تفسير البغوي
إحياء التراث يَا أَيُّهَا النَّاسُ
اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ
وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا
كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ
بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا
(1)
مُرَابِطًا جَرَى لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ
الأجر، وأجري عليه الرِّزْقِ، وَأَمِنَ مِنَ الْفَتَّانِ» ،
وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ:
لم يكن فِي زَمَنِ [1] النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ غَزْوٌ يُرَابَطُ فِيهِ، ولكنه انتظار الصلاة بعد
[2] الصَّلَاةِ، وَدَلِيلُ هَذَا التَّأْوِيلِ مَا:
«517» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ
السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَقِيهُ أَنَا
أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ
الْهَاشِمِيُّ أنا أبو مصعب أنا مالك أَخْبَرَنَا الْعَلَاءُ
بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا يَمْحُو اللَّهُ [بِهِ] [3]
الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ إِسْبَاغُ
الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى
الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ،
فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ» وَاتَّقُوا
اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، قَالَ بَعْضُ أَرْبَابِ
اللِّسَانِ: اصْبِرُوا عَلَى النَّعْمَاءِ وَصَابِرُوا عَلَى
الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَرَابِطُوا فِي دَارِ
الْأَعْدَاءِ وَاتَّقُوا إِلَهَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ فِي دَارِ الْبَقَاءِ.
تفسير سورة النساء
[سورة النساء (4) : آيَةً 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ
مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ
مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ
الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ
عَلَيْكُمْ رَقِيباً (1)
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ
الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ، يَعْنِي: آدَمَ
عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها، يَعْنِي:
حَوَّاءَ، وَبَثَّ مِنْهُما، نَشَرَ وَأَظْهَرَ، رِجالًا
كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ
بِهِ، أي: تتساءلون به، قرأ أَهْلُ الْكُوفَةِ بِتَخْفِيفِ
السِّينِ عَلَى حَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ، كَقَوْلِهِ
تَعَالَى: وَلا تَعاوَنُوا [المائدة: 2] ، وَالْأَرْحامَ،
قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بِالنَّصْبِ، أَيْ: وَاتَّقُوا
الْأَرْحَامَ أَنْ تَقْطَعُوهَا، وَقَرَأَ حَمْزَةُ
بِالْخَفْضِ، أَيْ: بِهِ وَبِالْأَرْحَامِ كَمَا يُقَالُ:
سَأَلْتُكَ بِاللَّهِ وَالْأَرْحَامِ، وَالْقِرَاءَةُ
الْأُولَى أَفْصَحُ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا تَكَادُ تُنَسِّقُ
بِظَاهِرٍ عَلَى مكنّى إلا بعد أَنْ تُعِيدَ الْخَافِضَ
فَتَقُولُ: مَرَرْتُ بِهِ وَبِزَيْدٍ، إِلَّا أَنَّهُ جَائِزٌ
مَعَ قِلَّتِهِ، إِنَّ اللَّهَ كانَ
__________
517- إسناده صحيح على شرط مسلم، عبد الرحمن والد العلاء هو ابن
يعقوب مولى الحرقة.
- وهو في «شرح السنة» (149) بهذا الإسناد.
أخرجه المصنف من طريق مالك 1/ 161 عن العلاء بهذا الإسناد.
ومن طريق ما لك أخرجه مسلم 251 والنسائي 1/ 89 وابن خزيمة 5
وابن حبان 1038 والبيهقي 1/ 82.
- وأخرجه مسلم 251 والترمذي 51 و52 وأحمد 2/ 235 و301 و438 من
طرق عن العلاء به.
- وورد من حديث جابر عند ابن حبان 1039 والبزار 449 وفي إسناده
شرحبيل بن سعيد، وهو صدوق قد اختلط بأخرة كما في «التقريب» .
- ومن حديث أبي سعيد الخدري دون قوله «فذلكم الرباط» عند ابن
خزيمة 177 و357 وابن حبان 402 والحاكم 1/ 191 و192 وابن أبي
شيبة 1/ 7 وأحمد 3/ 3 وابن ماجه 427 والدارمي 1/ 178.
(1) في المطبوع وط «زمان» . [.....]
(2) في المخطوط وحده «خلف» .
(3) زيادة عن المخطوط.
(1/561)
وَآتُوا الْيَتَامَى
أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ
وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ
كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا
فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ
مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا
تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ
ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (3) وَآتُوا النِّسَاءَ
صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ
مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (4)
عَلَيْكُمْ رَقِيباً، أي: حافظا.
[سورة النساء (4) : الآيات 2 الى 4]
وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ
بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ
إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً (2) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ
تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا مَا طابَ لَكُمْ مِنَ
النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ
تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ
أَدْنى أَلاَّ تَعُولُوا (3) وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ
نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً
فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (4)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ.
ع «518» قَالَ مُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ
مِنْ غَطَفَانَ كَانَ مَعَهُ مَالٌ كَثِيرٌ لِابْنِ أَخٍ
[لَهُ] يَتِيمٍ، فَلَمَّا بَلَغَ الْيَتِيمُ طَلَبَ الْمَالَ
فَمَنَعَهُ عَمُّهُ فَتَرَافَعَا إِلَى النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ،
فَلَمَّا سَمِعَهَا [1] الْعَمُّ قَالَ: أَطَعْنَا اللَّهَ
وَأَطَعْنَا الرَّسُولَ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْحُوبِ
الْكَبِيرِ، فَدَفَعَ إِلَيْهِ مَالَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يُوقَ شُحَّ
نَفْسِهِ وَيُطِعْ رَبَّهُ هَكَذَا فَإِنَّهُ يَحُلُّ دَارَهُ»
.
يَعْنِي: جَنَّتَهُ، فَلَمَّا قَبَضَ الْفَتَى ماله أنفقه فِي
سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «ثَبَتَ الْأَجْرُ وَبَقِيَ الْوِزْرُ» [فَقَالُوا:
كَيْفَ بَقِيَ الْوِزْرُ؟ فَقَالَ: «ثَبَتَ الْأَجْرُ
لِلْغُلَامِ وَبَقِيَ الْوِزْرُ] [2] عَلَى وَالِدِهِ» .
وَقَوْلُهُ: وَآتُوا خِطَابٌ لِلْأَوْلِيَاءِ
وَالْأَوْصِيَاءِ، وَالْيَتَامَى: جَمْعُ يَتِيمٍ،
وَالْيَتِيمُ: اسْمٌ لِصَغِيرٍ لَا أَبَ لَهُ وَلَا جَدَّ،
وَإِنَّمَا يُدْفَعُ الْمَالُ إِلَيْهِمْ بَعْدَ الْبُلُوغِ،
وَسَمَّاهُمْ يَتَامَى هَاهُنَا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُمْ
كَانُوا يَتَامَى، وَلا تَتَبَدَّلُوا، [أَيْ] [3] : لَا
تَسْتَبْدِلُوا، الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ، أَيْ: مَالُهُمُ
الَّذِي هُوَ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ بِالْحَلَالِ مِنْ أموالكم،
واختلفوا في هذا التبديل، قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ
وَالنَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَالسُّدِّيُّ: كَانَ
أَوْلِيَاءُ الْيَتَامَى يَأْخُذُونَ الْجَيِّدَ مِنْ مَالِ
الْيَتِيمِ ويجعلونه مكانه الرديء، فربّما كان أحدهم [4]
يَأْخُذُ الشَّاةَ السَّمِينَةَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ
وَيَجْعَلُ مَكَانَهَا الْمَهْزُولَةَ، وَيَأْخُذُ الدِّرْهَمَ
الْجَيِّدَ وَيَجْعَلُ مَكَانَهُ الزَّيْفَ، وَيَقُولُ:
دِرْهَمٌ بِدِرْهَمٍ، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ، وَقِيلَ: كَانَ
أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يُوَرِّثُونَ النِّسَاءَ
وَالصِّبْيَانَ وَيَأْخُذُ الْأَكْبَرُ الْمِيرَاثَ،
فَنَصِيبُهُ مِنَ الْمِيرَاثِ طيّب، وهذا الذي يأخذه من نصيب
غيره خَبِيثٌ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَا تَتَعَجَّلِ الرِّزْقَ
الْحَرَامَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكَ الْحَلَالُ. وَلا
تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ، أَيْ: مَعَ
أَمْوَالِكُمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَنْ أَنْصارِي إِلَى
اللَّهِ [آل عمران: 52] أَيْ: مَعَ اللَّهِ، إِنَّهُ كانَ
حُوباً كَبِيراً، [أَيْ] : إِثْمًا عَظِيمًا.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي
الْيَتامى فَانْكِحُوا مَا طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى
وَثُلاثَ وَرُباعَ، اختلفوا في تأويلها [5] ، فَقَالَ
بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ إِنْ خِفْتُمْ يَا أَوْلِيَاءَ
الْيَتَامَى أَنْ لَا تَعْدِلُوا فِيهِنَّ إِذَا
نَكَحْتُمُوهُنَّ فَانْكِحُوا غَيْرَهُنَّ مِنَ الْغَرَائِبِ
مَثْنَى وَثُلَاثَ ورباع.
__________
518- ع ضعيف جدا، عزاه المصنف لمقاتل والكلبي، وإسناده إليهما
مذكور أول الكتاب. وذكره الواحدي في «أسباب النزول» (291) بدون
إسناد عن مقاتل والكلبي، وعزاه ابن حجر في «تخريج الكشاف»
(1999) للثعلبي، وقال:
وسنده إليهما مذكور أول الكتاب- أي كتاب الثعلبي- وسكت الحافظ
عليه، وهو معضل، والكلبي متروك متهم، وكذا مقاتل.
(1) في المطبوع وحده «سمع» .
(2) سقط من المخطوط.
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) في المطبوع «أحد» .
(5) في المطبوع «تأويلهم» .
(1/562)
«519» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ
أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَنَا شُعَيْبٌ عَنِ
الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَانَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ
يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
[عَنِ قوله] [1] : وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي
الْيَتامى فَانْكِحُوا مَا طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ
قَالَتْ: هِيَ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حِجْرِ وَلِيِّهَا
فَيَرْغَبُ فِي جَمَالِهَا وَمَالِهَا وَيُرِيدُ أَنْ
يَتَزَوَّجَهَا بِأَدْنَى مِنْ سُنَّةِ نِسَائِهَا، فَنُهُوا
عَنْ نِكَاحِهِنَّ إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ فِي
إِكْمَالِ الصَّدَاقِ، وَأُمِرُوا بِنِكَاحِ مَنْ سِوَاهُنَّ
مِنَ النِّسَاءِ، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا:
ثُمَّ اسْتَفْتَى النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:
وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ
فِيهِنَّ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى:
وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ [النساء: 127] .
فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ
الْيَتِيمَةَ إِذَا كَانَتْ ذَاتَ جَمَالٍ أَوْ مَالٍ،
رَغِبُوا فِي نِكَاحِهَا وَلَمْ يُلْحِقُوهَا بِسُنَّتِهَا [2]
بِإِكْمَالِ الصَّدَاقِ، وَإِذَا كَانَتْ مَرْغُوبَةً عَنْهَا
فِي قِلَّةِ الْمَالِ وَالْجَمَالِ تَرَكُوهَا وَالْتَمَسُوا
غَيْرَهَا مِنَ النِّسَاءِ، قَالَ: فَكَمَا يَتْرُكُونَهَا
حِينَ يَرْغَبُونَ عَنْهَا فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَنْكِحُوهَا
إِذَا رَغِبُوا فِيهَا إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا لَهَا
الْأَوْفَى مِنَ الصَّدَاقِ وَيُعْطُوهَا حَقَّهَا.
قَالَ الْحَسَنُ: كَانَ الرجل من أهل الجاهلية [3] يَكُونُ
عِنْدَهُ الْأَيْتَامُ وَفِيهِنَّ مَنْ يَحِلُّ لَهُ
نِكَاحُهَا فَيَتَزَوَّجُهَا لِأَجْلِ مَالِهَا وَهِيَ لَا
تُعْجِبُهُ كَرَاهِيَةَ أن يدخل غَرِيبٌ فَيُشَارِكُهُ فِي
مَالِهَا، ثُمَّ يسيء صحبتها ويتربص أَنْ تَمُوتَ وَيَرِثَهَا،
فَعَابَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ
الْآيَةَ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: كَانَ الرَّجُلُ مِنْ قُرَيْشٍ
يَتَزَوَّجُ الْعَشْرَ مِنَ النِّسَاءِ وَالْأَكْثَرَ فَإِذَا
صَارَ مُعْدَمًا مِنْ مُؤَنِ نِسَائِهِ مَالَ إِلَى مَالِ
[يَتِيمِهِ الَّذِي] [4] فِي حِجْرِهِ فَأَنْفَقَهُ، فَقِيلَ
لَهُمْ: لَا تَزِيدُوا عَلَى أَرْبَعٍ حَتَّى لَا يُحْوِجَكُمْ
إِلَى أَخْذِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى، وَهَذِهِ رواية طاوس عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ:
كَانُوا يَتَحَرَّجُونَ عَنْ أَمْوَالِ الْيَتَامَى
وَيَتَرَخَّصُونَ فِي النساء، فيتزوجون ما شاؤوا وَرُبَّمَا
عَدَلُوا وَرُبَّمَا لَمْ يَعْدِلُوا، فَلَمَّا أَنْزَلَ
اللَّهُ تَعَالَى فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَآتُوا الْيَتامى
أَمْوالَهُمْ أَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَةَ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا
تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى، يَقُولُ كَمَا خِفْتُمْ أَنْ لَا
تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَكَذَلِكَ خَافُوا فِي النِّسَاءِ
أَنْ لَا تَعْدِلُوا فِيهِنَّ فَلَا تَتَزَوَّجُوا أَكْثَرَ
مِمَّا يُمْكِنُكُمُ الْقِيَامَ بِحَقِّهِنَّ [5] ، لِأَنَّ
النِّسَاءَ فِي الضَّعْفِ كَالْيَتَامَى، وَهَذَا قَوْلُ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةَ وَالضَّحَّاكِ
وَالسُّدِّيِّ، ثُمَّ رَخَّصَ فِي نِكَاحِ أَرْبَعٍ فَقَالَ:
فَانْكِحُوا مَا طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ
وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً،
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَعْنَاهُ إِنْ تَحَرَّجْتُمْ مِنْ
وِلَايَةِ الْيَتَامَى وَأَمْوَالِهِمْ إِيمَانًا فَكَذَلِكَ
تَحَرَّجُوا مِنَ الزِّنَا فَانْكِحُوا النِّسَاءَ الْحَلَالَ
نِكَاحًا طَيِّبًا ثُمَّ بَيَّنَ لَهُمْ عَدَدًا، وَكَانُوا
يَتَزَوَّجُونَ ما شاؤوا من غير عدد، فنزل قَوْلُهُ تَعَالَى:
فَانْكِحُوا مَا طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ أَيْ: مَنْ طَابَ
كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالسَّماءِ وَما بَناها (5) [الشمس: 5]
،
__________
519- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، أبو اليمان هو الحكم
بن نافع، شعيب هو ابن دينار.
- أخرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (2763) عن أبي
اليمان بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 2494 و4573 و4574 و4600 و5064 و5092 و5098
و5128 و5131 و5140 و6965 ومسلم 3018 والنسائي في «التفسير»
(110) والطبري 8459 والواحدي في «أسباب النزول» (292) من طرق
عن هشام بن عروة به.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) تصحف في المخطوط «بنسبها» .
(3) في المخطوط «المدينة» .
(4) في المطبوع «يتيمته التي» والمثبت عن المخطوط والطبري.
(5) في المطبوع وحده «بحقوقهن» . [.....]
(1/563)
وقوله تَعَالَى: قالَ فِرْعَوْنُ وَما
رَبُّ الْعالَمِينَ (23) [الشُّعَرَاءِ: 23] وَالْعَرَبُ
تَضَعُ «مَنْ» وَ «مَا» كَلَّ وَاحِدَةٍ مَوْضِعَ الْأُخْرَى،
كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ
وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ [النُّورِ: 45] ،
وَطَابَ أَيْ: حَلَّ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ
وَرُبَاعَ، مَعْدُولاتٍ عَنِ اثْنَيْنِ وَثَلَاثٍ وَأَرْبَعٍ،
وَلِذَلِكَ لَا يصرفن، وَالْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ،
لِلتَّخْيِيرِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ
مَثْنى وَفُرادى [سبأ: 46] وقوله تعالى: أُولِي أَجْنِحَةٍ
مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ [فاطر: 1] وَهَذَا إِجْمَاعٌ أَنَّ
أَحَدًا مِنَ الْأُمَّةِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى
أَرْبَعِ نِسْوَةٍ، وَكَانَتِ الزِّيَادَةُ مِنْ خَصَائِصِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا مُشَارَكَةَ
مَعَهُ لِأَحَدٍ مِنَ الْأُمَّةِ فِيهَا.
ع «520» وَرُوِيَ أَنَّ قَيْسَ بْنَ الْحَارِثَ كَانَ تَحْتَهُ
ثَمَانِ نِسْوَةٍ فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ
لَهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«طَلِّقْ أَرْبَعًا وَأَمْسِكْ أَرْبَعًا» فجعل يقول للمرأة
التي لم تلد [منه] [1] يا فلانة أدبري وللتي قَدْ وَلَدَتْ يَا
فُلَانَةُ أَقْبِلِي.
ع «521» وَرُوِيَ أَنَّ غَيْلَانَ بْنَ سَلَمَةَ الثَّقَفِيَّ
أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمْسِكْ أَرْبَعًا
وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ» .
وَإِذَا جَمَعَ الْحُرُّ بَيْنَ أربع نسوة حرائر فإنه يَجُوزُ،
فَأَمَّا الْعَبْدُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ أَكْثَرَ
مِنِ امْرَأَتَيْنِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ لِمَا:
«522» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ [2]
الْخَطِيبُ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ [بْنِ] [3] أَحْمَدَ
الْخَلَّالِ أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا
الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ أَنَا سُفْيَانُ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى أَبِي طَلْحَةَ
عَنْ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُتْبَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
أَنَّهُ قَالَ: يَنْكِحُ العبد امرأتين، ويطلق تطليقتين [4]
وَتَعْتَدُّ الْأَمَةُ بِحَيْضَتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ
تَحِيضُ فَبِشَهْرَيْنِ أَوْ شَهْرٍ وَنِصْفٍ. وَقَالَ
رَبِيعَةُ: يَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَنْكِحَ أَرْبَعَ
نِسْوَةٍ كَالْحُرِّ.
__________
520- ع أخرجه أبو داود 2241 و2242 وابن ماجه 1952 والبيهقي 7/
183 من حديث الحارث بن قيس.
وفيه مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبي ليلى، وهو
صدوق لكنه سيئ الحفظ إلا أن للحديث شواهد يحسن بها إن شاء
الله.
وحسنه ابن كثير في «التفسير» (1/ 461) . وانظر تفسير الشوكاني
596 بتخريجي.
521- ع جيد. أخرجه الترمذي 1128 وابن ماجه 1953 والدارقطني 3/
269 والشافعي 2/ 16 وابن أبي شيبة 4/ 317 وأحمد 2/ 14 و44 و83
والحاكم 2/ 192- 193 والبيهقي 7/ 149 و181 والبغوي 2281 من طرق
عن مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عن ابن عمر أن
غيلان بن سلمة.... وهذا إسناد على شرطهما، لكن أعله البخاري
كما نقل الترمذي، ومع ذلك هو حديث قوي بشواهده.
وجاء في «تلخيص الحبير» (3/ 168) ما ملخصه: صوّب البخاري ومسلم
فيه الإرسال، وقال ابن عبد البر: طرقه كلها معلولة. قال ابن
حجر: لكن رواه النسائي والدارقطني من طريق غير طريق الزهري،
ورجاله ثقات، وقد استدل القطان بهذه الطريق على صحة الحديث
اهـ.
وله شاهد قد تقدم- وأما المرسل فقد أخرجه مالك 2/ 582 وعبد
الرزاق 12621، وانظر «تفسير الشوكاني» (595) .
522- موقوف صحيح. إسناده صحيح، الشافعي فمن دونه ثقات، ومن
فوقه رجال البخاري ومسلم خلا محمد بن عبد الرحمن، فإنه من رجال
مسلم، سفيان هو ابن عيينة، عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ
مسعود الهذلي. ابن أخي عبد الله بن مسعود. وهو صحابي صغير،
وهذا الوارد عن عمر، عليه جمهور الفقهاء.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) تصحف في المطبوع «أحمد» .
(3) سقط من المطبوع.
(4) في المطبوع «طلقتين» .
(1/564)
فَإِنْ خِفْتُمْ، خَشِيتُمْ، وَقِيلَ:
عَلِمْتُمْ، أَلَّا تَعْدِلُوا، بَيْنَ الْأَزْوَاجِ
الْأَرْبَعِ، فَواحِدَةً أَيْ: فَانْكِحُوا وَاحِدَةً.
وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ فَواحِدَةً بِالرَّفْعِ، أَوْ مَا
مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ، يَعْنِي: السَّرَارِيَّ لِأَنَّهُ لَا
يَلْزَمُ فِيهِنَّ مِنَ الْحُقُوقِ مَا يَلْزَمُ فِي
الْحَرَائِرِ، وَلَا قَسْمَ لَهُنَّ وَلَا وَقْفَ فِي
عَدَدِهِنَّ، وَذِكْرُ الْأَيْمَانِ بَيَانٌ تَقْدِيرُهُ: أَوْ
مَا مَلَكْتُمْ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَعَانِي: أَوْ مَا
مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، أَيْ: مَا يَنْفُذُ فِيهِ
إِقْسَامُكُمْ، جَعَلَهُ مِنْ يَمِينِ الْحَلِفِ، لَا يَمِينَ
الْجَارِحَةِ، ذلِكَ أَدْنى، أقرب، أَلَّا تَعْدِلُوا أَيْ:
لَا تَجُورَوا وَلَا تَمِيلُوا، يُقَالُ: مِيزَانٌ عَائِلٌ،
أَيْ: جَائِرٌ مَائِلٌ، هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ
الْمُفَسِّرِينَ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَنْ لَا تَضِلُّوا،
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَنْ لَا تُجَاوِزُوا مَا فَرَضَ اللَّهُ
عَلَيْكُمْ، وَأَصْلُ الْعَوْلِ: الْمُجَاوَزَةُ، وَمِنْهُ
عَوْلُ الْفَرَائِضِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ:
أَنْ لَا تَكْثُرَ عِيَالُكُمْ، وَمَا قَالَهُ أَحَدٌ،
إِنَّمَا يُقَالُ: [مِنْ كَثْرَةِ الْعِيَالِ] [1] أَعَالَ
يُعِيلُ إِعَالَةً إِذَا كَثُرَ عِيَالُهُ. وَقَالَ أَبُو
حَاتِمٍ: كَانَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أعلم
بلسان العرب منّا [فله بلغة، وَيُقَالُ: هِيَ] [2] لُغَةُ
حِمْيَرَ، وَقَرَأَ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ أَنْ لَا
تُعِيلُوا وَهِيَ حُجَّةٌ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ رِضْوَانُ
اللَّهِ عَلَيْهِ.
وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ
لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً
مَرِيئاً (4) وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً، قَالَ
الْكَلْبِيُّ وَمُجَاهِدٌ [3] : هَذَا الْخِطَابُ
لِلْأَوْلِيَاءِ، وَذَلِكَ أَنَّ وَلِيَّ الْمَرْأَةِ كَانَ
إِذَا زَوَّجَهَا فَإِنْ كَانَتْ مَعَهُمْ فِي الْعَشِيرَةِ
لَمْ يُعْطِهَا مِنْ مَهْرِهَا قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا،
وَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا غَرِيبًا حَمَلُوهَا إِلَيْهِ عَلَى
بَعِيرٍ وَلَمْ يُعْطُوهَا مِنْ مَهْرِهَا غَيْرَ ذَلِكَ،
فنهاهم عَنْ ذَلِكَ وَأَمْرَهُمْ أَنْ يَدْفَعُوا الحق إلى
أهله [و] قال الحضرمي: وكان أَوْلِيَاءُ النِّسَاءِ يُعْطِي
هَذَا أُخْتَهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ الْآخَرُ أُخْتَهُ،
وَلَا مَهْرَ بَيْنَهُمَا، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ وَأُمِرُوا
بِتَسْمِيَةِ الْمَهْرِ فِي الْعَقْدِ.
«523» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا
زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ
أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ [4] نَافِعٍ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ
الشِّغَارِ، وَالشِّغَارُ: أَنْ يُزَوَّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ
عَلَى أَنْ يزوجه الْآخَرُ ابْنَتَهُ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا
صَدَاقٌ.
وقال آخرون [5] : الْخِطَابُ لِلْأَزْوَاجِ أُمِرُوا
بِإِيتَاءِ نِسَائِهِمُ الصَّدَاقَ، وَهَذَا أَصَحُّ، لِأَنَّ
الْخِطَابَ فِيمَا قَبْلُ [6] مَعَ النَّاكِحِينَ،
وَالصَّدُقَاتُ: الْمُهُورُ، وَاحِدُهَا صَدُقَةٌ، نِحْلَةً
قَالَ قتادة: فريضة، وقال ابن
__________
523- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، نافع هو مولى ابن
عمر.
- وهو في «شرح السنة» (2284) بهذا الإسناد.
- رواه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (2/ 535) ومن
طريق مالك أخرجه البخاري 5112 ومسلم 1415 ح 57 والترمذي 1124
وأبو داود 2074 والنسائي 6/ 112 وابن حبان 4152 والدارمي 2/
136 والبيهقي 7/ 199.
- أخرجه البخاري 6960 ومسلم 1415 ح 58 وأبو داود 2074 والنسائي
6/ 110 والبيهقي 7/ 199- 200 من طرق عن عبيد الله، عن نافع به.
- أخرجه مسلم 1415 ح 59 و60 من طريق نافع به.
- وورد من حديث أبي هريرة عند مسلم 1416 والنسائي 6/ 112 ومن
حديث جابر عند مسلم 1417.
(1) زيادة عن المخطوط وط.
(2) ما بين المعقوفتين في المخطوط «لعله» وفي- ط «ولعله لغة،
ويقال هي» .
(3) في المخطوط وحده «وجماعة» .
(4) في الأصل «بن» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة» وعن «كتب
التخريج» .
(5) في المطبوع وط «الآخرون» .
(6) تصحف في المخطوط «قيل» . [.....]
(1/565)
وَلَا تُؤْتُوا
السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ
قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ
قَوْلًا مَعْرُوفًا (5)
جُرَيْجٍ: فَرِيضَةٌ مُسَمَّاةٌ، قَالَ
أَبُو عبيد: وَلَا تَكُونُ النِّحْلَةُ إِلَّا مُسَمَّاةً
مَعْلُومَةً، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: عَطِيَّةً وَهِبَةً،
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: عَنْ طِيبِ نَفْسٍ، وَقَالَ
الزَّجَّاجُ: تَدَيُّنًا.
«524» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ
أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ
عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ:
قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ
بِهِ الْفُرُوجَ» .
فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً يَعْنِي:
فَإِنْ طَابَتْ نُفُوسُهُنَّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَوَهَبْنَ
مِنْكُمْ، فَنَقَلَ الْفِعْلَ مِنَ النُّفُوسِ إلى أصحابها
فخرجت النفس مفسرة، فَلِذَلِكَ وَحَّدَ النَّفْسَ، كَمَا قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى: وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً [العنكبوت: 33] وقرئ:
(عينا) وَقِيلَ: لَفْظُهَا وَاحِدٌ وَمَعْنَاهَا جَمْعٌ،
فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً، سَائِغًا طَيِّبًا، يقال: [هنأ
في] [1] الطعام يهنئ بِفَتْحِ النُّونِ فِي الْمَاضِي
وَكَسْرِهَا في الحاضر [2] ، وقيل: الهنيء:
الطَّيِّبُ الْمُسَاغُ الَّذِي لَا يُنَغِّصُهُ شَيْءٌ،
وَالْمَرِيءُ: الْمَحْمُودُ الْعَاقِبَةِ التَّامُّ الْهَضْمِ
الَّذِي لَا يَضُرُّ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ «هَنِيًّا
مَرِيًّا» بِتَشْدِيدِ الياء فيهما من غير همزة، وَكَذَلِكَ
«بَرِيٌّ» «وَبَرِيُّونَ» «وَبَرِيًّا» «وَكَهَيَّةِ» والآخرون
يهمزونها.
[سورة النساء (4) : آية 5]
وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ
اللَّهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ
وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (5)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ
الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً، اخْتَلَفُوا فِي
هَؤُلَاءِ السُّفَهَاءِ فَقَالَ قَوْمٌ: هُمُ النِّسَاءُ،
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: النِّسَاءُ مِنْ أَسْفَهِ السُّفَهَاءِ،
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: نَهَى الرِّجَالَ أَنْ يُؤْتُوا النِّسَاءَ
أَمْوَالَهُمْ وَهُنَّ سفهاء سواء كُنَّ أَزْوَاجًا أَوْ
بَنَاتٍ أَوْ أُمَّهَاتٍ، وَقَالَ آخَرُونَ: هُمُ
الْأَوْلَادُ، قَالَ الزُّهْرِيُّ:
يَقُولُ لَا تُعْطِ وَلَدَكَ السَّفِيهَ مَالَكَ الَّذِي هُوَ
قِيَامُكَ بَعْدَ اللَّهِ تَعَالَى فَيُفْسِدُهُ، وَقَالَ
بَعْضُهُمْ: هُمُ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، وَقَالَ
الْحَسَنُ: هِيَ امْرَأَتُكَ السَّفِيهَةُ وَابْنُكَ
السَّفِيهُ [3] ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا تَعْمَدْ إِلَى
مَالِكَ الَّذِي خَوَّلَكَ اللَّهُ وَجَعَلَهُ لَكَ مَعِيشَةً
فتعطيه امرأتك وبنيك فيكونوا هم الذين ينفقون [4] عَلَيْكَ،
ثُمَّ تَنْظُرُ إِلَى مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَلَكِنْ أَمْسِكْ
مَالَكَ وَأَصْلِحْهُ وَكُنْ أَنْتَ الَّذِي تُنْفِقُ
عَلَيْهِمْ فِي رِزْقِهِمْ وَمُؤْنَتِهِمْ، قَالَ
الْكَلْبِيُّ: إِذَا عَلِمَ الرَّجُلُ أَنَّ امْرَأَتَهُ
سَفِيهَةٌ مُفْسِدَةٌ وَأَنَّ وَلَدَهُ سفيه مفسد فلا ينبغي له
أَنْ يُسَلِّطَ وَاحِدًا مِنْهُمَا عَلَى مَالِهِ
فَيُفْسِدَهُ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةُ:
هُوَ مَالُ الْيَتِيمِ يَكُونُ عِنْدَكَ، يَقُولُ لَا تُؤْتِهِ
إيّاه وأنفقه عَلَيْهِ حَتَّى يَبْلُغَ، وَإِنَّمَا أَضَافَ
إِلَى الْأَوْلِيَاءِ فَقَالَ: أَمْوالَكُمُ لِأَنَّهُمْ
قِوَامُهَا وَمُدَبِّرُوهَا، وَالسَّفِيهُ الَّذِي لَا
__________
524- إسناده صحيح على شرط البخاري، تفرد البخاري عن عبد الله
بن يوسف، وهو التّنّيسي الكلاعي، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم،
الليث هو ابن سعد، أبو الخير هو مرثد بن عبد الله.
- وهو في «صحيح البخاري» (2721) عن عبد الله بن يوسف بهذا
الإسناد.
وأخرجه البخاري 5151 وأبو داود 2139 والنسائي 6/ 92- 93 وعبد
الرزاق 10613 وأحمد 4/ 150 وابن حبان 4092 والطبراني في
«الكبير» (17/ (752)) من طرق عن الليث به.
- وأخرجه مسلم 1418 والترمذي 1127 والنسائي 6/ 93 وابن ماجه
1954 وعبد الرزاق 10613 وأحمد 4/ 144 و152 والدارمي 2/ 143
وأبو يعلى 1754 والطبراني 17/ 753 و756 و758 والبيهقي 7/ 248
والبغوي 2270 من طرق عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ به.
(1) في المطبوع والمخطوط «هنأني» والمثبت عن- ط.
(2) في المطبوع «الغابر» وفي- ط «الباقي» .
(3) في المطبوع وحده «وابنتك السفيهة» .
(4) في المطبوع وط «يقومون» .
(1/566)
وَابْتَلُوا
الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ
آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ
أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ
يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ
كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا
دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ
وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (6)
يَجُوزُ لِوَلِيِّهِ أَنْ يُؤْتِيَهُ
مَالَهُ هو المستحق الحجر عَلَيْهِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ
مُبَذِّرًا فِي مَالِهِ أَوْ مُفْسِدًا فِي دِينِهِ، فَقَالَ
جَلَّ ذِكْرُهُ: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ، أَيْ: الْجُهَّالَ
بِمَوْضِعِ [1] الْحَقِّ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ
لَكُمْ قِيَامًا، قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عامر «قيّما» بِلَا
أَلِفٍ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ قِياماً وَأَصْلُهُ: قِوَامًا،
فَانْقَلَبَتِ الْوَاوُ يَاءً لِانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا،
وَهُوَ مَلَاكُ الْأَمْرِ وَمَا يَقُومُ بِهِ الْأَمْرُ.
وَأَرَادَ هَاهُنَا قِوَامَ عَيْشِكُمُ الَّذِي تَعِيشُونَ
بِهِ. قَالَ الضَّحَّاكُ: بِهِ يُقَامُ الْحَجُّ وَالْجِهَادُ
وَأَعْمَالُ الْبِرِّ وَبِهِ فَكَاكُ الرِّقَابِ مِنَ
النَّارِ. وَارْزُقُوهُمْ فِيها أَيْ: أَطْعِمُوهُمْ،
وَاكْسُوهُمْ، لِمَنْ يَجِبُ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُ
وَمُؤْنَتُهُ، وَإِنَّمَا قَالَ فِيها وَلَمْ يَقُلْ: مِنْهَا،
لِأَنَّهُ أَرَادَ [اجْعَلُوا] [2] لَهُمْ فيها رزقا فالرزق
مِنَ اللَّهِ الْعَطِيَّةُ مِنْ غَيْرِ حدّ، ومن العباد أجر
مؤقت مَحْدُودٌ. وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً عدة
جميلة، وقال عطاء: [يقول] [3] إِذَا رَبِحْتُ أَعْطَيْتُكَ
وَإِنْ غَنِمْتُ فلك فيه حظ، وَقِيلَ: هُوَ الدُّعَاءُ،
وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: إِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يجب عليك
نفقته، فقل له: عافانا الله وإيّاك بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ،
وَقِيلَ: قَوْلًا [لينا] [4] تطيب به نفوسهم [5] .
[سورة النساء (4) : آية 6]
وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ
آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ
أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ
يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ
فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ
إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى
بِاللَّهِ حَسِيباً (6)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَابْتَلُوا الْيَتامى، الْآيَةَ نَزَلَتْ
فِي ثَابِتِ بْنِ رِفَاعَةَ وَفِي عَمِّهِ، وَذَلِكَ أَنَّ
رِفَاعَةَ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ ابْنَهُ ثَابِتًا وَهُوَ
صَغِيرٌ، فَجَاءَ عَمُّهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: إِنَّ ابْنَ أَخِي يَتِيمٌ فِي
حِجْرِي، فَمَا يَحِلُّ لِي مِنْ مَالِهِ وَمَتَى أَدْفَعُ
إِلَيْهِ مَالَهُ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هذه الآية [6]
وَابْتَلُوا الْيَتامى أي: اخْتَبِرُوهُمْ فِي عُقُولِهِمْ
وَأَدْيَانِهِمْ وَحِفْظِهِمْ أَمْوَالَهُمْ، حَتَّى إِذا
بَلَغُوا النِّكاحَ، أَيْ: مَبْلَغَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ،
فَإِنْ آنَسْتُمْ، أبصرتم، مِنْهُمْ رُشْداً، قال
الْمُفَسِّرُونَ يَعْنِي: عَقْلًا وَصَلَاحًا فِي الدِّينِ
وَحِفْظًا لِلْمَالِ وَعِلْمًا بِمَا يصلحه. قَالَ سَعِيدُ
بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ وَالشَّعْبِيُّ: لَا يَدْفَعُ
إِلَيْهِ مَالَهُ وَإِنْ كَانَ شَيْخًا حَتَّى يُؤْنِسَ مِنْهُ
رُشْدَهُ، وَالِابْتِلَاءُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ
أَحْوَالِهِمْ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَتَصَرَّفُ فِي السُّوقِ
فَيَدْفَعُ الْوَلِيُّ إِلَيْهِ شَيْئًا يَسِيرًا مِنَ
الْمَالِ وَيَنْظُرُ فِي تَصَرُّفِهِ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لا
يتصرف في السوق فيختبره فِي نَفَقَةِ دَارِهِ، وَالْإِنْفَاقِ
عَلَى عَبِيدِهِ وَأُجَرَائِهِ، وَتُخْتَبَرُ الْمَرْأَةُ فِي
أَمْرِ بَيْتِهَا وَحِفْظِ مَتَاعِهَا وَغَزْلِهَا
وَاسْتِغْزَالِهَا، فَإِذَا رَأَى حُسْنَ تَدْبِيرِهِ،
وَتَصَرُّفِهِ فِي الْأُمُورِ مِرَارًا يَغْلِبُ عَلَى
الْقَلْبِ رُشْدُهُ، دَفَعَ الْمَالَ إِلَيْهِ. وَاعْلَمْ
أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَّقَ زَوَالَ الْحَجْرِ عَنِ
الصَّغِيرِ وَجَوَازَ دَفْعِ الْمَالِ إِلَيْهِ بِشَيْئَيْنِ:
بالبلوغ والرّشد، والبلوغ يَكُونُ بِأَحَدِ أَشْيَاءَ
أَرْبَعَةٍ: اثْنَانِ يَشْتَرِكُ فِيهِمَا الرِّجَالُ
وَالنِّسَاءُ، وَاثْنَانِ مختصان [7] بِالنِّسَاءِ [فَمَا
يَشْتَرِكُ فِيهِ الرِّجَالُ والنساء أمران] [8] أَحَدُهُمَا
السِّنُّ، وَالثَّانِي الِاحْتِلَامُ، أَمَّا السِّنُّ فَإِذَا
اسْتَكْمَلَ الْمَوْلُودُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً حُكِمَ
بِبُلُوغِهِ غُلَامًا كان أو جارية، لما:
__________
(1) في المخطوط «الموضع» .
(2) العبارة في المطبوع «أنهم جعلوا» .
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) في المطبوع «أنفسهم» .
(6) أخرجه الطبري 8640 عن قتادة مرسلا وذكره الواحدي في
«أسبابه» (294) بدون إسناد.
(7) كذا في المطبوع، وفي المخطوط «تختص» وفي- ط «تختصان» .
(8) زيادة عن المخطوط وط.
(1/567)
«525» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ
مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ أَحْمَدَ
[1] الْخَلَّالِ أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا
الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ
عُيَيْنَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ [2] بْنِ عُمَرَ عَنْ
نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:
عُرِضْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَامَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ
سَنَةً، فَرَدَّنِي، ثُمَّ عُرِضْتُ عَلَيْهِ عَامَ
الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً
فَأَجَازَنِي، قَالَ نَافِعٌ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ
عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَقَالَ: هذا فرق ما بَيْنَ
الْمُقَاتَلَةِ وَالذُّرِّيَّةِ، وَكَتَبَ أَنْ يُفْرَضَ
لِابْنِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً [فِي] [3] الْمُقَاتَلَةِ،
وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْهَا فِي الذُّرِّيَّةِ.
وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ أَبُو
حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: بُلُوغُ الْجَارِيَةِ
باستكمال سبع عشرة [سنة] [4] ، وَبُلُوغُ الْغُلَامِ
بِاسْتِكْمَالِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَأَمَّا
الِاحْتِلَامُ فَنَعْنِي [5] بِهِ نُزُولَ الْمَنِيِّ سَوَاءً
كَانَ بِالِاحْتِلَامِ أَوْ بِالْجِمَاعِ، أَوْ غَيْرِهِمَا،
فَإِذَا وجد ذَلِكَ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ تِسْعِ سِنِينَ مِنْ
أَيِّهِمَا كَانَ حُكْمٌ بِبُلُوغِهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ
فَلْيَسْتَأْذِنُوا [النور: 59] .
ع «526» وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِمُعَاذٍ فِي الْجِزْيَةِ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ:
«خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا» وَأَمَّا الْإِنْبَاتُ،
وَهُوَ نَبَاتُ الشَّعْرِ الْخَشِنِ حَوْلَ الْفَرَجِ، فَهُوَ
بُلُوغٌ فِي أَوْلَادِ المشركين، لما:
ع «527» رُوِيَ عَنْ عَطِيَّةَ الْقُرَظِيِّ قَالَ: كُنْتُ
مِنْ سَبْيِ قُرَيْظَةَ، فَكَانُوا يَنْظُرُونَ فَمَنْ
أُنْبِتَ الشَّعْرَ قُتِلَ،
__________
(1) في «شرح السنة» «محمد» وهو خطأ. [.....]
(2) في الأصل «عبد الله» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب
التخريج.
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) في المخطوط «فيعين» .
525- إسناده صحيح، الشافعي فمن دونه ثقات، وقد توبعوا، ومن
فوقه رجال البخاري ومسلم.
- وهو في «شرح السنة» (2394) عن عبد الوهّاب بن محمد، عن عبد
العزيز بن محمد الخلال بهذا الإسناد.
- خرّجه المصنف من طريق الشافعي، وهو في «مسنده» (2/ 128) عن
ابن عيينة بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 2664 و4097 ومسلم 1868 وأبو داود 4406 و4407
والترمذي 1711 والنسائي 6/ 155- 156 وابن ماجه 2543 وأحمد 2/
17 وابن سعد في «الطبقات» (4/ 143) وابن حبان 4728 والبيهقي 3/
83 و6/ 54- 55 وفي «الدلائل» (3/ 395) من طرق عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ به.
526- ع حسن. هو قطعة من حديث، أخرجه أبو داود 1578 والترمذي
623 والنسائي 5/ 25 و26 وابن ماجه 1803 وعبد الرزاق 6841
والطيالسي 567 وأحمد 5/ 230 والدارمي 1/ 382 وابن حبان 4886
والحاكم 1/ 398 والبيهقي 4/ 98 و9/ 193 من طرق عَنِ
الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ
جَبَلٍ قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ فأمرني أن آخذ من كل
أربعين مسنة، ومن كل ثلاثين تبيعا أو تبيعة ومن كُلِّ حَالِمٍ
دِينَارًا أَوْ عِدْلَهُ معافر» .
وقال الترمذي: هذا حديث حسن، وقد رواه بعضهم عن مسروق مرسلا،
وهو أصح اهـ.
قلت: مسروق بن الأجدع تابعي مخضرم رواه عنه الجماعة، وهو ثقة،
ولقاؤه لمعاذ محتمل والمعاصرة واقعة لا محالة، والحديث حسن،
وانظر «صحيح أبي داود» 1459. والله أعلم.
527- ع حسن. أخرجه أبو داود 4404 والترمذي 1584 والنسائي 6/
155 وابن ماجه 2541 و2542 وعبد الرزاق 18743 وابن أبي شيبة 12/
539- 540 والحميدي 888 وابن سعد 2/ 76- 77 والطبراني في
«الكبير» (17/ (428) و (432) والحاكم 4/ 390 وابن حبان 4782
والبيهقي 6/ 58 و9/ 63 من طرق عن سفيان سمع عبد الملك بن عمير،
عن عطية القرظي به. واللفظ لأبي داود وغيره.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وهو كما قال، رجاله رجال
البخاري ومسلم، وفي عبد الملك كلام لا يضر، وعطية القرظي روى
عنه أصحاب السنن، وهو صحابي صغير.
(1/568)
وَمَنْ لَمْ يُنْبَتْ لَمْ يُقْتَلْ،
فَكُنْتُ مِمَّنْ لَمْ يُنْبَتْ.
وَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ [1] بُلُوغًا فِي أَوْلَادِ
الْمُسْلِمِينَ؟ فِيهِ قَوْلَانِ، أَحَدُهُمَا: يَكُونُ
بُلُوغًا كَمَا فِي أَوْلَادِ الْكُفَّارِ، وَالثَّانِي: لَا
يَكُونُ بُلُوغًا لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَى
مَوَالِيدِ الْمُسْلِمِينَ بِالرُّجُوعِ إِلَى آبَائِهِمْ،
وَفِي الْكُفَّارِ لَا يُوقَفُ عَلَى مَوَالِيدِهِمْ، وَلَا
يُقْبَلُ قَوْلُ آبَائِهِمْ فِيهِ لِكُفْرِهِمْ، فَجُعِلَ
الْإِنْبَاتُ الَّذِي هُوَ أَمَارَةُ البلوغ بلوغا في حقهم،
[و] أما مَا يَخْتَصُّ بِالنِّسَاءِ فَالْحَيْضُ وَالْحَبَلُ،
فَإِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ تِسْعِ
سِنِينَ يُحْكَمُ بِبُلُوغِهَا، وَكَذَلِكَ إِذَا وَلَدَتْ
يُحْكَمُ بِبُلُوغِهَا قَبْلَ الْوَضْعِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ
لِأَنَّهَا أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ، وَأَمَّا الرُّشْدُ:
فَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُصْلِحًا فِي دِينِهِ وماله، والصلاح فِي
الدِّينِ هُوَ أَنْ يَكُونَ مُجْتَنِبًا عَنِ الْفَوَاحِشِ
وَالْمَعَاصِي الَّتِي تُسْقِطُ الْعَدَالَةَ، وَالصَّلَاحُ
فِي الْمَالِ هُوَ أَنْ لَا يَكُونَ مُبَذِّرًا،
وَالتَّبْذِيرُ: هُوَ أَنْ يُنْفِقَ مَالَهُ فِيمَا لَا
يَكُونُ فِيهِ مَحْمَدَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ وَلَا مَثُوبَةٌ
أُخْرَوِيَّةٌ، أَوْ لَا يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ فِيهَا،
فَيَغِبْنُ فِي الْبُيُوعِ فَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ وَهُوَ
مُفْسِدٌ فِي دِينِهِ وَغَيْرُ مُصْلِحٍ لِمَالِهِ، دَامَ
الْحَجْرُ عَلَيْهِ، وَلَا يُدْفَعُ إِلَيْهِ مَالُهُ [2]
وَلَا يُنْفَذُ تَصَرُّفُهُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ إِذَا كَانَ مُصْلِحًا لِمَالِهِ زَالَ
الْحَجْرُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ مُفْسِدًا فِي دِينِهِ، وَإِذَا
كَانَ مُفْسِدًا لِمَالِهِ قَالَ: لَا يُدْفَعُ إِلَيْهِ
الْمَالُ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً، غَيْرَ
أَنَّ تَصَرُّفَهُ يَكُونُ نَافِذًا قَبْلَهُ، وَالْقُرْآنُ
حُجَّةٌ لِمَنِ اسْتَدَامَ الْحَجْرُ عَلَيْهِ، لِأَنَّ
اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ
فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ
أَمْوالَهُمْ، أَمْرَ بِدَفْعِ الْمَالِ إِلَيْهِمْ بَعْدَ
الْبُلُوغِ وَإِينَاسِ الرُّشْدِ، وَالْفَاسِقُ لَا يَكُونُ
رَشِيدًا وَبَعْدَ بُلُوغِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً
وَهُوَ مُفْسِدٌ لِمَالِهِ بِالِاتِّفَاقِ [3] غَيْرُ رَشِيدٍ،
فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الْمَالِ إِلَيْهِ كَمَا
قَبْلَ بُلُوغِ هَذَا السَّنِّ، وَإِذَا بَلَغَ وَأُونِسَ
مِنْهُ الرُّشْدُ زَالَ الْحَجْرُ عَنْهُ، وَدُفِعَ إِلَيْهِ
الْمَالُ رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَةً تَزَوَّجَ أَوْ لَمْ
يَتَزَوَّجْ، وَعِنْدَ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:
إِنْ كَانَتِ امْرَأَةً لَا يُدْفَعُ الْمَالُ إِلَيْهَا مَا
لَمْ تَتَزَوَّجْ، فَإِذَا تَزَوَّجَتْ دُفِعَ إِلَيْهَا،
وَلَكِنْ لَا يَنَفُذُ تَصَرُّفُهَا إِلَّا بِإِذْنِ
الزَّوْجِ، مَا لَمْ تَكْبُرْ وَتُجَرِّبُ، وإذا بَلَغَ
الصَّبِيُّ رَشِيدًا وَزَالَ الْحَجْرُ عَنْهُ ثُمَّ عَادَ
سَفِيهًا نُظِرَ فَإِنَ عَادَ مُبَذِّرًا لِمَالِهِ حُجِرَ
عَلَيْهِ، وَإِنْ عَادَ مُفْسِدًا فِي دِينِهِ فَعَلَى
وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: يُعَادُ الْحَجْرُ عَلَيْهِ كَمَا
يُسْتَدَامُ الْحَجْرُ عَلَيْهِ إِذَا بَلَغَ بِهَذِهِ
الصِّفَةِ، وَالثَّانِي: لَا يُعَادُ لِأَنَّ حُكْمَ
الدَّوَامِ أَقْوَى مِنْ حُكْمِ الِابْتِدَاءِ، وَعِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لَا حَجْرَ عَلَى
الْحَرِّ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ بِحَالٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى
إِثْبَاتِ الْحَجْرِ مِنِ اتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ، مَا رُوِيَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ
أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ ابْتَاعَ أَرْضًا
سَبْخَةٍ بِسِتِّينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَقَالَ عَلِيٌّ:
لَآتِيَنَّ عُثْمَانَ فَلَأَحْجُرُنَّ عَلَيْكَ فَأَتَى ابْنُ
جَعْفَرٍ الزُّبَيْرَ فَأَعْلَمَهُ بِذَلِكَ [فَقَالَ الزبير:
أنا شريكك في بيعك فَأَتَى عَلِيٌّ عُثْمَانَ وَقَالَ احْجُرْ
عَلَى هَذَا] [4] فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا شَرِيكُهُ،
فَقَالَ عُثْمَانُ: كَيْفَ أَحْجُرُ عَلَى رَجُلٍ فِي بَيْعٍ
شَرِيكُهُ فِيهِ الزُّبَيْرُ، فَكَانَ ذَلِكَ اتِّفَاقًا
مِنْهُمْ عَلَى جَوَازِ الْحَجْرِ حَتَّى [5] احْتَالَ
الزُّبَيْرُ فِي دَفْعِهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا
تَأْكُلُوها، يَا مَعْشَرَ الْأَوْلِيَاءِ إِسْرافاً، بِغَيْرِ
حَقٍّ، وَبِداراً أي:
مبادرة، أَنْ يَكْبَرُوا وأَنْ في محل نصب، يَعْنِي: لَا
تُبَادِرُوا كِبَرَهُمْ وَرُشْدَهُمْ حَذَرًا مِنْ أَنْ
يَبْلُغُوا فَيَلْزَمَكُمْ تَسْلِيمَهَا إِلَيْهِمْ، ثُمَّ
بَيَّنَ مَا يحل لهم ومن مَالِهِمْ فَقَالَ: وَمَنْ كانَ
غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ، أَيْ: لِيَمْتَنِعْ مِنْ مَالِ
اليتيم فلا يرزؤه قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا، وَالْعِفَّةُ
الِامْتِنَاعُ مِمَّا لَا يَحِلُّ، وَمَنْ كانَ فَقِيراً
مُحْتَاجًا إِلَى مَالِ الْيَتِيمِ وَهُوَ يَحْفَظُهُ
وَيَتَعَهَّدُهُ، فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ.
__________
(1) تصحف في المطبوع «لذلك» .
(2) في المطبوع «المال» .
(3) في المخطوط وحده «بالإنفاق» .
(4) زيادة عن المخطوط وط.
(5) كذا في المطبوع وط، وفي المخطوط «حين» .
(1/569)
«528» أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيُّ [1] أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ
مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ السِّجْزِيُّ [2] أَخْبَرَنَا
الْإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ أَخْبَرَنَا
أَبُو بَكْرِ بْنُ [3] دَاسَّةَ التَّمَّارُ أَخْبَرَنَا أَبُو
داود السِّجِسْتَانِيُّ أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ
أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْحَارِثِ حَدَّثَهُمْ أَخْبَرَنَا
حُسَيْنٌ يَعْنِي الْمُعَلِّمَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ
عَنْ أَبِيهِ عن جده رضي الله عنهم:
أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي فَقِيرٌ وَلَيْسَ لِي شَيْءٌ وَلِيَ
يَتِيمٌ، فَقَالَ: «كُلْ مِنْ مَالِ يَتِيمِكَ غَيْرَ مُسْرِفٍ
وَلَا مبذّر وَلَا مُتَأَثِّلٍ» ] .
وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هل يلزمه القضاء، فذهب قوم [5] إلى
أن يَقْضِي إِذَا أَيْسَرَ وَهُوَ الْمُرَادُ من قوله:
فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ، والمعروف الْقَرْضُ، أَيْ:
يَسْتَقْرِضُ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ إِذَا احْتَاجَ إِلَيْهِ،
فَإِذَا أَيْسَرَ قَضَاهُ، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ
بْنِ جُبَيْرٍ.
قَالَ عُمَرُ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنِّي
أَنْزَلْتُ نَفْسِي مِنْ مَالِ الله تعالى بمنزلة وليّ [6]
الْيَتِيمِ: إِنِ اسْتَغْنَيْتُ اسْتَعْفَفَتُ وَإِنِ
افْتَقَرَتُ أَكَلَتُ بِالْمَعْرُوفِ، فَإِذَا أَيْسَرْتُ
قضيت. وقال الشافعي: لا يأكله إلا أن
__________
(1) في «شرح السنة» : «الميربند كشائي» .
(2) في الأصل «السنجري» والتصويب عن «شرح السنة» وعن «ط» .
[.....]
(3) في الأصل «أبو بكر داسة» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة»
.
(4) قال المصنف في «شرح السنة» : قوله «غير متأثل» أي: غير
متخذ منه أصل مال، وأثلة الشيء: أصله اهـ.
وقال ابن الأثير في «النهاية» : غير متأثل مالا: أي غير جامع.
(5) في المطبوع وط «بعضهم» والمثبت هو الصواب.
(6) تصحف في المطبوع «مال» .
528- حديث جيد بشواهده وطرقه. إسناده حسن للاختلاف المعروف في
عمرو بن شعيب، عن آبائه، واستقر أهل الحديث على أنها سلسلة
الحسن، الحسين المعلم هو ابن ذكوان.
- وهو في «شرح السنة» (2198) بهذا الإسناد.
أخرجه المصنف من طريق أبي داود 2872 عن حميد بن مسعدة بهذا
الإسناد.
- وأخرجه النسائي 6/ 256 وابن ماجه 2718 وابن الجارود 952
وأحمد 2/ 186 و215 والبيهقي 6/ 284 من طرق عَنْ عَمْرِو بْنِ
شُعَيْبٍ، عَنْ أبيه، عن جده.
قال الحافظ في «فتح الباري» (8/ 241) : إسناده قوي اهـ.
- وله شاهد من حديث جابر أخرجه ابن حبان 4244 والطبراني في
«الصغير» (244) .
وفيه معلى بن مهدي وثقه ابن حبان، وأورده ابن أبي حاتم في
«العلل» (8/ 335) وقال: سألت أبي عنه فقال: شيخ موصلي أدركته،
ولم أسمع منه، يحدث أحيانا بالحديث المنكر اهـ.
وذكره الهيثمي في «المجمع» (800/ 163) (13528) وقال: وفيه معلى
بن مهدي، وثقه ابن حبان وغيره، وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات
اهـ.
- ورواه أبو نعيم في «الحلية» (3/ 351) وابن عدي في «الكامل»
(4/ 72) من طريق صالح بن رستم أبو عامر الخزاز، عن عمرو بن
دينار، عن جابر مرفوعا.
وفي إسناده صالح بن رستم قال عنه ابن عدي: هو عندي لا بأس به،
ولم أر له حديثا منكرا جدا اهـ.
وقال أبو نعيم: تفرد به الخزاز، وهو من ثقات البصريين اهـ. وله
شاهد آخر.
أخرجه الثعلبي كما في «تخريج الكشاف» (1/ 475) من طريق الحسن
العرني، عن ابن عباس.
- وورد عن الحسن العرني مرسلا أخرجه الطبري 8650 وابن المبارك
في «البر والصلة» (211) وعبد الرزاق في «تفسيره» (519)
والبيهقي 6/ 285، وله شاهد آخر من مرسل قتادة أخرجه الطبري
8640، فالحديث حسن صحيح بشواهده وطرقه، وانظر «أحكام القرآن»
(391) بتخريجي، ولله الحمد والمنة.
(1/570)
لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ
مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ
نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا
قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (7)
يُضْطَرَّ إِلَيْهِ كَمَا يُضْطَرُّ إِلَى
الْمَيْتَةِ، وَقَالَ قَوْمٌ: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، ثُمَّ
اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ هَذَا الْأَكْلِ بِالْمَعْرُوفِ،
فَقَالَ عَطَاءٌ وَعِكْرِمَةُ: يَأْكُلُ بِأَطْرَافِ
أَصَابِعِهِ، وَلَا يسرف ولا يكتسي منه، [وقال النخعي] [1] :
لا يَلْبَسُ الْكَتَّانَ وَلَا الْحُلَلَ، وَلَكِنْ مَا سَدَّ
الْجَوْعَةَ وَوَارَى الْعَوْرَةَ، وَقَالَ الْحَسَنُ
وَجَمَاعَةٌ: يَأْكُلُ مِنْ تمر نَخِيلِهِ وَلَبَنِ مَوَاشِيهِ
بِالْمَعْرُوفِ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، فَأَمَّا الذَّهَبُ
وَالْفِضَّةُ فَلَا فَإِنْ أَخَذَ شَيْئًا مِنْهُ فعليه
رَدَّهُ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ:
الْمَعْرُوفُ رُكُوبُ الدَّابَّةِ وَخِدْمَةُ الْخَادِمِ،
وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا.
«529» أخبرنا أبو إسحاق السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا زَاهِرُ
بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا
أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ
أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ:
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
قَالَ: إِنَّ لِي يَتِيمًا وَإِنَّ لَهُ إِبِلًا أَفَأَشْرَبُ
مِنْ لَبَنِ إِبِلِهِ؟ فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ تَبْغِي ضَالَّةَ
إِبِلِهِ وَتَهْنَأُ جَرْبَاهَا وَتَلِيطُ [2] حَوْضَهَا
وَتَسْقِيهَا يوم ورودها فَاشْرَبْ غَيْرَ مُضِرٍّ بِنَسْلٍ
وَلَا نَاهِكٍ فِي الْحَلْبِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَالْمَعْرُوفُ أَنْ يَأْخُذَ [مِنْ
جَمِيعِ] [3] مَالِهِ بِقَدْرِ قِيَامِهِ وَأُجْرَةِ عَمَلِهِ،
وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ عَائِشَةَ وَجَمَاعَةٍ
مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.
فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا
عَلَيْهِمْ، هذا أمر وإرشاد، وليس بِوَاجِبٍ، أَمَرَ
الْوَلِيَّ بِالْإِشْهَادِ عَلَى دفع المال إلى اليتيم بعد ما
بَلَغَ لِتَزُولَ عَنْهُ التُّهْمَةُ وَتَنْقَطِعَ
الْخُصُومَةُ، وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً مُحَاسِبًا ومجازيا
وشاهدا.
[سورة النساء (4) : آية 7]
لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ
وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ
الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ
نَصِيباً مَفْرُوضاً (7)
قَوْلُهُ تَعَالَى: لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ
الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ الآية.
ع «530» نَزَلَتْ فِي أَوْسِ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ
تُوُفِّيَ وَتَرَكَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا أُمُّ كُجَّةَ
وَثَلَاثَ بَنَاتٍ له منها،
__________
529- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، يحيى بن سعيد هو
الأنصاري.
- وهو في «شرح السنة» (2199) بهذا الإسناد، وأخرجه مالك في
«الموطأ» (2/ 34) عن يحيى بهذا الإسناد.
وأخرجه عبد الرزاق في «التفسير» (510 و511) من طريقين عن
القاسم بن محمد.
530- ذكره الواحدي في «أسباب النزول» (295) بدون إسناده،
وأخرجه الطبري 8658 عن عكرمة مرسلا لكن باختصار.
ونسبه السيوطي في «الدر» (2/ 217) لأبي الشيخ عن ابن عباس وكذا
ذكره الواحدي في «الوسيط» (2/ 14) عن ابْنُ عَبَّاسٍ فِي
رِوَايَةِ الْكَلْبِيِّ باختصار، وبدون إسناد.
- وورد مختصرا من حديث جابر أخرجه أبو نعيم وأبو موسى كما في
«الإصابة» (4/ 487) قال أبو موسى: كذا قال:
ليس لهما شيء وأراد ليس يعطيان شيئا من ميراث أبيهما، قال ابن
حجر: قلت: روايه عن سفيان هو إبراهيم بن هراسة ضعيف، وقد خالفه
بشر بن المفضل، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ، عن جابر
أخرجه أبو داود من طريقه قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم.... اهـ.
وانظر «الإصابة في تمييز الصحابة» (4/ 487- 488) ترجمة أم كجة،
وهو عند أبي داود 2891 و2892 والترمذي 2092 وابن ماجه 2720
وأحمد 3/ 352 والحاكم 4/ 334 والواحدي 298 والبيهقي 6/ 229 من
حديث جابر بنحو سياق المصنف، وليس فيه تسمية المرأة، بل فيه:
أن امرأة سعد بن الربيع، والحديث حسن الإسناد.
(1) سقط من المخطوط وط وهو مثبت في المطبوع والطبري (8628
و8629 و8630 و8631 و8632) .
(2) قال المصنف في «شرح السنة» (4/ 433) : «تهنأ جرباها» أي:
تطليها بالقطرن- والهناء: القطران- وقوله: «وتليط حوضها»
الصواب: وتلوط حوضها. أي: تطينه وتصلحه- واللط: المنع. يقال:
لط الغريم وألط: إذا منع الحق.
(3) زيادة عن المخطوط وط.
(1/571)
وَإِذَا حَضَرَ
الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ
فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا
(8)
فَقَامَ رَجُلَانِ هُمَا ابْنَا عَمِّ
الْمَيِّتِ وَوَصِيَّاهُ، سُوَيْدٌ وَعَرْفَجَةُ، فَأَخْذَا
مَالَهُ وَلَمْ يُعْطِيَا امْرَأَتَهُ وَلَا بَنَاتِهِ
شَيْئًا، وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لا يورّثون النساء ولا
الصغير، وَإِنْ كَانَ الصَّغِيرُ ذَكَرًا، وَإِنَّمَا كَانُوا
يُوَرِّثُونَ الرِّجَالَ، وَيَقُولُونَ: لَا نُعْطِي إِلَّا
مَنْ قَاتَلَ وَحَازَ الْغَنِيمَةَ، فَجَاءَتْ أُمُّ كُجَّةَ
فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَوْسَ بْنَ ثَابِتٍ
مَاتَ وَتَرَكَ عَلَيَّ ثلاث بَنَاتٍ وَأَنَا امْرَأَتُهُ،
وَلَيْسَ عِنْدِي مَا أُنْفِقُ عَلَيْهِنَّ، وَقَدْ تَرَكَ
أَبُوهُنَّ مَالًا حَسَنًا، وَهُوَ عِنْدَ سُوَيْدٍ
وَعَرْفَجَةَ، وَلَمْ يُعْطِيَانِي وَلَا بناته [1] شَيْئًا
وَهُنَّ فِي حِجْرِي، لَا يُطْعَمْنَ وَلَا يُسْقَيْنَ [2] ،
فَدَعَاهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقَالَا:
يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَدَهَا لَا يَرَكَبُ فَرَسًا وَلَا
يَحْمِلُ [كلّا ولا ينكي] [3] عَدُوًّا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ لِلرِّجالِ.
يَعْنِي: لِلذُّكُورِ مِنْ أَوْلَادِ الْمَيِّتِ
وَأَقْرِبَائِهِ نَصِيبٌ حَظٌّ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ
وَالْأَقْرَبُونَ مِنَ الْمِيرَاثِ، وَلِلنِّساءِ، وللإناث
مِنْهُمْ، نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ
مِمَّا قَلَّ مِنْهُ، أَيْ: مِنَ الْمَالِ، أَوْ كَثُرَ مِنْهُ
نَصِيباً مَفْرُوضاً، نُصِبَ عَلَى الْقَطْعِ، وَقِيلَ: جَعَلَ
ذَلِكَ نَصِيبًا فَأَثْبَتَ لَهُنَّ الْمِيرَاثَ، وَلَمْ
يُبَيِّنْ كَمْ هُوَ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى سُوَيْدٍ وَعَرْفَجَةَ: لَا
تُفَرِّقَا مِنْ مَالِ أَوْسِ بْنِ ثَابِتٍ شَيْئًا فَإِنَّ
اللَّهَ تَعَالَى جَعْلَ لِبَنَاتِهِ نَصِيبًا مِمَّا تَرَكَ،
وَلَمْ يُبَيِّنْ كَمْ هُوَ حَتَّى أَنْظُرَ مَا يَنْزِلُ
فِيهِنَّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ
فِي أَوْلادِكُمْ [النساء: 11] . فِلْمَا نَزَلَتْ أَرْسَلَ
رَسُولُ اللَّهِ إلى سويد وعرفجة: «أن ادفعا إِلَى أُمِّ
كُجَّةَ الثُّمُنَ [مِمَّا تَرَكَ] [4] وَإِلَى بَنَاتِهِ
الثُّلُثَيْنِ، وَلَكُمَا باقي المال» .
[سورة النساء (4) : آية 8]
وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى
وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ
قَوْلاً مَعْرُوفاً (8)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ، يَعْنِي: قسمة
المواريث، أُولُوا الْقُرْبى، الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ،
وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ، أَيْ:
فَارْضَخُوا لَهُمْ مِنَ الْمَالِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ،
وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً.
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ، فقال قوم:
هي منسوخة [5] ، قال سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ [6]
وَالضَّحَّاكُ:
كَانَتْ هَذِهِ قَبْلَ آيَةِ الْمِيرَاثِ [فَلَمَّا نَزَلَتْ
آيَةُ الْمِيرَاثِ] [7] جَعَلَتِ الْمَوَارِيثَ لِأَهْلِهَا،
وَنَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةَ. وَقَالَ آخرون: هِيَ مُحْكَمَةٌ،
وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ
وَالزُّهْرِيِّ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى
أَهْلِ الْمِيرَاثِ مَا طَابَتْ بِهِ أَنْفُسُهُمْ، وَقَالَ
الْحَسَنُ: كَانُوا يُعْطُونَ التَّابُوتَ وَالْأَوَانِيَ
وَرَثَّ الثِّيَابِ وَالْمَتَاعَ وَالشَّيْءَ الَّذِي
يُسْتَحْيَا مِنْ قِسْمَتِهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ
طِفْلًا فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَغَيْرُهُ: إِنْ كَانَتِ
الْوَرَثَةُ كِبَارًا رَضَخُوا لَهُمْ، وَإِنْ كَانَتْ
صِغَارًا اعْتَذَرُوا إِلَيْهِمْ، فيقول الولي أو الوصي:
إِنِّي لَا أَمَلِكُ هَذَا الْمَالَ إِنَّمَا هُوَ
لِلصِّغَارِ، وَلَوْ كَانَ لِي مِنْهُ شَيْءٌ
لَأَعْطَيْتُكُمْ، وَإِنْ يَكْبُرُوا فَسَيُعْرَفُونَ
حُقُوقَكُمْ، هَذَا هُوَ الْقَوْلُ بِالْمَعْرُوفِ، وَقَالَ
بَعْضُهُمْ ذَلِكَ حَقٌّ وَاجِبٌ فِي أَمْوَالِ الصِّغَارِ
وَالْكِبَارِ، فَإِنْ كَانُوا كِبَارًا تَوَلَّوْا
إِعْطَاءَهُمْ، وَإِنْ كَانُوا صِغَارًا أَعْطَى وَلِيُّهُمْ.
رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ أَنَّ عُبَيْدَةَ
السَّلْمَانِيَّ قَسَّمَ أَمْوَالَ أَيْتَامٍ فَأَمَرَ بِشَاةٍ
فَذُبِحَتْ فَصَنَعَ طعاما لأجل هَذِهِ الْآيَةِ، وَقَالَ:
لَوْلَا هَذِهِ الْآيَةُ لَكَانَ هَذَا مِنْ مَالِي.
وَقَالَ قَتَادَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ [8] : ثَلَاثُ
آيَاتٍ مُحْكَمَاتٍ مَدَنِيَّاتٍ تَرَكَهُنَّ النَّاسُ، هَذِهِ
الْآيَةُ وَآيَةُ الِاسْتِئْذَانِ:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ
مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ [النُّورِ: 58] الْآيَةَ، وَقَوْلُهُ
تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ
__________
(1) في المطبوع «بناتي» .
(2) في «أسباب النزول» جاء بلفظ المثنى.
(3) في المطبوع «كلأ ولا ينكأ» والمثبت عن «أسباب النزول» .
(4) زيادة عن المخطوط. [.....]
(5) زيد في النسخ «و» وليس بشيء.
(6) تصحف في المطبوع «جبير» .
(7) زيادة عن المخطوط.
(8) تصحف في المطبوع «معمر» .
(1/572)
وَلْيَخْشَ الَّذِينَ
لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا
عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا
سَدِيدًا (9) إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ
الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ
نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10)
مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى [الْحُجُرَاتِ: 13]
الْآيَةَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ أَوْلَى الْأَقَاوِيلِ:
إِنَّ هَذَا عَلَى النَّدْبِ وَالِاسْتِحْبَابِ، لا على الحتم
والإيجاب.
[سورة النساء (4) : الآيات 9 الى 10]
وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ
ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ
وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (9) إِنَّ الَّذِينَ
يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ
فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (10)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ
خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً، أَوْلَادًا صِغَارًا، خافُوا
عَلَيْهِمْ، الْفَقْرَ، هَذَا فِي الرَّجُلِ يَحْضُرُهُ
الْمَوْتُ، فَيَقُولُ مَنْ بِحَضْرَتِهِ: انْظُرْ لِنَفْسِكَ
فَإِنَّ أَوْلَادَكَ وَوَرَثَتَكَ لَا يُغْنُونَ عَنْكَ
شَيْئًا، قَدِّمْ لِنَفْسِكَ أَعْتِقْ وَتَصَدَّقْ وَأَعْطِ
فُلَانَا كَذَا وَفُلَانًا كَذَا، حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى
عَامَّةِ مَالِهِ، فَنَهَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ،
وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَأْمُرُوهُ أَنْ يَنْظُرَ لِوَلَدِهِ وَلَا
يَزِيدَ فِي وَصِيَّتِهِ عَلَى الثُّلُثِ، وَلَا يُجْحِفَ
بِوَرَثَتِهِ كَمَا أنه لَوْ كَانَ هَذَا الْقَائِلُ هُوَ
الموصي لسره أَنْ يَحُثَّهُ مَنْ بِحَضْرَتِهِ عَلَى حفظ ماله
لولده، ولا [أن] [1] يَدَعَهُمْ عَالَةً مَعَ ضَعْفِهِمْ
وَعَجْزِهِمْ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هَذَا الْخِطَابُ
لِوُلَاةِ اليتامى يقول: من كان [منهم] [2] فِي حِجْرِهِ
يَتِيمٌ فَلْيُحْسِنْ إِلَيْهِ وليأت في حقه ما يحب أَنْ
يُفْعَلَ بِذَرِّيَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ، قَوْلُهُ تَعَالَى:
فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً، أَيْ:
عَدْلًا، وَالسَّدِيدُ: الْعَدْلُ، وَالصَّوَابُ مِنَ
الْقَوْلِ، وَهُوَ أَنْ يَأْمُرَهُ بِأَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا
دون الثّلث ويخلّف الباقي لورثته.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ
الْيَتامى ظُلْماً، قَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: نَزَلَتْ
فِي رَجُلٍ مِنْ بَنِي غَطْفَانَ، يُقَالُ لَهُ مَرْثَدُ بْنُ
زَيْدٍ وَلِيَ مَالَ ابْنِ أَخِيهِ وَهُوَ يَتِيمٌ صَغِيرٌ
فَأَكَلَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ [3] إِنَّ
الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً أي:
حَرَامًا بِغَيْرِ حَقٍّ، إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ
نَارًا، أَخْبَرَ عَنْ مَآلِهِ، أَيْ عَاقِبَتُهُ تَكُونُ
كَذَلِكَ، وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً، قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ
بِفَتْحِ الْيَاءِ، أَيْ: يَدْخُلُونَهَا [4] ، يُقَالُ:
صَلِيَ النار يصلاها صلا وصلاء [5] ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ (163) [الصَّافَّاتِ: 163] ،
وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو بَكْرٍ بِضَمِّ الْيَاءِ،
أَيْ: يَدْخُلُونَ النَّارَ وَيُحْرَقُونَ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ
تَعَالَى: فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا [النِّسَاءِ: 30]
سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) [الْمُدَّثِّرِ: 26] وَفِي
الْحَدِيثِ:
ع «531» قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي قَوْمًا لَهُمْ مَشَافِرُ
كَمَشَافِرِ الْإِبِلِ، إِحْدَاهُمَا قَالِصَةٌ عَلَى
مِنْخَرَيْهِ وَالْأُخْرَى عَلَى بَطْنِهِ، وَخَزَنَةُ
النَّارِ يُلَقِّمُونَهُمْ جَمْرَ جَهَنَّمَ وَصَخْرَهَا،
فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ:
الَّذِينَ يأكلون أموال اليتامى ظلما» .
__________
531- ع ضعيف جدا. أخرجه الطبري 8725 من حديث أبي سعيد الخدري
وفي إسناده أبي هارون العبدي، واسمه عمارة بن جوين، قال الذهبي
في «الميزان» : لين بمرة. قال أحمد: ليس بشيء، وسيأتي في مطلع
سورة الإسراء إن شاء الله تعالى.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) ذكره الواحدي في «أسباب النزول» (296) عن مقاتل بن حيان
بدون إسناد.
(4) في المطبوع وحده «يدخلونه» .
(5) العبارة في المطبوع «يصلوها صليا وصلاء» والمثبت عن
«الوسيط» (2/ 17) وانظر «القرطبي» (5/ 54) .
(1/573)
يُوصِيكُمُ اللَّهُ
فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ
فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا
مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ
وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا
تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ
وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ
إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي
بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ
أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ
إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11)
[سورة النساء (4) : آية 11]
يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ
الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ
فَلَهُنَّ ثُلُثا مَا تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا
النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ
مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ
وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ
لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ
يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لَا
تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ
اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (11)
قَوْلُهُ تَعَالَى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ
لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ الْآيَةَ، اعْلَمْ
أَنَّ الْوِرَاثَةَ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ
بِالذُّكُورَةِ وَالْقُوَّةِ فَكَانُوا يُوَرِّثُونَ
الرِّجَالَ دُونَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانَ، فَأَبْطَلَ
اللَّهُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ
الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ الْآيَةَ،
وَكَانَتْ أَيْضًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَابْتِدَاءِ
الْإِسْلَامِ بِالْمُحَالَفَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ
[النِّسَاءِ: 33] ثُمَّ صَارَتِ الْوِرَاثَةُ بِالْهِجْرَةِ،
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ
يُهاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى
يُهاجِرُوا [الأنفال: 72] فنسخ [الله] [1] ذَلِكَ كُلُّهُ
وَصَارَتِ الْوِرَاثَةُ بِأَحَدِ الأمور الثلاثة: بالنسب
والنكاح أو الولاء، والمعنيّ بِالنَّسَبِ أَنَّ الْقَرَابَةَ
يَرِثُ بَعْضُهُمْ من بعض، لقوله تعالى: وَأُولُوا الْأَرْحامِ
بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ [الأنفال: 75]
، وَالْمَعْنِيُّ بِالنِّكَاحِ: أَنَّ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ
يَرِثُ صَاحِبَهُ، وَبِالْوَلَاءِ: أَنَّ الْمُعْتِقَ
وَعَصَبَاتِهِ يَرِثُونَ الْمُعْتَقَ، فَنَذْكُرُ بِعَوْنِ
اللَّهِ تَعَالَى فَصْلًا وَجِيزًا فِي بَيَانِ مَنْ يَرِثُ
مِنَ الْأَقَارِبِ. وَكَيْفِيَّةِ تَوْرِيثِ الْوَرَثَةِ
فَنَقُولُ: إِذَا مَاتَ مَيِّتٌ وَلَهُ مَالٌ فَيُبْدَأُ [2]
بِتَجْهِيزِهِ ثُمَّ بِقَضَاءِ دُيُونِهِ ثُمَّ بِإِنْفَاذِ
وَصَايَاهُ فَمَا فَضُلَ يُقَسَّمُ بين الْوَرَثَةُ عَلَى
ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مِنْهُمْ، مَنْ يَرِثُ بِالْفَرْضِ
[وَمِنْهُمْ] مَنْ يَرِثُ بِالتَّعْصِيبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ
يَرِثُ بِهِمَا جَمِيعًا، فَمَنْ يَرِثُ بِالنِّكَاحِ لَا
يَرِثُ إِلَّا بِالْفَرْضِ، وَمَنْ يَرِثُ بِالْوَلَاءِ لَا
يَرِثُ إِلَّا بالتعصيب، وأمّا مَنْ يَرِثُ بِالْقَرَابَةِ
فَمِنْهُمْ مَنْ يَرِثُ بِالْفَرْضِ كَالْبَنَاتِ
وَالْأَخَوَاتِ وَالْأُمَّهَاتِ وَالْجَدَّاتِ، وَأَوْلَادِ
الْأُمِّ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرِثُ بِالتَّعْصِيبِ كَالْبَنِينِ
وَالْإِخْوَةِ وَبَنِي [الإخوة و] [3] الأعمام وبنيهم، و
[منهم] [4] مَنْ يَرِثُ بِهِمَا كَالْأَبِ يَرِثُ
بِالتَّعْصِيبِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ ولد، وإن كان
للميت ولد ابن فيرث الْأَبُ بِالْفَرْضِ السُّدُسَ، وَإِنْ
كَانَ للميت بنت يرث الْأَبُ السُّدُسَ بِالْفَرْضِ وَيَأْخُذُ
الْبَاقِي بَعْدَ نَصِيبِ الْبِنْتِ بِالتَّعْصِيبِ،
وَكَذَلِكَ الْجَدُّ، وَصَاحِبُ التَّعْصِيبِ مَنْ يَأْخُذُ
جميع المال عن الِانْفِرَادِ وَيَأْخُذُ مَا فَضُلَ عَنْ
أَصْحَابِ الْفَرَائِضِ، وَجُمْلَةُ الْوَرَثَةِ سَبْعَةَ
عَشَرَ: عَشَرَةٌ مِنَ الرِّجَالِ وَسَبْعٌ مِنَ النِّسَاءِ،
فَمِنَ الرِّجَالِ الِابْنُ وَابْنُ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ
وَالْأَبُ وَالْجَدُّ أَبُو الْأَبِ وَإِنْ عَلَا، وَالْأَخُ
سَوَاءٌ كَانَ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ،
وَابْنُ الأخ للأم أَوْ لِلْأَبِ وَإِنْ سَفَلَ وَالْعَمُّ
لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْ لِلْأَبِ وَأَبْنَاؤُهُمَا وَإِنْ
سَفَلُوا، وَالزَّوَجُ وَمَوْلَى الْعِتَاقِ، وَمِنَ
النِّسَاءِ الْبِنْتُ وَبِنْتُ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَتْ
[وَالْأُمُّ] [5] ، وَالْجَدَّةُ أُمُّ الأم [أو] أم الْأَبِ،
وَالْأُخْتُ سَوَاءٌ كَانَتْ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ أَوْ
لِأُمٍّ، والزوجة ومولاة العتاقة [6] ، وَسِتَّةٌ مِنْ
هَؤُلَاءِ لَا يَلْحَقُهُمْ حَجْبُ الْحِرْمَانِ بِالْغَيْرِ:
الْأَبَوَانِ وَالْوَلَدَانِ، وَالزَّوْجَانِ، لِأَنَّهُ
لَيْسَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمَيِّتِ وَاسِطَةٌ،
وَالْأَسْبَابُ الَّتِي تُوجِبُ حِرْمَانَ الْمِيرَاثِ
أَرْبَعَةٌ: اخْتِلَافُ الدِّينِ وَالرِّقُّ وَالْقَتْلُ
وَعَمِّيُّ الْمَوْتِ، وَنَعْنِي بِاخْتِلَافِ الدِّينِ أَنَّ
الْكَافِرَ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمَ وَالْمُسْلِمَ لَا يَرْثُ
الْكَافِرَ، لِمَا:
«532» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْكِسَائِيُّ الْخَطِيبُ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ
أَحْمَدَ الْخَلَّالُ أنا أبو العباس
__________
532- إسناده صحيح رجاله ثقات، الزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب،
عمرو بن عثمان هو ابن عفان، علي بن الحسين، هو زين العابدين.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) في المخطوط وحده «يبدأ» .
(3) زيادة عن المخطوط. [.....]
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) في المطبوع «العتاق» .
(1/574)
الْأَصَمُّ [أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ] [1]
أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ أَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ
الزُّهْرِيِّ عن علي بن الحسين عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ
عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ
الْمُسْلِمَ» .
فَأَمَّا الْكُفَّارُ فَيَرِثُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ مَعَ
اخْتِلَافِ مِلَلِهِمْ، لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ
وَاحِدَةٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ [الأنفال:
73] ، وَذَهَبَ [بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ] [2] إِلَى أَنَّ
اخْتِلَافَ الْمِلَلِ فِي الْكُفْرِ يَمْنَعُ التَّوَارُثَ
حَتَّى لَا يَرِثَ الْيَهُودِيُّ النَّصْرَانِيَّ وَلَا
النَّصْرَانِيُّ الْمَجُوسِيَّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ
الزُّهْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وإسحاق:
ع «533» لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شَتَّى» ،
وَتَأَوَّلَهُ الْآخَرُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ مع الكفر، أمّا
الْكُفْرِ فَكُلُّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ فَتَوْرِيثُ بَعْضِهِمْ
مِنْ بَعْضٍ لَا يَكُونُ فِيهِ إِثْبَاتُ التَّوَارُثِ بَيْنَ
أَهْلِ مِلَّتَيْنِ شَتَّى، وَالرَّقِيقُ لَا يَرِثُ أَحَدًا
وَلَا يَرِثُهُ أَحَدٌ لِأَنَّهُ لا ملك له [و] لا فَرْقَ
فِيهِ بَيْنَ الْقِنِّ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ وَأُمِّ
الْوَلَدِ، وَالْقَتْلُ يَمْنَعُ الْمِيرَاثَ عَمْدًا كَانَ
أَوْ خَطَأً لما:
ع «534» رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ
قَالَ: «القاتل لا يرث» .
__________
- وهو في «شرح السنة» (2224) بهذا الإسناد.
- خرّجه المصنف من طريق الشافعي 2/ 190 وهو في «مسنده» (2/
190) عن ابن عيينة بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 1614 وأبو داود 2909 والترمذي 2107 وابن الجارود
954 وسعيد بن منصور 135 وأحمد 5/ 200 والدارمي 2/ 371 وابن
حبان 6033 والبيهقي 6/ 218 من طرق عن ابن عيينة بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 6764 والنسائي في «الكبرى» (6376 و6377) وعبد
الرزاق 9852 والطيالسي 631 وأحمد 5/ 208 و209 والدارمي 2/ 370
والدارقطني 4/ 69 والطبراني في «الكبير» (391) والبيهقي 6/ 217
من طرق عن الزهري به.
533- ع جيد بشواهده. أخرجه أبو داود 2911 والنسائي في «الكبرى»
(6383 و6384) وابن ماجه 2731 وأحمد 2/ 178 و195 والدارقطني 4/
72- 73 وابن الجارود 967 وسعيد بن منصور 137 والبغوي في «شرح
السنة» (2225) من طرق عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أبيه،
عن جده عبد الله بن عمرو، وسنده حسن للخلاف المعروف في رواية
عمرو عن آبائه.
- وله شاهد من حديث أبي الزبير عن جابر، أخرجه الترمذي 2108
والبيهقي 6/ 217 وأخرجه الدارقطني 4/ 72 والبيهقي 6/ 217
موقوفا على جابر وقال الدارقطني: وهو المحفوظ اهـ.
وأخرجه الدارمي 2/ 369- 370 من وجه آخر عن الحسن، عن جابر
مرفوعا.
- وله شاهد آخر من حديث عائشة، أخرجه أبو يعلى 4757 وفي إسناد
مالك بن أبي الرجال قال الهيثمي في «المجمع» (6/ 292) : قد
وثقه ابن حبان، ولم يضعفه أحد اهـ.
وذكره الحافظ في «المطالب العالية» مختصرا (1486) ونقل حبيب
الرحمن قول البوصيري: فيه مالك بن محمد بن عبد الرحمن، وهو
مجهول، وله شواهد اهـ.
- وله شاهد آخر أيضا من حديث أسامة بن زيد أخرجه النسائي في
«الكبرى» (6381 و6382) والحاكم 2/ 240 من طريقين.
534- ع حسن. أخرجه الترمذي 2109 وابن ماجه 2645 والدارقطني 4/
96 والبيهقي 6/ 96 والبيهقي 6/ 220 من حديث أبي هريرة بلفظ
«القاتل لا يرث» لكن مداره على إسحاق بن أبي فروة.
قال الترمذي: هذا حديث لا يصح، وإسحاق تركه بعض أهل الحديث،
العمل على هذا عند أهل العلم اهـ.
(1) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «ط» ومن «شرح
السنة» .
(2) ما بين المعقوفتين في المطبوع «بعضهم» .
(1/575)
وَنَعْنِي بِعَمِّيِّ الْمَوْتِ أَنَّ
الْمُتَوَارِثَيْنِ إِذَا عَمِيَ مَوْتُهُمَا بِأَنْ غَرِقَا
فِي مَاءٍ أَوِ انْهَدَمَ عَلَيْهِمَا بِنَاءٌ فَلَمْ يُدْرَ
أَيُّهُمَا سَبَقَ مَوْتُهُ فَلَا يُوَرَّثُ أَحَدُهُمَا مِنَ
الْآخَرِ بَلْ مِيرَاثُ كُلِّ وَاحِدٍ منهما لمن كان حَيَاتُهُ
يَقِينًا بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ وَرَثَتِهِ. وَالسِّهَامُ
الْمَحْدُودَةُ فِي الْفَرَائِضِ سِتَّةٌ: النِّصْفُ
وَالرُّبُعُ وَالثُّمُنُ وَالثُّلُثَانِ وَالثُّلُثُ
وَالسُّدُسُ، فَالنِّصْفُ فَرْضُ ثَلَاثَةٍ: فَرْضُ الزَّوْجِ
عِنْدَ عَدَمِ الْوَلَدِ وَفَرْضُ الْبِنْتِ الْوَاحِدَةِ
لِلصُّلْبِ أَوْ لبنت الِابْنِ عِنْدَ عَدَمِ وَلَدِ
الصُّلْبِ، وَفَرْضُ الْأُخْتِ الْوَاحِدَةِ لِلْأَبِ
وَالْأُمِّ أَوْ لِلْأَبِ إِذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ لِأَبٍ
وَأُمٍّ، وَالرُّبُعُ فَرْضُ [اثنين:
فرض] [1] الزوج إِذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ وَفَرْضُ
الزَّوْجَةِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ،
وَالثُّمُنُ: فَرْضُ الزَّوْجَةِ إِذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ
وَلَدٌ، وَالثُّلُثَانِ فَرْضُ الْبِنْتَيْنِ لِلصُّلْبِ
فَصَاعِدًا وَلِبِنْتَيِ الِابْنِ فَصَاعِدًا عِنْدَ عَدَمِ
وَلَدِ الصُّلْبِ، وَفَرْضُ الْأُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ
لِلْأَبِ فَصَاعِدًا، وَالثُّلُثُ فَرْضُ ثَلَاثَةٍ: فَرْضُ
الْأُمِّ إِذَا لَمْ يَكُنْ للميت ولد، والاثنان من الإخوة
والأخوات، إِلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا زَوْجٌ
وَأَبَوَانِ، وَالثَّانِيَةُ: زَوْجَةٌ وَأَبَوَانِ، فَإِنَّ
لِلْأُمِّ فِيهِمَا ثُلُثُ مَا بَقِيَ بعد نصيب الزوج والزوجة،
وَفَرْضُ الِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا مِنْ أَوْلَادِ الْأُمِّ،
ذَكَرُهُمْ وَأُنْثَاهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ، وفرض الجد مع الإخوة
إذا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْأَلَةِ صَاحِبُ فَرْضٍ، وَكَانَ
الثُّلُثُ خَيْرًا لِلْجَدِّ مِنَ الْمُقَاسَمَةِ مَعَ
الْإِخْوَةِ. وَأَمَّا السُّدُسُ فَفَرْضُ سَبْعَةٍ: فَرْضُ
الْأَبِ إِذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ، وَفَرْضُ الْأُمِّ
إِذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ، أَوِ اثْنَانِ مِنَ
الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ، وَفَرْضُ الْجَدِّ إِذَا كَانَ
لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ وَمَعَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ إِذَا
كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ صَاحِبُ فَرْضٍ، وَكَانَ السُّدُسُ
خَيْرًا لِلْجَدِّ مِنَ الْمُقَاسَمَةِ مَعَ الْإِخْوَةِ،
وَفَرْضُ الْجَدَّةِ وَالْجَدَّاتِ وَفَرْضُ الْوَاحِدِ مِنْ
أَوْلَادِ الأم ذكرا كان أَوْ أُنْثَى، وَفَرْضُ بَنَاتِ
الِابْنِ إِذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ بِنْتٌ وَاحِدَةٌ للصلب
تكملة للثلثين، وَفَرْضُ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ إِذَا كَانَ
لِلْمَيِّتِ أُخْتٌ وَاحِدَةٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ تكملة للثلثين.
«535» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [2]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يوسف أنا
__________
وقال البيهقي: إسحاق لا يحتج به إلا أن شواهد تقوّيه اهـ.
وللحديث شواهد منها:
- حديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عن جده أخرجه أبو
داود 4564 مطوّلا. والدارقطني 4/ 96 والبيهقي 6/ 220.
- وحديث ابن عباس أخرجه الدارقطني 4/ 96 والبيهقي 6/ 220 وفيه:
«قضى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس لقاتل
ميراث» وأخرجه البيهقي عن ابن المسيب مرسلا. وقال البيهقي بعد
أن ذكر المراسيل عن عمرو بن شعيب: هذه مراسيل جيدة يقوي بعضها
بعضا.
- وحديث عمرو بن شعيب «أن أبا قتادة رجل من بني مدلج قتل ابنه
فأخذ عمر مائة من الإبل وقال عمر: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم يقول: ليس لقاتل ميراث» أخرجه ابن
ماجه 2646 ومالك 2/ 867 وأحمد 1/ 49 والبيهقي 6/ 219 ورواية
مالك «ليس لقاتل شيء» وكذا رواه الشافعي في الرسالة فقرة: 476
بتحقيق أحمد شاكر.
قال البوصيري في الزوائد: إسناده حسن اهـ.
لكنه منقطع عمرو بن شعيب لم يدرك عمر، وكذا قال الحافظ في
«التلخيص» (1/ 84) اهـ.
فهذا بمجموع طرقه يرقى إلى درجة الحسن، ولا سيما العمل عليه
عند عامة الفقهاء.
535- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، مسلم بن إبراهيم هو
الأزدي الفراهيدي، وهيب هو ابن خالد بن عجلان، ابن طاوس هو عبد
الله بن طاوس بن كيسان.
- وهو في «شرح السنة» (2209) بهذا الإسناد.
- خرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (6735) عن مسلم
بن إبراهيم بهذا الإسناد.
(1) سقط من المخطوط.
(2) زيادة عن المخطوط وكتب التراجم.
(1/576)
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا
مُسْلِمُ بن إبراهيم أنا وهيب [أخبرنا] ابن [1] طَاوُوسٍ عَنْ
أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى
عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا
فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» .
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْوَرَثَةِ
يَحْجُبُ الْبَعْضَ، وَالْحَجْبُ نَوْعَانِ: حَجْبُ نُقْصَانٍ
وَحَجْبُ حِرْمَانٍ، فَأَمَّا حَجْبُ النُّقْصَانِ فهو أن
الولد أو ولد الِابْنِ يَحْجُبُ الزَّوْجَ مِنَ النِّصْفِ
إِلَى الرُّبُعِ وَالزَّوْجَةَ مِنَ الرُّبُعِ إِلَى
الثُّمُنِ، وَالْأُمَّ مِنَ الثُّلُثِ إلى السدس، وكذلك
الاثنان من الإخوة [والأخوات فصاعدا] [2] يَحْجُبُونَ الْأُمَّ
مِنَ الثُّلُثِ إِلَى السُّدُسِ. وَحَجْبُ الْحِرْمَانِ هُوَ
أَنَّ الأم تسقط الجدات كلهن وأولاد الأم وهم الأخوة للأم
والأخوات يَسْقُطُونَ بِأَرْبَعَةٍ: بِالْأَبِ وَالْجَدِّ
وَإِنْ عَلَا، وَبِالْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ،
وَأَوْلَادُ الْأَبِ وَالْأُمِّ يَسْقُطُونَ بِثَلَاثَةٍ
بِالْأَبِ وَالِابْنِ وَابْنِ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلُوا، وَلَا
يَسْقُطُونَ بِالْجَدِّ عَلَى مَذْهَبِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ،
وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ
وَالشَّافِعِيُّ وَالَأَوْزاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ
رَحِمَهُمُ اللَّهُ. وَأَوْلَادُ الْأَبِ يَسْقُطُونَ
بِهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ وَبِالْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ،
وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْإِخْوَةَ جَمِيعًا يَسْقُطُونَ
بِالْجَدِّ كَمَا يَسْقُطُونَ بِالْأَبِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي
بَكْرٍ الصَّدِيقِ [رَضِيَ اللَّهُ عنه] [3] وَابْنِ عَبَّاسٍ
وَمُعَاذٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَأَبُو
حَنِيفَةَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ، وَأَقْرَبُ الْعَصِبَاتِ
يُسْقِطُ الْأَبْعَدَ مِنَ الْعُصُوبَةِ، وَأَقْرَبُهُمْ
الِابْنُ ثُمَّ ابْنُ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ، ثُمَّ الْأَبُ
ثُمَّ الْجَدُّ أَبُو الْأَبِ وَإِنْ عَلَا، فَإِنْ كَانَ مَعَ
الْجَدِّ أَحَدٌ مِنَ الإخوة والأخوات لِلْأَبِ وَالْأُمِّ
أَوْ لِلْأَبِ فَيَشْتَرِكَانِ فِي الْمِيرَاثِ، فَإِنْ لَمْ
يَكُنْ جَدٌّ فَالْأَخُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ ثُمَّ الْأَخُ
لِلْأَبِ ثُمَّ بَنُو الْإِخْوَةِ يُقَدَّمُ أَقْرَبُهُمْ
سَوَاءٌ كَانَ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ، فَإِنِ اسْتَوَيَا
فِي الدَّرَجَةِ فَالَّذِي هُوَ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْلَى ثُمَّ
الْعَمُّ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ ثُمَّ الْعَمُّ لِلْأَبِ ثُمَّ
بَنُوهُمْ عَلَى تَرْتِيبِ بَنِي الْإِخْوَةِ، ثُمَّ عُمُّ
الْأَبِ ثُمَّ عُمُّ الْجَدِّ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ،
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ عَصَبَاتِ النَّسَبِ وَعَلَى
الْمَيِّتِ وَلَاءٌ فَالْمِيرَاثُ لِلْمُعَتِقِ، فَإِنْ لَمْ
يَكُنْ حَيًّا فَلِعَصِبَاتِ الْمُعَتِقِ وَأَرْبَعَةٌ مِنَ
الذُّكُورِ يَعْصِبُونَ الْإِنَاثَ، الِابْنُ وَابْنُ الِابْنِ
وَالْأَخُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْأَخُ لِلْأَبِ حتى لو ماتت
عَنِ ابْنٍ وَبِنْتٍ أَوْ عَنْ أَخٍ وَأُخْتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ
أَوْ لِأَبٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا
لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَلَا يُفْرَضُ
لِلْبِنْتِ وَالْأُخْتِ وَكَذَلِكَ ابْنُ الِابْنِ يَعْصِبُ
مَنْ فِي دَرَجَتِهِ مِنَ الْإِنَاثِ، وَمَنْ فَوْقَهُ إِذَا
لم تأخذ مِنَ الثُّلُثَيْنِ شَيْئًا حَتَّى لَوْ مَاتَ عَنْ
بِنْتَيْنِ وَبِنْتِ ابْنٍ فَلِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ
وَلَا شَيْءَ لَبَنَتِ الِابْنِ، فَإِنْ كَانَ فِي دَرَجَتِهَا
[4] ابْنُ ابْنٍ أَوْ أَسْفَلَ مِنْهَا ابن ابن ابن
__________
- وأخرجه البخاري 6732 و6737 ومسلم 1615 ح 2 والترمذي 2098
وأبو يعلى 2371 والطحاوي 4/ 390 وابن الجارود 955 والدارقطني
4/ 71 وأحمد 1/ 292 و325 وابن أبي شيبة 11/ 265- 266 والدارمي
2/ 368 والطيالسي 2609 والطبراني في «الكبير» (10904) والبيهقي
6/ 234 و239 و10/ 306 من طرق عن وهيب بن خالد بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 1615 وأبو داود 2898 والترمذي 2098 وابن ماجه
2740 والدارقطني 4/ 70- 71 وأحمد 1/ 313 وابن حبان 6029
والطبراني في «الكبير» (10902) من طرق عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ
عَنْ مَعْمَرٍ، عن ابن طاووس به.
وهو في «مصنف عبد الرزاق» برقم (19004) .
- وأخرجه البخاري 6746 ومسلم 1615 ح 3 وابن حبان 6028 والطحاوي
4/ 390 والبيهقي 6/ 239 من طرق عن يزيد بن زريع، عن روح بن
القاسم، عن ابن طاووس به.
(1) في الأصل «وهيب بن طاووس» والتصويب عن «ط» و «شرح السنة»
وكتب التخريج والتراجم. [.....]
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) في المخطوط وحده «درجتهما» .
(1/577)
كَانَ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ
مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَالْأُخْتُ لِلْأَبِ
وَالْأُمِّ أو للأب تَكُونُ عَصَبَةً مَعَ الْبِنْتِ حَتَّى
لَوْ مَاتَ عَنْ بِنْتٍ وَأُخْتٍ كَانَ النِّصْفُ لِلْبِنْتِ
وَالْبَاقِي لِلْأُخْتِ، فَلَوْ مَاتَ عَنْ بِنْتَيْنِ
وَأُخْتٍ فَلِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ وَالْبَاقِي
لِلْأُخْتِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا:
«536» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [1]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا آدَمُ أَنَا شُعْبَةُ أَنَا أَبُو
قَيْسٍ قَالَ: سمعت هزيل بْنَ شُرَحْبِيلَ قَالَ: سُئِلَ أَبُو
مُوسَى عَنِ ابْنَةٍ وَبِنْتِ ابْنٍ وَأُخْتٍ فَقَالَ:
لِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ، وَائْتِ ابْنَ
مَسْعُودٍ فَسَيُتَابِعُنِي فَسُئِلَ ابْنُ مَسْعُودٍ
وَأُخْبِرَ بِقَوْلِ أَبِي مُوسَى فَقَالَ: لَقَدْ ضَلَلْتُ
إذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ أَقْضِي فِيهَا بِمَا
قَضَى بِهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ:
لِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَلِابْنَةِ الِابْنِ السُّدُسُ
تَكْمِلَةُ الثُّلْثَيْنِ وَمَا بَقِيَ فَلِلْأُخْتِ،
فَأَتَيْنَا أَبَا مُوسَى فَأَخْبَرْنَاهُ بِقَوْلِ ابْنِ
مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: لَا تَسْأَلُونِي
مَا دَامَ هَذَا الْحَبْرُ فِيكُمْ.
رَجَعْنَا إِلَى تَفْسِيرِ الْآيَةِ. وَاخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ
نُزُولِهَا:
«537» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [2]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْوَلِيدِ أَنَا
شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المنكدر قال:
سَمِعْتُ [جَابِرًا يَقُولُ: جَاءَ] [3] رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي وَأَنَا مَرِيضٌ
لَا أَعْقِلُ فتوضأ وصبّ عليّ من
__________
536- إسناده صحيح على شرط البخاري لتفرد البخاري عن آدم، وهو
ابن عبد الرحمن العسقلاني، وقد توبع هو ومن دونه، شعبة هو ابن
الحجاج، أبو قيس هو الأودي اسمه عبد الرحمن بن مروان، أبو موسى
هو عبد الله بن قيس.
- وهو في «شرح السنة» (2211) بهذا الإسناد.
- رواه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (6736) عن آدم
بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 6742 وأبو داود 2890 والترمذي 2093 وابن ماجه
2721 وعبد الرزاق 19031 و19032 والطيالسي 375 وابن أبي شيبة
11/ 245 و246 وسعيد بن منصور 29 وأحمد 1/ 389 و428 و440 و463
والدارمي 2/ 348- 349 وابن حبان 6034 والطبراني في «الكبير»
(9869) و (9870) و (9871) و (9872) و (9873) و (9874) و (9875)
و (9876) و (9877) والدارقطني 4/ 79 و80 وابن الجارود 962
والطحاوي 4/ 392 والحاكم 4/ 334 و335 والبيهقي 6/ 229 و230 من
طرق عن أبي قيس به.
537- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، أبو الوليد هو
الطيالسي اسمه هشام بن عبد الملك، شعبة هو ابن الحجاج.
- وهو في «شرح السنة» (2212) بهذا الإسناد.
- رواه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (194) عن أبي
الوليد بهذا الإسناد.
- وأخرجه الدارمي 1/ 187 وابن حبان 1266 والبيهقي 1/ 235 من
طريق أبي الوليد الطيالسي بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 1/ 187 وابن حبان 1266 والبيهقي 1/ 235 من
طريق أبي الوليد الطيالسي بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 5676 و6743 ومسلم 1616 ح 8 وأحمد 3/ 298
والدارمي 1/ 187 والطبري 8732 من طرق عن شعبة به.
- وأخرجه البخاري 5651 و6723 و7309 ومسلم 1616 وأبو داود 2886
والترمذي 2097 و3015 وابن ماجه 2728 والحميدي 1229 وأحمد 3/
307 وابن خزيمة 106 من طرق عن سفيان بن عيينة، عن محمد بن
المنكدر به.
- وأخرجه البخاري 4577 ومسلم 1616 ح 6 والطبري 8733 وابن
الجارود 956 والواحدي في «أسباب النزول» (297) من طرق عن ابن
جريج، عن ابن المنكدر به.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «ط» ومن «صحيح
البخاري» ومن «شرح السنة» .
(1/578)
وَضُوئِهِ فَعَقَلَتُ، فَقُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ لِمَنِ الْمِيرَاثُ إِنَّمَا يَرِثُنِي
كَلَالَةً؟ فَنَزَلَتْ آيَةُ الْفَرَائِضِ.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي أُمِّ كُجَّةَ
امْرَأَةِ أَوْسِ بْنِ ثَابِتٍ وبناته [1] .
ع «538» وَقَالَ عَطَاءٌ: اسْتُشْهِدَ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ
النَّقِيبُ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ امْرَأَةً وَبِنْتَيْنِ
وَأَخًا، فَأَخَذَ الْأَخُ الْمَالَ فَأَتَتِ امْرَأَةُ سَعِدٍ
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِابْنَتَيْ سَعِدٍ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ
هَاتَيْنِ ابْنَتَا سَعْدٍ وَإِنَّ سَعْدًا قُتِلَ يَوْمَ
أُحُدٍ شَهِيدًا، وَإِنَّ عَمَّهُمَا أَخَذَ مَالَهُمَا وَلَا
تُنْكَحَانِ إِلَّا وَلَهُمَا مَالٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ارْجِعِي فَلَعَلَّ
اللَّهَ سَيَقْضِي فِي ذَلِكَ» ، فَنَزَلَ يُوصِيكُمُ اللَّهُ
فِي أَوْلادِكُمْ إِلَى آخِرِهَا، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّهُمَا فَقَالَ لَهُ:
«أَعْطِ ابْنَتَيْ سَعِدٍ الثُّلُثَيْنِ وَأَمَّهُمَا
الثُّمُنُ وَمَا بَقِيَ فهو لك» ، فهو أَوَّلُ مِيرَاثٍ
قُسِّمَ فِي الْإِسْلَامِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ
أَيْ: يَعْهَدُ إِلَيْكُمْ وَيَفْرِضُ عَلَيْكُمْ فِي
أَوْلَادِكُمْ، أَيْ:
فِي أَمْرِ أَوْلَادِكُمْ إِذَا مِتُّمْ، لِلذَّكَرِ مِثْلُ
حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. فَإِنْ كُنَّ، يَعْنِي:
الْمَتْرُوكَاتِ مِنَ الْأَوْلَادِ، نِساءً فَوْقَ
اثْنَتَيْنِ، أي: اثنتين فصاعدا وفَوْقَ صِلَةٍ، كَقَوْلِهِ
تَعَالَى: فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ [الْأَنْفَالِ:
12] ، فَلَهُنَّ ثُلُثا مَا تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ، يَعْنِي:
الْبِنْتَ، واحِدَةً، قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ [بِالنَّصْبِ] [2]
عَلَى خبر كان، رفعها أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَلَى مَعْنَى إِنْ
وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ، فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ،
يَعْنِي لِأَبَوَيِ الْمَيِّتِ كِنَايَةً عَنْ غَيْرِ
مَذْكُورٍ، لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ
إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ، أَرَادَ أَنَّ الْأَبَ وَالْأُمَّ
يَكُونُ لِكُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سُدُسُ الْمِيرَاثِ عِنْدَ
وُجُودِ الْوَلَدِ أَوْ وَلَدِ الِابْنِ، وَالْأَبُ يَكُونُ
صَاحِبَ فَرْضٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ
أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ، قَرَأَ حَمْزَةُ
وَالْكِسَائِيُّ «فَلِأُمِّهِ» بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ
اسْتِثْقَالًا [3] لِلضَّمَّةِ بَعْدَ الْكَسْرَةِ، وَقَرَأَ
الْآخَرُونَ بِالضَّمِّ عَلَى الْأَصْلِ فَإِنْ كانَ لَهُ
إِخْوَةٌ، اثْنَانِ أَوْ أَكْثَرُ ذُكُورًا أَوْ إِنَاثًا
فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ، وَالْبَاقِي يَكُونُ لِلْأَبِ إِنْ
كَانَ مَعَهَا أَبٌ، وَالْإِخْوَةُ لَا مِيرَاثَ لَهُمْ مَعَ
الْأَبِ، وَلَكِنَّهُمْ يَحْجُبُونَ الْأُمَّ مِنَ الثُّلُثِ
إِلَى السُّدُسِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا: لَا يَحْجُبُ الْإِخْوَةُ الْأُمَّ مِنَ الثُّلُثِ
إِلَى السُّدُسِ إِلَّا أَنْ يَكُونُوا ثلاثة لِأَنَّ اللَّهَ
تَعَالَى قَالَ: فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ
السُّدُسُ، وَلَا يُقَالُ لِلِاثْنَيْنِ إِخْوَةٌ، فَنَقُولُ
اسْمُ الْجَمْعِ قَدْ يَقَعُ عَلَى التَّثْنِيَةِ لِأَنَّ
الْجَمْعَ ضَمُّ شَيْءٍ إلى شيء فهو مَوْجُودٌ فِي
الِاثْنَيْنِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَقَدْ صَغَتْ
قُلُوبُكُما [التَّحْرِيمِ: 4] ذَكَرَ الْقَلْبُ بِلَفْظِ
الْجَمْعِ، وأضافه إلى اثنين، قَوْلُهُ تَعَالَى: مِنْ بَعْدِ
وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ
وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو بَكْرٍ «يُوصِي» بِفَتْحِ الصَّادِ
عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَكَذَلِكَ الثَّانِيَةُ
وَوَافَقَ حَفْصَ فِي الثَّانِيَةِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ
بِكَسْرِ الصَّادِ لِأَنَّهُ جَرَى ذِكْرُ الْمَيِّتِ مِنْ
قَبْلُ، بدليل قوله تعالى: يُوصِينَ، وتُوصُونَ.
ع «539» قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ: إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ الْوَصِيَّةَ قَبْلَ الدَّيْنِ،
وَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
(1) انظر الحديث المتقدم برقم: 530.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) في المطبوع «استقلالا» .
538- ع لم أره عن عطاء. وأخرجه أبو داود 2891 و2892 والترمذي
2092 وابن ماجه 2720 وأحمد 3/ 352 والحاكم 4/ 334 و342
والبيهقي 6/ 229 والواحدي 298 من حديث جابر.
وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال الترمذي: حسن صحيح اهـ.
قلت: ومداره على عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عقيل، وهو
لين الحديث فالإسناد لا بأس به.
539- ع أخرجه الترمذي 2122 وابن ماجه 2715 والطيالسي 179
والحميدي 56 وابن الجارود 950 وأحمد 1/ 79 والحاكم 4/ 336
والطبري 8738 و8739 والبيهقي 6/ 667 من حديث علي، وفيه الحارث
الأعور، وهو ضعيف
(1/579)
وَلَكُمْ نِصْفُ مَا
تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ
كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ
بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ
الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ
فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا
تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ
وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ
أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ
فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي
الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ
غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ
حَلِيمٌ (12)
بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ.
وَهَذَا إِجْمَاعٌ أَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى
الْوَصِيَّةِ. وَمَعْنَى الْآيَةِ الْجَمْعُ لَا التَّرْتِيبُ،
وَبَيَانُ أَنَّ الْمِيرَاثَ مُؤَخَّرٌ عَنِ الدَّيْنِ
وَالْوَصِيَّةِ جَمِيعًا، [مَعْنَاهُ] [1] مِنْ بَعْدِ
وَصِيَّةٍ إِنْ كَانَتْ أَوْ دين إن كان، والإرث مُؤَخَّرٌ
عَنْ كُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ،
يَعْنِي: الَّذِينَ يَرِثُونَكُمْ [آبَاؤُكُمْ
وَأَبْنَاؤُكُمْ] [2] ، لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ
لَكُمْ نَفْعاً، أَيْ: لَا تعلمون أيهم [3] أَنْفَعُ لَكُمْ
فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا فَمِنْكُمْ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ
الْأَبَ أَنْفَعُ لَهُ، فَيَكُونُ الِابْنُ أَنْفَعَ،
وَمِنْكُمْ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ الِابْنَ أَنْفَعُ لَهُ
فَيَكُونُ الْأَبُ أَنْفَعَ لَهُ، وَأَنَا الْعَالِمُ بِمَنْ
هُوَ أَنْفَعُ لَكُمْ، وَقَدْ دَبَّرْتُ [4] أَمْرَكُمْ عَلَى
مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ فَاتَّبِعُوهُ، وَقَالَ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَطْوعُكُمْ
لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ أرفعكم
درجة يوم القيامة، فالله تَعَالَى يُشَفِّعُ الْمُؤْمِنِينَ
بَعْضَهُمْ فِي بَعْضٍ، فَإِنْ كَانَ الْوَالِدُ أَرْفَعَ درجة
يوم القيامة فِي الْجَنَّةِ رُفِعَ إِلَيْهِ وَلَدُهُ وَإِنْ
كَانَ الْوَلَدُ أَرْفَعَ دَرَجَةً رُفِعَ إِلَيْهِ وَالِدُهُ
لِتَقَرَّ بِذَلِكَ أَعْيُنُهُمْ، فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ،
أَيْ ما قدّر الله مِنَ الْمَوَارِيثِ، إِنَّ اللَّهَ كانَ
عَلِيماً، بِأُمُورِ الْعِبَادِ، حَكِيماً، بِنُصُبِ الأحكام.
[سورة النساء (4) : آية 12]
وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ
لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ
مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ
دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ
يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ
الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ
بِها أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ
امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا
السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ
فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ
غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ
حَلِيمٌ (12)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْواجُكُمْ
إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ
فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ
يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ، هذا [فِي] [5] مِيرَاثِ
الْأَزْوَاجِ، وَلَهُنَّ الرُّبُعُ، يَعْنِي: لِلزَّوْجَاتِ
الرُّبُعُ، مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ
فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا
تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ،
هَذَا [فِي] [6] مِيرَاثِ الزَّوْجَاتِ وَإِذَا كَانَ
لِلرَّجُلِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَهُنَّ يَشْتَرِكْنَ فِي
الرُّبُعِ وَالثُّمُنِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ كانَ رَجُلٌ
يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ تُورَثُ كَلَالَةً، وَنَظْمُ
الْآيَةِ: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ يُورَثُ
كَلَالَةً وَهُوَ نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ، وَقِيلَ:
عَلَى خَبَرُ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، تقديره: وإن كَانَ
رَجُلٌ يُورَثُ مَالُهُ كَلَالَةً، وَاخْتَلَفُوا فِي
الْكَلَالَةِ فَذَهَبَ أَكْثَرُ
__________
لكنه إمام في الفرائض وقال الترمذي: والعمل عليه عند أهل
العلم.
وقال الحافظ في «التلخيص» (3/ 95) : والحارث وإن كان ضعيفا فإن
الإجماع منعقد على وفق ما روى اهـ.
- وتوبع فقد أخرجه الدارقطني 4/ 97 والبيهقي 6/ 267 من وجه
آخر، وفيه يحيى بن أبي أنيسة، وهو ضعيف، وبه أعله البيهقي.
- وله شاهد أخرجه ابن ماجه 2433 وأحمد 4/ 136 من حديث سعد بن
الأطول، وصححه البوصيري في «الزوائد» فالحديث حسن إن شاء الله.
[.....]
(1) زيادة عن المخطوط وط.
(2) زيد في المطبوع وط.
(3) تصحف في المطبوع وط «أنهم» .
(4) تصحف في المطبوع «دبر» .
5 زيادة عن المخطوط وط.
6 زيادة عن المخطوط وط.
(1/580)
الصَّحَابَةِ إِلَى أَنَّ الْكَلَالَةَ
مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ لَهُ. وَرُوِيَ عَنِ
الشَّعْبِيِّ قَالَ: سُئِلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ عَنِ الْكَلَالَةِ فَقَالَ: إِنِّي سأقول فيها
بِرَأْيِي فَإِنْ كَانَ صَوَابًا فَمِنَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ
خَطَأً فَمِنِّي وَمِنَ الشَّيْطَانِ، أَرَاهُ مَا خَلَا
الْوَالِدُ وَالْوَلَدُ، فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ عُمَرُ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: إِنِّي لِأَسْتَحْيِي مِنَ اللَّهِ
أَنْ أَرُدَّ شَيْئًا قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، وَذَهَبَ طَاوُسٌ إِلَى أَنَّ الْكَلَالَةَ مَنْ لَا
وَلَدَ لَهُ، وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَأَحَدُ [1]
الْقَوْلَيْنِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَاحْتَجَّ
مَنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ
لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ [النساء: 176] ، وَبَيَانُهُ عِنْدَ
الْعَامَّةِ مَأْخُوذٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ، لِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ
يَوْمَ نُزُولِهَا أَبٌ وَلَا ابْنٌ، لِأَنَّ أَبَاهُ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ حَرَامٍ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَآيَةُ
الْكَلَالَةِ نَزَلَتْ فِي آخِرِ عُمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَارَ شَأْنُ جَابِرٍ بَيَانًا
لِمُرَادِ الْآيَةِ لِنُزُولِهَا فِيهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي
أَنَّ الْكَلَالَةَ اسْمٌ لمن؟ فمنهم مَنْ قَالَ: اسْمٌ
لِلْمَيِّتِ، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا، لِأَنَّهُ مَاتَ عَنْ ذَهَابِ طَرَفَيْهِ،
فَكَلَّ عَمُودُ نَسَبِهِ، ومنه مَنْ قَالَ: اسْمٌ
لِلْوَرَثَةِ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ،
لِأَنَّهُمْ يَتَكَلَّلُونَ الْمَيِّتَ مِنْ جَوَانِبِهِ،
وَلَيْسَ فِي عَمُودِ نَسَبِهِ أَحَدٌ، كَالْإِكْلِيلِ يُحِيطُ
بِالرَّأْسِ وَوَسَطَ الرَّأْسِ مِنْهُ خَالٍ، وَعَلَيْهِ
يَدُلُّ حَدِيثُ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَيْثُ قَالَ:
إِنَّمَا يَرِثُنِي كَلَالَةً [2] ، أَيْ:
يَرِثُنِي وَرَثَةٌ لَيْسُوا بِوَلَدٍ وَلَا وَالِدٍ، قال
النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: الْكَلَالَةُ اسْمٌ لِلْمَالِ،
وَقَالَ أَبُو الْخَيْرِ: سَأَلَ رَجُلٌ عُقْبَةَ عَنِ
الْكَلَالَةِ فَقَالَ: أَلَا تَعْجَبُونَ مِنْ هَذَا
يَسْأَلُنِي عَنِ الْكَلَالَةِ، وَمَا أَعْضَلَ بِأَصْحَابِ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَعْضَلَتْ
بِهِمُ الْكَلَالَةُ، وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
ثَلَاثٌ لِأَنْ [3] يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَّنَهُنَّ لَنَا أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنَ
الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا: الكلالة والخلافة وأبواب الربا [4] .
ع «540» وَقَالَ مَعْدَانُ بْنُ أَبِي [5] طَلْحَةَ: خَطَبَ
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ:
إِنِّي لَا أَدَعُ بَعْدِي شَيْئًا أَهَمَّ عِنْدِي مِنَ
الْكَلَالَةِ، مَا رَاجَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَيْءٍ مَا رَاجَعْتُهُ فِي الكلالة،
وما أغلظ فِي شَيْءٍ مَا أَغْلَظَ لِي فِي الْكَلَالَةِ،
حَتَّى طَعَنَ بِأُصْبُعِهِ في صدري فقال: «يَا عُمَرُ أَلَا
تَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ الَّتِي فِي آخِرِ سُورَةِ
النِّسَاءِ» ، وَإِنِّي إِنْ أَعِشْ أَقْضِ بِقَضِيَّةٍ
يَقْضِي بِهَا مَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَمَنْ لَا يَقْرَأُ
[الْقُرْآنَ] [6] .
فقوله: «أَلَا تَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ» ؟ أَرَادَ: أَنَّ
اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْزَلَ فِي الْكَلَالَةِ آيَتَيْنِ
إِحْدَاهُمَا فِي الشِّتَاءِ وَهِيَ الَّتِي فِي أَوَّلِ
سُورَةِ النِّسَاءِ وَالْأُخْرَى فِي الصَّيْفِ، وَهِيَ
الَّتِي فِي آخِرِهَا، وَفِيهَا مِنَ الْبَيَانِ مَا لَيْسَ
فِي آيَةِ الشِّتَاءِ، فَلِذَلِكَ أَحَالَهُ عَلَيْهَا،
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ
مِنْهُمَا السُّدُسُ أَرَادَ بِهِ الْأَخَ وَالْأُخْتَ مِنَ
الأم بالاتفاق [و] قَرَأَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ «وَلَهُ
أَخٌ أَوْ أُخْتٌ مِنْ أُمٍّ» وَلَمْ يَقُلْ لَهُمَا مَعَ
ذِكْرِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ مِنْ قَبْلُ، عَلَى عَادَةِ
الْعَرَبِ إِذَا ذَكَرَتِ اسْمَيْنِ ثُمَّ أَخْبَرَتْ
عَنْهُمَا، وَكَانَا في الحكم سواء،
__________
(1) في المطبوع وحده «وآخر» .
(2) انظر ما تقدم برقم 537.
(3) في الأصل «لا» والتصويب عن «ط» وعن «كتب التخريج» .
(4) خبر عمر أخرجه الحاكم 2/ 304 وعبد الرزاق 10/ 302 والبيهقي
6/ 225 وصححه الحاكم على شرطهما ووافقه الذهبي وانظر «صحيح
البخاري» (7337) ومسلم 3032.
(5) في الأصل «معد بن طلحة» والتصويب من «ط» ومن «كتب التخريج»
.
(6) زيادة عن المخطوط.
540- ع صحيح. أخرجه مسلم 567 و1617 والنسائي في «الكبرى»
«11135» وأحمد 1/ 15 و27- 28 وأبو يعلى 184 عَنْ مَعْدَانَ
بْنِ أَبِي طَلْحَةَ به. ويأتي في آخر سُورَةِ النِّسَاءِ إِنْ
شَاءَ اللَّهُ تعالى.
(1/581)
تِلْكَ حُدُودُ
اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ
جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ
فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا
خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14) وَاللَّاتِي
يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا
عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا
فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ
الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15)
رُبَّمَا أَضَافَتْ إِلَى أَحَدِهِمَا،
وَرُبَّمَا أَضَافَتْ إِلَيْهِمَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ
[الْبَقَرَةِ: 45] ، فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ
شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ، فِيهِ إِجْمَاعٌ أَنَّ [أَوْلَادَ]
[1] الْأُمِّ إِذَا كَانُوا اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا
يَشْتَرِكُونَ فِي الثُّلُثِ ذَكَرُهُمْ وَأُنْثَاهُمْ، قَالَ
أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي
خُطْبَتِهِ:
أَلَا إِنَّ الْآيَةَ الَّتِي أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي
أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ فِي شَأْنِ [2] الْفَرَائِضِ
أَنْزَلَهَا فِي الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ والأم، وَالْآيَةُ
الثَّانِيَةُ فِي الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ والإخوة والأخوات
مِنَ الْأُمِّ، وَالْآيَةُ الَّتِي خَتَمَ بِهَا سُورَةَ
النِّسَاءِ فِي الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مِنَ الْأَبِ
وَالْأُمِّ، وَالْآيَةُ الَّتِي خَتَمَ بِهَا سُورَةَ
الْأَنْفَالِ أَنْزَلَهَا فِي أُولِي الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ
أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ.
مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ
أَيْ: غَيْرَ مُدْخَلٍ الضَّرَرَ عَلَى الْوَرَثَةِ بمجاوزة
الثُّلُثَ فِي الْوَصِيَّةِ، قَالَ [3] الْحَسَنُ: هُوَ أَنْ
يُوصِيَ بِدَيْنٍ لَيْسَ عَلَيْهِ، وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ
وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ، قَالَ قَتَادَةُ: كَرِهَ اللَّهُ
الضِّرَارَ فِي الْحَيَاةِ وَعِنْدَ الْمَوْتِ، وَنَهَى عَنْهُ
وَقَدَّمَ فِيهِ.
[سورة النساء (4) : آية 13]
تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ
خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13)
تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ، يَعْنِي: مَا ذَكَرَ مِنَ الْفُرُوضِ
[4] الْمَحْدُودَةِ، وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ
خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ.
[سورة النساء (4) : الآيات 14 الى 15]
وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ
يُدْخِلْهُ نَارًا خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ (14)
وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ
فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ
شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى
يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ
سَبِيلاً (15)
وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ
يُدْخِلْهُ نَارًا خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ (14) ،
قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَابْنُ عَامِرٍ «نُدْخِلْهُ
جَنَّاتٍ» ، و «ندخله نَارًا» ، وَفِي سُورَةِ الْفَتْحِ
نُدْخِلْهُ [الفتح: 17] ونُعَذِّبُهُ [الفتح: 17] وفي سورة
التغابن يُكَفِّرْ [التغابن: 9] ويُدْخِلْهُ [التغابن: 9] وفي
سورة الطلاق يُدْخِلْهُ [الطلاق: 11] بِالنُّونِ فِيهِنَّ،
وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ،
يَعْنِي: الزِّنَا، مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا
عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ، يَعْنِي: مِنَ
الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا خِطَابٌ لِلْحُكَّامِ، أَيْ:
فَاطْلُبُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنَ الشهود، [فيه بَيَانُ
أَنَّ الزِّنَا لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِأَرْبَعَةٍ مِنَ
الشُّهُودِ] [5] فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ،
فَاحْبِسُوهُنَّ، فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ
الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، وَهَذَا
كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ نُزُولِ الحدود، فكانت
الْمَرْأَةُ إِذَا زَنَتْ حُبِسَتْ فِي الْبَيْتِ [6] حَتَّى
تَمُوتَ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْبِكْرِ بِالْجَلْدِ
وَالتَّغْرِيبِ، وَفِي حَقِّ الثَّيِّبِ بِالْجَلْدِ والرجم.
__________
(1) زيادة عن المخطوط وط. [.....]
(2) في المطبوع وحده «بيان» .
(3) تصحف في المطبوع «فإن» .
(4) في المطبوع «الفرائض» .
(5) سقط من المخطوط.
(6) في المطبوع «البيوت» .
(1/582)
وَاللَّذَانِ
يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا
وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ
تَوَّابًا رَحِيمًا (16)
«541» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ
مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ
أَحْمَدَ الْخَلَّالِ أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ
أَنَا الرَّبِيعُ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ يُونُسَ عَنِ
الْحَسَنِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: «خُذُوا عَنِّي خُذُوا عَنِّي: قَدْ جَعَلَ اللَّهُ
لَهُنَّ سَبِيلًا، الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ
وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ
وَالرَّجْمُ» .
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَقَدْ حَدَّثَنِي
الثِّقَةُ أَنَّ الْحَسَنَ كَانَ يُدْخِلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
عُبَادَةَ حَطَّانَ الرقاشي، فلا أدري أدخله عبد الوهّاب
[فَنَزَلَ عَنْ] [1] كِتَابِي أَمْ لَا. قَالَ شَيْخُنَا
الْإِمَامُ: الْحَدِيثُ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمُ بْنُ
الْحَجَّاجِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَثْنَى عَنْ عَبْدِ
الْأَعْلَى عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ
حِطَّانَ بْنِ عبد الله عن عبادة [بن الصامت] [2] ، ثُمَّ
نُسِخَ الْجِلْدُ فِي حَقِّ الثَّيِّبِ وَبَقِيَ الرَّجْمُ
عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَذَهَبَ طَائِفَةٌ إِلَى
أَنَّهُ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا. رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ جَلَدَ شُرَاحَةَ الهَمْدَانِيَّةَ
يَوْمَ الْخَمِيسِ مِائَةً ثُمَّ رَجَمَهَا يَوْمَ
الْجُمُعَةِ، وَقَالَ: جَلَدْتُهَا بِكِتَابِ اللَّهِ
وَرَجَمْتُهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [3] . وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ
الثَّيِّبَ لَا يُجْلَدُ مَعَ الرَّجْمِ لِأَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَمَ مَاعِزًا
وَالْغَامِدِيَّةَ وَلَمْ يَجْلِدْهُمَا [4] . وَعِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: التَّغْرِيبُ أَيْضًا
مَنْسُوخٌ فِي حَقِّ الْبِكْرِ. وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ
عَلَى أَنَّهُ ثَابِتٌ.
ع «542» رَوَى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ضَرَبَ وَغَرَّبَ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
ضَرَبَ وَغَرَّبَ، وَأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
ضَرَبَ وَغَرَّبَ.
وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْإِمْسَاكَ فِي الْبَيْتِ كَانَ
حَدًّا فَنُسِخَ أَمْ كَانَ حَبْسًا لِيَظْهَرَ الْحَدُّ، على
قولين.
[سورة النساء (4) : آية 16]
وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تَابَا
وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ
تَوَّاباً رَحِيماً (16)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ، يَعْنِي
الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ، وَالْهَاءُ رَاجِعَةٌ إِلَى
الْفَاحِشَةِ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ (اللَّذَانِ،
وَاللَّذَيْنِ، وَهَاتَانِ، وَهَذَانَ) مُشَدِّدَةُ النُّونِ
لِلتَّأْكِيدِ، وَوَافَقَهُ أهل البصرة في (فذانك)
__________
541- حديث صحيح إسناده ضعيف لانقطاعه بين الحسن وعبادة بن
الصامت، لكن وصله مسلم وغيره، وهو حديث صحيح.
- وهو في «شرح السنة» (2574) بهذا الإسناد.
- رواه المصنف من طريق الشافعي، وهو في «مسنده» (2/ 77) عن عبد
الوهّاب بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 1690 وأبو داود 4416 والترمذي 1434 والنسائي في
«الكبرى» (7142- 7143) وابن أبي شيبة 10/ 180 وأحمد 5/ 313
و320 والطحاوي 3/ 134 وابن حبان 4425- 4427 وابن الجارود 810
والدارمي 2/ 181 والبيهقي 8/ 222 من طرق عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ
حِطَّانَ بْنِ عبد الله الرقاشي، عن عبادة بن الصامت به.
542- ع صحيح. أخرجه الترمذي 1438 والنسائي في «الكبرى» (7342)
والحاكم 4/ 369 والبيهقي 8/ 223 من طرق عن عبد الله بن إدريس،
عن عبيد الله، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ به. وصححه
الحاكم على شرطهما، ووافقه الذهبي، وقال الترمذي: حديث غريب،
رواه غير واحد عن عبد الله بن إدريس فرفعوه، ورواه بعضهم عن
ابن إدريس، عن عبيد الله، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أن
أبا بكر....» لم يذكروا فيه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلّم، وقد صح ذكر النفي في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ
وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ قلت: الإسناد الموصول على شرطهما، وله
شاهد صحيح.
(1) كذا في المطبوع وط، وفي المخطوط «فترك من» .
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) أثر علي، أخرجه البخاري 6812 وأحمد 1/ 107 عن الشعبي أن
عليا ... فذكره، وهذا مرسل، الشعبي لم يدرك عليا.
(4) يأتي ذكره إن شاء الله.
(1/583)
و [قرأ] [1] الآخرون بالتخفيف. قال أبو
عبيدة [2] : خَصَّ أَبُو عَمْرٍو (فَذَانِكَ) بِالتَّشْدِيدِ
لِقِلَّةِ الْحُرُوفِ فِي الِاسْمِ فَآذُوهُما قَالَ عَطَاءٌ
وَقَتَادَةُ: فَعَيِّرُوهُمَا بِاللِّسَانِ: أما خفت الله؟ أما
استحيت مِنَ اللَّهِ حَيْثُ [3] زَنَيْتَ؟ قَالَ ابْنِ
عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: سُبُّوهُمَا
وَاشْتُمُوهُمَا [4] ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ
بِاللِّسَانِ وَالْيَدِ يُؤْذَى بِالتَّعْيِيرِ وَضَرْبِ
النِّعَالِ، فَإِنْ قِيلَ: ذُكِرَ الْحَبْسُ فِي الْآيَةِ
الْأُولَى وَذُكِرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْإِيذَاءُ، فَكَيْفَ
وَجْهُ الْجَمْعِ؟ قِيلَ: الْآيَةُ الْأُولَى فِي النِّسَاءِ
وَهَذِهِ فِي الرِّجَالِ، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ، وَقِيلَ:
الْآيَةُ الْأُولَى فِي الثَّيِّبِ وَهَذِهِ فِي الْبِكْرِ،
فَإِنْ تَابَا، مِنَ الْفَاحِشَةِ وَأَصْلَحا، الْعَمَلَ
فِيمَا بَعْدُ، فَأَعْرِضُوا عَنْهُما، فَلَا تُؤْذُوهُمَا،
إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً، وَهَذَا كُلُّهُ كَانَ
قَبْلَ نُزُولِ الْحُدُودِ، فَنُسِخَتْ بالجلد والرجم، والجلد
فِي الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: الزَّانِيَةُ
وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ
جَلْدَةٍ وَالرَّجْمُ فِي السُّنَّةِ.
«543» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ
السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ
أَحْمَدَ السَّرَخْسِيُّ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ
بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو
مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ [بْنُ عَبْدِ اللَّهِ] [5] بْنِ عُتْبَةَ بْنِ
مَسْعُودٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ
الْجُهَنِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا
أَخْبَرَاهُ:
أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: اقْضِ يَا
رَسُولَ اللَّهِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَقَالَ
الْآخَرُ وَكَانَ أَفْقَهَهُمَا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ
فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَائْذَنْ لِي أَنْ
أَتَكَلَّمَ، فقال: «تَكَلَّمْ» ، قَالَ: إِنَّ ابْنِي كَانَ
عسيفا [أي: أجيرا] [6] عَلَى هَذَا، فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ
فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ، فَافْتَدَيْتُ
مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَبِجَارِيَةٍ لِي، ثُمَّ إِنِّي
سَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ فَأَخْبَرُونِي أَنَّمَا [7] عَلَى
ابْنِي جَلْدُ مائة وتغريب عام، وإنما الرجم
__________
543- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، ابن شهاب هو محمد بن
مسلم الزهري، عبد الله بن عتبة هو ابن أخي عبد الله بن مسعود.
- وهو في «شرح السنة» (2573) بهذا الإسناد.
- خرّجه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (2/ 822) عن ابن
شهاب بهذا الإسناد. ومن طريق مالك أخرجه البخاري 6633 و6842
وأبو داود 4445 والترمذي بإثر 1433 والنسائي 8/ 240- 241
والشافعي 2/ 78- 79 والطبراني 5190 والطحاوي 3/ 135.
- وأخرجه البخاري 2724 ومسلم 1697 والنسائي في «الكبرى» (7192)
وابن حبان 4437 والطبراني 5193 من طرق عن الليث، عن الزهري به.
- وأخرجه البخاري 2695 و6835 و7193 و7258 ومسلم 1697 وعبد
الرزاق 13309 و13310 وأحمد 4/ 115 والطحاوي 3/ 135 والطبراني
5188 و5189 و5195 و5196 و5199 من طرق عن الزهري به.
- وأخرجه الترمذي 1433 والنسائي 8/ 241- 242 وابن ماجه 2549
والحميدي 811 وأحمد 4/ 115- 116 والدارمي 2/ 177 والطحاوي 30/
134- 135 وابن الجارود 811 والطبراني 5192 والبيهقي 8/ 219
و222 من طرق عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ الزهري به.
وزاد سفيان فيه مع زيد وأبي هريرة «شبلا» . لكن الترمذي قال:
وهم فيه سفيان بن عيينة أدخل حديثا في حديث ... اهـ. ومراد
الترمذي أن سفيان وهم بزيادة- شبل- في الإسناد، وشبل بن خالد
لم يدرك النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. انظر
كلام الترمذي حول هذا.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) كذا في المطبوع والمخطوط، وفي- ط «عبيد» . [.....]
(3) في المخطوط وحده «حين» .
(4) كلا القولين ورد عن ابن عباس، والأولى العطف بالواو.
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) زيد في المطبوع وحده، وهي زيادة تفسيرية مدرجة في الحديث.
وقد جعلها الإمام مالك في آخر الحديث.
(7) في المطبوع «أن» والمثبت عن المخطوط وكتب التخريج.
(1/584)
إِنَّمَا التَّوْبَةُ
عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ
ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ
عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17)
عَلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا وَالَّذِي
نَفْسِي بِيَدِهِ لِأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ
اللَّهِ، أَمَّا غَنَمُكَ وَجَارِيَتُكَ فَرَدٌّ عَلَيْكَ» ،
وَجَلَدَ ابْنَهُ مِائَةً وَغَرَّبَهُ عَامًا وَأَمَرَ
أُنَيْسًا الْأَسْلَمِيَّ أَنْ يَأْتِيَ امْرَأَةَ الْآخَرِ
فَإِنِ اعْتَرَفَتْ رَجَمَهَا فَاعْتَرَفَتْ، فَرَجَمَهَا [1]
.
«544» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ
عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
أَنَّ اللَّهَ تعالى بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ
الْكِتَابَ، فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى آية
الرجم فقر أناها وعقلناها وو عيناها، رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم، ورجمنا بعده، وأخشى إِنْ طَالَ
بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: وَاللَّهِ مَا
نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى،
فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا الله تعالى في
كتابه، وَالرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى حَقٌ عَلَى
مَنْ زَنَى إِذَا أَحْصَنَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ،
إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوِ
الِاعْتِرَافُ.
وَجُمْلَةُ حَدِّ الزِّنَا: أَنَّ الزَّانِيَ إِذَا كَانَ
مُحْصَنًا وهو الذي اجتمعت فِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْصَافٍ:
الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْإِصَابَةُ
بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ، فَحَدُّهُ الرَّجْمُ مُسْلِمًا كَانَ
أَوْ ذِمِّيًّا وَهُوَ الْمُرَادُ مِنَ الثَّيِّبِ
الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ، وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ
إِلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ مِنْ شَرَائِطَ الإحصان، ولا يرجم
الذمي.
ع «545» وَقَدْ صَحَّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا،
وَكَانَا قَدْ أَحْصَنَا.
وَإِنْ كَانَ الزَّانِي غَيْرَ مُحْصَنٍ بِأَنْ لَمْ
تَجْتَمِعْ فِيهِ هَذِهِ الْأَوْصَافُ نَظَرَ إِنْ كَانَ
غَيْرَ بَالِغٍ أَوْ كَانَ مَجْنُونًا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ،
وَإِنْ كَانَ حُرًّا عَاقِلًا بَالِغًا غَيْرَ أَنَّهُ لم يحصن
بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ فَعَلَيْهِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ
عَامٍ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَعَلَيْهِ جَلْدُ خَمْسِينَ
وَفِي تَغْرِيبِهِ قَوْلَانِ، إِنْ قُلْنَا يُغَرَّبُ فِيهِ
قَوْلَانِ، أَصَحُّهُمَا نِصْفُ سَنَةٍ كَمَا يجلد خمسين على
[النصف من] [2] الحرّ.
[سورة النساء (4) : آية 17]
إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ
السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ
يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً
(17)
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ قَالَ
الْحَسَنُ: [يَعْنِي التَّوْبَةَ التي يقبلها] [3] ، فيكون-
على-
__________
544- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، صالح هو ابن كيسان،
وابن شهاب هو الزهري.
- وهو في «شرح السنة» (2576) بهذا الإسناد.
- خرّجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (6829) عن عبد
العزيز بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 1691 وأبو داود 4418 والنسائي في «الكبرى»
(7158) و (7159) والترمذي 1432 وابن ماجه 2553 وأحمد 1/ 29 و40
و47 و50 و55 وعبد الرزاق 7/ 13329 والحميدي 25 والدارمي 2/ 99-
100 والبيهقي 8/ 211 من طريق عن الزهري به.
545- ع صحيح. أخرجه ابن ماجه 2556 وابن أبي شيبة 10/ 149 و14/
149 وأحمد 2/ 17 وابن حبان 4431 و4432 من طرق عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مرفوعا
بنحوه.
وأخرجه مسلم 1699 ح 26 مطوّلا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مرفوعا. ويأتي في
مطلع سورة النور إن شاء الله تعالى.
(1) لفظ هذا الحديث مثبت عن «الموطأ» و «شرح السنة» وط، وفي
المخطوط اختلاف يسير، أما المطبوع ففيه زيادات وتغييرات.
(2) العبارة في المطبوع وط «نصف حد» .
(3) العبارة في المخطوط «التوبة يقبلها» .
(1/585)
بِمَعْنَى عِنْدَ، وَقِيلَ: مِنَ اللَّهِ،
لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ، قَالَ قَتَادَةُ:
أَجْمَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا عُصِيَ بِهِ اللَّهُ فَهُوَ
جَهَالَةٌ عَمْدًا كَانَ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَكُلَّ مَنْ عَصَى
اللَّهَ فَهُوَ جَاهِلٌ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْمُرَادُ مِنَ
الْآيَةِ: الْعَمْدُ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: لَمْ يَجْهَلْ
أَنَّهُ ذنب ولكنه جَهِلَ عُقُوبَتَهُ، وَقِيلَ: مَعْنَى
الْجَهَالَةِ:
اخْتِيَارُهُمُ اللَّذَّةَ الْفَانِيَةَ عَلَى اللَّذَّةِ
الْبَاقِيَةِ. ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ، قِيلَ:
مَعْنَاهُ قَبْلَ أَنْ يُحِيطَ السُّوءُ بِحَسَنَاتِهِ
فَيُحْبِطُهَا، وَقَالَ السُّدِّيُّ وَالْكَلْبِيُّ:
الْقَرِيبُ أَنْ يَتُوبَ فِي صِحَّتِهِ قَبْلَ مَرَضِ
مَوْتِهِ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ:
قَبْلَ الْمَوْتِ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: قَبْلَ مُعَايَنَةِ
مَلَكِ الْمَوْتِ.
«546» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ
الْمَلِيحِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ
أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ أَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ
أَنَا ابْنُ ثَوْبَانَ وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَابِتِ
بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ جُبَيْرِ
بْنِ نُفَيْرٍ [1] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ ما لم
يغزغر» .
«547» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ المليحي
أنا أبا مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سمعان [أنا
أبو جعفر بن
__________
546- حسن صحيح بشواهده. إسناده لين لأجل عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بْنُ ثَابِتِ بْنِ ثوبان، فقد ضعفه جماعة ووثقه آخرون، وباقي
الإسناد ثقات، مكحول هو أبو عبد الله الدمشقي.
- وهو في «شرح السنة» (1300) بهذا الإسناد.
خرجه المصنف من طريق علي بن الجعد وهو في «مسنده» برقم (3529)
عن ابن ثوبان بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 3537 وابن ماجه 4253 وأحمد 2/ 132 و135 وابن
حبان 628 والحاكم 4/ 257 وأبو نعيم في «الحلية» (5/ 190) من
طرق عن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَابِتِ بْنِ ثوبان بهذا
الإسناد.
- وله شاهد من حديث عبادة بن الصامت أخرجه الطبري 8859
والقضاعي في «مسند الشهاب» (1085) وفيه انقطاع بين قتادة
وعبادة.
- وله شاهد عن رجل من الصحابة أخرجه أحمد 3/ 425 وإسناده ضعيف.
لضعف عبد الرحمن البيلماني، لكن يصلح للاعتبار بحديثه.
(1) في الأصل «نفير» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة» و «كتب
التخريج» .
547- إسناده ضعيف لضعف ابن لهيعة، واسمه عبد الله، ودراج أيضا
ضعيف في روايته عن أبي الهيثم، وهو دراج بن سمعان، أبو الهيثم
هو سليمان بن عمرو.
هو في «شرح السنة» (1286) بهذا الإسناد.
وأخرجه البيهقي في «الأسماء والصفات» (265) من طريق ابن لهيعة
بهذا الإسناد وبهذا اللفظ.
وذكره الذهبي في «العلو» ص (72) من هذه الطريق وبهذا اللفظ
وقال: فيه دراج، وهو واه اهـ.
- وأخرجه أحمد 3/ 76 وأبو يعلى 1399 من طريق ابن لهيعة به دون
قوله «وارتفاع مكاني» وهذا إسناد ضعيف. لكن ورد من طرق أخرى
دون قوله «وارتفاع مكاني» .
- فقد أخرجه الحاكم 4/ 261 من طريق عمرو بن الحارث، عن دراج به
دون هذه الزيادة وصححه، وسكت الذهبي، وهو من رواية دراج عن أبي
الهيثم، وهي واهية.
- وأخرجه أحمد 3/ 29 و41 وأبو يعلى 1273 من طريق ليث عن يزيد
بن الهاد، عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطالب. عن أبي سعيد
الخدري مرفوعا دون هذه الزيادة وإسناده منقطع بين عمرو وأبي
سعيد.
وذكره الهيثمي في «المجمع» (10/ 207) وقال: رواه أحمد وأبو
يعلى والطبراني في «الأوسط» وأحد إسنادي أحمد رجاله رجال
الصحيح، وكذا أحد إسنادي أبي يعلى! قلت: هو منقطع بين عمرو بن
أبي عمرو وأبي سعيد الخدري، فإنه لا رواية له عنه كما في
«تهذيب الكمال» و «تهذيب التهذيب» .
(1/586)
وَلَيْسَتِ
التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى
إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ
وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ
أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18) يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا
النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا
بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ
بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ
فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا
وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19)
مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ
الْجَبَّارِ الرَّيَانِيُّ [1] أَنَا حُمَيْدُ بْنُ
زَنْجَوَيْهِ أَنَا أَبُو الْأُسُودِ] [2] أَنَا ابْنُ
لَهِيعَةَ عَنْ دَرَّاجٍ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:
أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَالَ: وَعِزَّتِكَ يَا رَبِّ لَا
أَبْرَحُ أُغْوِي عِبَادَكَ مَا دَامَتْ أَرْوَاحُهُمْ فِي
أَجْسَادِهِمْ، فَقَالَ الرَّبُّ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي
وَارْتِفَاعِ مَكَانِي لَا أَزَالُ أَغْفِرُ لَهُمْ مَا
اسْتَغْفَرُونِي» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ
وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً.
[سورة النساء (4) : الآيات 18 الى 19]
وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ
حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ
الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ
أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (18) يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ
كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا
آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ
وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى
أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً
كَثِيراً (19)
وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ،
يَعْنِي: الْمَعَاصِي حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ
الْمَوْتُ، وَوَقَعَ فِي النَّزْعِ، قالَ إِنِّي تُبْتُ
الْآنَ، وهي حال السّوق حين [3] يساق بروحه، لَا يُقْبَلُ مِنْ
كَافِرٍ إِيمَانٌ وَلَا مِنْ عَاصٍ تَوْبَةٌ، قَالَ اللَّهُ
تَعَالَى: فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا
رَأَوْا بَأْسَنا [غَافِرِ: 85] ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَنْفَعُ
إِيمَانُ فِرْعَوْنَ حِينَ أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ. وَلَا
الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا،
أَيْ: هَيَّأْنَا وَأَعْدَدْنَا، لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ
تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً:
ع «548» نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ كَانُوا فِي
الْجَاهِلِيَّةِ وَفِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، إِذَا مَاتَ
الرَّجُلُ وَلَهُ امْرَأَةٌ جَاءَ ابْنُهُ مِنْ غَيْرِهَا أَوْ
قَرِيبُهُ مِنْ [4] عَصَبَتِهِ فَأَلْقَى ثَوْبَهُ على تلك
المرأة أو على خِبَائِهَا فَصَارَ أَحَقَّ بِهَا مِنْ
نَفْسِهَا وَمِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ شَاءَ تَزَوُّجَهَا
بِغَيْرِ صَدَاقٍ إِلَّا الصَّدَاقَ الْأَوَّلَ الَّذِي
أَصْدَقَهَا الْمَيِّتُ، وَإِنْ شَاءَ زَوَّجَهَا غَيْرَهُ
وَأَخَذَ صَدَاقَهَا، وَإِنْ شَاءَ عَضَلَهَا وَمَنَعَهَا مِنَ
الْأَزْوَاجِ يُضَارُّهَا لِتَفْتَدِيَ مِنْهُ بِمَا
وَرِثَتْهُ مِنَ الْمَيِّتِ أَوْ تَمُوتَ هِيَ فَيَرِثُهَا
فَإِنْ ذَهَبَتِ الْمَرْأَةُ إِلَى أَهْلِهَا قَبْلَ أَنْ
يُلْقِيَ عَلَيْهَا وَلِيُّ زَوْجِهَا ثَوْبَهُ فَهِيَ أَحَقُّ
بِنَفْسِهَا، فَكَانُوا عَلَى هَذَا حَتَّى تُوُفِّيَ أَبُو
قَيْسِ بْنُ الْأَسْلَتِ الْأَنْصَارِيُّ وَتَرَكَ امْرَأَتَهُ
كُبَيْشَةَ بِنْتَ مَعْنٍ الْأَنْصَارِيَّةَ، فَقَامَ ابْنٌ
لَهُ مِنْ غَيْرِهَا يُقَالُ لَهُ حصن- وقال
__________
548- ع ذكره الواحدي في «أسباب النزول» (300) بهذا السياق بدون
إسناد نقلا عن المفسرين.
وأخرجه بنحوه الطبري 8874 من حديث ابن عباس في قَوْلِهِ: يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا
النِّساءَ كَرْهاً الآية قال: كان الرجل إذا مات أبوه....
فيذهب بمالها» قال ابن جريج فأخبرني عطاب بن أبي رباح: أَنَّ
أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا إِذَا هلك الرجل....
فنزلت....» قال ابن جريج ومجاهد: كان الرجل إذا توفي أبوه، كان
أحق بامرأته....» قال ابن جريج: وقال عكرمة: نزلت في كبيشة بنت
معن بن عاصم....» .
وانظر «فتح الباري» (8/ 247) وله شاهد من حديث أبي أمامة سهل
بن حنيف أخرجه الطبري 8871 وحسّن إسناده الحافظ في «الفتح» (8/
247) . [.....]
(1) في الأصل «الزياتي» والتصويب عن «ط» وعن «الأنساب» و «شرح
السنة» .
(2) سقط من المخطوط.
(3) تصحف في المطبوع «حتى» .
(4) زيد في المطبوع «ذوي» .
(1/587)
وَإِنْ أَرَدْتُمُ
اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ
قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ
بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ
وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ
مِيثَاقًا غَلِيظًا (21) وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ
آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ
كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا (22)
مقاتل بن حبان: اسْمُهُ قَيْسُ بْنُ أَبِي
قَيْسٍ- فَطَرَحَ ثَوْبَهُ عَلَيْهَا فَوَرِثَ نِكَاحَهَا، ثم
تركها فلم يقربها وَلَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا يُضَارُّهَا
لِتَفْتَدِيَ مِنْهُ، فَأَتَتْ كُبَيْشَةُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ إِنَّ أَبَا قَيْسٍ تُوُفِّيَ وَوَرِثَ نِكَاحِي
ابْنُهُ فَلَا [هُوَ] [1] يُنْفِقُ عَلَيَّ وَلَا يَدْخُلُ بِي
وَلَا يُخَلِّي سَبِيلِي، فَقَالَ: «اقْعُدِي فِي بَيْتِكِ
حَتَّى يَأْتِيَ فِيكِ أَمْرُ اللَّهِ» ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ
تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ
أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً.
قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ [كُرْهًا] [2] بِضَمِّ
[الْكَافِ هَاهُنَا وفي سورة التَّوْبَةِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ
بِالْفَتْحِ قَالَ الكسائي هما] [3] لغتان وقال الْفَرَّاءُ:
الْكَرْهُ بِالْفَتْحِ مَا أُكْرِهُ عَلَيْهِ، وَبِالضَّمِّ
مَا كَانَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ مِنَ الْمَشَقَّةِ، وَلا
تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ،
أَيْ: لَا تَمْنَعُوهُنَّ مِنَ الْأَزْوَاجِ ليضجرن فيفتدين
ببعض مالهن، قِيلَ: هَذَا خِطَابٌ لِأَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ،
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ خِطَابٌ لِلْأَزْوَاجِ، قَالَ ابْنِ
عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: هَذَا فِي الرَّجُلِ
تَكُونُ لَهُ الْمَرْأَةُ وَهُوَ كَارِهٌ لِصُحْبَتِهَا
وَلَهَا عَلَيْهِ مَهْرٌ فَيُضَارُّهَا لِتَفْتَدِيَ وَتَرُدَّ
إِلَيْهِ مَا سَاقَ إِلَيْهَا مِنَ الْمَهْرِ، فَنَهَى اللَّهُ
تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ
بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ فَحِينَئِذٍ يَحِلُّ لَكُمْ
إِضْرَارُهَنَّ لِيَفْتَدِينَ مِنْكُمْ، وَاخْتَلَفُوا في
الفاحشة، فقال ابْنُ مَسْعُودٍ وَقَتَادَةُ: هِيَ النُّشُوزُ،
وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ: هِيَ الزِّنَا،
يَعْنِي: الْمَرْأَةُ إِذَا نَشَزَتْ، أَوْ زَنَتْ حَلَّ
لِلزَّوْجِ أَنْ يَسْأَلَهَا الْخُلْعَ، وَقَالَ عَطَاءٌ:
كَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَصَابَتِ امْرَأَتُهُ فَاحِشَةً أَخَذَ
مِنْهَا مَا سَاقَ إِلَيْهَا وَأَخْرَجَهَا [فَنَسَخَ اللَّهُ
تَعَالَى ذَلِكَ بِالْحُدُودِ] [4] وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ
وأبو بكر (مبينة) ، و (مبينات) بِفَتْحِ الْيَاءِ، وَوَافَقَ
أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ فِي (مُبَيَّنَاتٍ)
وَالْبَاقُونَ بِكَسْرِهَا [5] ، وَعاشِرُوهُنَّ
بِالْمَعْرُوفِ، قال الحسن: راجع إِلَى أَوَّلِ الْكَلَامِ،
يَعْنِي: وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً [النساء:
4] وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، والمعاشرة بالمعروف: هو [6]
الْإِجْمَالُ فِي الْقَوْلِ وَالْمَبِيتِ وَالنَّفَقَةِ،
وَقِيلَ: هُوَ [7] أَنْ يَتَصَنَّعَ [8] لَهَا كَمَا
تَتَصَنَّعُ [9] لَهُ، فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ
تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً
كَثِيراً، قِيلَ: هُوَ وَلَدٌ صَالِحٌ، أَوْ يَعْطِفُهُ الله
عليها.
[سورة النساء (4) : الآيات 20 الى 22]
وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ
وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ
شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (20)
وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ
وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (21) وَلا تَنْكِحُوا
مَا نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ
إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً (22)
وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ، أراد
بالزوج الزوجة إذا لم يَكُنْ مِنْ قِبَلِهَا نُشُوزٌ وَلَا
فاحشة، وَآتَيْتُمْ [أعطيتم] [10] إِحْداهُنَّ قِنْطاراً،
وَهُوَ الْمَالُ الْكَثِيرُ صداقا، فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ،
[أي] [11] :
مِنَ الْقِنْطَارِ، شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ، اسْتِفْهَامٌ
[نهي] [12] بِمَعْنَى التَّوْبِيخِ، بُهْتاناً وَإِثْماً
مُبِيناً، انْتِصَابُهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا
بِنَزْعِ الْخَافِضِ، وَالثَّانِي: بِالْإِضْمَارِ
تَقْدِيرُهُ: تُصِيبُونَ فِي أَخْذِهِ بُهْتَانًا وَإِثْمًا
ثُمَّ قال:
وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ، عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعْظَامِ،
وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ، أَرَادَ بِهِ
الْمُجَامَعَةَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ يُكَنِّي، وَأَصْلُ
الْإِفْضَاءِ: الْوُصُولُ إِلَى الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ
وَاسِطَةٍ، وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) زيادة عن المخطوط وط.
(4) العبارة في المطبوع «فنسخ في ذلك في الحدود» .
(5) في المخطوط وحده «بكسرهما» .
(6) في المطبوع وط «هي» .
(7) في المطبوع «هي» .
(8) في المطبوع «يصنع» .
(9) في المطبوع «تصنع» والمثبت عن المخطوط وط والقرطبي.
(10) سقط من المطبوع وط. [.....]
(11) زيادة عن المخطوط.
(12) زيادة عن المخطوط. وسقط لفظ «بمعنى» من المخطوط.
(1/588)
غَلِيظاً، قَالَ الْحَسَنُ وَابْنُ
سِيرِينَ وَالضَّحَّاكُ وَقَتَادَةُ: هُوَ قَوْلُ الْوَلِيِّ
عِنْدَ الْعَقْدِ: زَوَّجْتُكَهَا عَلَى مَا أَخَذَ اللَّهُ
لِلنِّسَاءِ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ إِمْسَاكٍ بِمَعْرُوفٍ أَوْ
تَسْرِيحٍ بإحسان.
ع «549» وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَعِكْرِمَةُ: هُوَ مَا رُوِيَ
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ
قَالَ: «اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ
أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ تَعَالَى
وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى»
.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آباؤُكُمْ
مِنَ النِّساءِ، كَانَ أَهْلُ الجاهلية ينكحون أزواج آبائهم.
ع «550» قال أشعث بْنُ سَوَّارٍ: تُوُفِّيَ أَبُو قَيْسٍ
وَكَانَ مِنْ صَالِحِي الْأَنْصَارِ فَخَطَبَ ابْنُهُ قَيْسٌ
امْرَأَةَ أَبِيهِ فَقَالَتْ: إِنِّي اتَّخَذْتُكَ وَلَدًا
وَأَنْتَ مِنْ صَالِحِي قَوْمِكَ، وَلَكِنِّي آتِي رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْتَأْمِرْهُ،
فَأَتَتْهُ فَأَخْبَرَتْهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلا
تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا مَا
قَدْ سَلَفَ، قِيلَ: بَعْدَ مَا سَلَفَ، وَقِيلَ:
مَعْنَاهُ لَكِنْ مَا سَلَفَ، أَيْ: مَا مَضَى فِي
الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، إِنَّهُ كانَ
فاحِشَةً أَيْ: إِنَّهُ فَاحِشَةٌ، وكانَ فِيهِ صِلَةٌ،
وَالْفَاحِشَةُ أَقْبَحُ الْمَعَاصِي، وَمَقْتاً أَيْ: يُورِثُ
مَقْتَ اللَّهِ، وَالْمَقْتُ: أَشَدُّ الْبُغْضِ، وَساءَ
سَبِيلًا، وَبِئْسَ ذَلِكَ طَرِيقًا وَكَانَتِ الْعَرَبُ
تَقُولُ لِوَلَدِ الرَّجُلِ مِنِ امْرَأَةِ أَبِيهِ: مَقِيتٌ
وَكَانَ مِنْهُمُ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ وَأَبُو مُعِيطِ
بْنُ أَبِي عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ.
«551» أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيُّ
أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ السِّجْزِيُّ
أَنَا الْإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ أَنَا
أَحْمَدُ بْنُ هِشَامٍ الْحَضْرَمِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيُّ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ
عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ
الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: مَرَّ بِي خَالِي وَمَعَهُ
لِوَاءٌ فَقُلْتُ: أَيْنَ تَذْهَبُ؟ قَالَ: بَعَثَنِي
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى رَجُلٍ
تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ آتِيهِ برأسه.
__________
549- ع صحيح. أخرجه مسلم 1218 وأبو داود 1905 وابن ماجه 3074
والدارمي 1793 في أثناء حديث جابر في صفة حَجَّةِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم. وتقدم.
550- ع ذكره الواحدي في «أسباب النزول» (302) بهذا السياق.
وأخرجه البيهقي 7/ 161 من طريق أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ، عَنْ
عَدِيِّ بن ثابت الأنصاري به. وقال البيهقي: هذا مرسل وبمعناه
ذكره غير واحد من أهل التفسير اهـ.
وأشعث بن سوار ضعيف كما في «التقريب» . وانظر الحديث 548.
551- حديث قوي بطرقه. إسناده ضعيف لضعف أحمد بن عبد الجبار،
وأشعث بن سوّار، لكن تابعهما غير واحد، وباقي الإسناد ثقات.
- وهو في «شرح السنة» (2586) بهذا الإسناد.
لكن ورد من وجه آخر فقد.- أخرجه أبو داود 4457 والترمذي 1362
والنسائي 6/ 109- 110 وابن ماجه 2607 وعبد الرزاق 10804 وأحمد
4/ 292 و295 والحاكم 2/ 191 والدارقطني 3/ 196 من طرق عن
البراء بن عازب به، صححه الحاكم ووافقه الذهبي، وقال الترمذي:
حسن غريب اهـ. وهو قوي لمجيئه من طرق عن عدي بن ثابت، وعدي ثقة
روى له الستة.
- وورد بنحوه من حديث مطرّف عن أبي الجهم، عن البراء بن عازب.
أخرجه أبو داود 4456 والدارقطني 3/ 196 والحاكم 2778 وسكت عنه،
وقال الذهبي: إسناده مليح اهـ.
وقال المنذري: قد اختلف فيه اختلافا كثيرا، وللحديث أسانيد
كثيرة، منها ما رجاله رجال الصحيح اهـ. «التعليق المغني»
للآبادي.
(1/589)
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ
أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ
وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ
وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ
مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ
اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي
دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ
فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ
مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ
إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا
(23)
[سورة النساء (4) : آية 23]
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ
وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ
وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ
وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ
وَرَبائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ
اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا
دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ
أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا
بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ
كانَ غَفُوراً رَحِيماً (23)
قَوْلُهُ تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ [إلى آخر]
[1] الْآيَةَ، بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ
الْمُحَرَّمَاتِ بِسَبَبِ الْوُصْلَةِ، وَجُمْلَةُ
الْمُحَرَّمَاتِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَرْبَعَ
عَشْرَةَ: سَبْعٌ بِالنَّسَبِ، وَسَبْعٌ بِالسَّبَبِ، فَأَمَّا
السَّبْعُ بِالسَّبَبِ فَمِنْهَا اثْنَتَانِ بِالرِّضَاعِ
وَأَرْبَعٌ بِالصِّهْرِيَّةِ وَالسَّابِعَةُ الْمُحْصَنَاتُ،
وَهُنَّ ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ، وَأَمَّا السَّبْعُ بِالنَّسَبِ
فَقَوْلُهُ تَعَالَى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ
وَهِيَ جَمْعُ أمّ فيدخل فيه الْجَدَّاتُ وَإِنْ عَلَوْنَ مِنْ
قِبَلِ الأم أو من قبل الأب، وَبَناتُكُمْ، [وهي] [2] جَمْعُ:
الْبِنْتِ، فَيَدْخُلُ فِيهِنَّ بَنَاتُ الْأَوْلَادِ وَإِنْ
سَفَلْنَ، وَأَخَواتُكُمْ، جَمْعُ الْأُخْتِ سَوَاءٌ كَانَتْ
مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْ مِنْ قِبَلِ أَحَدِهِمَا،
وَعَمَّاتُكُمْ جَمْعُ الْعَمَّةِ، وَيَدْخُلُ فِيهِنَّ
جَمِيعُ أَخَوَاتِ آبَائِكَ وَأَجْدَادِكَ وإن علوا،
وَخالاتُكُمْ جَمْعُ خَالَةٍ، وَيَدْخُلُ فِيهِنَّ أَخَوَاتِ
أُمَّهَاتِكَ وَجَدَّاتِكَ، وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ
الْأُخْتِ، فيدخل فِيهِنَّ بَنَاتَ أَوْلَادِ الْأَخِ
وَالْأُخْتِ وَإِنْ سَفَلْنَ، وَجُمْلَتُهُ: أَنَّهُ يَحْرُمُ
عَلَى الرَّجُلِ أُصُولُهُ وَفُصُولُهُ وَفُصُولُ أَوَّلِ
أُصُولِهِ وَأَوَّلُ فَصْلٍ مِنْ كل أصل بعده، والأصول هن
الْأُمَّهَاتُ وَالْجَدَّاتُ، وَالْفُصُولُ الْبَنَاتُ
وَبَنَاتُ الأولاد، وفصول أول أصوله هن [3] الْأَخَوَاتُ
وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ، وَأَوَّلُ فَصْلٍ مِنْ
كُلِّ أَصْلٍ بَعْدَهُ هُنَّ الْعَمَّاتُ وَالْخَالَاتُ وَإِنْ
عَلَوْنَ، وَأَمَّا الْمُحَرَّمَاتُ بِالرَّضَاعِ فَقَوْلُهُ
تَعَالَى: وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ
وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ، وَجُمْلَتُهُ: أَنَّهُ
يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ.
«552» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا زاهر
بْنِ أَحْمَدَ [الْخَلَّالِ] [4] أَنَا أَبُو إِسْحَاقُ
الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ
عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرَ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ
الْوِلَادَةِ» .
«553» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا
زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ
قال: أخبرنا أبو مصعب
__________
552- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- وهو في «شرح السنة» (2272) بهذا الإسناد.
- رواه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (2/ 607) عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ به.
- ومن طريق مالك أخرجه أبو داود 2055 والترمذي 1147 والنسائي
6/ 99 والشافعي 2/ 19- 20 وأحمد 6/ 44 و51 والدارمي 2/ 196
وابن حبان 4223 والبيهقي 6/ 275.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل
العلم مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه
وسلّم.... اهـ.
553- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- وهو في «شرح السنة» (2271) بهذا الإسناد.
- خرجه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (2/ 601) عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بكر به. ومن طريق مالك أخرجه
البخاري 2646 و3105 ومسلم 1444 والنسائي 6/ 99 وأحمد 6/ 178
والدارمي 2/ 155 و156 والبيهقي 7/ 159.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيد في المطبوع وحده.
(3) في المطبوع «هي» .
(4) زيادة عن المخطوط.
(1/590)
عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ
عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهَا:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كَانَ عِنْدَهَا وَأَنَّهَا سَمِعَتْ صَوْتَ رَجُلٍ
يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ [هَذَا رجل
يستأذن في بيتك، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه
وسلّم: «أراه فلانا» - لعم حفصة من الرضاعة- فَقُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ] [1] لَوْ كَانَ فُلَانٌ حَيًّا- لِعَمِّهَا
مِنَ الرَّضَاعَةِ- أَيَدْخُلُ عَلَيَّ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«نَعَمْ إِنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا يَحْرُمُ مِنَ
الْوِلَادَةِ» .
وَإِنَّمَا تَثْبُتُ حُرْمَةُ الرَّضَاعِ بِشَرْطَيْنِ
أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ اسْتِكْمَالِ الْمَوْلُودِ
حَوْلَيْنِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ
[البقرة: 233] .
ع «554» وَرُوِيَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «لَا يُحَرِّمُ مِنَ الرَّضَاعِ إِلَّا ما فتق
الأمعاء» .
ع «555» وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا
رَضَاعَ إِلَّا مَا أَنْشَزَ الْعَظْمَ وَأَنْبَتَ اللَّحْمَ»
.
وَإِنَّمَا يَكُونُ هَذَا فِي حَالِ الصِّغَرِ، وَعِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُدَّةَ الرِّضَاعِ
ثَلَاثُونَ شَهْرًا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَحَمْلُهُ
وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً [الْأَحْقَافِ: 15] ، وَهُوَ
عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ لِأَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ،
وَأَكْثَرِ مُدَّةِ الرِّضَاعِ، وَأَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ
سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَالشَّرْطُ الثَّانِي أَنْ يُوجَدَ خَمْسُ
رَضَعَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَبِهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
الزُّبَيْرِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ
تَعَالَى وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ قليل
الرضاع وكثيره محرم، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ
عُمَرَ، وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَإِلَيْهِ
ذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ
وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ،
وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْقَلِيلَ لَا يُحَرِّمُ
بِمَا:
«556» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ
أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ
أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا
__________
- وأخرجه مسلم 1444 ح 2 وعبد الرزاق 3952 والبيهقي 7/ 451 من
طرق عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بكر به.
554- ع جيد. أخرجه الترمذي 1152 والنسائي في «الكبرى» (5465)
وابن حبان 4224 من طريق أبي عوانة، عَنْ هِشَامِ بْنِ
عُرْوَةَ، عَنْ فاطمة بنت المنذر، عن أم سلمة به. وزاد الترمذي
في آخره «في الثدي وكان قبل الفطام» قال: هذا حديث حسن صحيح
اهـ. وإسناده صحيح على شرط مسلم.
- وله شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه البزار 1444 والبيهقي 7/
456 في إسناده محمد بن إسحاق مدلس، وقد عنعن وقال البيهقي:
رواه الزهري، عن عروة موقوفا على أبي هريرة ببعض معناه اهـ.
- ومن حديث عبد الله بن الزبير أخرجه ابن ماجه 1946 وقال
البوصيري في «الزوائد» إسناده ضعيف لضعف ابن لهيعة فيه ما فيه
اهـ. وانظر «أحكام القرآن» (435) بتخريجي، والله الموفق.
555- ع ضعيف. أخرجه أبو داود 2060 وأحمد 1/ 432 والدارقطني 4/
72- 173 والبيهقي 7/ 460- 461 من حديث ابن مسعود، وعنه الهلالي
وعنه ابنه أبو موسى الهلالي.
قال ابن حجر في «التلخيص» (4/ 4) : في إسناده أبو موسى الهلالي
عن أبيه، وهما مجهولان اهـ.
قلت: ولذا أخرجه أبو داود أيضا 2059 عن ابن مسعود موقوفا وزاد
في إسناده عن الهلالي، عن ابن لعبد الله بن مسعود، وهذا يعني
أن الحديث المرفوع فيه انقطاع بين الهلالي وابن مسعود أيضا،
فالراجح فيه الوقف. [.....]
556- حديث صحيح، إسناده حسن، مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عبد الحكم ومن دونه ثقات وقد توبعوا، ومن فوقه رجال
البخاري ومسلم.
- وهو في «شرح السنة» (2277) بهذا الإسناد.
وأخرجه البيهقي 7/ 454 عن أبي العباس الأصم به وأخرجه الشافعي
2/ 21 من طريق أنس بن عياض به.
(1) ما بين المعقوفتين سقط من- ط.
(1/591)
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ
الْحَكَمِ أَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ
عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ
يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ مِنَ الرَّضَاعِ
وَالْمَصَّتَانِ» . هَكَذَا رَوَى بَعْضُهُمْ هذا الحديث.
ع «557» وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ.
«558» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا
زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ
أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
أَبِي بَكْرِ [بْنِ] [1] مُحَمَّدِ بْنِ عمرو [2] بْنِ حَزَمٍ
عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ
الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قالت: كان
فيما أنزل فِي الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ
يحرمن، ثم نسخن [3] بخمس
__________
- وأخرجه النسائي 6/ 101 وأحمد 4/ 4 و5 وابن حبان 4225 من طريق
هشام بن عروة به.
- وأخرجه النسائي في «الكبرى» (5457) وابن حبان 4226 عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عن الزبير مرفوعا.
قال الترمذي بإثر 1150: وزاد فيه محمد بن دينار البصري «عن
الزبير، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم» وهو
غير محفوظ، والصحيح عند أهل الحديث حديث ابن أَبِي مُلَيْكَةَ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن الزبير، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلّم اهـ. وانظر الحديث الآتي.
557- ع صحيح. أخرجه مسلم 1450 وأبو داود 2063 والترمذي 1150
والنسائي 6/ 101 وابن ماجه 1941 وأحمد 6/ 95 و96 و216
والدارقطني 4/ 172 وابن حبان 4228 والبيهقي 7/ 454 و455 من طرق
عن ابن أبي مليكة به.
- وأخرجه أحمد 6/ 647 والدارمي 2169 وابن حبان 4227 من طريق
عروة، عن عائشة دون ذكر ابن الزبير بينهما.
وانظر ما تقدم، وما يأتي.
558- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- وهو في «شرح السنة» (2276) بهذا الإسناد.
- وهو في «الموطأ» (2/ 608) عن عبد الله بن أبي بكر به.
ومن طريق مالك أخرجه مسلم 1452 ح 24 وأبو داود 2062 والترمذي
بإثر 1150 (3/ 456) والنسائي 6/ 100 والشافعي 2/ 21 والدارمي
2/ 157 وابن حبان 4221 والبيهقي 7/ 454.
- وأخرجه مسلم 1452 ح 25 والشافعي 2/ 21 والبيهقي 7/ 454 من
طرق، عن يحيى بن سعيد، عن عمرو، عن عائشة بنحوه.
قال المصنف في «شرح السنة» (5/ 64) : اختلف أهل العلم فيما
تثبت به الحرمة من الرضاع، فذهب جماعة من أصحاب النبي صلّى
الله عليه وسلّم وغيرهم إلى أنه لا تثبت بأقل من خمس رضعات
متفرقات، وبه كانت تفتي عائشة وبعض أزواج النبي صلّى الله عليه
وسلّم وهو قول عبد الله بن الزبير، وإليه ذهب الشافعي وإسحاق.
وقال أحمد: إن ذهب ذاهب إلى قول عائشة في خمس رضعات، فهو مذهب
قوي.
- وذهب أكثر أهل العلم إلى أن قليل الرضاع وكثيره محرّم، يروى
ذلك عن ابن عباس، وابن عمر، وبه قال سعيد بن المسيب، وعروة بن
الزبير والزهري، وهو قول سفيان الثوري، ومالك والأوزاعي وعبد
الله بن المبارك ووكيع وأصحاب الرأي.
- وذهب أبو عبيد وأبو ثور، وداود إلى أنه لا يحرم أقل من ثلاث
رضعات لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تحرّم المصة والمصتان»
ويحكى عن بعضهم أن التحريم لا يقع بأقل من عشر رضعات، وهو قول
شاذ.
- وقول عائشة: فتوفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهن فيما
يقرأ في القرآن: أرادت به قرب عهد النسخ من وفاة رسول الله
صلّى الله عليه وسلّم حتى كان بعض من لم يبلغه النسخ يقرؤه على
الرسم الأول، لأن النسخ لا يتصور بعد رسول الله صلّى الله عليه
وسلّم، ويجوز بقاء الحكم مع نسخ التلاوة كالرجم في حكمه باق مع
ارتفاع التلاوة في القرآن، لأن الحكم يثبت بأخبار الآحاد، ويجب
العمل به والقرآن لا يثبت بأخبار الآحاد، فلم تجز كتابته بين
الدفتين اهـ.
(1) زيادة عن كتب التراجم والتخريج.
(2) في الأصل «عمر» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب «التخريج» .
(3) كذا في المطبوع وط، وفي المخطوط «نسخ» وفي «شرح السنة» ،
«نسخت» .
(1/592)
مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ
مِنَ الْقُرْآنِ.
وَأَمَّا الْمُحَرَّمَاتُ بِالصِّهْرِيَّةِ فَقَوْلُهُ:
وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ، وَجُمْلَتُهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ عَقَدَ
النِّكَاحَ على امرأة فتحرم عَلَى النَّاكِحِ أُمَّهَاتُ
الْمَنْكُوحَةِ وَجَدَّاتُهَا وَإِنْ عَلَوْنَ مِنَ
الرَّضَاعَةِ وَالنَّسَبِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، وَرَبائِبُكُمُ
اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي
دَخَلْتُمْ بِهِنَّ، الربائب جَمْعُ: رَبِيبَةٍ، وَهِيَ بِنْتُ
الْمَرْأَةِ، سُمِّيَتْ رَبِيبَةٌ لِتَرْبِيَتِهِ إِيَّاهَا،
وَقَوْلُهُ: فِي حُجُورِكُمْ أَيْ: فِي تَرْبِيَتِكُمْ،
يُقَالُ: فَلَانٌ فِي حِجْرِ فُلَانٍ إِذَا كَانَ فِي
تَرْبِيَتِهِ، دَخَلْتُمْ بِهِنَّ أَيْ: جَامَعْتُمُوهُنَّ،
وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَيْضًا بَنَاتُ الْمَنْكُوحَةِ وَبَنَاتُ
أَوْلَادِهَا، وَإِنْ سَفَلْنَ مِنَ الرَّضَاعِ وَالنَّسَبِ
بَعْدَ الدُّخُولِ بِالْمَنْكُوحَةِ، حَتَّى لَوْ فَارَقَ
الْمَنْكُوحَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَوْ مَاتَتْ جَازَ
لَهُ أَنْ ينكح ابنتها، وَلَا يَجُوزَ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ
أُمَّهَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَطْلَقَ تَحْرِيمَ
الْأُمَّهَاتِ وَقَالَ فِي تَحْرِيمِ الرَّبَائِبِ، فَإِنْ
لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ،
يَعْنِي: فِي نِكَاحِ بَنَاتِهِنَّ إِذَا فَارَقْتُمُوهُنَّ
أَوْ مِتْنَ.
وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَمُّ الْمَرْأَةِ لَا
تُحَرَّمُ إِلَّا بِالدُّخُولِ بِالْبِنْتِ كَالرَّبِيبَةِ،
وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ،
يَعْنِي: أَزْوَاجَ أَبْنَائِكُمْ، وَاحِدَتُهَا: حَلِيلَةٌ،
وَالذَّكَرُ حَلِيلٌ، سُمِّيَا بِذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا حَلَالٌ لِصَاحِبِهِ، وَقِيلَ: سُمِّيَا بِذَلِكَ
لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَحِلُّ حَيْثُ يَحِلُّ
صَاحِبُهُ مِنَ الْحُلُولِ وَهُوَ النُّزُولُ، وقيل: لِأَنَّ
كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَحِلُّ إِزَارَ صَاحِبِهِ مِنَ
الْحَلِّ وَهُوَ ضِدُّ الْعَقْلِ، وَجُمْلَتُهُ: أَنَّهُ
يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ حَلَائِلُ أَبْنَائِهِ وَأَبْنَاءِ
أَوْلَادِهِ وَإِنْ سَفَلُوا مِنَ الرِّضَاعِ وَالنَّسَبِ
بِنَفْسِ الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا قَالَ: مِنْ أَصْلابِكُمْ
لِيُعْلِمَ أَنَّ حَلِيلَةَ الْمُتَبَنَّى لَا تَحْرُمُ عَلَى
الرَّجُلِ الَّذِي تَبَنَّاهُ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ زَيْدِ بْنِ
حَارِثَةَ [1] ، وَكَانَ زَيْدٌ قد تَبَنَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالرَّابِعُ مِنَ
الْمُحَرَّمَاتِ بِالصِّهْرِيَّةِ حَلِيلَةُ الْأَبِ
وَالْجَدِّ وَإِنْ عَلَا، فَيَحْرُمُ عَلَى الْوَلَدِ وَوَلَدِ
الْوَلَدِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ سَوَاءٌ كَانَ الْأَبُ مِنَ
الرِّضَاعِ أَوْ مِنَ النَّسَبِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ
[النِّسَاءِ: 22] ، وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُهُ، وَكُلُّ امْرَأَةٍ
تَحْرُمُ عَلَيْكَ بِعَقْدِ النِّكَاحِ تَحْرُمُ بِالْوَطْءِ
فِي مِلْكِ الْيَمِينِ، وَالْوَطْءُ بِشُبْهَةِ النِّكَاحِ
حَتَّى لَوْ وَطِئَ امْرَأَةً بِالشُّبْهَةِ أَوْ جَارِيَةً
بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَتَحْرُمُ عَلَى الْوَاطِئِ أُمُّ
الْمَوْطُوءَةِ وَابْنَتُهَا وَتَحْرُمُ الْمَوْطُوءَةُ عَلَى
أَبِ الْوَاطِئِ وَعَلَى ابْنِهِ.
وَلَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَقَدِ اخْتَلَفَ فيه أهل العلم
فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا تَحْرُمُ عَلَى
الزَّانِي أُمُّ الْمَزْنِي بها وابنتها، ولا تحرم
الزَّانِيَةُ عَلَى أَبِ الزَّانِي وَابْنِهِ، وَهُوَ قَوْلُ
عَلِيٍّ [2] وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،
وَبِهِ قَالَ سعيد بن المسيب وعروة [بن الزبير]
وَالزُّهْرِيُّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيٌّ
رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى
التَّحْرِيمِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ
وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَبِهِ قَالَ
جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَالْحَسَنُ وَهُوَ قول أصحاب الرأي. ولو
مسّ امْرَأَةً بِشَهْوَةٍ أَوْ قَبَّلَهَا فَهَلْ يُجْعَلُ
ذَلِكَ كَالدُّخُولِ فِي إِثْبَاتِ حرمة المصاهرة وكذلك لو مسّ
امْرَأَةً بِشَهْوَةٍ فَهَلْ يُجْعَلُ كَالْوَطْءِ فِي
تَحْرِيمِ الرَّبِيبَةِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا وَهُوَ
قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ تَثْبُتُ بِهِ
الْحُرْمَةُ، وَالثَّانِي: لَا تَثْبُتُ كَمَا لَا تَثْبُتُ
بِالنَّظَرِ بِالشَّهْوَةِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنْ
تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ
يَجْمَعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فِي النِّكَاحِ سَوَاءٌ كَانَتِ
الْأُخُوَّةُ بَيْنَهُمَا بِالنَّسَبِ أَوْ بِالرِّضَاعِ،
فَإِذَا نَكَحَ امْرَأَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا بَائِنًا جَازَ
لَهُ نِكَاحُ أُخْتِهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ مَلَكَ أُخْتَيْنِ
بِمِلْكِ الْيَمِينِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ
بَيْنَهُمَا فِي الْوَطْءِ، فَإِذَا وَطِئَ إِحْدَاهُمَا لَمْ
يَحِلَّ لَهُ وَطْءُ الْأُخْرَى حَتَّى يُحَرِّمَ الْأُولَى
__________
(1) يأتي في سورة الأحزاب إن شاء الله.
(2) زيد في المطبوع «وابن مسعود» .
(1/593)
وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ
النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ
عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ
تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ
فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ
أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا
تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ
كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (24)
عَلَى نَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ
أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَلَا بَيْنَ
الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا [لِمَا] [1] :
«559» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا
زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو إِسْحَاقُ الْهَاشِمِيُّ
أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ
الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: «لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَلَا
بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ، يَعْنِي: لَكِنْ
مَا مَضَى فَهُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا
يَفْعَلُونَهُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَقَالَ عَطَاءٌ
وَالسُّدِّيُّ: إِلَّا مَا كَانَ مِنْ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ
السَّلَامُ فَإِنَّهُ جَمَعَ [2] بَيْنَ لَيَّا أَمِّ يَهُوذَا
وَرَاحِيلَ أَمِّ يُوسُفَ، وَكَانَتَا أُخْتَيْنِ. إِنَّ
اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً.
[سورة النساء (4) : آية 24]
وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ
أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا
وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ
غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ
فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ
فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ
اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (24)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا مَا
مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ، يَعْنِي: ذَوَاتَ الْأَزْوَاجِ، لَا
يَحِلُّ لِلْغَيْرِ نِكَاحُهُنَّ قَبْلَ مُفَارَقَةِ
الْأَزْوَاجِ، وَهَذِهِ السَّابِعَةُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتي
حرمن بالسبب.
ع «560» قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: نَزَلَتْ في
نساءكنّ يُهَاجِرْنَ [3] إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَهُنَّ أَزْوَاجٌ فيتزوجهنّ [4] بعض
المسلمين، ثم يقدم [5] أَزْوَاجُهُنَّ مُهَاجِرِينَ فَنَهَى
اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ عَنْ نِكَاحِهِنَّ.
ثُمَّ اسْتَثْنَى فَقَالَ: إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ،
يَعْنِي: السَّبَايَا اللَّوَاتِي سُبِينَ وَلَهُنَّ أَزْوَاجٌ
في دار
__________
559- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، أبو الزناد هو عبد
الله بن ذكوان، والأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز.
وهو في «شرح السنة» (2270) بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن حبان 4113 من طريق أبي مُصْعَبٍ أَحْمَدُ بْنُ
أَبِي بَكْرٍ به.
ورواه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (2/ 532) عن أبي
الزناد به.
- وأخرجه البخاري 5109 ومسلم 1408 والنسائي 6/ 96 والشافعي 2/
18 وأحمد 2/ 462 والبيهقي 7/ 165.
- وأخرجه سعيد بن منصور 654 من طريق عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
أَبِي الزِّنَادِ، عن أبيه به.
- وأخرجه النسائي 6/ 97 من طريق جعفر بن ربيعة، عن الأعرج.
- وورد من وجه آخر من حديث أبي هريرة بنحوه أخرجه البخاري 5110
ومسلم 1408 ح 35 و36 وأبو داود 2066 والنسائي 6/ 96- 97
والبيهقي 7/ 165 من طريق قبيصة بن ذؤيب عنه.
- وورد من طريق مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هريرة
بنحوه أخرجه مسلم 1408 ح 38 والترمذي 1125 والنسائي 6/ 98 وابن
ماجه 1929 وعبد الرزاق 10753 وأحمد 2/ 432 و474 و489 و508 و516
وابن حبان 4068 والبيهقي 5/ 345 و7/ 165.
560- ع إسناده ضعيف. أخرجه الطبري 9013 عن حجاج بن أرطأة، عن
ابن جريج قال: حدثني حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أبي
سعيد الخدري قال: كان النساء يأتيننا ثم يهاجر أزواجهن،
فمنعناهن يعني بقوله وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ.... وفيه
حجاج بن أرطأة، وهو مدلس، وقد عنعن، وكذا حبيب بن أبي ثابت.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) في المطبوع «يجمع» . [.....]
(3) في المطبوع «هاجرن» .
(4) في المطبوع «فتزوجهن» .
(5) في المطبوع «قدم» .
(1/594)
الْحَرْبِ فَيَحِلُّ لِمَالِكِهِنَّ
وَطْؤُهُنَّ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ، لِأَنَّ بِالسَّبْيِ
يَرْتَفِعُ النِّكَاحُ بينهما وبين زوجها.
ع «561» قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: بَعَثَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ
جَيْشًا إِلَى أَوَطَاسٍ فَأَصَابُوا سَبَايَا لَهُنَّ
أَزْوَاجٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَكَرِهُوا غَشَيَانَهُنَّ
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
وَقَالَ عَطَاءٌ: أَرَادَ بِقَوْلِهِ: إِلَّا مَا مَلَكَتْ
أَيْمانُكُمْ أَنْ تَكُونَ أَمَتُهُ [1] فِي نِكَاحِ عَبْدِهِ
فَيَجُوزُ أَنْ ينزعها منه [وقال ابن مسعود: أراد أن يبيع
الجارية المزوجة فتقع الفرقة بينها [2] وبين زوجها، ويكون
بيعها طلاقا فيحل للمشتري وطؤها] [3] ، وَقِيلَ: أَرَادَ
بِالْمُحْصَنَاتِ الْحَرَائِرَ وَمَعْنَاهُ: أن ما فوق الأربع
منهن حرام إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَإِنَّهُ لَا
عَدَدَ عَلَيْكُمْ فِي الْجَوَارِي. قَوْلُهُ تَعَالَى: كِتابَ
اللَّهِ عَلَيْكُمْ، نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ، أَيْ: كَتَبَ
اللَّهُ عَلَيْكُمْ [كِتَابَ اللَّهِ] [4] وَقِيلَ: نُصِبَ
عَلَى الْإِغْرَاءِ، أَيْ: الْزَمُوا [كِتَابَ اللَّهِ] [5]
عَلَيْكُمْ أَيْ: فَرْضُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ
مَا وَراءَ ذلِكُمْ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وحمزة والكسائي
وحفص وَأُحِلَّ بِضَمِّ الْأَوَّلِ وَكَسْرِ الْحَاءِ،
لِقَوْلِهِ: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ
بِالنَّصْبِ، أَيْ: أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ مَا وراء ذلكم، مَا
سِوَى ذَلِكُمُ الَّذِي ذَكَرْتُ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ، أَنْ
تَبْتَغُوا، تَطْلُبُوا بِأَمْوالِكُمْ، أن تَنْكِحُوا
بِصَدَاقٍ أَوْ تَشْتَرُوا بِثَمَنٍ، مُحْصِنِينَ، أَيْ:
مُتَزَوِّجِينَ [أَوْ] [6] مُتَعَفِّفِينَ، غَيْرَ
مُسافِحِينَ، أَيْ:
غَيْرُ زَانِينَ، مَأْخُوذٌ مِنْ سَفْحِ الْمَاءِ وَصَبِّهِ
وَهُوَ الْمَنِيُّ، فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ،
اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ، فَقَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ:
أَرَادَ مَا انْتَفَعْتُمْ وَتَلَذَّذْتُمْ بِالْجِمَاعِ مِنَ
النِّسَاءِ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ، فَآتُوهُنَّ
أُجُورَهُنَّ، أَيْ:
مُهُورُهُنَّ، وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ نِكَاحُ الْمُتْعَةِ وهو
أن تنكح امْرَأَةً إِلَى مُدَّةٍ فَإِذَا انْقَضَتْ تِلْكَ
الْمُدَّةُ بَانَتْ مِنْهُ بِلَا طلاق، ويستبرئ رَحِمهَا
وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا مِيرَاثٌ، وَكَانَ ذَلِكَ مُبَاحًا فِي
ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«562» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ أَنَا
عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ أَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ أَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ
أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ أَنَا
أَبِي أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنِي
الرَّبِيعُ بْنُ سَبْرَةَ الْجُهَنِيُّ أَنَّ أَبَاهُ
حَدَّثَهُ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي
كُنْتُ أَذِنْتُ لَكُمْ فِي الِاسْتِمْتَاعِ مِنَ النِّسَاءِ،
وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ إِلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ
فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهُ وَلَا تأخذوا مما آتيتموهنّ شيئا»
__________
561- ع صحيح. أخرجه مسلم 1456 وأبو داود 2155 والترمذي 1132
والنسائي 6/ 110 وفي «التفسير» (116 و117) وعبد الرزاق في
«تفسيره» (549) وأحمد 3/ 84 والطيالسي 2239 وأبو يعلى 1318
والبيهقي 7/ 167 من طرق من حديث أبي سعيد- وله شاهد حسن من
حديث ابن عباس أخرجه النسائي في «التفسير» (118) . وانظر
«أحكام القرآن» (441) بتخريجي، والله الموفق.
562- إسناده صحيح على شرط مسلم، سبرة والد الربيع هو ابن معبد
الجهني.
أخرجه المصنف من طريق مسلم، وهو في «صحيحه» (1406) عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن نمير بهذا الإسناد. وأخرجه
عبد الرزاق 14041 وابن أبي شيبة 4/ 292 والحميدي 847 وأحمد 3/
404 و405 وابن ماجه 1992 والدارمي 2/ 140 وأبو يعلى 939 وابن
حبان 4147 وابن الجارود 699 والطحاوي 3/ 35 والطبراني 6514
و6515- 6520 والبيهقي 7/ 203 من طرق عن عبد العزيز بن عمر به،
وفيه قصة.
(1) في المطبوع وحده «أمة» .
(2) في المطبوع «بينهما» .
(3) سقط من- ط.
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) ما بين المعقوفتين في المطبوع «كتب الله» .
(6) زيد في المطبوع وحده.
(1/595)
«563» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ
السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو
إِسْحَاقُ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ
عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسْنِ ابْنَيْ
مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ
أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ مُتْعَةِ
النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ
الْإِنْسِيَّةِ.
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ نِكَاحَ
الْمُتْعَةِ حَرَامٌ، وَالْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ. وَكَانَ ابْنُ
عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَذْهَبُ إلى أن الآية
محكمة، وترخّص في نكاح المتعة.
ع «564» روي عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ سَأَلَتُ ابْنِ
عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ الْمُتْعَةِ، فَقَالَ:
أَمَا تَقْرَأُ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ: «فَمَا
اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إِلَى أَجَلٍ مُسَمَّى» ؟ قلت:
لا أقرأها هكذا فقال ابْنُ عَبَّاسٍ: هَكَذَا أَنْزَلَ
اللَّهُ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. وَقِيلَ: إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا رَجَعَ عن ذلك [1] .
ع «565» وَرَوَى سَالِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ
أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ صَعَدَ الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ
اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: مَا بَالُ رِجَالٍ
يَنْكِحُونَ هَذِهِ الْمُتْعَةَ؟ وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا، لَا أَجِدُ
رَجُلًا [2] نَكَحَهَا إِلَّا رَجَمْتُهُ بِالْحِجَارَةِ،
وَقَالَ:
هَدْمُ الْمُتْعَةِ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْعِدَّةُ
وَالْمِيرَاثُ.
قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: لَا أَعْلَمُ فِي الْإِسْلَامِ
شَيْئًا أُحِلَّ ثُمَّ حُرِّمَ ثُمَّ أُحِلُّ ثُمَّ حُرِّمَ
غَيْرَ الْمُتْعَةِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: فَآتُوهُنَّ
أُجُورَهُنَّ أَيْ: مُهُورَهُنَّ، فَرِيضَةً وَلا جُناحَ
عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ،
فَمَنْ حَمَلَ مَا قَبْلَهُ [3] عَلَى نِكَاحِ الْمُتْعَةِ
أَرَادَ أنهما إذا عقدا [4] إلى
__________
563- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، ابن شهاب هو الزهري
محمد بن مسلم، ومحمد بن علي هو ابن الحنفية، وعلي هو ابْنُ
أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه.
وهو في «شرح السنة» (2285) بهذا الإسناد.
رواه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (2/ 542) عن الزهري
بهذا الإسناد.
- ومن طريق مالك أخرجه البخاري 4216 و5523 ومسلم 1407 والنسائي
6/ 126 و7/ 203 والترمذي 1794 وابن ماجه 1961 وابن حبان 4140
و4143 و4145 والبيهقي 7/ 201.
- وأخرجه البخاري 5115 ومسلم 1407 ح 30 والنسائي 7/ 202
والترمذي 1121 وأحمد 1/ 79 وسعيد بن منصور 848 والحميدي 37
والدارمي 2/ 140 وأبو يعلى 576 وابن أبي شيبة 4/ 292 والبيهقي
7/ 201 و202 من طرق عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ
الزهري به.
564- ع موقوف صحيح. أخرجه الطبري 9039 من طريق شعبة، عَنْ
أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي نضرة به و9037 و9038 عن داود، عن
أبي نضرة نحوه، وإسناده صحيح لمجيئه من طرق، عن ابن عباس وهي
طرق جياد.
565- ع أخرجه البيهقي 7/ 206 عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بن عمر، عن أبيه به. وقال البيهقي: فهذا إن صح عن عمر يبين
إِنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنما نهى عن نكاح المتعة
لأنه علم نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم عنه،
وكرره البيهقي من وجهين بنحوه وهو قوي عن عمر.
- ويشهد له ما أخرجه مسلم 1217 والبيهقي 7/ 206 عن قتادة يحدث
عن أبي نضرة قال: كان ابن عباس يأمر بالمتعة، وكان ابن الزبير
ينهى عنها قال: فذكرت ذلك لجابر بن عبد الله فقال: على يديّ
دار الحديث تمتعنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلما قام
عمر قال: إن الله كان يحل لرسوله ما شاء.... الحديث.
- ويشهد له حديث عبد الله بن الزبير عند مسلم برقم: 1406 ح 27.
[.....]
(1) انظر «سنن البيهقي» (7/ 205) و «الدر المنثور» (2/ 252) و
«تخريج الكشاف» (1/ 498) .
(2) في المخطوط وحده «أحدا» .
(3) في المخطوط «قبلها» .
(4) في المطبوع وط «عقد» .
(1/596)
أَجَلٍ بِمَالٍ فَإِذَا تَمَّ الْأَجَلُ
فَإِنْ شَاءَتِ الْمَرْأَةُ زَادَتْ فِي الأجل وزاد الرجل في
المال، وَإِنْ لَمْ يَتَرَاضَيَا فَارَقَهَا، وَمَنْ حَمَلَ
الْآيَةَ عَلَى الِاسْتِمْتَاعِ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ.
قَالَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما
تَراضَيْتُمْ بِهِ من الْإِبْرَاءُ عَنِ الْمَهْرِ
وَالِافْتِدَاءُ وَالِاعْتِيَاضُ، إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً
حَكِيماً.
[فَصَلٌ فِي قَدْرِ الصَّدَاقِ وَفِيمَا [1] يُسْتَحَبُّ
مِنْهُ]
اعْلَمْ أَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ لِأَكْثَرِ الصَّدَاقِ
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا
تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يغالى
فيه:
ع «566» قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَلَا لا تغالوا في
صَدُقَةَ النِّسَاءِ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي
الدُّنْيَا وَتَقْوًى عِنْدَ اللَّهِ لَكَانَ أَوْلَاكُمْ
بِهَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا
عَلِمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
نَكَحَ شَيْئًا مِنْ نِسَائِهِ وَلَا أَنْكَحَ شَيْئًا مِنْ
بَنَاتِهِ عَلَى أَكْثَرِ مِنِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً.
«567» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا
زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْمُفْلِسُ [2] أَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ أنا يحيى بن
محمد الجاري [3] أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ
يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ [4] عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ:
سَأَلَتْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَمْ كَانَ صَدَاقُ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَزْوَاجِهِ؟
قَالَتْ: كَانَ صَدَاقُهُ لِأَزْوَاجِهِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ
أُوقِيَّةً وَنَشًّا، قَالَتْ: أَتَدْرِي مَا النَّشُّ؟
قُلْتُ: لَا، قَالَتْ: نِصْفُ أُوقِيَّةٍ، فَتِلْكَ
خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ، هَذَا صَدَاقُ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَزْوَاجِهِ.
أَمَّا أَقَلُّ الصَّدَاقِ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَذَهَبَ
جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ لِأَقَلِّهِ بَلْ مَا
جَازَ أَنْ يَكُونَ مَبِيعًا أَوْ ثَمَنًا جَازَ أَنْ يَكُونَ
صَدَاقًا، وَهُوَ قَوْلُ رَبِيعَةَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ
وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ، قال عمر بن الخطاب:
ثَلَاثِ قَبَضَاتِ زَبِيبٍ مَهْرٌ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ
الْمُسَيَّبِ: لَوْ أَصْدَقَهَا سَوْطًا جَازَ، وَقَالَ
قَوْمٌ: يَتَقَدَّرُ
__________
566- ع جيد. أخرجه أبو داود 2106 والترمذي 1114 والنسائي 6/
117 وأحمد 1/ 40 و48 والدارمي 2120 والحاكم 2/ 175 والبيهقي 7/
234 وأخرجه ابن ماجه 1887 مطوّلا كلهم من حديث أبي العجفاء
السلمي قال: سمعت عمر، ورواية: خطبنا عمر. زاد الترمذي:
والأوقية أربعون درهما. وإسناده حسن لأجل أبي العجفاء واسمه
هرم بن نسيب صححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال الترمذي: حسن
صحيح اهـ.
وله شاهد مرسل أخرجه عبد الرزاق 10401 عن نافع، ويشهد له ما
بعده.
تنبيه: وما شاع على الألسنة من مراجعة المرأة لعمر وهو على
المنبر في هذا الشأن فهو ضعيف. أخرجه البيهقي 7/ 233 وقال: هذا
منقطع اهـ. وانظر «أحكام القرآن» (419) بتخريجنا.
567- إسناده صحيح على شرط مسلم، أبو سلمة هو ابن عبد الرحمن بن
عوف.
- وهو في «شرح السنة» (2297) بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 1426 والشافعي 2/ 5 من طريق عبد العزيز بن محمد
به وهذا خبر صحيح، وهو يشهد لحديث عمر المتقدم عن أبي العجفاء.
(1) في المطبوع «وما» .
(2) في «شرح السنة» المغلّس.
(3) في الأصل «الحارثي» والتصويب من كتاب «الأنساب» و «شرح
السنة» .
(4) في الأصل «الهادي» والتصويب من كتب «التخريج» و «شرح
السنة» .
(1/597)
بِنِصَابِ السَّرِقَةِ، وَهُوَ قَوْلُ
مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ، غَيْرَ أَنَّ نِصَابَ السَّرِقَةِ
عِنْدَ مَالِكٍ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا
يَتَقَدَّرُ مَا:
«568» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ قَالَ:
أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَخْبَرَنَا أَبُو
إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ
عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي
[قَدْ] [1] وَهَبْتُ نَفْسِي لَكَ، فَقَامَتْ [قِيَامًا] [2]
طَوِيلًا فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
زَوِّجْنِيهَا إِنْ لَمْ تكن لَكَ فِيهَا حَاجَةٌ، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ
عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ تُصْدِقُهَا» ؟ قَالَ: مَا عِنْدِي
إِلَّا إِزَارِي هَذَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ أَعْطَيْتهَا إيّاه جَلَسْتَ لَا
إِزَارَ لَكَ، فَالْتَمِسْ شيئا» ، فقال: ما أجده، فَقَالَ:
«فَالْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» ، فَالْتَمَسَ
فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ
شَيْءٌ» ؟ قَالَ: نَعَمْ سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا
[لِسُورٍ سَمَّاهَا] [3] ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلّم: «قد زوجتها بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ» .
وَفِيهِ دليل على أن لَا تَقْدِيرَ لِأَقَلِّ الصَّدَاقِ،
لِأَنَّهُ قال: «التمس شيئا» وهذا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ أَيِّ
شَيْءٍ كان من المال، و [لأنه] [4] قال: «وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ
حَدِيدٍ» ، وَلَا قِيمَةَ لِخَاتَمِ الْحَدِيدِ إِلَّا
الْقَلِيلَ التَّافِهَ، وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى
أَنَّهُ يجوز تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ صَدَاقًا وَهُوَ قَوْلُ
الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ
الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ
الرَّأْيِ، وَكُلُّ عَمَلٍ جَازَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ
مِثْلُ [5] الْبِنَاءِ وَالْخِيَاطَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ
الْأَعْمَالِ جَازَ أَنْ يُجْعَلَ صَدَاقًا، وَلِمَ يُجَوِّزْ
أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يُجْعَلَ
مَنْفَعَةُ الْحُرِّ صَدَاقًا، والحديث حجة لمن جوّزه بعد ما
أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ
حَيْثُ زَوَّجَ ابْنَتَهُ من موسى عليه السَّلَامُ عَلَى
الْعَمَلِ، فَقَالَ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى
ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ
[القصص: 27] .
__________
568- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، أبو حازم هو سلمة بن
دينار.
- وهو في «شرح السنة» (2295) بهذا الإسناد.
- خرّجه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (2/ 526) عن أبي
حازم به.
ومن طريق مالك أخرجه البخاري 2310 و5135 و7417 وأبو داود 2111
والترمذي 1114 والشافعي 2/ 7 و8 وأحمد 5/ 336 وابن حبان 4093
والطحاوي 3/ 16- 17 والبيهقي 7/ 144 و236 و242.
- وأخرجه البخاري 5029 و5121 و5132 و5141 و5149 و5871 ومسلم
1445 والنسائي 6/ 113 وابن ماجه 1889 وعبد الرزاق 7592
والحميدي 998 وأحمد 5/ 330 وابن الجارود 716 والطحاوي 3/ 17
والطبراني 6/ (5750) و (57811) و (5907) و (5915) و (5993)
والبيهقي 7/ 144 و236 و242 من طرق عن أبي حازم به.
(1) زيادة عن «شرح السنة» .
(2) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة» .
(3) زيادة عن «شرح السنة» ولفظ «سماها» زيد في المخطوط أيضا.
[.....]
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) في المطبوع «من» .
(1/598)
وَمَنْ لَمْ
يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ
الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ
فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ
بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ
مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ
فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ
نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ
لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ
لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25)
[سورة النساء (4) : آية 25]
وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ
الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ
أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ
فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ
أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ
وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ
بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ
الْعَذابِ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ
تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25)
قَوْلُهُ تَعَالِي: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا،
أَيْ: فَضْلًا وَسَعَةً، أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ،
الْحَرَائِرَ الْمُؤْمِناتِ، قَرَأَ الْكِسَائِيُّ
الْمُحْصَناتِ بكسر الصاد حيث جاء [1] إِلَّا قَوْلَهُ فِي
هَذِهِ السُّورَةِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ وَقَرَأَ
الْآخَرُونَ بِفَتْحِ جَمِيعِهَا، فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ
أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ، إِمَائِكُمْ الْمُؤْمِناتِ،
أَيْ: مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَهْرِ الْحُرَّةِ
الْمُؤْمِنَةِ، فَلْيَتَزَوَّجِ الْأَمَةَ الْمُؤْمِنَةَ،
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْحُرِّ نِكَاحُ
الْأَمَةِ إِلَّا بِشَرْطَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَجِدَ
مَهْرَ حُرَّةٍ، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ خَائِفًا عَلَى
نَفْسِهِ مِنَ الْعَنَتِ، وَهُوَ الزِّنَا، لِقَوْلِهِ
تَعَالَى فِي آخِرِ الْآيَةِ: ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ
مِنْكُمْ، وَهُوَ قَوْلُ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
وَبِهِ قَالَ طَاوُسٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَإِلَيْهِ
ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَجَوَّزَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ
لِلْحُرِّ نِكَاحُ الْأَمَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ فِي
نِكَاحِهِ حرة [و] أَمَّا الْعَبْدُ فَيَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ
الْأَمَةِ وَإِنْ كَانَ فِي نِكَاحِهِ حُرَّةٌ أَوْ أَمَةٌ،
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَجُوزُ
إِذَا كَانَتْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ، كَمَا يَقُولُ فِي الْحُرِّ،
وَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ
لِلْمُسْلِمِ نِكَاحُ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ لِأَنَّهُ
قَالَ: فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ
الْمُؤْمِناتِ، جَوَّزَ نِكَاحَ الْأَمَةِ بِشَرْطِ أَنْ
تَكُونَ مُؤْمِنَةً، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَطَعامُ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ
لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ
مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ [الْمَائِدَةِ: 5] أَيْ:
الْحَرَائِرُ جَوَّزَ نِكَاحَ الْكِتَابِيَّةِ، بِشَرْطِ أَنْ
تَكُونَ حُرَّةً، وَجَوَّزَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ لِلْمُسْلِمِ
نِكَاحَ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ، وَبِالِاتِّفَاقِ يَجُوزُ
وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
بِإِيمانِكُمْ، أَيْ: لَا تَتَعَرَّضُوا لِلْبَاطِنِ فِي
الْإِيمَانِ وَخُذُوا بِالظَّاهِرِ فَإِنَّ اللَّهَ أَعْلَمُ
بِإِيمَانِكُمْ، بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ، قِيلَ: بَعْضُكُمْ
إِخْوَةٌ لِبَعْضٍ، وَقِيلَ: كُلُّكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ
فَلَا تَسْتَنْكِفُوا مِنْ نِكَاحِ الْإِمَاءِ،
فَانْكِحُوهُنَّ، يَعْنِي: الْإِمَاءَ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ،
أَيْ: مَوَالِيهِنَّ، وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ، مُهُورَهُنَّ،
بِالْمَعْرُوفِ مِنْ غَيْرِ مَطْلٍ وَضِرَارٍ، مُحْصَناتٍ،
عَفَائِفَ بِالنِّكَاحِ، غَيْرَ مُسافِحاتٍ، أَيْ:
غَيْرَ زَانِيَاتٍ، وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ، أَيْ:
أَحْبَابٍ تَزْنُونَ بِهِنَّ فِي السِّرِّ، قَالَ الْحَسَنُ:
الْمُسَافِحَةُ هِيَ أَنَّ كُلَّ مَنْ دعاها تبعته، وذات
الخدن: أن [2] تَخْتَصُّ بِوَاحِدٍ لَا تَزْنِي إِلَّا مَعَهُ،
وَالْعَرَبُ كَانَتْ تُحَرِّمُ الْأُولَى وَتُجَوِّزُ
الثَّانِيَةِ، فَإِذا أُحْصِنَّ، قَرَأَ حَمْزَةُ
وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ بِفَتْحِ الْأَلِفِ
وَالصَّادِ، أَيْ: حَفِظْنَ فُرُوجَهُنَّ، وَقَالَ ابْنُ
مَسْعُودٍ: أَسْلَمْنَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: أُحْصِنَّ
بِضَمِّ الْأَلْفِ وَكَسْرِ الصاد، أي:
تزويجهن، فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ، يَعْنِي: الزِّنَا،
فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَناتِ، أَيْ: مَا
عَلَى الْحَرَائِرِ الْأَبْكَارِ إِذَا زَنَيْنَ، مِنَ
الْعَذابِ، يَعْنِي: الْحَدَّ فَيُجْلَدُ الرَّقِيقُ إِذَا
زَنَى خَمْسِينَ جَلْدَةً، وَهَلْ يُغَرَّبُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ،
فَإِنْ قُلْنَا يُغَرَّبُ فَيُغَرَّبُ نِصْفَ سَنَةٍ عَلَى
الْقَوْلِ الْأَصَحِّ وَلَا رَجْمَ عَلَى الْعَبِيدِ رُوِيَ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشِ [3] بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ
قَالَ: أَمَرَنِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ فِي فِتْيَةٍ [4] مِنْ قُرَيْشٍ فَجَلَدْنَا وَلَائِدَ
[مِنْ وَلَائِدِ الْإِمَارَةِ خمسين خمسين] [5] في الزنا.
__________
(1) في المطبوع «كان» .
(2) في المطبوع وط «أي» .
(3) في الأصل «عباس» والتصويب من «ط» و «شرح السنة» و «الموطأ»
(2/ 827) .
(4) في الأصل «فئة» والتصويب من «شرح السنة» و «الموطأ» و «سنن
البيهقي» (8/ 242) .
(5) في الأصل «فجلدنا ولائد الإماء خمسين في الزنا» والتصويب
عن «شرح السنة» و «الموطأ» و «سنن البيهقي» (8/ 242) .
ومعنى الولائد: الإماء.
(1/599)
يُرِيدُ اللَّهُ
لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
(26) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا
عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ
وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ
إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا
تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا
(29)
وَلَا فَرْقَ فِي حَدِّ الْمَمْلُوكِ
بَيْنَ مَنْ تَزَوَّجَ أَوْ لَمْ يَتَزَوَّجْ عِنْدَ أَكْثَرِ
أَهْلِ الْعِلْمِ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا
حَدَّ عَلَى مَنْ [لَمْ] [1] يَتَزَوَّجْ مِنَ الْمَمَالِيكِ
إِذَا زَنَى، لِأَنَّ الله تعالى قال: فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ
أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى
الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ، وَرَوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَبِهِ قَالَ طَاوُسٌ،
وَمَعْنَى الْإِحْصَانُ عِنْدَ الْآخَرِينَ الْإِسْلَامُ،
وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ التَّزْوِيجَ فَلَيْسَ
الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّ التَّزْوِيجَ شَرْطٌ لِوُجُوبِ
الْحَدِّ عَلَيْهِ، بَلِ الْمُرَادُ مِنْهُ التَّنْبِيهُ عَلَى
أَنَّ الْمَمْلُوكَ وَإِنْ كَانَ مُحْصَنًا بِالتَّزْوِيجِ
فَلَا رَجْمَ عَلَيْهِ، إِنَّمَا حَدُّهُ الْجِلْدُ بِخِلَافِ
الْحُرِّ، فَحَدُّ الْأَمَةِ ثَابِتٌ بِهَذِهِ الْآيَةِ،
وَبَيَانُ [أنه بالجلد في الخبر، و] [2] هو مَا:
«569» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ عَنْ سَعِيدٍ يَعْنِي
الْمُقْبُرِيَّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ:
سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ: «إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَتَبَيِّنَ
زِنَاهَا فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا،
[ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ وَلَا يُثَرِّبْ
عَلَيْهَا] [3] ، ثُمَّ إِنْ زنت الثالثة فتبين زناها فليبغها
وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعَرٍ» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: ذلِكَ، يَعْنِي: نِكَاحَ الْأَمَةِ عِنْدَ
عَدَمِ الطَّوْلِ، لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ، يَعْنِي:
الزِّنَا، يُرِيدُ المشقة بغلبة الشَّهْوَةِ، وَأَنْ
تَصْبِرُوا، عَنْ نِكَاحِ الْإِمَاءِ مُتَعَفِّفِينَ، خَيْرٌ
لَكُمْ، لِئَلَّا يُخْلَقُ الْوَلَدُ رَقِيقًا وَاللَّهُ
غَفُورٌ رَحِيمٌ.
[سورة النساء (4) : الآيات 26 الى 29]
يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ
عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ
عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ
تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ
يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً (28) يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ
بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ
تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ
كانَ بِكُمْ رَحِيماً (29)
__________
569- إسناده صحيح على شرط البخاري، عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ هو ابن يحيى القرشي الأويسي روى له البخاري،
ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، الليث هو ابن سعد، سعيد المقبري
هو ابن أبي سعيد واسم أبي سعيد كيسان.
- وهو في «شرح السنة» (2582) بهذا الإسناد.
- خرّجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (2234) عن
عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 2152 و6839 ومسلم 1703 ح 30 و31 وأبو داود 4470
و4471 من طرق عن سعيد المقبري به.
- وهو في «الموطأ» (2/ 826) من طريق الزُّهْرِيِّ، عَنْ
عَبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عبد الله، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
وَزَيْدِ بْنِ خالد.
ومن طريق مالك أخرجه البخاري 2153 و6837 ومسلم 1704 ح 33 وأبو
داود 4469 وابن الجارود 821 وابن حبان 4444 والبيهقي 8/ 242
و244.
- وأخرجه البخاري 2232 و2555 ومسلم 1704 وعبد الرزاق 13598
والطيالسي 1334 و2513 من طرق عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبَيْدِ
اللَّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خالد.
- وأخرجه ابن ماجه 2565 وابن أبي شيبة 9/ 513 والشافعي 2/ 200
والحميدي 812 وأحمد 4/ 116 والبيهقي 8/ 244 من طريق سُفْيَانُ
بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عن عبيد الله، عن أبي
هريرة وزيد وشبل.
(1) سقط من المطبوع.
(2) العبارة في المطبوع وحده «أنها تجلد في الحد» .
(3) سقط من- ط.
(1/600)
قَوْلُهُ تَعَالَى: يُرِيدُ اللَّهُ
لِيُبَيِّنَ لَكُمْ، أَيْ: أَنْ يُبَيِّنَ لَكُمْ، كَقَوْلِهِ
تَعَالَى: وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ [الشُّورَى: 15]
أَيْ: أَنَّ أَعْدَلَ، وَقَوْلُهُ: وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ
لِرَبِّ الْعالَمِينَ [الْأَنْعَامِ: 71] ، وَقَالَ فِي
مَوْضِعٍ آخَرَ وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ [غَافِرٍ: 66] ،
وَمَعْنَى الْآيَةِ: يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُبَيِّنَ لَكُمْ،
أَيْ: يُوَضِّحَ لَكُمْ شَرَائِعَ دِينِكُمْ وَمَصَالِحَ
أُمُورِكُمْ، قَالَ عَطَاءٌ: يُبَيِّنُ لَكُمْ مَا
يُقَرِّبُكُمْ مِنْهُ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: يُبَيِّنُ لَكُمْ
أَنَّ الصَّبْرَ عَنْ نِكَاحِ الْإِمَاءِ خَيْرٌ لَكُمْ،
وَيَهْدِيَكُمْ، يرشدكم، سُنَنَ، شَرَائِعَ، الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِكُمْ، فِي تَحْرِيمِ الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتِ
وَالْأَخَوَاتِ، فَإِنَّهَا كَانَتْ مُحَرَّمَةً عَلَى مَنْ
قَبِلَكُمْ، وَقِيلَ: وَيَهْدِيَكُمُ الْمِلَّةَ
الْحَنِيفِيَّةَ وَهِيَ مِلَّةُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ
السَّلَامُ، وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ، وَيَتَجَاوَزَ عَنْكُمْ مَا
أَصَبْتُمْ قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ لَكُمْ، وَقِيلَ: يَرْجِعُ
بِكُمْ مِنَ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي كُنْتُمْ عَلَيْهَا إِلَى
طَاعَتِهِ، وقيل: يوفقكم التوبة وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَصَالِحِ
عِبَادِهِ فِي أَمْرِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، حَكِيمٌ،
فِيمَا دَبَّرَ مِنْ أُمُورِهِمْ.
وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ، إِنْ وَقْعَ منكم
تقصير في أمر دينكم [1] وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ
الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا، عَنِ الْحَقِّ، مَيْلًا عَظِيماً
بِإِتْيَانِكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ.
وَاخْتَلَفُوا في الموصوفين باتّباع الشهوات، فقال
السُّدِّيُّ: هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَقَالَ
بَعْضُهُمْ: هُمُ الْمَجُوسُ لِأَنَّهُمْ يُحِلُّونَ نِكَاحَ
الْأَخَوَاتِ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَالْأُخْتِ، وَقَالَ
مُجَاهِدٌ: هُمُ الزُّنَاةُ يُرِيدُونَ أَنْ تَمِيلُوا عَنِ
الْحَقِّ فَتَزْنُونَ كَمَا يَزْنُونَ، وَقِيلَ: هُمْ جَمِيعُ
أَهْلِ الْبَاطِلِ.
يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ، يسهل عليكم
أَحْكَامِ الشَّرْعِ، وَقَدْ سَهَّلَ كَمَا قَالَ جَلَّ
ذِكْرُهُ: وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ [الأعراف: 157] ع
«570» وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
«بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ السَّهْلَةِ» [2] .
__________
570- ع جيد. أخرجه أحمد 5/ 266 والطبراني في «الكبير» (7868)
والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (2/ 204) من حديث أبي أمامة بأتم
منه وفيه: «إني لم أبعث باليهودية ولا بالنصرانية، ولكني بعثت
بالحنيفية السمحة....» . وذكره الهيثمي في «المجمع» (10/ 279
(9441) وقال: وفيه علي بن يزيد الألهاني، وهو ضعيف اهـ. وورد
من وجه آخر من حديث أبي أمامة أخرجه الطبراني 7715 وفيه عفير
بن معدان، وهو ضعيف كما في «المجمع» (4/ 302) (7613) .
وله شواهد منها:
- حديث عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عن أبيه
قال: قال لي عروة: إن عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ: «لتعلم
يهود أن في ديننا فسحة، إني أرسلت بحنيفية سمحة» .
أخرجه أحمد 6/ 116 و233 وإسناده جيد.
وأخرجه الحميدي 259 من طريق يعقوب بن زيد التيمي، عن عائشة
وإسناده منقطع وانظر «فتح الباري» (2/ 444) .
- وحديث جابر أخرجه الخطيب في «تاريخ بغداد» (7/ 209) بأتم منه
وإسناده ضعيف.
- ومرسل حبيب بن أبي ثابت عند ابن سعد في «الطبقات» (1/ 151) .
- وفي الباب من حديث أبي هريرة «إن أحب الدين إلى الله
الحنيفية السمحة» أخرجه الطبراني في «الأوسط» (7347) .
وفي إسناده عبد الله بن إبراهيم الغفاري، منكر الحديث كما في
«المجمع» (1/ 60) (205) .
وليس في أي رواية من هذه الروايات قوله «السهلة» وانظر
«المقاصد الحسنة» (193) .
الخلاصة: هو حديث حسن صحيح بمجموع طرقه وشواهده، والله أعلم.
(1) في- ب «دينه» .
(2) في الأصل «السلهة» وهو تصحيف. [.....]
(1/601)
وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً، قال طاووس
وَالْكَلْبِيُّ وَغَيْرُهُمَا فِي أَمْرِ النِّسَاءِ: لَا
يُصْبَرُ عَنْهُنَّ، وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: وَخُلِقَ
الْإِنْسانُ ضَعِيفاً يَسْتَمِيلُهُ هَوَاهُ وَشَهْوَتُهُ،
وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ أَنَّهُ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ،
بَيَانُهُ قَوْلِهِ تَعَالَى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ
ضَعْفٍ [الرُّومِ: 54] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا
تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ يعني [1]
بالحرام، بِالرِّبَا وَالْقُمَارِ وَالْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ
وَالْخِيَانَةِ وَنَحْوَهَا، وَقِيلَ: هُوَ الْعُقُودُ
الْفَاسِدَةُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً، [قَرَأَ أَهْلُ
الْكُوفَةِ] [2] تِجارَةً نُصِبَ عَلَى خَبَرِ كَانَ، أَيْ:
إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْأَمْوَالُ تِجَارَةً، وَقَرَأَ
الْآخَرُونَ بِالرَّفْعِ، أَيْ: إِلَّا أَنْ تَقَعَ تِجَارَةٌ،
عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ، أَيْ بطيب [3] نَفْسِ كُلِّ وَاحِدٍ
مِنْكُمْ، وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يُجِيزَ [4] كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ
الْمُتَبَايِعَيْنِ صَاحِبَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ، فَيَلْزَمُ
وَإِلَّا فَلَهُمَا الْخِيَارُ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا لِمَا:
«571» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا
زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ
أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: «الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
بِالْخِيَارِ عَلَى صَاحِبِهِ، مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إِلَّا
بَيْعَ الْخِيَارِ» .
وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ، قال أبو عبيدة: لَا
تُهْلِكُوهَا، كَمَا قَالَ: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى
التَّهْلُكَةِ [الْبَقَرَةِ: 195] ، وَقِيلَ: لَا تَقْتُلُوا
أَنْفُسَكُمْ بِأَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ، وَقِيلَ:
أَرَادَ بِهِ قَتْلَ الْمُسْلِمِ نَفْسَهُ.
«572» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْخَطِيبُ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ
أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الربيع
__________
571- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- وهو في «شرح السنة» (2040) بهذا الإسناد.
- رواه المصنف من طريق مالك وهو في «الموطأ» (2/ 671) عن نافع
به.
ومن طريق مالك أخرجه البخاري 2111 ومسلم 1531 وأبو داود 3454
والنسائي 7/ 248 والشافعي 3/ 4 وأحمد 1/ 56 وابن حبان 4916
والدارقطني 3/ 6 والبيهقي 5/ 268.
- وورد من وجه آخر بنحوه عن الليث بن سعد، عن نافع به أخرجه
البخاري 2112 ومسلم 1531 ح 44 وابن حبان 4917 والدارقطني 3/ 5
وابن الجارود 618 والبيهقي 5/ 269.
- وأخرجه البخاري 2113 ومسلم 1531 والنسائي 7/ 250- 251 وعبد
الرزاق 14265 وابن أبي شيبة 7/ 124 وأحمد 2/ 9 وابن حبان 4913
وابن الجارود 617 والبيهقي 5/ 269 من طرق عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ دِينَارٍ، عن ابن عمر مرفوعا.
572- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، ابن عيينة هو سفيان،
أيوب هو ابن أبي تميمة السّختياني، أبو قلابة هو عبد الله بن
زيد الجرمي.
- وهو في «شرح السنة» (2518) بهذا الإسناد.
- رواه المصنف من طريق الشافعي، وهو في «مسنده» (2/ 97) عن ابن
عيينة بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 6105 و6652 ومسلم 110 ح 177 وعبد الرزاق
15972 والحميدي 850 وأحمد 4/ 33 والطبراني 1324- 1330 والبيهقي
8/ 23 من طرق عن أيوب السختياني به.
- وأخرجه البخاري 1363 ومسلم 110 والنسائي 7/ 5- 6 وابن ماجه
2098 وأحمد 4/ 33 و34 وابن حبان 4366 والطبراني 1338 و1339 من
طرق عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قلابة به.
- وأخرجه البخاري 6047 ومسلم 110 وأبو داود 3257 والترمذي 1543
والطيالسي 1197 وعبد الرزاق 15984 وأحمد 4/ 33 وأبو يعلى 1535
وابن حبان 4376 وابن الجارود 924 والطبراني 1331 و1332- 1335
والبيهقي
(1) في المخطوط لفظ «يعني» قبل «بالحرام» .
(2) سقط من المخطوط.
(3) في المطبوع وط «طيبة» .
(4) في المخطوط وحده «يخبر» .
(1/602)
أَنَا الشَّافِعِيُّ أَنَا ابْنُ
عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ ثَابِتِ
بْنِ الضَّحَّاكِ:
أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: «مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ فِي الدُّنْيَا عُذِّبَ
بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ، «573» حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ
زِيَادُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنَفِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو
مُعَاذٍ [الشَّاهُ بْنُ] [1] عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُزَنِيُّ
أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمَّادٍ الْقَاضِي
أَنَا أَبُو مُوسَى الزَّمِنُ أَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ
أَخْبَرَنَا أَبِي قَالَ سَمِعْتُ الْحَسَنَ: أَخْبَرَنَا
جُنْدَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [
«خَرَجَ بِرَجُلٍ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَرَابٌ فَجَزِعَ
مِنْهُ فَأَخْرَجَ] [2] سِكِّينًا فَحَزَّ بِهَا يَدَهُ فَمَا
رَقَأَ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:
بَادَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ فَحَرَّمْتُ عَلَيْهِ
الْجَنَّةَ» .
وَقَالَ الْحَسَنُ: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ يَعْنِي:
إِخْوَانَكُمْ، أَيْ: لَا يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، إِنَّ
اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً «574» أَخْبَرَنَا عَبْدُ
الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ أَنَا
شُعْبَةُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُدْرِكٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا
زُرْعَةَ بْنَ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ عَنْ جَدِّهِ قَالَ:
قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «اسْتَنْصَتَ [3] النَّاسَ» ثُمَّ
قَالَ: «لَا تَرْجِعُنَّ بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ
بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ» .
__________
10/ 30 من طرق عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عن أبي قلابة
به.
573- إسناده صحيح، أبو موسى الزمن فمن دونه ثقات، وقد توبعوا،
ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، جرير والد وهب هو ابن حازم بن
زيد. الحسن هو البصري ابن يسار.
- وهو في «شرح السنة» (2519) بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو يعلى 1527 وابن حبان 5988 من طريق محمد بن المثنى
الزمن به.
- وأخرجه مسلم 113 ح 181 وابن مندة في «الإيمان» (647) عن وهب
بن جرير به.
- وأخرجه البخاري 1364 و1463 وأبو عوانة 1/ 46- 47 وابن مندة
647 والطبراني 1664 والبيهقي 8/ 24 من طرق عن جرير بن حازم به.
- وأخرجه مسلم 113 ح 180 وابن مندة 648 وابن حبان 5989 من طريق
محمد بن رافع، عَنْ أَبِي أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيِّ، عَنْ
شَيْبَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ الحسن به.
574- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، شعبة هو ابن الحجاج.
- وهو في «شرح السنة» (2544) بهذا الإسناد.
- رواه المصنف من طريق البخاري، وفي «صحيحه» (7080) عن سليمان
بن حرب به.
وأخرجه البخاري 4405 و6869 ومسلم 65 والنسائي 7/ 127- 128 وابن
ماجه 3942 والطيالسي 664 وابن أبي شيبة 15/ 30- 31 وأحمد 4/
358 و363 و366 والدارمي 2/ 69 وابن حبان 5940 والطبراني 2402
وابن مندة 657 والطحاوي في «المشكل» (3/ 194) من طرق عن شعبة
به.
وأخرجه النسائي 7/ 128 وابن أبي شيبة 15/ 30 وأحمد 4/ 366
والطبراني 2277 من طريق عبد الله بن نمير، عن إسماعيل، عن قيس،
عن جرير.
(1) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة» .
(2) ما بين المعقوفتين مثبت من «شرح السنة» ونسخة «ط» وهو الذي
يقتضيه سياق مسلم وغيره وهو في الأصل «جرح رجل فيمن كان قبلكم
فألم ألما شديدا، ولم يبرأ فجزع منه فأخذ» .
(3) في الأصل «استنصب» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة» وكتب
«التخريج» .
(1/603)
وَمَنْ يَفْعَلْ
ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا
وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) إِنْ تَجْتَنِبُوا
كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ
سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (31)
[سورة النساء (4) : الآيات 30 الى 31]
وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ
نَارًا وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (30) إِنْ
تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ
عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً
(31)
وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ، يَعْنِي: مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ مِنَ
الْمُحَرَّمَاتِ، عُدْواناً وَظُلْماً، فَالْعَدُوَّانُ
مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ، وَالظُّلْمُ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي
غَيْرِ مَوْضِعِهِ، فَسَوْفَ نُصْلِيهِ، نُدْخِلُهُ فِي
الْآخِرَةِ، نَارًا، يُصْلَى فِيهَا، وَكانَ ذلِكَ عَلَى
اللَّهِ يَسِيراً، هَيِّنًا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ مَا تُنْهَوْنَ
عَنْهُ، اخْتَلَفُوا فِي الْكَبَائِرِ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ
اجْتِنَابَهَا تَكْفِيرًا لِلصَّغَائِرِ:
«575» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَنَا
النَّضْرُ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ أَنَا فِرَاسٌ قَالَ: سَمِعْتُ
الشَّعْبِيَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو [1] رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«الْكَبَائِرُ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ [عَزَّ وَجَلَّ] [2]
وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَالْيَمِينُ
الْغَمُوسِ» .
«576» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ [أَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ يُوسُفَ] [3] أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا
مُسَدَّدٌ أَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ [4] أَنَا
الْجَرِيرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ
عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
__________
575- إسناده صحيح على شرط البخاري حيث تفرد عن محمد بن مقاتل
الكسائي، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، النضر هو ابن شميل،
شعبة هو ابن الحجاج، وفراس هو ابن يحيى الهمداني.
- وهو في «شرح السنة» (44) بهذا الإسناد.
- رواه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (6675) عن محمد
بن مقاتل به.
- وأخرجه البخاري 6870 والترمذي 3021 والنسائي 7/ 89 و8/ 63
وأحمد 2/ 201 والدارمي 2/ 191 وأبو نعيم في «الحلية» (7/ 202)
من طرق عن شعبة به.
- وأخرجه البخاري 6920 وابن حبان 5562 والبيهقي 10/ 35 من طريق
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى، عَنْ شيبان، عن فراس به.
- وورد مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أنيس أخرجه الترمذي
3020 وأحمد 3/ 495 والحاكم 4/ 296 والطحاوي في «المشكل» (893)
من طريق الليث بن سعد، عن هشام بن سعد، عن محمد بن زيد، عن أبي
أمامة عنه. وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي وقال الترمذي: حسن
غريب اهـ.
576- إسناده صحيح على شرط البخاري، مسدد هو ابن مسرهد روى له
البخاري دون مسلم، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، الجريري هو
سعيد بن إياس.
- وهو في «شرح السنة» بإثر (43) بهذا الإسناد.
- خرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (2654) عن مسدد
بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 5976 و6273 و6274 و6919 ومسلم 87 والترمذي
1901 و3019 وأبو عوانة 1/ 54 والطحاوي في «المشكل» (892)
والبيهقي 10/ 121 من طرق عن سعيد بن إياس الجريري به. [.....]
(1) في الأصل «عمر» والتصويب من «شرح السنة» وكتب «التخريج» .
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(4) وقع في الأصل «الفضل» وهو تصحيف.
(1/604)
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَّا أُنْبِئُكُمْ بِأَكْبَرِ
الْكَبَائِرِ؟» [ثَلَاثًا] [1] قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ
اللَّهِ، قَالَ: «الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،
وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا
فَقَالَ: أَلَّا وَقَوْلُ الزُّورِ» ، فَمَا زَالَ
يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ.
«577» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ
أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ
أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ محمد عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ
أَنَا أَحْمَدُ [بْنُ مُحَمَّدِ] [2] بْنِ عِيسَى الْبَرْتِيُّ
[3] أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنَا سُفْيَانُ
الثَّوْرِيُّ عَنِ الْأَعْمَشِ وَمَنْصُورٍ، وَوَاصِلٍ
الْأَحْدَبِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:
قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الذَّنْبِ أَكْبَرُ عِنْدَ
اللَّهِ؟ قَالَ: «أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ
خَلَقَكَ» ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟
قَالَ: «أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَطْعَمَ
مَعَكَ» ، قُلْتُ: ثُمَّ أيّ؟ قال: «أن تزني بحليلة جَارِكَ» ،
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى [تَصْدِيقَ قَوْلِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [4] وَالَّذِينَ لَا
يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ
النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا
يَزْنُونَ [الفرقان: 68] الْآيَةُ.
«578» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ
أَبِي الغيث أنا أَبُو هُرَيْرَةَ:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ» ، قَالُوا: يَا رَسُولَ
اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ
وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمُ اللَّهُ إِلَّا
بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ،
وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذَفُ الْمُحْصَنَاتِ
الْمُؤْمِنَاتِ الغافلات» .
__________
577- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، سفيان هو ابن سعيد
الثوري، الأعمش هو سليمان بن مهران، منصور هو ابن المعتمر،
واصل هو ابن حيان، أبو وائل هو شقيق بن سلمة.
- وهو في «شرح السنة» (42) بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 4477 و7520 ومسلم 86 والنسائي في «الكبرى»
(3476) و (3477) و (7124) و (10987) و (11368) وابن حبان 4415
من طريق عن جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنِ منصور، عن
أبي وائل به.
وأخرجه أحمد 1/ 434 من طريق منصور به.
- وأخرجه الترمذي 3183 وأحمد 1/ 434 من طريق شعبة، عن واصل، عن
أبي وائل، عن ابن مسعود به، وقال الترمذي: حديث سفيان، عن
منصور والأعمش أصح من حديث واصل، لأنه زاد في إسناده رجلا اهـ.
- وأخرجه البخاري بإثر 6811 والنسائي 7/ 90 عن سفيان، عن واصل
به وأحمد 1/ 462 من طريق مهدي عن واصل به.
578- إسناده صحيح على شرط البخاري، عبد العزيز هو الأويسي روى
له البخاري، وقد توبع، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، سليمان هو
ابن بلال، وثور هو ابن زيد المدني، أبو الغيث، اسمه سالم وهو
مولى ابن مطيع.
- وهو في «شرح السنة» (45) بهذا الإسناد.
- ورواه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (2766) عن عبد
العزيز بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 5764 و6857 وابن حبان 5561 والبيهقي 8/ 249 من
طريق عبد العزيز الأويسي بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 89 وأبو داود 6874 والنسائي 6/ 257 وأبو عوانة
1/ 54- 55 والطحاوي في «المشكل» (894) من طرق عَنِ ابْنِ
وَهْبٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ به.
(1) زيادة عن المخطوط و «صحيح البخاري» .
(2) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «شرح السنة» و
«الأنساب» .
(3) في الأصل «البرني» والتصويب من «شرح السنة» و «الأنساب» .
(4) ما بين المعقوفتين في المطبوع «تصديقها» .
(1/605)
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ: الْإِشْرَاكُ
بِاللَّهِ وَالْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ وَالْقُنُوطُ مِنْ
رَحْمَةِ اللَّهِ وَالْيَأْسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ.
«579» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ أَنَا أَبُو
الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ أَنَا
عَلِيُّ بْنُ الجعد أنا شعبة عن سعد [1] بْنِ إِبْرَاهِيمَ
قَالَ: سَمِعْتُ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُحَدِّثُ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو [2] قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم: «من [أكبر]
[3] الْكَبَائِرِ أَنْ يَسُبَّ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ» ،
قالوا: يا رسول الله وَكَيْفَ يَسُبُّ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟
قَالَ: «نعم يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أباه
ويسبّ أمه [فيسب أُمَّهُ] [4] » .
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ
عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ الْكَبَائِرِ: أسبع
هي؟ قال: هي إِلَى السَّبْعِمِائَةِ أَقْرَبُ إِلَّا أَنَّهُ
لَا كَبِيرَةَ مَعَ الِاسْتِغْفَارِ وَلَا صَغِيرَةَ مَعَ
الْإِصْرَارِ، وَقَالَ: كُلُّ شَيْءٍ عُصِيَ اللَّهُ بِهِ
فَهُوَ كَبِيرَةٌ، فَمَنْ عَمِلَ شَيْئًا مِنْهَا
فَلْيَسْتَغْفِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُخَلِّدُ فِي النَّارِ
مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا رَاجِعًا عَنِ الْإِسْلَامِ
أَوْ جَاحِدًا فَرِيضَةً أَوْ مُكَذِّبًا بِقَدَرٍ. وَقَالَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: مَا نَهَى اللَّهُ تَعَالَى
عَنْهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ إِلَى قَوْلِهِ:
إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ، فهو كبيرة،
قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ: [عن ابن عباس] [5] هِيَ
كُلُّ ذَنْبٍ خَتَمَهُ اللَّهُ بِنَارٍ أَوْ غَضِبٍ أَوْ
لَعْنَةٍ أَوْ عَذَابٍ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: مَا أَوْعَدَ
اللَّهُ عَلَيْهِ حَدًّا فِي الدُّنْيَا أَوْ عَذَابًا فِي
الْآخِرَةِ. وقال الحسين [6] بْنُ الْفَضْلِ: مَا سَمَّاهُ
اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ كَبِيرًا أَوْ عَظِيمًا نَحْوَ
قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً [النِّسَاءِ:
2] ، إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً [الْإِسْرَاءِ:
31] ، إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لُقْمَانَ: 13] ،
إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ [يُوسُفَ: 28] ، سُبْحانَكَ هَذَا
بُهْتانٌ عَظِيمٌ [النُّورِ: 16] ، إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ
اللَّهِ عَظِيماً [الْأَحْزَابِ: 53] ، قَالَ سُفْيَانُ
الثَّوْرِيُّ: الْكَبَائِرُ مَا كَانَ فِيهِ الْمَظَالِمُ
بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْعِبَادِ [7] ، وَالصَّغَائِرُ مَا كَانَ
بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّ اللَّهَ كَرِيمٌ
يَعْفُو، وَاحْتَجَّ بِمَا:
«580» أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ عَلِيٍّ الْكِرْمَانِيُّ أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ
[بْنُ مُحَمَّدِ] [8] بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ
__________
579- إسناده على شرط البخاري، علي بن الجعد تفرد عنه البخاري،
وقد توبع. ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، شعبة هو ابن الحجاج.
- وهو في «شرح السنة» (3321) بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم 90 والطيالسي 2269 وأحمد 2/ 195 وأبو عوانة 1/ 55
وابن حبان 412 من طرق عن شعبة به.
- وأخرجه البخاري 5973 ومسلم 90 وأبو داود 5141 والترمذي 1902
وأحمد 2/ 164 و214 و216 وابن حبان 411 وأبو نعيم في «الحلية»
(3/ 172) من طرق عن سعد بن إبراهيم به.
580- باطل. رجال الإسناد ثقات غير الحسين بن داود، فإنه ساقط،
ذكره الذهبي في «الميزان» (1/ 534) بحديث غير هذا، وقال: قال
الخطيب: ليس بثقة، وحديثه موضوع. وزاد ابن حجر في «اللسان» (2/
282) عن الخطيب قوله: روى نسخة عن يزيد، عن حميد، عن أنس
أكثرها موضوع، وقال الحاكم: روى عن جماعة لا يحتمل سنة السماع
منهم، وله عندنا عجائب يستدل بها على حاله اهـ. قلت: وهذا
الحديث رواه عن يزيد بن هارون، عن حميد، وهذه نسخة
(1) في الأصل «سعيد» والتصويب من «شرح السنة» وكتب «التخريج» .
(2) في الأصل «عمر» والتصويب من «شرح السنة» وكتب «التخريج» و
«ط» . [.....]
(3) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة» .
(4) سقط من المطبوع.
(5) زيادة عن الطبري 9213.
(6) في المطبوع «الحسن» .
(7) في المطبوع وحده «عبد الله تعالى» بدل «العباد» .
(8) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة» .
(1/606)
وَلَا تَتَمَنَّوْا
مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ
نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا
اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ
كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32)
أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ
أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ أَنَا الْحُسَيْنُ بن داود الْبَلْخِيُّ
أَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ
أَنَسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«يُنَادِي مُنَادٍ مِنْ بُطْنَانِ الْعَرْشِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ: يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ
وَجَلَّ قَدْ عَفَا عَنْكُمْ جَمِيعًا الْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِنَاتِ، تَوَاهَبُوا الْمَظَالِمَ وَادْخُلُوا
الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي» .
وَقَالَ مَالِكُ بْنِ مِغْوَلٍ: الْكَبَائِرُ ذُنُوبُ أَهْلِ
الْبِدَعِ، وَالسَّيِّئَاتُ ذُنُوبُ أَهْلِ السُّنَّةِ،
وَقِيلَ: الْكَبَائِرُ ذُنُوبُ الْعَمْدِ وَالسَّيِّئَاتُ
الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ، وَحَدِيثُ
النَّفْسِ الْمَرْفُوعُ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَقِيلَ:
الْكَبَائِرُ ذُنُوبُ الْمُسْتَحِلِّينَ مِثْلَ ذَنْبِ
إِبْلِيسَ وَالصَّغَائِرُ ذُنُوبُ الْمُسْتَغْفِرِينَ مِثْلَ
ذَنْبٍ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَالَ السُّدِّيُّ:
الْكَبَائِرُ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الذُّنُوبِ
الْكَبَائِرِ، وَالسَّيِّئَاتُ مقدّماتها وتوابعها [وما
يَجْتَمِعُ] [1] فِيهِ الصَّالِحُ وَالْفَاسِقُ، مِثْلَ النظرة
واللمسة والقبلة وأشباهها.
ع «581» قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ، وَالْيَدَانِ تَزْنِيَانِ،
وَالرِّجْلَانِ تَزْنِيَانِ، وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ
أَوْ يُكَذِّبُهُ» ، وَقِيلَ: الْكَبَائِرُ مَا يَسْتَحْقِرُهُ
الْعِبَادُ، وَالصَّغَائِرُ مَا يَسْتَعْظِمُونَهُ
فَيَخَافُونَ مُوَاقَعَتَهُ، كَمَا:
«582» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا [أَبُو]
[2] الْوَلِيدِ أَنَا مهدي بن ميمون عن [3] غَيْلَانَ عَنْ
أَنَسٍ قَالَ: إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أَعْمَالًا هِيَ
أَدَقُّ فِي أَعْيُنِكُمْ مِنَ الشَّعْرِ، إِنْ كُنَّا نعدّهم
عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِنَ الْمُوبِقَاتِ.
[سورة النساء (4) : آية 32]
وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى
بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ
نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ
إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (32)
__________
موضوعة وهذا الحديث دليل على ذلك، فإن القصاص واقع على جميع
الأمم.
- وهو في «شرح السنة» (4261) بهذا الإسناد.
وذكره العراقي في «تخريج الإحياء» (4/ 545) وقال: رويناه في
سباعيات أبي الأسعد القشيري من حديث أنس، وفيه الحسين بن داود
البلخي. قال الخطيب: ليس بثقة اهـ.
581- ع صحيح. أخرجه أحمد 3/ 411 وابن حبان 4419 والطحاوي في
«المشكل» (2712 و2714) والبغوي في «شرح السنة» (75) من طرق
عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، وإسناده حسن. وقال البغوي: هذا حديث صحيح.
- وفي الباب من حديث ابن عباس أخرجه البخاري بإثر 6243 و6612
ومسلم 2657 وأحمد 2/ 276 وابن حبان 4420 والبيهقي 7/ 89 و10/
185- 186.
582- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، أبو الوليد هو
الطيالسي اسمه هشام بن عبد الملك، غيلان هو ابن جرير.
- وهو في «شرح السنة» (4097) بهذا الإسناد.
- وأخرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (6492) عن
الوليد الإسناد.
وأخرجه أحمد 3/ 157 وأبو يعلى 4207 و4314 من طريق مهدي بن
ميمون به، وورد من وجه آخر لكنه ضعيف.
أخرجه أحمد 3/ 285 من طريق علي بن زيد قال سمعت أنس.... فذكره
وعلي بن زيد بن جدعان ضعيف لكن يصلح للاستشهاد به.
(1) في المطبوع «مما يجمع» .
(2) زيادة عن «صحيح البخاري» .
(3) في الأصل «بن» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة» وكتب
«التخريج» .
(1/607)
وَقِيلَ: الْكَبَائِرُ الشِّرْكُ، وَمَا
يُؤَدِّي إليه، وما دون الشكر فهو من السَّيِّئَاتُ، قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ
بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ [النساء: 48] .
نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ أَيْ: مِنَ الصَّلَاةِ إِلَى
الصَّلَاةِ وَمِنَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ وَمِنْ
رَمَضَانَ إِلَى رَمَضَانَ.
«583» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ أَنَا
عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى
الْجُلُودِيُّ أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
سُفْيَانَ أَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي
هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ [1] أَنَا ابْنُ وَهْبٍ
عَنْ أَبِي صَخْرٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ إِسْحَاقَ مَوْلَى
زَائِدَةَ حَدَّثَهُ عَنْ [أَبِيهِ عَنْ] [2] أَبِي هُرَيْرَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى
الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ لِمَا
بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتُنِبَ الْكَبَائِرُ» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً، أَيْ:
حَسَنًا وَهُوَ الْجَنَّةُ، قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ
مُدْخَلًا بِفَتْحِ الْمِيمِ هَاهُنَا وَفِي الْحَجِّ، وَهُوَ
مَوْضِعُ الدُّخُولِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالضَّمِّ عَلَى
الْمَصْدَرِ بمعنى الإدخال.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ
بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ الآية.
ع «584» قَالَ مُجَاهِدٌ: قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ إِنَّ الرِّجَالَ يَغْزُونَ وَلَا نَغْزُو وَلَهُمْ
ضِعْفُ مَا لَنَا مِنَ الْمِيرَاثِ، فَلَوْ كُنَّا رِجَالًا
غَزَوْنَا كَمَا غَزَوْا وَأَخَذْنَا مِنَ الْمِيرَاثِ مِثْلَ
مَا أَخَذُوا. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.
وَقِيلَ: لَمَّا جَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلذَّكَرِ
مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فِي الْمِيرَاثِ قَالَتِ
النِّسَاءُ: نَحْنُ أَحَقُّ وَأَحْوَجُ إِلَى الزِّيَادَةِ
مِنَ الرِّجَالِ، لأننا ضعيفات [3] وَهُمْ أَقْوَى وَأَقْدَرُ
عَلَى طَلَبِ المعاش، فأنزل الله تعالى:
__________
583- إسناده على شرط مسلم، حميد بن زياد أبو صخر صدوق، وفيه
ضعف لكن توبع، ابن وهب هو عبد الله.
- خرجه المصنف من طريق مسلم، وهو في «صحيحه» (233) ح 16 عن
هارون بن سعيد بهذا الإسناد.
- وأخرجه البيهقي 10/ 187 من طريق هارون بن سعيد به وأحمد 2/
400 من طريق هارون بن معروف، عن ابن وهب به، وابن معروف ثقة
روى له الشيخان وأما هارون بن سعيد، فإنه من رجال مسلم.
- وأخرجه مسلم 233 والترمذي 214 وابن خزيمة 314 و1814 وابن
حبان 1733 والبيهقي 2/ 467 و10/ 187 والبغوي في «شرح السنة»
(346) من طرق عن إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلَاءِ
به.
- وأخرجه مسلم 133 ح 15 وأحمد 2/ 359 والبيهقي 2/ 466 من طريق
هشام بن حسان، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أبي هريرة.
- وأخرجه أحمد 2/ 484 من طريق زهير، عن العلاء به.
- وأخرجه الطيالسي 2470 وأحمد 2/ 414 من طريق الحسن، عن أبي
هريرة. وهذا ضعيف لانقطاعه، فالحسن لم يسمع من أبي هريرة.
584- ع إسناده ضعيف. أخرجه الترمذي 3022 والحاكم 2/ 305
والواحدي 306 من طريق مجاهد عن أم سلمة. قال الترمذي: هذا حديث
مرسل اهـ.
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين، إن كان
سمع مجاهد من أم سلمة. ووافقه الذهبي، وتقدم أنه منقطع فيما
ذكر الترمذي، وسيأتي في الأحزاب. [.....]
(1) في الأصل «الأبلي» والتصويب عن «ط» وكتب التخريج.
(2) زيادة عن المخطوط و «صحيح مسلم» .
(3) في المطبوع «لأنا ضعيفات» وفي المخطوط «لأننا ضعفاء» وفي-
ط «لأنا ضعفاء» .
(1/608)
وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا
مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ
وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ
إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (33)
تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ
بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ، وَقَالَ قَتَادَةُ والسدي: لمّا أنزل
الله قَوْلُهُ: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ
[النساء: 11] قَالَ الرِّجَالُ [1] إِنَّا لِنَرْجُوَ أَنْ
نُفَضَّلَ عَلَى النِّسَاءِ بِحَسَنَاتِنَا فِي الْآخِرَةِ
فَيَكُونُ أَجْرُنَا عَلَى الضِّعْفِ مِنْ أَجْرِ النِّسَاءِ
كَمَا فُضِّلْنَا عَلَيْهِنَّ فِي الْمِيرَاثِ فَقَالَ اللَّهُ
تَعَالَى: لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا مِنَ
الْأَجْرِ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ مَعْنَاهُ:
أَنَّ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ فِي الْأَجْرِ فِي الْآخِرَةِ
سَوَاءٌ، وذلك أن الحسنة تكون بعشرة أَمْثَالِهَا يَسْتَوِي
فِيهَا [2] الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، وَإِنْ فُضِّلَ
الرِّجَالُ فِي الدُّنْيَا عَلَى النِّسَاءِ، وَقِيلَ:
مَعْنَاهُ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا مِنْ أَمْرِ
الْجِهَادِ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ مِنْ
طَاعَةِ الْأَزْوَاجِ وَحِفْظِ الْفُرُوجِ. [يَعْنِي: إِنْ
كَانَ لِلرِّجَالِ فَضْلُ الْجِهَادِ فَلِلنِّسَاءِ فَضْلُ
طَاعَةِ الْأَزْوَاجِ وحفظ الفروج] [3] قوله تعالى:
وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ، قَرَأَ ابْنُ كثير والكسائي
(وسلوا، وسل، فسل) ، إِذَا كَانَ قَبْلَ السِّينِ وَاوٌ أَوْ
فَاءٌ بِغَيْرِ هَمْزٍ، وَنَقْلِ حَرَكَةِ الْهَمْزَةِ إِلَى
السِّينِ، وَالْبَاقُونَ بِسُكُونِ السِّينِ مَهْمُوزًا.
فَنَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنِ التَّمَنِّي لِمَا فِيهِ مِنْ
دَوَاعِي الْحَسَدِ، وَالْحَسَدُ أَنْ يَتَمَنَّى [4] زَوَالَ
النِّعْمَةِ عَنْ صَاحِبِهِ [سواء تمناها لنفسه أم لا] [5] ،
وَهُوَ حَرَامٌ، وَالْغِبْطَةُ أَنْ يَتَمَنَّى لِنَفْسِهِ
مِثْلَ مَا لِصَاحِبِهِ وَهُوَ جَائِزٌ. قَالَ الْكَلْبِيُّ:
لَا يَتَمَنَّى الرَّجُلُ مَالَ أَخِيهِ وَلَا امْرَأَتِهِ
وَلَا خَادِمِهِ، وَلَكِنْ لِيَقُلِ اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي
مِثْلَهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي التوراة وذلك في القرآن. وقوله:
وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ أَيْ: مِنْ رزقه، [و] قَالَ
سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مِنْ عِبَادَتِهِ، فَهُوَ سُؤَالُ
التَّوْفِيقِ لِلْعِبَادَةِ، وقال سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ:
لَمْ يَأْمُرْ بِالْمَسْأَلَةِ إِلَّا لِيُعْطِيَ. إِنَّ
اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً.
[سورة النساء (4) : آية 33]
وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ
وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ
فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ
شَهِيداً (33)
وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ أَيْ: وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ
الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَعَلْنَا مَوَالِيَ، أَيْ: عُصْبَةً
يُعْطُونَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ
وَالْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ هُمُ الْمُوَرِّثُونَ،
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ أَيْ:
وَرَثَةً مِمَّا تَرَكَ أَيْ: مِنَ الَّذِينَ تَرَكَهُمْ
وَيَكُونُ (مَا) بِمَعْنَى مِنْ، ثُمَّ فَسَّرَ الْمَوَالِيَ
فَقَالَ: الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ أي: هم الوالدان
والأقربون، [فعلى هذا القول: الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ]
[6] هُمُ الْوَارِثُونَ، وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ،
قَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ: عَقَدَتْ بِلَا أَلْفٍ، أَيْ:
عَقَدَتْ لَهُمْ أَيْمَانُكُمْ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ:
عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ، وَالْمُعَاقَدَةُ: الْمُحَالَفَةُ
وَالْمُعَاهَدَةُ، وَالْأَيْمَانُ جَمْعُ يَمِينٍ، مِنَ
الْيَدِ وَالْقَسَمِ، وذلك أنهم كانوا عند المخالفة يَأْخُذُ
بَعْضُهُمْ بِيَدِ بَعْضٍ عَلَى الوفاء والتمسّك بالعهد.
ومخالفتهم أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ
يُعَاقِدُ الرَّجُلَ فَيَقُولُ: دَمِي دَمُكَ [وَهَدْمِي
هَدْمُكَ] [7] وَثَأْرِي ثَأْرُكَ وَحَرْبِي حَرْبُكَ
وَسِلْمِي سِلْمُكَ وَتَرِثُنِي وَأَرِثُكَ وَتَطْلُبُ بِي
وَأَطْلُبُ بِكَ وَتَعْقِلُ عَنِّي وَأَعْقِلُ عَنْكَ
فَيَكُونُ لِلْحَلِيفِ السُّدُسُ مِنْ مَالِ الْحَلِيفِ،
وَكَانَ ذَلِكَ [ثَابِتًا] [8] فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ
فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ أَيْ:
أَعْطُوهُمْ حَظَّهُمْ مِنَ الْمِيرَاثِ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ
بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى
بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ [الأنفال:
75] ، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ وَمُجَاهِدٌ: أَرَادَ فَآتُوهُمْ
نَصِيبَهُمْ مِنَ النَّصْرِ وَالرِّفْدِ وَلَا ميراث لهم،
وَعَلَى هَذَا تَكُونُ هَذِهِ الْآيَةُ غَيْرَ مَنْسُوخَةٍ
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة: 1] .
__________
(1) تصحف في المطبوع «الرجل» .
(2) كذا في المطبوع وط، وفي المخطوط «فيه» .
(3) زيادة عن المخطوط وط.
(4) زيد في المطبوع وحده «الرجل» .
(5) العبارة في المخطوط وط «ويتمناها لنفسه» .
(6) زيد في المطبوع.
(7) زيادة عن المخطوط وط.
(8) زيادة عن المخطوط.
(1/609)
الرِّجَالُ
قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ
بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ
أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ
لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ
نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ
وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا
عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا
(34)
ع «585» وقال رسول لله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خطبته [1] يَوْمِ فَتْحِ مَكَّةَ: «لَا
تُحْدِثُوا حِلْفًا فِي الْإِسْلَامِ، وَمَا كَانَ مِنْ حِلْفٍ
فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَتَمَسَّكُوا فِيهِ فَإِنَّهُ لَمْ
يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إِلَّا شِدَّةً» .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أُنْزِلَتْ
هَذِهِ الْآيَةُ فِي الَّذِينَ آخَى بَيْنَهُمْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ
الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ
وَكَانُوا يَتَوَارَثُونَ بِتِلْكَ الْمُؤَاخَاةِ دُونَ
الرَّحِمِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ: وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ
نُسِخَتْ ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ
فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ من النَّصْرُ وَالرِّفَادَةُ
وَالنَّصِيحَةُ، وَقَدْ ذَهَبَ الْمِيرَاثُ فَيُوصِي لَهُ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: كَانُوا يَتَوَارَثُونَ
بِالتَّبَنِّي وَهَذِهِ الْآيَةُ فِيهِ ثُمَّ نُسِخَ. إِنَّ
اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً.
[سورة النساء (4) : آية 34]
الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ
بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ
فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ
اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ
وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ
أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ
اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً (34)
الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ، الْآيَةُ ع «586»
نَزَلَتْ فِي سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ وَكَانَ مِنَ
النُّقَبَاءِ وَفِي امْرَأَتِهِ حَبِيبَةَ بِنْتِ زَيْدِ بْنِ
أَبِي زُهَيْرٍ- قَالَهُ مُقَاتِلٌ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ:
امْرَأَتُهُ حَبِيبَةُ بِنْتُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ-
وَذَلِكَ أَنَّهَا نَشَزَتْ عَلَيْهِ فَلَطَمَهَا، فَانْطَلَقَ
أَبُوهَا مَعَهَا إِلَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَفْرَشْتُهُ كَرِيمَتِي فَلَطَمَهَا،
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«لِتَقْتَصَّ مِنْ زَوْجِهَا» ، فَانْصَرَفَتْ مَعَ أبيها
لتقتصّ منه
__________
585- ع هو مركب من حديثين: الأول: أخرجه الطبري 9292 وأحمد 5/
61 والطبراني 18/ (865) عن قيس بن عاصم أنه سَأَلَ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم عن الحلف فقال: ما كان حلف في
الجاهلية فتمسكوا به، ولا حلف في الإسلام» وإسناده لين، فيه
شعبة بن التوأم وثقه ابن حبان وحده، لكن له شواهد كثيرة.
الثاني: أخرجه الطبري 9295 من حديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ
أَبِيهِ، عن جده أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسلّم قال في خطبته يوم فتح مكة:
«فوا بالحلف، فإنه لا يزيده الإسلام إلا شدة، ولا تحدثوا حلفا
في الإسلام» . وإسناده حسن، وله شاهد من حديث أم سلمة أخرجه
الطبري 9294 وفيه علي بن زيد حديثه حسن في الشواهد.
- وله شاهد من حديث جبير بن مطعم أخرجه مسلم 2530 وأبو داود
2925 وأحمد 4/ 83 وابن حبان 4371 والطبري 9295 والطبراني 1597
والبيهقي 6/ 262.
- ومن حديث ابن عباس أخرجه أحمد 1/ 317 و329 والدارمي 2/ 243
والطبري 9291 والطبراني 11740 وإسناده على شرط مسلم. وللحديث
شواهد كثيرة.
586- ع ضعيف بهذا اللفظ.
ذكره الواحدي في «أسبابه» (310) عن مقاتل بدون إسناد بهذا
اللفظ، وكذا عزاه الحافظ في «تخريج الكشاف» (1/ 506) للثعلبي-
وورد مختصرا بمعناه عند الواحدي 311 و312 والطبري 9205 و9306
عن الحسن مرسلا.
- وورد أيضا عند الطبري 9307 عن قتادة مرسلا و9309 عن ابن جريج
مرسلا، فلعل هذه المراسيل تتأيد بمجموعها والله أعلم. لكن ليس
في المراسيل المسندة ذكر اللفظ المرفوع. ولا ذكر أسماء.
- وقال الحافظ في «تخريج الكشاف» (1/ 506) : ولابن مردويه عن
علي بإسناده نحوه ولم يقل «القصاص» وزاد:
«أردت أمرا، وأراد الله غيره» اهـ.
وانظر «تفسير ابن كثير» عند هذه الآية بتخريجي.
(1) في المطبوع وط «خطبة» . [.....]
(1/610)
فَجَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«ارْجِعُوا هَذَا جِبْرِيلُ أَتَانِي بِشَيْءٍ» ، فَأَنْزَلَ
اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أَرَدْنَا أَمْرًا وَأَرَادَ اللَّهُ أَمْرًا، وَالَّذِي
أَرَادَ اللَّهُ خَيْرٌ» ، وَرَفَعَ الْقِصَاصَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ
أَيْ: مُسَلَّطُونَ عَلَى تَأْدِيبِهِنَّ، وَالْقَوَّامُ
وَالْقَيِّمُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَالْقَوَّامُ أَبْلَغُ
وَهُوَ الْقَائِمُ بِالْمَصَالِحِ وَالتَّدْبِيرِ
وَالتَّأْدِيبِ، بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ،
يَعْنِي: فَضَّلَ الرِّجَالَ عَلَى النِّسَاءِ بِزِيَادَةِ
الْعَقْلِ وَالدِّينِ وَالْوِلَايَةِ، وَقِيلَ: بِالشَّهَادَةِ
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ
وَامْرَأَتانِ [الْبَقَرَةِ: 282] وَقِيلَ: بِالْجِهَادِ،
وَقِيلَ: بِالْعِبَادَاتِ مِنَ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ،
وَقِيلَ: هُوَ أَنَّ الرَّجُلَ يَنْكِحُ أَرْبَعًا وَلَا
يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ إِلَّا زَوْجٌ وَاحِدٌ، وَقِيلَ: بِأَنَّ
الطَّلَاقَ بِيَدِهِ، وَقِيلَ:
بِالْمِيرَاثِ، وَقِيلَ: بِالدِّيَةِ، وَقِيلَ:
بِالنُّبُوَّةِ، وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ،
يَعْنِي: إِعْطَاءَ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ.
«587» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى
الصَّيْرَفِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا أبو عبد الله
__________
587- حديث صحيح. إسناده ضعيف لانقطاعه، أبو ظبيان واسمه حصين
بن جندب- بفتح الظاء- ثقة لكن لم يسمع من معاذ، سفيان هو ابن
سعيد الثوري، الأعمش هو سليمان بن مهران.
- وهو في «شرح السنة» (2322) بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد 5/ 227- 228 (21480) من طريق الأعمش به.
- وأخرجه ابن ماجه 1853 وأحمد 4/ 381 وابن حبان 4171 والبيهقي
7/ 292 من طريق أيوب عن القاسم بن عوف الشيباني، عن ابن أبي
أوفى قال: لما قدم معاذ بن جبل من الشام سجد لِرَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى الله عليه وسلّم:.....
فذكره.
- وأخرجه عبد الرزاق 20596 من طريق القاسم الشيباني أن معاذ بن
جبل.... فذكره.
- وأخرجه الحاكم 4/ 172 عن القاسم قال: حدثنا معاذ بن جبل....
فذكره. وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي!!؟.
- وأخرجه البزار 1461 عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عن أبيه، عن معاذ....
- وأخرجه البزار 1470 والطبراني 7294 عن القاسم، عن ابن أبي
ليلى، عن أبيه، عن صهيب أن معاذ.... فذكره وفيه النهاس بن قهم،
وهو ضعيف.
- وأخرجه البزار 1468 و1469 والطبراني 5116 و117 عن قتادة، عن
القاسم، عن زيد بن أرقم قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه
وسلّم معاذا.... فذكره قلت: مداره على القاسم بن عوف الشيباني
قال عنه الذهبي في «الميزان» : مختلف فيه، وقال أبو حاتم:
مضطرب الحديث وقال الحافظ في «التقريب» : صدوق يغرب اهـ.
وله شواهد منها:
- حديث أبي هريرة أخرجه الترمذي 1159 وابن حبان 4162 والبيهقي
7/ 291 من طريق النضر بن شميل، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة
عنه وفي إسناده محمد بن عمرو بن علقمة، وهو حسن الحديث.
وأخرجه الحاكم 4/ 71- 72 والبزار 1466 من طريق سليمان بن أبي
سليمان، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة عنه، وصححه الحاكم
وتعقبه الذهبي بقوله: بل سليمان هو اليمامي ضعفوه اهـ.
- وحديث أنس أخرجه النسائي في «الكبرى» (9147) وأحمد 3/ 158
والبزار 2454. وذكره الهيثمي في «المجمع» (9/ 4) وقال: ورجاله
رجال الصحيح غير حفص ابن أخي أنس، وهو ثقة اهـ.
- وحديث ابن عباس أخرجه الطبراني 12002 وفي إسناده الحكم بن
طهمان وهو ضعيف.
- وحديث عائشة أخرجه ابن ماجه 1852 وابن أبي شيبة في «المصنف»
(4/ 306) وأحمد 6/ 76 وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان، وهو
ضعيف.
- وفي الباب من حديث قيس بن سعد أخرجه أبو داود 2140 والحاكم
2/ 187 والبيهقي 7/ 291، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وهو
حديث صحيح بمجموع طرقه وشواهده، وتقدم برقم 259.
(1/611)
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ
أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْبَرْتِيُّ [1]
أَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ أَنَا سُفْيَانُ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ
أبي ظبيان عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«لَوْ أَمَرْتُ أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ
الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ، أَيْ: مُطِيعَاتٌ
حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ، أَيْ: حَافِظَاتٌ لِلْفُرُوجِ فِي
غَيْبَةِ الْأَزْوَاجِ، وَقِيلَ: حَافِظَاتٌ لِسِرِّهِمْ بِما
حَفِظَ اللَّهُ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ بِمَا حَفِظَ اللَّهَ
بِالنَّصْبِ، أَيْ: يَحْفَظْنَ اللَّهَ فِي الطَّاعَةِ،
وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بِالرَّفْعِ، أَيْ: بِمَا حَفِظَهُنَّ
اللَّهُ بِإِيصَاءِ الْأَزْوَاجِ بِحَقِّهِنَّ وَأَمْرِهِمْ
بِأَدَاءِ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ. وَقِيلَ: حَافِظَاتٌ
لِلْغَيْبِ بِحِفْظِ اللَّهِ.
«588» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو
إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
[مُحَمَّدُ] [2] بْنُ فَنْجَوَيْهِ أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْمُسُوحِيُّ [3]
أَنَا الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَا أَبُو مَعْشَرٍ
عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«خَيْرُ النِّسَاءِ امْرَأَةٌ إِنْ نَظَرْتَ إِلَيْهَا
سَرَّتْكَ وَإِنْ أَمَرْتَهَا أَطَاعَتْكَ وَإِذَا غِبْتَ
عَنْهَا حَفِظَتْكَ فِي مَالِهَا وَنَفْسِهَا» ، ثُمَّ تَلَا:
الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ الآية.
__________
(1) في الأصل «البرني» والتصويب عن «شرح السنة» و «الأنساب» .
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) كذا في المطبوع وط وفي المخطوط «السرخسي» .
588- حديث صحيح دون ذكر الآية. إسناده ضعيف لأجل نجيح بن عبد
الرحمن السندي أبي معشر، فقد ضعفه غير واحد، ووثقه آخرون،
والحارث بن عبد الله لم أجد له ترجمة، وقد توبع هو ومن دونه.
وأخرجه الطيالسي 2325 والطبري 9329 من طريق أبي معشر بهذا
الإسناد، وقد صح هذا الحديث بدون ذكر الآية.
- فقد أخرجه النسائي في «الكبرى» (8961) والحاكم 2/ 161 (2682)
من طريق آخر، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ سعيد
المقبري بهذا الإسناد. وصححه الحاكم على شرط مسلم، ووافقه
الذهبي، وحسّن إسناده الحافظ في «تخريج الكشاف» (1/ 506) وهو
كما قال.
وله شواهد منها:
- حديث ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ وَالَّذِينَ
يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ... » الحديث، وفيه «ألا
أخبرك بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصالحة إذا نظر إليها سرته،
وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته» .
وفي إسناده أبو اليقظان عثمان بن عمير، وهو ضعيف، والحديث صححه
الحاكم، وتعقبه الذهبي بقوله: عثمان لا أعرفه، والخبر عجيب
اهـ.
قلت: الغريب فيه ذكر الآية.
- وحديث عبد الله بن سلام أخرجه الطبراني في «الكبير» (7828)
وفي زريك بن أبي زريك قال الهيثمي في «المجمع» (4/ 273) : ولم
أعرفه اهـ.
- وحديث أبي أمامة عند ابن ماجه 1857 وفي إسناده علي بن يزيد
قال البوصيري في «الزوائد» : قال البخاري: منكر الحديث وعثمان
بن أبي العاتكة مختلف فيه، والحديث رواه النسائي من حديث أبي
هريرة، وسكت عليه، وله شاهد من حديث عبد الله بن عمر اهـ.
وقال الحافظ في «تخريج الكشاف» : وفي الباب عن أبي أمامة عند
ابن ماجه وإسناده ساقط، وعن عبد الله بن سلام عند الطبراني،
وعن ثوبان وغيرهم اهـ.
الخلاصة: هو حديث صحيح بمجموع طرقه وشواهده، لكن دون ذكر
الآية، فقد تفرد بذكر الآية أبو معشر، وهو غير قوي، وعنه
الحارث بن عبد الله، ولم أجد له ترجمه.
(1/612)
وَإِنْ خِفْتُمْ
شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ
وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ
اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا
(35)
وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ،
عِصْيَانَهُنَّ، وَأَصْلُ النُّشُوزِ: التَّكَبُّرُ
وَالِارْتِفَاعُ، وَمِنْهُ النَّشْزُ: [وهو الموضع] [1]
الْمُرْتَفِعِ، فَعِظُوهُنَّ، بِالتَّخْوِيفِ مِنَ اللَّهِ
وَالْوَعْظِ بِالْقَوْلِ، وَاهْجُرُوهُنَّ، يَعْنِي: إِنْ لَمْ
يَنْزِعْنَ عَنْ ذَلِكَ بِالْقَوْلِ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي
الْمَضاجِعِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُوَلِّيهَا ظَهْرَهُ فِي
الْفِرَاشِ وَلَا يُكَلِّمُهَا، وَقَالَ غَيْرُهُ: يَعْتَزِلُ
عَنْهَا إِلَى فَرَّاشٍ آخَرَ، وَاضْرِبُوهُنَّ يعني: إن لم
ينزعن من الْهِجْرَانِ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ
مُبَرِّحٍ وَلَا شَائِنٍ، وَقَالَ عَطَاءٌ: ضَرْبًا بالسواك.
ع «589» وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «حَقُّ الْمَرْأَةِ
أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوَهَا إِذَا
اكْتَسَيْتَ وَلَا تَضْرِبَ الْوَجْهَ وَلَا تُقَبِّحَ وَلَا
تَهْجُرَ إِلَّا فِي الْبَيْتِ» .
فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا،
أَيْ: لَا تَجْنُوا [2] عَلَيْهِنَّ الذُّنُوبَ، وَقَالَ ابْنُ
عُيَيْنَةَ: لَا تُكَلِّفُوهُنَّ مَحَبَّتَكُمْ فَإِنَّ
الْقَلْبَ لَيْسَ بِأَيْدِيهِنَّ. إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا
كَبِيراً، مُتَعَالِيًا مِنْ أَنْ يكلّف العباد ما لا
يُطِيقُونَهُ، وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
الزَّوْجَ يَجْمَعُ عَلَيْهَا بَيْنَ الْوَعْظِ وَالْهِجْرَانِ
وَالضَّرْبِ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى ظَاهِرِهَا وَقَالَ:
إِذَا ظَهَرَ [مِنْهَا] [3] النُّشُوزُ جَمَعَ بَيْنَ هَذِهِ
الْأَفْعَالِ، وَحَمَلَ الْخَوْفَ فِي قَوْلِهِ وَاللَّاتِي
تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ، عَلَى الْعِلْمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً [الْبَقَرَةِ: 182] أَيْ:
عَلِمَ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ الْخَوْفَ عَلَى الْخَشْيَةِ
لَا عَلَى حَقِيقَةِ الْعِلْمِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِمَّا
تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً [الْأَنْفَالِ:
58] ، وَقَالَ: هَذِهِ الْأَفْعَالُ عَلَى تَرْتِيبِ
الْجَرَائِمِ، فَإِنْ خَافَ نُشُوزَهَا بِأَنْ ظَهَرَتْ
أَمَارَتُهُ مِنْهَا مِنَ الْمُخَاشَنَةِ وَسُوءِ الْخُلُقِ
وَعَظَهَا، فَإِنْ أَبْدَتِ النُّشُوزَ هَجَرَهَا، فَإِنْ
أَصَرَّتْ عَلَى ذَلِكَ ضَرَبَهَا.
[سورة النساء (4) : آية 35]
وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ
أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً
يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً
خَبِيراً (35)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما، يعني:
خلافا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَالْخَوْفُ بِمَعْنَى
الْيَقِينِ، وَقِيلَ: هُوَ بِمَعْنَى الظَّنِّ يَعْنِي: إِنْ
ظَنَنْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا، وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إِذَا
ظَهَرَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ شِقَاقٌ وَاشْتَبَهَ حَالُهُمَا
فَلَمْ يَفْعَلِ الزَّوْجُ الصَّفْحَ وَلَا الْفُرْقَةَ وَلَا
الْمَرْأَةُ تَأْدِيَةَ الْحَقِّ وَلَا الْفِدْيَةَ وَخَرَجَا
إِلَى مَا لَا يَحِلُّ قَوْلًا وَفِعْلًا بَعَثَ الْإِمَامُ
حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ إِلَيْهِ وَحَكَمًا مَنْ أَهْلِهَا
إِلَيْهَا رَجُلَيْنِ حُرَّيْنِ عَدْلَيْنِ لِيَسْتَطْلِعَ
كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْحَكَمَيْنِ رَأْيَ مَنْ بُعِثَ إِلَيْهِ
إِنْ كانت رغبته في الصلح أَوْ فِي الْفُرْقَةِ ثُمَّ
يَجْتَمِعُ الْحَكَمَانِ فَيُنْفِذَانِ مَا يَجْتَمِعُ
عَلَيْهِ رَأْيُهُمَا مِنَ الصَّلَاحِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ
عَزَّ وَجَلَّ: فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً
مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا
__________
589- ع جيد. أخرجه أبو داود 2142 وابن ماجه 1850 وأحمد 4/ 447
وابن حبان 4175 والحاكم 2/ 187- 188 والطبراني في «الكبير»
(19/ 1034) و (1037) و (1039) والبيهقي 7/ 295 و305 والبغوي
2323 من طرق عن أبي قزعة، عن حكيم بن معاوية بن حيدة، عن أبيه
أَنْ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم....
فذكره. وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وهو حديث حسن ورجاله ثقات
غير حكيم بن معاوية، وهو صدوق وفي بعض الروايات أنه هو السائل.
- وأخرجه أبو داود 2143 و2144 وأحمد 5/ 5 والطبراني 19/ 999
و10000- 1002 من طريق بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عن
جده.
- وأخرجه أحمد 3/ 446- 447 من طريق أبي قزعة، عَنْ عَمْرِو
بْنِ دِينَارٍ، عَنِ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِيهِ
به.
- وأخرجه أحمد 5/ 3 من طريق عبد الرزاق، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ،
عَنْ أَبِي قزعة وعطاء، عن رجل من بني قشير، عن أبيه.
(1) في المطبوع وط «للموضع» .
(2) في المخطوط وحده «تبحثوا» .
(3) زيادة عن المخطوط.
(1/613)
وَاعْبُدُوا اللَّهَ
وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا
وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ
ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ
وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ
اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا (36)
أَصْلَحا، يَعْنِي: الْحَكَمَيْنِ،
يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما، يَعْنِي: بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ،
وَقِيلَ: بَيْنَ الْحَكَمَيْنِ، إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً
خَبِيراً.
«590» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْخَطِيبُ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ أَحْمَدَ الْخَلَّالِ
أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا
الشَّافِعِيُّ أَنَا الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ
سِيرِينَ عَنْ عُبَيْدَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ
وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ
أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ
وَامْرَأَةٌ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ وَمَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِئَامٌ [1] مِنَ
النَّاسِ، فَأَمَرَهُمْ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
فَبَعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهِلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا
ثُمَّ قَالَ لِلْحَكَمَيْنِ:
تدريان ما عليكما؟ [عَلَيْكُمَا] [2] إِنْ رَأَيْتُمَا أَنْ
تَجْمَعَا جَمَعْتُمَا وَإِنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تُفَرِّقَا
فَرَّقْتُمَا، قَالَتِ الْمَرْأَةُ رَضِيتُ بِكِتَابِ اللَّهِ
بِمَا عَلَيَّ فِيهِ وَلِي، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَمَّا
الْفُرْقَةُ فَلَا، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
كَذَبْتَ وَاللَّهِ حَتَّى تُقِرَّ بِمِثْلِ الَّذِي أَقَرَّتْ
بِهِ.
وَاخْتَلَفَ الْقَوْلُ فِي جَوَازِ بَعْثِ الْحَكَمَيْنِ مِنْ
غَيْرِ رِضَا الزَّوْجَيْنِ وَأَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ
لَا يَجُوزُ إِلَّا بِرِضَاهُمَا، وَلَيْسَ لِحَكَمِ الزَّوْجِ
أَنْ يُطَلِّقَ إلا بإذنه، ولا لحكم المرأة أن يخلع على ما لها
إِلَّا بِإِذْنِهَا، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ
لِأَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حِينَ قَالَ
الرَّجُلُ: أَمَّا الْفُرْقَةُ فَلَا، قَالَ: كَذَّبْتَ حَتَّى
تُقِرَّ بِمِثْلِ الَّذِي أَقَرَّتْ بِهِ. فَثَبَتَ أَنَّ
تَنْفِيذَ الْأَمْرِ مَوْقُوفٌ عَلَى إِقْرَارِهِ وَرِضَاهُ
[3] وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَجُوزُ بَعْثُ الْحَكَمَيْنِ
دُونَ رِضَاهُمَا، فيجوز لِحَكَمِ الزَّوْجِ أَنْ يُطَلِّقَ
دُونَ رضاه ولحكم المرأة أن يختلع دُونَ رِضَاهَا، إِذَا
رَأَيَا الصَّلَاحَ [فيه] [4] كَالْحَاكِمِ يَحْكُمُ بَيْنَ
الْخَصْمَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَفْقِ مُرَادِهِمَا،
وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَمَنْ قَالَ بِهَذَا قَالَ:
لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
لِلرَّجُلِ: حَتَّى تُقِرَّ، أَنَّ رِضَاهُ شَرْطٌ بَلْ
مَعْنَاهُ: أَنَّ الْمَرْأَةَ لمّا رَضِيَتْ بِمَا فِي كِتَابِ
اللَّهِ فَقَالَ الرَّجُلُ: أَمَّا الْفُرْقَةُ فَلَا، يعني:
ليست الفرقة فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: كذبت، حيث
أنكرت أن [تكون] [5] الْفُرْقَةَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، بَلْ
هِيَ فِي كِتَابِ [اللَّهِ] [6] فَإِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى:
يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما يَشْتَمِلُ عَلَى الْفِرَاقِ
وَغَيْرِهِ لِأَنَّ التَّوْفِيقَ أَنْ يَخْرُجَ كُلُّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا مِنَ الْوِزْرِ وَذَلِكَ تَارَةً يكون بالفراق وتارة
بإصلاح [7] حالهما في الوصلة.
[سورة النساء (4) : آية 36]
وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً
وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى
وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ
وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ
أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً
فَخُوراً (36)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ أَيْ: وَحِّدُوهُ
وَأَطِيعُوهُ، وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً
__________
590- موقوف صحيح. أخرجه الشافعي في «الأم» (5/ 177) والطبراني
9408 والبيهقي 7/ 305- 306 من طرق، عن عبيدة بهذا الإسناد.
وهو في «شرح السنة» (2340) بهذا الإسناد.
(1) تصحف في المطبوع «قوم» وفي المخطوط «قيام» والمثبت عن «شرح
السنة» .
(2) زيادة عن المخطوط وط و «شرح السنة» .
(3) في المطبوع وحده «ورضاها» .
(4) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة» . [.....]
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) زيادة عن المخطوط.
(7) في المطبوع وط «بصلاح» .
(1/614)
«591» أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَنَا أَبُو الْحَسَنِ
عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ
أَنَا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ
أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ أَنَا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ عَمْرِو
بْنِ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيِّ عَنْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ رَدِيفَ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «هَلْ تَدْرِي يَا
مُعَاذُ مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى النَّاسِ؟» قَالَ قُلْتُ:
اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «حَقُّهُ عَلَيْهِمْ
أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، أَتَدْرِي
يَا مُعَاذُ مَا حَقُّ النَّاسِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوا
ذَلِكَ؟» [قَالَ] [1] : قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ،
قَالَ: «فَإِنَّ حَقَّ النَّاسِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا
يُعَذِّبَهُمْ» ، قَالَ قُلْتُ: يا رسول الله أفلا أُبَشِّرُ
النَّاسَ؟ قَالَ: «دَعْهُمْ يَعْمَلُونَ» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً، بِرًّا
بِهِمَا وَعَطْفًا عَلَيْهِمَا، وَبِذِي الْقُرْبى أَيْ:
أَحْسِنُوا بِذِي الْقُرْبَى، وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ.
«592» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ أَنَا عَبْدُ
الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ
سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا،
وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا
شَيْئًا» .
«593» [أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ الْكُشْمِيهَنِيُّ أَنَا أَبُو
طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بن أحمد بن
__________
591- إسناده صحيح رجاله رجال البخاري ومسلم، سوى الرمادي وهو
ثقة أبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله السّبيعي، معمر هو ابن
راشد.
- وهو في «شرح السنة» (48) بهذا الإسناد.
- وأخرجه المصنف من طريق عبد الرزاق، وهو في «مصنفه» (20546)
عن معمر به. ومن طريق عبد الرزاق أخرجه الطبراني في «الكبير»
(20/ (254) .
- وأخرجه البخاري 2856 ومسلم 30 ح 9 والترمذي 2643 والطيالسي
565 وأبو عوانة 1/ 16 وابن حبان 210 وابن مندة 106 و108
والطبراني 20/ (256) وأحمد 5/ 228 من طرق، عن أبي إسحاق به.
- وأخرجه البخاري 5967 و6267 و6500 ومسلم 30 ح 48 وأحمد 5/ 242
وأبو عوانة 1/ 17 وابن مندة في «الإيمان» (92) من طرق عَنْ
هَمَّامٍ، عَنْ قَتَادَةُ، عَنْ أنس بن مالك، عن معاذ ... به.
- وأخرجه البخاري 7373 ومسلم 30 ح 50 و51 وأحمد 5/ 229 و230
وابن مندة 106 و109 و110 وأبو عوانة 1/ 16 و17 من طرق، عن أبي
حصين والأشعث بن سليم، عن الأسود بن هلال، عن معاذ به.
- وأخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (943) وابن ماجه 4296
وأحمد 5/ 230 و234 و236 و238 وابن مندة 92 و102 و105 والطبراني
10/ (83) - (88) و (275) و (276) و (317) - (320) من طرق من
حديث معاذ.
592- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، أبو حازم هو سلمة بن
دينار.
- وهو في «شرح السنة» (3348) بهذا الإسناد.
- وأخرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (5304) عن
عمرو بن زرارة بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 6005 وأبو داود 5150 والترمذي 1918 وابن حبان
460 والبيهقي 6/ 283 من طرق، عن ابن أبي حازم به.
وأخرجه أحمد 5/ 333 عن يعقوب بن عبد الرحمن، عن أبي حازم به.
- وله شواهد منها:
- حديث أبي هريرة أخرجه مسلم 2983 وابن ماجه 3679 وابن المبارك
في «الزهد» (654) والبخاري في «الأدب المفرد» (137) والبغوي في
«شرح السنة» (3349) .
593- إسناده ضعيف جدا، عبيد الله بن زحر ضعيف، وعلي بن يزيد هو
الألهاني الشامي متروك، والقاسم بن عبد الرحمن
(1) زيادة عن المخطوط.
(1/615)
الْحَارِثِ] [1] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مَحْمُودٍ أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلَّالُ
أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ
أيوب عَنْ عُبَيْدِ [2] اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ
يَزِيدَ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«مَنِ مَسَحَ رَأْسَ يَتِيمٍ لَمْ يَمْسَحْهُ إِلَّا لِلَّهِ
كَانَ لَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ تَمُرُّ عَلَيْهَا يَدُهُ [3]
حَسَنَاتٌ، وَمَنْ أَحْسَنَ إِلَى يَتِيمَةٍ أَوْ يَتِيمٍ
عِنْدَهُ كُنْتُ أَنَا وَهُوَ فِي الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ
وَقَرَنَ بَيْنَ أُصْبَعَيْهِ» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى أَيْ: ذِي
الْقَرَابَةِ، وَالْجارِ الْجُنُبِ، أَيِ: الْبَعِيدُ الَّذِي
لَيْسَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ قُرَابَةٌ.
«594» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَبُو [مُحَمَّدٍ] [4] عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ أَنَا
عَلِيُّ [5] بْنُ الْجَعْدِ أَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي
عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ طَلْحَةَ قَالَ:
قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: يَا رَسُولَ
اللَّهِ إِنَّ لِي جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِيَ؟
قَالَ: «إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بابا» .
«595» أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ
هَوَازِنٍ الْقُشَيْرِيُّ أَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ
الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ
__________
ضعفه غير واحد. وقال الإمام أحمد: روى عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ،
عَنِ الْقَاسِمِ أعاجيب، ولا أراها إلا من قبل القاسم.
- وهو في «شرح السنة» (3350) بهذا الإسناد.
- خرّجه المصنف من طريق ابن المبارك، وهو في «الزهد» (655) عن
يحيى بن أيوب بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد 5/ 250 و265 والطبراني 7821 من طريق عبيد الله
بن زحر به وذكره الهيثمي في «المجمع» (8/ 160) (13514) وقال:
وفيه علي بن يزيد الألهاني وهو ضعيف. كذا قال رحمه الله!
والصواب أنه ضعيف جدا شبه موضوع وقد قال ابن حبان: إذا اجتمع
في إسناد واحد ابن زحر وابن زيد وابن القاسم، لم يكن ذلك الخبر
إلا مما عملته أيديهم اهـ. راجع «الميزان» والوهن فقط في صدره
أما عجزه فقد ورد من وجه آخر من حديث أبي أمامة.
أخرجه الطبراني في «الكبير» (8120) وقال الهيثمي 8/ 161
(13523) : وفيه إسحاق بن إبراهيم الحنيني، وثقه ابن حبان،
وقال: يخطئ. وضعفه الجمهور، وبقية رجاله وثقوا اهـ.
- وفي الباب من حديث ابن عباس أخرجه الطبراني في «الأوسط»
(8472) وقال الهيثمي 13522: وفيه من لم أعرفهم اهـ قلت:
ومع ضعف هذا وما قبله لكن يشهد لهما الحديث المتقدم برقم 592،
والوهن فقط في صدره- أي مسح الرأس- والله أعلم.
594- إسناده صحيح على شرط البخاري، شعبة هو ابن الحجاج، أبو
عمران هو عبد الملك بن حبيب، طلحة هو ابن عبد الله بن عثمان
التيمي المدني.
- وهو في «شرح السنة» (1682) بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 2259 و2595 و6020 وأحمد 6/ 175 و187 و193 و239
والطحاوي في «المشكل» (2797) من طرق، عن شعبة به.
وأخرجه أبو داود 5155 من طريق آخر أبي عمران الجوني به. وورد
من طرق أخر بألفاظ مختلفة، راجع «أحكام القرآن» لابن العربي»
(483) بتخريجي.
595- إسناده صحيح على شرط مسلم، أبو عامر الخزاز هو صالح بن
رستم، أبو عمران الجوني هو عبد الملك بن حبيب.
(1) سقط من المطبوع.
(2) في الأصل «عبد» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب التخريج.
(3) زيد في المخطوط «عشر» وليس في المطبوع وط و «شرح السنة» .
(4) زيادة عن المخطوط. [.....]
(5) وقع في الأصل «عبد الله بن الجعد» وهو خطأ من النساخ.
(1/616)
الِاسْفَرَايِينِيُّ [1] أَنَا أَبُو
عَوَانَةَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ أَنَا يَزِيدُ بْنُ
سِنَانٍ أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنَا أَبُو
عَامِرٍ الْخَزَّازُ [2] عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا
تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى
أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ، وَإِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً
فَأَكْثِرْ مَاءَهَا وَاغْرِفْ لِجِيرَانِكَ مِنْهَا» .
«596» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ
الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ أَنَا
يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ أَنَا عُمَرُ [3] بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ
أَنَّهُ سَيْوَرِّثُهَ» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ يَعْنِي:
الرَّفِيقَ فِي السَّفَرِ، قَالَهُ [4] ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عنهما وعكرمة وقتادة ومجاهد [5] ، وَقَالَ عَلِيٌّ
وَعَبْدُ اللَّهِ وَالنَّخَعِيُّ: هُوَ الْمَرْأَةُ تَكُونُ
مَعَهُ إِلَى جَنْبِهِ، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَابْنُ
زَيْدٍ: هُوَ الَّذِي يَصْحَبُكَ رَجَاءَ نَفْعِكَ، وَابْنِ
السَّبِيلِ، قِيلَ: هُوَ المسافر لأنه ملازم السبيل،
وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ الضَّيْفُ.
«597» أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ
هَوَازِنٍ الْقُشَيْرِيُّ أَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ
الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ الِاسْفَرَايِينِيُّ أنا
__________
- وهو في «شرح السنة» (1683) بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 2626 وابن ماجه 3362 وابن حبان 523 من طرق، عن
عثمان بن عمر، عن أبي عامر الخزاز صالح بن رستم به.
- وأخرجه الترمذي 1833 من طريق أخرى، عن أبي عامر الخزاز به.
- وأخرجه مسلم 2625 ح 143 والبخاري في «الأدب المفرد» (113)
وأحمد 5/ 161 والطيالسي 450 والدارمي 2/ 108 وابن حبان 514 من
طرق، عن شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ به دون
صدره.
596- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، عمر بن محمد هو ابن
زيد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ العدوي.
- وهو في «شرح السنة» (3381) بهذا الإسناد.
وأخرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (6015) عن محمد
بن منهال بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 2625 والبخاري في «الأدب المفرد» (104) .
وورد من حديث عائشة عند البخاري 6014 ومسلم 2624 وأبو داود
5151 والترمذي 1942 وابن ماجه 3673 وابن أبي شيبة 8/ 545 وأحمد
6/ 238 وابن حبان 511 والبيهقي 7/ 27 و275 من طرق عن يحيى بن
سعيد الأنصاري، عن أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عمرو، عن
عمرة عنها.
- ومن حديث أبي هريرة أخرجه ابن أبي شيبة 8/ 546 و547 وأحمد 2/
259 وابن حبان 512 والطحاوي في «المشكل» (2795) والبزار 1898
والبغوي 3382 من طرق، عن شعبة، عن داود بن فراهيح عنه.
وفي إسناده داود بن فراهيح مختلف فيه، لكن يصلح للاستشهاد به.
597- حديث صحيح، في إسناده شعيب بن عمرو كذبه الأزدي لكن تابعه
زكريا بن يحيى المروزي في «شرح السنة» وكلاهما قد توبع عند
مسلم وغيره، ومن فوقهما رجال البخاري ومسلم.
وهو في «شرح السنة» (2895) بهذا الإسناد.
(1) في الأصل «الأسفراييني» والمثبت عن «ط» وعن «شرح السنة» .
(2) في الأصل «الخراز» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة» وكتب
التخريج.
(3) وقع في الأصل «عمرو» والتصويب عن كتب التراجم والتخريج.
(4) تصحف في المطبوع «قال» .
(5) زيادة عن المخطوط.
(1/617)
أَبُو عَوَانَةَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ
أَنَا شُعَيْبُ [بْنُ] [1] عَمْرٍو الدِّمَشْقِيُّ أَخْبَرَنَا
سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ
سَمِعَ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ
الْخُزَاعِيِّ:
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«مَنِ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ
يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا
أَوْ لِيَصْمُتْ» .
«598» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا
زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ
أَنَا [أَبُو] [2] مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ
الْكَعْبِيِّ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
فَلْيُكْرِمْ [جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ،
وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
فَلْيُكْرِمْ] [3] ضَيْفَهُ، جَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ،
وَالضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَمَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ
فَهُوَ صَدَقَةٌ، وَلَا يَحِلُّ أَنْ يَثْوِيَ [أَيْ: أَنْ
يُقِيمَ] [4] عِنْدَهُ حَتَّى يُحْرِجَهُ» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ، أَيْ:
الْمَمَالِيكُ أَحْسِنُوا إِلَيْهِمْ:
«599» أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيُّ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ أَنَا أَبُو
أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ أَنَا عَلِيُّ بن عبد
__________
- وأخرجه مسلم 48 والبخاري في «الأدب المفرد» (102) وأحمد 6/
384 والطحاوي في «المشكل» (2774) والبيهقي 5/ 68 من طرق، عن
سفيان بن عيينة به، وانظر الحديث الآتي.
598- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- وأخرجه مالك في «الموطأ» (2/ 929) عَنْ سَعِيدٍ
الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي شريح الكعبي مرفوعا.
ومن طريق مالك أخرجه البخاري 6135 وأبو داود 3748 وابن حبان
5287 وأحمد 6/ 385 والطحاوي في «المشكل» (2779) والطبراني في
«الكبير» (22/ (475)) .
- وأخرجه البخاري 6019 و6476 ومسلم 48 ح 14 والترمذي 967 و1968
وابن ماجه 3675 وأحمد 4/ 31 و6/ 385- 386 والطحاوي في «المشكل»
(2776) والطبراني 22/ (486) - (478) والبيهقي 9/ 196- 197 من
طرق عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي شريح به.
- وهو في «شرح السنة» (2896) بهذا الإسناد.
599- حديث صحيح لشواهده. رجاله رجال الصحيح غير أن إسناده
منقطع أبو الخليل صالح بن أبي مريم لم يسمع من سفينة كما في
«تهذيب الكمال» . و «تهذيب التهذيب» يزيد هو ابن هارون، همام
هو ابن يحيى بن دينار، قتادة هو ابن دعامة، سفينة هو مَوْلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم.
- وهو في «شرح السنة» (2408) بهذا الإسناد.
- أخرجه النسائي في «الكبرى» (7100) وابن ماجه 1625 من طريق
يزيد بن هارون به.
وقال البوصيري في «الزوائد» : هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين،
فقد احتجا بجميع رواته! قلت: علته فقط الانقطاع كما تقدم.
- أخرجه النسائي في «الكبرى» (7098) وأحمد 6/ 290 و315 من طريق
سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن سفينة به.
وإسناده منقطع قتادة لم يسمع من سفينة.
(1) زيادة عن كتب التراجم والتخريج.
(2) سقط من المطبوع. [.....]
(3) سقط من المخطوط.
(4) زيد في المطبوع.
(1/618)
الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ أَنَا أَبُو
عَبِيدٍ [1] الْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ أَنَا يَزِيدُ عَنْ
هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةُ عَنْ صَالِحٍ أَبِي الْخَلِيلِ عَنْ
سَفِينَةَ [2] عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ
كَانَ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ: «الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ
أيمانكم» ، فجعل يتكلم ولا يَفِيضُ [3] بِهَا لِسَانُهُ.
«600» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ أَنَا
أَبِي أَنَا الْأَعْمَشُ عَنِ الْمَعْرُورِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
رأيت أباذر وعليه برد وَعَلَى غُلَامِهِ بُرْدٌ، فَقُلْتُ:
لَوْ أخذت هذا فلبسته كانت [4] حُلَّةً وَأَعْطَيْتَهُ ثَوْبًا
آخَرَ، فَقَالَ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ كَلَامٌ
وَكَانَتْ أُمُّهُ أَعْجَمِيَّةً فَنِلْتُ مِنْهَا فَذَكَرَنِي
إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ
لِي:
أَسَابَبْتَ فُلَانًا؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: أَفَنِلْتَ [من]
أُمَّهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ
جَاهِلِيَّةٌ» قُلْتُ عَلَى سَاعَتِي: هَذِهِ مِنْ كِبَرِ
السِّنِّ، قَالَ: «نَعَمْ هُمْ إِخْوَانُكُمْ جَعَلَهُمُ
اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ جَعَلَ اللَّهُ أَخَاهُ
تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ
مِمَّا يَلْبَسُ وَلَا يُكَلِّفْهُ مِنَ الْعَمَلِ مَا
يَغْلِبُهُ، فَإِنَّ كَلَّفَهُ مَا يَغْلِبُهُ فَلْيُعِنْهُ
عَلَيْهِ» .
«601» أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ
مُحَمَّدٍ الْقَاضِي أَنَا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادَيُّ
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ [5]
__________
لكن له شاهد من:
- حديث أنس أخرجه النسائي في «الكبرى» (7095) وابن ماجه 2697
وأحمد 3/ 117 وابن سعد 2/ 253 وابن حبان 6605 والطحاوي في
«المشكل» (3199) والحاكم 3/ 57 من طرق، عن سليمان التيمي عن
قتادة عنه، وإسناده صحيح.
- وحديث علي أخرجه أبو داود 5156 وابن ماجه 2698 وأحمد 1/ 78
وأبو يعلى 598 والبيهقي 8/ 11 وإسناده جيد.
وفي الباب أحاديث.
الخلاصة: هو حديث صحيح بمجموع طرقه وشواهده، والله أعلم.
600- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، حفص والد عمر هو ابن
غياث بن طلق النخعي، الأعمش هو سليمان بن مهران، المعرور هو
ابن سويد.
- وهو في «شرح السنة» (2395) بهذا الإسناد.
أخرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (6050) ، عن عمر
بن حفص به.
- وأخرجه البخاري 30 و2545 ومسلم 1661 وأبو داود 5158 والترمذي
1945 وابن ماجه 3690 وأحمد 5/ 158 و161 والبيهقي 8/ 7 من طرق
عن المعرور بن سويد به.
تنبيه: القائل في أول هذا الحديث هو المعرور، ويوضح روايات
مسلم وغيره، وهو عند البخاري بمثل لفظ المصنف، ومراده بلفظ «عن
أبي ذر» أي «في أبي ذر» .
601- إسناده ضعيف لضعف صدقة بن موسى، وشيخه فرقد، وهو ابن
يعقوب حيث ضعفه الجمهور، وقد روى مناكير كثيرة، وقد توبع صدقه،
تابعه غير واحد، فانحصرت العلة في فرقد.
(1) في الأصل «عبيدة» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة» وكتب
التراجم.
(2) تصحف في المخطوط «شعبة» .
(3) تصحف في المطبوع «يفيض» وفي المخطوط «يقبض» .
قال الإمام البغوي في «شرح السنة» (5/ 251) : وما يفيض بها
لسانه: هو بالصاد غير المعجمة. يعني ما يبين كلامه اهـ ملخصا.
(4) في المطبوع «كانا» والمثبت عن المخطوط و «شرح السنة» .
(5) في الأصل «عمرو» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة» .
(1/619)
ابن حَفْصٍ التَّاجِرُ أَنَا سَهْلُ بْنُ
عَمَّارٍ أَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا صَدَقَةُ
بْنُ مُوسَى عَنْ فَرْقَدٍ السَّبَخِيِّ [1] عَنْ مُرَّةَ
الطَّيِّبِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ سَيِّئُ الْمَلَكَةِ» .
إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا فَخُوراً،
الْمُخْتَالُ: الْمُتَكَبِّرُ، وَالْفَخُورُ: الَّذِي يفخر
عَلَى النَّاسِ بِغَيْرِ الْحَقِّ تَكَبُّرًا، ذكر هذا بعد ما
ذَكَرَ مِنَ الْحُقُوقِ، لِأَنَّ الْمُتَكَبِّرَ يَمْنَعُ
الْحَقَّ تَكَبُّرًا.
«602» أَخْبَرَنَا حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ أَنَا
أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ
الْقَطَّانُ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ أَنَا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ
مُنَبِّهٍ أَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«بَيْنَمَا رَجُلٌ يَتَبَخْتَرُ فِي بُرْدَيْنِ وَقَدْ
أَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ خَسَفَ اللَّهُ بِهِ الْأَرْضَ فَهُوَ
يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» .
«603» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا
زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ
أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:
__________
- وهو في «شرح السنة» (2407) بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد 1/ 4 و7 وأبو يعلى 93 من طريق صدقة بن موسى به.
- وأخرجه ابن ماجه 3691 وأحمد 1/ 12 وأبو يعلى 94 من طريق
سليمان الرازي، عن مغيرة بن مسلم، عن فرقد به مطوّلا.
وذكره الهيثمي في «المجمع» (4/ 236) وقال: وفيه فرقد السبخي،
وهو ضعيف.
- وأخرجه الترمذي 1946 وأحمد 1/ 4 وأبو يعلى 95 من طريق، همام،
عن فرقد به.
قال الترمذي: هذا حديث غريب، وقد تكلم أيوب السختياني، وغير
واحد في فرقد السبخي من قبل حفظه اهـ.
(1) في الأصل «السنجي» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة» وكتب
التراجم.
602- إسناده صحيح على شرط مسلم، معمر هو ابن راشد.
- وهو في «شرح السنة» (3248) بهذا الإسناد.
- أخرجه المصنف من طريق عبد الرزاق وهو في «مصنفه» (19983) عن
معمر بهذا الإسناد.
ومن طريق عبد الرزاق أخرجه مسلم بإثر 2088 ح 50 وأحمد 2/ 315
وهو في صحيفة همام بن منبه برقم: 115.
- وأخرجه مسلم 2088 ح 50 وأحمد 2/ 531 وأبو يعلى 6334 من طريق
أبي الزناد، عن أبيه، عن الأعرج، عن أبي هريرة به.
- أخرجه البخاري 5790 وأحمد 2/ 390 من طريق جرير بن يزيد، عن
سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبي هريرة.
وذكره أبو عبيد في «غريب الحديث» (1/ 219) بدون إسناد.
603- إسناده على شرط البخاري ومسلم.
- وهو في «شرح السنة» (2969) بهذا الإسناد. لكن قرن مع نافع:
عبد الله بن دينار وزيد بن أسلم.
- ورواه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (2/ 914) عن
نافع وابن دينار وزيد، عن ابن عمر بلفظ «لا ينظر الله يوم
القيامة، إلى من يجرّ ثوبه خيلاء» .
- وأخرجه البخاري 5783 و5791 ومسلم 2085 والنسائي 8/ 206 وابن
ماجه 3569 وعبد الرزاق 19980 وابن أبي شيبة 8/ 387 ومالك 2/
914 وأحمد 2/ 33 و42 و44 و6546 و69 و81 و103 و131 و47 وابن
حبان 5443 والبغوي 2968 من طرق من حديث ابن عمر. بعضهم رواه
على التقديم والتأخير. [.....]
(1/620)
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ
وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا
آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ
عَذَابًا مُهِينًا (37) وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ
رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا
بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ
قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا (38) وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ
آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا
رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا (39)
إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ
حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا
عَظِيمًا (40)
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ إِلَى [مَنْ جرّ ثوبه خيلاء] » [1] .
[سورة النساء (4) : آية 37]
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ
وَيَكْتُمُونَ مَا آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنا
لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (37)
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ، الْبُخْلُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ:
مَنْعُ السَّائِلِ مِنْ فَضْلِ مَا لَدَيْهِ، وَفِي الشَّرْعِ:
مَنْعُ الْوَاجِب، وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ، قَرَأَ
حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِالْبُخْلِ بِفَتْحِ الْبَاءِ
وَالْخَاءِ، وَكَذَلِكَ فِي سُورَةِ الْحَدِيدِ، وَقَرَأَ
الْآخَرُونَ بِضَمِّ الْبَاءِ وَسُكُونِ الْخَاءِ، نَزَلَتْ
فِي الْيَهُودِ بَخِلُوا بِبَيَانِ صِفَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى
اللَّهُ عليه وسلّم وكتموها وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ
هَذَا فِي كِتْمَانِ الْعِلْمِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا وَابْنُ زَيْدٍ: نَزَلَتْ فِي كَرَدْمِ بْنِ
زَيْدٍ وَحُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ وَرِفَاعَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ
التَّابُوتِ وَأُسَامَةَ بْنِ حَبِيبٍ وَنَافِعِ بْنِ أَبِي
نافع وبحر بْنِ عَمْرٍو كَانُوا يَأْتُونَ رِجَالًا من الأنصار
يخالطونهم فَيَقُولُونَ: لَا تُنْفِقُوا أَمْوَالَكُمْ
فَإِنَّا نَخْشَى عَلَيْكُمُ الْفَقْرَ وَلَا تَدْرُونَ مَا
يَكُونُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ:
وَيَكْتُمُونَ مَا آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، يَعْنِي:
الْمَالَ، وقيل: يَبْخَلُونَ بِالصَّدَقَةِ وَأَعْتَدْنا
لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً.
[سورة النساء (4) : الآيات 38 الى 40]
وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا
يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ
يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً (38) وَماذا
عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكانَ اللَّهُ بِهِمْ
عَلِيماً (39) إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ
وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ
أَجْراً عَظِيماً (40)
وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا
يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ مَحَلُّ
الَّذِينَ نَصْبٌ عَطْفًا [2] عَلَى الذين يبخلون [3] ، وقيل:
خفض عطف على قوله: وأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ نَزَلَتْ فِي
الْيَهُودِ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: فِي الْمُنَافِقِينَ،
وَقِيلَ: [فِي] [4] مشركي مكة المنفقين عَلَى عَدَاوَةِ
الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمَنْ يَكُنِ
الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً، صَاحِبًا وَخَلِيلًا فَساءَ
قَرِيناً، أَيْ فَبِئْسَ الشَّيْطَانُ قَرِينًا وَهُوَ نَصْبٌ
عَلَى التَّفْسِيرِ، وَقِيلَ: على القطع بإلغاء الْأَلِفِ
وَاللَّامِ كَمَا تَقُولُ: نِعْمَ رَجُلًا عَبْدُ اللَّهِ،
وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا
[الْكَهْفِ: 50] ، وساءَ مَثَلًا [الأعراف: 177] .
وَماذا عَلَيْهِمْ، أَيْ: مَا الَّذِي عَلَيْهِمْ وَأَيُّ
شَيْءٍ عَلَيْهِمْ؟ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكانَ
اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً.
إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ، [أَدْخَلَ ابْنُ
عَبَّاسٍ يَدَهُ فِي التُّرَابِ ثُمَّ نَفَخَ فِيهَا، وَقَالَ:
كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ذَرَّةٌ، وَالْمُرَادُ
أَنَّهُ لَا يَظْلِمُ لَا قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا] [5] ،
وَنَظْمُهُ: وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا فَإِنَّ اللَّهَ لَا
يَظْلِمُ أَيْ [6] : لَا يَبْخَسُ وَلَا يُنْقِصُ أَحَدًا مِنْ
ثَوَابِ عَمَلِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ، والذرة: هي
__________
(1) في المطبوع تقديم وتأخير في هذه العبارة.
(2) في المطبوع «عطف» .
(3) في المطبوع «الأول» بدل «يبخلون» .
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) زيد في المخطوط «أي ما الذي عليهم» .
(6) في المخطوط وحده «لمن» .
(1/621)
النَّمْلَةُ الْحَمْرَاءُ الصَّغِيرَةُ،
وَقِيلَ: الذَّرُّ أَجْزَاءُ الْهَبَاءِ فِي الْكُوَّةِ [1]
وَكُلُّ جُزْءٍ مِنْهَا ذَرَّةٌ وَلَا يَكُونُ لَهَا وَزْنٌ،
وَهَذَا مَثَلٌ يُرِيدُ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ شَيْئًا
كَمَا قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ
النَّاسَ شَيْئاً. [يُونُسَ: 44] «604» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَنَا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ
بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَفِيدُ أَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ
الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ أَنَا عَفَّانُ أَنَا هَمَّامٌ أَنَا
قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمَ [الْمُؤْمِنَ حَسَنَةً
يُثَابُ عَلَيْهَا الرِّزْقَ] [2] فِي الدُّنْيَا وَيُجْزَى
بِهَا فِي الْآخِرَةِ» ، قَالَ: «وَأَمَّا الْكَافِرُ
فَيُطَعِّمُ [3] بِحَسَنَاتِهِ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا
أَفْضَى إِلَى الْآخِرَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُعْطَى
بِهَا خيرا» .
«605» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمُلَيْحِيُّ أَنَا أَبُو الطِّيبِ الرَّبِيعُ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حاتم البزاز [4] الطُّوسِيُّ
أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنْ [5]
مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى حَدَّثَهُمْ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ ح [6] :
وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ
الطَّاهِرِيُّ أَخْبَرَنَا جَدِّي أَبُو سَهْلٍ عَبْدُ
الصَّمَدِ بْنُ عبد الرحمن البزاز [7] أَنَا أَبُو بَكْرٍ
مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعَذَافِرِيُّ [8] أَخْبَرَنَا
إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ أَنَا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ زَيْدِ [9] بْنِ أَسْلَمَ
عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ وَأَمِنُوا فَمَا
مُجَادَلَةُ أَحَدِكُمْ لِصَاحِبِهِ فِي الْحَقِّ يَكُونُ لَهُ
فِي الدُّنْيَا بِأَشَدَّ مُجَادَلَةً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
لربّهم في إخوانهم الذين أدخلوا النار قال: فيقولون رَبَّنَا
إِخْوَانَنَا كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا وَيَصُومُونَ مَعَنَا
وَيَحُجُّونَ مَعَنَا فَأَدْخَلْتَهُمُ النار، قال: فيقول الله
لهم: اذهبوا فأخرجوا من
__________
604- إسناده صحيح، الحسين بن الفضل ومن دونه توبع عند مسلم
وغيره، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، عفان هو ابن مسلم، همام
هو ابن يحيى. قتادة هو ابن دعامة.
- وهو في «شرح السنة» (4013) بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 2808 ح 56 وأحمد 3/ 123 و283 وابن حبان 377 من
طرق، عن همام بن يحيى به.
- وأخرجه مسلم 2808 ح 57 والطيالسي 2011 عن قتادة به.
605- إسناده صحيح، عبد الرزاق فمن فوقه رجال البخاري ومسلم،
ومن دونه توبعوا، معمر هو ابن راشد.
- وهو في «شرح السنة» (4244 و4245) بهذا الإسناد.
- خرّجه المصنف من طريق عبد الرزاق، وهو في «مصنفه» (20857) عن
معمر بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 4581 و4919 ومسلم 183 والترمذي 2598 والنسائي
8/ 112 وابن أبي عاصم 457 و458 وابن حبان 7377 وأبو عوانة 1/
181 و183 وابن خزيمة في «التوحيد» ص (172- 174) وابن مندة في
الإيمان 816 و818 وأحمد 3/ 16 والآجري في «الشريعة» ص (260-
261) والبيهقي في «الأسماء والصفات» ص (344- 345) من طرق، عن
زيد بن أسلم به. مطوّلا ومختصرا.
(1) في المطبوع وحده «الكون» .
(2) العبارة في المطبوع وحده «مؤمنا حسنة يعطى بها» .
(3) في المخطوط «فيطعمه» وفي «شرح السنة» «فيعظم» .
(4) في الأصل «البزار» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة» .
(5) في الأصل «بن» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة» .
(6) عبارة يستخدمها المحدثون عند الانتقال من إسناد إلى آخر.
أي: تحويل. [.....]
(7) في الأصل «البزار» والتصويب عن «ط» و «شرح السنة» و
«الأنساب» .
(8) في الأصل «العذافيري» والتصويب عن «ط» و «شرح السنة» وكتب
التراجم.
(9) في الأصل «يزيد» والتصويب عن «ط» و «شرح السنة» وكتب
التراجم والتخريج.
(1/622)
عَرَفْتُمْ مِنْهُمْ فَيَأْتُونَهُمْ
فَيَعْرِفُونَهُمْ بِصُوَرِهِمْ لَا تَأْكُلُ النَّارُ
صُوَرَهُمْ فَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ النَّارُ إِلَى
أَنْصَافِ سَاقَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ إِلَى
كَعْبَيْهِ فَيُخْرِجُونَهُمْ، فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا قَدْ
أَخْرَجْنَا مَنْ أَمَرْتَنَا، قَالَ: ثُمَّ يَقُولُ:
أَخْرِجُوا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ وَزْنُ دِينَارٍ مِنَ
الْإِيمَانِ، ثُمَّ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ وَزْنُ نِصْفِ
دِينَارٍ، حَتَّى يَقُولَ: مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ
ذَرَّةٍ [1] » ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ رَضِيَ الله عنه: فمن
يصدّق بهذا فَلْيَقْرَأْ هَذِهِ الْآيَةَ: إِنَّ اللَّهَ لَا
يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها
وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً، قَالَ: فَيَقُولُونَ
رَبَّنَا [قَدْ] [2] أَخْرَجْنَا مَنْ أَمَرْتَنَا فَلَمْ
يَبْقَ فِي النَّارِ أَحَدٌ فِيهِ خَيْرٌ، ثُمَّ يَقُولُ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: شَفَعَتِ الْمَلَائِكَةُ، وَشَفَعَتِ
الْأَنْبِيَاءُ [3] ، وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ، وَبَقِيَ
أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، قَالَ: فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ
النار، أو قال: قبضتين [ناسا] [4] لَمْ يَعْمَلُوا لِلَّهِ
خَيْرًا قَطُّ قَدِ احْتَرَقُوا حَتَّى صَارُوا حُمَمًا
فَيُؤْتَى بِهِمْ إِلَى مَاءٍ [يُقَالُ لَهُ: مَاءُ] [5]
الْحَيَاةِ فَيَصُبُّ عَلَيْهِمْ فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ
الْحَبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، قَالَ: فَتَخْرُجُ
أَجْسَادُهُمْ مِثْلَ اللُّؤْلُؤِ فِي أَعْنَاقِهِمُ
الْخَاتَمُ [مكتوب فيه:
هَؤُلَاءِ] [6] عُتَقَاءُ اللَّهِ [مِنَ النَّارِ] [7]
فَيُقَالُ لَهُمْ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ فَمَا تَمَنَّيْتُمْ
أَوْ رَأَيْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ لَكُمْ، قَالَ
فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا
مِنَ الْعَالَمِينَ، قَالَ: فَيَقُولُ فَإِنَّ لكم عندي
أَفْضَلَ مِنْهُ، فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا وَمَا أَفْضَلُ مِنْ
ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: رِضَايَ عَنْكُمْ فَلَا أَسْخَطُ
عَلَيْكُمْ أَبَدًا» .
«606» أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ أَبِي تَوْبَةَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ
الْحَارِثِ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ
أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ الْخَلَّالُ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
الْمُبَارَكِ عَنْ لَيْثِ بْنِ سعد حدثني عامر ابن يَحْيَى
عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ المعافري الجبليّ قَالَ:
سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِنَّ اللَّهَ يَسْتَخْلِصُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي على رؤوس
الخلائق يوم القيامة فينشر له تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًّا
كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلَ مَدِّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ:
أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا؟ أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي
الْحَافِظُونَ؟
فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: أَفَلَكَ عُذْرٌ أَوْ
حَسَنَةُ؟ فَبُهِتَ الرَّجُلُ، قَالَ: لَا يَا رَبِّ،
فَيَقُولُ: بَلَى إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ لَا
ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ، فَتُخْرَجُ لَهُ بِطَاقَةٌ فِيهَا:
أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولُ: أَحْضِرْ وَزْنَكَ،
فَيَقُولُ: يَا رَبِّ مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ
السِّجِلَّاتِ، فيقول: إنك لا
__________
606- حديث حسن صحيح. إسناده صحيح، إبراهيم بن عبد الخلال فمن
دونه ثقات وقد توبعوا، وابن المبارك فمن فوقه رجال الصحيح، أما
ابن المبارك وابن سعد، فمن رجال البخاري ومسلم وأما عامر بن
يحيى وشيخه المعافري، فكلاهما ثقة، وهما من رجال مسلم، أبو عبد
الرحمن المعافري هو عبد الله بن يزيد.
- وهو في «شرح السنة» (4216) بهذا الإسناد.
- خرجه المصنف من طريق ابن المبارك، وهو في «زيادات الزهد»
لنعيم بن حماد عن الليث بن سعد بهذا الإسناد.
- ومن طريق ابن المبارك أخرجه الترمذي 2639 وأحمد 2/ 213 وابن
حبان 225.
- وأخرجه ابن ماجه 4300 والحاكم 1/ 529 من طريق أخرى، عن الليث
به.
وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب
اهـ.
- وأخرجه أحمد 2/ 222 من طريق ابن لهيعة عن عامر بن يحيى به.
وابن لهيعة يصلح للاعتبار بحديثه، ويشهد له الموقوف الآتي،
فمثله لا يقال بالرأي.
(1) زيد في المطبوع وحده «من خير» .
(2) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة» .
(3) في المطبوع وحده «وشفع النبيون» .
(4) العبارة في المطبوع «من النار فيخرج منهم أقواما» .
(5) سقط من المطبوع.
(6) زيد في المطبوع.
(7) زيادة عن المخطوط.
(1/623)
فَكَيْفَ إِذَا
جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى
هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ
كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ
وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (42)
تُظْلَمُ، قَالَ: فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ
فِي كِفَّةٍ وَالْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ فَطَاشَتِ
السِّجِلَّاتُ وَثَقُلَتِ الْبِطَاقَةُ، قَالَ: فَلَا يَثْقُلُ
مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَيْءٌ» .
وَقَالَ قَوْمٌ: هَذَا فِي الْخُصُومِ.
وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ قَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ جَمْعَ اللَّهُ
الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ ثُمَّ نَادَى مُنَادٍ أَلَا مَنْ
كَانَ يَطْلُبُ مظلمة فليجئ إِلَى حَقِّهِ فَلْيَأْخُذْهُ،
فَيَفْرَحُ الْمَرْءُ أَنْ يَكُونُ لَهُ الْحَقُّ عَلَى
وَالِدِهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ أَوْ أَخِيهِ،
فَيَأْخُذُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا، وَمِصْدَاقُ ذَلِكَ
فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى: فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ
فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ (101)
[المؤمنون: 101] ، وَيُؤْتَى بِالْعَبْدِ فَيُنَادِي منادٍ
عَلَى رؤوس الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ: هَذَا فُلَانُ ابْنُ
فُلَانٍ فَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ حَقٌّ فَلْيَأْتِ إِلَى
حَقِّهِ فَيَأْخُذْهُ، وَيُقَالُ: آتِ هَؤُلَاءِ حُقُوقَهُمْ،
فَيَقُولُ: يَا رَبِّ مِنْ أَيْنَ وَقَدْ ذَهَبَتِ الدُّنْيَا،
فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَلَائِكَتِهِ: انْظُرُوا
فِي أَعْمَالِهِ الصَّالِحَةِ فَأَعْطَوْهُمْ مِنْهَا فَإِنْ
بَقِيَ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ حَسَنَةٍ قَالَتِ
الْمَلَائِكَةُ: يَا رَبَّنَا بَقِيَ لَهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ
مِنْ حَسَنَةٍ، فَيَقُولُ: ضَعِّفُوهَا لِعَبْدِي
وَأَدْخِلُوهُ بِفَضْلِ رَحْمَتِي الْجَنَّةَ. وَمِصْدَاقُ
ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا
يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها،
وَإِنْ كَانَ عَبْدًا [1] شَقِيًّا قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ:
إِلَهُنَا فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ وَبَقِيَ طَالِبُونَ،
فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: خُذُوا مِنْ سَيِّئَاتِهِمْ
فَأَضِيفُوهَا إِلَى سَيِّئَاتِهِ، ثُمَّ صُكُّوا لَهُ صَكًّا
إِلَى النَّارِ.
فَمَعْنَى الآية على هَذَا التَّأْوِيلِ: أَنَّ اللَّهَ لَا
يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ لِلْخَصْمِ عَلَى الخصم بل يأخذ
[2] مِنْهُ وَلَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ تَبْقَى لَهُ
بَلْ يُثِيبُهُ عَلَيْهَا وَيُضَعِّفُهَا لَهُ، فَذَاكَ
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها، قَرَأَ
أَهْلُ الْحِجَازِ حَسَنَةً بِالرَّفْعِ، أَيْ: وَإِنْ تُوجَدُ
حَسَنَةٌ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالنَّصْبِ عَلَى مَعْنَى:
وَإِنْ تَكُ زِنَةُ الذَّرَّةِ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا، أَيْ:
يَجْعَلُهَا أَضْعَافًا كَثِيرَةً. وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ
أَجْراً عَظِيماً قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ: إِذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَجْرًا عَظِيمًا فمن
يقدر قدره؟.
[سورة النساء (4) : الآيات 41 الى 42]
فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا
بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً (41) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ
كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ
وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً (42)
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ
بِشَهِيدٍ، أَيْ: فَكَيْفَ الْحَالُ وَكَيْفَ يَصْنَعُونَ
إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بشهيد، يعني: نبيها [3]
يَشْهَدُ عَلَيْهِمْ بِمَا عَمِلُوا، وَجِئْنا بِكَ [يَا
مُحَمَّدُ] ، عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً شَاهِدًا يَشْهَدُ عَلَى
جَمِيعِ الأمة [4] على مَنْ رَآهُ وَمَنْ لَمْ يَرَهُ.
«607» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ يُوسُفَ أَنَا محمد بن إسماعيل
__________
607- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، سفيان هو ابن سعيد
الثوري، الأعمش هو سليمان بن مهران، إبراهيم هو ابن يزيد
النخعي، عبيدة هو ابن عمرو السلماني.
- وهو في «صحيح البخاري» (5050) عن محمد بن يوسف بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 5049 و5055 و5056 ومسلم 800 وأبو داود 3668
والترمذي 3028 والنسائي في «التفسير»
(1) تصحف في المخطوط «عنيدا» .
(2) في المطبوع «أخذ له» . [.....]
(3) في المطبوع «بنبيها» وفي المخطوط «نبيا» والمثبت عن- ط.
(4) في المخطوط «الأمم» وكذا في- ط.
(1/624)
[أَنَا] مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا
سُفْيَانُ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عُبَيْدَةَ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«اقْرَأْ عَلَيَّ» ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَأَقْرَأُ
عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ [قَالَ] : «نَعَمْ» ،
فَقَرَأْتُ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى إِذَا أتيت [على] [1]
هَذِهِ الْآيَةَ فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ
بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً (41) قَالَ:
«حَسْبُكَ الْآنَ» فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَإِذَا عَيْنَاهُ
تَذْرِفَانِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَوْمَئِذٍ [أَيْ:] [2] يَوْمَ
الْقِيَامَةِ، يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا
الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ، قَرَأَ أَهْلُ
الْمَدِينَةِ وَابْنُ عَامِرٍ تُسَوَّى بِفَتْحِ التَّاءِ
وَتَشْدِيدِ السِّينِ عَلَى مَعْنَى تَتَسَوَّى، فَأُدْغِمَتِ
التَّاءُ الثَّانِيَةُ فِي السِّينِ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ
وَالْكِسَائِيُّ بِفَتْحِ التَّاءِ وَتَخْفِيفِ السِّينِ عَلَى
حَذْفِ تَاءِ التَّفَعُّلِ [3] كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَا
تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ [هُودٍ: 105] ، وَقَرَأَ
الْبَاقُونَ [4] بِضَمِّ التَّاءِ وَتَخْفِيفِ السِّينِ عَلَى
الْمَجْهُولِ، أَيْ: لَوْ سويت بهم الأرض فصاروا هم والأرض
شيئا واحدا. قال قَتَادَةُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ: يَعْنِي لَوْ
تَخَرَّقَتِ الْأَرْضُ فَسَاخُوا فِيهَا وَعَادُوا إليها [كما
خرجوا عنها] [5] ثُمَّ تُسَوَّى بِهِمْ، أَيْ: عَلَيْهِمُ
الْأَرْضُ، وَقِيلَ: وَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ لَمْ يُبْعَثُوا
لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا نُقِلُوا مِنَ التُّرَابِ، وَكَانَتِ
الْأَرْضُ مُسْتَوِيَةً عَلَيْهِمْ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ:
يَقُولُ اللَّهُ عز وجل للبهائم والوحوش والطيور والسباع:
كونوا [6] ترابا فتسوى بهم الْأَرْضُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ
يَتَمَنَّى الْكَافِرُ أَنْ لَوْ كَانَ تُرَابًا كَمَا قال
الله تعالى: يَقُولُ الْكافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً
[النَّبَإِ: 40] . وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً قَالَ
عَطَاءٌ: وَدُّوا لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَأَنَّهُمْ
لَمْ يَكُونُوا كَتَمُوا أَمْرَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا نَعْتَهُ. وَقَالَ الْآخَرُونَ: بَلْ
هُوَ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ، يَعْنِي: وَلَا يَكْتُمُونَ
اللَّهَ حديثا لأن ما عملوه لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ وَلَا
يَقْدِرُونَ عَلَى كِتْمَانِهِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ
وَجَمَاعَةٌ: وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً لأن جوارحهم
تشهد عليهم. وقال سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ
عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: إِنِّي أَجِدُ فِي
الْقُرْآنِ أَشْيَاءَ تَخْتَلِفُ عَلَيَّ، قَالَ:
هَاتِ مَا اخْتَلَفَ عَلَيْكَ، قَالَ: فَلا أَنْسابَ
بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ [الْمُؤْمِنُونَ:
101] ، وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (27)
[الصافات: 27] ، وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً، وَقَالَ:
وَاللَّهِ رَبِّنا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ [الْأَنْعَامِ: 23]
، فَقَدْ كَتَمُوا، وَقَالَ: أَمِ السَّماءُ بَناها [النازعات:
27] ، إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ
دَحاها (30) [النازعات: 30] ، وذكر خلق السماء قبل [خلق] [7]
الْأَرْضِ، ثُمَّ قَالَ: أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي
خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ، إِلَى قَوْلِهِ: طائِعِينَ
[فُصِّلَتْ: 9- 11] فَذَكَرَ في هذه خَلْقَ الْأَرْضِ قَبْلَ
السَّمَاءِ، وَقَالَ: وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً
[الفتح: 14] وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً [النساء: 158
و165] فَكَأَنَّهُ كَانَ ثُمَّ مَضَى؟ فَقَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: فَلَا أَنْسَابَ [بَيْنَهُمْ] [8]
فِي النَّفْخَةِ الأولى قال الله تعالى:
__________
(125) وابن أبي شيبة 10/ 563 وأحمد 1/ 380 و433 وابن حبان 735
والطبراني في «الكبير» (8460) من طرق عن الأعمش به.
- وأخرجه مسلم 800 ح 248 والطبراني 8462 من طريق إبراهيم به.
- وأخرجه ابن أبي شيبة 10/ 564 والحميدي 101 وأحمد 1/ 374
والطبراني 8463 و8466 و8468 من طرق، عن ابن مسعود به.
(1) زيادة عن «صحيح البخاري» ، وهو في المخطوط «إلى» .
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) في المخطوط وحده «التفيل» .
(4) في المطبوع «الآخرون» .
(5) زيد في المطبوع.
(6) في المخطوط وحده «كوني» .
(7) زيادة عن المخطوط.
(8) زيادة عن المخطوط.
(1/625)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ
سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا
إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ
مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ
الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً
فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ
وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43)
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي
السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ
[الزُّمَرِ: 68] ، فَلَا أَنْسَابَ عِنْدَ ذَلِكَ وَلَا
يَتَسَاءَلُونَ، ثُمَّ فِي النَّفْخَةِ الْآخِرَةِ أَقْبَلَ
بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ
مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ- وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً،
فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لِأَهْلِ الْإِخْلَاصِ ذُنُوبَهُمْ،
فَيَقُولُ الْمُشْرِكُونَ تَعَالَوْا نَقُلْ [1] لَمْ نَكُنْ
مُشْرِكِينَ، فَيُخْتَمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وتنطق أيديهم
فعند ذلك عرفوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَكْتَمُ حَدِيثًا،
وَعِنْدَهُ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ
لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ، وخَلَقَ الْأَرْضَ فِي
يَوْمَيْنِ [فصلت: 9] ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاءَ ثُمَّ اسْتَوَى
إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ فِي يَوْمَيْنِ آخرين [ثم دحا
الأرض] [2] ودحوها: أَنْ أَخْرَجَ مِنْهَا الْمَاءَ
وَالْمَرْعَى وَخَلَقَ الْجِبَالَ وَالْآكَامَ.
وَمَا بَيْنَهُمَا فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ، ثُمَّ دَحَا
الأرض في يومين فخلقت الْأَرْضُ وَمَا فِيهَا مِنْ شَيْءٍ فِي
أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، وَخُلِقَتِ السَّمَوَاتُ فِي يَوْمَيْنِ،
وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفتح: 14 والنساء: 100] ،
أَيْ: لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ، فَلَا يَخْتَلِفُ عَلَيْكَ
الْقُرْآنُ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. وَقَالَ
الْحَسَنُ: إِنَّهَا مُوَاطِنٌ، فَفِي مَوْطِنٍ لَا
يَتَكَلَّمُونَ وَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا، وَفِي مَوْطِنٍ
[3] يَتَكَلَّمُونَ وَيَكْذِبُونَ وَيَقُولُونَ [وَاللَّهِ
رَبِّنَا] [4] مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ وما كنا نعمل في سوء،
وفي موطن يَعْتَرِفُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَهُوَ قَوْلُهُ:
فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ [الملك: 11] وفي موطن لَا
يَتَسَاءَلُونَ، وَفِي مَوْطِنٍ يَسْأَلُونَ [5] الرَّجْعَةَ،
وَآخِرُ تِلْكَ الْمَوَاطِنِ أَنْ يُخْتَمَ عَلَى
أَفْوَاهِهِمْ وَتَتَكَلَّمَ جُوَارِحُهُمْ، وَهُوَ قَوْلُهُ
تَعَالَى:
وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً.
[سورة النساء (4) : آية 43]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ
وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا
جُنُباً إِلاَّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ
كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ
مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا
مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا
بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا
غَفُوراً (43)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا
تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى الْآيَةَ،
وَالْمُرَادُ مِنَ السُّكْرِ:
السُّكْرُ مِنَ الْخَمْرِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ.
ع «608» وَذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ صَنَعَ طَعَامًا وَدَعَا نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَتَاهُمْ
بِخَمْرٍ فَشَرِبُوهَا قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَسَكِرُوا
فَحَضَرَتْ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ فَقَدَّمُوا رَجُلًا
لِيُصَلِّيَ بِهِمْ فَقَرَأَ قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ
(1) [الْكَافِرُونَ: 1] أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، بِحَذْفِ
(لَا) هَكَذَا إِلَى آخَرِ السُّورَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ
تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، فَكَانُوا بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ
الْآيَةِ يجتنبون السكر أوقات الصلاة حَتَّى نَزَلَ تَحْرِيمُ
الْخَمْرِ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ: أَرَادَ بِهِ سُكْرَ
النَّوْمِ، نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ عند غلبة النوم:
__________
608- ع أخرجه الواحدي في «أسباب النزول» (316) عَنْ أَبِي
عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ مرسلا، وفيه عطاء بن السائب
قد اختلط.
- وله شاهد من حديث علي، أخرجه أبو داود 3671 والترمذي 3026
والحاكم 2/ 307 والطبري 9526 وإسناده حسن، وفي رواية أبي داود
والترمذي أن الذي قدّم للصلاة هو علي رضي الله عنه وفيه عطاء
بن السائب لكن الثوري الراوي عنه سمع منه قبل الاختلاط، وصححه
الحاكم، ووافقه الذهبي، وحسنه الترمذي. والله أعلم.
(1) في المخطوط وحده «نقول» .
(2) زيادة عن المخطوط وط. [.....]
(3) في المطبوع وط «موضع» .
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) في المطبوع «يتساءلون» .
(1/626)
«609» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ
السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو
الْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُغَلِّسِ [1]
أَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ الهمداني أَخْبَرَنَا عَبَدَةُ
بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ يُصَلِّي فَلْيَرْقُدْ حَتَّى
يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى
وَهُوَ يَنْعَسُ لَعَلَّهُ يَذْهَبُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسِبَ
نَفْسَهُ» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا
جُنُباً، نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ، يَعْنِي: وَلَا تَقْرَبُوا
الصَّلَاةَ [وَأَنْتُمْ] [2] جُنُبٌ يُقَالُ: رَجُلٌ جُنُبٌ
وَامْرَأَةٌ جُنُبٌ، وَرِجَالٌ جُنُبٌ وَنِسَاءٌ جُنُبٌ،
وَأَصْلُ الْجَنَابَةِ [3] : الْبُعْدُ، وَسُمِّيَ جُنُبًا
لِأَنَّهُ يَتَجَنَّبُ مَوْضِعَ الصَّلَاةِ، أَوْ
لِمُجَانَبَتِهِ النَّاسَ وَبُعْدِهِ مِنْهُمْ، حَتَّى
يَغْتَسِلَ. قَوْلُهُ تَعَالَى:
إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا اخْتَلَفُوا فِي
معناه [فقال بعضهم:] [4] إِلَّا أَنْ تَكُونُوا مُسَافِرِينَ
وَلَا تَجِدُونَ الْمَاءَ فَتَيَمَّمُوا، مَنَعَ الْجُنُبَ
مِنَ الصَّلَاةِ حَتَّى يَغْتَسِلَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي
سَفَرٍ وَلَا يَجِدُ مَاءً فَيُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ، وَهَذَا
قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ
وَمُجَاهِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهم، وقال آخرون: بل الْمُرَادُ
مِنَ الصَّلَاةِ مَوْضِعَ الصَّلَاةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ [الْحَجِّ: 40] وَمَعْنَاهُ: لَا
تَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ وَأَنْتُمْ جُنُبٌ إِلَّا مُجْتَازِينَ
فِيهِ لِلْخُرُوجِ مِنْهُ، مِثْلَ أَنْ يَنَامَ فِي
الْمَسْجِدِ فَيَجْنُبَ أَوْ تُصِيبَهُ جَنَابَةٌ وَالْمَاءُ
فِي الْمَسْجِدِ أَوْ يَكُونَ طريقه عليه، فيمرّ به وَلَا
يُقِيمُ وَهَذَا قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ
وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالضَّحَّاكُ وَالْحَسَنُ
وَعِكْرِمَةُ وَالنَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ، وَذَلِكَ أَنَّ
قَوْمًا مِنَ الْأَنْصَارِ كَانَتْ أَبْوَابُهُمْ فِي
الْمَسْجِدِ فَتُصِيبُهُمُ الْجَنَابَةُ وَلَا مَاءَ
عِنْدَهُمْ وَلَا مَمَرَّ لَهُمْ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ،
فَرُخِّصَ لَهُمْ فِي الْعُبُورِ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ
الْعِلْمِ فِيهِ فَأَبَاحَ بَعْضُهُمْ الْمُرُورَ فِيهِ عَلَى
الْإِطْلَاقِ، وَهُوَ [قَوْلُ الْحَسَنِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ
وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ، وَمَنَعَ بَعْضُهُمْ
عَلَى الْإِطْلَاقِ وَهُوَ]]
قَوْلُ أصحاب الرأي، وقال بعضهم: يتيم لِلْمُرُورِ فِيهِ،
أَمَّا الْمُكْثُ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ
الْعِلْمِ:
ع «610» لِمَا رَوَيْنَا عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: «وَجِّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ عَنِ
الْمَسْجِدِ فإنّي لا
__________
609- إسناده صحيح، هارون بن إسحاق فمن دونه ثقات، وقد توبعوا،
ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، عبدة بن سليمان هو الكلابي أبو
محمد الكوفي.
- وهو في «شرح السنة» (935) بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 355 عن هارون بن إسحاق به.
- أخرجه النسائي 1/ 99- 100 وابن ماجه 1370 وعبد الرزاق 4222
والحميدي 185 وأحمد 6/ 56 و202 و205 و259 والدارمي 1/ 321 وأبو
عوانة 2/ 297 وابن حبان 2584 والبيهقي 3/ 16 من طرق، عن هشام
بن عروة به.
- وأخرجه مَالِكٍ 1/ 118 عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ به ومن
طريق مالك أخرجه البخاري 212 ومسلم 786 وأبو داود 1310 وأبو
عوانة 2/ 297 وابن حبان 2583 والبيهقي 3/ 16.
610- ع أخرجه أبو داود 232 والبيهقي 442 من حديث عائشة وقال
البيهقي نقلا عن البخاري: عند جسرة أعاجيب. ثم قال البيهقي:
وهذا إن صح فمحمول في الجنب على المكث دون العبور بدليل الكتاب
اهـ.
- وفي «نصب الراية» (1/ 194) : هو حديث حسن، وكذا حسنه ابن
القطان بعد أن تكلم عليه، وقوّى أمر جسرة بنت دجاجة اهـ.
(1) في الأصل «المفلس» بالفاء والتصويب عن «شرح السنة» .
(2) سقط عن المطبوع وحده.
(3) في المطبوع «الجنب» .
(4) العبارة في المطبوع «فقالوا» .
(5) سقط من المخطوط.
(1/627)
أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا
جُنُبٍ» .
وَجَوَّزَ أَحْمَدُ الْمُكْثَ فِيهِ وَضُعِّفَ الحديث لأنّ
روايه مَجْهُولٌ، وَبِهِ قَالَ الْمُزْنِيُّ، وَلَا يَجُوزُ
لِلْجُنُبِ الطَّوَافُ كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ الصَّلَاةُ
وَلَا يَجُوزُ لَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ.
«611» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ
الْمَلِيحِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ
أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ أَنَا عَلِيُّ بْنُ
الْجَعْدِ أَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ
قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَمَةَ يَقُولُ:
دَخَلْتُ عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقْضِي الْحَاجَةَ وَيَأْكُلُ مَعَنَا اللَّحْمَ وَيَقْرَأُ
الْقُرْآنَ وَكَانَ لَا يَحْجُبُهُ أو يحجزه عن
__________
- وفي «تلخيص الحبير» (1/ 140) : صححه ابن خزيمة، وكذا ابن
القطان اهـ. وضعفه المنذري والخطابي والبيهقي وغيرهم، راجع
«أحكام القرآن» (495) بتخريجي فالحديث يقرب من الحسن.
611- حسن. إسناده لا بأس به، عبد الله بن سلمة وثقه العجلي
ويعقوب بن شيبة وابن حبان، وقال شعبة: كان ابن سلمة يحدثنا،
وقد كان كبر، فكنا نعرف وننكر، وقال عند الحافظ في «التقريب»
صدوق تغير حفظه اهـ.
- وهو في «شرح السنة» (273) بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو داود 229 والنسائي 1/ 144 وابن ماجه 594 والحميدي
57 والطيالسي 1/ 59 وأحمد 1/ 83 و84 و107 و124 والطحاوي 1/ 87
وابن الجارود في «المنتقى» (94) والدارقطني 1/ 119 وابن خزيمة
208 والحاكم 4/ 107 والبيهقي 1/ 88 و89 من طرق عن شعبة به.
- وأخرجه الترمذي 146 والنسائي 1/ 144 وابن أبي شيبة 1/ 101
و102 والحميدي 57 وأحمد 1/ 134 وابن حبان 799 وابن عدي في
«الكامل» (4/ 1487) من طرق عن عمرو بن مرة به.
قال الترمذي: حسن صحيح اهـ. وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال
الحافظ في «تلخيص الحبير» (1/ 139/ 184) ما ملخصه: صححه
الترمذي وابن السكن وعبد الحق والبغوي في «شرح السنة» وروى ابن
خزيمة بإسناده عن شعبة قوله: هذا الحديث ثلث رأس مالي. وقال
الدارقطني. قال شعبة: ما أحدّث بحديث أحسن منه. وقال الشافعي
في سنن حرملة: إن كان هذا الحديث ثابتا، ففيه دلالة على تحريم
القرآن على الجنب وقال في كتاب «جماع الطهور» أهل الحديث لا
يثبتونه. قال البيهقي: إنما قال ذلك لأن روايه عبد الله بن
سلمة كان قد تغير، وإنما روى هذا الحديث بعد ما كبر، قاله
شعبة. قال الخطابي: وكان أحمد يوهّن هذا الحديث. وقال النووي:
خالف الترمذي الأكثرون، فضعفوا هذا الحديث. قال الحافظ:
وتخصيصه الترمذي بذلك دليل على أنه لم ير تصحيحه لغيره. وقد
صححه غير الترمذي.
- وورد من طريق آخر عن عامر بن السمط، عن أبي الغريف، عن علي
مرفوعا بمعناه. وهذا إسناد حسن، عامر بن السمط ثقة، وأبو
الغريف اسمه عبيد الله بن خليفة، صدوق كما في «التقريب» لكن له
علة فقد أخرجه الدارقطني 1/ 118 من طريق يزيد بن هارون بهذا
الإسناد، فجعله عن علي موقوفا عليه، ومع ذلك فليس بعلة قادحة.
فمثله لا يقال ولا يدري بالرأي، فله حكم المرفوع، وفي الباب
أحاديث كثيرة تشهد له، وإن كان أكثرها ضعيف، وقد صححه الشيخ
أحمد شاكر في «سنن الترمذي» (1/ 275) : وقال في رواية أحمد
الثانية: وهذا إسناد جيد، وقد توبع عبد الله بن سلمة، فارتفعت
شبهة الخطأ عن روايته.
وانظر «نصب الراية» (1/ 196) و «فتح القدير» لابن الهمام (1/
170- 172) بتخريجي.
وفي الباب موقوفات تقوي المرفوع وقال الحافظ في «الفتح» (1/
408) والحق أنه من قبيل الحسن يصلح للحجة اهـ.
في حين ضعفه الألباني في «الإرواء» (229 و485) ....! وتبعه
الأثري في «غوث المكدود» (94) ....! علما بأن عامة الفقهاء على
القول بهذا الحديث، والله أعلم.
(1/628)
[قراءة] [1] القرآن شيء ليس [2]
الْجَنَابَةَ.
وَغُسْلُ الْجَنَابَةِ يَجِبُ بِأَحَدِ أمرين [3] إِمَّا
بِنُزُولِ الْمَنِيِّ أَوْ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَهُوَ
تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرَجِ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ،
وَكَانَ الْحُكْمُ فِي الِابْتِدَاءِ أَنَّ مَنْ جَامَعَ
امْرَأَتَهُ فَأَكْسَلَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ ثُمَّ
صَارَ مَنْسُوخًا.
«612» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْخَطِيبُ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ أَحْمَدَ الْخَلَّالِ
أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا
الشَّافِعِيُّ أَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا [4] مُوسَى
الْأَشْعَرِيَّ سَأَلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنِ
الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ:
قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ، أَوْ مسّ الْخِتَانَ فَقَدْ
وَجَبَ الْغُسْلُ» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى، جَمْعُ مريض،
وأراد به مرضا يَضُرُّهُ إِمْسَاسُ الْمَاءِ مِثْلَ
الْجُدَرِيِّ وَنَحْوَهُ، أَوْ كَانَ عَلَى مَوْضِعِ الطهارة
جِرَاحَةٌ يَخَافُ مِنِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِيهَا
التَّلَفَ أَوْ زِيَادَةَ الْوَجَعِ، فَإِنَّهُ يُصَلِّي
بِالتَّيَمُّمِ وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ مَوْجُودًا وَإِنْ كَانَ
بَعْضُ أَعْضَاءِ طَهَارَتِهِ صَحِيحًا وَالْبَعْضُ جَرِيحًا
غَسَلَ الصَّحِيحَ مِنْهَا وَتَيَمَّمَ لِلْجَرِيحِ، لِمَا:
«613» أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ
الْعَزِيزِ الْقَاشَانِيُّ [5] أَنَا أَبُو عُمَرَ الْقَاسِمُ
بْنُ جَعْفَرِ الهاشمي أنا أبو علي
__________
612- حديث صحيح، إسناده ضعيف لضعف علي بن زيد، لكن توبع كما
سيأتي، وباقي الإسناد ثقات مشاهير. سفيان هو ابن عيينة.
- وهو في «شرح السنة» (243) بهذا الإسناد.
وأخرجه المصنف من طريق الشافعي وهو في «مسنده» (1/ 36) عن
سفيان بهذا الإسناد.
ومن طريقه أخرجه البيهقي في «المعرفة» (1/ 412) و (413) .
وأخرجه أحمد 6/ 97 والطحاوي في «المعاني» (1/ 55) من طريق علي
بن زيد به. وقد توبع علي بن زيد، فقد:
- أخرجه مسلم 349 وابن خزيمة 227 وابن حبان 1183 والبيهقي في
«المعرفة» (1/ 45) وفي «السنن» (1/ 163) من طرق عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأنصاري، عن هشام بن حسان، عن حميد بن
هلال، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي موسى به.
- وأخرجه مالك 1/ 46 وعبد الرزاق 954، عَنْ يَحْيَى بْنِ
سَعِيدٍ، عَنْ ابن المسيب، عن أبي موسى، عن عائشة موقوفا
عليها، لكن وقف من وقفه لا يعلل المرفوع، ثم إن مثله لا يقال
بالرأي، وله شواهد كثيرة، والله أعلم.
613- حسن دون عجزه، وهو «إنما كان يكفيه....» ، إسناده لين
لأجل الزبير بن خريق- بضم الخاء- لكن لحديثه شاهد، فهو حسن إن
شاء الله.
- وهو في «شرح السنة» (314) بهذا الإسناد.
- ورواه المصنف من طريق أبي داود، وهو في «سننه» (336) عن موسى
بن عبد الرحمن به. وأخرجه الدارقطني 1/ 190 والبيهقي 1/ 227
و228 من طريق موسى به.
- وله شاهد من حديث ابن عباس أخرجه أبو داود 337 وأحمد 1/ 330
والدارمي 1/ 192 والدارقطني 1/ 191 و192 والبيهقي 1/ 227 من
طرق عن الأوزاعي أنه بلغه عن عطاء، عن ابن عباس، وهذا إسناد
منقطع. وليس فيه لفظ «إنما كان يكفيه....» .
وأخرجه عبد الرزاق 867 والدارقطني عن الأوزاعي، عن رجل عطاء،
عن ابن عباس. وأخرجه ابن ماجه 572 [.....]
(1) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة» وط.
(2) في المطبوع وط «إلا» والمثبت عن المخطوط و «شرح السنة» .
(3) في المطبوع «الأمرين» .
(4) في الأصل «أنا أبو» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب التخريج.
(5) في الأصل «الغاشاني» والتصويب عن «ط» وعن «الأنساب» .
(1/629)
مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَمْرٍو
اللُّؤْلُؤِيُّ أَنَا [أَبُو] [1] دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ
الْأَشْعَثِ السِّجِسْتَانِيُّ أَنَا مُوسَى بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ الْأَنْطَاكِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ
عَنِ الزُّبَيْرِ بن خريق [2] عن [عطاء عَنْ] [3] جَابِرِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ فَأَصَابَ رَجُلًا مِنَّا حَجَرٌ
فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ، فَاحْتَلَمَ فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ:
هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ؟ قَالُوا: مَا
نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَأَنْتِ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ،
فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخْبِرَ بذلك قال:
«قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ، أَلَّا سَأَلُوا إِذَا لَمْ
يَعْلَمُوا فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ، إِنَّمَا
كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِرَ أَوْ يَعْصِبَ-
شك موسى [4] عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا
وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ» .
وَلَمْ يُجَوِّزْ أَصْحَابُ الرَّأْيِ الْجَمْعَ بَيْنَ
التَّيَمُّمِ وَالْغُسْلِ، وَقَالُوا: إِنْ كَانَ أَكْثَرُ
أَعْضَائِهِ صَحِيحًا غُسِلَ الصَّحِيحُ وَلَا يَتَيَمَّمُ
عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُ جَرِيحًا اقْتَصَرَ عَلَى
التَّيَمُّمِ. وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِمَنْ أَوْجَبَ الْجَمْعَ
بَيْنَهُمَا. قَوْلُهُ تَعَالَى: أَوْ عَلى سَفَرٍ، أَرَادَ
أَنَّهُ إِذَا كَانَ فِي سَفَرٍ طَوِيلًا كَانَ أَوْ قَصِيرًا،
وَعُدِمَ الْمَاءُ فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ وَلَا
إِعَادَةَ عَلَيْهِ، لِمَا:
ع «614» رُوِيَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الصَّعِيدَ
الطَّيِّبَ وُضُوءُ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ
عشر
__________
والدارقطني 1/ 191 عن الأوزاعي، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ وأخرجه الحاكم 1/ 178 من طريق الأوزاعي قال: حدثنا
عطاء أنه سمع ابن عباس وأخرجه ابن حبان 1314 وابن الجارود 128
والبيهقي 1/ 226 من طريق عمر بن حفص، عن أبيه، عن الوليد بْنِ
عَبِيدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رباح أن عطاء عمه حدثه، عن ابن
عباس. دون عجزه، وهو ذكر المسح على الجبيرة، فإنه منكر.
وفيه الوليد بن عبيد الله وثقه ابن أبي حاتم. وضعفه الدارقطني
كما في «الميزان» لكن يصلح للاعتبار بحديثه. فالحديث حسن دون
عجزه. وانظر «أحكام القرآن» لابن العربي (502) .
614- ع صحيح. أخرجه أبو داود 332 والترمذي 124 والنسائي 1/ 171
وعبد الرزاق 913 وأحمد 5/ 155 و180 وابن حبان 1311 و1312 و1313
والحاكم 1/ 170 والدارقطني 1/ 186 و187 والبيهقي 1/ 212 و220
من طرق عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قلابة، عن عمرو
بن بجدان، عن أبي ذر مرفوعا. وله قصة في رواية أبي داود وغيره،
ومداره على عمرو بن بجدان وهو مجهول الحال.
قال الزيلعي في «نصب الراية» (1/ 49) : قال ابن دقيق العيد في
«الإمام» : ومن العجب كون ابن القطان لم يكتف بتصحيح الترمذي
في معرفة حال عمرو بن بجدان مع تفرده بالحديث، فقد نقل كلامه:
هذا حديث حسن صحيح.
وأي فرق بين أن يقول: هو ثقة أو يصحح له حديثا انفرد به؟! اهـ.
والحديث صححه الحاكم وقال: لم يخرجاه إذ لم نجد لعمرو بن بجدان
راويا غير أبي قلابة. ووافقه الذهبي، وقال الترمذي: هذا حديث
حسن صحيح اهـ.
- وأخرجه أبو داود 333 وابن أبي شيبة 1/ 156- 157 والطيالسي
484 والدارقطني 1/ 187 وأحمد 5/ 146 عن أيوب، عن أبي قلابة، عن
رجل من بني عامر، عن أبي ذر. قلت: والعامري هو ابن بجدان نفسه
لأنه من بني عامر.
- وأخرجه عبد الرزاق 912 وأحمد 5/ 46- 147 عن أيوب، عن أبي
قلابة، عن رجل من بني قشير، عن أبي ذر.
وذكره البغوي في «شرح السنة» بإثر حديث (310) تعليقا.
- وله شاهد من حديث أبي هريرة البزار 310 وقد صححه ابن القطان
كما في «تلخيص الحبير» (1/ 154) و «نصب
(1) سقط من المطبوع.
(2) في الأصل «حزيق» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب الحديث.
(3) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «شرح السنة»
وكتب التخريج.
(4) في المطبوع «الراوي» .
(1/630)
سِنِينَ، فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ
فَلِيَمَسَّهُ بَشَرَهُ» [1] ، أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنِ
الرَّجُلُ مَرِيضًا وَلَا فِي سَفَرٍ ولكنه عَدِمَ الْمَاءَ
فِي مَوْضِعٍ لَا يُعْدَمُ فِيهِ الْمَاءُ غَالِبًا بِأَنْ
كَانَ فِي قَرْيَةٍ انْقَطَعَ مَاؤُهَا فَإِنَّهُ يُصَلِّي
بِالتَّيَمُّمِ ثُمَّ يُعِيدُ إِذَا قَدَرَ عَلَى الْمَاءِ
عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَعِنْدَ مَالِكٍ والأَوْزَاعِيِّ لَا
إِعَادَةَ عَلَيْهِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنهما
يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِدَ الْمَاءَ. قَوْلُهُ
تَعَالَى: أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ، أَرَادَ
بِهِ إِذَا أَحْدَثَ، وَالْغَائِطُ اسْمٌ لِلْمُطْمَئِنِّ مِنَ
الْأَرْضِ، وَكَانَتْ عَادَةُ الْعَرَبِ إتْيَانَ الْغَائِطِ
لِلْحَدَثِ فَكُنِيَّ عَنِ الْحَدَثِ بِالْغَائِطِ، أَوْ
لامَسْتُمُ النِّساءَ، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ
«لَمَسَتْمُ» هَاهُنَا وَفِي الْمَائِدَةِ، وَقَرَأَ
الْبَاقُونَ لامَسْتُمُ النِّساءَ وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى
اللَّمْسِ والملامسة، فقال قوم: هو الْمُجَامَعَةُ، وَهُوَ
قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ،
وَكَنَّيَّ بِاللَّمْسِ عَنِ الْجِمَاعِ لِأَنَّ [الْجِمَاعَ
لَا يَحْصُلُ إِلَّا] [2] بِاللَّمْسِ، وَقَالَ قَوْمٌ: هُمَا
الْتِقَاءُ الْبَشَرَتَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ بِجِمَاعٍ أَوْ
غَيْرِ جِمَاعٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ
وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ، وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي
حكم هَذِهِ الْآيَةِ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ إِذَا
أَفْضَى الرَّجُلُ بِشَيْءٍ مِنْ بَدَنِهِ إِلَى شَيْءٍ مِنْ
بَدَنِهِ إِلَى شَيْءٍ، مِنْ بَدَنِ الْمَرْأَةِ وَلَا حَائِلَ
بَيْنَهُمَا، يَنْتَقِضُ وضوؤهما، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ
مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَبِهِ
قَالَ الزُّهْرِيُّ والأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ، وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ بن سعد وأحمد
وإسحاق: وإن كَانَ اللَّمْسُ بِشَهْوَةٍ نَقَضَ الطُّهْرَ،
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِشَهْوَةٍ فَلَا يَنْتَقِضُ، وَقَالَ
قَوْمٌ: لَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِاللَّمْسِ بِحَالٍ،
وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ
وَالثَّوْرِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ لَا يَنْتَقِضُ إِلَّا إذا حدث الِانْتِشَارُ،
وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يُوجِبِ الْوُضُوءَ بِاللَّمْسِ بِمَا:
«615» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا
زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ
أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضِرِ
مَوْلَى عُمَرَ بن عبيد [3] عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا
قَالَتْ:
كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ فَإِذَا سَجَدَ
غَمَزَنِي فَقَبَضْتُ رَجِلِي وَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا،
قَالَتْ:
وَالْبُيُوتُ يَوْمئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ.
«616» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا
زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ
أَنَا أَبُو مصعب عن مالك عن
__________
الراية» (1/ 149) .
وذكره الهيثمي في «المجمع» (1/ 261) وقال: ورجاله رجال الصحيح
اهـ. وانظر «فتح القدير» لابن الهمام (1/ 126) بتخريجي.
615- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، أبو النضر هو سالم بن
أبي أمية. أبو سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف، مشهور بكنيته.
- وهو في «شرح السنة» (546) بهذا الإسناد.
وأخرجه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (1/ 117) عن أبي
النضر بهذا الإسناد.
ومن طريق مالك أخرجه البخاري 382 و513 و1209 ومسلم 512 و272
والنسائي 1/ 102 وعبد الرزاق 2376 وأحمد 6/ 148 و225 و255 وابن
حبان 2342 والبيهقي 2/ 264.
- وأخرجه أبو داود 713 من طريق أبي النضر بنحوه.
616- صحيح، هو مرسل كما نص عليه ابن عبد البر، التيمي لم يسمعه
من عائشة، يحيى بن سعيد هو الأنصاري، وهو غير يحيى القطان،
فذاك من طبقة دون طبقة مالك. وقد وصل الحديث مسلم وغيره من
طريق أبي هريرة وغيره كما سيأتي. [.....]
(1) زيد في المطبوع وحده «فإن ذلك خير» وهي مقحمة، ليست في
المخطوط ولا في- ط ولا في «شرح السنة» وغير ذلك.
(2) العبارة في المخطوط عقب لفظ «باللمس» .
(3) وقع في الأصل «عبد» والتصويب عن كتب التخريج والتراجم.
(1/631)
يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَيْمِيِّ:
أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [قَالَتْ: كُنْتُ نَائِمَةً
إِلَى جَنْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ] [1] فَفَقَدْتُهُ مِنَ اللَّيْلِ فلمسته بيدي فوقعت
[2] يَدِي عَلَى قَدَمَيْهِ وَهُوَ سَاجِدٌ وَهُوَ يَقُولُ:
«أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك
مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ
عَلَى نَفْسِكَ» .
وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
فِيمَا لَوْ لَمَسَ امْرَأَةً مِنْ مَحَارِمِهِ كَالْأُمِّ
وَالْبِنْتِ وَالْأُخْتِ أَوْ لَمَسَ أَجْنَبِيَّةً صَغِيرَةً،
أَصَحُّ القولين أنه لا ينتقض الْوُضُوءَ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ
بِمَحَلِّ الشَّهْوَةِ كَمَا لَوْ لَمَسَ رَجُلًا، وَاخْتَلَفَ
قَوْلُهُ فِي انْتِقَاضِ وُضُوءِ الْمَلْمُوسِ [عَلَى
قَوْلَيْنِ] [3] ، أَحَدُهُمَا: يَنْتَقِضُ لِاشْتِرَاكِهِمَا
فِي الِالْتِذَاذِ كَمَا يَجِبُ الْغُسْلُ عَلَيْهِمَا
بِالْجِمَاعِ، وَالثَّانِي: لَا يَنْتَقِضُ لِحَدِيثِ
عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا حيث قالت: فوقعت يَدِي عَلَى
قَدَمَيْهِ وَهُوَ سَاجِدٌ [4] ، وَلَوْ لَمَسَ شَعْرَ
امْرَأَةٍ أَوْ سنّها أو ظفرها لا ينتقض وضوؤه عِنْدَهُ،
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُحْدِثَ لَا تَصِحُّ صِلَاتُهُ مَا لَمْ
يَتَوَضَّأْ إِذَا وَجَدَ الْمَاءَ أَوْ يَتَيَمَّمْ إذا لم
يجد الماء [5] لما:
«617» أَخْبَرَنَا حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادَيُّ أَنَا أَبُو بَكْرٍ
مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ
يُوسُفَ السُّلَمِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ
عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«لَا يَقْبَلُ [اللَّهُ] صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ
حَتَّى يَتَوَضَّأَ» .
وَالْحَدَثُ هُوَ خُرُوجُ الْخَارِجِ مِنْ أَحَدِ
الْفَرْجَيْنِ عينا كان [6] أو أثرا، أو الغلبة عَلَى
الْعَقْلِ بِجُنُونٍ أَوْ إِغْمَاءٍ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ،
وَأَمَّا النَّوْمُ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ أَنَّهُ يُوجِبُ الْوُضُوءَ إِلَّا أَنْ يَنَامَ
قَاعِدًا مُتَمَكِّنًا فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ، لِمَا:
«618» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْخَطِيبُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ الْخَلَّالُ أَنَا
أَبُو العباس الأصم أخبرنا الربيع
__________
- وهو في «شرح السنة» (1360) بهذا الإسناد.
خرّجه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (1/ 214) عن يحيى
بن سعيد به.
ومن طريق مالك أخرجه الترمذي 3493 والطحاوي في «المعاني» (1/
234) .
- وأخرجه النسائي 2/ 222 وعبد الرزاق 2883 من طريق يحيى بن
سعيد به.
- وأخرجه مسلم 486 وأبو داود والنسائي 1/ 102- 103 و210 وأحمد
6/ 58 و201 وابن خزيمة 655 و671 وابن حبان 1932 من طرق عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عن محمد بن يحيى، عَنِ
الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عن عائشة.... به.
- وأخرجه ابن حبان 1933 والطحاوي 1/ 234 والبيهقي 2/ 116 من
طرق، عن أبي النضر، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ
عائشة.... به.
617- إسناده صحيح، أحمد بن يوسف روى له مسلم، ومن فوقه رجال
البخاري ومسلم، معمر هو ابن راشد.
- وهو في «شرح السنة» (156) بهذا الإسناد.
- وأخرجه المصنف من طريق عبد الرزاق، وهو في «مصنفه» (530) عن
معمر به.
ومن طريق عبد الرزاق أخرجه البخاري 135 ومسلم 225 وأبو داود.
والترمذي 76 وأبو عوانة 1/ 235 وأحمد 2/ 308 و318 وابن خزيمة
1/ 908 وابن الجارود 66 والبيهقي 1/ 229.
618- حديث صحيح. إسناده ضعيف لجهالة شيخ الشافعي، حيث لم يسمّ،
والظاهر أنه إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى ذاك المتروك المتهم،
فإن الشافعي كان يوثقه، ويحدث عنه بقوله: حدثني الثقة، حدثني
من لا أتهم، لكن كذبه علي المديني ويحيى بن سعيد وابن معين
وغيرهم، ولكن لم يتفرد به، فقد تابعه غير واحد كما هو الآتي،
فالمتن محفوظ.
- وهو في «شرح السنة» (163) بهذا الإسناد.
- خرجه المصنف من طريق الشافعي، وهو في «مسنده» (1/ 11) بهذا
الإسناد.
- وأخرجه مسلم 376 ح 126 وأبو داود 201 والبيهقي 1/ 120 من
طريق حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عن أنس.
- وأخرجه البخاري 6292 ومسلم 376 ح 124 من طريق شعبة، عن عبد
العزيز بن صهيب، عن أنس بنحوه.
- وأخرجه أبو داود 200 والدارقطني 1/ 131 والبيهقي 1/ 119 من
طريق هشام الدستوائي، عن قتادة، عن أنس بنحوه.
- وأخرجه عبد الرزاق 1931 عن معمر، عن ثابت، عن أنس بنحوه ومن
طريقه أحمد 3/ 161. وفي إسناده الزهري بين معمر، وثابت.
(1) سقط من المخطوط.
(2) في المخطوط «وضعت» .
(3) سقط من المخطوط.
(4) هو بعض الحديث.
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) لفظ «كان» ليس في المخطوط.
(1/632)
أَنَا الشَّافِعِيُّ أَنَا الثِّقَةُ عَنْ
حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَنْتَظِرُونَ الْعِشَاءَ فَيَنَامُونَ، أَحْسَبُهُ
قال قعودا حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضؤون.
وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ النَّوْمَ يُوجِبُ الْوُضُوءَ
بِكُلِّ حَالٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَبِهِ قَالَ
الْحَسَنُ وَإِسْحَاقُ وَالْمُزَنِيُّ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى
أَنَّهُ لَوْ نَامَ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا أَوْ سَاجِدًا
فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ حَتَّى يَنَامَ مُضْطَجِعًا وَبِهِ
قَالَ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَأَصْحَابُ
الرَّأْيِ.
[وَاخْتَلَفُوا في لمس الرجل المرأة كما بيناه] [1]
وَاخْتَلَفُوا فِي مَسِّ الْفَرَجِ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ
غَيْرِهِ فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ يُوجِبُ الْوُضُوءَ
وَهُوَ قَوْلُ عُمْرَ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ [2]
وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَاصٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ
رَضِيَ الله عنهم [3] ، وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ
الْمُسَيَّبِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، وَعُرْوَةُ بْنُ
الزُّبَيْرِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ
وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَكَذَلِكَ
الْمَرْأَةُ تَمَسُّ فَرْجَهَا، غَيْرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ:
لَا يَنْتَقِضُ إِلَّا أَنْ يَمَسَّ [4] بِبَطْنِ الْكَفِّ
أَوْ بُطُونِ الْأَصَابِعِ، وَاحْتَجُّوا بِمَا:
«619» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا
زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقُ
الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عن مالك
__________
619- جيد. إسناده على شرط البخاري ومسلم، غير صحابية وهي بسرة
بنت صفوان، فقد روى لها أصحاب السنن، قال الحافظ في «التقريب»
: صحابية لها سابقة وهجرة عاشت إلى خلافة معاوية.
- وهو في «شرح السنة» (165) بهذا الإسناد.
وأخرجه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (1/ 42) عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بكر به.
- ومن طريق مالك أخرجه أبو داود 181 والنسائي 1/ 100 والشافعي
في «المسند» (1/ 34) وابن حبان 1112 والحازمي في «الناسخ
والمنسوخ» ص (41) والطبراني في «الكبير» (496) والبيهقي في
«المعرفة» (1/ 327) وفي «السنن» (1/ 128) .
- وأخرجه النسائي 1/ 100 و216 وابن أبي شيبة 1/ 163 والطيالسي
1657 والحميدي 352 وأحمد 6/ 406 و407 والدارمي 1/ 185 والطحاوي
في «المعاني» (1/ 85) وابن الجارود 16 والطبراني في «الكبير»
(24/ (487) - (504)) من طرق عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
بكر به.
- وأخرجه الترمذي 83 والنسائي 1/ 216 والدارقطني 1/ 146 وابن
حبان 1113 وابن الجارود 17 والحاكم 1/ 137 والبيهقي في
«المعرفة» (1/ 359) وفي «السنن» (1/ 129 و130) من طرق عَنْ
هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أبيه به.
(1) زيادة عن المخطوط. [.....]
(2) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة» .
(3) في المطبوع «عنها» .
(4) في المطبوع «تلمس» .
(1/633)
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ
[بْنِ] [1] مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ سَمِعَ
عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: دَخَلْتُ عَلَى مَرْوَانَ
بْنِ الْحَكَمِ فَذَكَرْنَا مَا يَكُونُ مِنْهُ الْوُضُوءُ،
فَقَالَ مَرْوَانُ: مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ الْوُضُوءَ، فَقَالَ
عُرْوَةُ: مَا عَلِمْتُ ذَلِكَ، فَقَالَ مَرْوَانُ:
أَخْبَرَتْنِي بُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ أَنَّهَا سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
«إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» .
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ،
رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي
الدَّرْدَاءِ وَحُذَيْفَةَ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَإِلَيْهِ
ذَهَبَ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَأَصْحَابُ
الرَّأْيِ، وَاحْتَجُّوا بما:
ع «620» رُوِيَ عَنْ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
سُئِلَ عن الرجل مس ذَكَرَهُ، فَقَالَ: «هَلْ هُوَ إِلَّا
بِضْعَةٌ مِنْكَ» ؟ [وَيُرْوَى «هَلْ هُوَ إِلَّا بِضْعَةٌ
أَوْ مُضْغَةٌ مِنْهُ» ] [2] .
وَمَنْ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ مِنْهُ قَالَ: هَذَا مَنْسُوخٌ
بِحَدِيثِ بُسْرَةِ لِأَنَّ أبا هريرة يروي أيضا: الوضوء من
__________
وله شاهد من حديث أم حبيبة، أخرجه ابن ماجه 481 وأعله البوصيري
بالانقطاع، وله شاهد ثالث من حديث ثوبان، أخرجه ابن ماجه 480
وأعله البوصيري بجهالة عقبة بن عبد الرحمن، وله شاهد رابع.
- من حديث أبي هريرة أخرجه الشافعي في «الأم» (1/ 19) وأحمد 2/
333 والدارقطني 1/ 147 والطحاوي في «المعاني» (1/ 74) وابن
حبان 1118 والحازمي في «الناسخ والمنسوخ» ص (41) والبيهقي في
«المعرفة» (1/ 330) وفي «السنن» (2/ 131) والبغوي في «شرح
السنة» (166) من طريق عن يزيد بن عبد الملك ونافع بن أبي نعيم،
عن سعيد المقبري عنه.
وصححه الحاكم 1/ 138 من طريق نافع بن أبي نعيم، وقال الحافظ في
«تلخيص الحبير» (1/ 122- 124) ما ملخصه: حسنه الترمذي، ونقل عن
البخاري: حديث بسرة أصح شيء في هذا الباب، وقال أبو داود في
سؤالاته لأحمد، قال أحمد: ليس بصحيح، قال الحافظ بل هو صحيح،
وصححه ابن معين والبيهقي، وقال الدارقطني:
صحيح ثابت اهـ. وانظر «نصب الراية» (1/ 56) و «فتح القدير» (1/
58) .
620- ع حسن. أخرجه أبو داود 182 والترمذي 85 والنسائي 1/ 101
وابن أبي شيبة 1/ 165 وابن حبان 1119 والدارقطني 1/ 149 وابن
الجارود 21 والطحاوي 1/ 75 و76 والبيهقي 1/ 134 من طرق عن
ملازم بن عمرو، عن عبد الله بن بدر، عن قيس بن طلق، عن أبيه
به. وإسناده جيد.
- وأخرجه ابن ماجه 483 وعبد الرزاق 426 والطيالسي 1/ 57 وأحمد
4/ 22 و23 والحازمي في «الناسخ والمنسوخ» ص (40) والدارقطني 1/
148 و149 وابن الجارود 20 والطبراني 8233 و8234 والبيهقي في
«المعرفة» (1/ 355) من طرق عن قيس بن طلق، عن أبيه به.
قال ابن حبان: خبر طلق بن علي الذي ذكرناه منسوخ لأن طلق بن
علي كان قدومه على النبي صلّى الله عليه وسلّم أول سنة من سني
الهجرة، حيث كان المسلمون يبنون مسجد رسول الله صلّى الله عليه
وسلّم بالمدينة، وقد روى أبو هريرة إيجاب الوضوء من مسّ الذكر
على حسب ما ذكرناه قبل، وأبو هريرة أسلم سنة سبع من الهجرة،
فدل ذلك على أن خبر أبي هريرة كان بعد خبر طلق بن علي بسبع
سنين اهـ. وله شاهد من حديث أبي أمامة، أخرجه ابن ماجه 484 لكن
فيه جعفر بن الزبير متروك، وجاء في «نصب الراية» (1/ 61) ما
ملخصه: قال الطحاوي: حديث مستقيم الإسناد، غير مضطرب، وأسند عن
علي المديني: حديث طلق أحسن من حديث بسرة، وحكى الدارقطني عن
أبي زرعة وأبي حاتم توهينهما لحديث طلق، وأنه لا تقوم به حجة
اهـ وجاء في «تلخيص الحبير» (1/ 125) ما ملخصه: حديث طلق صححه
علي المديني والفلاس والطحاوي وابن حبان وابن حزم، وضعفه
الشافعي وأبو حاتم وأبو زرعة والدارقطني وابن الجوزي، وادعى
فيه النسخ: ابن حبان والطبراني وابن العربي والحازمي وآخرون
وانظر مزيد الكلام عليه في «فتح القدير» لابن الهمام (1/ 58)
بتخريجي، والله الموفق.
(1) ما بين المعقوفتين زيادة عن «شرح السنة» و «ط» وكتب
التراجم.
(2) ما بين المعقوفتين ليس في المخطوط و «شرح السنة» .
(1/634)
مَسِّ الذَّكَرِ [1] ، وَهُوَ مُتَأَخِّرُ
الْإِسْلَامِ، وَكَانَ قُدُومُ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلَ
زَمَنِ الْهِجْرَةِ حِينَ كَانَ يَبْنِي الْمَسْجِدَ.
وَاخْتَلَفُوا فِي خُرُوجِ النَّجَاسَةِ مِنْ غَيْرِ
الْفَرْجَيْنِ بِالْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ
الْقَيْءِ وَنَحْوَهُ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا
يُوجِبُ الْوُضُوءَ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ
وَطَاوُسٌ وَالْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَإِلَيْهِ
ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَذَهَبَتْ جَمَاعَةٌ إِلَى
إِيجَابِ الْوُضُوءِ بِالْقَيْءِ وَالرُّعَافِ وَالْفَصْدِ
وَالْحِجَامَةِ مِنْهُمْ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ
الْمُبَارَكِ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ،
وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْقَلِيلَ مِنْهُ وَخُرُوجَ
الرِّيحِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ لَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ
وَلَوْ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ كَثِيرُهُ لِأُوجَبَ قَلِيلُهُ
كَالْفَرْجِ.
فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا، اعْلَمْ أَنَّ
التَّيَمُّمَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الأمة:
ع «621» ، رَوَى حُذَيْفَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«فُضِّلْنَا عَلَى النَّاسِ بِثَلَاثٍ: جُعِلَتْ صُفُوفُنَا
كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ، وَجُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ
كُلَّهَا مَسْجِدًا وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا
إِذَا لَمْ نَجِدِ الْمَاءَ» ، وَكَانَ بَدْءُ التَّيَمُّمِ
مَا:
«622» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ
السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ
أَحْمَدَ السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ
إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ أَخْبَرَنَا
أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَتْ:
خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ حَتَّى إِذَا كُنَّا
بِالْبَيْدَاءِ أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي
فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَلَى الْتِمَاسِهِ وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، وَلَيْسُوا
عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَأَتَى النَّاسُ أَبَا
بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالُوا: أَلَّا تَرَى مَا
صَنَعَتْ عَائِشَةُ أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله
عليه وسلّم وبالناس [2] وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ
مَعَهُمْ مَاءٌ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضِعٌ
رَأْسَهُ عَلَى فَخْذِي قَدْ نَامَ فَقَالَ: أَحَبَسْتِ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسَ
وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ؟ قَالَتْ:
فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه وقال ما
__________
(1) تقدم مع ما قبله.
(2) زيد في المطبوع «معه» .
621- ع صحيح. أخرجه مسلم 522 وابن أبي شيبة 11/ 435 والطيالسي
418 وأبو عوانة 1/ 303 وأحمد 5/ 383 وابن حبان 1697 وابن خزيمة
264 والبيهقي 1/ 213 من طرق عن أبي مالك الأشجعي، عن ربعي، عن
حذيفة به، وزاد ابن خزيمة والطيالسي وأحمد وابن حبان في آخره:
«وأوتيت هؤلاء الآيات من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش ...
» .
622- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، القاسم هو ابن محمد
بن أبي بكر الصديق.
- وهو في «شرح السنة» (308) بهذا الإسناد.
ورواه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» برواية القعنبي ص
(68) .
ومن طرق مالك أخرجه البخاري 334 و3672 و4607 و5250 و6844 ومسلم
367 والنسائي 1/ 163- 164 وعبد الرزاق 880 والشافعي 1/ 43- 44
وأبو عوانة 1/ 302 وابن خزيمة 262 وابن حبان 1300 والبيهقي 1/
223- 224.
- وأخرجه البخاري 4608 و6845 والطبري 9641 والبيهقي 1/ 223 من
طرق عن ابن وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ به. وانظر الحديث الآتي.
(1/635)
شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، وَجَعَلَ
يَطْعَنُ بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي فَلَا يَمْنَعُنِي مِنَ
التَّحَرُّكِ إِلَّا مَكَانَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَخْذِي، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَصْبَحَ عَلَى
غَيْرِ مَاءٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى آيَةَ التَّيَمُّمِ
فَتَيَمَّمُوا فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وهو أحد
النقباء: ما هي بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ،
قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فَبَعَثْنَا
الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ فَوَجَدْنَا الْعِقْدَ
تَحْتَهُ.
«623» وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا عَبِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا
أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هُشَامٍ عَنْ أَبِيهِ:
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ
مِنْ أَسْمَاءَ قِلَادَةً فَهَلَكَتْ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاسًا مِنْ
أَصْحَابِهِ فِي طَلَبِهَا فَأَدْرَكَتْهُمُ الصَّلَاةُ
فَصَلُّوا بِغَيْرِ وُضُوءٍ، فَلَمَّا أَتَوُا النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَكَوْا ذَلِكَ إِلَيْهِ
فَنَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ. فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ
حُضَيْرٍ: جزاك الله خيرا فو الله مَا نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ
قَطُّ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ لَكِ مِنْهُ مَخْرَجًا وَجَعَلَ
لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ بَرَكَةً [فَتَيَمَّمُوا، أَيْ:
اقصُدُوا] [1] ، صَعِيداً طَيِّباً، أَيْ: تُرَابًا طَاهِرًا
نَظِيفًا قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:
الصَّعِيدُ هُوَ التُّرَابُ.
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَا يَجُوزُ بِهِ
التَّيَمُّمُ، فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ
تَعَالَى إِلَى أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِمَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ
التُّرَابِ مِمَّا يَعْلَقُ بِالْيَدِ مِنْهُ غُبَارٌ، لِأَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا» [2] ، وَجَوَّزَ
أَصْحَابُ الرَّأْيِ التَّيَمُّمَّ بِالزَّرْنِيخِ وَالْجِصِّ
والنَّوْرَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ طَبَقَاتِ الْأَرْضِ، حتى
قالوا: لو ضرب يده [3] عَلَى صَخْرَةٍ لَا غُبَارَ عَلَيْهَا
أَوْ عَلَى التُّرَابِ ثُمَّ نَفَخَ فيه حتى زال التراب
كُلَّهُ فَمَسَحَ بِهِ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ صَحَّ تَيَمُّمُهُ،
وَقَالُوا: الصَّعِيدُ وَجْهُ الأرض:
ع «624» لِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» .
وَهَذَا مُجْمَلٌ، وَحَدِيثُ حُذَيْفَةَ فِي تَخْصِيصِ
التُّرَابِ مُفَسَّرٌ وَالْمُفَسَّرُ مِنَ الْحَدِيثِ يَقْضِي
عَلَى الْمُجْمَلِ، وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ بِكُلِّ مَا هُوَ
مُتَّصِلٌ بِالْأَرْضِ مِنْ شَجَرٍ وَنَبَاتٍ، وَنَحْوَهُمَا
وَقَالَ: إِنَّ الصَّعِيدَ اسْمٌ لِمَا تَصَاعَدَ
__________
623- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، غير عبيد بن إسماعيل
حيث تفرد عنه البخاري، أبو أسامة هو حماد بن أسامة، هشام هو
ابن عروة بن الزبير.
خرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (3773) عن عبيد
بن إسماعيل بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 336 و4583 و164 و5882 ومسلم 367 ح 109 وأبو
داود 317 والنسائي 1/ 172 وابن ماجه 568 والحميدي 165 وابن
حبان 1709 وأبو عوانة 1/ 303 والطبري 9640 والبيهقي 1/ 214 من
طريق هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ به، وانظر الحديث
المتقدم.
624- ع صحيح. هو بعض من حديث أخرجه البخاري 335 و438 و3122
ومسلم 521 والنسائي 1/ 209 و211 وابن أبي شيبة 11/ 432 وأحمد
3/ 304 والدارمي 1/ 322- 323 وابن حبان 6398 والبيهقي 1/ 212
و2/ 329 و433 و6/ 291 و9/ 4 والبغوي في «شرح السنة» (3510) من
طرق عن هشيم بن بشير، عن سيّار، عن يزيد الفقير، عن جابر
مرفوعا وصدره «أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي....» .
(1) سقط من المخطوط. [.....]
(2) هو بعض الحديث المتقدم برقم: 610.
(3) في المطبوع «يديه» .
(1/636)
عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَالْقَصْدُ إِلَى
التُّرَابِ، شَرْطٌ لِصِحَّةِ التَّيَمُّمِ، لِأَنَّ اللَّهَ
تَعَالَى قَالَ: فَتَيَمَّمُوا، وَالتَّيَمُّمُ:
[هو] [1] الْقَصْدُ، حَتَّى لَوْ وَقَفَ فِي مَهَبِّ الرِّيحِ
فَأَصَابَ الْغُبَارُ وَجْهَهُ وَنَوى لَمْ يَصِحَّ. قَوْلُهُ
تَعَالَى:
فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ
عَفُوًّا غَفُوراً، اعْلَمْ أَنَّ مَسْحَ الْوَجْهِ
وَالْيَدَيْنِ وَاجِبٌ فِي التَّيَمُّمِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّتِهِ فَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ
الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُ يَمْسَحُ الْوَجْهَ وَالْيَدَيْنِ
مَعَ الْمَرْفِقَيْنِ، بِضَرْبَتَيْنِ يَضْرِبُ كَفَّيْهِ
عَلَى التُّرَابِ فيمسح بهما جَمِيعَ وَجْهِهِ، وَلَا يَجِبُ
إِيصَالُ التُّرَابِ إِلَى مَا تَحْتَ الشُّعُورِ، ثُمَّ
يَضْرِبُ ضَرْبَةً أُخْرَى فَيَمْسَحُ يَدَيْهِ إِلَى
الْمَرْفَقَيْنِ، لِمَا:
«625» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْخَطِيبُ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ
أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا
الشَّافِعِيُّ أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي
الحويرث عن الأعرج عن ابن [2] الصِّمَّةِ قَالَ:
مَرَرْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمَتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ
حَتَّى قَامَ إِلَى جِدَارٍ فَحَتَهُ بِعَصًا كَانَتْ مَعَهُ،
ثُمَّ وضع يده [3] عَلَى الْجِدَارِ فَمَسَحَ وَجْهَهُ
وَذِرَاعَيْهِ ثُمَّ رَدَّ عَلَيَّ.
فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ مَسْحِ الْيَدَيْنِ إِلَى
الْمَرْفَقَيْنِ كَمَا يَجِبُ غَسْلُهُمَا فِي الْوُضُوءِ
إِلَى الْمَرْفَقَيْنِ، وَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ
لَا يَصِحُّ مَا لَمْ يَعْلَقْ بِالْيَدِ غُبَارُ التُّرَابِ،
لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّ
الْجِدَارَ بِالْعَصَا [4] ، وَلَوْ كَانَ مُجَرَّدُ الضَّرْبِ
كَافِيًا [لَمَا كَانَ حَتَّهُ] [5] ، وَذَهَبَ الزُّهْرِيُّ
إِلَى أَنَّهُ يَمْسَحُ الْيَدَيْنِ إِلَى الْمِنْكَبَيْنِ،
لِمَا رُوِيَ عَنْ عَمَّارٍ أَنَّهُ
__________
625- ضعيف. إسناده ضعيف جدا، إبراهيم بن محمد هو ابن أبي يحيى،
وهو متروك متهم، وأبو الحويرث واسمه عبد الرحمن بن معاوية
ضعيف، الأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز، ابن الصمة هو الحارث، وهو
منقطع بين الأعرج وابن الصمة.
- وهو في «شرح السنة» (311) بهذا الإسناد.
- وأخرجه المصنف من طريق الشافعي وهو في «مسنده» (1/ 44) عن
إبراهيم بن محمد بهذا الإسناد. ومن طريقه البيهقي 1/ 205 وقال:
وهذا شاهد لرواية أبي صالح كاتب الليث إلا أن هذا منقطع عبد
الرحمن بن هرمز الأعرج لم يسمع من ابن الصمة إنما سمعه من عمير
مولى ابن عباس، عن ابن الصمة. وإبراهيم بن محمد بن أبي يحيى
الأسلمي وأبو الحويرث عبد الرحمن بن معاوية قال: قد اختلف
الحفاظ في عدالتهما إلا أن لروايتهما بذكر الذراعين فيه شاهد
من حديث ابن عمر اهـ. كذا قال رحمه الله! مع أن إبراهيم
الأسلمي كذبه علي المديني ويحيى بن سعيد وابن معين وغيرهم.
- ورواية عمير مولى ابن عباس عن ابن الصمة التي أشار إليها
البيهقي هي عنده وعند البخاري 337 وأبو داود 329 والنسائي 1/
165 وابن حبان 805 ولم يذكروا أن ابن الصمة هو الذي سلّم عَلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم وإنما هو رجل آخر.
وليس فيه أيضا ذكر الذراعين. وورد ذكر الذراعين في حديث ابن
عمر، أخرجه أبو داود 330 وضعفه بقوله: سمعت أحمد بن حنبل يقول:
روى محمد بن ثابت حديثا منكرا في التيمم، قال أبو داود، لم
يتابع بذكره «ضربتين» قلت:
محمد بن ثابت ضعيف.
وقد ورد من وجه آخر بدون ذكر الذراعين والضربتين، من حديث ابن
عمر أخرجه أبو داود 331 وأبو عوانة 1/ 215 وابن حبان 1316
والدارقطني 1/ 177 والبيهقي 1/ 206 من طرق عن عبد الله بن
يحيى، عن حيوة بن شريح، عن يزيد بن الهاد، عن نافع عنه وإسناده
صحيح على شرط البخاري.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) في الأصل «أبي» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب الحديث.
(3) في المطبوع «يديه» .
(4) انظر الحديث المتقدم.
(5) العبارة في المخطوط و «شرح السنة» ، «لكان لا يحته»
والمثبت عن المطبوع وط، وهو أجمل سياقا.
(1/637)
قَالَ: تَيَمَّمْنَا إِلَى الْمَنَاكِبِ.
وَذَلِكَ حكاية فعله ولم يَنْقُلْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ: أَجْنَبْتُ فَتَمَعَّكْتُ فِي
التُّرَابِ، فَلَمَّا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه
وسلّم [و] [1] أمره بالوجه والكفين [2] [انتهى إليه] [3] .
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ ضَرْبَةٌ
وَاحِدَةٌ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ
وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَبِهِ قَالَ
الشَّعْبِيُّ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَمَكْحُولٌ،
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ،
وَاحْتَجُّوا بِمَا:
«626» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا آدَمُ
أَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنَا الْحَكَمُ عَنْ ذَرٍّ عَنْ سَعِيدِ
بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبَزَى عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ فَقَالَ: إِنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أُصِبِ الْمَاءَ،
فَقَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ:
أَمَّا تَذْكُرُ أَنَّا كُنَّا فِي سَفَرٍ أَنَا وَأَنْتَ
فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ
[4] فصليت فذكرت لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم:
«إنّما يَكْفِيكَ هَكَذَا، فَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَفَّيْهِ الْأَرْضَ ونفخ فيهما، ثم مسح
وجهه وكفيه» .
ع «627» وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ كَثِيرٍ عَنْ شُعْبَةَ بإسناده [وقال: قال] [5] عمار لعمر
رضي الله
__________
626- إسناده على شرط البخاري ومسلم، آدم هو ابن مسلم، شعبة هو
ابن الحجاج، الحكم هو ابن عتيبة، ذرّ هو ابن عبد الله
الهمداني، ابن أبزى- بألف مقصورة-.
- وهو في «شرح السنة» (309) بهذا الإسناد.
- خرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (338) عن آدم
بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 339- 343 ومسلم 368 ح 112 و113 وأبو داود 326
والنسائي 1/ 169 و170 وابن ماجه 569 والطيالسي 1/ 63 وأحمد 4/
265 و320 وأبو عوانة 1/ 306 والطحاوي في «المعاني» (1/ 112)
والدارقطني 1/ 183 وابن الجارود 125 والبيهقي 1/ 209 و214 و216
من طرق عن شعبة به. وبعضهم رواه مختصرا.
- وأخرجه أبو داود 224 و225 والنسائي 1/ 170 والطيالسي 1/ 63
وأحمد 2/ 265 والبيهقي 1/ 210 من طريق شعبة، عن سلمة بن كهيل،
عن ذر به.
- وأخرجه أبو داود 322 والنسائي 1/ 168 والطحاوي 1/ 113
والبيهقي 1/ 210 من طريق أبي مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ أبزى به.
- وأخرجه أبو داود 323 وابن أبي شيبة 1/ 159 وأبو عوانة 1/ 305
وابن خزيمة 269 والطحاوي 1/ 112 والدارقطني من طرق عن الأعمش،
عن سلمة بن كهيل، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عن
أبيه به.
627- ع صحيح. أخرجه البخاري 341 عن محمد بن كثير به وحديث
عمار، ورد من طرق كثيرة انظر التعليق على الحديث المتقدم.
وحديث عمار ورد من طرق كثيرة وقد أخرجه أيضا البخاري 347 ومسلم
368 ح 110 وأبو داود 321 والنسائي 1/ 170 وابن أبي شيبة 1/ 158
و159 وأحمد 2/ 396 و264 وابن حبان 1304 و1305 والدارقطني 1/
179 و180 من طريق الأعمش، عن شقيق بن سلمة قال: كنت جالسا مع
عبد الله وأبي موسى فقال أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن الرجل
يجنب، فلا يجد الماء أيصلي؟ فقال: لا، فقال: أما تذكر قول
عمّار لعمر:..... فذكره.
(1) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة» .
(2) انظر الحديث الآتي وما بعده.
(3) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة» .
(4) تصحف في مواضع عدة من المطبوع «تكعمت» . [.....]
(5) العبارة في المطبوع «فقال» .
(1/638)
عَنْهُ: تَمَعَّكْتُ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَكْفِيكَ
الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ» .
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجُنُبَ إِذَا لَمْ
يَجِدِ الْمَاءَ يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ، وَكَذَا الْحَائِضُ
وَالنُّفَسَاءُ إِذَا طَهُرَتَا وَعَدِمَتَا الْمَاءَ.
وَذَهَبَ عُمَرُ وَابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
إِلَى أَنَّ الْجُنُبَ لَا يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ بَلْ
يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ إِلَى أَنْ يَجِدَ الْمَاءَ
فَيَغْتَسِلَ، وَحَمَلَا قَوْلَهُ تَعَالَى: أَوْ لامَسْتُمُ
النِّساءَ عَلَى اللَّمْسِ بِالْيَدِ دُونَ الْجِمَاعِ،
وَحَدِيثُ عَمَّارٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حُجَّةٌ، وَكَانَ
عمر نسي ما ذكره [1] لَهُ عَمَّارٌ فَلَمْ يَقْنَعُ
بِقَوْلِهِ. وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ وَجَوَّزَ التَّيَمُّمَ
لِلْجُنُبِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا:
«628» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْخَطِيبُ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ أَحْمَدَ الْخَلَّالِ
أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا
الشَّافِعِيُّ أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ محمد عن عباد [2] بْنِ
مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ عَنْ عِمْرَانَ
بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ رَجُلًا كَانَ
جُنُبًا أَنْ يَتَيَمَّمَ ثُمَّ يُصَلِّي فَإِذَا وَجَدَ
الْمَاءَ اغْتَسَلَ.
«629» وَأَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَا
أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو
عَلِيٍّ اللُّؤْلُؤِيُّ أَنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ
أَنَا مُسَدَّدٌ أَنَا خَالِدٌ الْوَاسِطِيُّ عَنْ خَالِدٍ
الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي عمرو بن بَجْدَانَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ
رَضِيَ الله عنه قَالَ:
اجْتَمَعَتْ غَنِيمَةٌ مِنَ الصَّدَقَةِ عِنْدَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم فقال: يا أباذر ابدأ فيها
فبدوت إلى الربذة فكانت تُصِيبُنِي الْجَنَابَةُ فَأَمْكُثُ
الْخَمْسَ وَالسِّتَّ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عليه وسلّم فقال: [أباذر، فسكت، فقال: «ثكلتك أمك يا
أباذر لأمك الويل» ، فدعا بجارية سوداء فجاءت بعس فيه ماء
فسترتني بثوب واستترت بالراحلة فاغتسلت فكأني ألقيت عني جبلا،
فَقَالَ:] [3] «الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وُضُوءُ الْمُسْلِمِ
وَلَوْ إِلَى عَشْرِ سِنِينَ، فَإِذَا وَجَدْتَ الْمَاءَ
فَأَمِسَّهُ جِلْدَكَ فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ» .
وَمَسْحُ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ فِي التَّيَمُّمِ، تَارَةً
يَكُونُ بَدَلًا عن غَسْلِ [جَمِيعِ الْبَدَنِ فِي حَقِّ
الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْمَيِّتِ وَتَارَةً
عن غسل الأعضاء الأربعة في حق المحدث وتارة بَدَلًا عَنْ
غَسْلِ] [4] بَعْضِ أَعْضَاءِ
__________
628- إسناده ضعيف جدا لأجل إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى، فقد
كذبه علي المديني ويحيى بن سعيد وابن معين وغيرهم، ووثقه
الشافعي وحده، وقد تفرد في هذا المتن بزيادة، «فإذا وجد الماء
اغتسل» .
- وهو في «شرح السنة» (310) بهذا الإسناد.
- وخرجه المصنف من طريق الشافعي وهو في «مسنده» (1/ 43- 44) عن
إبراهيم بن محمد بهذا الإسناد.
- وورد بدون عجزه، وهو «فإذا وجد الماء اغتسل» أخرجه البخاري
348 من طريق عوف، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ، عَنْ
عمران بن حصين «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه
وسلّم رأى رجلا معتزلا لم يصل في القوم فقال: يا فلان ما منعك
أن تصلي في القوم؟
فقال: يا رسول الله أصابتني جنابة ولا ماء. قال: عليك بالصعيد
فإنه يكفيك» .
- وهو في أثناء حديث أخرجه البخاري 344 و348 ومسلم 682
والنسائي 1/ 171 وعبد الرزاق 20537 وابن أبي شيبة 1/ 156 وأحمد
4/ 434 و435 وابن حبان 1301 و1302 وأبو عوانة 1/ 307 و2/ 256
والدارقطني 1/ 202 والبيهقي 1/ 218 عَنْ عِمْرَانَ بْنِ
حُصَيْنٍ مَرْفُوعًا.
629- عجزه صحيح. إسناده ضعيف، عمرو بن بجدان، مجهول الحال كما
في «التقريب» و «الميزان» ، مسدد هو ابن مسرهد، خَالِدٌ هُوَ
ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ، خالد الحذاء هو ابن مهران، أبو قلابة هو
عبد الله بن زيد، وتقدم الحديث برقم 614.
(1) في المطبوع «ذكر» .
(2) في الأصل «بن عياد» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب التخريج.
(3) زيد في المطبوع وحده، وهو في بعض كتب الحديث مثل «صحيح ابن
حبان» (1311 و1312 و1313) وتقدم تخريجه.
(4) زيادة عن المخطوط وط.
(1/639)
أَلَمْ تَرَ إِلَى
الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ
الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (44)
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ
وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا (45) مِنَ الَّذِينَ
هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ
سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا
لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ
أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ
وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ
لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا
قَلِيلًا (46) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ
آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ
قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى
أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ
السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (47)
الطَّهَارَةِ بِأَنْ يَكُونَ عَلَى بَعْضِ
أَعْضَاءِ طَهَارَتِهِ جِرَاحَةٌ لَا يُمْكِنْهُ غَسْلَ
مَحَلِّهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ بَدَلًا عَنْ
غَسْلِهِ، وَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ لِصَلَاةِ الْوَقْتِ
إِلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ
بَيْنَ فَرِيضَتَيْنِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ اللَّهَ
تَعَالَى قَالَ: إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا
وُجُوهَكُمْ [المائدة: 6] إِلَى أَنْ قَالَ: فَلَمْ تَجِدُوا
ماءً فَتَيَمَّمُوا، ظَاهِرُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ
الْوُضُوءِ أَوِ التَّيَمُّمِ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ
عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، إِلَّا أَنَّ الدَّلِيلَ قَدْ قَامَ في
الوضوء:
ع «630» فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
صَلَّى يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ الصَّلَوَاتِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ.
فَبَقِيَ التَّيَمُّمُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَهَذَا قَوْلُ
عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ، وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ
وَقَتَادَةُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ
وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ
التَّيَمُّمَ كَالطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ
عَلَى وَقْتِ الصَّلَاةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ مَا
شَاءَ مِنَ الْفَرَائِضِ مَا لَمْ يُحْدِثْ، وَهُوَ قَوْلُ
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنِ وَالزُّهْرِيِّ
وَالثَّوْرِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى
أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ مَعَ
الْفَرِيضَةِ مَا شَاءَ مِنَ النَّوَافِلِ قَبْلَ الْفَرِيضَةِ
وَبَعْدَهَا، وَأَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ إِنْ كَانَ جُنُبًا،
وَإِنْ كَانَ تَيَمُّمُهُ بِعُذْرِ السَّفَرِ وَعَدَمِ
الْمَاءِ فَيُشْتَرَطُ طَلَبُ الْمَاءِ وَهُوَ أن يطلبه في
رحله ومن رفقائه، وإن كان في صحراء ولا حَائِلَ دُونَ نَظَرِهِ
[1] يَنْظُرُ حَوَالَيْهِ، وَإِنْ كَانَ دُونَ نَظَرِهِ
حَائِلٌ قَرِيبٌ مِنْ تَلٍّ أَوْ جِدَارٍ عَدَلَ عَنْهُ
لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ:
فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا، ولا يقال: لم يجد إِلَّا
لِمَنْ طَلَبَ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ طَلَبُ الْمَاءِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَإِنْ رَأَى الْمَاءَ
وَلَكِنْ [2] بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ حَائِلٌ مِنْ عَدُوٍّ
أَوْ سَبْعٍ يَمْنَعُهُ مِنَ الذَّهَابِ إِلَيْهِ أَوْ كان
الماء في بئر وَلَيْسَ مَعَهُ آلَةُ الِاسْتِقَاءِ، فَهُوَ
كَالْمَعْدُومِ [3] يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ وَلَا إِعَادَةَ
عليه.
[سورة النساء (4) : آية 44]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ
يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا
السَّبِيلَ (44)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا
نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ، يَعْنِي: يَهُودَ الْمَدِينَةِ،
قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: نَزَلَتْ فِي
رِفَاعَةَ بْنِ زَيْدٍ ومالك بن دخشم، كانا إِذَا تَكَلَّمَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم لويا لسانهما
وَعَابَاهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ،
يَشْتَرُونَ، يَسْتَبْدِلُونَ، الضَّلالَةَ، يَعْنِي:
بِالْهُدَى، وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ أَيْ:
عَنِ السَّبِيلِ يَا مَعْشَرَ المؤمنين.
[سورة النساء (4) : الآيات 45 الى 47]
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا
وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً (45) مِنَ الَّذِينَ هادُوا
يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا
وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا
بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ
قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ
خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ
بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (46) يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا
مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً
فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا
أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً (47)
__________
630- ع صحيح. أخرجه مسلم 277 وأبو داود 172 والترمذي 61
والنسائي 1/ 16 وابن ماجه 510 والطيالسي 1/ 54 وأحمد 5/ 350
و351 و358 والدارمي 1/ 169 وابن حبان 1706- 1708 وأبو عوانة 1/
237 والطحاوي في «المعاني» (1/ 41) والبيهقي 1/ 162 والبغوي في
«شرح السنة» (231) من طرق عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ،
عَنْ أبيه مرفوعا.
وانظر الحديث الآتي برقم: 743.
(1) في المطبوع «نظر» .
(2) في المطبوع «ولكنه» .
(3) في المخطوط «كالعادم» .
(1/640)
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ،
مِنْكُمْ، فَلَا تَسْتَنْصِحُوهُمْ فَإِنَّهُمْ أَعْدَاؤُكُمْ،
وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً، [قَالَ
الزَّجَّاجُ: [مَعْنَاهُ] [1] اكْتَفُوا بِاللَّهِ وَلِيًّا
وَاكْتَفُوا بِاللَّهِ نَصِيرًا] [2] .
مِنَ الَّذِينَ هادُوا، قِيلَ: هِيَ مُتَّصِلَةٌ بُقُولِهِ:
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ
مِنَ الَّذِينَ هادُوا وَقِيلَ: هِيَ مُسْتَأْنَفَةٌ،
مَعْنَاهُ: مِنَ الَّذِينَ هَادُوا مَنْ يُحَرِّفُونَ،
كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ
مَعْلُومٌ (164) [الصَّافَّاتِ: 164] أَيْ: مَنْ لَهُ مَقَامٌ
مَعْلُومٌ [3] يُرِيدُ: فَرِيقٌ، يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ،
يُغَيِّروُنَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ، يَعْنِي: صِفَةَ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ ابْنِ
عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: كان الْيَهُودُ يَأْتُونَ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَيَسْأَلُونَهُ عَنِ الْأَمْرِ فَيُخْبِرُهُمْ فَيَرَى
أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ بِقَوْلِهِ فَإِذَا انْصَرَفُوا مِنْ
عِنْدِهِ حَرَّفُوا كَلَامَهُ.
وَيَقُولُونَ سَمِعْنا قَوْلَكَ، وَعَصَيْنا، أَمْرَكَ،
وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ أَيْ: اسْمَعْ مِنَّا وَلَا
نَسْمَعُ مِنْكَ، غَيْرَ مُسْمَعٍ أَيْ: غَيْرَ مَقْبُولٍ
مِنْكَ.
وَقِيلَ: كَانُوا يَقُولُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْمَعْ ثُمَّ يَقُولُونَ فِي
أَنْفُسِهِمْ: لَا سَمِعْتَ، وَراعِنا أَيْ:
وَيَقُولُونَ رَاعِنَا يُرِيدُونَ بِهِ النِّسْبَةَ إِلَى
الرُّعُونَةِ، لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ، تَحْرِيفًا،
وَطَعْناً، قدحا فِي الدِّينِ، لأن قولهم: راعنا مِنَ
الْمُرَاعَاةِ، وَهُمْ يُحَرِّفُونَهُ، يُرِيدُونَ بِهِ
الرُّعُونَةَ، وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا
وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا، أَيِ: انْظُرْ إِلَيْنَا مَكَانَ
قَوْلِهِمْ رَاعِنَا، لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ، أَيْ
أَعْدَلَ وَأَصْوَبَ، وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ
فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا إِلَّا نَفَرًا قَلِيلًا
مِنْهُمْ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ وَمَنْ أسلم معه
منهم.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتابَ، يُخَاطِبُ الْيَهُودَ، آمِنُوا بِما نَزَّلْنا،
[يَعْنِي:
الْقُرْآنَ] [4] ، مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ، يَعْنِي:
التَّوْرَاةَ.
ع «631» وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَلَّمَ أَحْبَارَ الْيَهُودِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ
صُورِيَّا وَكَعْبَ بن أسد [5] ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ
الْيَهُودِ اتَّقُوا الله وأسلموا فو الله إِنَّكُمْ
لِتَعْلَمُونِ أَنَّ الَّذِي جِئْتُكُمْ بِهِ لَحَقٌّ» ،
قَالُوا: مَا نَعْرِفُ ذَلِكَ، وَأَصَرُّوا عَلَى الْكُفْرِ،
فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ
وُجُوهاً.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَجْعَلُهَا كَخُفِّ الْبَعِيرِ،
وَقَالَ قَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ: نُعْمِيهَا، وَالْمُرَادُ
بِالْوَجْهِ الْعَيْنُ، فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها، أَيْ:
نَطْمِسُ الوجوه فنردها عَلَى الْقَفَا، وَقِيلَ: نَجْعَلُ
الْوُجُوهَ مَنَابِتَ الشَّعْرِ كَوُجُوهِ الْقِرَدَةِ،
لِأَنَّ منابت شعور الآدميين في أدبار [6] وُجُوهِهِمْ،
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ نَمْحُو آثَارَهَا وما فيها من
__________
631- ع أخرجه الطبري 9729 والبيهقي في «الدلائل» (1/ 533- 534)
من حديث ابن عباس، وفي إسناده محمد بن أبي محمد مولى زيد بن
ثابت، وهو مجهول وأصله في «صحيح البخاري» (3911) من حديث أنس
دون ذكر نزول الآية.
(1) زيادة عن- ط.
(2) زيادة عن المخطوط وط. [.....]
(3) في المطبوع وحده «منزله معلومة» والمثبت عن المخطوط وط.
(4) سقط من المخطوط.
(5) في المطبوع «الأشرف» والمثبت عن الطبري 9729 والمخطوط
أيضا.
(6) زيد في المطبوع وط «هم دون» .
(1/641)
إِنَّ اللَّهَ لَا
يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ
لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى
إِثْمًا عَظِيمًا (48)
أنف وعين وفم وحاجب ونجعلها كَالْأَقْفَاءِ
[1] ، وَقِيلَ: نَجْعَلُ عَيْنَيْهِ عَلَى القفاء فيمشي
القهقرى [2] .
ع «632» رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا سَمِعَ هَذِهِ الْآيَةَ جَاءَ إِلَى
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ
يَأْتِيَ أَهْلَهُ وَيَدَهُ عَلَى وَجْهِهِ، وَأَسْلَمَ
وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كُنْتُ أَرَى أَنْ أَصِلَ
إِلَيْكَ حَتَّى يَتَحَوَّلَ وَجْهِي فِي قَفَايَ.
وَكَذَلِكَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ لَمَّا سَمِعَ هَذِهِ الْآيَةَ
أَسْلَمَ فِي زَمَنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ:
يَا رَبِّ آمَنْتُ، يَا رَبِّ أَسْلَمْتُ مَخَافَةَ أَنْ
يُصِيبَهُ وَعِيدُ هَذِهِ الْآيَةِ [3] .
فإن قيل: قد أوعدهم الله بِالطَّمْسِ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا
ثُمَّ لَمْ يُؤْمِنُوا وَلَمْ يَفْعَلْ بِهِمْ ذَلِكَ؟ قِيلَ:
هَذَا الْوَعِيدُ بَاقٍ، وَيَكُونُ طَمْسٌ وَمَسْخٌ فِي
الْيَهُودِ قبل قيام الساعة، وقيل: هذا كان وعيد بِشَرْطٍ
فَلَمَّا أَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ وَأَصْحَابُهُ
دَفَعَ ذَلِكَ عَنِ الْبَاقِينَ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ في
الْقِيَامَةَ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ أَرَادَ بِقَوْلِهِ:
نَطْمِسَ وُجُوهاً أَيْ: نَتْرُكَهُمْ فِي الضَّلَالَةِ
فَيَكُونُ الْمُرَادُ طَمْسَ وَجْهِ الْقَلْبِ، وَالرَّدَّ
عَنْ بَصَائِرِ الْهُدَى عَلَى أَدْبَارِهَا فِي الْكُفْرِ
وَالضَّلَالَةِ، وَأَصْلُ الطَّمْسِ: الْمَحْوُ وَالْإِفْسَادُ
وَالتَّحْوِيلُ، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: نَمْحُو آثَارَهُمْ من
وجوههم ونواصيهم الَّتِي هُمْ بِهَا فَنَرُدُّهَا عَلَى
أدبارها حتى يعودوا إلى حيث جاؤوا منه وَهُوَ الشَّامُ،
وَقَالَ: قَدْ مَضَى ذَلِكَ وَتَأَوَّلَهُ فِي إِجْلَاءِ بَنِي
النضير إلى أذرعات وأريحا من [أرض] [4] الشَّامِ أَوْ
نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ،
فَنَجْعَلَهُمْ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ، وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ
مَفْعُولًا.
[سورة النساء (4) : آية 48]
إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا
دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ
افْتَرى إِثْماً عَظِيماً (48)
إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ:
ع 63»
قَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي وَحْشِيِّ بْنِ حَرْبٍ
وَأَصْحَابِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا قَتَلَ حَمْزَةَ كَانَ
قَدْ جُعِلَ لَهُ عَلَى قَتْلِهِ أَنْ يُعْتَقَ فَلَمْ يُوَفَّ
لَهُ بِذَلِكَ، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ نَدِمَ عَلَى
صَنِيعِهِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فَكَتَبُوا إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّا قَدْ
نَدِمْنَا عَلَى الَّذِي صَنَعْنَا وَأَنَّهُ لَيْسَ
يَمْنَعُنَا عَنِ الْإِسْلَامِ إِلَّا أَنَّا سَمِعْنَاكَ
تَقُولُ وَأَنْتَ بِمَكَّةَ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ
اللَّهِ إِلهاً آخَرَ [الفرقان: 68] ، الآيات وَقَدْ دَعَوْنَا
مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَقَتَلْنَا النَّفْسَ الَّتِي
حَرَّمَ اللَّهُ وَزَنَيْنَا، فَلَوْلَا هَذِهِ الْآيَاتُ
لَاتَّبَعْنَاكَ، فَنَزَلَتْ: إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ
وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً ... [الفرقان: 70- 71] الآيتين،
فَبَعَثَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَلَمَّا قرؤوا كَتَبُوا إِلَيْهِ: إِنَّ
هَذَا شَرْطٌ شَدِيدٌ نَخَافُ أَنْ لَا نَعْمَلَ [عَمَلًا] [5]
صَالِحًا، فَنَزَلَ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ
بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ، فَبَعَثَ
بِهَا إِلَيْهِمْ فَبَعَثُوا إِلَيْهِ: إِنَّا نَخَافُ أَنْ
لَا نَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْمَشِيئَةِ فَنَزَلَتْ: قُلْ يَا
عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا
تَقْنَطُوا
__________
632- ع لم أره مسندا. وفي الصحيح أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ
سَلَامٍ أسلم لما قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسلّم وليس فيه هذا الخبر. انظر «صحيح البخاري» رقم (3911-
حديث أنس بن مالك، وراجع أيضا «الإصابة في تمييز الصحابة» (2/
320 (4725)) .
633- ع نسبه المصنف الكلبي من قوله، وإسناده إليه أول الكتاب،
والكلبي واسمه محمد بن السائب كذاب متروك، والباطل في حديثه
هذا ذكر نزول هذه الآية فيه فإن سورة النساء نزلت قبل إسلام
وحشي بسنوات وخبر إسلام وحشي ورد بغير هذا السياق، ويأتي في
«سورة الفرقان» إن شاء الله.
(1) في المطبوع «كالقفا» .
(2) في المطبوع «قهقرى» .
(3) خبر إسلام «كعب الأحبار» أخرجه الطبري 9730 عن عيسى ابن
المغيرة قال: تذاكرنا عند إبراهيم إسلام كعب فقال:
أسلم كعب في زمان عمر.... فذكره.
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) زيادة عن المخطوط وط.
(1/642)
مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [الزَّمْرِ: 53] ،
فَبَعَثَ بِهَا إِلَيْهِمْ فَدَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ
وَرَجَعُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَبِلَ مِنْهُمْ، ثُمَّ قَالَ لِوَحْشِيٍّ:
«أَخْبَرْنِي كَيْفَ قَتَلْتَ حَمْزَةَ؟» فَلَمَّا أَخْبَرَهُ
قَالَ: «وَيْحَكَ غَيِّبْ وَجْهَكَ عَنِّي» ، فَلَحِقَ
وَحْشَيٌّ بِالشَّامِ فَكَانَ بِهَا إِلَى أَنْ مات.
ع «634» وقال مخبر عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
لَمَّا نَزَلَتْ: قُلْ يَا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى
أَنْفُسِهِمْ [الزمر:
53] ، الْآيَةَ قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: وَالشِّرْكُ يَا رَسُولَ
اللَّهِ، فَسَكَتَ ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ
ثَلَاثًا فَنَزَلَتْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ
بِهِ.
وَقَالَ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ:
قَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كُنَّا عَلَى
عَهْدِ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ عَلَى كَبِيرَةٍ شَهِدْنَا
أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ
إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا
دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ فَأَمْسَكْنَا عَنِ الشَّهَادَاتِ.
حُكِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ الله عنه أن أرجى آية في القرآن
قوله: وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ.
وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى، اخْتَلَقَ، إِثْماً
عَظِيماً:
«635» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ
أَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ أَخْبَرَنَا
حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
حَمَّادٍ أَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي
سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ:
أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْمُوجِبَتَانِ؟ قَالَ:
«مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخْلَ
الْجَنَّةَ، وَمَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخْلَ
النَّارَ» .
«636» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بن إسماعيل
__________
634- ع ضعيف. أخرجه الطبري 9735 و9736 من طريقين عن ابن أَبِي
جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عن الربيع قال: أخبرني
مخبر، عن ابن عمر ... فذكره، وإسناده ضعيف، وله علتان: جهالة
المخبر للربيع بن أنس، فهذه علة، والثانية:
ضعف أبي جعفر الرازي واسمه عيسى بن أبي عيسى.
635- صحيح، محمد بن حماد هو الطّهراني، ثقة حافظ، وقد توبع ومن
دونه، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، أبو معاوية هو محمد بن
خازم، الأعمش هو سليمان بن مهران، أبو سفيان هو طلحة بن نافع.
- وهو في «شرح السنة» (50) بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 93 وأبو عوانة 1/ 17- 18 من طريق أبي معاوية به.
- وأخرجه أبو يعلى 2278 من طريق الأعمش به.
- وأخرجه أحمد 3/ 245 من طريق ابن المبارك، عَنْ بَكْرِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ المزني، عن جابر به.
- وأخرجه مسلم 93 ح 152 من طريق أبي الزبير، عن جابر به.
636- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، أبو معمر هو المنقري،
اسمه عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أبي الحجاج، عبد الوارث
هو ابن سعيد بن ذكوان، حسين المعلم هو ابن ذكوان، أبو الأسود
الدّيلمي، ويقال الدّؤلي اسمه ظالم بن عمرو.
- وهو في «شرح السنة» (51) بهذا الإسناد.
- خرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (5827) عن أبي
معمر بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 94 ح 154 وأحمد 5/ 166 وأبو عوانة 1/ 19 وابن
مندة في «الإيمان» (87) . من طرق عن حسين المعلم به.
- أخرجه البخاري 2388 و3222 و6268 و6444 ومسلم 94 ح 33
والترمذي 2644 والنسائي في «اليوم والليلة» (1118 و1119 و1122)
والطيالسي 444 وأحمد 5/ 152 وابن حبان 169 و170 و195 وابن مندة
83 و84 و85 و86 وأبو عوانة 1/ 19 من طرق زيد بن وهب عن أبي ذر.
مطوّلا، ومختصرا. [.....]
(1/643)
أَلَمْ تَرَ إِلَى
الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ
يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (49) انْظُرْ كَيْفَ
يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا
مُبِينًا (50)
أَخْبَرَنَا أَبُو مَعْمَرٍ أَنَا عَبْدُ
الْوَارِثِ عن حسين يَعْنِي الْمُعَلِّمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ حَدَّثَهُ أَنَّ
أَبَا الْأَسْوَدِ الديلي حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ
حَدَّثَهُ قَالَ:
أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ أَبْيَضُ وَهُوَ نَائِمٌ ثُمَّ أَتَيْتُهُ
وَقَدِ اسْتَيْقَظَ، فَقَالَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ: لَا
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا
دَخَلَ الْجَنَّةَ» قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟
قَالَ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ» قُلْتُ:
وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ
سَرَقَ» قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: «وَإِنْ
زَنَى وَإِنْ سَرَقَ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ» ،
وَكَانَ أَبُو ذَرٍّ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا قَالَ: وَإِنْ رغم
أنف أبي ذر.
[سورة النساء (4) : الآيات 49 الى 50]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ
اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (49)
انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفى
بِهِ إِثْماً مُبِيناً (50)
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ
أَنْفُسَهُمْ الْآيَةَ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي
رِجَالٍ مِنَ اليهود منهم بحري بن عمر ونعمان بْنُ أَوْفَى
وَمَرْحَبُ بْنُ زَيْدٍ، أَتَوْا بِأَطْفَالِهِمْ إِلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا
مُحَمَّدُ هَلْ عَلَى هَؤُلَاءِ مِنْ ذنب؟ فقال: لا، قالوا:
وما نَحْنُ إِلَّا كَهَيْئَتِهِمْ، مَا عَمِلْنَا بِالنَّهَارِ
يُكَفَّرُ عَنَّا بِاللَّيْلِ، وَمَا عَمِلْنَا بِاللَّيْلِ
يُكَفَّرُ عَنَّا بِالنَّهَارِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى
هَذِهِ [1] الْآيَةَ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ: كَانُوا يُقَدِّمُونَ
أَطْفَالَهُمْ فِي الصَّلَاةِ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ لَا
ذُنُوبَ لَهُمْ فَتِلْكَ التَّزْكِيَةُ، وَقَالَ الْحَسَنُ
وَالضَّحَّاكُ وَقَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي
الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى حِينَ قالوا نحن أنصار اللَّهِ
وَأَحِبَّاؤُهُ، وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا
مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: هُوَ تَزْكِيَةُ بَعْضِهِمْ
لِبَعْضٍ.
رَوى [2] طَارِقُ بْنُ شِهَابٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:
إِنَّ الرَّجُلَ لَيَغْدُوَ مِنْ بَيْتِهِ وَمَعَهُ دِينُهُ
فَيَأْتِي الرَّجُلَ لَا يَمْلِكُ لَهُ وَلَا لِنَفْسِهِ
ضَرًّا وَلَا نَفْعًا فَيَقُولُ: وَاللَّهِ إِنَّكَ كَيْتَ
وَكَيْتَ!! وَيَرْجِعُ إِلَى بَيْتِهِ وَمَا مَعَهُ مِنْ
دِينِهِ شَيْءٌ، ثُمَّ قَرَأَ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ
يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ، الْآيَةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: بَلِ
اللَّهُ يُزَكِّي أَيْ: يُطَهِّرُ وَيُبَرِّئُ مِنَ الذُّنُوبِ
وَيُصْلِحُ، مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا وَهُوَ
اسْمٌ لِمَا فِي شَقِّ النَّوَاةِ، وَالْقِطْمِيرُ اسْمٌ
لِلْقِشْرَةِ الَّتِي عَلَى النَّوَاةِ، وَالنَّقِيرُ: اسْمٌ
لِلنُّقْطَةِ [3] الَّتِي عَلَى ظَهْرِ النَّوَاةِ، وَقِيلَ:
الْفَتِيلُ مِنَ الْفَتْلِ وَهُوَ مَا يحصل [4] بَيْنَ
الْأُصْبُعَيْنِ مِنَ الْوَسَخِ عِنْدَ الفتل.
قَوْلُهُ تَعَالَى: انْظُرْ، يَا مُحَمَّدُ، كَيْفَ
يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ، يَخْتَلِقُونَ عَلَى اللَّهِ،
الْكَذِبَ، فِي تَغْيِيرِهِمْ كتابه، وَكَفى بِهِ [أي] [5]
بالكذب إِثْماً مُبِيناً.
__________
(1) هذا الخبر ذكره الواحدي في «أسباب النزول» (319) عن الكلبي
بلا سند، والكلبي متهم بالكذب.
وعزاه الحافظ في «تخريج الكشاف» (1/ 520) للثعلبي عن الكلبي.
فالخبر واه بمرة.
(2) زيد في المطبوع «عن» .
(3) في المطبوع «للنقرة» .
(4) في المطبوع «يجعل» .
(5) زيادة عن المخطوط.
(1/644)
أَلَمْ تَرَ إِلَى
الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ
بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا
هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا (51)
[سورة النساء (4) : آية 51]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ
يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ
لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا
سَبِيلاً (51)
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا
نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ
وَالطَّاغُوتِ، اخْتَلَفُوا فِيهِمَا فَقَالَ عِكْرِمَةُ:
هُمَا صَنَمَانِ كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَعْبُدُونَهُمَا مِنْ
دُونِ اللَّهِ [عز وجل] [1] ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هُمَا
كَلُّ مَعْبُودٍ يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ [عَزَّ وَجَلَّ]
[2] قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ
وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل: 36] ، قال عُمَرُ:
الْجِبْتُ: السِّحْرُ، وَالطَّاغُوتُ: الشَّيْطَانُ. وَهُوَ
قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَمُجَاهِدٍ. وَقِيلَ: الْجِبْتُ:
الْأَوْثَانُ، وَالطَّاغُوتُ: شَيَاطِينُ الْأَوْثَانِ فكل
صَنَمٍ شَيْطَانٌ، يُعَبِّرُ عَنْهُ، فَيَغْتَرُّ بِهِ
النَّاسُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَمَكْحُولٌ:
الْجِبْتُ: الْكَاهِنُ، وَالطَّاغُوتُ: السَّاحِرُ. وَقَالَ
سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو الْعَالِيَةِ: الْجِبْتُ:
السَّاحِرُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ، [وَالطَّاغُوتُ:
الْكَاهِنُ. وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ: الْجِبْتُ بِلِسَانِ
الْحَبَشَةِ] : [3] شَيْطَانٌ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ:
الْجِبْتُ: حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ، وَالطَّاغُوتُ: كَعْبُ بْنُ
الْأَشْرَفِ. دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: يُرِيدُونَ أَنْ
يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ [النِّسَاءِ: 60] .
«637» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ
أَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بِشْرَانَ أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ
مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ
الرَّمَادِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ
عَوْفٍ الْعَبْدِيِّ عَنْ حَيَّانَ عَنْ قَطَنِ بْنِ قَبِيصَةَ
عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: «الْعِيَافَةُ وَالطَّرْقُ وَالطِّيرَةُ مِنَ
الْجِبْتِ» [4] .
وَقِيلَ: الْجِبْتُ كُلُّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ، وَالطَّاغُوتُ
كُلُّ مَا يُطْغِي الْإِنْسَانَ. وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ
كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا ع
«638» قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: خَرَجَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ
فِي سَبْعِينَ رَاكِبًا مِنَ الْيَهُودِ إِلَى مَكَّةَ بَعْدَ
وَقْعَةِ أُحُدٍ لِيُحَالِفُوا قُرَيْشًا عَلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَنْقُضُوا
الْعَهْدَ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَ كَعْبٌ عَلَى
أَبِي سُفْيَانَ فَأَحْسَنَ مَثْوَاهُ، وَنَزَلَتِ الْيَهُودُ
فِي دُورِ قُرَيْشٍ، فَقَالَ أَهْلُ مَكَّةَ: إِنَّكُمْ أَهْلُ
كِتَابٍ وَمُحَمَّدٌ صَاحِبُ كِتَابٍ وَلَا نَأْمَنُ أَنْ
يَكُونَ هَذَا مَكْرًا مِنْكُمْ فَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ
نَخْرُجَ مَعَكُمْ فَاسْجُدُوا لِهَذَيْنَ الصَّنَمَيْنِ
وَآمِنُوا بِهِمَا ففعلوا ذلك،
__________
637- إسناده لين، مداره على حيان بن مخارق أبي العلاء، وهو
مقبول، وباقي رجال الإسناد ثقات، معمر هو ابن راشد، عوف هو ابن
أبي جميلة، واسم أبي جميلة: بندويه، قبيصة والد قطن هو ابن
مخارق..
- وهو في «شرح السنة» (3149) بهذا الإسناد.
- خرّجه المصنف من طريق عبد الرزاق، وهو في «مصنفه» (19502) عن
عوف العبدي بهذا الإسناد. وأخرجه أبو داود 3907 والنسائي في
«الكبرى» (11108) وابن سعد في «الطبقات» (7/ 35) وأحمد 3/ 477
والطحاوي 4/ 312 وابن حبان 6131 والدولابي في «الكنى» (1/ 86)
والطبراني 18/ 941 و942 و943 و945 وأبو نعيم في «تاريخ أصبهان»
(2/ 158) والخطيب في «تاريخ بغداد» (10/ 425) والبيهقي 8/ 139
والمزي في «تهذيب الكمال» (7/ 475- 476) من طرق عوف بهذا
الإسناد.
638- ع ذكره الواحدي في «أسباب النزول» (321) نقلا عن المفسرين
بدون إسناد، وأخرجه الطبري 9791 عن ابن عباس مختصرا.
- وورد بنحوه عن عكرمة أخرجه الواحدي 320 والطبري 9794 وعن
السدي مرسلا أخرجه الطبري 9795 بنحوه، فلعل هذه الروايات تتأيد
بمجموعها، وإن لم تتحد ألفاظها والله أعلم.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيادة من المخطوط.
(3) سقط من المخطوط.
(4) العيافة: زجر الطير والتفاؤل بأسمائها وأصواتها وممرّها.
الطرق: الضرب بالحصى، وهو ضرب من التكهن.
الجبت: كُلُّ مَا عُبِدَ مِنْ دُونِ الله، وقيل: هي كلمة تقع
على الصنم والكاهن والساحر ونحو ذلك. كما في «اللسان» .
(1/645)
|