُمْ عَلَيْهِ، فَلَمْ
يَلْتَفِتُوا إِلَى قَوْلِهِ، وَقَتَلُوهُ وَصَلَبُوهُ
وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ عِيسَى، فَلَمَّا صُلِبَ شِبْهُ
عِيسَى جاءت مريم وَامْرَأَةٌ كَانَ عِيسَى دَعَا لَهَا
فَأَبْرَأَهَا اللَّهُ مِنَ الْجُنُونِ تَبْكِيَانِ عِنْدَ
الْمَصْلُوبِ، فَجَاءَهُمَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ
فَقَالَ لَهُمَا: عَلَامَ تَبْكِيَانِ إن الله قَدْ
رَفَعَنِي وَلَمْ يُصِبْنِي إِلَّا خَيْرٌ، وَإِنَّ هَذَا
شَيْءٌ شُبِّهَ لَهُمْ، فَلَّمَا كَانَ بَعْدَ سَبْعَةِ
أيام [من فعلهم] [9] ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
لِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: اهْبِطْ عَلَى مَرْيَمَ
الْمَجْدَلَانِيَّةِ. اسْمُ مَوْضِعٍ فِي جَبَلِهَا.
فَإِنَّهُ لَمْ يَبْكِ [عَلَيْكَ] أَحَدٌ بكاءها، ولم يحزن
عليك أحد حُزْنَهَا، ثُمَّ لِيَجْتَمِعَ لَكَ
الْحَوَارِيُّونَ فَبُثَّهُمْ فِي الْأَرْضِ دُعَاةً إِلَى
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَأَهْبَطَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا
فَاشْتَعَلَ الْجَبَلُ حِينَ هَبَطَ نورا فجمعت له
الْحَوَارِيُّونَ فَبُثَّهُمْ فِي الْأَرْضِ دُعَاةً ثُمَّ
رَفَعَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ وَتِلْكَ
اللَّيْلَةُ هِيَ الَّتِي تَدَخَّنَ فِيهَا النَّصَارَى،
فَلَمَّا أَصْبَحَ الْحَوَارِيُّونَ حَدَّثَ كُلٌّ وَاحِدٌ
مِنْهُمْ بِلُغَةِ مَنْ أَرْسَلَهُ عِيسَى إِلَيْهِمْ،
فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ
وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ، وَقَالَ السُّدِّيُّ:
إِنَّ الْيَهُودَ حَبَسُوا عِيسَى فِي بَيْتٍ وَعَشْرَةً
مِنَ الْحَوَارِيِّينَ، فدخل عليهم رجل منهم ليقتله فألقى
الله عليه شبهه [فقتل وصلب] [10] ، وَقَالَ قَتَادَةُ:
[11] ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ عِيسَى عَلَيْهِ
السَّلَامُ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: أَيُّكُمْ يُقْذَفُ
عَلَيْهِ شبهي فإنه مقتول، فقال
__________
(1) في المطبوع وط «مجازاتهم» .
(2) في المخطوط «الاعتداء» والمثبت عن المطبوع وط و «تفسير
القرطبي» .
(3) لا أصل له عن ابن عباس، الكلبي متروك متهم.
(4) في المطبوع «وساروا» بدل المثبت.
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) زيادة عن المخطوط.
(7) زيادة عن المخطوط.
(8) في المطبوع «وكلفت» . [.....]
(9) زيادة عن المخطوط.
(10) زيادة عن المخطوط.
(11) هذا من الإسرائيليات.
(1/446)
إِذْ قَالَ اللَّهُ
يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ
وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ
الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى
يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ
فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ
تَخْتَلِفُونَ (55)
رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَنَا يَا نَبِيَّ
اللَّهِ، فَقُتِلَ ذَلِكَ الرَّجُلُ، وَمَنَعَ اللَّهُ
عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، ورفعه إليه وكساه الرِّيشَ
وَأَلْبَسَهُ النُّورَ وَقَطَعَ عَنْهُ لَذَّةَ
الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ، وَطَارَ مَعَ الملائكة
[الكرام] [1] ، فهو معهم حول العرش، وصار [2] إِنْسِيًّا
مَلَكِيًّا سَمَائِيًّا أَرْضِيًّا، قَالَ أَهْلُ
التَّوَارِيخِ [3] : حَمَلَتْ مَرْيَمُ بِعِيسَى وَلَهَا
ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَوَلَدَتْ عِيسَى بِبَيْتِ
لَحْمٍ مِنْ أَرْضِ أُورِي شَلِمَ لِمُضِيِّ خَمْسٍ
وَسِتِّينَ سَنَةً مِنْ غَلَبَةِ الْإِسْكَنْدَرِ عَلَى
أرض بابل، وأوحى اللَّهُ إِلَيْهِ عَلَى رَأْسِ ثَلَاثِينَ
سنة، ورفعه إليه [4] مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَيْلَةَ
الْقَدْرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ
وَثَلَاثِينَ سَنَةً، فَكَانَتْ نُبُوَّتُهُ ثلاث سنين،
وعاشت أمّه بعد رفعه ست سنين، [فتوفيت مريم عليها السلام
وهي بنت اثنتين وخمسين سنة] [5] .
[سورة آل عمران (3) : آية 55]
إِذْ قالَ اللَّهُ يَا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ
وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا
وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا
إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ
فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ
(55)
. إِذْ قالَ اللَّهُ يَا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ
وَرافِعُكَ إِلَيَّ، اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى [6]
التَّوَفِّي هَاهُنَا، قَالَ الْحَسَنُ وَالْكَلْبِيُّ
وَابْنُ جُرَيْجٍ: إني قابضك ورافعك من الدُّنْيَا إِلَيَّ
مِنْ غَيْرِ مَوْتٍ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى:
فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي [الْمَائِدَةِ: 117] ، أَيْ:
قَبَضْتَنِي إِلَى السَّمَاءِ وَأَنَا حَيٌّ، لِأَنَّ
قَوْمَهُ إنما تنصّروا بعد رفعه لَا بَعْدَ مَوْتِهِ،
فَعَلَى هَذَا لِلتَّوَفِّي تَأْوِيلَانِ أَحَدُهُمَا:
إِنِّي رَافِعُكَ إِلَيَّ وَافِيًا لَمْ يَنَالُوا مِنْكَ
شَيْئًا، مِنْ قَوْلِهِمْ: تَوَفَّيْتُ كَذَا
وَاسْتَوْفَيْتُهُ إِذَا أَخَذْتُهُ تَامًّا، وَالْآخَرُ:
إني متسلمك [7] ، مِنْ قَوْلِهِمْ تَوَفَّيْتُ مِنْهُ
كَذَا، أَيْ: تَسَلَّمْتُهُ، وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أنس:
المراد بالتوفي النوم، وَكَانَ عِيسَى قَدْ نَامَ
فَرَفَعَهُ اللَّهُ نَائِمًا إِلَى السَّمَاءِ، مَعْنَاهُ
إني منيمك وَرَافِعُكَ إِلَيَّ كَمَا قَالَ اللَّهُ
تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ
[الأنعام: 60] ، أي: ينيمكم بالليل، وَقَالَ بَعْضُهُمُ:
الْمُرَادُ بِالتَّوَفِّي الْمَوْتُ، وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ
[أَبِي] [8] طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا أَنَّ مَعْنَاهُ:
أَنِّي مُمِيتُكَ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى:
قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ [السَّجْدَةِ: 11] ،
فَعَلَى هَذَا لَهُ تَأْوِيلَانِ أَحَدُهُمَا مَا قاله وهب
[بن منبه] [9] : تَوَفَّى اللَّهُ عِيسَى ثَلَاثَ سَاعَاتٍ
من النهار ثم أحياه ثُمَّ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ،
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: إِنَّ النَّصَارَى
يَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَوَفَّاهُ سَبْعَ
سَاعَاتٍ مِنَ النَّهَارِ، ثُمَّ أحياه ورفعه إليه،
وَالْآخَرُ: مَا قَالَهُ الضَّحَّاكُ وَجَمَاعَةٌ: إِنَّ
فِي هَذِهِ الْآيَةِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا مَعْنَاهُ:
أَنِّي رَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ
كَفَرُوا وَمُتَوَفِّيكَ بَعْدَ إِنْزَالِكَ مِنَ
السَّمَاءِ.
«387» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ
الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي
شريح أخبرنا أبو القاسم
__________
387- إسناده صحيح على شرط البخاري، حيث تفرد عن علي بن
الجعد دون مسلم، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، ابن شهاب هو
محمد بن مسلم الزهري.
- وهو في «شرح السنة» (4170) بهذا الإسناد.
وأخرجه المصنف من طريق أبي القاسم البغوي وهو في
«الجعديات» (2973) بهذا الإسناد.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) في المخطوط وط «وكان» والمثبت أقرب سياقا.
(3) في المطبوع «التاريخ» .
(4) في المطبوع «الله» .
(5) زيد في المطبوع وحده.
(6) في المطبوع «بعض» وهو تصحيف.
(7) في المخطوط «مستلمك» .
(8) زيادة عن كتب التراجم.
(9) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة» .
(1/447)
فَأَمَّا الَّذِينَ
كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي
الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ
(56) وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ
الظَّالِمِينَ (57) ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ
الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (58) إِنَّ مَثَلَ
عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ
تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59)
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ
الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ
الْجَعْدِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونُ عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[أَنَّهُ] [1] قال: «والذي نفسي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ
أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَادِلًا،
يَكْسِرُ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعُ
الْجِزْيَةَ، فيفيض الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلُهُ أَحَدٌ
[2] » .
ع «388» وَيُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي نُزُولِ عيسى عليه السلام قال: «يهلك [الله] [3] فِي
زَمَانِهِ الْمِلَلُ كُلُّهَا إِلَّا الْإِسْلَامَ،
وَيَهْلَكُ الدَّجَّالُ، فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ
أَرْبَعِينَ سَنَةً، ثُمَّ يُتَوَفَّى، فَيُصَلِّي
عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ» .
وَقِيلَ لِلْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ: هَلْ تَجِدُ نُزُولَ
عِيسَى فِي الْقُرْآنِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قوله: وَكَهْلًا
وهو لم يَكْتَهِلْ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ
«وَكَهْلًا» بَعْدَ نُزُولِهِ مِنَ السَّمَاءِ، قَوْلُهُ
تَعَالَى: وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا، أَيْ:
مُخْرِجُكَ مِنْ بَيْنِهِمْ وَمُنْجِيكَ مِنْهُمْ،
وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا
إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ، قَالَ قَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ
وَالشَّعْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: هُمْ أَهْلُ
الْإِسْلَامِ الَّذِينَ صَدَّقُوهُ وَاتَّبَعُوا دِينَهُ
[فِي التَّوْحِيدِ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله
عليه وسلّم] [4] ، فهم [5] فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا
ظَاهِرِينَ قَاهِرِينَ بِالْعِزَّةِ وَالْمَنْعَةِ
وَالْحُجَّةِ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: يَعْنِي
الْحَوَارِيِّينَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا، وقيل هم
الرُّومِ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِمُ النَّصَارَى، أي:
فَهُمْ فَوْقَ الْيَهُودِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ،
فَإِنَّ الْيَهُودَ قَدْ ذَهَبَ مُلْكُهُمْ، وَمُلْكُ
النَّصَارَى دَائِمٌ إِلَى قَرِيبٍ مِنْ قِيَامِ
السَّاعَةِ، فَعَلَى هذا يكون الاتباع [في الآية] [6]
بِمَعْنَى الِادِّعَاءِ وَالْمَحَبَّةِ، لَا اتِّبَاعَ
الدِّينِ، ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ، فِي الْآخِرَةِ،
فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ
تَخْتَلِفُونَ، من الدين وأمر عيسى.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 56 الى 59]
فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً
شَدِيداً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ
ناصِرِينَ (56) وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا
يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57) ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ
الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (58) إِنَّ مَثَلَ عِيسى
عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ
قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59)
. فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً
شَدِيداً فِي الدُّنْيا، بِالْقَتْلِ وَالسَّبْيِ والجزية
والذّلّة، وَالْآخِرَةِ، أي: في الْآخِرَةِ بِالنَّارِ،
وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ.
__________
- وأخرجه البخاري 2476 و3448 ومسلم 155 ح 242 وابن ماجه
4078 وعبد الرزاق 20840 والحميدي 1097 وابن أبي شيبة 15/
144 وأحمد 2/ 240 والطحاوي في «المشكل» (103 و104) والآجري
في «الشريعة» ص (380- 381) وابن مندة في «الإيمان» (408
و409 و410 و411) من طرق عن الزهري به.
- وأخرجه البخاري 2222 ومسلم 155 والترمذي 2233 وأحمد 2/
537 وابن حبان 6818 وابن مندة 407 من طرق عن الليث بن سعد،
عن الزهري به. [.....]
388- ع جيد. أخرجه أبو داود 4324 وأحمد 2/ 406 و437 وابن
حبان 6821 والحاكم 2/ 595 والطبري 7141 من طريق قتادة عن
عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم قال: «ليس بيني وبينه
نبي- يعني عيسى عليه السلام- وإنه نازل فإذا رأيتموه
فاعرفوه ... » وإسناده جيد رجاله رجال الشيخين غير عبد
الرحمن بن آدم فإنه من رجال مسلم، وصححه الحاكم، ووافقه
الذهبي.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) في المطبوع «وما أقول» بدل «أحد» .
(3) زيادة عن المخطوط و «سنن أبي داود» .
(4) زيد في المطبوع وط.
(5) في المطبوع «فهو» .
(6) زيادة عن المخطوط.
(1/448)
الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ
فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60) فَمَنْ حَاجَّكَ
فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ
تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ
وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ
ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى
الْكَاذِبِينَ (61)
وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ، قَرَأَ]
الْحَسَنُ وَحَفْصٌ بِالْيَاءِ [2] ، وَالْبَاقُونَ
بِالنُّونِ، أَيْ: نُوَفِّي [3] أُجُورَ أَعْمَالِهِمْ،
وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ، أَيْ: لَا يَرْحَمُ
الْكَافِرِينَ ولا يثني عليهم بالجميل.
ذلِكَ، أي: هذا الذي ذكرت [4] مِنَ الْخَبَرِ عَنْ عِيسَى
وَمَرْيَمَ والحواريين نَتْلُوهُ عَلَيْكَ، يعني:
نُخْبِرُكَ بِهِ بِتِلَاوَةِ جِبْرِيلَ عَلَيْكَ، مِنَ
الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، يَعْنِي: القرآن [و] [5]
الذكر ذِي الْحِكْمَةِ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: الذِّكْرُ
الْحَكِيمُ، أَيِ: الْمُحْكَمُ الْمَمْنُوعُ مِنَ
الْبَاطِلِ، وَقِيلَ: الذِّكْرُ الْحَكِيمُ: هُوَ
اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ، وَهُوَ مُعَلَّقٌ بِالْعَرْشِ
مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ، وَقِيلَ: مِنَ الآيات، أي: من
الْعَلَامَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى نُبُوَّتِكَ لِأَنَّهَا
أَخْبَارٌ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا قَارِئُ كتاب [الله] [6]
أَوْ مَنْ يُوحَى إِلَيْهِ وَأَنْتَ أمّي لا تقرأ.
إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ الآية:
ع «389» نَزَلَتْ فِي وَفْدِ نَجْرَانَ، وَذَلِكَ
أَنَّهُمْ قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا لَكَ تَشْتُمُ صَاحِبَنَا، قَالَ:
«وَمَا أَقُولُ؟» قَالُوا: تَقُولُ إِنَّهُ عَبْدُ
اللَّهِ، قَالَ: «أَجَلْ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ
وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ
الْبَتُولِ» ، فَغَضِبُوا وَقَالُوا: هَلْ رَأَيْتَ
إِنْسَانًا قَطُّ مِنْ غَيْرِ أب؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ
تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ:
إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ، فِي كَوْنِهِ خَلَقَهُ
مِنْ غَيْرِ أَبٍ كَمَثَلِ آدَمَ لِأَنَّهُ خُلِقَ مِنْ
غَيْرِ أَبٍ وَأُمٍّ، خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ
لَهُ، يَعْنِي: لِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، كُنْ
فَيَكُونُ، يَعْنِي: فَكَانَ، فَإِنْ قِيلَ: مَا مَعْنَى
قَوْلِهِ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ
فَيَكُونُ، وَلَا تَكْوِينَ بَعْدَ الْخَلْقِ، قيل: معناه
خَلَقَهُ ثُمَّ أَخْبَرَكُمْ أَنِّي قُلْتُ لَهُ كُنْ
فَكَانَ مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ فِي الْخَلْقِ كَمَا
يَكُونُ فِي الْوِلَادَةِ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِ
الرَّجُلِ:
أَعْطَيْتُكَ الْيَوْمَ دِرْهَمًا ثُمَّ أَعْطَيْتُكَ
أَمْسِ دِرْهَمًا، أَيْ: ثُمَّ أُخْبِرُكَ [7] أَنِّي
أَعْطَيْتُكَ أَمْسِ دِرْهَمًا، وَفِيمَا سَبَقَ مِنَ
التَّمْثِيلِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْقِيَاسِ، لِأَنَّ
الْقِيَاسَ: هُوَ رَدُّ فَرْعٍ إِلَى أَصْلٍ بِنَوْعِ
شَبَهٍ، وَقَدْ رَدَّ اللَّهُ تَعَالَى خَلْقَ عِيسَى
إِلَى آدَمَ عليهم السلام بنوع شبه.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 60 الى 61]
الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ
(60) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَكَ مِنَ
الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا
وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا
وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ
اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ (61)
. قَوْلُهُ تَعَالَى: الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ، [أَيْ: هُوَ
الْحَقُّ] [8] ، وَقِيلَ: جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ،
فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ، أي: الشاكّين،
الْخِطَابَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم،
والمراد أمّته.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ، أي: جادلك
في أمر عِيسَى أَوْ فِي الْحَقِّ، مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ
__________
389- ع أخرجه الطبري 7156 من حديث ابن عباس وإسناده ضعيف،
فيه عطية العوفي وهو ضعيف.
لكن ورد مرسلا من وجوه فقد أخرجه الطبري 7158 عن قتادة
مرسلا و7159 عن السدي 71560 عن عكرمة. وانظر ما بعده.
(1) زيد في المطبوع «ورش» .
(2) قرأ حفص «فيوفيهم» وقرأ رويس «فيوفيهم» . وقرأ روح
«فنوفيهم» والباقون «فنوفيهم» .
(3) في المطبوع «يوفيهم» .
(4) في المطبوع «ذكرته لك» .
(5) كذا في المطبوع وط وفي المخطوط «أي» بدل «و» .
(6) زيد في المطبوع وهو مثبت في «الوسيط» (1/ 442) .
[.....]
(7) كذا في المطبوع وط، وفي المخطوط «أخبرتك» .
(8) سقط من المخطوط.
(1/449)
مِنَ الْعِلْمِ، بِأَنَّ عِيسَى عَبْدُ
اللَّهِ وَرَسُولُهُ، فَقُلْ تَعالَوْا، وَأَصْلُهُ
تَعَالَيُوا تَفَاعَلُوا مِنَ الْعُلُوِّ فَاسْتُثْقِلَتِ
الضَّمَّةُ عَلَى الْيَاءِ فَحُذِفَتْ، قَالَ الفراء:
بمعنى تعالى كأنه يقول [1] : ارتفع، نَدْعُ، جزم [على] [2]
جواب الْأَمْرِ، وَعَلَامَةُ الْجَزْمِ سُقُوطُ الْوَاوِ،
أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ
وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ، قِيلَ: أَبْنَاءَنَا
[أَرَادَ] [3] الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ، وَنِسَاءَنَا
فَاطِمَةَ وَأَنْفُسَنَا عَنَى نَفْسَهُ وَعَلِيًّا رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي ابْنَ عَمِّ
الرَّجُلِ نَفْسَهُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلا
تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ [الْحُجُرَاتِ: 11] ، يُرِيدُ
إِخْوَانَكُمْ، وَقِيلَ: هُوَ عَلَى الْعُمُومِ لجماعة
أَهْلُ الدِّينِ، ثُمَّ نَبْتَهِلْ، قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَيْ نَتَضَرَّعُ فِي
الدُّعَاءِ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: نَجْتَهِدُ وَنُبَالِغُ
فِي الدُّعَاءِ، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ وَأَبُو
عُبَيْدَةَ: نَلْتَعِنُ [4] وَالِابْتِهَالُ
الِالْتِعَانُ، يُقَالُ عَلَيْهِ بَهْلَةُ الله، أي:
لعنته، فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ،
مِنَّا وَمِنْكُمْ في أمر عيسى.
ع «390» فَلَمَّا قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى وَفْدِ
نَجْرَانَ وَدَعَاهُمْ إِلَى الْمُبَاهَلَةِ، قَالُوا:
حَتَّى نَرْجِعَ وَنَنْظُرَ فِي أَمْرِنَا ثُمَّ نَأْتِيكَ
غَدًا فَخَلَا بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ فَقَالُوا لِلْعَاقِبِ
وكان إذا رَأْيِهِمْ: يَا عَبْدَ الْمَسِيحِ مَا تَرَى؟
قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ عَرَفْتُمْ يَا مَعْشَرَ
النَّصَارَى أَنَّ مُحَمَّدًا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَاللَّهِ
مَا لَاعَنَ قوم نبيّا قط فبقي [5] كبيرهم ونبت صغيرهم،
ولئن فعلتم ذلك لتهلكنّ [عن آخركم] [6] ، فَإِنْ
أَبَيْتُمْ إِلَّا الْإِقَامَةَ عَلَى مَا أَنْتُمْ
عَلَيْهِ مِنَ الْقَوْلِ فِي صَاحِبِكُمْ فَوَادِعُوا
الرَّجُلَ وَانْصَرِفُوا إِلَى بِلَادِكُمْ، فَأَتَوْا
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ
غَدَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مُحْتَضِنًا لِلْحُسَيْنِ آخِذًا بِيَدِ الْحَسَنِ
وَفَاطِمَةُ تَمْشِي خَلْفَهُ وَعَلِيٌّ خَلْفَهَا، وَهُوَ
يَقُولُ لَهُمْ: «إِذَا أَنَا دَعَوْتُ فَأَمِّنُوا» ،
فَقَالَ أُسْقُفُّ نَجْرَانَ: يَا مَعْشَرَ النَّصَارَى
إِنِّي لِأَرَى وُجُوهًا لَوْ سَأَلُوا اللَّهَ أَنْ
يُزِيلَ جَبَلًا مِنْ مَكَانِهِ لِأَزَالَهُ، فَلَا
تَبْتَهِلُوا فَتَهْلَكُوا وَلَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ
الْأَرْضِ نَصْرَانِيٌّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ،
فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ قَدْ رَأَيْنَا أَنْ لَا
نُلَاعِنَكَ وَأَنْ نَتْرُكَكَ عَلَى دِينِكَ وَنَثْبُتَ
عَلَى دِينِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنْ أَبَيْتُمُ الْمُبَاهَلَةَ
فَأَسْلِمُوا، يَكُنْ لَكُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ
وَعَلَيْكُمْ مَا عَلَيْهِمْ» ، فَأَبَوْا فَقَالَ: «فإني
أنابذكم [بالحرب] [7] » ، فَقَالُوا: مَا لَنَا بِحَرْبِ
الْعَرَبِ طَاقَةٌ، وَلَكِنَّا نُصَالِحُكَ عَلَى أَنْ لا
تغزونا ولا
__________
390- ع أخرجه أبو نعيم في «الدلائل» (245) عن ابن عباس
بأتم منه، وفيه محمد بن مروان، وهو متهم بالكذب كما قال
الحافظ في «تخريج الكشاف» 1/ 369 وفيه الكلبي متروك متهم.
- وورد نحوه عن الشعبي مرسلا أخرجه الطبري 7176 وهو مرسل
حسن رجاله ثقات. ووصله الحاكم 2/ 594 لكن دون عجزه وكرره
7177 عن ابن إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بن
الزبير مرسلا وذكره الواحدي في «الوسيط» (1/ 444- 445)
بنحوه بدون إسناد.
- وورد بعضه عن ابن عباس بلفظ «صالح رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم أهل نجران على ألفي حلة
النصف في صفر والبقية في رجب يؤدونها إلى المسلمين، وعارية
ثلاثين درعا» الحديث.
أخرجه أبو داود 3041 وإسناده ضعيف لأنه من رواية إسماعيل
بن عبد الرحمن السدي الكبير عن ابن عباس وعبد الرحمن لين
الحديث، وفي سماعه من ابن عباس نظر، وبهذا يتبين أن لبعض
ألفاظ الحديث شواهد وبعضها غريب، والله أعلم.
تنبيه: لفظ «ولو تلاعنوا ... » منكر ليس من كلام
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تفرد به
الكلبي وعنه السدي الصغير، وهما متهمان.
(1) في المخطوط «قال» .
(2) في المطبوع «ل» .
(3) زيادة عن المخطوط وط.
(4) في المطبوع «نبتهل» وفي المخطوط «نلتفت» والمثبت عن-
ط- وكتب الأثر.
(5) في المطبوع وط «فعاش» وفي المخطوط «فنجى» والمثبت عن
كتب التخريج والأثر.
(6) زيادة عن المخطوط.
(7) زيادة عن المخطوط.
(1/450)
إِنَّ هَذَا لَهُوَ
الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ
وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62) فَإِنْ
تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63)
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ
سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا
اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ
بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ
تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64)
تُخِيفَنَا [1] ، وَلَا تَرُدَّنَا عَنْ
دِينِنَا [عَلَى] [2] أَنْ نُؤَدِّيَ إِلَيْكَ كُلَّ عَامٍ
أَلْفَيْ حُلَّةٍ أَلْفًا فِي صَفَرَ وَأَلْفًا فِي
رَجَبٍ، فَصَالَحَهُمْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ: «وَالَّذِي
نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الْعَذَابَ قَدْ تَدَلَّى عَلَى
أَهْلِ نَجْرَانَ، وَلَوْ تَلَاعَنُوا لَمُسِخُوا قِرَدَةً
وَخَنَازِيرَ وَلَاضْطَرَمَ عَلَيْهِمُ الْوَادِي نَارًا
وَلَاسْتَأْصَلَ اللَّهُ نَجْرَانَ وَأَهْلَهُ حَتَّى
الطَّيْرَ عَلَى الشَّجَرِ، وَلَمَا حَالَ الْحَوْلُ عَلَى
النصارى حتى هلكوا» .
[سورة آل عمران (3) : الآيات 62 الى 64]
إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَما مِنْ إِلهٍ
إِلاَّ اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ (62) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ
عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ
تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ
أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ
شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ
دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا
بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64)
. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ
الْحَقُّ: النَّبَأُ الْحَقُّ، وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا
اللَّهُ، [ومِنْ صِلَةٌ تَقْدِيرُهُ: وَمَا إِلَهٌ إِلَّا
اللَّهُ] [3] ، وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ.
فَإِنْ تَوَلَّوْا، أَعْرَضُوا عَنِ الْإِيمَانِ فَإِنَّ
اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ، الَّذِينَ يَعْبُدُونَ
غَيْرَ اللَّهِ وَيَدْعُونَ النَّاسَ إِلَى عِبَادَةِ
غَيْرِ اللَّهِ.
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ
بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ الآية:
ع «391» قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: قَدِمَ وَفْدُ نَجْرَانَ
الْمَدِينَةَ فَالْتَقَوْا مَعَ الْيَهُودِ فَاخْتَصَمُوا
فِي إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَزَعَمَتِ
النَّصَارَى أَنَّهُ كَانَ نَصْرَانِيًّا وَهُمْ عَلَى
دِينِهِ، وَأَوْلَى النَّاسِ بِهِ، وزعمت [4]
اليهود: أنه [5]
كَانَ يَهُودِيًّا وَهُمْ عَلَى دِينِهِ وأولى الناس به،
فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «كِلَا الْفَرِيقَيْنِ بَرِيءٌ مِنْ
إِبْرَاهِيمَ وَدِينِهِ، بَلْ كَانَ [إِبْرَاهِيمُ] [6]
حَنِيفًا مُسْلِمًا وَأَنَا عَلَى دِينِهِ وَأَوْلَى
النَّاسِ بِهِ، فاتبعوا دينه الْإِسْلَامِ» ، [فَقَالَتِ
الْيَهُودُ: يَا مُحَمَّدُ مَا تُرِيدُ إِلَّا أَنْ
نَتَّخِذَكَ رِبًّا كَمَا اتَّخَذَتِ النَّصَارَى عِيسَى
رَبًّا؟] [7]
وَقَالَتِ النَّصَارَى: يَا مُحَمَّدُ مَا تُرِيدُ إِلَّا
أَنْ نَقُولَ فِيكَ مَا قَالَتِ الْيَهُودُ فِي عُزَيْرٍ،
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ
تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ.
وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ قِصَّةٍ لَهَا شَرْحٌ كَلِمَةٍ
وَمِنْهُ سُمِّيَتِ الْقَصِيدَةُ كَلِمَةً سَوَاءٍ عَدْلٍ
بَيْنَنَا وبينكم
__________
391- ع لم أره بهذا السياق، وأخرجه الطبري 7198 و7294
و7295 والبيهقي في «الدلائل» (5/ 186) من حديث ابن عباس
قال: «اجتمعت نصارى نجران وأحبار يهود عِنْدَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم فتنازعوا عنده فقالت
الأحبار: ما كان إبراهيم إلا يهوديا وقالت النصارى: ما كان
إبراهيم إلا نصرانيا، فأنزل الله فيه يَا أَهْلَ الْكِتابِ
لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ
التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ إلى قوله
وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ فقال أبو رافع القرظي:
أتريد منا يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى ابن
مريم؟ فقال رجل من أهل نجران: أذلك تريد يا محمد؟ فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم: معاذ الله أن
أعبد غير الله، أو آمر بعبادة غيره. ما بذلك بعثني ولا
أمرني. فأنزل الله في ذلك من قولهما: مَا كانَ لِبَشَرٍ
أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ
وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً
لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ إلى قوله: بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ
مُسْلِمُونَ [آل عمران:
79- ثم ذكر ما أخذ عليهم، وعلى آبائهم من الميثاق بتصديقه
إذا جاءهم، وإقرارهم به على أنفسهم فقال: وَإِذْ أَخَذَ
اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ إلى قوله: مِنَ
الشَّاهِدِينَ [آل عمران: 81- اهـ.
وفي إسناده محمد بن أبي محمد مولى زيد، وهو مجهول.
(1) في المطبوع «تخفينا» والمثبت عن- ط.
(2) زيادة عن المخطوط وط.
(3) سقط من المخطوط. [.....]
(4) في المطبوع وط «وقالت» .
(5) في المطبوع «بل» .
(6) زيادة عن المخطوط.
(7) سقط من المخطوط.
(1/451)
مُسْتَوِيَةٍ أَيْ أَمْرٍ مُسْتَوٍ،
يُقَالُ دَعَا فَلَانَ إِلَى السَّوَاءِ، أَيْ إِلَى
النَّصَفَةِ، وَسَوَاءُ كُلِّ شَيْءٍ وَسَطُهُ، وَمِنْهُ
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ
[الصافات: 55] ، [أي في وسطه] [1]
وَإِنَّمَا قِيلَ: لِلنِّصْفِ سَوَاءٌ لِأَنَّ أَعْدَلَ
الْأُمُورِ وَأَفْضَلَهَا أَوْسَطُهَا، وَسَوَاءٌ نَعْتٌ
لِكَلِمَةٍ إِلَّا أَنَّهُ مَصْدَرٌ، وَالْمَصَادِرُ [2]
لَا تُثَنَّى وَلَا تُجْمَعُ وَلَا تُؤَنَّثُ، فَإِذَا
فَتَحْتَ السِّينَ مدت [3]
، وإذ كسرت أو ضمّت قَصَرْتَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَكاناً
سُوىً [طه: 58] ، ثُمَّ فَسَّرَ الْكَلِمَةَ فَقَالَ:
أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ، وَمَحَلُّ أَنْ رَفْعٌ
عَلَى إِضْمَارِ هِيَ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: رَفْعٌ
بِالِابْتِدَاءِ، وَقِيلَ: محلّه نصب بنزع حرف الصلة [4]
، مَعْنَاهُ بِأَنْ لَا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ، وَقِيلَ:
مَحَلُّهُ خَفْضٌ بَدَلًا مِنَ الْكَلِمَةِ أَيْ:
تَعَالَوْا إِلَى [5]
أَنْ لَا نَعْبُدَ [إِلَّا] اللَّهَ، وَلا نُشْرِكَ بِهِ
شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ
دُونِ اللَّهِ، كَمَا فَعَلَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى،
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ
وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ
[التَّوْبَةِ: 31] ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هُوَ سُجُودُ
بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ أَيْ لَا نسجد [6]
لِغَيْرِ اللَّهِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا نُطِيعُ أَحَدًا
فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا
اشْهَدُوا، أي: فقولوا أنتم [يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى
اللَّهُ عليه وسلّم] [7]
لَهُمُ:
اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ مُخْلِصُونَ
بِالتَّوْحِيدِ.
«392»
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ
الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَخْبَرَنَا [مُحَمَّدُ بْنُ] [8]
يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ
أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزهري أخبرنا مُحَمَّدِ بْنِ
عَبِيدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ
مَسْعُودٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ:
أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ
هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ،
وَكَانُوا تُجَّارًا بِالشَّامِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم مادّ [9]
فِيهَا أَبَا سُفْيَانَ وَكَفَّارَ قُرَيْشٍ فأتوه وهو
بإيليا فَدَعَاهُمْ فِي مَجْلِسِهِ، وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ
الروم ثم دعا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي بَعَثَ بِهِ دحية [10]
إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى، فَدَفَعَهُ إِلَى هرقل فقرأه
فَإِذَا فِيهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ
مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ
عَظِيمِ الرُّومِ سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإسلام
أسلم تسلم يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجَرَكَ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ
تولّيت فإنّما عليك
__________
392- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، شعيب هو ابن أبي
حمزة، وأبو حمزة اسمه دينار.
وهو في «شرح السنة» (3209) بهذا الإسناد.
- أخرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (7) عن
أبي اليمان بهذا الإسناد. مطوّلا.
- وأخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (97240) عن معمر عن
الزهري به، ومن طريق عبد الرزاق.
أخرجه البخاري 4553 ومسلم 1773 وأحمد 1/ 263 وابن حبان
6555 واللالكائي في «أصول الاعتقاد» (1457) والبيهقي في
«الدلائل» (4/ 380- 381) .
- وأخرجه البخاري 2941 و5980 ومسلم 1773 والترمذي 2717
وابن مندة في «الإيمان» (143) والبيهقي في «الدلائل» (4/
381- 383) من طرق عن الزهري به.
(1) سقط من المخطوط وط.
(2) في المطبوع «المصدر» .
(3) في المطبوع وط «مددت» .
(4) كذا في المطبوع، وفي المخطوط وط «الصفة» .
(5) زيد في المطبوع عقب إلى «كلمة» وقد سقط لفظ: «إلى
كلمة» من المخطوط.
(6) في المخطوط وط «تسجدوا» .
(7) زيد في المطبوع وحده.
(8) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «شرح
السنة» .
(9) كذا في المطبوع و «شرح السنة» و «صحيح البخاري» وفي
المخطوط وط «عاهد» . [.....]
(10) زيد في المطبوع عقب لفظ: دحية «بن خليفة الكلبي وأمره
أن يدفعه» .
(1/452)
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ
لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ
التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا
تَعْقِلُونَ (65) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ
فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا
لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ
لَا تَعْلَمُونَ (66) مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا
وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا
وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67) إِنَّ أَوْلَى
النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا
النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ
الْمُؤْمِنِينَ (68)
إثم الأريسيين ويا أَهْلَ الْكِتابِ
تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ
أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ
شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ
دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا
بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64) .
[سورة آل عمران (3) : الآيات 65 الى 66]
يَا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ
وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلاَّ مِنْ
بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (65) هَا أَنْتُمْ هؤُلاءِ
حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ
فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ
وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (66)
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ
فِي إِبْراهِيمَ تَزْعُمُونَ أَنَّهُ كَانَ عَلَى
دِينِكُمْ، وَإِنَّمَا دِينُكُمُ الْيَهُودِيَّةُ
وَالنَّصْرَانِيَّةُ وَقَدْ حَدَثَتِ الْيَهُودِيَّةُ
بَعْدَ نُزُولِ التَّوْرَاةِ، والنصرانية بعد نزول
الإنجيل، وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ
إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ، أي: [وإنما أنزلت التوراة والإنجيل]
[1]
بَعْدِ إِبْرَاهِيمَ بِزَمَانٍ طَوِيلٍ وَكَانَ بَيْنَ
إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى أَلْفُ سَنَةٍ وَبَيْنَ مُوسَى
وَعِيسَى أَلْفَا سَنَةٍ أَفَلا تَعْقِلُونَ بُطْلَانَ
قَوْلِكُمْ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: هَا أَنْتُمْ بِتَلْيِينِ الْهَمْزَةِ،
حَيْثُ كَانَ مَدَنِيٌّ، وَأَبُو عَمْرٍو والباقون بالهمزة
وَاخْتَلَفُوا فِي أَصْلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أصله
أنتم، وهاء تَنْبِيهٌ، وَقَالَ الْأَخْفَشُ: أَصْلُهُ
أَأَنْتُمْ، فَقُلِبَتِ الْهَمْزَةُ الْأُولَى هَاءً
كَقَوْلِهِمْ: هَرَقْتَ الْمَاءَ وَأَرَقْتَ، هؤُلاءِ
أَصْلُهُ أُولَاءِ دَخَلَتْ عَلَيْهِ هَاءُ التَّنْبِيهِ،
وهو مَوْضِعِ النِّدَاءِ يَعْنِي: يَا هَؤُلَاءِ أَنْتُمْ،
حاجَجْتُمْ [جَادَلْتُمْ] فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ،
يَعْنِي: فِي أَمْرِ مُوسَى وَعِيسَى، وَادَّعَيْتُمْ
أَنَّكُمْ عَلَى دِينِهِمَا، وَقَدْ أُنْزِلَتِ
التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ عَلَيْكُمْ فَلِمَ
تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ، [وَلَيْسَ
فِي كِتَابِكُمْ أَنَّهُ كَانَ يَهُودِيًّا أَوْ
نَصْرَانِيًّا، وَقِيلَ: حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ
عِلْمٌ] [2]
، يَعْنِي: فِي أَمْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، لِأَنَّهُمْ وَجَدُوا نَعْتَهُ فِي
كِتَابِهِمْ، فَجَادَلُوا فِيهِ بِالْبَاطِلِ، فَلِمَ
تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ، وَلَيْسَ فِي كِتَابِكُمْ
وَلَا عِلْمَ لَكُمْ بِهِ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ
لَا تَعْلَمُونَ، ثُمَّ برّأ الله تعالى إبراهيم عمّا
قالوا، فقال:
[سورة آل عمران (3) : الآيات 67 الى 68]
مَا كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا
وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ (67) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ
لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ
آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68)
مَا كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا
وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ (67) ، وَالْحَنِيفُ الْمَائِلُ عَنِ
الْأَدْيَانِ [كُلِّهَا] [3]
إِلَى الدِّينِ الْمُسْتَقِيمِ، وَقِيلَ: الْحَنِيفُ
الَّذِي يُوَحِّدُ وَيَحُجُّ وَيُضَحِّي ويختنن
وَيَسْتَقْبِلُ [4]
الْكَعْبَةَ وَهُوَ أَسْهَلُ الْأَدْيَانِ وَأَحَبُّهَا
إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ
لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ، أَيْ: مَنِ اتّبعه في زمانه
وملّته بعده، وَهذَا النَّبِيُّ، يَعْنِي: مُحَمَّدًا
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالَّذِينَ آمَنُوا،
يَعْنِي: مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَاللَّهُ وَلِيُّ
الْمُؤْمِنِينَ.
ع «393»
رَوَى الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ بإسناد [5]
__________
393- ع ذكره الواحدي في «أسباب النزول» (211) فقال:
وَرَوَى الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عن ابن عباس،
وروى أيضا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ عَنْ أَصْحَابُ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم، وذكره
مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، وقد دَخْلَ
حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ.... ثم ذكره الواحدي بهذا
السياق.
- وأخرجه البيهقي في «الدلائل» (2/ 301- 306) من طريق ابن
إسحاق، عن الزهري، عن أبي بكر بن
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) سقط من المخطوط.
(3) زيادة عن المخطوط وط.
(4) كذا في المطبوع وط. وفي المخطوط «ويصلي إلى» .
(5) في المطبوع وط «بِإِسْنَادِهِ» .
(1/453)
حَدِيثَ هِجْرَةِ الْحَبَشَةِ: لَمَّا
هَاجَرَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ وَأُنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحَبَشَةِ
وَاسْتَقَرَّتْ بِهِمُ الدَّارُ وَهَاجَرَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ،
وَكَانَ مِنْ أَمْرِ بَدْرٍ مَا كَانَ، اجتمعت قُرَيْشٌ
فِي دَارِ النَّدْوَةِ، وَقَالُوا: إن لنا في الذين هم
عِنْدَ النَّجَاشِيِّ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَأْرًا مِمَّنْ قُتِلَ
مِنْكُمْ بِبَدْرٍ، فَاجْمَعُوا مَالًا وَأَهْدُوهُ إِلَى
النَّجَاشِيِّ لَعَلَّهُ يَدْفَعُ إِلَيْكُمْ مَنْ
عِنْدَهُ مِنْ قومكم، ولينتدب ذلك رَجُلَانِ مِنْ ذَوِي
رَأْيِكُمْ، فَبَعَثُوا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَعُمَارَةَ
[1]
بْنَ أبي معيط مَعَ الْهَدَايَا الْأُدُمَ وَغَيْرِهِ،
فَرَكِبَا الْبَحْرَ وَأَتَيَا الْحَبَشَةَ، فَلَمَّا
دَخَلَا عَلَى النَّجَاشِيِّ سَجَدَا لَهُ وَسَلَّمَا
عَلَيْهِ وَقَالَا لَهُ: إِنَّ قَوْمَنَا لك ناصحون شاكرون
ولأصحابك مُحِبُّونَ، وَإِنَّهُمْ بَعَثُونَا إِلَيْكَ
لِنُحَذِّرَكَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَدِمُوا عَلَيْكَ
لِأَنَّهُمْ قَوْمُ رَجُلٍ كَذَّابٍ خَرَجَ فِينَا
يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَلَمْ يُتَابِعْهُ
أَحَدٌ مِنَّا إِلَّا السُّفَهَاءُ وَإِنَّا كُنَّا قَدْ
ضَيَّقْنَا عَلَيْهِمُ الْأَمْرَ وَأَلْجَأْنَاهُمْ إِلَى
شِعْبٍ بِأَرْضِنَا لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ وَلَا
يَخْرُجُ مِنْهُمْ أَحَدٌ [قَدْ قَتَلَهُمُ] [2]
الْجُوعُ وَالْعَطَشُ، فَلَمَّا اشْتَدَّ عَلَيْهِمُ
الْأَمْرُ بَعَثَ إِلَيْكَ ابْنَ عَمِّهِ لِيُفْسِدَ
عَلَيْكَ دِينَكَ وَمُلْكَكَ وَرَعِيَّتَكَ، فَاحْذَرْهُمْ
وَادْفَعْهُمْ إِلَيْنَا لِنَكْفِيَكَهُمْ، وَقَالَا [3]
: وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ إِذَا دَخَلُوا عَلَيْكَ لَا
يَسْجُدُونَ لَكَ وَلَا يُحَيُّونَكَ بِالتَّحِيَّةِ
الَّتِي يُحَيِّيكَ بِهَا النَّاسُ رَغْبَةً عَنْ دِينِكَ
وَسُنَّتِكَ، قَالَ: فَدَعَاهُمُ النَّجَاشِيُّ، فَلَمَّا
حَضَرُوا صَاحَ جَعْفَرٌ بِالْبَابِ: يَسْتَأْذِنُ
عَلَيْكَ حِزْبُ اللَّهِ، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: مُرُوا
هَذَا الصَّائِحَ فَلْيُعِدْ كَلَامَهُ، فَفَعَلَ
جَعْفَرٌ، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: نَعَمْ فَلْيَدْخُلُوا
بِأَمَانِ اللَّهِ وَذِمَّتِهِ، فَنَظَرَ عَمْرُو بن العاص
إلى صاحبه وقال: أَلَا تَسْمَعُ كَيْفَ يَرْطُنُونَ [4]
بِحِزْبِ اللَّهِ، وَمَا أَجَابَهُمْ بِهِ النَّجَاشِيُّ،
فَسَاءَهُمَا ذَلِكَ، ثُمَّ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَلَمْ
يَسْجُدُوا لَهُ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: أَلَّا
تَرَى أَنَّهُمْ يَسْتَكْبِرُونَ أَنْ يَسْجُدُوا لَكَ،
فَقَالَ لَهُمُ النَّجَاشِيُّ: مَا مَنَعَكُمْ أَنْ تسجدوا
إليّ وَتُحَيُّونِي بِالتَّحِيَّةِ الَّتِي يُحَيِّينِي
بِهَا مَنْ أَتَانِي مِنَ الْآفَاقِ؟
قَالُوا: نَسْجُدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَكَ وَمُلْكَكَ،
وَإِنَّمَا كَانَتْ تِلْكَ التَّحِيَّةُ لَنَا وَنَحْنُ
نَعْبُدُ الْأَوْثَانَ، فَبَعَثَ اللَّهُ فينا نبيا صادقا
وأمرنا بِالتَّحِيَّةِ الَّتِي رَضِيَهَا اللَّهُ وَهِيَ
السَّلَامُ، تَحِيَّةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَعَرَفَ
النَّجَاشِيُّ أَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ، وَأَنَّهُ فِي
التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، قَالَ: أَيُّكُمُ
الْهَاتِفُ: يَسْتَأْذِنُ عَلَيْكَ حِزْبُ اللَّهِ؟ قَالَ
جَعْفَرٌ: أَنَا، قَالَ: فَتَكَلَّمْ، قَالَ: إِنَّكَ
مَلِكٌ مَنْ مُلُوكِ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَمِنْ أَهْلِ
الْكِتَابِ، وَلَا يَصْلُحُ عِنْدَكَ كَثْرَةُ الْكَلَامِ
وَلَا الظُّلْمُ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أُجِيبَ عَنْ
أَصْحَابِي، فَمُرْ هَذَيْنَ الرَّجُلَيْنِ
فَلْيَتَكَلَّمْ أَحَدُهُمَا وَلْيُنْصِتِ الْآخَرُ،
فَتَسْمَعُ مُحَاوَرَتَنَا، فَقَالَ عَمْرٌو لِجَعْفَرٍ:
تَكَلَّمْ، فَقَالَ جَعْفَرٌ لِلنَّجَاشِيِّ: سَلْ
هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ أَعَبِيدٌ نَحْنُ أَمْ أَحْرَارٌ،
فَإِنْ كُنَّا عَبِيدًا أَبَقْنَا مِنْ أَرْبَابِنَا
فَارْدُدْنَا إِلَيْهِمْ، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ:
أَعَبِيدٌ هُمْ أَمْ أَحْرَارٌ؟ فَقَالَ عَمْرٌو: بَلْ
أَحْرَارٌ كِرَامٌ، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: نَجَوْا مِنَ
الْعُبُودِيَّةِ، ثُمَّ قَالَ جَعْفَرٌ: سَلْهُمَا هَلْ
أَهْرَقْنَا دَمًا بِغَيْرِ حَقٍّ فَيُقْتَصُّ منّا؟ فقال
عمرو: لا ولا قطرة، فقال جعفر: سلهما هل أخذنا أموال الناس
بغير حق فعلينا قضاؤها؟ قَالَ النَّجَاشِيُّ: إِنْ كَانَ
قِنْطَارًا فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ، فَقَالَ عَمْرٌو: لَا
وَلَا قِيرَاطًا، قَالَ النَّجَاشِيُّ: فَمَا تَطْلُبُونَ
مِنْهُمْ؟ قَالَ عَمْرٌو: كُنَّا وَهُمْ عَلَى دِينٍ
وَاحِدٍ وَأَمْرٍ وَاحِدٍ، عَلَى دِينِ آبَائِنَا
فَتَرَكُوا ذلك
__________
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هشام، عَنْ أُمِّ
سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهَا قالت: ... الحديث.
- وأخرجه عبد بن حميد كما في «الدر» (2/ 73- 74) من طريق
شهر بن حوشب قال: حدثني ابن غنم أنه لما أن خرج أَصْحَابِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم إلى النجاشي
أدركهم عمرو بن العاص ... فذكره.
- وحديث الهجرة أخرجه أيضا الحاكم 2/ 309- 310 والبيهقي 2/
299- 300 من حديث أبي موسى وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
(1) زيد في المطبوع «بن الوليد أو عمارة» والمثبت عن
المخطوط و «أسباب النزول» .
(2) في المطبوع «فقتلهم» .
(3) في المخطوط و «أسباب النزول» «وقالوا» .
(4) الرطانة: الكلام بالأعجمية.
(1/454)
وَدَّتْ طَائِفَةٌ
مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا
يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (69)
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ
وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ
تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ
وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71) وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى
الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ
لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72)
واتّبعوا غَيْرَهُ، فَبَعَثَنَا إِلَيْكَ
قَوْمُهُمْ لِتَدْفَعَهُمْ إِلَيْنَا، فَقَالَ
النَّجَاشِيُّ: مَا هَذَا الدين الذي كنتم عليه [وتركتموه]
[1]
وَالدِّينُ الَّذِي اتَّبَعْتُمُوهُ اصْدُقْنِي؟ قَالَ
جَعْفَرٌ: أَمَّا الدِّينُ الَّذِي كُنَّا عَلَيْهِ
فَتَرَكْنَاهُ فَهُوَ دِينُ الشَّيْطَانِ كُنَّا نَكْفُرُ
بِاللَّهِ وَنَعْبُدُ الْحِجَارَةَ، وَأَمَّا [الدِّينُ]
[2]
الَّذِي تَحَوَّلْنَا إِلَيْهِ فَدِينُ اللَّهِ
الْإِسْلَامُ جَاءَنَا بِهِ مِنَ اللَّهِ رَسُولٌ
وَكِتَابٌ مِثْلَ كِتَابِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ،
مُوَافِقًا لَهُ، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: يَا جَعْفَرُ لقد
تَكَلَّمْتَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ فَعَلَى رِسْلِكَ، ثُمَّ
أَمَرَ النَّجَاشِيُّ فَضُرِبَ بِالنَّاقُوسِ فَاجْتَمَعَ
إِلَيْهِ [3]
كُلُّ قِسِّيسٍ وَرَاهِبٍ فَلَمَّا اجْتَمَعُوا عِنْدَهُ،
قَالَ النَّجَاشِيُّ: أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ الَّذِي
أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى هَلْ تَجِدُونَ بَيْنَ
عيسى وبين القيامة نبيّ مرسل، فَقَالُوا: اللَّهُمَّ
نَعَمْ قَدْ بَشَّرَنَا بِهِ عِيسَى، وَقَالَ:
مَنْ آمَنَ بِهِ فَقَدْ آمَنَ بِي وَمَنْ كَفَرَ بِهِ
فَقَدْ كَفَرَ بِي، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ لِجَعْفَرٍ:
مَاذَا يَقُولُ لَكُمْ هَذَا الرَّجُلُ؟ وَمَا
يَأْمُرُكُمْ به؟ وما ينهاكم عنه؟ قال: يَقْرَأُ عَلَيْنَا
كِتَابَ اللَّهِ، وَيَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى
عَنِ الْمُنْكَرِ، وَيَأْمُرُ بِحُسْنِ الْجِوَارِ
وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَبِرِّ الْيَتِيمِ، وَيَأْمُرُنَا
بِأَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ،
فَقَالَ: اقرأ عليّ [شيئا] [4]
مِمَّا يَقْرَأُ عَلَيْكُمْ، فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَةَ
الْعَنْكَبُوتِ وَالرُّومِ، فَفَاضَتْ عَيْنَا
النَّجَاشِيِّ وَأَصْحَابِهِ مِنَ الدَّمْعِ، وَقَالُوا:
زِدْنَا يَا جَعْفَرُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ الطَّيِّبِ،
فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَةَ الْكَهْفِ، فَأَرَادَ عَمْرٌو
أَنْ يُغْضِبَ النَّجَاشِيَّ، فَقَالَ: إِنَّهُمْ
يَشْتُمُونَ عِيسَى وَأُمَّهُ، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: مَا
تَقُولُونَ في عيسى وأمه؟ فقرأ جعفر عَلَيْهِمْ سُورَةَ
مَرْيَمَ، فَلَمَّا أَتَى عَلَى ذِكْرِ مَرْيَمَ وَعِيسَى
عَلَيْهِمَا السَّلَامُ رَفَعَ النَّجَاشِيُّ نُفْثَةً [5]
مِنْ سواكه قدر ما يقذي الْعَيْنُ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا
زَادَ المسيح على ما تقولون مثل هَذَا، ثُمَّ أَقْبَلَ
عَلَى جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ فَقَالَ: اذْهَبُوا
فَأَنْتُمْ سُيُومٌ بِأَرْضِي- يَقُولُ: آمِنُونَ- مَنْ
سَبَّكُمْ أَوْ آذَاكُمْ غُرِّمَ، ثُمَّ قَالَ: أَبْشِرُوا
وَلَا تَخَافُوا فَلَا دَهْوَرَةَ الْيَوْمَ عَلَى حِزْبِ
إِبْرَاهِيمَ، قَالَ عَمْرٌو: [يَا نَجَاشِيُّ] [6] وَمَنْ
حِزْبُ إِبْرَاهِيمَ؟
قَالَ: هَؤُلَاءِ الرَّهْطُ وَصَاحِبُهُمُ الذي جاؤوا مِنْ
عِنْدِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ
الْمُشْرِكُونَ وَادَّعَوْا [فِي] [7] دِينِ إِبْرَاهِيمَ،
ثُمَّ رَدَّ النَّجَاشِيُّ عَلَى عَمْرٍو وَصَاحِبِهِ
الْمَالَ الَّذِي حَمَلُوهُ، وقال: إنما هديتكم إليّ
رَشْوَةٌ فَاقْبِضُوهَا، فَإِنَّ اللَّهَ مَلَّكَنِي
وَلَمْ يَأْخُذْ مِنِّي رِشْوَةً، قَالَ جَعْفَرٌ:
فَانْصَرَفْنَا فَكُنَّا فِي خَيْرِ دَارٍ وَأَكْرَمِ
جَوَارٍ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى في ذَلِكَ الْيَوْمَ
عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي خُصُومَتِهِمْ فِي إِبْرَاهِيمَ، وَهُوَ
بِالْمَدِينَةِ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ
لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ
آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68) .
[سورة آل عمران (3) : الآيات 69 الى 72]
وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ
يُضِلُّونَكُمْ وَما يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما
يَشْعُرُونَ (69) يَا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ
بِآياتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70) يَا أَهْلَ
الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ
وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71)
وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا
بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ
النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
(72)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ
الْكِتابِ، نَزَلَتْ فِي مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَحُذَيْفَةَ
بْنِ الْيَمَانِ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ حِينَ دَعَاهُمُ
الْيَهُودُ إِلَى دِينِهِمْ، فَنَزَلَتْ وَدَّتْ طائِفَةٌ،
أي: تَمَنَّتْ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يعني
اليهود، لَوْ يُضِلُّونَكُمْ [يستزيلونكم] [8] عَنْ
دِينِكُمْ وَيَرُدُّونَكُمْ إِلَى الْكُفْرِ، وَما
يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ.
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيادة عن المخطوط. [.....]
(3) في المطبوع «عليه» .
(4) زيادة عن المخطوط وط.
(5) تصحف في المخطوط هذا اللفظ إلى «نفسه من سواله» .
(6) سقط من المخطوط.
(7) زيادة عن المخطوط و «أسباب النزول» .
(8) زيد في المطبوع وحده، ويدل عليه عبارة «الوسيط» (1/
448) .
(1/455)
وَلَا تُؤْمِنُوا
إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى
اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ
يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ
بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ
عَلِيمٌ (73)
يَا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ
بِآياتِ اللَّهِ، يَعْنِي: الْقُرْآنَ وَبَيَانَ نَعْتَ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْتُمْ
تَشْهَدُونَ، أَنَّ نَعْتَهُ فِي التَّوْرَاةِ
وَالْإِنْجِيلِ مَذْكُورٌ.
يَا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ
بِالْباطِلِ تَخْلِطُونَ الْإِسْلَامَ بِالْيَهُودِيَّةِ
وَالنَّصْرَانِيَّةِ، وَقِيلَ: لِمَ تَخْلِطُونَ
الْإِيمَانَ بِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ
الْحَقُّ، بِالْكُفْرِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو الباطل. وقيل: لم تخلطون
التَّوْرَاةُ الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَى مُوسَى
بِالْبَاطِلِ الَّذِي حَرَّفْتُمُوهُ وَكَتَبْتُمُوهُ
بِأَيْدِيكُمْ، وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ
تَعْلَمُونَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ودينه حق.
وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا الآية،
قال الحسن وقتادة وَالسُّدِّيُّ [1] : تَوَاطَأَ اثْنَا
عَشَرَ حَبْرًا من يهود خيبر وقرى عربية [2] ، وَقَالَ
بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ادْخُلُوا فِي دِينُ مُحَمَّدٍ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم أَوَّلَ النَّهَارِ
بِاللِّسَانِ دُونَ الِاعْتِقَادِ ثُمَّ اكْفُرُوا آخِرَ
النَّهَارِ، وَقُولُوا: إِنَّا نَظَرْنَا فِي كُتُبِنَا
وَشَاوَرْنَا علماءنا فوجدنا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس هو بذاك المنعوت وَظَهَرَ لَنَا
كَذِبُهُ، فَإِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ شَكَّ أَصْحَابُهُ
فِي دِينِهِمْ واتّهموه، وقالوا إنهم أهل كتاب وهم أعلم به
منّا، فَيَرْجِعُونَ عَنْ دِينِهِمْ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَمُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: هَذَا فِي
شَأْنِ الْقِبْلَةِ لَمَّا صُرِفَتْ إِلَى الْكَعْبَةِ
شَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْيَهُودِ، فَقَالَ كَعْبُ بْنُ
الْأَشْرَفِ لِأَصْحَابِهِ: آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ
عَلَى مُحَمَّدٍ مِنْ أَمْرِ الْكَعْبَةِ وَصَلُّوا
إِلَيْهَا أَوَّلَ النَّهَارِ، ثُمَّ اكْفُرُوا
وَارْجِعُوا إِلَى قِبْلَتِكُمْ آخِرَ النَّهَارِ
لَعَلَّهُمْ يَقُولُونَ: هَؤُلَاءِ أَهْلُ الْكِتَابِ
وَهُمْ أَعْلَمُ [منا] [3] ، فَيَرْجِعُونَ إِلَى
قِبْلَتِنَا، فَأَطْلَعَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَهُ عَلَى
سِرِّهِمْ، وَأَنْزَلَ: وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ
الْكِتابِ آمِنُوا، بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ
آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ، أَوَّلَهُ سُمِّيَ وَجْهًا
لِأَنَّهُ أَحْسَنُهُ وَأَوَّلُ مَا يُوَاجِهُ النَّاظِرَ
فَيَرَاهُ، وَاكْفُرُوا آخِرَهُ، [عند غروب الشمس] [4] ،
لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ، فَيَشُكُّونَ وَيَرْجِعُونَ عَنْ
دينهم.
[سورة آل عمران (3) : آية 73]
وَلا تُؤْمِنُوا إِلاَّ لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ
إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ
مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ
إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ
وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (73)
وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ، هَذَا
مُتَّصِلٌ بِالْأَوَّلِ مِنْ قَوْلِ الْيَهُودِ بَعْضُهُمْ
لِبَعْضٍ، وَلَا تؤمنوا، أي: ولا تُصَدِّقُوا إِلَّا
لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ، أي: وَافَقَ مِلَّتَكُمْ،
وَاللَّامُ فِي لِمَنْ صِلَةٌ، أَيْ: لَا تُصَدِّقُوا
إِلَّا مَنْ تَبِعَ دِينَكُمُ الْيَهُودِيَّةَ كَقَوْلِهِ
تَعَالَى: قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ [النمل:
72] ، أَيْ: رِدْفَكُمْ. قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى
اللَّهِ، هَذَا خَبَرٌ مِنَ الله تعالى أَنَّ الْبَيَانَ
بَيَانُهُ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فيه فمنهم من قال: هذا
كَلَامٌ مُعْتَرِضٌ بَيْنَ كَلَامَيْنِ وَمَا بَعْدَهُ
مُتَّصِلٌ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ إِخْبَارٌ عَنْ قَوْلِ
الْيَهُودِ [بَعْضُهُمْ] [5] لِبَعْضٍ، وَمَعْنَاهُ:
وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ وَلَا
تُؤْمِنُوا أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ
مِنَ الْعِلْمِ وَالْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ وَالْآيَاتِ
مِنَ الْمَنِّ وَالسَّلْوَى وَفَلْقِ الْبَحْرِ
وَغَيْرِهَا مِنَ الْكَرَامَاتِ، وَلَا تُؤْمِنُوا أَنْ
يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ لِأَنَّكُمْ أَصَحُّ
دِينًا مِنْهُمْ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مُجَاهِدٍ،
وَقِيلَ: إِنَّ الْيَهُودَ قَالَتْ لِسَفَلَتِهِمْ: وَلَا
تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ، أَنْ يُؤْتى
أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ، أَيْ:
لِئَلَّا يُؤْتَى أَحَدٌ، وَ «لَا» فِيهِ مُضْمَرَةٌ
كَقَوْلِهِ تعالى: يُبَيِّنُ اللَّهُ
__________
(1) هذه مراسيل، وإسناد المصنف إلى هؤلاء الأئمة في أول
الكتاب.
(2) في المطبوع وط «عرينة» والمثبت عن المخطوط و «الدر
المنثور» (2/ 75) والطبري 7229.
(3) زيادة عن المخطوط و «أسباب النزول» .
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) زيادة عن المخطوط.
(1/456)
يَخْتَصُّ
بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ
الْعَظِيمِ (74) وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ
تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ
مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ
إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ
قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ
وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
(75)
لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا [النِّسَاءِ: 176] ،
أَيْ: لِئَلَّا تَضِلُّوا، يَقُولُ [1] : لَا
تُصَدِّقُوهُمْ لِئَلَّا يَعْلَمُوا مِثْلَ مَا عَلِمْتُمْ
فَيَكُونُ لَكُمُ الْفَضْلُ عَلَيْهِمْ فِي الْعِلْمِ [2]
، وَلِئَلَّا يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ فَيَقُولُوا:
عَرَفْتُمْ أَنَّ دِينَنَا حَقٌّ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ
ابْنِ جُرَيْجٍ، وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَالْأَعْمَشُ «إِنْ
يُؤْتَى» بِكَسْرِ الْأَلِفِ، فَيَكُونُ قَوْلُ الْيَهُودِ
تَامًّا عِنْدَ قَوْلِهِ: إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ،
وَمَا بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى، يَقُولُ:
قُلْ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ «أَنْ
يُؤْتَى» أَنْ بِمَعْنَى: الْجَحْدِ، أَيْ: مَا يُؤْتَى
أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ يُحاجُّوكُمْ
عِنْدَ رَبِّكُمْ، يَعْنِي: إِلَّا أَنْ يُجَادِلَكُمُ
الْيَهُودُ بِالْبَاطِلِ فَيَقُولُوا: نَحْنُ أَفْضَلُ
مِنْكُمْ، فَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: عِنْدَ رَبِّكُمْ،
أَيْ:
عند فعل رَبِّكُمْ بِكُمْ [ذَلِكَ] ، وَهَذَا مَعْنَى
قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنِ وَالْكَلْبِيِّ
وَمُقَاتِلٍ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ:
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَوْ بِمَعْنَى حَتَّى كَمَا
يُقَالُ: تَعَلَّقْ بِهِ أَوْ يُعْطِيَكَ حَقَّكَ،
وَمَعْنَى الْآيَةِ: مَا أُعْطِيَ أَحَدٌ مِثْلَ مَا
أُعْطِيتُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ مِنَ الدِّينِ
وَالْحُجَّةِ حَتَّى يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ!
وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ «آنْ يُؤْتَى» بِالْمَدِّ عَلَى
الِاسْتِفْهَامِ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ فِيهِ اخْتِصَارٌ
تَقْدِيرُهُ: أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ
يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ
تَحْسُدُونَهُ وَلَا تُؤْمِنُونَ بِهِ، هَذَا قول قتادة
والربيع، قالا: هَذَا مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى،
يَقُولُ: قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ الْهُدَى هُدَى
اللَّهِ بِأَنْ أَنْزَلَ كِتَابًا مِثْلَ كِتَابِكُمْ
وَبَعَثَ نَبِيًّا حَسَدْتُمُوهُ وَكَفَرْتُمْ بِهِ، قُلْ
إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ
وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ، قَوْلُهُ: أَوْ يُحاجُّوكُمْ
عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ رُجُوعٌ إِلَى خِطَابِ
الْمُؤْمِنِينَ، وَتَكُونُ أَوْ بِمَعْنَى «أَنَّ» ،
لِأَنَّهُمَا حَرْفَا شَرْطٍ وَجَزَاءٍ يُوضَعُ
أَحَدُهُمَا مَوْضِعَ الْآخَرِ، أَيْ: وَإِنْ
يُحَاجُّوكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ
رَبِّكُمْ، فَقُلْ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ الْهُدَى هُدَى
اللَّهِ وَنَحْنُ عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ
الْجَمِيعُ خِطَابًا لِلْمُؤْمِنِينَ، وَيَكُونُ نَظْمُ
الْآيَةِ: أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ يَا
مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ حَسَدُوكُمْ، فَقُلْ: إِنَّ
الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ، وَإِنْ حَاجُّوكُمْ، فقل: إِنَّ
الْهُدى هُدَى اللَّهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ
عَنِ الْيَهُودِ قَدْ تَمَّ عِنْدَ قَوْلِهِ: لَعَلَّهُمْ
يَرْجِعُونَ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تُؤْمِنُوا من
كَلَامُ اللَّهِ يُثَبِّتُ بِهِ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ
لِئَلَّا يَشُكُّوا عِنْدَ تَلْبِيسِ الْيَهُودِ
وَتَزْوِيرِهِمْ فِي دِينِهِمْ، يَقُولُ: لَا تُصَدِّقُوا
يَا مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَّا مَنْ تَبِعْ [3]
دِينَكُمْ، وَلَا تُصَدِّقُوا أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ
ما أوتيتم من العلم والدين وَالْفَضْلِ، وَلَا تُصَدِّقُوا
أَنْ يُحَاجُّوكُمْ فِي دِينِكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَوْ
[4] يَقْدِرُوا عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ الْهُدَى هدى
اللَّهِ، وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ
يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ، فَتَكُونُ الْآيَةُ
كُلُّهَا خِطَابَ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ
تَلْبِيسِ الْيَهُودِ لئلّا يرتابوا.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 74 الى 75]
يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو
الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74) وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ
إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ
مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ
إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ
قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ
وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
(75)
قَوْلُهُ: يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ، أَيْ: بِنُبُوَّتِهِ
مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ..
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ
تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ الْآيَةَ،
نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ
فِيهِمْ أَمَانَةً وَخِيَانَةً، وَالْقِنْطَارُ عِبَارَةٌ
عَنِ الْمَالِ الْكَثِيرِ، وَالدِّينَارُ عِبَارَةٌ عَنِ
المال القليل، يقول منهم
__________
(1) في المطبوع «يقولون» .
(2) في المخطوط «القبلة» .
(3) في المطبوع «لمن اتبع» . [.....]
(4) في المطبوع «أي» .
(1/457)
بَلَى مَنْ أَوْفَى
بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُتَّقِينَ (76) إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ
اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا
خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ
اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77)
مَنْ يُؤَدِّي الْأَمَانَةَ وَإِنْ
كَثُرَتْ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤَدِّيهَا وَإِنْ
قَلَّتْ، قَالَ مُقَاتِلٌ: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ
إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ، هم مؤمنو
أَهْلِ الْكِتَابِ، كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ
وَأَصْحَابِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ
لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ، يَعْنِي: كُفَّارَ الْيَهُودِ،
كَكَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَأَصْحَابِهِ، وَقَالَ
جُوَيْبِرٌ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي
قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ
إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ، يَعْنِي:
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ، أَوْدَعَهُ رَجُلٌ أَلْفًا
وَمِائَتَيْ أُوقِيَّةً مِنْ ذَهَبٍ فَأَدَّاهَا إِلَيْهِ،
وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لَا يُؤَدِّهِ
إِلَيْكَ، يَعْنِي: فِنْحَاصَ بْنَ عَازُورَاءَ،
اسْتَوْدَعَهُ رَجُلٌ من قريش دينارا فخانه [ولم يؤده
إليه] [1] ، قَوْلُهُ: يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ قَرَأَ أَبُو
عَمْرٍو وَأَبُو بَكْرٍ وَحَمْزَةُ يُؤَدِّهِ، ولا
يُؤَدِّهِ ووَ نُصْلِهِ [النساء: 115] ، ونُؤْتِهِ [آل
عمران: 145] ، ونُوَلِّهِ [النساء: 115] سَاكِنَةَ
الْهَاءِ، وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَقَالُونُ وَيَعْقُوبُ
بِالِاخْتِلَاسِ كَسْرًا، وَالْبَاقُونَ بِالْإِشْبَاعِ
كَسْرًا، فَمَنْ سَكَّنَ الْهَاءَ قَالَ لِأَنَّهَا
وُضِعَتْ فِي مَوْضِعِ الْجَزْمِ وَهُوَ الْيَاءُ
الذَّاهِبَةُ، وَمَنِ اخْتَلَسَ فَاكْتَفَى بِالْكَسْرَةِ
عَنِ الْيَاءِ، وَمَنْ أَشْبَعَ فَعَلَى الْأَصْلِ،
لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْهَاءِ الْإِشْبَاعُ، إِلَّا مَا
دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مُلِحًّا،
يُرِيدُ يَقُومُ عَلَيْهِ يُطَالِبُهُ بِالْإِلْحَاحِ،
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: مُوَاظِبًا أَيْ تُوَاظِبُ عَلَيْهِ
بِالِاقْتِضَاءِ، وقيل: أراد [إن] [2] أَوْدَعْتَهُ ثُمَّ
اسْتَرْجَعْتَهُ وَأَنْتَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ وَلَمْ
تُفَارِقْهُ رَدَّهُ إِلَيْكَ، فَإِنْ فَارَقْتَهُ
وَأَخَّرْتَهُ أَنْكَرَهُ وَلَمْ يُؤَدِّهِ، ذلِكَ، أَيْ:
ذَلِكَ الِاسْتِحْلَالُ وَالْخِيَانَةُ، بِأَنَّهُمْ
قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ، أَيْ:
فِي مَالِ الْعَرَبِ إِثْمٌ وَحَرَجٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ [التوبة: 91] ،
وذلك بأن الْيَهُودَ قَالُوا: أَمْوَالُ الْعَرَبِ حَلَالٌ
لَنَا، لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى دِينِنَا وَلَا
حُرْمَةَ لَهُمْ فِي كِتَابِنَا، وَكَانُوا يَسْتَحِلُّونَ
ظُلْمَ مَنْ خَالَفَهُمْ فِي دِينِهِمْ، وَقَالَ
الْكَلْبِيُّ: قَالَتِ الْيَهُودُ إِنَّ الْأَمْوَالَ
كُلَّهَا كَانَتْ لَنَا فَمَا [3] فِي يَدِ الْعَرَبِ
مِنْهَا فَهُوَ لَنَا، وَإِنَّمَا ظَلَمُونَا وَغَصَبُونَا
فَلَا سَبِيلَ عَلَيْنَا فِي أَخْذِنَا إِيَّاهُ مِنْهُمْ،
وَقَالَ الْحَسَنُ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَمُقَاتِلٌ: بَايَعَ
الْيَهُودُ رِجَالًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي
الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمَّا أَسْلَمُوا تَقَاضُوهُمْ
بَقِيَّةَ أَمْوَالِهِمْ فَقَالُوا: لَيْسَ لَكُمْ
عَلَيْنَا حَقٌّ، وَلَا عِنْدَنَا قَضَاءٌ لِأَنَّكُمْ
تَرَكْتُمْ دِينَكُمْ وَانْقَطَعَ الْعَهْدُ بَيْنَنَا
وَبَيْنَكُمْ، وَادَّعَوْا أَنَّهُمْ وَجَدُوا ذَلِكَ فِي
كُتُبِهِمْ [4] ، فَكَذَّبَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ،
وَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ
الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ، ثم قال ردّا عليهم:
[سورة آل عمران (3) : الآيات 76 الى 77]
بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى فَإِنَّ اللَّهَ
يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (76) إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ
بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً
أُولئِكَ لَا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا
يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ
الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ
(77)
بَلى، أَيْ: لَيْسَ كَمَا قَالُوا بَلْ عَلَيْهِمْ
سَبِيلٌ، ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ: مَنْ أَوْفى [أَيْ:
وَلَكِنَّ مَنْ أَوْفَى] [5] ، بِعَهْدِهِ، أَيْ: بِعَهْدِ
اللَّهِ الَّذِي عَهِدَ إِلَيْهِ فِي التَّوْرَاةِ مِنَ
الْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَالْقُرْآنِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَقِيلَ:
الْهَاءُ فِي عَهْدِهِ رَاجِعَةٌ إِلَى الْمُوفِي وَاتَّقى
الْكَفْرَ وَالْخِيَانَةَ وَنَقْضَ الْعَهْدِ، فَإِنَّ
اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ.
«394» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا محمد بن يوسف أنا
__________
394- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، سفيان هو ابن
سعيد الثوري، والأعمش اسمه سليمان بن مهران، مسروق
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) تصحف في المطبوع إلى «فيما» .
(4) في المخطوط «كتابهم» .
(5) زيد في المطبوع وط.
(1/458)
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا
قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ أَنَا سُفْيَانُ عَنِ الْأَعْمَشِ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ
عَبْدِ الله بن عمرو [1] :
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا
خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ
فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا
ائْتُمِنَ خَانَ وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ
غَدَرَ، وإذا خاصم فجر» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ
اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا، قَالَ
عِكْرِمَةُ: نَزَلَتْ فِي رُؤُوسِ الْيَهُودِ كَتَمُوا مَا
عَهِدَ اللَّهَ إِلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَدَّلُوهُ
وَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِمْ غَيْرَهُ وَحَلَفُوا أَنَّهُ
مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِئَلَّا يَفُوتَهُمُ الْمَآكِلُ
وَالرِّشَا الَّتِي كَانَتْ لَهُمْ مِنْ أَتْبَاعِهِمْ.
«395» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا مُوسَى بْنُ
إِسْمَاعِيلَ أَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ
أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ
امْرِئٍ مسلم لقي الله [2] وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» ،
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى تَصْدِيقَ ذَلِكَ إِنَّ
الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ
ثَمَناً قَلِيلًا إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، فَدَخَلَ
الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ، فَقَالَ: مَا يُحَدِّثُكُمْ
أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ فَقَالُوا: كَذَا وَكَذَا،
فَقَالَ: فِيَّ أُنْزِلَتْ كَانَتْ لِي بِئْرٌ فِي أَرْضِ
ابْنِ عَمٍّ لِي فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحدثته، فقال: «بَيِّنَتَكَ
أَوْ يَمِينَهُ» ، قُلْتُ: إِذًا يَحْلِفُ عَلَيْهَا يَا
رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ
وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ
مُسْلِمٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ
عَلَيْهِ غَضْبَانُ» .
«396» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ
أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ
أَنَا مُحَمَّدُ بن عيسى الجلودي، أنا
__________
هو ابن الأجدع.
هو في «شرح السنة» (37) بهذا الإسناد.
- أخرجه المصنف من طريق البخاري وهو في «صحيحه» (34) عن
قبيصة بن عقبة به.
- وأخرجه البخاري 2459 ومسلم 58 وأبو داود 4688 والترمذي
2632 والنسائي 8/ 116 وابن أبي شيبة 8/ 593 و594 وأبو
عوانة 1/ 20 وأحمد 2/ 189 و198 وابن مندة في «الإيمان»
(522 و523 و524 و526) وابن حبان 254 ووكيع في «الزهد»
(473) والبيهقي 9/ 230 و10/ 74 من طرق عن الأعمش به.
395- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، أبو عوانة اسمه
وضاح، مشهور بكنيته، الأعمش هو سليمان بن مهران، أبو وائل
اسمه شقيق بن سلمة.
هو في «شرح السنة» (2494) بهذا الإسناد.
- أخرجه المصنف من طريق البخاري وهو في «صحيحه» (2673) عن
موسى بن إسماعيل به.
- وأخرجه البخاري 2356 و2676 و4549 و6659 و6676 و7183
ومسلم 138 وابن ماجه 2323 والطيالسي 1050 وأحمد 1/ 44 و5/
211 و212 وابن حبان 5084 والطبري 7279 والبيهقي 10/ 44
و178 و353 من طرق عن سليمان الأعمش به.
- وأخرجه البخاري 2515 و2516 و2669 و2670 و6659 ومسلم 138
والشافعي 2/ 51 والطيالسي 262 و1051 والطبري 8282 والطحاوي
في «المشكل» (442) والواحدي 216 والبيهقي 10/ 178 و253
و261 من طرق عن أبي وائل شقيق بن سلمة به.
396- إسناده صحيح على شرط مسلم، أبو الأحوص هو سلام بن
سليم الحنيفي، سماك بن حرب فيه كلام بسبب تغيره
(1) في الأصل «عمر» وهو تصحيف.
(2) زيد في المطبوع «يوم القيامة» وليست في المخطوط وط
وكتب الحديث.
(1/459)
إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
سُفْيَانَ أَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ أَنَا
قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ
سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلِ بْنِ
حُجْرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
جَاءَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ وَرَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ
إِلَى النَّبِيِّ، فَقَالَ الْحَضْرَمِيُّ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ إِنَّ هَذَا قَدْ غَلَبَنِي عَلَى أَرْضٍ لِي
كَانَتْ لِأَبِي، فَقَالَ الْكِنْدِيُّ: هِيَ أَرْضٌ فِي
يَدِي أَزْرَعُهَا لَيْسَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ، فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِلْحَضْرَمِيِّ: «أَلَكَ بَيِّنَةٌ» ؟ قَالَ: لَا، قَالَ:
«فَلَكَ يَمِينُهُ» ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ
الرَّجُلَ فَاجِرٌ لَا يُبَالِي على ما حلف عَلَيْهِ،
قَالَ: «لَيْسَ لَكَ مِنْهُ إلا ذلك» ، فَانْطَلَقَ
لِيَحْلِفَ [1] ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [لَمَّا أدبر] [2] : «أَمَا لَئِنْ
حَلَفَ عَلَى مَالِهِ لِيَأْكُلَهُ ظُلْمًا لَيَلْقَيَنَّ
اللَّهَ وَهُوَ عَنْهُ مُعْرِضٌ» .
وَرَوَاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ عَنْ
عَلْقَمَةَ، وَقَالَ هُوَ امْرُؤُ الْقَيْسِ بْنُ عَابِسٍ
الْكِنْدِيُّ وَخَصْمُهُ رَبِيعَةُ بْنُ عَبْدَانَ، وروى
[أنه] [3] لَمَّا هَمَّ أَنْ يَحْلِفَ نَزَلَتْ هَذِهِ
الْآيَةُ فَامْتَنَعَ امْرُؤُ الْقَيْسِ أَنْ يَحْلِفَ.
وَأَقَرَّ لِخَصْمِهِ بِحَقِّهِ وَدَفْعَهُ إِلَيْهِ [4] .
«397» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ
مُحَمَّدٍ السَّرَخْسِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ
أَحْمَدَ السَّرَخْسِيُّ [أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ
الْهَاشِمِيُّ] [5] ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ
عَنِ الْعَلَاءِ بن عبد الرحمن عن معبد [6] بْنِ كَعْبٍ
عَنْ أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عن
أبي أمامة:
__________
بأخرة. لكن توبع كما سيأتي.
- أخرجه المصنف من طريق مسلم وهو في «صحيحه» (139) عن
قتيبة بن سعيد بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 1340 والنسائي في «الكبرى» (5989) وابن
حبان 5074 والبيهقي 10/ 179 من طريق قتيبة بن سعيد به.
وأخرجه مسلم 139 وأبو داود 3245 و3623 والطحاوي في
«المعاني» (4/ 148) وفي «المشكل» (4/ 248) والبيهقي 10/
144 و154 من طرق عن أبي الأحوص به.
- وأخرجه مسلم 139 ح 224 وأحمد 4/ 317 والطحاوي 4/ 147 وفي
«المشكل» (4/ 248) والبيهقي 10/ 137 و261 من طرق عن أبي
عوانة عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عن علقمة به.
397- إسناده صحيح على شرط مسلم.
- وهو في «شرح السنة» (2501) بهذا الإسناد.
- أخرجه المصنف من طريق مالك وهو في «الموطأ» (2/ 27) عن
العلاء به.
- وأخرجه مسلم 137 والنسائي 8/ 246 وأحمد 5/ 260 والدارمي
2/ 266 والطبراني 796 و797 والبيهقي 10/ 179 من طرق عن
العلاء به.
- وأخرجه ابن حبان 5088 والطبراني 798 من طريق معيد بن كعب
به.
- وأخرجه مسلم 137 ح 219 وابن ماجه 2324 والدارمي 2/ 266
والطحاوي في «المشكل» (1/ 186) والطبراني 799 من طريق محمد
بن كعب، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ به.
- وأخرجه الطبراني 801 والحاكم 2/ 294 من وجه آخر عن عبد
الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبي أمامة به. [.....]
(1) زيد في المطبوع «له، فلما أدبر» والصواب في هذه
العبارة ما يأتي.
(2) هذه العبارة في المطبوع قبل كلمات.
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) هذه الرواية لابن جرير 7278 عن ابن جريج.
(5) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «شرح
السنة» .
(6) في الأصل «سعيد» وهو تصحيف.
(1/460)
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ
مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ
وَأَوْجَبَ لَهُ النَّارَ» ، قَالُوا: وَإِنْ كَانَ
شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَإِنْ
كَانَ قَضِيبًا مَنْ أَرَاكٍ» ، قَالَهَا ثَلَاثَ
مَرَّاتٍ.
«398» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ
أَنَا هُشَيْمُ بْنُ بشير [1] أَنَا الْعَوَّامُ بْنُ
حَوْشَبٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى:
أَنَّ رَجُلًا أَقَامَ سِلْعَةً وَهُوَ فِي السُّوقِ
فَحَلَفَ بِاللَّهِ لَقَدْ أُعْطِيَ بِهَا مَا لَمْ
يُعْطَ، لِيُوقِعَ فِيهَا رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ،
فَنَزَلَتْ: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ
وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ، أَيْ:
يستبدلون بِعَهْدِ اللَّهِ أداء [2] الْأَمَانَةَ،
وَأَيْمانِهِمْ الْكَاذِبَةِ ثَمَناً قَلِيلًا، أَيْ:
شَيْئًا قَلِيلًا مِنْ حُطَامِ الدُّنْيَا، أُولئِكَ لَا
خَلاقَ لَهُمْ، لَا نَصِيبَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ،
وَنَعِيمِهَا، وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ، كَلَامًا
يَنْفَعُهُمْ وَيَسُرُّهُمْ، وَقِيلَ: هُوَ بِمَعْنَى
الْغَضَبِ، كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ: إِنِّي لَا أُكَلِّمُ
فُلَانًا إِذَا كَانَ غَضِبَ عَلَيْهِ، وَلا يَنْظُرُ
إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ، أَيْ: لَا يَرْحَمُهُمْ
وَلَا يُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَلَا يُنِيلُهُمْ خَيْرًا،
وَلا يُزَكِّيهِمْ، أَيْ: لَا يُثْنِي عَلَيْهِمْ
بِالْجَمِيلِ وَلَا يُطَهِّرُهُمْ مِنَ الذُّنُوبِ،
وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ.
«399» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ
أَنَا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ،
أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ أَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ أَنَا سُفْيَانُ أَنَا
مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ أَنَا [أَبُو بَكْرِ بْنُ أبي
شيبة ومحمد بن المثنى وابن بشار قالوا: حدّثنا] [3]
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ
مُدْرِكٍ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ خَرَشَةَ بْنِ الْحُرِّ
عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ» ، قَالَ: قَرَأَهَا رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ،
فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: خَابُوا وَخَسِرُوا مَنْ هُمْ يَا
رَسُولَ اللَّهِ؟
قَالَ: «الْمُسْبِلُ وَالْمَنَّانُ وَالْمُنْفِقُ
سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ» ، في رواية: «المسبل
إزاره» .
__________
398- إسناده صحيح على شرط البخاري.
- أخرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (2088) عن
عمرو بن محمد بهذا الإسناد. و2675 و4551 هن هشيم به.
وذكره السيوطي في «الدر» (2/ 78) وزاد نسبته لعبد بن حميد
وابن المنذر وابن أبي حاتم.
399- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، أبو زرعة هو ابن
عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي. شعبة هو ابن الحجاج.
أخرجه المصنف من طريق مسلم وهو في «صحيحه» (106) عَنْ
أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شيبة ومحمد بن المثنى، وابن بشار
قالوا: حدثنا محمد بن جعفر بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو داود 4087 والترمذي 1211 والنسائي 7/ 245-
246 وابن أبي شيبة 9/ 92- 93 والطيالسي 467 وأحمد 5/ 148
و162 و168 والدارمي 2/ 267 وفي «الرد على الجهمية» ص (93)
وابن حبان 4907 والبيهقي 5/ 265 من طرق عن شعبة به.
(1) في الأصل «محمد» والتصويب من «كتب التراجم» .
(2) في المطبوع «وأراد» .
(3) زيادة عن «صحيح مسلم» و «كتب التخريج» و «التراجم» ،
ومسلم لم يدرك محمد بن جعفر.
(1/461)
وَإِنَّ مِنْهُمْ
لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ
لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ
وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ
عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ
وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78) مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ
يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ
ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ
اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ
تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ
(79)
«400» أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو
عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي أَنَا
السَّيِّدُ [1] أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ
الْحُسَيْنِ الْعَلَوِيُّ، أَنَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ
بن حمدويه الْمَرْوَزِيُّ [حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ
آدَمَ الْمَرْوَزِيُّ] [2] أَنَا سُفْيَانُ بْنُ
عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنِ أَبِي صَالِحٍ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ، رَجُلٌ حَلَفَ يَمِينًا عَلَى مَالِ
مُسْلِمٍ فَاقْتَطَعَهُ، وَرَجُلٌ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ
كَاذِبَةٍ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ أَنَّهُ أُعْطِيَ
بِسِلْعَتِهِ أَكْثَرَ مِمَّا أُعْطِيَ وَهُوَ كَاذِبٌ،
وَرَجُلٌ منع فضل مائه [3] ، فإن الله [سبحانه و] تعالى
يقول: اليوم أمنعك فضلي [كما منعت فَضْلَ] [4] مَا لَمْ
تَعْمَلْ يَدَاكَ» .
[سورة آل عمران (3) : الآيات 78 الى 79]
وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ
بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ
الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما
هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ
الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78) مَا كانَ لِبَشَرٍ أَنْ
يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ
ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ
اللَّهِ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ
تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنَّ مِنْهُمْ، يَعْنِي: مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ لَفَرِيقاً، أَيْ: طَائِفَةً، وَهُمْ
كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ وَمَالِكُ بْنُ الصَّيْفِ
وَحُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ وَأَبُو يَاسِرٍ وَشُعْبَةُ بن
عمرو الشَّاعِرُ، يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ،
أَيْ: يَعْطِفُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالتَّحْرِيفِ
وَالتَّغْيِيرِ، وَهُوَ مَا غَيَّرُوا مِنْ صِفَةِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآيَةِ
الرَّجْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، يُقَالُ: لَوَى لسانه عن كذا،
إذا غَيَّرَهُ، لِتَحْسَبُوهُ، أَيْ: لِتَظُنُّوا مَا
حرّفوا مِنَ الْكِتابِ، [أي] : الذي أنزله الله تعالى [على
أنبيائه] [5] ، وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ
هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ
وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ، عَمْدًا، وَهُمْ
يَعْلَمُونَ، أنهم كاذبون [وأنهم هم المغيرون له من عند
أنفسهم] [6] ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
إِنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى
جَمِيعًا وَذَلِكَ أَنَّهُمْ حَرَّفُوا التَّوْرَاةَ
وَالْإِنْجِيلَ وَأَلْحَقُوا بِكِتَابِ اللَّهِ مَا لَيْسَ
مِنْهُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: مَا كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ
اللَّهُ الْكِتابَ الْآيَةَ، قَالَ مُقَاتِلٌ
وَالضَّحَّاكُ: مَا كَانَ لِبَشَرٍ يَعْنِي: عِيسَى
عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَذَلِكَ أَنْ نَصَارَى نَجْرَانَ
كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ عِيسَى أَمَرَهُمْ أَنْ
يَتَّخِذُوهُ رَبًّا فَقَالَ تَعَالَى: مَا كانَ لِبَشَرٍ،
يَعْنِي: عِيسَى أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ، أي:
الإنجيل، وقال ابن عباس
__________
400- إسناده صحيح، محمد بن حمدويه ومن دونه ثقات، وقد
توبعوا، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، أبو صالح اسمه
ذكوان، مشهور بكنيته.
- وأخرجه البيهقي في «الأسماء والصفات» (476) من طريق محمد
بن الحسين العلوي به.
- وأخرجه البخاري 2369 و7446 ومسلم 108 وابن مندة في
«الإيمان» (626) وابن حبان 4908 والبيهقي 6/ 152 والبغوي
في «شرح السنة» (2510) من طرق عن سفيان بن عيينة به.
- وأخرجه مسلم 108 والنسائي 7/ 246- 247 وأبو عوانة 1/ 41
وابن مندة 623 و624 والبيهقي 10/ 77 من طرق عَنِ
الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ به.
(1) في الأصل «أسيد» وهو تصحيف.
(2) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة» . [.....]
(3) تصحف في المطبوع وط إلى «ماله» .
(4) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة» .
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) زيادة عن المخطوط.
(1/462)
وَلَا يَأْمُرَكُمْ
أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ
أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ
أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80) وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ
النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ
ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ
لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ
أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي
قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ
مِنَ الشَّاهِدِينَ (81)
وَعَطَاءٌ: مَا كانَ لِبَشَرٍ، يَعْنِي:
مُحَمَّدًا [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] أَنْ
يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ، أَيِ: القرآن.
م (391) وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا رَافِعٍ الْقُرَظِيَّ مِنَ
الْيَهُودِ، وَالرَّئِيسَ مِنْ نَصَارَى أَهْلِ نَجْرَانَ
قَالَا: يَا مُحَمَّدُ تُرِيدُ أَنْ نَعْبُدَكَ
وَنَتَّخِذَكَ رَبًّا، فقال: معاذ الله أن آمر بِعِبَادَةِ
غَيْرِ اللَّهِ، مَا بِذَلِكَ أمرني الله، وما بذلك بعثني،
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ: مَا كانَ
لِبَشَرٍ، أَيْ: مَا يَنْبَغِي لِبَشَرٍ كَقَوْلِهِ
تَعَالَى: مَا يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا
[النور:
16] ، أَيْ: مَا يَنْبَغِي لَنَا، وَالْبَشَرُ: جَمِيعُ
بَنِي آدَمَ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ، كَالْقَوْمِ
وَالْجَيْشِ [1] ، يوضع مَوْضِعَ الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ،
أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ، الْفَهْمَ
وَالْعِلْمَ، وَقِيلَ: إِمْضَاءَ الْحُكْمِ عَنِ اللَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ، وَالنُّبُوَّةَ، الْمَنْزِلَةَ
الرَّفِيعَةَ بالإنباء، ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا
عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ كُونُوا، أَيْ:
وَلَكِنْ يَقُولُ كُونُوا، رَبَّانِيِّينَ، وَاخْتَلَفُوا
فِيهِ، قَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ:
كُونُوا فُقَهَاءَ علماء، وقال قتادة:
حكماء علماء، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الْعَالِمُ
الَّذِي يَعْمَلُ بِعِلْمِهِ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فُقَهَاءَ مُعَلِّمِينَ،
وَقِيلَ: الرَّبَّانِيُّ الَّذِي يُرَبِّي النَّاسَ
بِصِغَارِ الْعِلْمِ قَبْلَ كباره، وقال عطاء: حكماء علماء
نُصَحَاءَ لِلَّهِ فِي خَلْقِهِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ:
سَمِعْتُ رَجُلًا عَالِمًا يَقُولُ: الرَّبَّانِيُّ
الْعَالِمُ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ والأمر والنهي
العارف بِأَنْبَاءِ الْأُمَّةِ [2] مَا كَانَ وَمَا
يَكُونُ، وَقِيلَ: الرَّبَّانِيُّونَ فَوْقَ الْأَحْبَارِ،
والأحبار فوق الْعُلَمَاءُ، وَالرَّبَّانِيُّونَ الَّذِينَ
جَمَعُوا مَعَ الْعِلْمِ الْبَصَارَةَ [3] بِسِيَاسَةِ
النَّاسِ، قَالَ الْمُؤَرِّجُ:
كُونُوا رَبَّانِيِّينَ تَدِينُونَ لِرَبِّكُمْ.
مِنَ [4] الرُّبُوبِيَّةِ، كَانَ فِي الْأَصْلِ رَبِّيٌّ،
فَأُدْخِلَتِ الْأَلِفُ لِلتَّفْخِيمِ، ثُمَّ أُدْخِلَتِ
النُّونُ لِسُكُونِ الْأَلِفِ، كَمَا قِيلَ: صَنْعَانِيٌّ
وَبَهْرَانِيٌّ [5] ، وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: هُمْ
أَرْبَابُ الْعِلْمِ سُمُّوا بِهِ لِأَنَّهُمْ يُرَبُّونَ
الْعِلْمَ، وَيَقُومُونَ بِهِ وَيُرَبُّونَ
الْمُتَعَلِّمِينَ بِصِغَارِ الْعُلُومِ قَبْلَ
كِبَارِهَا، وَكُلُّ مَنْ قَامَ بِإِصْلَاحِ الشيء
وَإِتْمَامِهِ فَقَدْ رَبَّهُ يَرُبُّهُ، وَاحِدُهَا:
رَبَّانُ كَمَا قَالُوا: رَيَّانُ وَعَطْشَانُ وشبعان
وغرثان، ثُمَّ ضُمَّتْ إِلَيْهِ يَاءُ النِّسْبَةِ، كما
يقال: الحياني وَرَقَبَانِيٌّ، وَحُكِيَ عَنْ عَلَيٍّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ الذي يربي
عِلْمَهُ بِعَمَلِهِ [6] ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الحنفية
يوم مَاتَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْيَوْمَ مَاتَ رَبَّانِيُّ
هَذِهِ الْأُمَّةِ، بِما كُنْتُمْ، أَيْ: بِمَا أَنْتُمْ
كَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا
[مريم: 29] ، أَيْ: مَنْ هُوَ فِي الْمَهْدِ، تُعَلِّمُونَ
الْكِتابَ، قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ [وَحَمْزَةُ]
[7] وَالْكِسَائِيُّ تُعَلِّمُونَ بِالتَّشْدِيدِ مِنَ
التَّعْلِيمِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ تَعْلَمُونَ
بِالتَّخْفِيفِ مِنَ الْعِلْمِ كَقَوْلِهِ:
وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ، أي: تقرءون.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 80 الى 81]
وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ
وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ
بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80) وَإِذْ أَخَذَ
اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ
كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما
مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ
أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا
أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ
الشَّاهِدِينَ (81)
قَوْلُهُ: وَلا يَأْمُرَكُمْ، قَرَأَ ابن عامر وَحَمْزَةُ
وَيَعْقُوبُ بِنَصْبِ الرَّاءِ عَطْفًا على قوله: ثم يقول،
__________
(1) تصحف في المخطوط إلى «الجنس» .
(2) في المخطوط «الإمامة» .
(3) في المطبوع «البصائر» وفي المخطوط «بالبصارة» والمثبت
عن- ط.
(4) في المخطوط «بمعنى» بدل «من» والمثبت عن المطبوع وط.
(5) في المخطوط «نهراني» .
(6) كذا في المطبوع وط، وفي المخطوط على التقديم والتأخير.
(7) زيادة عن المخطوط وط.
(1/463)
فَيَكُونُ مَرْدُودًا عَلَى الْبَشَرِ،
أَيْ: وَلَا يَأْمُرُ ذَلِكَ الْبَشَرُ، [وَقِيلَ: عَلَى
إِضْمَارِ «أَنْ» ، أَيْ: وَلَا أَنْ يَأْمُرَكُمْ ذَلِكَ
الْبَشَرُ] [1] ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْعِ عَلَى
الِاسْتِئْنَافِ، مَعْنَاهُ: وَلَا يَأْمُرُكُمُ اللَّهُ،
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَجَمَاعَةٌ:
وَلَا يَأْمُرُكُمْ مُحَمَّدٌ، أَنْ تَتَّخِذُوا
الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً، كَفِعْلِ
قُرَيْشٍ وَالصَّابِئِينَ حَيْثُ قَالُوا: الْمَلَائِكَةُ
بَنَاتُ اللَّهِ، وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى حَيْثُ
قَالُوا فِي الْمَسِيحِ وَعُزَيْرٍ مَا قَالُوا،
أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ
مُسْلِمُونَ، قَالَهُ [2] عَلَى طريق التعجّب والإنكار،
يعني: ولا يَقُولُ [3] هَذَا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ
النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ،
قَرَأَ حَمْزَةُ لَما بِكَسْرِ اللَّامِ، وَقَرَأَ
الْآخَرُونَ بِفَتْحِهَا، فَمَنْ كَسَرَ اللَّامَ فَهِيَ
لَامُ الْإِضَافَةِ دَخَلَتْ على ما الموصولة، ومعناه:
إن الَّذِي يُرِيدُ لِلَّذِي آتَيْتُكُمْ، أَيْ: أَخَذَ
مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لِأَجْلِ الَّذِي آتاهم من الكتاب
والحكمة وأنهم أَصْحَابُ الشَّرَائِعِ، وَمَنْ فَتَحَ
اللَّامَ معناه: لِلَّذِي آتَيْتُكُمْ، بِمَعْنَى
الْخَبَرِ، وَقِيلَ: بِمَعْنَى الْجَزَاءِ، أَيْ: لَئِنْ
آتَيْتُكُمْ وَمَهْمَا آتَيْتُكُمْ، وَجَوَابُ الْجَزَاءِ،
قَوْلُهُ: لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ، قَوْلُهُ: لَما آتَيْتُكُمْ
قَرَأَ نَافِعٌ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ «آتَيْنَاكُمْ»
عَلَى التَّعْظِيمِ كَمَا قَالَ: وَآتَيْنا داوُدَ
زَبُوراً [النساء: 163] ، ووَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ
صَبِيًّا [مَرْيَمَ: 12] ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ
بِالتَّاءِ لِمُوَافَقَةِ الْخَطِّ، وَلِقَوْلِهِ: وَأَنَا
مَعَكُمْ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَعْنِيِّ بِهَذِهِ
الْآيَةِ:
فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْذَ
الْمِيثَاقِ عَلَى النَّبِيِّينَ خَاصَّةً أن يبلّغوا كتاب
الله ورسالته إِلَى عِبَادِهِ، وَأَنْ يُصَدِّقَ
بَعْضُهُمْ بعضا وأخذ العهود عَلَى كُلِّ نَبِيٍّ أَنْ
يُؤْمِنَ بِمَنْ يَأْتِي بَعْدَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ،
وَيَنْصُرَهُ إِنْ أَدْرَكَهُ، وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْهُ
أَنْ يَأْمُرَ قَوْمَهُ بِنُصْرَتِهِ إِنْ أَدْرَكُوهُ [4]
، فَأَخَذَ الْمِيثَاقَ مِنْ مُوسَى أَنْ يُؤْمِنَ
بِعِيسَى، وَمِنْ عِيسَى أَنْ يُؤْمِنَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ الْآخَرُونَ: إنما
[5] أَخَذَ اللَّهُ الْمِيثَاقَ مِنْهُمْ فِي أَمْرَ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم، فعلى هذا
اختلفوا فمنهم مَنْ قَالَ: إِنَّمَا أَخَذَ الْمِيثَاقَ
عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ أَرْسَلَ مِنْهُمُ
النَّبِيِّينَ، وَهَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَالرَّبِيعِ،
أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ: ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ
مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ
وَلَتَنْصُرُنَّهُ، وَإِنَّمَا كَانَ مُحَمَّدٌ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَبْعُوثًا إِلَى أَهْلِ
الْكِتَابِ دُونَ النَّبِيِّينَ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ
فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيِّ
بْنِ كَعْبٍ «وَإِذْ أخذ الله ميثق الّذين أوتوا الكتب» ،
وإنّما الْقِرَاءَةُ الْمَعْرُوفَةُ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ
مِيثاقَ النَّبِيِّينَ، فَأَرَادَ: أَنَّ اللَّهَ أَخَذَ
مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ أَنْ يَأْخُذُوا الميثاق إلى
أُمَمِهِمْ أَنْ يُؤْمِنُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُصَدِّقُوهُ وَيَنْصُرُوهُ، إِنْ
أَدْرَكُوهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ:
أَرَادَ أَخَذَ اللَّهُ الْمِيثَاقَ عَلَى النَّبِيِّينَ،
وَأُمَمِهِمْ جَمِيعًا فِي أَمْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاكْتَفَى بذكر الأنبياء
[ذكر أممهم] [6] لِأَنَّ الْعَهْدَ مَعَ [7] الْمَتْبُوعِ
عَهْدٌ عَلَى الْأَتْبَاعِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: لَمْ
يَبْعَثِ اللَّهُ نبيا آدم فمن بعده إلا أخذ عليه الميثاق
والعهد فِي أَمْرِ مُحَمَّدٍ، وَأَخَذَ الْعَهْدَ عَلَى
قَوْمِهِ لَيُؤْمِنُنَّ بِهِ، وَلَئِنْ بعث وهم أحياء
لنصرنّه [8] ، قَوْلِهِ: ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ
لِما مَعَكُمْ، يَعْنِي: مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ
وَلَتَنْصُرُنَّهُ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى
لِلْأَنْبِيَاءِ حِينَ اسْتَخْرَجَ الذُّرِّيَّةَ مِنْ
صُلْبِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالْأَنْبِيَاءُ
فِيهِمْ كَالْمَصَابِيحِ وَالسُّرُجِ، وَأَخَذَ عَلَيْهِمُ
الْمِيثَاقَ فِي أَمْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عليه
وسلّم، أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي
__________
(1) زيد في المطبوع وط.
(2) في المطبوع «قالوا له» .
(3) في المطبوع «لا يقوله» . [.....]
(4) في المطبوع «أدركه» .
(5) في المطبوع وط «بما» .
(6) زيادة عن المخطوط.
(7) في المطبوع «على» .
(8) في الآية الكريمة المتقدمة، وهذه الأقوال رد وإبطال
لما يزعمه بعضهم من كون إلياس عليه السلام وكذا الخضر في
عداد الأحياء، وأنهما ما ماتا!!؟.
(1/464)
فَمَنْ تَوَلَّى
بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (82)
أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ
فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا
وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83) قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا
أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ
وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ
وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ
رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ
لَهُ مُسْلِمُونَ (84) وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ
الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي
الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85) كَيْفَ يَهْدِي
اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا
أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ
وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86)
، أَيْ: قَبِلْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ
عَهْدِي، وَالْإِصْرُ: الْعَهْدُ الثَّقِيلُ، قالُوا
أَقْرَرْنا قالَ، اللَّهُ تَعَالَى:
فَاشْهَدُوا أَيْ: فَاشْهَدُوا أَنْتُمْ عَلَى
أَنْفُسِكُمْ وَعَلَى أَتْبَاعِكُمْ، وَأَنَا مَعَكُمْ
مِنَ الشَّاهِدِينَ، عَلَيْكُمْ وَعَلَيْهِمْ، وَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ: فَاشْهَدُوا، أَيْ: فَاعْلَمُوا، وَقَالَ
سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
لِلْمَلَائِكَةِ فَاشْهَدُوا عَلَيْهِمْ كِنَايَةً عَنْ
غَيْرِ مذكور.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 82 الى 83]
فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ
الْفاسِقُونَ (82) أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ
وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً
وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83)
فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ، الْإِقْرَارِ، فَأُولئِكَ
هُمُ الْفاسِقُونَ، الْعَاصُونَ الْخَارِجُونَ عن الإيمان.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ
يَبْغُونَ، وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ اخْتَلَفُوا
فَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ أَنَّهُ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ
عَلَيْهِ السَّلَامُ وَاخْتَصَمُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَضَى [1]
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [بينهم أن]
[2] «كِلَا الْفَرِيقَيْنِ بَرِيءٌ مِنْ دِينِ إبراهيم
عليه السلام» ، [وأن دينه الإسلام] [3] ، فَغَضِبُوا
وَقَالُوا: لَا نَرْضَى بِقَضَائِكَ وَلَا نَأْخُذُ
بِدِينِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: أَفَغَيْرَ دِينِ
اللَّهِ يَبْغُونَ، قرأ أهل الْبَصْرَةِ وَحَفْصٌ عَنْ
عَاصِمٍ يَبْغُونَ بِالْيَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ
بِالتَّاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: لَما آتَيْتُكُمْ، وَلَهُ
أَسْلَمَ: خَضَعَ وَانْقَادَ، مَنْ فِي السَّماواتِ
وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً، فَالطَّوْعُ:
الِانْقِيَادُ وَالِاتِّبَاعُ بِسُهُولَةٍ، وَالْكُرْهُ:
مَا كَانَ بِمَشَقَّةٍ وَإِبَاءٍ مِنَ النَّفْسِ،
وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ: طَوْعاً وَكَرْهاً، قَالَ
الحسن: أسلم أهل السموات طَوْعًا وَأَسْلَمَ مَنْ فِي
الْأَرْضِ بَعْضُهُمْ طَوْعًا وَبَعْضُهُمْ كَرْهًا
خَوْفًا مِنَ السَّيْفِ وَالسَّبْيِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ:
طَوْعًا الْمُؤْمِنُ، وَكَرْهَا ذَلِكَ الْكَافِرُ،
بِدَلِيلِ: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ
وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ
وَالْآصالِ (15) [الرَّعْدِ: 15] ، وَقِيلَ: هَذَا يَوْمُ
الْمِيثَاقِ حِينَ قَالَ لَهُمْ: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ
قالُوا بَلى [الْأَعْرَافِ: 172] ، قال بَعْضُهُمْ:
طَوْعًا، وَبَعْضُهُمْ: كَرْهًا، وَقَالَ قَتَادَةُ:
الْمُؤْمِنُ أَسْلَمَ طَوْعًا فَنَفَعَهُ الإسلام [4] ،
وَالْكَافِرُ أَسْلَمَ كَرْهًا فِي وَقْتِ اليأس فلم ينفعه
الإسلام، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَلَمْ يَكُ
يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا
[غَافِرِ: 85] ، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: هُوَ
اسْتِعَاذَتُهُمْ بِهِ عِنْدَ اضْطِرَارِهِمْ كَمَا قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى: فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا
اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [الْعَنْكَبُوتِ: 65] ،
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: طَوْعًا الَّذِي وُلِدَ فِي
الْإِسْلَامِ، وَكَرْهًا الَّذِينَ أُجْبِرُوا عَلَى
الْإِسْلَامِ مِمَّنْ يُسْبَى مِنْهُمْ فَيُجَاءُ بِهِمْ
فِي السَّلَاسِلِ، وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ، قَرَأَ
بِالْيَاءِ حَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ وَيَعْقُوبُ كَمَا قَرَأَ
يَبْغُونَ بِالْيَاءِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بالتاء فيهما
إلا أبو عَمْرٍو فَإِنَّهُ قَرَأَ يَبْغُونَ بِالْيَاءِ
وترجعون بالتاء، قال: لِأَنَّ الْأَوَّلَ [5] خَاصٌّ
وَالثَّانِي عَامٌّ، لِأَنَّ مَرْجِعَ جَمِيعِ الْخَلْقِ
إِلَى الله عزّ وجلّ.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 84 الى 86]
قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَما
أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ
وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى
وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ
أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84) وَمَنْ
يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ
مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (85)
كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ
إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ
الْبَيِّناتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ (86)
__________
(1) في المطبوع «فقال» .
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) زيد في المخطوط «الإسلام» وفي المطبوع «الإيمان» وليس
في- ط والطبري 7351 و «الوسيط» (1/ 459) و «الدر المنثور»
(2/ 86) .
(5) في المطبوع «الأولى» .
(1/465)
أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ
أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ
وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87) خَالِدِينَ فِيهَا لَا
يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ
(88) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ
وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (89) إِنَّ
الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا
كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ
الضَّالُّونَ (90)
قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ
وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ
وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما
أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا
نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ
مُسْلِمُونَ (84) ، ذَكَرَ الْمِلَلَ وَالْأَدْيَانَ
وَاضْطِرَابَ النَّاسِ فِيهَا، ثُمَّ أَمَرَ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ:
آمَنَّا بِاللَّهِ الْآيَةَ.
قَوْلُهُ: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً
فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ، نَزَلَتْ فِي اثْنَيْ عَشَرَ
رَجُلًا ارْتَدُّوا عَنِ الْإِسْلَامِ وَخَرَجُوا مِنَ
الْمَدِينَةِ وَأَتَوْا مَكَّةَ كُفَّارًا، مِنْهُمُ
الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ، فَنَزَلَتْ
فِيهِمْ: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً
فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ
الْخاسِرِينَ (85) .
كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ
إِيمانِهِمْ، لَفْظُهُ اسْتِفْهَامٌ وَمَعْنَاهُ جَحْدٌ،
أَيْ: لَا يَهْدِي اللَّهُ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: كَيْفَ
يَهْدِيهِمُ اللَّهُ فِي الْآخِرَةِ إلى الجنّة [ويعطيهم]
[1] الثواب [فيها] [2] ، وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ
حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي
الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ.
[سورة آل عمران (3) : الآيات 87 الى 90]
أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ
وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87) خالِدِينَ
فِيها لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ
يُنْظَرُونَ (88) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ
ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (89)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ
ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولئِكَ
هُمُ الضَّالُّونَ (90)
خالِدِينَ فِيها لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا
هُمْ يُنْظَرُونَ (88) ، وَذَلِكَ أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ
سُوَيْدٍ لَمَّا لَحِقَ بِالْكُفَّارِ نَدِمَ فَأَرْسَلَ
إِلَى قومه [بالمدينة] [3] ، أَنْ سَلُوا رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ
فَفَعَلُوا ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:
إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا
فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (89) ، لَمَّا كَانَ
مِنْهُ، فَحَمَلَهَا إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ قومه فقرأها
عَلَيْهِ، فَقَالَ الْحَارِثُ: إِنَّكَ وَاللَّهِ مَا [4]
عَلِمْتُ لَصَدُوقٌ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَصْدَقُ مِنْكَ وَإِنَّ
اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَأَصْدَقُ الثَّلَاثَةِ، فَرَجَعَ
الْحَارِثُ إلى المدينة فأسلم وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ
إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً، قَالَ قَتَادَةُ
وَالْحَسَنُ: نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ كَفَرُوا بِعِيسَى
عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالْإِنْجِيلِ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ
بِأَنْبِيَائِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا بِمُحَمَّدٍ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآنِ، وَقَالَ
أَبُو الْعَالِيَةِ: نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ
وَالنَّصَارَى كَفَرُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَأَوْهُ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ
بِنَعْتِهِ وَصِفَتِهِ فِي كُتُبِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا
كُفْراً، يَعْنِي: ذُنُوبًا فِي حَالِ كُفْرِهِمْ، قَالَ
مُجَاهِدٌ: نَزَلَتْ فِي جَمِيعِ الْكُفَّارِ أَشْرَكُوا
بَعْدَ إِقْرَارِهِمْ بِأَنَّ اللَّهَ خَالِقُهُمْ، ثُمَّ
ازْدادُوا كُفْراً، أي: أقاموا على أمرهم [5] [وما هم عليه
من الكفر والطغيان] [6] حَتَّى هَلَكُوا عَلَيْهِ، قَالَ
الْحَسَنُ: ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً كُلَّمَا نَزَلَتْ
آيَةٌ كَفَرُوا بِهَا، فَازْدَادُوا كُفْرًا، وَقِيلَ:
ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً بِقَوْلِهِمْ: نَتَرَبَّصُ
بِمُحَمَّدٍ رَيْبَ الْمَنُونِ، قَالَ الْكَلْبِيُّ:
نَزَلَتْ في أحد عَشَرَ مِنْ أَصْحَابِ الْحَارِثِ بْنِ
سُوَيْدٍ، لَمَّا رَجَعَ الْحَارِثُ إِلَى الْإِسْلَامِ
أَقَامُوا هُمْ عَلَى الْكُفْرِ بمكة وقالوا:
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) في المطبوع «فيما» والمثبت عن المخطوط وط و «أسباب
النزول» 225. [.....]
(5) في المطبوع وط «كفرهم» .
(6) زيادة عن المخطوط.
(1/466)
إِنَّ الَّذِينَ
كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ
أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ
أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ
نَاصِرِينَ (91) لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى
تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ
شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92) كُلُّ
الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا
حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ
تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ
فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (93)
نُقِيمُ عَلَى الْكُفْرِ مَا بَدَا لنا
فمتى أردنا الرجعة نزل فِينَا مَا نَزَلَ فِي الْحَارِثِ،
فَلَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ فَمَنْ دَخَلَ مِنْهُمْ فِي
الْإِسْلَامِ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ، وَنَزَلَ فِيمَنْ مَاتَ
مِنْهُمْ كَافِرًا إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا
وَهُمْ كُفَّارٌ [البقرة: 161] الْآيَةَ [1] .
فَإِنْ قِيلَ: قَدْ وَعَدَ اللَّهُ قَبُولَ تَوْبَةِ مَنْ
تَابَ، فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ: لَنْ تُقْبَلَ
تَوْبَتُهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ، قِيلَ: لَنْ
تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ إِذَا [رَجَعُوا فِي حَالِ
الْمُعَايَنَةِ] [2] ، كَمَا قَالَ: وَلَيْسَتِ
التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى
إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ
الْآنَ [النساء: 18] ، وَقِيلَ: هَذَا فِي أَصْحَابِ
الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ حَيْثُ أَمْسَكُوا [3] عَنِ
[دين] [4] الإسلام، وقالوا: نتربص بمحمد [ريب المنون] [5]
، فَإِنْ سَاعَدَهُ الزَّمَانُ نَرْجِعُ إِلَى دينه، [لَنْ
تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ، لن يقبل ذَلِكَ] [6] لِأَنَّهُمْ
مُتَرَبِّصُونَ غَيْرُ مُحَقِّقِينَ، [وَأُولئِكَ هُمُ
الضَّالُّونَ] [7] .
[سورة آل عمران (3) : الآيات 91 الى 93]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ
يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ
افْتَدى بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَما لَهُمْ
مِنْ ناصِرِينَ (91) لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى
تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ
فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92) كُلُّ الطَّعامِ كانَ
حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ
إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ
التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ
كُنْتُمْ صادِقِينَ (93)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا
وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ
مِلْءُ الْأَرْضِ، أَيْ: قَدْرُ مَا يَمْلَأُ الأرض من
مشرقها إلى مغربها [8] ، ذَهَباً، نُصِبَ عَلَى
التَّفْسِيرِ، كَقَوْلِهِمْ: عِشْرُونَ دِرْهَمًا.
وَلَوِ افْتَدى بِهِ، قِيلَ: مَعْنَاهُ لَوِ افْتَدَى
بِهِ، وَالْوَاوُ زَائِدَةٌ مُقْحَمَةٌ، أُولئِكَ لَهُمْ
عَذابٌ أَلِيمٌ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ.
«401» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
بَشَّارٍ [حدثنا غُنْدَرٌ] أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ
أَبِي عِمْرَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«يَقُولُ اللَّهُ لِأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا
يَوْمَ الْقِيَامَةِ [9] : لَوْ أَنَّ لَكَ مَا فِي
الْأَرْضِ [10] مِنْ شَيْءٍ أَكُنْتَ تفتدي بِهِ؟
فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: أَرَدْتُ منك أهون من هذا
وَأَنْتَ فِي [11] صُلْبِ آدَمَ أَنْ لا
__________
401- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، شعبة هو ابن
الحجاج، وأبو عمران هو الجوني عبد الملك بن حبيب.
- وهو في «شرح السنة» (4299) بهذا الإسناد.
- خرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (6557) عن
محمد بن بشار به.
- وأخرجه البخاري 3334 ومسلم 2805 وأحمد 3/ 127 و129 وأبو
يعلى 4186 وابن أبي عاصم في «السنة» (99) وأبو نعيم في
«الحلية» (2/ 315) من طرق، عن شعبة به.
- وورد من وجه آخر بنحوه أخرجه البخاري 6538 ومسلم 2805
وأبو يعلى 2926 و2976 و3021 وابن حبان 7351 من طرق عَنْ
مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أبيه، عن قتادة، عن أنس به.
(1) لا يصح فهو معلّق، ومع تعليقه. الكلبي هو محمد بن
السائب متروك كذاب فالخبر لا شيء.
(2) العبارة في المخطوط «رجعوا في الحشرجة» .
(3) في المطبوع وط «أعرضوا» .
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) زيد في المخطوط فقط.
(6) العبارة في المخطوط وط. [لن يقبل منهم توبة لذلك وذلك]
.
(7) سقط من المخطوط.
(8) في المطبوع «شرقها إلى غربها» .
(9) زيد في المطبوع وحده «أرأيت» وليس في المخطوط وط. وكتب
الحديث.
(10) زيد في المطبوع «جميعا» وهو كسابقه.
(11) «في» سقطت من الأصل واستدركت من كتب «التخريج»
والنسخة «خ» . [.....]
(1/467)
تُشْرِكُ بِي شَيْئًا فَأَبَيْتَ إِلَّا أن
تشرك بي» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ، يَعْنِي:
الْجَنَّةَ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ
وَمُجَاهِدٌ، وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ:
التَّقْوَى، وَقِيلَ: الطَّاعَةَ، وقيل: الخير، وقال
الحسن: لن تكونوا أبرارا.
«402» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الصَّالِحِيُّ [1] أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ
الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ
الطُّوسِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن حماد الأبيوردي [2]
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ
عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى
الْبِرَّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ،
وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ
حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ
وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الكذب يهدي إلى الفجور، و [إن] [3]
الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ
الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى
يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ،
أَيْ: مِنْ أَحَبِّ أَمْوَالِكُمْ إِلَيْكُمْ، رَوَى
الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ
أَدَاءُ الزَّكَاةِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالْكَلْبِيُّ:
هَذِهِ الْآيَةُ نَسَخَتْهَا آيَةُ الزَّكَاةِ، وَقَالَ
الْحَسَنُ: كُلُّ إِنْفَاقٍ يَبْتَغِي بِهِ المسلم وجه
الله حتى التمرة يَنَالُ بِهِ هَذَا الْبِرَّ، وَقَالَ
عَطَاءٌ: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ، أَيْ: شَرَفَ الدِّينِ
وَالتَّقْوَى حَتَّى تَتَصَدَّقُوا وَأَنْتُمْ أَصِحَّاءُ
أَشِحَّاءُ.
«403» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا
زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ
الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ
إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ
أَنَّهُ سَمِعَ أنس بن مالك يقول:
__________
(1) في الأصل «النعيمي» والتصويب من «شرح السنة» .
(2) وقع في الأصل «الصالحي» وهو تصحيف من النساخ.
(3) زيادة عن المخطوط.
402- إسناده صحيح، محمد بن حماد هو الأبيوردي أبو عبد الله
الزاهد ثقة، وقد توبع ومن دونه، ومن فوقه رجال البخاري
ومسلم، أبو معاوية هو محمد بن خازم الضرير، الأعمش هو
سليمان بن مهران، شقيق هو ابن سلمة أبو وائل، عَبْدَ
اللَّهِ هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وهذا إسناد كوفي جليل.
- وهو في «شرح السنة» (3468) بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 2607 وأبو داود 4989 والترمذي 1972 والبخاري
في «الأدب المفرد» (386) وابن أبي شيبة 8/ 590 و591 وأحمد
1/ 384 و432 ووكيع في «الزهد» (397) من طرق عن الأعمش به.
- وأخرجه البخاري 6094 ومسلم 2607 ح 103 وابن حبان 273
و274 والبيهقي 10/ 243 من طرق عن جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ،
عَنْ أَبِي وائل به.
403- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- وهو في «شرح السنة» (1677) بهذا الإسناد.
خرجه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (2/ 595- 596)
عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ به، ومن طريق مالك.
أخرجه البخاري 1461 و2318 و2752 و2769 و4554 و5611 ومسلم
998 وأحمد 3/ 141 والدارمي 2/ 390 وابن حبان 3340 والبيهقي
6/ 164- 165 و275.
- وأخرجه الترمذي 2997 من وجه آخر عن أنس بنحوه.
- وأخرجه البخاري 2758 وأحمد 3/ 256 وابن خزيمة من طريق
إسحاق بن عبد الله به.
(1/468)
«كَانَ أَبُو طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيُّ
أَكْثَرَ أَنْصَارِيٍّ بِالْمَدِينَةِ مَالًا وَكَانَ
أَحَبُّ أَمْوَالِهِ [1] إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ، وَكَانَتْ
مُسْتَقْبِلَةً المسجد، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عليه وسلّم يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ
فِيهَا طَيِّبٍ، قَالَ أَنَسٌ: فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ
الْآيَةُ لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا
تُحِبُّونَ، قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ [2] فِي كِتَابِهِ
لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا
تُحِبُّونَ، وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ
بَيْرُحَاءُ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو
بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَضَعْهَا يَا
رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ شِئْتَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَخٍ بَخٍ، ذَلِكَ
مال رابح [3] ، [ذَلِكَ مَالُ رَابِحٍ] [4] ، وَقَدْ
سَمِعْتُ مَا قُلْتَ فِيهَا، وَإِنِّي أَرَى أَنْ
تَجْعَلَهَا فِي الْأَقْرَبِينَ» ، فَقَالَ أَبُو
طَلْحَةَ: أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَسَّمَهَا
أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ.
وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى أَبِي مُوسَى
الْأَشْعَرِيِّ أَنْ يَبْتَاعَ لَهُ جَارِيَةً مِنْ سَبْيِ
جَلُولَاءَ يَوْمَ فُتِحَتْ فَدَعَا بِهَا فَأَعْجَبَتْهُ،
فقال عمر: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: لَنْ
تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ،
فَأَعْتَقَهَا عُمَرُ.
وَعَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ:
خَطَرَتْ عَلَى قَلْبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ هَذِهِ
الْآيَةُ لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا
تُحِبُّونَ [5] ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَذَكَرْتُ مَا
أَعْطَانِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَمَا كَانَ شَيْءٌ
أعجب إليّ من فلانة، [وكانت جارية له] [6] هِيَ حُرَّةٌ
لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، ولولا أَنَّنِي لَا أَعُودُ
فِي شَيْءٍ جَعَلْتُهُ لِلَّهِ لَنَكَحْتُهَا.
وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ
عَلِيمٌ، أَيْ: يَعْلَمُهُ وَيُجَازِي بِهِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي
إِسْرائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ
مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ.
ع «404» سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ: أَنَّ الْيَهُودَ
قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم: إنك
تَزْعُمُ أَنَّكَ عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَكَانَ
إِبْرَاهِيمُ لَا يَأْكُلُ لُحُومَ الإبل وَأَنْتَ
تَأْكُلُهَا، فَلَسْتَ عَلَى مِلَّتِهِ، فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَانَ ذَلِكَ
حَلَالًا لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ» ،
فَقَالُوا: كُلُّ مَا نُحَرِّمُهُ الْيَوْمَ كَانَ ذَلِكَ
حَرَامًا عَلَى نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ حَتَّى انْتَهَى
إِلَيْنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ:
كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ.
يُرِيدُ: سِوَى الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ، فَإِنَّهُ لَمْ
يَكُنْ حَلَالًا قَطُّ، إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرائِيلُ
عَلى نَفْسِهِ وَهُوَ يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ
قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ، يَعْنِي: لَيْسَ
الْأَمْرُ عَلَى مَا قَالُوا مِنْ حُرْمَةِ لُحُومِ
الْإِبِلِ وَأَلْبَانِهَا عَلَى إِبْرَاهِيمَ، بَلْ كَانَ
الْكُلُّ حَلَالًا لَهُ وَلِبَنِي إِسْرَائِيلَ،
وَإِنَّمَا حَرَّمَهَا إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ قَبْلَ
نُزُولِ التَّوْرَاةِ، يَعْنِي: لَيْسَتْ فِي التَّوْرَاةِ
حُرْمَتُهَا.
__________
404- ع ذكره الواحدي في «أسباب النزول» (229) عن أبي روق
والكلبي بدون إسناد، فلا حجة فيه، وهو غير صحيح.
(1) في المطبوع «ماله» .
(2) في المخطوط «قال» والمثبت عن المطبوع و «شرح السنة» .
(3) زيد في المطبوع وط «أو قال» وليس في المخطوط و «شرح
السنة» وكتب الحديث.
(4) سقط من المخطوط.
(5) سقط من المخطوط.
(6) زيادة عن المخطوط.
(1/469)
وَاخْتَلَفُوا فِي الطَّعَامِ الَّذِي
حَرَّمَهُ يَعْقُوبُ عَلَى نَفْسِهِ وَفِي سَبَبِهِ، قَالَ
أَبُو الْعَالِيَةِ وَعَطَاءٌ وَمُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ:
كَانَ ذَلِكَ الطَّعَامُ لُحْمَانَ الْإِبِلِ
وَأَلْبَانَهَا [1] .
وَرُوِيَ أَنَّ يَعْقُوبَ مَرِضَ مَرَضًا شَدِيدًا فَطَالَ
سُقْمُهُ فَنَذَرَ لَئِنْ عَافَاهُ اللَّهُ مِنْ سَقَمِهِ
لَيُحَرِّمَنَّ أَحَبَّ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إِلَيْهِ،
وَكَانَ أَحَبُّ الطَّعَامِ إِلَيْهِ لُحْمَانَ [2]
الْإِبِلِ وَأَحَبُّ الشَّرَابِ إِلَيْهِ أَلْبَانَهَا،
فَحَرَّمَهُمَا، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ
وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ وَالضَّحَّاكُ: هِيَ
الْعُرُوقُ، وَكَانَ السَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ
اشْتَكَى عِرْقَ النَّسَا وَكَانَ أَصْلُ وَجَعِهِ [3] ،
فِيمَا رَوَى جُوَيْبِرٌ [وَمُقَاتِلٌ] [4] عَنِ
الضَّحَّاكِ: أَنَّ يَعْقُوبَ [عليه السلام] [5] كَانَ
نَذَرَ إِنْ وَهَبَهُ اللَّهُ اثَّنَى عَشَرَ وَلَدًا
وَأَتَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ صَحِيحًا أَنْ يَذْبَحَ
آخِرَهُمْ، فَتَلَقَّاهُ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ،
فَقَالَ:
يَا يَعْقُوبُ إِنَّكَ رَجُلٌ قَوِيٌّ فهل لك في الصراع،
فصارعه فَلَمْ يَصْرَعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ،
فَغَمَزَهُ الْمَلَكُ غَمْزَةً فَعَرَضَ لَهُ عِرْقُ
النَّسَا مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ قال له الملك: أَمَا إِنِّي
لَوْ شِئْتُ أَنْ أَصْرَعَكَ لَفَعَلْتُ وَلَكِنْ
غَمَزْتُكَ هَذِهِ الْغَمْزَةَ لِأَنَّكَ كُنْتَ نَذَرْتَ
إِنْ أَتَيْتَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ صَحِيحًا ذَبَحْتَ آخِرَ
وَلَدِكَ، فَجَعَلَ اللَّهُ لَكَ بِهَذِهِ الْغَمْزَةِ
مِنْ ذَلِكَ مَخْرَجًا، فَلَمَّا قَدِمَهَا يَعْقُوبُ
أَرَادَ ذَبْحَ ولده ونسي ما قال له الْمَلَكِ، فَأَتَاهُ
الْمَلَكُ وَقَالَ:
إِنَّمَا غَمَزْتُكَ لِلْمَخْرَجِ وَقَدْ وُفِّيَ نَذْرُكَ
فَلَا سَبِيلَ لَكَ إِلَى وَلَدِكَ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ
وَالسُّدِّيُّ: أَقْبَلَ يَعْقُوبُ مِنْ حَرَّانَ يُرِيدُ
بَيْتَ الْمَقْدِسِ حِينَ هَرَبَ مِنْ أَخِيهِ عِيصُو،
وَكَانَ رَجُلًا بطشا قَوِيًّا فَلَقِيَهُ مَلَكٌ فَظَنَّ
يَعْقُوبُ أَنَّهُ لِصٌّ فَعَالَجَهُ أَنْ يَصْرَعَهُ [فلم
يَصْرَعَهُ] [6] ، فَغَمَزَ الْمَلَكُ فَخِذَ يَعْقُوبَ،
ثُمَّ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ وَيَعْقُوبُ عَلَيْهِ
السَّلَامُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَهَاجَ بِهِ عِرْقُ
النَّسَا وَلَقِيَ مِنْ ذلك بلاء وشدة، فكان لا ينام الليل
مِنَ الْوَجَعِ، وَيَبِيتُ وَلَهُ زُقَاءٌ، أَيْ: صِيَاحٌ،
فَحَلَفَ يَعْقُوبُ لَئِنْ شَفَاهُ اللَّهُ أَنْ لَا
يَأْكُلَ عِرْقًا وَلَا طَعَامًا فِيهِ عِرْقٌ، فحرمه على
نفسه [حين شفاه الله] [7] ، فَكَانَ بَنُوهُ بَعْدَ ذَلِكَ
يَتَّبِعُونَ العروق ويخرجونها مِنَ اللَّحْمِ.
وَرَوَى جُوَيْبِرٌ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
[قَالَ] [8] : لَمَّا أَصَابَ يَعْقُوبَ عِرْقُ النَّسَا
وَصَفَ لَهُ الْأَطِبَّاءُ أَنْ يَجْتَنِبَ لُحْمَانَ
الْإِبِلِ فَحَرَّمَهَا يَعْقُوبُ عَلَى نَفْسِهِ، وَقَالَ
الْحَسَنُ: حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ لَحْمَ
الْجَزُورِ تَعَبُّدًا لِلَّهِ تَعَالَى، فَسَأَلَ رَبَّهُ
أَنْ يجيز له ذلك فحرّمها اللَّهُ عَلَى وَلَدِهِ، ثُمَّ
اخْتَلَفُوا في هَذَا الطَّعَامِ الْمُحَرَّمِ عَلَى بَنِي
إسرائيل بعد نزول التوراة، فقال السُّدِّيُّ: حَرَّمَ
اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ مَا كَانُوا
يُحَرِّمُونَهُ قَبْلَ نُزُولِهَا، وَقَالَ عَطِيَّةُ:
إِنَّمَا كَانَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِمْ بِتَحْرِيمِ
إِسْرَائِيلَ، فَإِنَّهُ [كان] [9] قد قال: إن عافاني الله
[تعالى] لا آكله ولا يأكله ولد لي وَلَمْ يَكُنْ
مُحَرَّمًا عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ، وَقَالَ
الْكَلْبِيُّ: لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِي
التَّوْرَاةِ وَإِنَّمَا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ
التَّوْرَاةِ بِظُلْمِهِمْ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ
طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ [النساء: 160] ، وَقَالَ
اللَّهُ تَعَالَى: وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا
كُلَّ ذِي ظُفُرٍ، إِلَى أَنْ قَالَ: ذلِكَ جَزَيْناهُمْ
بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ [الأنعام: 146] ،
وَكَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِذَا أَصَابُوا ذَنْبًا
عَظِيمًا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ
__________
(1) هذا الأثر وكذا ما بعده من الآثار مصدرها كتب
الأقدمين.
(2) في المطبوع «لحم» . [.....]
(3) هذه الآثار من الإسرائيليات المنكرة وأشدها نكارة
مصارعة الملك!!؟.
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) زيادة عن المخطوط.
(7) زيادة عن المخطوط.
(8) زيادة عن المخطوط.
(9) زيادة عن المخطوط.
(1/470)
فَمَنِ افْتَرَى عَلَى
اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ
الظَّالِمُونَ (94)
طَعَامًا طَيِّبًا أَوْ صَبَّ عَلَيْهِمْ
رِجْزًا وَهُوَ الْمَوْتُ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: لَمْ
يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَرَامًا عَلَيْهِمْ وَلَا
حَرَّمَهُ اللَّهُ فِي التَّوْرَاةِ، وَإِنَّمَا
حَرَّمُوهُ عَلَى أَنْفُسِهِمُ اتِّبَاعًا لِأَبِيهِمْ [1]
، ثُمَّ أَضَافُوا تحريمه إلى الله [تعالى] ،
فَكَذَّبَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ: قُلْ يَا
مُحَمَّدُ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها، حَتَّى
يَتَبَيَّنَ أَنَّهُ كَمَا قُلْتُمْ [2] ، إِنْ كُنْتُمْ
صادِقِينَ، فَلَمْ يَأْتُوا، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ:
[سورة آل عمران (3) : الآيات 94 الى 96]
فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ
فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94) قُلْ صَدَقَ اللَّهُ
فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ (95) إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ
لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً
لِلْعالَمِينَ (96)
. قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ
حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (95) ، وَإِنَّمَا
دَعَاهُمْ إِلَى اتِّبَاعِ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ لِأَنَّ
فِي اتِّبَاعِ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ اتِّبَاعُهُ صَلَّى
اللَّهُ عليه وسلّم [في جميع ما جاء به] [3] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ
لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً، سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ
الْآيَةِ: أَنَّ الْيَهُودَ قَالُوا لِلْمُسْلِمِينَ:
بَيْتُ الْمَقْدِسِ قِبْلَتُنَا وَهُوَ أَفْضَلُ مِنَ
الْكَعْبَةِ وَأَقْدَمُ وَهُوَ مُهَاجَرُ الْأَنْبِيَاءِ،
وَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: بَلِ [4] الْكَعْبَةُ أَفْضَلُ،
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ: إِنَّ
أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ
مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ (96) .
[سورة آل عمران (3) : آية 97]
فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ
كانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ
مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ
اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (97)
. فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ
دَخَلَهُ كانَ آمِناً، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ
الْفَضَائِلِ لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَاخْتَلَفَ
الْعُلَمَاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ
وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ، قال بَعْضُهُمْ [5]
: هُوَ أَوَّلُ بَيْتٍ ظَهَرَ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ
عِنْدَ خَلْقِ السماء والأرض، خلقه [الله تعالى] قبل الأرض
بألفي عام، وكان زُبْدَةً بَيْضَاءَ عَلَى الْمَاءِ
فَدُحِيَتِ الْأَرْضُ مِنْ تَحْتِهِ، هَذَا قَوْلُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ
وَالسُّدِّيِّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ أَوَّلُ بَيْتٍ
بُنِيَ فِي الْأَرْضِ، رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ
الْحُسَيْنِ [6] : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَضَعَ تَحْتَ
الْعَرْشِ بَيْتًا وَهُوَ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ وَأَمَرَ
الْمَلَائِكَةَ أَنْ يَطُوفُوا بِهِ، ثُمَّ أَمَرَ
الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ سُكَّانُ الْأَرْضِ أَنْ
يَبْنُوا فِي الْأَرْضِ بَيْتًا عَلَى مِثَالِهِ
وَقَدْرِهِ، فبنوه وَاسْمُهُ الضِّرَاحُ، وَأَمَرَ مَنْ
فِي الْأَرْضِ أَنْ يَطُوفُوا بِهِ كَمَا يَطُوفُ أَهْلُ
السَّمَاءِ بِالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، وَرُوِيَ [7] :
أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَوْهُ قَبْلَ خَلْقِ آدَمَ
بِأَلْفَيْ عَامٍ، وَكَانُوا يَحُجُّونَهُ، فَلَمَّا
حَجَّهُ آدَمُ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: بَرَّ حَجُّكَ يَا
آدَمُ، حَجَجْنَا هَذَا الْبَيْتَ قَبْلَكَ بِأَلْفَيْ
عَامٍ، وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ:
أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ أَوَّلُ بَيْتٍ بَنَاهُ آدَمُ فِي
الْأَرْضِ، وَقِيلَ: هُوَ أَوَّلُ بَيْتٍ مبارك وضع هُدًى
لِلنَّاسِ [يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ علي. وقال الضحاك: إِنَّ
أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ] [8] يعبد الله فيه ويحجّ
إليه، وقيل: هو أول
__________
(1) في المخطوط «لآبائهم» .
(2) في المطبوع «قلت» .
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) في المطبوع «في» .
5 هذه الآثار جميعا مردودة بالحديث الصحيح عن الصادق
المصدوق صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الآتي.
6 هذه الآثار جميعا مردودة بالحديث الصحيح عن الصادق
المصدوق صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الآتي.
7 هذه الآثار جميعا مردودة بالحديث الصحيح عن الصادق
المصدوق صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الآتي.
[.....]
(8) ما بين المعقوفتين جعل في المطبوع عقب كلام الحسن
والضحاك.
(1/471)
بَيْتٍ جُعِلَ قِبْلَةً لِلنَّاسِ، وَقَالَ
الحسن والكلبي: أَوَّلُ مَسْجِدٍ وَمُتَعَبَّدٍ وُضِعَ
لِلنَّاسِ يُعْبَدُ اللَّهُ فِيهِ كَمَا قَالَ اللَّهُ
تَعَالَى: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ
[النور: 36] ، يَعْنِي: الْمَسَاجِدَ.
«405» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ [أَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ] [1] أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْمَاعِيلَ [أنا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ] [2]
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ أَنَا الْأَعْمَشُ
أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ التَّيْمِيُّ عَنْ
أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُولُ:
قَلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي
الْأَرْضِ أَوَّلًا؟ قَالَ: «الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ» ،
قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟
قَالَ: «الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى» ، قُلْتُ: كَمْ كَانَ
بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: «أَرْبَعُونَ سنة» ، ثم قال:
«أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ بَعْدُ فَصَلِّ
فَإِنَّ الْفَضْلَ فِيهِ» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: لَلَّذِي بِبَكَّةَ قَالَ جَمَاعَةٌ:
هِيَ مَكَّةُ نَفْسُهَا، وَهُوَ قَوْلُ الضَّحَّاكِ،
وَالْعَرَبُ تُعَاقِبُ بَيْنَ الْبَاءِ وَالْمِيمِ،
فَتَقُولُ: سَبَّدَ رَأْسَهُ وَسَمَّدَهُ، وَضَرْبَةُ [3]
لَازِبٍ وَلَازِمٍ، وَقَالَ الْآخَرُونَ: بَكَّةُ موضع
البيت، ومكة: اسم للبلد كُلِّهِ، وَقِيلَ: بَكَّةُ
مَوْضِعُ الْبَيْتِ وَالْمَطَافِ، سُمِّيَتْ بَكَّةَ:
لِأَنَّ النَّاسَ يَتَبَاكُّونَ فِيهَا، أَيْ
يَزْدَحِمُونَ يَبُكُّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا [وَيُصَلِّي
بَعْضُهُمْ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضٍ] [4] ، وَيَمُرُّ
بَعْضُهُمْ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضٍ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ الزُّبَيْرِ: سُمِّيَتْ بَكَّةَ لِأَنَّهَا تَبُكُّ
أَعْنَاقَ الْجَبَابِرَةِ، أَيْ تَدُقُّهَا فَلَمْ
يَقْصِدْهَا جَبَّارٌ بِسُوءٍ إِلَّا قصمه الله، وأما مكة
[فإنها] سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِقِلَّةِ مَائِهَا، مِنْ
قَوْلِ الْعَرَبِ: مَكَّ الْفَصِيلُ ضَرْعَ أُمِّهِ
وَامْتَكَّهُ إِذَا امْتَصَّ كُلَّ مَا فِيهِ مِنَ
اللَّبَنِ، وَتُدْعَى أُمَّ رَحِمٍ لِأَنَّ الرَّحْمَةَ
تَنْزِلُ بِهَا، مُبارَكاً نُصِبَ عَلَى الْحَالِ، أَيْ:
ذَا بَرَكَةٍ وَهُدىً لِلْعالَمِينَ، لأنه قبلة للمؤمنين
فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ قَرَأَ ابْنُ عباس «آية بينة» على
الواحد، وَأَرَادَ مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ وَحْدَهُ،
وَقَرَأَ الْآخَرُونَ آياتٌ بَيِّناتٌ بِالْجَمْعِ،
فَذَكَرَ مِنْهَا مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ وَهُوَ الْحَجَرُ
الَّذِي قَامَ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ، وَكَانَ أَثَرُ
قَدَمَيْهِ فِيهِ فَانْدَرَسَ مِنْ كَثْرَةِ الْمَسْحِ
بِالْأَيْدِي، وَمِنْ تِلْكَ الآيات في البيت الْحَجَرُ
الْأَسْوَدُ وَالْحَطِيمُ وَزَمْزَمُ وَالْمَشَاعِرُ
كُلُّهَا، وَقِيلَ: مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ جَمِيعُ
الْحَرَمِ، وَمِنَ الْآيَاتِ فِي الْبَيْتِ أن الطير تطير
[حوله] فَلَا تَعْلُو فَوْقَهُ، وَأَنَّ الْجَارِحَةَ
إِذَا قَصَدَتْ صَيْدًا فَإِذَا دَخَلَ الصيد الحرم كفت
عنه [ولم تجرحه فيه] [5] ، وَإِنَّهُ بَلَدٌ صَدَرَ
إِلَيْهِ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُرْسَلُونَ
وَالْأَوْلِيَاءُ وَالْأَبْرَارُ، وَإِنَّ الطَّاعَةَ
وَالصَّدَقَةَ فِيهَا تُضَاعَفُ بِمِائَةِ أَلْفٍ.
«406» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ
الْمُلَيْحِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ [6] بْنُ
أَحْمَدَ الْمَخْلَدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو العباس
__________
405- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، عبد الواحد هو
ابن زياد العبدي، الأعمش هو سليمان بن مهران، يزيد التيمي
هو والد إبراهيم هو ابن شريك.
- خرجه المصنف من طريق البخاري وهو في «صحيحه» (3366) عن
موسى بن إسماعيل بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 3425 ومسلم 520 والنسائي 2/ 32 وابن ماجه
753 وعبد الرزاق 1578 وابن أبي شيبة 2/ 402 والحميدي 134
وأحمد 5/ 150 و156 و157 و160 وأبو عوانة 1/ 391 و392 وابن
حبان 6228 والطحاوي في «المشكل» (1/ 32) والبيهقي 2/ 433
وفي «الدلائل» (2/ 43) من طرق عن الأعمش به.
- وأخرجه الطيالسي 462 وأحمد 5/ 160 و166 و167 وأبو عوانة
1/ 392 وابن حبان 1598 من طريق شعبة عن الأعمش به.
406- إسناده صحيح على شرط الشيخين، أبو عبد الله الأغر
اسمه سلمان، مشهور بكنيته.
(1) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(2) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «صحيح
البخاري» (3366) .
(3) كذا في النسخ والوسيط وفي القرطبي «طين» بدل «ضربة» .
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) في الأصل «أبو محمد بن الحسن» والتصويب من «شرح السنة»
.
(1/472)
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ،
أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ
الزُّهْرِيُّ أَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ [زَيْدِ بْنِ
رَبَاحٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ،
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَغَرِّ] [1] عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ
صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ، إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً من
أن يهاج فِيهِ، وَذَلِكَ بِدُعَاءِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ
السَّلَامُ حَيْثُ قَالَ: رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ
آمِناً، وَكَانَتِ الْعَرَبُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَقْتُلُ
بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيُغِيرُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ
وَمَنْ دَخَلَ الْحَرَمَ أَمِنَ مِنَ الْقَتْلِ
وَالْغَارَةِ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ عَلَى
قَوْلِ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَأَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ،
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا
حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ
[العنكبوت: 67] ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ مَنْ
دَخَلَهُ عَامَ عُمْرَةِ الْقَضَاءِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ آمِنًا كَمَا
قَالَ تَعَالَى: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ
شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ [الْفَتْحِ: 27] وَقِيلَ: هُوَ
خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ تَقْدِيرُهُ: وَمَنْ دَخَلَهُ
فَأَمِّنُوهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَلا رَفَثَ وَلا
فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ [الْبَقَرَةِ: 197] ،
أَيْ: لَا تَرْفُثُوا وَلَا تَفْسُقُوا، حَتَّى ذَهَبَ
بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ
الْقَتْلُ قِصَاصًا أَوْ حَدًّا فَالْتَجَأَ إِلَى الحرام
فَلَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ فِيهِ، وَلَكِنَّهُ لَا يُطْعَمُ
وَلَا يُبَايَعُ وَلَا يُشَارَى، حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ،
فَيُقْتَلُ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ أَبُو
حَنِيفَةَ وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْقَتْلَ
الْوَاجِبَ بِالشَّرْعِ يُسْتَوْفَى فِيهِ، أَمَّا إِذَا
ارْتَكَبَ الْجَرِيمَةَ في الحرم فيستوفى فِيهِ
عُقُوبَتَهُ بِالِاتِّفَاقِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: من
دَخَلَهُ مُعَظِّمًا لَهُ مُتَقَرِّبًا إِلَى اللَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ كَانَ آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ
الْعَذَابِ، قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلِلَّهِ عَلَى
النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ
سَبِيلًا، أَيْ: وَلِلَّهِ فَرْضٌ وَاجِبٌ عَلَى النَّاسِ
حِجُّ الْبَيْتِ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَحَمْزَةُ
وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ «حِجُّ الْبَيْتَ» ، بِكَسْرِ
الْحَاءِ فِي هَذَا الْحَرْفِ خَاصَّةً، وَقَرَأَ
الْآخَرُونَ بِفَتْحِ الْحَاءِ، وَهِيَ لُغَةُ أَهْلِ
الْحِجَازِ، وَهُمَا لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ
وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، وَالْحَجُّ أَحَدُ أَرْكَانِ
الْإِسْلَامِ.
«407» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يوسف أخبرنا
__________
هو في «شرح السنة» بإثر (450) بهذا الإسناد.
- أخرجه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (1/ 196) عن
زيد بن رباح بهذا الإسناد.
ومن طريق مالك أخرجه البخاري 1190 والترمذي 325 وأحمد 2/
446 وابن ماجه 1404 وابن حبان 1625 والبيهقي 5/ 246.
- وأخرجه مسلم 1394 وأحمد 2/ 251 و473 والطحاوي في
«المشكل» (1/ 247) من طريق إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ قارظ عن أبي هريرة مرفوعا.
- وأخرجه النسائي 5/ 214 وابن أبي شيبة 2/ 371 وأحمد 2/
386 و468 عن شعبة، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ
سلمان الأغر، عن أبي هريرة مرفوعا.
(1) ما بين المعقوفتين، وقع فيه تخليط وتصحيف من قبل
النساخ، والمثبت عن «شرح السنة» و «الموطأ» و «كتب
التخريج» .
407- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، أبو سفيان والد
حنظلة هو ابن عبد الرحمن بن صفوان بن أمية الجمحي، لم يذكر
الحافظ ابن حجر اسمه. والله أعلم.
- وهو في «شرح السنة» (2) بهذا الإسناد.
- خرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (3) عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 16 ح 22 والنسائي 8/ 107 وأحمد 2/ 143 وأبو
عبيد في «الإيمان» (4) وابن حبان 158 وأبو
(1/473)
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا عَبِيدُ
اللَّهِ [1] بْنُ مُوسَى أَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي
سُفْيَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ:
قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةُ أَنْ لَا
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ
اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ،
وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ» .
قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ: وَلِوُجُوبِ الْحَجِّ خَمْسُ
شَرَائِطَ الْإِسْلَامُ والعقل والبلوغ والحرية
والاستطاعة، ولا يَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ وَلَا عَلَى
الْمَجْنُونِ، وَلَوْ حَجَّا بِأَنْفُسِهِمَا لَا يَصِحُّ
لِأَنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ وَلَا
حُكْمَ لِفِعْلِ الْمَجْنُونِ وَلَا يَجِبُ عَلَى
الصَّبِيِّ وَلَا عَلَى الْعَبْدِ، وَلَوْ حَجَّ صَبِيٌّ
يَعْقِلُ، أَوْ عَبْدٌ يَصِحُّ حجّهما تطوّعا ولكن لَا
يَسْقُطُ بِهِ فَرْضُ الْإِسْلَامِ عَنْهُمَا فَلَوْ
بَلَغَ الصَّبِيُّ، أَوْ أعتق العبد بعد ما حَجَّ
وَاجْتَمَعَ فِي حَقِّهِ شَرَائِطُ وجوب الحجّ، عَلَيْهِ
أَنْ يَحُجَّ ثَانِيًا وَلَا يَجِبَ عَلَى غَيْرِ
الْمُسْتَطِيعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: مَنِ اسْتَطاعَ
إِلَيْهِ سَبِيلًا، غَيْرَ أَنَّهُ لَوْ تَكَلَّفَ فَحَجَّ
يَسْقُطُ عَنْهُ فَرَضُ الْإِسْلَامِ، وَالِاسْتِطَاعَةُ
نوعان، أحدهما: أن يكون قادرا مُسْتَطِيعًا بِنَفْسِهِ،
وَالْآخَرُ: أَنْ يَكُونَ مُسْتَطِيعًا بِغَيْرِهِ، أَمَّا
الِاسْتِطَاعَةُ بِنَفْسِهِ، فأن يَكُونَ قَادِرًا
بِنَفْسِهِ عَلَى الذِّهَابِ [بنفسه] [2] وَوَجَدَ
الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ.
«408» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْكِسَائِيُّ الْخَطِيبُ ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ
أَحْمَدَ الخلال ثنا أبو العباس
__________
نعيم في «أخبار أصبهان» (1/ 146) وابن مندة في «الإيمان»
(40 و148) والبيهقي 1/ 358 من طرق عن حنظلة به.
- أخرجه مسلم 16 والترمذي 2609 والحميدي 703 وابن مندة 41
و42 و43 و150 وأحمد 4/ 26 و93 و120 وابن خزيمة 309
والطبراني في «الكبير» (13203 و13518) وأبو نعيم في
«الحلية» (3/ 62) والبيهقي 3/ 367 من طرق من حديث ابن عمر.
408- حديث يشبه الحسن بمجموع طرقه وشواهده. إسناده واه
لأجل إبراهيم بن يزيد الخوزي، لكن لم ينفرد به حيث توبع،
وله شواهد واهية.
- وهو في «شرح السنة» (1840) بهذا الإسناد.
- أخرجه المصنف من طريق الشافعي، وهو في «مسنده» (1/ 284)
عن سعيد بن سالم بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 813 و2998 وابن ماجه 2896 والدارقطني 2/
217 والطبري 4782 و4783 والبيهقي 4/ 330 من طريق إبراهيم
بن الخوزي به.
وأشار الترمذي لضعفه حيث قال: إبراهيم هو ابن يزيد الخوزي،
وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه اهـ.
وكذا ضعف إسناده الحافظ في «تخريج الكشاف» (1/ 390) .
لكن تابعه محمد بن عبد الله الليثي عند ابن أبي حاتم كما
في «تفسير ابن كثير» (1/ 394) لكن الليثي هذا واه.
- ولقوله «العج والثج» شاهد من حديث أبي بكر أخرجه الترمذي
827 وابن ماجه 2924 والدارمي 2/ 31 والبيهقي 5/ 42 وأبو
يعلى 117 وصححه الحاكم 1/ 451 ووافقه الذهبي.
قال الترمذي: حديث أبي بكر حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث
ابن أبي فديك عن الضحاك بن عثمان، ومحمد بن المنكدر لم
يسمع من عبد الرحمن بن يربوع ... اهـ.
- ومن حديث ابن مسعود أخرجه أبو يعلى 5086 وذكره الهيثمي
في «المجمع» (3/ 224) وقال: وفيه رجل ضعيف اهـ. [.....]
(1) في الأصل «عبد الله» وهو تصحيف.
(2) زيادة عن المخطوط.
(1/474)
الْأَصَمُّ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ
سُلَيْمَانَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا
سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ
مُحَمَّدِ [بْنِ] [1] عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ:
قَعَدْنَا إِلَى عَبْدِ الله بن عُمَرَ فَسَمِعْتُهُ
يَقُولُ:
سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا الْحَاجُّ؟ قَالَ: «الشَّعِثُ
التَّفِلُ» ، فَقَامَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، أَيُّ الْحَجِّ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الْعَجُّ
وَالثَّجُّ» ، فَقَامَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ مَا السَّبِيلُ؟ قَالَ:
«زَادٌ وَرَاحِلَةٌ» .
وَتَفْصِيلُهُ: أَنْ يَجِدَ رَاحِلَةً تَصْلُحُ
لِمِثْلِهِ، وَوَجَدَ الزَّادَ للذهاب والرجوع، فاضلا عن
[نفقته و] [2] نَفَقَةِ عِيَالِهِ وَمَنْ تَلْزَمُهُ
نَفَقَتُهُمْ وَكُسْوَتُهُمْ لِذَهَابِهِ وَرُجُوعِهِ،
وَعَنْ دَيْنٍ يَكُونُ عَلَيْهِ، وَوَجَدَ رُفْقَةً
يَخْرُجُونَ فِي وَقْتٍ جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِ بَلَدِهِ
بِالْخُرُوجِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَإِنْ خَرَجُوا
قَبْلَهُ أَوْ أَخَّرُوا الْخُرُوجَ إِلَى وَقْتٍ لَا
يَصِلُونَ إِلَّا أَنْ يَقْطَعُوا كُلَّ يَوْمِ أَكْثَرَ
مِنْ مَرْحَلَةٍ لَا يَلْزَمُهُمُ الْخُرُوجُ [فِي ذَلِكَ
الْوَقْتِ] [3] ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الطَّرِيقُ
آمِنًا فَإِنْ كَانَ فِيهِ خَوْفٌ مِنْ عَدُوٍّ مُسْلِمٍ
أَوْ كَافِرٍ أَوْ رَصْدِيٍّ يَطْلُبُ شَيْئًا لَا
يَلْزَمُهُ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْمَنَازِلُ
[الْمَأْهُولَةُ] [4] مَعْمُورَةً يجد الزَّادَ
وَالْمَاءَ، فَإِنْ كَانَ زَمَانُ جُدُوبَةٍ تَفَرَّقَ
أَهْلُهَا أَوْ غَارَتْ مياهها، فلا يلزمه الحج، وَلَوْ
لَمْ يَجِدِ الرَّاحِلَةَ لَكِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى
الْمَشْيِ أَوْ لَمْ يَجِدِ الزَّادَ وَلَكِنْ يُمْكِنُهُ
أَنْ يَكْتَسِبَ فِي الطَّرِيقِ لَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ،
وَيُسْتَحَبُّ لَوْ فَعَلَ، وَعِنْدَ مالك يلزمه، [و] أمّا
الاستطاعة بالغير فهي أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ عَاجِزًا
بِنَفْسِهِ، بِأَنْ كَانَ زَمِنًا أَوْ بِهِ مَرَضٌ غَيْرُ
مَرْجُوِّ الزَّوَالِ، لَكِنْ لَهُ مَالٌ يُمَكِنُهُ أَنْ
يَسْتَأْجِرَ [به مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ، يَجِبُ عَلَيْهِ
أَنْ يَسْتَأْجِرَ] [5] ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ
لَكِنْ بَذَلَ لَهُ وَلَدُهُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ الطَّاعَةَ
فِي أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ، يَلْزَمُهُ أَنْ
__________
وهو في «مسند أبي حنيفة» برقم (223) .
- ولقوله «الزاد والراحلة» شاهد.
- من حديث أنس أخرجه الدارقطني 2/ 216 والحاكم 1/ 442
وصححه الحاكم على شرطهما، وقال: وقد توبع سعيد بن أبي
عروبة تابعه حماد بن سلمة على قتادة ثم أسنده هو
والدارقطني من طريق حماد، وقال: صحيح على شرط مسلم! وسكت
الذهبي!.
وليس كذلك بل فيه عبد الله بن واحد الحراني، وهو متروك
وأما الجواب عن الطريق الأول فقد أعله البيهقي 4/ 230
فقال: لا أراه إلا وهما.
ثم أسنده عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عن قتادة، عن
الحسن مرسلا، وقال: هذا هو المحفوظ اهـ.
- ومن حديث عائشة أخرجه الدارقطني 2/ 217 والعقيلي 323
والبيهقي 4/ 330 وأعله العقيلي بعتاب بن أعين وقال:
وهم فيه والصواب عن الحسن مرسلا.
ومع ذلك يشهد للموصول المتقدم.
وقال الحافظ في «تخريج الكشاف» (1/ 390) : حديث ابن عمر
ضعيف وحديث أنس معلول، وصوّب البيهقي كونه من مرسل الحسن.
ثم ذكر شواهده وقال: أخرجها الدارقطني بأسانيد ضعيفة اهـ
باختصار.
- وجاء في «تلخيص الحبير» (2/ 221) ما ملخصه: وطرقه كلها
ضعيفة، وكذا قال عبد الحق. وقال ابن المنذر: لا يثبت
مسندا، والصواب من الروايات رواية الحسن المرسلة اهـ.
ولمزيد الكلام عليه راجع «نصب الراية» (3/ 8- 10) فقد ذكر
طرقه وكشف عن عللها وانظر أيضا «تفسير ابن كثير» بتخريجي
عند هذه الآية وكذا «فتح القدير» للشوكاني، والله أعلم.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) سقط من المخطوط.
(4) زيادة عن المخطوط وط.
(5) سقط من المخطوط.
(1/475)
يَأْمُرَهُ إِذَا كَانَ يَعْتَمِدُ
صِدْقَهُ، لِأَنَّ وُجُوبَ الْحَجِّ يَتَعَلَّقُ
بِالِاسْتِطَاعَةِ، وَيُقَالُ فِي الْعُرْفِ: فُلَانٌ
مُسْتَطِيعٌ لِبِنَاءِ دَارٍ وَإِنْ كَانَ لَا يَفْعَلُهُ
بِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُهُ بِمَالِهِ وأعوانه [1]
، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجِبُ الْحَجُّ بِبَذْلِ
الطَّاعَةِ، وَعِنْدَ مَالِكٍ لا يجب على المغصوب فِي
الْمَالِ، وَحُجَّةُ مَنْ أَوْجَبَهُ مَا:
«409» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ
أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَخْبَرَنَا أَبُو
إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ
مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ:
كَانَ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ
مِنْ خَثْعَمَ تَسْتَفْتِيهِ، فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ
إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ فَجَعَلَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْرِفُ وَجْهَ
الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ، فَقَالَتْ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ
فِي الْحَجِّ، أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا
يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ،
أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟
قَالَ: «نَعَمْ» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ
عَنِ الْعالَمِينَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ
وَعَطَاءٌ: جَحَدَ فَرْضَ الْحَجِّ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ:
مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَقَالَ
سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ
حَيْثُ قَالُوا:
الْحَجُّ إِلَى مَكَّةَ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَقَالَ
السُّدِّيُّ: هُوَ مَنْ وَجَدَ مَا يَحُجُّ بِهِ ثُمَّ
لَمْ يَحُجَّ حَتَّى مَاتَ فَهُوَ كُفْرٌ بِهِ.
«410» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ
الثَّعْلَبِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الكلماتي [2]
__________
409- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، ابن شهاب هو محمد
بن مسلم الزهري.
هو في «شرح السنة» (1847) بهذا الإسناد.
وأخرجه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (1/ 359) عن
الزهري بهذا الإسناد.
ومن طريق مالك أخرجه البخاري 1513 و1855 ومسلم 1334 وأبو
داود 1809 والنسائي 5/ 118- 119 و8/ 228 والشافعي 1/ (993)
وأحمد 1/ 346 و359 وابن خزيمة 3031 و3033 و3036 وابن حبان
3989 والطبراني 18/ (722) والبيهقي 4/ 328.
- وأخرجه البخاري 4399 و6228 والنسائي 5/ 119 و8/ 228 و229
وأحمد 1/ 219 و251 و329 وابن خزيمة 3031 و3032 و3033
والدارمي 2/ 40 والطبراني 18/ (723) و (725) والبيهقي 4/
328 و329 و5/ 179 من طرق عن الزهري به.
410- متن منكر بأسانيد واهية. إسناده ضعيف جدا، وله علتان:
ليث بن أبي سليم ضعيف، وعبد الرحمن بن سابط، لم يسمع من
أبي أمامة، وشريك أيضا سيئ الحفظ، وقد خالفه الثوري
فأرسله.
- وأخرجه البيهقي في «الشعب» (3979) من طريق محمد بن عمرو
بهذا الإسناد.
- وأخرجه الدارمي 2/ 28- 29 ح 1733 والبيهقي 4/ 334 وابن
الجوزي في «الموضوعات» (2/ 209- 210) من طريقين عن شريك
بهذا الإسناد، وحكم بوضعه، وأعله بليث بن أبي سليم. وبأن
عبد الرحمن بن سابط، لم يسمع من أبي أمامة.
وقال البيهقي في «الشعب» : وهذا إن صح فإنما أراد والله
أعلم إذا لم يحج، وهو لا يرى تركه إثما ولا فعله برّا اهـ.
وقال في «السنن» : وهذا وإن كان إسناده غير قوي فله شاهد
من قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه اهـ. ثم أخرج البيهقي
قول عمر من طريق عبد الرحمن بن غنم وصحح ابن كثير في
«تفسيره» (1/ 395) إسناد الموقوف.
- وله شاهد من حديث علي أخرجه الترمذي 812 وابن عدي 7/
120.
- وقال الترمذي: غريب، وفي إسناده مقال، وهلال بن عبد الله
مجهول، والحارث الأعور يضعف في الحديث اهـ.
(1) كذا في المخطوط والمطبوع، وفي- ط «أو» بدل «و» .
(2) في الأصل «الكلماني» والتصويب من «الأنساب» (5/ 89)
للسمعاني.
(1/476)
قُلْ يَا أَهْلَ
الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ
شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ (98) قُلْ يَا أَهْلَ
الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ
آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا
اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (99) يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ
كَافِرِينَ (100)
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ
عُمَرَ، أَخْبَرَنَا سَهْلُ بْنُ عَمَّارٍ [1] أَخْبَرَنَا
يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا شريك عن ليث عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ:
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: «مَنْ لَمْ تَحْبِسْهُ حَاجَةٌ ظَاهِرَةٌ أَوْ
مَرَضٌ حَابِسٌ أَوْ سُلْطَانٌ جَائِرٌ، وَلَمْ يَحُجَّ
فَلْيَمُتْ إِنْ شَاءَ يَهُودِيًّا وَإِنْ شَاءَ
نَصْرَانِيًّا» .
[سورة آل عمران (3) : الآيات 98 الى 100]
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ
اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلى مَا تَعْمَلُونَ (98) قُلْ
يَا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ
اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً وَأَنْتُمْ
شُهَداءُ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (99)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً
مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ
إِيمانِكُمْ كافِرِينَ (100)
قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ
تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلى مَا
تَعْمَلُونَ (98) .
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ
اللَّهِ، أَيْ: لِمَ تَصْرِفُونَ عَنْ دِينِ اللَّهِ، مَنْ
آمَنَ تَبْغُونَها تَطْلُبُونَهَا، عِوَجاً زَيْغًا
وَمَيْلًا، يَعْنِي: لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ
بَاغِينَ لَهَا عِوَجًا؟ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ:
الْعِوَجُ- بِالْكَسْرِ- فِي الدِّينِ وَالْقَوْلِ
وَالْعَمَلِ، وَالْعَوَجُ. بِالْفَتْحِ. فِي الْجِدَارِ،
وَكُلِّ شَخْصٍ قَائِمٍ وَأَنْتُمْ شُهَداءُ وَمَا اللَّهُ
بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ، [أَنَّ فِي التَّوْرَاةِ
مَكْتُوبًا نَعْتُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَإِنْ دِينَ اللَّهِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ
غَيْرَهُ هُوَ الْإِسْلَامُ] [2] .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً
مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ، ع «411» قال زيد بن
أسلم: مرّ [3] شَاسَ بْنَ قَيْسٍ الْيَهُودِيَّ. وَكَانَ
شيخا عظيم الكفر شديد الضغن [4] على
__________
وهذا توهين لهذا الحديث من الترمذي وقال ابن عدي: ليس
بمحفوظ، وهلال منكر الحديث كما قال البخاري.
وقال ابن الجوزي: قال الترمذي: هلال مجهول وأما الحارث فقد
كذبه الشعبي اهـ.
وقال الزيلعي في «نصب الراية» (4/ 411) : قال ابن القطان:
علة هذا الحديث ضعف الحارث والجهل بحال هلال.
- وورد من حديث أبي هريرة أخرجه ابن عدي 2/ 312 ومن طريقه
ابن الجوزي وأعله ابن الجوزي بيزيد بن سفيان ونقل عن يحيى
قوله: ليس حديثه بشيء وقال النسائي: متروك.
وفيه عبد الرحمن القطامي كذبه الغلاس.
- وجاء في «تلخيص الحبير» (2/ 222- 223) : ذكره ابن الجوزي
في «الموضوعات» وقال العقيلي والدارقطني: لا يصح فيه شيء.
قلت: وله طرق من حديث أبي أمامة فيه ليث وهو ضعيف، وشريك
سيّئ الحفظ وخالفه الثوري فأرسله، عن ابن سابط رواه أحمد
في «كتاب الإيمان» وكذا رواه ابن أبي شيبة عن ليث مرسلا،
وفي الطريق الثاني عمار بن مطر وهو ضعيف، وحديث الترمذي،
عن علي سئل الحربي عنه فقال: من هلال؟؟ وقال ابن عدي: يعرف
بهذا الحديث وليس بمحفوظ وقال العقيلي: لا يتابع عليه.
قال ابن حجر: وورد عن عمر موقوفا، وإذا انضمّ هذا الموقوف
إلى مرسل ابن سابط علم أن لهذا الحديث أصلا ومحمله على من
استحل الترك وتبين بذلك خطأ من ادعى أنه موضوع اهـ. قلت:
المرسل لا يقوى بالموقوف، لأن المرسل مداره عند الجميع على
ليث، وهو ضعيف سيئ الحفظ، والصواب فيه الوقف فحسب، والله
أعلم.
411- ع أخرجه الطبري 7522 من طريق ابن إسحاق قال حدثني
الثقة عن زيد بن أسلم، وهذا مرسل ومع إرساله فيه راو لم
يسمّ. [.....]
(1) وقع في الأصل «سهيل بن عمارة» والتصويب من «شعب
الإيمان» وكتب «التراجم» .
(2) ما بين المعقوفتين جعل في المخطوط عقب لفظ «شهداء»
والمثبت عن- ط والمطبوع، وكلاهما محتمل.
(3) في الأصل «إن مرشاس» والتصويب من «تفسير الطبري» و
«أسباب النزول» للواحدي و «الدر المنثور» .
(4) في المطبوع وحده «الطغى» .
(1/477)
وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ
وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ
رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ
إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا
تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)
المسلمين [1]- عَلَى نَفَرٍ مِنَ الْأَوْسِ
وَالْخَزْرَجِ فِي مَجْلِسِ جَمْعِهِمْ يَتَحَدَّثُونَ،
فَغَاظَهُ مَا رَأَى مِنْ أُلْفَتِهِمْ وَصَلَاحِ ذَاتِ
بَيْنِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ الَّذِي كَانَ
بَيْنَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ من العداوة، وقال: قَدِ
اجْتَمَعَ مَلَأُ بَنِي قَيْلَةَ بِهَذِهِ الْبِلَادِ، لَا
وَاللَّهِ مَا لَنَا مَعَهُمْ إِذَا اجْتَمَعُوا بِهَا
مِنْ قَرَارٍ، فَأَمَرَ شَابًّا مِنَ الْيَهُودِ كَانَ
مَعَهُ فَقَالَ: اعْمَدْ إِلَيْهِمْ وَاجْلِسْ مَعَهُمْ
ثُمَّ ذَكِّرْهُمْ يَوْمَ بُعَاثٍ وَمَا كَانَ قَبْلَهُ،
وَأَنْشِدْهُمْ بَعْضَ مَا كَانُوا تَقَاوَلُوا فِيهِ مِنَ
الْأَشْعَارِ، وَكَانَ بُعَاثٌ يَوْمًا اقْتَتَلَتْ فِيهِ
الْأَوْسُ مَعَ الْخَزْرَجِ، وَكَانَ الظَّفَرُ فِيهِ
لِلْأَوْسِ على الخزرج، ففعل فَتَكَلَّمَ الْقَوْمُ عِنْدَ
ذَلِكَ فَتَنَازَعُوا وَتَفَاخَرُوا حَتَّى تَوَاثَبَ
رَجُلَانِ مِنَ الْحَيَّيْنِ عَلَى الرَّكْبِ، أَوْسُ بْنُ
قيظي أَحَدُ بَنِي حَارِثَةَ [مِنَ الْأَوْسِ] [2]
وَجَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ أَحَدُ بَنِي سَلَمَةَ مِنَ
الْخَزْرَجِ، فَتَقَاوَلَا ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا
لِصَاحِبِهِ: إِنْ شِئْتُمْ وَاللَّهِ رَدَدْتُهَا الْآنَ
جَذَعَةً، وَغَضِبَ الْفَرِيقَانِ جَمِيعًا وَقَالَا: قَدْ
فَعَلْنَا السِّلَاحَ السِّلَاحَ مَوْعِدُكُمُ
الظَّاهِرَةُ،. وَهِيَ الحرة. فخرجوا جميعا إِلَيْهَا
وَانْضَمَّتِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ بَعْضُهَا [3] إِلَى
بَعْضٍ عَلَى دَعْوَاهُمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا فِي
الْجَاهِلِيَّةِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فِيمَنْ
مَعَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ حَتَّى جَاءَهُمْ، فَقَالَ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أَبِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ
وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ بَعْدَ إِذْ أَكْرَمَكُمُ
اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ، وَقَطَعَ بِهِ عَنْكُمْ أَمْرَ
الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَلَّفَ بَيْنَكُمْ؟ تَرْجِعُونَ إِلَى
مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ كُفَّارًا، اللَّهَ اللَّهَ!!»
فَعَرَفَ الْقَوْمُ أَنَّهَا نَزْغَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ
وَكَيْدٌ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَأَلْقَوُا السِّلَاحَ [مِنْ
أَيْدِيهِمْ] [4] وَبَكَوْا وَعَانَقَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا،
ثُمَّ انْصَرَفُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَامِعِينَ مطيعين، فَأَنْزَلَ اللَّهُ
تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتابَ، يعني: شاسا [5] وأصحابه، يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ
إِيمانِكُمْ كافِرِينَ، قَالَ جَابِرٌ: فَمَا رَأَيْتُ
قَطُّ يَوْمًا أقبح، [أولا و] [6] أحسن آخِرًا مِنْ ذَلِكَ
الْيَوْمِ.
ثُمَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى وَجْهِ التعجب:
[سورة آل عمران (3) : الآيات 101 الى 102]
وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ
اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ
فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (101) يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا
تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)
وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ، يَعْنِي: وَلِمَ تَكْفُرُونَ؟
وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ، [أي] [7] :
الْقُرْآنُ، وَفِيكُمْ رَسُولُهُ، مُحَمَّدٌ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ قَتَادَةُ: فِي هَذِهِ
الْآيَةِ عَلَمَانِ بَيِّنَانِ: كِتَابُ اللَّهِ وَنَبِيُّ
اللَّهِ، أَمَّا نَبِيُّ اللَّهِ فَقَدْ مَضَى، وَأَمَّا
كِتَابُ اللَّهِ فَأَبْقَاهُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ رَحْمَةً
مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً.
«412» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ الْعَبَّاسِ الْحُمَيْدِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ
اللَّهِ [8] مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله
__________
- وذكره الواحدي 232 بدون إسناد. وأسنده عن عكرمة 231
بنحوه و233 عن ابن عباس بمعناه، فلعل هذه الروايات تعتضد
بمجموعها والله أعلم.
412- إسناده صحيح، جعفر بن عون فمن فوقه رجال البخاري
ومسلم غير يزيد بن حيان، فإنه من رجال مسلم، ومن دون جعفر
توبعوا، وهم ثقات.
(1) زيد في الأصل «فمر» .
(2) سقط من المخطوط.
(3) في المطبوع وحده «بعضهم» .
(4) زيادة عن المخطوط وكتب الأثر.
(5) في الأصل «مرشاسا» .
(6) في المطبوع «أو لا» .
(7) زيادة عن المخطوط.
(8) في الأصل «أبو عبيد الله» والتصويب من «شرح السنة» .
[.....]
(1/478)
الْحَافِظُ أَنَا أَبُو الْفَضْلِ
الْحَسَنُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ يُوسُفَ الْعَدْلُ
أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عبد الوهّاب
العبدي أنا جعفر بن عون [1] أَخْبَرَنَا أَبُو حَيَّانَ
يَحْيَى بْنُ سعيد بن حيان [2] عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَيَّانَ
قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ قَالَ: قَامَ فِينَا
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ
يَوْمٍ خَطِيبًا، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ،
ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا
أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَنِي رَسُولُ رَبِّي
فَأُجِيبُهُ، وَإِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ
أَوَّلُهُمَا: كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ،
فتمسكوا بكتاب الله تعالى وَخُذُوا بِهِ» ، فَحَثَّ
[عَلَيْهِ] [3] وَرَغَّبَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: «وَأَهْلُ
بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ، أَيْ:
يَمْتَنِعْ بِاللَّهِ وَيَسْتَمْسِكْ بِدِينِهِ
وَطَاعَتِهِ، فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ،
طَرِيقٍ وَاضِحٍ، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَمَنْ
يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ أَيْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ، وَأَصْلُ
الْعِصْمَةِ: الْمَنْعُ، فَكُلُّ مَانِعٍ شَيْئًا فَهُوَ
عَاصِمٌ له.
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ.
ع «413» قَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: كَانَ بَيْنَ
الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ عَدَاوَةٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ
وَقِتَالٌ حَتَّى هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَأَصْلَحَ
بَيْنَهُمْ فَافْتَخَرَ بَعْدَهُ مِنْهُمْ رَجُلَانِ:
ثَعْلَبَةُ بْنُ غَنْمٍ مِنَ الْأَوْسِ وَأَسْعَدُ بْنُ
زُرَارَةَ مِنَ الْخَزْرَجِ، فَقَالَ الْأَوْسِيُّ: مِنَّا
خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ ذُو الشَّهَادَتَيْنِ، وَمِنَّا
حَنْظَلَةُ غَسِيلُ الْمَلَائِكَةِ، وَمِنَّا عَاصِمُ بْنُ
ثَابِتِ بْنِ أبي الأقلح [4] حَمِيُّ الدَّبْرِ، وَمِنَّا
سَعْدُ بْنُ معاذ الذي اهتزّ عرش الرحمن له وَرَضِيَ
اللَّهُ بِحُكْمِهِ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، وَقَالَ
الْخَزْرَجِيُّ: مِنَّا أَرْبَعَةٌ أَحْكَمُوا الْقُرْآنَ:
أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَزَيْدُ
بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ، وَمِنَّا سَعْدُ بْنُ
عُبَادَةَ خَطِيبُ الْأَنْصَارِ وَرَئِيسُهُمْ، فَجَرَى
الْحَدِيثُ بَيْنَهُمَا فَغَضِبَا وَأَنْشَدَا
الْأَشْعَارَ وَتَفَاخَرَا، فَجَاءَ الْأَوْسُ
وَالْخَزْرَجُ وَمَعَهُمُ السِّلَاحُ، فَأَتَاهُمُ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْزَلَ
اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ:
هُوَ أَنْ يطاع فلا يعصى، وقال مجاهد: أن تجاهدوا
__________
- وهو في «شرح السنة» (3806) بهذا الإسناد.
- وأخرجه الدارمي 2/ 431- 432 والبيهقي 10/ 1113- 114 من
طريق جعفر بن عون بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 2408 ح 36 والنسائي في «الكبرى» (8175)
وأحمد 4/ 366- 367 والطحاوي في «المشكل» (3464) والطبراني
5028 والبيهقي 10/ 114 من طرق عن أبي حيان التيمي به.
- وأخرجه مسلم 2408 والطبراني 5026 من طريق يزيد بن حيان
به.
- وأخرجه الترمذي 3788 من طريق الأعمش عَنْ حَبِيبِ بْنِ
أَبِي ثَابِتٍ، عن زيد بن أرقم به ... وقال: هذا حديث حسن
غريب اهـ.
وأخرجه مسلم 2408 وابن أبي عاصم 1550 والطبراني 5028
والطحاوي في «المشكل» (3464) من طريق محمد بن فضيل، عن أبي
حيان التيمي به.
413- ع هذا معضل، فهو واه، وإسناد المصنف إلى مقاتل أول
الكتاب، ولم أره عند غير المصنف، ثم بعض الموافقات
المذكورة إنما كانت بعد نزول هذه الآيات.
(1) في الأصل «أبو جعفر بن عوف» والتصويب من «شرح السنة»
وكتب «التراجم» .
(2) في الأصل «أبو حبان» والتصويب من «شرح السنة» وكتب
«التراجم» .
(3) العبارة في المطبوع «على كتاب الله» والمثبت عن
المخطوط وط و «شرح السنة» .
(4) في الأصل «بن أفلح» والتصويب من «دلائل النبوة»
للبيهقي و «الإصابة» .
(1/479)
وَاعْتَصِمُوا
بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا
نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً
فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ
إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ
فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ
آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)
في [1] اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ وَلَا
تَأْخُذُكُمْ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، وَتَقُومُوا
لِلَّهِ بِالْقِسْطِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ
وَآبَائِكُمْ وَأَبْنَائِكُمْ. وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ
قَالَ: لَا يَتَّقِي اللَّهَ عَبْدٌ حَقَّ تُقَاتِهِ
حَتَّى يَخْزِنَ لِسَانَهُ، قال أهل التفسير: لما نَزَلَتْ
هَذِهِ الْآيَةُ شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا: يَا
رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَقْوَى عَلَى هَذَا، فَأَنْزَلَ
اللَّهُ تَعَالَى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ
[التَّغَابُنِ: 16] ، فَنُسِخَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَقَالَ
مُقَاتِلٌ: لَيْسَ فِي آلِ عمران من المنسوخ إلّا هذه
الآية وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ،
أَيْ: مُؤْمِنُونَ، وَقِيلَ: مُخْلِصُونَ مُفَوِّضُونَ
أُمُورَكُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَالَ
الْفُضَيْلُ [2] : مُحْسِنُونَ الظَّنَّ بِاللَّهِ [تعالى]
.
«414» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ
الْمُلَيْحِيُّ أَنَا أَبُو بَكْرٍ الْعَبْدُوسِيُّ
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ [3] بْنُ حمدون بن
خالد بن بريدة [4] أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ سَيْفٍ
[5] أَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ أَنَا شُعْبَةُ عَنِ
الْأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ
فَلَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنَ الزَّقُّومِ قُطِرَتْ عَلَى
الْأَرْضِ لَأَمَرَّتْ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا
مَعِيشَتَهُمْ، فَكَيْفَ بِمَنْ هُوَ طَعَامُهُ وَلَيْسَ
لَهُ طعام غيره» ؟.
[سورة آل عمران (3) : آية 103]
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا
وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ
أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ
بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ
مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ
اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ
جَمِيعاً، الْحَبْلُ: السَّبَبُ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ
إِلَى الْبُغْيَةِ، وَسُمِّيَ الْإِيمَانُ حَبْلًا
لِأَنَّهُ سَبَبٌ يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى زَوَالِ
الْخَوْفِ [من النار] [6] ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ
هَاهُنَا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَعْنَاهُ تَمَسَّكُوا
بِدِينِ اللَّهِ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: هُوَ
الْجَمَاعَةُ، وَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ
فَإِنَّهَا حبل الله الذي أمر بِهِ، وَإِنَّ مَا
تَكْرَهُونَ فِي الْجَمَاعَةِ وَالطَّاعَةِ خَيْرٌ مِمَّا
تُحِبُّونَ فِي الْفُرْقَةِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ:
بِعَهْدِ اللَّهِ، وَقَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: هو
القرآن.
__________
414- المرفوع ضعيف، والراجح وقفه. رجال الإسناد ثقات
مشاهير، لكن فيه عنعنة الأعمش، وهو مدلس، فالإسناد ضعيف،
والراجح وقفه. شعبة هو ابن الحجاج، والأعمش هو سليمان بن
مهران، ومجاهد هو ابن جبر.
- وهو في «شرح السنة» (4304) بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 2585 والطيالسي 2643 وأحمد 1/ 300- 301
و338 وابن حبان 7470 والحاكم 2/ 294 و451 والطبراني 11068
والبيهقي في «البعث» (596) من طرق عن شعبة به.
وصححه الحاكم عن شرطهما! ووافقه الذهبي! وقال الترمذي: حسن
صحيح!؟ والصواب أنه ضعيف فيه عنعنة الأعمش وهو مدلس وقد
سقط من الإسناد رجل بدليل ما أخرجه ابن أبي شيبة 13/ 161
وأحمد 1/ 338 والبيهقي في «البعث» (597) من وجه آخر عن
الأعمش، عن أبي يحيى، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
موقوفا عليه، وأبو يحيى فيه لين، لكن حديثه أصح من
المرفوع.
(1) زيد في المطبوع «سبيل» .
(2) وقع في المخطوط «الفضل» .
(3) في الأصل «أبو بكر بن محمد» والتصويب من «شرح السنة» .
(4) في الأصل «يزيد» والتصويب من «شرح السنة» .
(5) في الأصل «يوسف» والتصويب من «شرح السنة» و «كتب
التراجم» .
(6) زيادة من المخطوط.
(1/480)
ع «415» وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ
عَنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ هُوَ حبل الله المتين، وَهُوَ
النُّورُ الْمُبِينُ، وَالشِّفَاءُ النَّافِعُ، وَعِصْمَةٌ
لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ، وَنَجَاةٌ لِمَنْ تَبِعَهُ» .
وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: بِحَبْلِ اللَّهِ أَيْ:
بِأَمْرِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ، وَلا تَفَرَّقُوا، كَمَا
افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى.
«416» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا
زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ
الْهَاشِمِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ
عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا
[وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلَاثًا] [1] ، يرضى لكم أن
__________
415- ع الراجح وقفه. أخرجه الحاكم 1/ 555 ح 2040 وابن
الضريس في «فضائل القرآن» (58) وأبو عبيد في «فضائل
القرآن» ص (21) والآجري في «أخلاق حملة القرآن» (11) وابن
حبان في «المجروحين» (1/ 100) وأبو الفضل الرازي في «فضائل
القرآن» (30 و32) وأبو الشيخ في «طبقات المحدثين بأصبهان»
(4/ 252) وأبو نعيم في «أخبار أصبهان» (2/ 278) والبيهقي
في «الشعب» (4/ 550) وابن الجوزي في «العلل» (1/ 101- 102)
كلهم من طريق إِبْرَاهِيمَ الْهَجَرِيِّ عَنْ أَبِي
الْأَحْوَصِ، عن ابن مسعود به.
صححه الحاكم، وقال الذهبي: إبراهيم بن مسلم ضعيف اهـ.
وقال ابن الجوزي: يشبه أن يكون كلام ابن مسعود اهـ.
- وورد موقوفا على ابن مسعود أخرجه عبد الرزاق 3/ 375 وابن
المبارك في «الزهد» (808) والدارمي 2/ 431 والطبراني في
«الكبير» (9/ 139) وأبو نعيم في «أخبار أصبهان» (2/ 272)
وأبو الفضل الرازي 31 والبيهقي في «الشعب» (4/ 549) من طرق
عن الهجري، عن أبي الأحوص عنه.
قلت: رواه عبد الرزاق بإسناده، عن ابن عيينة، عن الهجري به
وقد ورد عن ابن عيينة أنه قال: أتيت إبراهيم الهجري فدفع
إلى عامة كتبه فرحمت الشيخ وأصلحت له كتابه، قلت: هذا عن
عبد الله وهذا عن النبي صلّى الله عليه وسلّم وهذا عن عمر.
وقال الحافظ في «التهذيب» (1/ 166) : هذه القصة تقتضي أن
حديثه عنه صحيح لأنه إنما عيب عليه رفعه أحاديث موقوفة
وابن عيينة ذكر أنه ميّز حديث عبد الله من حديث النبي صلّى
الله عليه وسلّم اهـ.
- وله شاهد من حديث علي أخرجه الترمذي 2906 وابن أبي شيبة
10/ 482 وأحمد 1/ 91 وأبو يعلى 367 والخطيب 8/ 321
والدارمي 2/ 435- 436 وجعفر الفريابي في «فضائل القرآن»
(79) والبزار 3/ 70- 71 وأبو الفضل الرازي 35 والبيهقي في
«الشعب» (4/ 496- 497) والبغوي في «شرح السنة» (1176) .
وفي إسناده الحارث بن عبد الله الأعور، وهو ضعيف.
- وقال ابن كثير في «فضائل القرآن» ص (17- 18) ذكر هذا
الحديث وتكلم على إسناده: وقصارى هذا الحديث أن يكون من
كلام أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، وقد وهم بعضهم في
رفعه، وهو كلام حسن صحيح اهـ.
الخلاصة: هذا الحديث الراجح فيه الوقف، مع أنه من جهة
الإسناد لا بأس به بشواهده، لكن اختار ابن كثير رحمه الله
وغيره الوقف في هذا المتن، والله أعلم. [.....]
416- إسناده على شرط البخاري ومسلم، أبو صالح اسمه ذكوان،
مشهور بكنيته.
- وهو في «شرح السنة» (101) بهذا الإسناد.
- خرجه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (2/ 990) عن
سهيل بن أبي صالح بهذا الإسناد.
ومن طريق مالك أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (442) وابن
حبان 3388.
وأخرجه مسلم 1715 وأحمد 2/ 327 و360 و367 من طريق سهيل بن
أبي صالح به.
- ولعجزه شاهد من حديث المغيرة أخرجه البخاري 1477 ومسلم
3/ 1341 (13) وأحمد 4/ 249 وابن حبان 5719 والطبراني 10/
(900) .
(1) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة» .
(1/481)
تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ
شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا،
وَأَنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَلَّى اللَّهُ أَمْرَكُمْ،
[وَيَسْخَطُ لَكُمْ] [1] قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ
الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ» .
قَوْلُهُ تعالى وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ
إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ.
«417» قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ
وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْأَخْبَارِ: كَانَتِ الْأَوْسُ
وَالْخَزْرَجُ أَخَوَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَوَقَعَتْ
بينهما عداوة بسبب قتيل قتل بينهم، فَتَطَاوَلَتْ تِلْكَ
الْعَدَاوَةُ وَالْحَرْبُ بَيْنَهُمْ عِشْرِينَ وَمِائَةَ
سَنَةٍ إِلَى أَنْ أَطْفَأَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ
بِالْإِسْلَامِ، وَأَلَّفَ بَيْنَهُمْ بِرَسُولِهِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ
سَبَبُ أُلْفَتِهِمْ أَنَّ سُوَيْدَ بْنَ الصَّامِتِ أَخَا
بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَكَانَ شَرِيفًا يُسَمِّيهِ
قَوْمُهُ الْكَامِلَ لِجَلَدِهِ وَنَسَبِهِ قَدِمَ مَكَّةَ
حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بُعِثَ وَأُمِرَ
بِالدَّعْوَةِ، فَتَصَدَّى لَهُ [رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عليه وسلّم] [2] حِينَ سَمِعَ بِهِ وَدَعَاهُ
إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِلَى الْإِسْلَامِ،
فَقَالَ لَهُ سُوَيْدٌ: فَلَعَلَّ الَّذِي مَعَكَ مِثْلُ
الَّذِي مَعِي، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا الَّذِي مَعَكَ» ؟
فقال: مَجَلَّةُ [3] لُقْمَانَ، يَعْنِي: حِكْمَتَهُ،
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «اعْرِضْهَا عَلَيَّ» ، فَعَرَضَهَا، فقال:
«إن هذا الكلام [4] حسن، ومعي أفضل من هذا، قرآن أنزل
اللَّهُ عَلَيَّ نُورًا وَهُدًى» ، فَتَلَا عَلَيْهِ
الْقُرْآنَ وَدَعَاهُ إِلَى الْإِسْلَامِ، فلم يبعد منه
ولم ينفر وسرّ بذلك، وقال: إن هذا القول حَسَنٌ، ثُمَّ
انْصَرَفَ إِلَى الْمَدِينَةِ فلم يلبث أن قتله
الْخَزْرَجُ قِبَلَ يَوْمِ بُعَاثٍ، فَإِنَّ قومه ليقولون:
إنه قَدْ قُتِلَ وَهُوَ مُسْلِمٌ، ثُمَّ قَدِمَ أَبُو
الْحَيْسَرِ [5] أَنَسُ بْنُ رَافِعٍ، وَمَعَهُ فِئَةٌ
مِنْ بَنِي الْأَشْهَلِ فِيهِمْ إِيَاسُ بْنُ مُعَاذٍ
يَلْتَمِسُونَ الْحِلْفَ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى قَوْمٍ مِنَ
الْخَزْرَجِ، فَلَمَّا سَمِعَ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُمْ فَجَلَسَ
إِلَيْهِمْ، وقال: هَلْ لَكُمْ إِلَى خَيْرٍ مِمَّا جئتم
له؟ قالوا: وَمَا ذَلِكَ؟ قَالَ:
«أَنَا رَسُولُ اللَّهِ بَعَثَنِي إِلَى الْعِبَادِ
أَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ لَا يُشْرِكُوا بِاللَّهِ شيئا،
وأنزل الله عَلَيَّ الْكِتَابَ» ، ثُمَّ ذَكَرَ لَهُمُ
الْإِسْلَامَ وَتَلَا عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، فَقَالَ
إِيَاسُ بْنُ مُعَاذٍ وَكَانَ غُلَامًا حَدَثًا: أَيْ
قَوْمِ هَذَا وَاللَّهِ خير ممّا جئتم له [يا بني الأشهل]
[6] ، فَأَخَذَ أَبُو الْحَيْسَرِ حَفْنَةً مِنَ
الْبَطْحَاءِ فَضَرَبَ بِهَا وَجْهَ إِيَاسٍ وَقَالَ:
دَعْنَا مِنْكَ فَلَعَمْرِي لَقَدْ جِئْنَا لِغَيْرِ
هَذَا، فَصَمَتَ إِيَاسٌ وَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُمْ، وَانْصَرَفُوا إِلَى
الْمَدِينَةِ، وَكَانَتْ وَقْعَةُ بُعَاثٍ بَيْنَ
الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ إِيَاسُ
بْنُ مُعَاذٍ أَنْ هَلَكَ، فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ إِظْهَارَ دِينِهِ وَإِعْزَازَ نَبِيِّهِ خَرَجَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
الْمَوْسِمِ الَّذِي لَقِيَ فيه النفر من الأنصار ويعرض
نَفْسَهُ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ
فِي كُلِّ مَوْسِمٍ، فَلَقِيَ عِنْدَ الْعَقَبَةِ رَهْطًا
مِنَ الْخَزْرَجِ أَرَادَ اللَّهُ بِهِمْ خَيْرًا، وَهُمْ
سِتَّةُ نَفَرٍ: أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ، وَعَوْفُ بْنُ
الْحَارِثِ وَهُوَ ابْنُ عَفْرَاءَ، وَرَافِعُ بْنُ
مَالِكٍ بن العجلان، وَقُطْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ
حَدِيدَةَ [7] ،
__________
417- أورده ابن هشام في «السيرة» (2/ 51- 70) منجما مطولا،
وورد بنحوه عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يسار قال:
فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إظهار دينه ...
فذكره أخرجه البيهقي في «الدلائل» (2/ 433- 434) .
- وأخرجه الطبري 7584 من طريق ابن إسحاق عن الحصين بن عبد
الرحمن، عن محمود بن لبيد مرسلا بنحوه.
- وأخرج صدره الطبري 7583 من طريق ابن إسحاق أيضا عن عاصم
بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ أشياخ من قومه قالوا:
قدم سويد بن الصامت ... فذكره.
(1) زيد في المطبوع «ثلاثا» .
(2) زيادة عن المخطوط وط.
(3) تصحف في المطبوع إلى «مجلد» والمجلة: الصحيفة، وفيها
حكم لقمان.
(4) في المطبوع «كلام» والمثبت عن- ط.
(5) تصحف في المطبوع إلى «الجيسر» .
(6) زيادة عن المخطوط.
(7) تصحف في المطبوع «خريدة» .
(1/482)
وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَابِيٍّ [1]
، وجابر بن عبد الله [بن رئاب] [2] ، فَقَالَ لَهُمْ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ
أَنْتُمْ» ؟ قَالُوا:
نَفَرٌ مِنَ الْخَزْرَجِ؟ قَالَ: «أَمِنَ مَوَالِي
يَهُودَ» ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: «أَفَلَا تَجْلِسُونَ
حَتَّى أُكَلِّمَكُمْ؟» قَالُوا: بَلَى، فَجَلَسُوا مَعَهُ
فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَرَضَ
عَلَيْهِمُ الْإِسْلَامَ وَتَلَا عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ،
قَالُوا: وَكَانَ مِمَّا صَنَعَ اللَّهُ لَهُمْ بِهِ فِي
الْإِسْلَامِ أَنَّ يَهُودَ كَانُوا مَعَهُمْ
بِبِلَادِهِمْ [وَكَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ وَعِلْمٍ وَهُمْ]
[3] كَانُوا أَهْلَ أَوْثَانٍ وَشِرْكٍ، وَكَانُوا إِذَا
كان بينهم [4] شَيْءٌ قَالُوا: إِنَّ نَبِيًّا الْآنَ
مَبْعُوثٌ قَدْ أَظَلَّ زَمَانُهُ، نَتْبَعُهُ
وَنَقْتُلُكُمْ مَعَهُ قَتْلَ عَادٍ وَإِرَمَ، فَلَمَّا
كَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أُولَئِكَ النَّفَرِ وَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: يَا قَوْمُ
تَعْلَمُونَ وَاللَّهِ إِنَّهُ النَّبِيُّ الَّذِي
تَوَعَّدُكُمْ بِهِ يَهُودُ، فَلَا يَسْبِقُنَّكُمْ
إِلَيْهِ، فَأَجَابُوهُ وَصَدَّقُوهُ وَأَسْلَمُوا،
وَقَالُوا: إِنَّا قَدْ تَرَكْنَا قَوْمَنَا وَلَا قَوْمَ
بَيْنَهُمْ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَالشَّرِّ مَا بَيْنَهُمْ،
وَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْمَعَهُمْ بِكَ، وَسَنَقْدُمُ
عَلَيْهِمْ فَنَدْعُوهُمْ إلى أمرك، فإن جمعهم اللَّهُ
عَلَيْكَ فَلَا رَجُلَ أَعَزَّ مِنْكَ، ثُمَّ انْصَرَفُوا
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
رَاجِعِينَ إِلَى بِلَادِهِمْ قَدْ آمَنُوا بِهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [وصدّقوه] [5] ، فَلَمَّا
قَدِمُوا الْمَدِينَةَ ذَكَرُوا لَهُمْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَوْهُمْ إِلَى
الْإِسْلَامِ، حَتَّى فَشَا فِيهِمْ فَلَمْ يَبْقَ دَارٌ
مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ إِلَّا وَفِيهَا ذِكْرٌ مِنْ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
حَتَّى إِذَا كان العام المقبل، أتى الْمَوْسِمَ مِنَ
الْأَنْصَارِ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا وَهُمْ: أَسْعَدُ بْنُ
زُرَارَةَ، وَعَوْفٌ وَمُعَاذٌ ابْنَا عَفْرَاءَ،
وَرَافِعُ بْنُ مَالِكِ [بْنِ الْعَجْلَانِ] [6] ،
وَذَكْوَانُ بن عبد قيس [7] ، وَعُبَادَةُ بْنُ
الصَّامِتِ، وَيَزِيدُ بْنُ ثَعْلَبَةَ، وَعَبَّاسُ بْنُ
عُبَادَةَ، وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ، وَقُطْبَةُ بْنُ
عَامِرٍ، وَهَؤُلَاءِ خَزْرَجِيُّونَ، وَأَبُو الْهَيْثَمِ
بْنُ التيهان وعويم بْنُ سَاعِدَةَ مِنَ الْأَوْسِ،
فَلَقُوهُ بِالْعَقَبَةِ وَهِيَ الْعَقَبَةُ الْأُولَى،
فَبَايَعُوا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَى بَيْعَةِ النِّسَاءِ، عَلَى أَنْ لَا
يُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقُوا وَلَا
يَزْنُوا، إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، «فَإِنْ وَفَّيْتُمْ
فَلَكُمُ الْجَنَّةُ، وَإِنْ غَشِيتُمْ شَيْئًا مِنْ
ذَلِكَ فَأُخِذْتُمْ بِحَدِّهِ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ
كَفَّارَةٌ لَهُ، وَإِنَّ سُتِرَ عَلَيْكُمْ فَأَمْرُكُمْ
إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَذَّبَكُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ
لَكُمْ» ، قَالَ: وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَفْرِضَ
عَلَيْهِمُ الْحَرْبَ، قَالَ: فَلَمَّا انْصَرَفَ
الْقَوْمُ بَعَثَ مَعَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ
بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُقْرِئَهُمُ
الْقُرْآنَ وَيُعَلِّمَهُمُ الْإِسْلَامَ وَيُفَقِّهَهُمْ
فِي الدِّينِ، وَكَانَ مُصْعَبٌ يُسَمَّى بِالْمَدِينَةِ
الْمُقْرِئَ، وَكَانَ مَنْزِلُهُ عَلَى أَسْعَدَ بْنِ
زُرَارَةَ، ثُمَّ إِنَّ أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ خَرَجَ
بِمُصْعَبٍ فَدَخَلَ بِهِ حَائِطًا مِنْ حَوَائِطِ بَنِي
ظُفَرَ، فَجَلَسَا فِي الْحَائِطِ فاجتمع إِلَيْهِمَا
رِجَالٌ مِمَّنْ أَسْلَمَ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ
لِأُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ: انْطَلِقْ إِلَى هَذَيْنِ
الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ قَدْ أَتَيَا دَارَنَا
لِيُسَفِّهَا ضُعَفَاءَنَا فَازْجُرْهُمَا، فَإِنَّ
أَسْعَدَ بْنَ زرارة ابن خالتي [معهم] [8] ، ولولا ذلك
لَكَفَيْتُكَهُ، وَكَانَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَأُسَيْدُ
بْنُ حُضَيْرٍ سَيِّدَيْ قَوْمِهِمَا مِنْ بَنِي عَبْدِ
الْأَشْهَلِ وَهُمَا مُشْرِكَانِ، فَأَخَذَ أُسَيْدُ بْنُ
حُضَيْرٍ حَرْبَتَهُ ثُمَّ أَقْبَلُ إِلَى مُصْعَبٍ
وَأَسْعَدَ وَهُمَا جَالِسَانِ فِي الْحَائِطِ، فَلَمَّا
رَآهُ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ قال لمصعب: هذا والله
سَيِّدُ قَوْمِهِ قَدْ جَاءَكَ، فَاصْدُقِ اللَّهَ فِيهِ،
قَالَ مُصْعَبٌ: إِنْ يَجْلِسْ أُكَلِّمْهُ، قَالَ:
فَوَقَفَ عَلَيْهِمَا متشتّما، فقال: ما جاء بكما
إِلَيْنَا تُسَفِّهَانِ ضُعَفَاءَنَا؟ اعْتَزِلَا إِنْ
كَانَتْ لَكُمَا فِي أَنْفُسِكُمَا حَاجَةٌ، فَقَالَ لَهُ
مُصْعَبٌ: أَوَ تَجْلِسُ فَتَسْمَعُ؟ فَإِنْ رَضِيتَ
أَمْرًا قَبِلْتَهُ، وَإِنْ كَرِهْتَهُ كُفَّ عَنْكَ مَا
تَكْرَهُ، قَالَ: أَنْصَفْتَ، ثُمَّ رَكَزَ حَرْبَتَهُ
وَجَلَسَ إِلَيْهِمَا، فَكَلَّمَهُ مُصْعَبٌ
بِالْإِسْلَامِ وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ، [فَقَالَا]
[9] : وَاللَّهِ لَعَرَفْنَا فِي وَجْهِهِ الْإِسْلَامَ
قبل أن يتكلّم في إشراقة [10] وجهه وَتَسَهُّلِهِ، ثُمَّ
قَالَ: مَا أَحْسَنَ هذا وأجمله! كيف تصنعون إذا
__________
(1) في المطبوع «بابي» وفي المخطوط «بادي» والمثبت عن
«السيرة النبوية» (2/ 55) ونسخة- ط.
(2) زيادة تزيل الالتباس، فإنه غير جابر بن عبد الله بن
حرام.
(3) سقط من المطبوع.
(4) في المطبوع «منهم» . [.....]
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) في المطبوع «العجلاني» .
(7) في المطبوع «القيس» .
(8) زيادة عن المخطوط.
(9) زيادة عن المخطوط و «السيرة» .
(10) في المطبوع «إشراق» .
(1/483)
أَرَدْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا فِي هَذَا
الدِّينِ؟ قَالَا لَهُ: تَغْتَسِلُ وَتُطَهِّرُ ثوبك ثُمَّ
تَشْهَدُ شَهَادَةَ الْحَقِّ، ثُمَّ تُصَلِّي
رَكْعَتَيْنِ، فَقَامَ وَاغْتَسَلَ وَطَهَّرَ ثوبه، وتشهّد
[1] شَهَادَةَ الْحَقِّ ثُمَّ قَامَ وَرَكَعَ
رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ لَهُمَا: إِنَّ وَرَائِي
رَجُلًا إِنِ اتَّبَعَكُمَا لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهُ
أَحَدٌ مِنْ قَوْمِهِ، [و] سأرسله إِلَيْكُمَا الْآنَ
سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، ثُمَّ أَخَذَ حَرْبَتَهُ فَانْصَرَفَ
إِلَى سَعْدٍ وَقَوْمِهِ، وَهُمْ جُلُوسٌ فِي نَادِيهِمْ،
فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مُقْبِلًا
قَالَ: أَحْلِفَ بِاللَّهِ لَقَدْ جَاءَكُمْ أُسَيْدٌ
بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي ذَهَبَ [بِهِ] [2] مِنْ
عِنْدِكُمْ، فَلَمَّا وَقَفَ عَلَى النَّادِي قال: قَالَ
لَهُ سَعْدٌ: مَا فَعَلْتَ؟ قال: كلّمت الرجلين فو الله
مَا رَأَيْتُ بِهِمَا بَأْسًا وَقَدْ نَهَيْتُهُمَا،
فَقَالَا: فَافْعَلْ [3] مَا أَحْبَبْتَ، وَقَدْ حُدِّثْتُ
أَنَّ بَنِي حَارِثَةَ خَرَجُوا إِلَى أَسْعَدَ بْنِ
زُرَارَةَ لِيَقْتُلُوهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ عَرَفُوا
أَنَّهُ ابن خالتك ليخفروك فَقَامَ سَعْدٌ مُغْضَبًا
مُبَادِرًا لِلَّذِي ذكره لَهُ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ،
فَأَخَذَ الْحَرْبَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَرَاكَ
أَغْنَيْتَ شَيْئًا فَلَمَّا رَآهُمَا مُطْمَئِنِّينَ
عَرَفَ أَنَّ أُسَيْدًا إِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَسْمَعَ
مِنْهُمَا فَوَقَفَ عَلَيْهِمَا مُتَشَتِّمًا، ثُمَّ قَالَ
لِأَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ: لَوْلَا مَا بَيْنِي
وَبَيْنَكَ مِنَ الْقَرَابَةِ مَا رُمْتَ هَذَا مِنِّي
تَغْشَانَا فِي دَارِنَا بما نكره، قَالَ أَسْعَدُ
لِمُصْعَبٍ: جَاءَكَ وَاللَّهِ سيد قومه، وإن اتّبعك لَمْ
يُخَالِفْكَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، فَقَالَ [لَهُ] [4]
مُصْعَبٌ: أَوَ تَقْعُدُ فَتَسْمَعُ فَإِنْ رَضِيتَ
أَمْرًا وَرَغِبْتَ فِيهِ قَبِلْتَهُ، وَإِنْ كَرِهْتَهُ
عَزَلْنَا عَنْكَ مَا تَكْرَهُ، قَالَ سَعْدٌ: أَنْصَفْتَ،
ثم ركّز الحربة فجلس، فَعَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ
وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ، قَالَا: فَعَرَفْنَا
وَاللَّهِ فِي وَجْهِهِ الْإِسْلَامَ قَبْلَ أَنْ
يَتَكَلَّمَ لإشراقه وَتَسَهُّلِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُمَا:
كَيْفَ تَصْنَعُونَ إِذَا أَنْتُمْ أَسْلَمْتُمْ
وَدَخَلْتُمْ فِي هَذَا الدِّينِ؟ قَالَا لَهُ: تغتسل
وتطهر ثوبك، ثُمَّ تَشْهَدُ شَهَادَةَ الْحَقِّ ثُمَّ
تُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، فَقَامَ وَاغْتَسَلَ وَطَهَّرَ
ثوبيه [5] وتشهّد شَهَادَةَ الْحَقِّ وَرَكَعَ
رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَخَذَ حَرْبَتَهُ فَأَقْبَلَ
عَامِدًا إِلَى نَادِي قَوْمِهِ وَمَعَهُ أُسَيْدُ بْنُ
حُضَيْرٍ، فَلَمَّا رَآهُ قَوْمُهُ مُقْبِلًا قَالُوا:
نَحْلِفُ بِاللَّهِ لَقَدْ رَجَعَ سَعْدٌ إِلَيْكُمْ
بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي ذَهَبَ بِهِ مِنْ عِنْدِكُمْ،
فَلَمَّا وَقَفَ عَلَيْهِمْ قَالَ: يَا بَنِي عَبْدِ
الْأَشْهَلِ كَيْفَ تَعْلَمُونَ أَمْرِي فِيكُمْ؟ قَالُوا:
سَيِّدُنَا وَأَفْضَلُنَا رَأْيًا وَأَيْمَنُنَا نَقِيبَةً
قَالَ: فَإِنَّ كَلَامَ رِجَالِكُمْ وَنِسَائِكُمْ عَلَيَّ
حَرَامٌ حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، قَالَ:
فَمَا أَمْسَى فِي دَارِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ رَجُلٌ
وَلَا امْرَأَةٌ إِلَّا مسلم ومسلمة، وَرَجَعَ أَسْعَدُ
بْنُ زُرَارَةَ [وَمُصْعَبٌ إِلَى مَنْزِلِ أَسْعَدَ بْنِ
زُرَارَةَ] [6] ، فَأَقَامَ عِنْدَهُ يَدْعُو النَّاسَ
إِلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ دَارٌ مِنْ دُورِ
الْأَنْصَارِ إِلَّا وَفِيهَا رجال ونساء مسلمون إِلَّا
مَا كَانَ مِنْ دَارِ بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ
وَخَطْمَةَ ووائلا وَوَاقِفٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ
فِيهِمْ أَبُو قَيْسِ بْنُ الْأَسْلَتِ الشَّاعِرُ،
وَكَانُوا يَسْمَعُونَ مِنْهُ وَيُطِيعُونَهُ فَوَقَفَ
بِهِمْ عَنِ الْإِسْلَامِ حَتَّى هَاجَرَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ،
وَمَضَى بَدْرٌ وأحد والخندق، قال: ثُمَّ إِنَّ مُصْعَبَ
بْنَ عُمَيْرٍ رجع إلى مكة وخرج [و] [7] مَعَهُ مِنَ
الْأَنْصَارِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ سَبْعُونَ رَجُلًا مَعَ
حُجَّاجِ قَوْمِهِمْ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ حَتَّى
قَدِمُوا مَكَّةَ فَوَاعَدُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَقَبَةَ مِنْ أَوْسَطِ
أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَهِيَ بَيْعَةُ الْعَقَبَةِ
الثَّانِيَةُ، قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ وَكَانَ قَدْ
شَهِدَ ذَلِكَ: فَلَمَّا فَرَغْنَا مِنَ الْحَجِّ،
وَكَانَتِ تلك الليلة التي واعدنا فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ أَبُو جَابِرٍ
أَخْبَرْنَاهُ وَكُنَّا نَكْتُمُ عَمَّنْ مَعَنَا مِنَ
الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمِنَا أَمَرَنَا فَكَلَّمْنَاهُ،
وَقُلْنَا لَهُ: يَا أَبَا جَابِرٍ إِنَّكَ سَيِّدٌ مِنْ
سَادَاتِنَا وَشَرِيفٌ مِنْ أَشْرَافِنَا وَإِنَّا
نَرْغَبُ بِكَ عَمَّا أَنْتَ فِيهِ أَنْ تَكُونَ حَطَبًا
لِلنَّارِ غَدًا، وَدَعَوْنَاهُ إِلَى الْإِسْلَامِ
فَأَسْلَمَ، وَأَخْبَرْنَاهُ بِمِيعَادِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَهِدَ مَعَنَا
الْعَقَبَةَ، وَكَانَ نَقِيبًا، فَبِتْنَا تِلْكَ
اللَّيْلَةَ
__________
(1) في المطبوع «وشهد» .
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) في المخطوط «لا تفعل» .
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) في المطبوع «ثوبه ثم» .
(6) سقط من المخطوط.
(7) زيادة عن المخطوط.
(1/484)
مَعَ قَوْمِنَا فِي رِحَالِنَا حَتَّى
إِذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ خَرَجْنَا لِمِيعَادِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
نَتَسَلَّلُ مُسْتَخْفِينَ تَسَلُّلَ الْقَطَا، حَتَّى
اجْتَمَعْنَا فِي الشِّعْبِ عِنْدَ الْعَقَبَةِ، وَنَحْنُ
سَبْعُونَ رَجُلًا وَمَعَنَا امْرَأَتَانِ مِنْ نِسَائِنَا
نَسِيبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ أُمُّ [1] عُمَارَةَ إِحْدَى
نِسَاءِ بَنِي النَّجَّارِ، وَأَسْمَاءُ بِنْتُ عَمْرِو
بْنِ عَدِيٍّ أُمُّ مَنِيعٍ إِحْدَى نِسَاءِ بَنِي
سَلَمَةَ، فَاجْتَمَعْنَا بِالشِّعْبِ نَنْتَظِرُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى
جَاءَنَا وَمَعَهُ عَمُّهُ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ
إِلَّا أَنَّهُ أَحَبَّ أَنْ يَحْضُرَ أَمْرَ ابْنِ
أَخِيهِ، وَيَتَوَثَّقَ لَهُ.
فَلَمَّا جَلَسْنَا كَانَ أَوَّلَ مَنْ تَكَلَّمَ
الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ: يَا
مَعْشَرَ الْخَزْرَجِ، وكانت العرب إنما يُسَمُّونَ هَذَا
الْحَيَّ مِنَ الْأَنْصَارِ خَزْرَجَهَا وَأَوْسَهَا:
إِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِنَّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتُمْ، وَقَدْ مَنَعْنَاهُ مَنْ
قَوْمِنَا مِمَّنْ هُوَ عَلَى مِثْلِ رَأَيْنَا وَهُوَ فِي
عِزٍّ مِنْ قَوْمِهِ وَمَنَعَةٍ فِي بَلَدِهِ، وَأَنَّهُ
قَدْ أَبَى إِلَّا الِانْقِطَاعَ إِلَيْكُمْ وَاللُّحُوقَ
بِكُمْ، فَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنَّكُمْ وَافُونَ لَهُ
بِمَا دَعَوْتُمُوهُ إِلَيْهِ وَمَانِعُوهُ مِمَّنْ
خَالَفَهُ، فَأَنْتُمْ وَمَا تَحَمَّلْتُمْ مِنْ ذَلِكَ،
وَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنَّكُمْ مُسْلِمُوهُ
وَخَاذِلُوهُ بَعْدَ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ فَمِنَ الْآنَ
فَدَعُوهُ، فَإِنَّهُ فِي عِزٍّ وَمَنَعَةٍ، قَالَ:
فَقُلْنَا: قَدْ سَمِعْنَا مَا قُلْتَ، فَتَكَلَّمْ يَا
رَسُولَ اللَّهِ وَخُذْ لِنَفْسِكَ وَلِرَبِّكَ مَا
شِئْتَ، قَالَ: فَتَكَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَلَا الْقُرْآنَ ودعا إلى
الله تعالى وَرَغَّبَ فِي الْإِسْلَامِ، ثُمَّ قَالَ:
«أُبَايِعُكُمْ عَلَى أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا
تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَنِسَاءَكُمْ
وَأَبْنَاءَكُمْ» ، قَالَ: فَأَخَذَ الْبَرَاءُ بْنُ
مَعْرُورٍ بيده [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [2]
ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي بَعْثَكَ بِالْحَقِّ نَبِيًّا
لنمنعنك مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أُزُرَنَا فَبَايِعْنَا
يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَنَحْنُ أَهْلُ الْحَرْبِ وَأَهْلُ
الْحَلْقَةِ وَرِثْنَاهَا كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ، قَالَ:
فَاعْتَرَضَ الْقَوْلَ وَالْبَرَاءُ يُكَلِّمُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو
الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيْهَانِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ النَّاسِ حِبَالًا
يَعْنِي الْعُهُودَ [3] ، وَإِنَّا قَاطِعُوهَا فَهَلْ
عَسَيْتَ إِنْ فَعَلْنَا [نَحْنُ] [4] ذَلِكَ ثُمَّ
أَظْهَرَكَ اللَّهُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى قَوْمِكَ
وَتَدَعَنَا، فَتَبَسَّمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ [5] : «الدَّمُ الدَّمُ
وَالْهَدْمُ الْهَدْمُ، أَنْتُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْكُمْ،
أُحَارِبُ مَنْ حَارَبْتُمْ وَأُسَالِمُ مَنْ سَالَمْتُمْ»
، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «أَخْرِجُوا إِلَيَّ مِنْكُمُ اثْنَيْ عَشَرَ
نَقِيبًا كُفَلَاءَ عَلَى قَوْمِهِمْ بِمَا فِيهِمْ،
كَكَفَالَةِ الْحَوَارِيِّينَ لِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ» ،
فَأَخْرَجُوا اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا تِسْعَةً مِنَ
الْخَزْرَجِ وَثَلَاثَةً مِنَ الْأَوْسِ.
قال عاصم بن عمر بْنِ قَتَادَةَ: إِنَّ الْقَوْمَ لَمَّا
اجْتَمَعُوا لِبَيْعَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ
نَضْلَةَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا مَعْشَرَ الْخَزْرَجِ هَلْ
تَدْرُونَ على ما تُبَايِعُونَ هَذَا الرَّجُلَ؟ إِنَّكُمْ
تُبَايِعُونَهُ عَلَى حَرْبِ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ،
فَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنَّكُمْ إِذَا نَهَكَتْ
أموالكم مصيبة وأشرافكم قتلا أَسْلَمْتُمُوهُ، فَمِنَ
الْآنَ فَهُوَ وَاللَّهِ إِنْ فَعَلْتُمْ خِزْيٌ فِي
الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ
أَنَّكُمْ وَافُونَ لَهُ بِمَا دَعَوْتُمُوهُ إِلَيْهِ على
نهك الْأَمْوَالِ وَقَتْلِ الْأَشْرَافِ، [فَخُذُوهُ
فَهُوَ والله خير في الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، قَالُوا:
فَإِنَّا نَأْخُذُهُ عَلَى مُصِيبَةِ الْأَمْوَالِ
وَقَتْلِ الْأَشْرَافِ، قالوا] [6] : فَمَا لَنَا بِذَلِكَ
يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ نَحْنُ وَفَّيْنَا؟ قَالَ:
«الْجَنَّةُ» ، قَالَ: ابْسُطْ يَدَكَ فَبَسَطَ يَدَهُ
فَبَايَعُوهُ، وَأَوَّلُ مَنْ ضَرَبَ على يده [صلّى الله
عليه وسلّم] الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ، ثُمَّ تَتَابَعَ
الْقَوْمُ، فَلَمَّا بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَرَخَ الشيطان من رأس العقبة
[فأنفذ] [7] صوتا مَا سَمِعْتُهُ قَطُّ: يَا أَهْلَ
الجباجب، أهل لَكُمْ فِي مُذَمَّمٍ وَالصُّبَاةِ قَدِ
اجْتَمَعُوا عَلَى حَرْبِكُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا عَدُوُّ
اللَّهِ هَذَا أَزَبُّ العقبة،
__________
(1) في المطبوع «بن» . [.....]
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) كذا في سائر النسخ والسيرة وفي نسخة من المخطوط
«اليهود» .
(4) زيادة عن المخطوط والسيرة.
(5) زيد في المطبوع وحده «لا بل الأبد الأبد» وليس في باقي
النسخ والمخطوط وكتب السيرة.
(6) سقط من المخطوط.
(7) سقط من المطبوع.
(1/485)