تفسير البغوي إحياء التراث

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (1)

[المجلد الثاني]

سورة المائدة
مدنية كُلُّهَا إِلَّا قَوْلَهُ: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة: 3] الآية، فإنها نزلت بعرفات، وهي مائة وَعِشْرُونَ آيَةً.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ رُوِيَ عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ قَالَ: أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ السُّورَةِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ حُكْمًا لَمْ يُنْزِلْهَا فِي غَيْرِهَا، قَوْلُهُ: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ [المائدة: 1] ، وقوله: وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا [المائدة: 3] ، وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ [الْمَائِدَةِ: 5] ، وَتَمَامُ الطُّهُورِ فِي قَوْلِهِ: إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ [المائدة: 6] ، وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ [المائدة: 38] ، لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ [المائدة: 95] الْآيَةَ، مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ (103) [المائدة: 103] ، وَقَوْلُهُ: شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ [المائدة: 106] .

[سورة المائدة (5) : آيَةً 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلاَّ مَا يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (1)
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، أَيْ: بِالْعُهُودِ، قَالَ الزَّجَّاجُ: هِيَ أَوْكَدُ الْعُهُودِ، يُقَالُ: عَاقَدْتُ فُلَانًا وَعَقَدْتُ عَلَيْهِ أَيْ: ألزمته ذلك باستئناف، وَأَصْلُهُ مِنْ عَقْدِ الشَّيْءِ بِغَيْرِهِ وَوَصْلِهِ بِهِ، كَمَا يُعْقَدُ الْحَبْلُ بِالْحَبْلِ إِذَا وُصِلَ، وَاخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْعُقُودِ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: هَذَا خِطَابٌ لِأَهْلِ الْكِتَابِ، يَعْنِي: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بِالْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَوْفُوا بِالْعُهُودِ الَّتِي عَهِدْتُهَا إِلَيْكُمْ فِي شَأْنِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ قَوْلُهُ:
وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ [آلَ عِمْرَانَ: 187] ، وَقَالَ الْآخَرُونَ: هُوَ عَامٌّ، قال قَتَادَةُ: أَرَادَ بِهَا الْحِلْفَ الَّذِي تعاقدوا عليه في الجاهلية، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: هِيَ عُهُودُ الْإِيمَانِ وَالْقُرْآنِ، وَقِيلَ: هِيَ الْعُقُودُ الَّتِي يَتَعَاقَدُهَا النَّاسُ بَيْنَهُمْ، أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ، قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ:
هِيَ الْأَنْعَامُ كُلُّهَا، وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ، وَأَرَادَ تَحْلِيلَ مَا حَرَّمَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنَ الْأَنْعَامِ.
وَرَوَى أَبُو ظَبْيَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ هِيَ الْأَجِنَّةُ، وَمِثْلُهُ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ:
هِيَ الْأَجِنَّةُ الَّتِي تُوجَدُ مَيْتَةً فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِهَا إِذَا ذُبِحَتْ أَوْ نُحِرَتْ، ذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إلى تحليله.
«738» قال الشيخ رحمه الله تعالى: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْخِرَقِيِّ فَقُلْتُ: قرىء على
__________
738- حديث جيد بمجموع طرقه وشواهده. إسناده غير قوي لأجل مجالد وهو ابن سعيد، لكن توبع، وشيخه من رجال مسلم

(2/5)


أَبِي سَهْلٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بن طرفة السجزي [1] وَأَنْتَ حَاضِرٌ، فَقِيلَ لَهُ: حَدَّثَكُمْ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ أَنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ أَنَا مُسَدَّدٌ أَنَا هُشَيْمٌ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ أَبِي الودّاك عَنْ أَبِي سَعِيدٍ [2] رَضِيَ اللَّهُ عنه قَالَ:
قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَنْحَرُ النَّاقَةَ وَنَذْبَحُ الْبَقَرَةَ وَالشَّاةَ فَنَجِدُ فِي بَطْنِهَا الْجَنِينَ، أَنُلْقِيهِ أَمْ نَأْكُلُهُ؟ فَقَالَ:
«كُلُوهُ إِنْ شِئْتُمْ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ» .
«739» وَرَوَى أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» . وَشَرَطَ بَعْضُهُمُ الْإِشْعَارَ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: ذَكَاةُ مَا فِي بَطْنِهَا فِي ذَكَاتِهَا إِذَا تَمَّ خَلْقُهُ وَنَبَتَ شَعْرُهُ، وَمِثْلُهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا يَحِلُّ أَكْلُ الْجَنِينِ إِذَا خَرَجَ مَيْتًا بَعْدَ ذَكَاةِ الْأُمِّ. وقال الكلبي: بهيمة الأنعام وحشها وهي الظباء وبقر الوحش وحمر الْوَحْشِ، سُمِّيَتْ بَهِيمَةً لِأَنَّهَا أُبْهِمَتْ عَنِ التَّمْيِيزِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهَا لَا نُطْقَ لَهَا، إِلَّا مَا يُتْلى عَلَيْكُمْ، أَيْ: مَا ذُكِرَ فِي قَوْلِهِ: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ إِلَى قَوْلِهِ: وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ [المائدة: 3] ، غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ، وَهُوَ نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ، أَيْ: لَا مُحِلِّي الصَّيْدِ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: أُحِلَّتْ لَكُمْ
__________
وللحديث شواهد. مسدّد هو ابن مسرهد، وهشيم هو ابن بشير، وأبو الودّاك هو جبر بن نوف.
وهو في «شرح السنة» 2783 بهذا الإسناد.
وهو في «سنن أبي داود» 2827 عن مسدد بهذا الإسناد.
وأخرجه الترمذي 1476 وابن ماجه 900 وعبد الرزاق 8650 وأحمد (3/ 31 و53) وأبو يعلى 992 وابن الجارود 900 والدارقطني (4/ 272 و273 و274) والبيهقي (9/ 335) من طرق عن مجالد به.
وأخرجه أحمد (3/ 39) وابن حبان 5889 والدارقطني (4/ 274) والبيهقي (9/ 335) من طرق أبي عبيدة الحداد عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي الودّاك به.
وانظر الحديث الآتي.
(1) وقع في الأصل «الشجري» والتصويب من «شرح السنة» .
(2) وقع في الأصل «أبي مسعود» والتصويب من «شرح السنة» ومصادر التخريج.
739- حسن صحيح. أخرجه أبو داود 2828 والدارمي (2/ 84) والدارقطني (4/ 273) والبيهقي (9/ 334، 335) من طريق أبي الزبير عن جابر به.
وأخرجه الحاكم (4/ 114) من طريق زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي الزبير به، وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وقال الحافظ في «تلخيص الحبير» (4/ 157) : ولو صح الطريق إلى زهير، لكان على شرط مسلم، إلا أن راويه عنه استنكر أبو داود حديثه اهـ.
وله شواهد منها حديث أبي أمامة وأبي الدرداء أخرجه الطبري في «الكبير» 7498 والبزار 1226 وذكره الهيثمي في «المجمع» 6046 وقال: وفيه بشر بن عمارة، وقد وثق، وفيه ضعف اهـ.
وقال الحافظ في «التلخيص» (4/ 157) : فيه ضعف وانقطاع اهـ.
وحديث ابن عمر أخرجه الطبراني في «الأوسط» 7852 و8230 و9449 وفي إسناده ابن إسحاق، وهو ثقة، ولكنه مدلس، وبقية رجال «الأوسط» ثقات كذا قال الهيثمي في «المجمع» 6048.
وحديث كعب بن مالك عند الطبراني في «الكبير» (19/ 78) و «الأوسط» 3723 وفيه إسماعيل بن مسلم، وهو ضعيف.
وحديث أبي أيوب عند الطبراني في «الكبير» 4010 وفيه محمد بن أبي ليلى، وهو سيّئ الحفظ، ولكنه ثقة، قاله الهيثمي 6050. فالحديث جيد بمجموع طرقه وشواهده.
وانظر الحديث المتقدم.

(2/6)


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)

بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ كُلُّهَا إِلَّا مَا كَانَ مِنْهَا وَحْشِيًّا، فَإِنَّهُ صَيْدٌ لَا يَحِلُ لَكُمْ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ، فَذَلِكَ [1] قَوْلُهُ تَعَالَى:
وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ.

[سورة المائدة (5) : آية 2]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (2)
. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ.
«740» نَزَلَتْ فِي الْحُطَمِ وَاسْمُهُ شُرَيْحُ بْنُ ضُبَيْعَةَ الْبَكْرِيُّ، أَتَى الْمَدِينَةَ وَخَلَّفَ خَيْلَهُ [2] خَارِجَ الْمَدِينَةِ، وَدَخَلَ وَحْدَهُ عَلَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له: إلام تدعو الناس؟ فقال له: «إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، [وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ] [3] ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ» ، فَقَالَ: حَسَنٌ، إِلَّا أَنَّ لِي أُمَرَاءَ لَا أَقْطَعُ أَمْرًا دُونَهُمْ، ولعلّي أسلم وآتي بهم، وقد كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: «يَدْخُلُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ مِنْ رَبِيعَةَ يَتَكَلَّمُ بِلِسَانِ شَيْطَانٍ» ، ثُمَّ خَرَجَ شُرَيْحٌ مِنْ عِنْدِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ دَخَلَ بِوَجْهِ كَافِرٍ وَخَرَجَ بِقَفَا غَادِرٍ وَمَا الرَّجُلُ بِمُسْلِمٍ» ، فَمَرَّ بِسَرْحِ [4] الْمَدِينَةِ فَاسْتَاقَهُ وَانْطَلَقَ، فَاتَّبَعُوهُ فَلَمْ يُدْرِكُوهُ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْقَابِلُ خَرَجَ حَاجًّا فِي حُجَّاجِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ مِنَ الْيَمَامَةِ وَمَعَهُ تجارة عظيمة، وقد قلّدوا الْهَدْيَ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا الْحُطَمُ قَدْ خَرَجَ حَاجًّا فَخَلِّ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ [قَدْ] [5] قَلَّدَ الْهَدْيَ» ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا شَيْءٌ كُنَّا نَفْعَلُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَبَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ.
قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَمُجَاهِدٌ: هِيَ مَنَاسِكُ الْحَجِّ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَحُجُّونَ وَيُهْدُونَ، فَأَرَادَ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يُغِيرُوا عَلَيْهِمْ فَنَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: شَعَائِرُ اللَّهِ هِيَ الْهَدَايَا الْمُشْعَرَةُ، وَالْإِشْعَارُ مِنَ الشِّعَارِ، وَهِيَ الْعَلَامَةُ، وَإِشْعَارُهَا: إِعْلَامُهَا بِمَا يُعْرَفُ أَنَّهَا هَدْيٌ، وَالْإِشْعَارُ هَاهُنَا: أَنْ يَطْعَنَ فِي صَفْحَةِ سَنَامِ [6] الْبَعِيرِ بِحَدِيدَةٍ حَتَّى يَسِيلَ الدَّمُ، فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَامَةً أَنَّهَا هَدْيٌ، وَهِيَ سُنَّةٌ فِي الْهَدَايَا إِذَا كَانَتْ مِنَ الْإِبِلِ، لِمَا:
«741» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا محمد بن يوسف ثنا
__________
740- ذكره الواحدي في «أسباب النزول» 379 عن ابن عباس بدون إسناد، وورد عن السدي مرسلا بنحوه أخرجه الطبري 10961 وأخرجه بنحوه من مرسل عكرمة برقم 10962 وكرره من مرسل ابن جريج، فهذه الروايات تتأيد بمجموعها.
741- إسناده على شرط البخاري ومسلم، أبو نعيم هو الفضل بن دكين، أفلح هو ابن حميد بن نافع، القاسم هو ابن محمد بن أبي بكر الصديق.
وهو في «شرح السنة» 1883 بهذا الإسناد.
وهو في «صحيح البخاري» 1696 عن أبي نعيم بهذا الإسناد.
(1) تصحف في المطبوع «فلذلك» . [.....]
(2) كذا في المطبوع وط و «أسباب النزول» ، وفي المخطوط «رحله» .
(3) زيد في المطبوع وط، وليس في المخطوط و «أسباب النزول» .
(4) السرح: المال السائم.
(5) زيادة عن المخطوط وط.
(6) تصحف في المطبوع «سنان» .

(2/7)


مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ أَنَا أَفْلَحُ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: فَتَلْتُ قَلَائِدَ بُدْنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي، ثُمَّ قَلَّدَهَا وَأَشْعَرَهَا وَأَهْدَاهَا، فَمَا حُرِّمَ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ أُحِلَّ لَهُ.
وَقَاسَ الشَّافِعِيُّ الْبَقَرَ عَلَى الْإِبِلِ فِي الْإِشْعَارِ، وَأَمَّا الْغَنَمُ فَلَا تُشْعَرُ بِالْجَرْحِ، فَإِنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ الْجَرْحَ لِضَعْفِهَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يُشْعَرُ الْهَدْيُ.
وَقَالَ عَطِيَّةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وهي أَنْ تَصِيدَ وَأَنْتَ مُحْرِمٌ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا، وَقَالَ السُّدِّيُّ: أَرَادَ حَرَمَ اللَّهِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنْهُ النَّهْيُ عَنِ الْقَتْلِ فِي الْحَرَمِ.
وَقَالَ عَطَاءٌ: شَعَائِرُ اللَّهِ حُرُمَاتُ اللَّهِ وَاجْتِنَابُ سَخَطِهِ وَاتِّبَاعُ طَاعَتِهِ، قَوْلُهُ: وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ، أَيْ: بِالْقِتَالِ فِيهِ، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: هُوَ النَّسِيءُ، وذلك أنهم كانوا يحلّونه عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا، وَلَا الْهَدْيَ، [و] هو كُلُّ مَا يُهْدَى إِلَى بَيْتِ اللَّهِ مِنْ بَعِيرٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ شَاةٍ، وَلَا الْقَلائِدَ، أَيِ: الْهَدَايَا الْمُقَلَّدَةُ، يُرِيدُ ذَوَاتَ الْقَلَائِدِ، وَقَالَ عَطَاءٌ: أَرَادَ أَصْحَابَ الْقَلَائِدِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا أَرَادُوا الْخُرُوجَ مِنَ الْحَرَمِ قَلَّدُوا أَنْفُسَهُمْ وَإِبِلَهُمْ بِشَيْءٍ مِنْ لِحَاءِ شَجَرِ الْحَرَمِ كَيْلَا يُتَعَرَّضَ لَهُمْ، فَنَهَى الشَّرْعُ عَنِ اسْتِحْلَالِ شَيْءٍ مِنْهَا.
وَقَالَ مُطَرِّفُ بْنُ الشِّخِّيرِ: هِيَ الْقَلَائِدُ نَفْسُهَا وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَأْخُذُونَ مِنْ لِحَاءِ شَجَرِ مَكَّةَ وَيَتَقَلَّدُونَهَا فَنُهُوا عَنْ نَزْعِ شَجَرِهَا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ، أَيْ: قَاصِدِينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ، يَعْنِي: الْكَعْبَةَ فَلَا تَتَعَرَّضُوا لَهُمْ، يَبْتَغُونَ يَطْلُبُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ، يَعْنِي: الرِّزْقَ بِالتِّجَارَةِ، وَرِضْواناً، أَيْ: عَلَى زَعْمِهِمْ، لأن الكافر [1] لا نصيب له في الرضوان، قال قتادة: هو أن يصلح معايشهم فِي الدُّنْيَا وَلَا يُعَجِّلَ لَهُمُ الْعُقُوبَةَ فِيهَا، وَقِيلَ: ابْتِغَاءُ الْفَضْلِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُشْرِكِينَ عَامَّةً، وَابْتِغَاءُ الرِّضْوَانِ لِلْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً، لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَحُجُّونَ، وَهَذِهِ الْآيَةُ إِلَى هَاهُنَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ، وَبِقَوْلِهِ: فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا
[التَّوْبَةِ: 28] ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحُجَّ مشرك ولا يَأُمَّنَ كَافِرٌ بِالْهَدْيِ وَالْقَلَائِدِ. قَوْلُهُ عزّ وجلّ: وَإِذا حَلَلْتُمْ، أي: مِنْ إِحْرَامِكُمْ، فَاصْطادُوا، أَمْرُ إِبَاحَةٍ، أَبَاحَ لِلْحَلَالِ أَخْذَ الصَّيْدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ [الْجُمُعَةِ: 10] ، وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما وَقَتَادَةُ: لَا يَحْمِلَنَّكُمْ، يُقَالُ:
جَرَمَنِي فُلَانٌ عَلَى أَنْ صَنَعْتُ كَذَا، أَيْ: حَمَلَنِي، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: لَا يَكْسِبَنَّكُمْ، يُقَالُ: جَرَمَ أَيْ: كَسَبَ فلان
__________
وأخرجه البخاري 1699 و1705 ومسلم 1321 وأبو داود 1757 و1759 والترمذي 908 والنسائي (5/ 171 و172 و175) وابن ماجه 3098 والحميدي 209 وأحمد (6/ 78 و85 و216) وأبو يعلى 4659 وابن الجارود 423 والطحاوي (5/ 233) من طرق عن القاسم بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 1704 و5566 ومسلم 1321 ح 370 والنسائي (5/ 171) وأبو يعلى 4658 والطحاوي (2/ 265) من طرق عن عامر الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ بنحوه.
وأخرجه مَالِكٍ (1/ 340) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبي بكر عن عمرة عن عائشة بنحوه، ومن طريق مالك أخرجه البخاري 1700 و2317 ومسلم 1321 ح 369 والنسائي (5/ 175) وأبو يعلى 4853 والطحاوي (2/ 266) والبيهقي (5/ 234) .
(1) في المطبوع «الكافرين» .

(2/8)


حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3)

جَرِيمَةُ أَهْلِهِ، أَيْ: كَاسِبُهُمْ، وَقِيلَ: لَا يَدْعُوَنَّكُمْ، شَنَآنُ قَوْمٍ، أَيْ: بغضهم وعداوتهم، وهو مصدر شئت، قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو بَكْرٍ شَنْآنُ قَوْمٍ بِسُكُونِ النُّونِ الْأُولَى، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِهَا، وَهُمَا لُغَتَانِ، وَالْفَتْحُ أَجْوَدُ، لِأَنَّ الْمَصَادِرَ أَكْثَرُهَا [على] [1] فَعَلَانِ، بِفَتْحِ الْعَيْنِ مِثْلُ الضَّرَبَانِ وَالسَّيَلَانِ وَالنَّسَلَانِ وَنَحْوِهَا، أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو بِكَسْرِ الْأَلْفِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ الْأَلِفِ، أَيْ: لِأَنْ صَدُّوكُمْ، وَمَعْنَى الآية: لا يَحْمِلَنَّكُمْ عَدَاوَةُ قَوْمٍ عَلَى الِاعْتِدَاءِ لأنهم صدّوكم. قال مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ: لِأَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ، كان الصَّدُّ قَدْ تَقَدَّمَ، أَنْ تَعْتَدُوا عَلَيْهِمْ بِالْقَتْلِ وَأَخْذِ الْأَمْوَالِ، وَتَعاوَنُوا، أي: ليعن بَعْضُكُمْ بَعْضًا، عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى، قِيلَ: الْبِرُّ مُتَابَعَةُ الْأَمْرِ، وَالتَّقْوَى مُجَانَبَةُ النَّهْيِ، وَقِيلَ: الْبِرُّ: الْإِسْلَامُ، وَالتَّقْوَى: السُّنَّةُ، وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ، قِيلَ: الْإِثْمُ: الْكُفْرُ، وَالْعُدْوَانُ: الظُّلْمُ، وَقِيلَ: الْإِثْمُ: الْمَعْصِيَةُ، وَالْعُدْوَانُ: الْبِدْعَةُ.
«742» أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيُّ أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي طَاهِرٍ الدَّقَّاقُ بِبَغْدَادَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ الْقُرَشِيُّ أَنَا الْحَسَنُ [بْنُ] [2] عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ أَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرِ [3] بْنِ مَالِكٍ الْحَضْرَمِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النُّوَاسِ بْنِ سَمْعَانَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ:
سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ، قَالَ: «الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ» . وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ.

[سورة المائدة (5) : آية 3]
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) .
__________
742- إسناده صحيح على شرط مسلم.
وهو في «شرح السنة» 3388 بهذا الإسناد.
وأخرجه البيهقي (10/ 192) من طريق الحسن بن علي بهذا الإسناد.
وأخرجه الترمذي 2389 وأحمد (4/ 182) وابن حبان 397 من طريق زيد بن الحباب به.
وأخرجه مسلم 2553 ح 14 و15 والترمذي 2389 والبخاري في «الأدب المفرد» 295 و302 وأحمد (4/ 182) من طرق عن معاوية بن صالح بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد (4/ 182) والدارمي (2/ 322) من طريق عبد القدوس الخولاني عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ يحيى بن جابر القاضي عن النواس به.
وله شاهد من حديث أبي ثعلبة الخشني بلفظ «البر ما سكنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما لم تسكن إليه النفس ويطمئن إليه القلب» أخرجه أحمد (4/ 194) والطبراني (22/ 219) وأبو نعيم في «الحلية» (2/ 30) .
وفي الباب عن وابصة بن معبد عند أحمد (4/ 227 و228) والطبراني (22/ 147، 149) .
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «شرح السنة» ومصادر التخريج.
(3) وقع في الأصل «نغير» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب التراجم.

(2/9)


حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ، أَيْ: مَا ذُكِرَ عَلَى ذبحه غير اسم اللَّهِ تَعَالَى، وَالْمُنْخَنِقَةُ، وَهِيَ الَّتِي تخنق فَتَمُوتُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَخْنُقُونَ الشَّاةَ حَتَّى إِذَا مَاتَتْ أَكَلُوهَا، وَالْمَوْقُوذَةُ هِيَ الْمَقْتُولَةُ بِالْخَشَبِ، قَالَ قَتَادَةُ: كَانُوا يَضْرِبُونَهَا بِالْعَصَا فَإِذَا مَاتَتْ أَكَلُوهَا، وَالْمُتَرَدِّيَةُ، هِيَ الَّتِي تَتَرَدَّى مِنْ مَكَانٍ عَالٍ أَوْ فِي بِئْرٍ فتموت، وَالنَّطِيحَةُ، هي الَّتِي تَنْطَحُهَا أُخْرَى فَتَمُوتُ، وَهَاءُ التَّأْنِيثِ تَدْخُلُ فِي الْفَعِيلِ إِذَا كَانَ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ، فَإِذَا كَانَ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ اسْتَوَى فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ، نَحْوَ عَيْنٍ كَحِيلٍ وَكَفٍّ خضيب، فإذا حذف [1] الِاسْمَ وَأَفْرَدْتَ الصِّفَةَ، أَدْخَلُوا الْهَاءَ فَقَالُوا:
رَأَيْنَا كَحِيلَةً وَخَضِيبَةً، وَهُنَا أَدْخَلَ الْهَاءَ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْهَا الِاسْمُ، فَلَوْ أَسْقَطَ الْهَاءَ لَمْ يدر أنها صفة مؤنث أو [2] مُذَكَّرٍ، وَمِثْلُهُ الذَّبِيحَةُ وَالنَّسِيكَةُ، وَأَكِيلَةُ السَّبُعِ وَما أَكَلَ السَّبُعُ، يُرِيدُ مَا بَقِيَ مِمَّا أَكَلَ السَّبْعُ، وَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَأْكُلُونَهُ، إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ، يَعْنِي: إِلَّا مَا أَدْرَكْتُمْ ذَكَاتَهُ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَأَصْلُ التَّذْكِيَةِ الْإِتْمَامُ، يُقَالُ: ذَكَّيْتَ النار إذا أتممت اشتعالها، وَالْمُرَادُ هُنَا: إِتْمَامُ فَرْيِ الْأَوْدَاجِ وَإِنْهَارُ الدَّمِ.
«743» قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فكل ليس السِّنِّ وَالظُّفُرِ» .
وَأَقَلُّ الذَّكَاةِ فِي الْحَيَوَانِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ قَطْعُ الْمَرِيءِ والحلقوم وكماله أَنْ يَقْطَعَ الْوَدَجَيْنِ مَعَهُمَا، وَيَجُوزُ بِكُلِّ مُحَدَّدٍ يَقْطَعُ [3] مِنْ حَدِيدٍ أَوْ قَصَبٍ أَوْ زُجَاجٍ أَوْ حجر إلا السن والظفر، لنهي [4] النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الذَّبْحِ بِهِمَا، وَإِنَّمَا يَحِلُّ ما ذكّيته بعد ما جرحه السبع أو أكل شَيْئًا مِنْهُ إِذَا أَدْرَكْتَهُ وَالْحَيَاةُ فِيهِ مُسْتَقِرَّةٌ فَذَبَحْتَهُ، فَأَمَّا مَا صَارَ بِجَرْحِ السَّبُعِ إِلَى حَالَةِ الْمَذْبُوحِ، فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَيْتَةِ، فَلَا يَكُونُ حَلَالًا وَإِنْ ذَبَحْتَهُ، وَكَذَلِكَ الْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ إِذَا أَدْرَكْتَهَا حَيَّةً قَبْلَ أَنْ تَصِيرَ إِلَى حَالَةِ الْمَذْبُوحِ فَذَبَحْتَهَا تَكُونُ حَلَالًا، وَلَوْ رَمَى إِلَى صَيْدٍ فِي الْهَوَاءِ فَأَصَابَهُ فَسَقَطَ عَلَى الْأَرْضِ ومات كَانَ حَلَالًا لِأَنَّ الْوُقُوعَ عَلَى الأرض من ضرورته، وإن سَقَطَ عَلَى جَبَلٍ أَوْ شَجَرٍ ثُمَّ تَرَدَّى مِنْهُ فَمَاتَ فَلَا يَحِلُّ، وَهُوَ مِنَ الْمُتَرَدِّيَةِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ السَّهْمُ أَصَابَ مَذْبَحَهُ فِي الْهَوَاءِ فَيَحِلُّ كَيْفَ مَا وَقَعَ، لِأَنَّ الذَّبْحَ قَدْ حَصَلَ بِإِصَابَةِ السَّهْمِ الْمَذْبَحَ، وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ، قِيلَ: النُّصُبُ جَمْعٌ، وَاحِدُهُ نِصَابٌ، وَقِيلَ: هُوَ وَاحِدٌ وَجَمْعُهُ أَنْصَابٌ مِثْلُ عُنُقٍ وَأَعْنَاقٍ، وَهُوَ الشَّيْءُ الْمَنْصُوبُ، وَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: كَانَتْ حَوْلَ الْبَيْتِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ حَجَرًا مَنْصُوبَةً، كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَعْبُدُونَهَا وَيُعَظِّمُونَهَا وَيَذْبَحُونَ لَهَا، وَلَيْسَتْ هِيَ بِأَصْنَامٍ إِنَّمَا الْأَصْنَامُ هِيَ الْمُصَوَّرَةُ الْمَنْقُوشَةُ، وَقَالَ الْآخَرُونَ: هِيَ الْأَصْنَامُ الْمَنْصُوبَةُ، ومعناه: ما ذُبِحَ عَلَى اسْمِ النُّصُبِ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ: هُمَا وَاحِدٌ، قَالَ قُطْرُبٌ: عَلَى بِمَعْنَى اللَّامِ، أَيْ: وَمَا ذُبِحَ لِأَجْلِ النُّصُبِ، وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ، أي: وحرّم عَلَيْكُمُ الِاسْتِقْسَامَ بِالْأَزْلَامِ، وَالِاسْتِقْسَامُ هُوَ طَلَبُ الْقَسْمِ، وَالْحُكْمِ مِنَ الْأَزْلَامِ، وَالْأَزْلَامُ هِيَ: الْقِدَاحُ الَّتِي لَا رِيشَ لَهَا وَلَا نَصْلَ، وَاحِدُهَا: زَلْمٌ وَزُلْمٌ، بِفَتْحِ الزَّايِ وَضَمِّهَا وكانت
__________
743- صحيح. أخرجه البخاري 3075 و5498 و2507 و5503 و5506 و5544 ومسلم 1968 والترمذي 1491 و1492 والنسائي (7/ 226 و228 و229) وابن ماجه 3137 و3178 و3183: وابن الجارود 895 وابن حبان 5886 وعبد الرزاق 8481 والطيالسي 963 والحميدي 411 وأحمد (3/ 463 و464) و (4/ 140 و141 و142) والدارمي (2/ 84) والطبراني 4380، 4384 و4386، 4393 والبيهقي (9/ 245 و246 و247) من طرق عن سعيد بن مسروق عن عباية بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ جده رافع به.
(1) في المطبوع وط «حذفت» .
(2) في المطبوع وط «أم» . [.....]
(3) في المخطوط «يجرح» .
(4) في المطبوع وط «فنهى» .

(2/10)


أَزْلَامُهُمْ سَبْعَةَ قِدَاحٍ مُسْتَوِيَةٍ مِنْ شَوْحَطٍ [1] ، يَكُونُ عِنْدَ سَادِنِ الْكَعْبَةِ، مَكْتُوبٌ عَلَى وَاحِدٍ نَعَمْ، وَعَلَى وَاحِدٍ لَا، وَعَلَى وَاحِدٍ مِنْكُمْ، وَعَلَى وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِكُمْ، وَعَلَى وَاحِدٍ مُلْصَقٌ [2] ، وَعَلَى وَاحِدٍ الْعَقْلُ، وَوَاحِدٌ غُفْلٌ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، فَكَانُوا إِذَا أَرَادُوا أَمْرًا مِنْ سَفَرٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ خِتَانٍ أو غيره، أو تدارؤا [3] فِي نَسَبٍ أَوِ اخْتَلَفُوا فِي تحمّل عقل جاؤوا إِلَى هُبَلَ وَكَانَ أَعْظَمَ أَصْنَامِ قريش بمكة وجاؤوا بمائة درهم أعطوها صَاحِبَ الْقِدَاحِ حَتَّى يُجِيلَ الْقِدَاحَ، ويقولون: يا إلهنا أَرَدْنَا كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ خَرَجَ نَعَمْ، فَعَلُوا، وَإِنْ خَرَجَ لَا، لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ حَوْلًا، ثُمَّ عَادُوا إِلَى الْقِدَاحِ ثَانِيَةً، فَإِذَا أَجَالُوا عَلَى نَسَبٍ، فَإِنْ خَرَجَ منكم كان وسيطا مِنْهُمْ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ غَيْرِكُمْ كَانَ حَلِيفًا، وَإِنْ خَرَجَ مُلْصَقٌ كَانَ عَلَى مَنْزِلَتِهِ لَا نَسَبَ لَهُ وَلَا حِلْفَ، وَإِذَا اخْتَلَفُوا فِي عَقْلٍ فَمَنْ خَرَجَ عَلَيْهِ قَدَحُ الْعَقْلِ حَمَلَهُ، وَإِنْ خَرَجَ الْغُفْلُ أَجَالُوا ثَانِيًا حَتَّى يَخْرُجَ الْمَكْتُوبُ، فَنَهَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ ذَلِكَ وَحَرَّمَهُ، وَقَالَ: ذلِكُمْ فِسْقٌ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الْأَزْلَامُ حَصًى بِيضٌ كَانُوا يَضْرِبُونَ بِهَا، وَقَالَ مُجَاهِدٍ: هِيَ كِعَابُ فَارِسَ وَالرُّومِ الَّتِي يَتَقَامَرُونَ بِهَا، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَغَيْرُهُ:
الْأَزْلَامُ لِلْعَرَبِ، وَالْكِعَابُ لِلْعَجَمِ، وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ: هِيَ الشِّطْرَنْجُ.
«744» وَرُوِّينَا أَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْعِيَافَةُ وَالطَّرْقُ وَالطِّيرَةُ مِنَ الْجِبْتِ» ، وَالْمُرَادُ مِنَ الطَّرْقِ: الضَّرْبُ بِالْحَصَى.
«745» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ أَنَا ابن فنجويه أنا فضل الكندي أخبرنا
__________
744- تقدم برقم: 626 في «سورة النساء» آية: 51.
745- ضعيف بهذا اللفظ، إسناده ضعيف، وله علتان: سويد بن سعيد، صدوق إلا أنه كبر فصار يتلقن، فلذا ضعفه غير واحد، وله علة ثانية: وهي الانقطاع. قال الحافظ في «التهذيب» في ترجمة رجاء بن حيوة: روايته عن أبي الدرداء مرسلة اهـ (3/ 230) .
وقد توبع سويد. فقد أخرجه البيهقي في «الشعب» 1177 من طريق أخرى أبي المحيّاة بهذا الإسناد.
وذكره الهيثمي في «المجمع» 8487 بهذا اللفظ وقال: رواه الطبراني بإسنادين، ورجال أحدهما ثقات. وكذا قال المنذري في «الترغيب» 4474.
وأخرجه الطبراني في «الأوسط» 2684 وأبو نعيم في «الحلية» (5/ 174) من طريق محمد بن الحسن الهمداني ثنا سفيان الثوري عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ به. وصدره «إنما العلم بالتعلم.....» .
وقال أبو نعيم: غريب من حديث الثوري عن عبد الملك تفرد به محمد بن الحسن اهـ.
وذكره الهيثمي في «المجمع» 538 وقال: رواه الطبراني في «الأوسط» وفيه: محمد بن الحسن بن أبي يزيد، وهو كذاب اهـ. قلت: قد ورد من وجوه وعلته الانقطاع كما تقدم، وهو بهذا اللفظ ضعيف، ولعل الراجح فيه الوقف، وقد ورد في هذا المعنى بغير هذا السياق.
ففي الباب من حديث عمران بن حصين بلفظ «لسى منا من تطير، أو تطيّر له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له، ومن أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عليه وسلّم» .
أخرجه البزار 3044 وذكره الهيثمي في «المجمع» (5/ 117) وقال: ورجاله رجال الصحيح خلا إسحاق بن الربيع، وهو ثقة اهـ. وجوّد إسناده المنذري في «الترغيب» 4467.
ومن حديث عبد الله بن عمرو بن العاص «من ردته الطيرة من حاجة فقد أشرك، قالوا يا رسول الله، فما كفارة ذلك؟
(1) الشوحط: شجر تتخذ منه القسي. كما في «القاموس» .
(2) في المخطوط «مصلق» .
(3) في المطبوع «تداوروا» .

(2/11)


الْحَسَنُ بْنُ دَاوُدَ الْخَشَّابُ أَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ أَنَا أَبُو المحيّاة [1] عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَكَهَّنَ أَوِ اسْتَقْسَمَ أَوْ تَطَيَّرَ طِيَرَةً تَرُدُّهُ عَنْ سَفَرِهِ لم ينظر إلى الدرجات العلى من الجنة يوم القيامة» .
الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ، يَعْنِي: أَنْ تَرْجِعُوا إِلَى دِينِهِمْ كُفَّارًا، وَذَلِكَ أَنَّ الْكُفَّارَ كَانُوا يَطْمَعُونَ فِي عَوْدِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى دِينِهِمْ فَلَمَّا قَوِيَ الْإِسْلَامُ أيسوا، وَيَئِسَ وَأَيِسَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً، نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، يَوْمَ عَرَفَةَ بَعْدَ الْعَصْرِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِفٌ بِعَرَفَاتٍ عَلَى نَاقَتِهِ الْعَضْبَاءِ، فَكَادَتْ عَضُدُ النَّاقَةِ تَنْدَقُّ مِنْ ثِقَلِهَا فَبَرَكَتْ [2] .
«746» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَاحِ سَمِعَ جَعْفَرَ بْنَ عَوْنٍ أَنَا أَبُو الْعُمَيْسِ أَنَا قَيْسُ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْيَهُودِ قَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تقرءونها، لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا، قَالَ: أَيَّةُ آيَةٍ؟ قَالَ: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً، فقال عُمَرُ: قَدْ عَرْفَنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، أَشَارَ عُمَرُ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ كَانَ عِيدًا لَنَا.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ خَمْسَةُ أَعْيَادٍ: جُمْعَةٌ وَعَرَفَةُ وَعِيدُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ، وَلَمْ تَجْتَمِعْ [أَعْيَادُ] [3] أَهْلِ الْمِلَلِ فِي يوم قبله ولا بعده.
«747» وروى هَارُونُ بْنُ عَنْتَرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بَكَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا يُبْكِيكَ يَا عُمَرُ» ؟ فَقَالَ: أَبْكَانِي أَنَّا كُنَّا فِي زِيَادَةٍ مِنْ دِينِنَا، فَأَمَّا إذا كمل فإنه لم يكمل شيء إِلَّا نَقُصَ، قَالَ: «صَدَقْتَ» .
وَكَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ نَعْيَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَاشَ بَعْدَهَا إِحْدَى وَثَمَانِينَ يَوْمًا، وَمَاتَ يَوْمَ الإثنين بعد ما زاغت
__________
قال: يقول أحدهم اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك» .
أخرجه أحمد (2/ 220) 7045 وابن السني في «عمل اليوم والليلة» 287 والطبراني كما في «المجمع» 8412 وقال الهيثمي: وفيه ابن لهيعة، وحديثه حسن، وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات اهـ.
746- إسناده صحيح على شرط البخاري، أبو العميس هو عتبة بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ.
وهو في «صحيح البخاري» 45 عن الحسن بن الصباح بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 4407 و4606 و7268 ومسلم 3017 والترمذي 3043 والنسائي (8/ 114) و (5/ 251) والحميدي 33 وابن حبان 185 والطبري 11098 و11099 والآجري في «الشريعة» ص 105 والواحدي في «أسباب النزول» 381 والبيهقي (5/ 118) من طرق عن قيس بن مسلم به.
747- ضعيف. أخرجه الطبري 11087 عن هَارُونُ بْنُ عَنْتَرَةَ عَنْ أَبِيهِ مرسلا. ومع إرساله هارون فيه ضعف.
قال الذهبي في «الميزان» : وثقه أحمد ويحيى، وقال ابن حبان: منكر الحديث جدا لا يجوز الاحتجاج به اهـ. فالخبر ضعيف.
(1) وقع في المطبوع «المختار» .
(2) انظر تفسير الطبري 11085.
(3) زيادة عن المخطوط.

(2/12)


الشَّمْسُ لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ.
وَقِيلَ: تُوُفِّيَ يَوْمَ الثَّانِي عَشَرَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَكَانَتْ هِجْرَتُهُ فِي الثَّانِي عَشَرَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ، يَعْنِي: يَوْمَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ، يَعْنِي الْفَرَائِضَ وَالسُّنَنَ وَالْحُدُودَ وَالْجِهَادَ وَالْأَحْكَامَ وَالْحَلَالَ وَالْحَرَامَ، فَلَمَّ يَنْزِلْ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ حَلَالٌ وَلَا حَرَامٌ، وَلَا شَيْءٌ مِنَ الْفَرَائِضِ والسنن والحدود والأحكام، هَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، ويروى عَنْهُ أَنَّ آيَةَ الرِّبَا نَزَلَتْ بَعْدَهَا، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وقتادة: [اليوم] [1] أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ فَلَمْ يَحُجَّ مَعَكُمْ مُشْرِكٌ، وَقِيلَ: أَظْهَرْتُ دِينَكُمْ وأمّنتكم من العدو، وقوله عَزَّ وَجَلَّ: وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي، يعني: أنجزت وعدي في قوله: وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ [الْبَقَرَةِ: 150] ، فَكَانَ مِنْ تَمَامِ نِعْمَتِهِ أَنْ دَخَلُوا مَكَّةَ آمِنِينَ وَعَلَيْهَا ظَاهِرِينَ، وَحَجُّوا مُطْمَئِنِّينَ لَمْ يُخَالِطْهُمْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً.
«748» سَمِعْتُ عَبْدَ الْوَاحِدِ الْمُلَيْحِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدِ بْنَ [أَبِي] [2] حَاتِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيَّ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ بْنِ الْمُسَيَّبِ الْمَرْوَزِيَّ، سَمِعْتُ أَبَا حَاتِمٍ مُحَمَّدَ بْنَ إِدْرِيسَ الْحَنْظَلِيَّ، سَمِعْتُ عبد الملك بن مسلمة أبا [3] مَرْوَانُ الْمِصْرِيُّ سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ أبي بكر بن المنكدر سَمِعْتُ عَمِّي مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ، سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «قَالَ جبريل: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
هَذَا دِينٌ ارْتَضَيْتُهُ لِنَفْسِي وَلَنْ يُصْلِحَهُ إِلَّا السَّخَاءُ وَحُسْنُ الْخُلُقِ، فَأَكْرِمُوهُ بِهِمَا مَا صَحِبْتُمُوهُ» .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ، أَيْ: أُجْهِدَ فِي مَجَاعَةٍ، وَالْمَخْمَصَةُ خُلُوُّ الْبَطْنِ مِنَ الْغِذَاءِ، يُقَالُ: رَجُلٌ خَمِيصُ الْبَطْنِ إِذَا كَانَ طَاوِيًا خَاوِيًا، غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ، أَيْ: مَائِلٍ إِلَى إِثْمٍ وَهُوَ أَنْ يَأْكُلَ فَوْقَ الشِّبَعِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: غَيْرَ مُتَعَرِّضٍ لِمَعْصِيَةٍ فِي مَقْصِدِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، وَفِيهِ إِضْمَارٌ، أَيْ: فَأَكَلَهُ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
«749» أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيِّ أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سِرَاجٍ الطَّحَّانُ أَنَا
__________
748- ضعيف جدا. إسناده ضعيف جدا، له علتان الأولى: وهي عبد الملك بن مسلمة المصري فإنه منكر الحديث. والثانية:
شيخه إبراهيم ضعفه الدارقطني، وهذا الحديث مسلسل بالسماع لكن لا يفرح به.
وأخرجه الخرائطي في «مكارم الأخلاق» 40 وابن حبان في «المجروحين» (2/ 134) من طريق عبد الملك بن مسلمة بهذا الإسناد.
وقال ابن حبان: عبد الملك بن مسلمة يروي المناكير الكثيرة لا تخفى على من عني بعلم السنن اهـ.
وأورده ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» 5/ 371 ونقل عن أبيه قوله: موضوع.
وورد بمعناه من حديث عمران بن حصين عند الطبراني في «الأوسط» 8282 وذكره الهيثمي في «المجمع» (8/ 20) وقال:
وفيه عمرو بن الحصين العقيلي، وهو متروك اهـ. [.....]
749- حسن. إسناده ضعيف لانقطاعه، حسان بن عطية روايته عن أبي واقد مرسلة، ورجال الإسناد ثقات، الأوزاعي هو عبد الرحمن بن عمرو، وسيأتي موصولا لكن بأسانيد واهية، وللحديث شواهد تشهد له.
وهو في «شرح السنة» 2901 بهذا الإسناد غير أن فيه «محمد بن قريش بن سلام» بدل «بن سليمان» وأخرجه البيهقي (9/ 356) عن علي بن عبد العزيز به.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) ما بين المعقوفتين زيادة من ط.
(3) وقع في الأصل «أنا» والتصويب من ط وكتب التراجم.

(2/13)


يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (4)

أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشِ بْنِ سُلَيْمَانَ أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ أَنَا أَبُو عَبِيدٍ [1] الْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللِّيثِيِّ.
أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَكُونُ بِالْأَرْضِ فَتُصِيبُنَا بِهَا الْمَخْمَصَةُ فَمَتَى تَحِلُّ لَنَا الْمَيْتَةُ؟ فَقَالَ: «مَا لَمْ تَصْطَبِحُوا أَوْ تَغْتَبِقُوا أَوْ تَحْتَفِئُوا [2] بِهَا بقلا فشأنكم بها» [3] .

[سورة المائدة (5) : آية 4]
يَسْئَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (4)
. قوله: يَسْئَلُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُمْ الآية.
__________
وأخرجه أحمد (5/ 218) (21391 و21394) والدارمي (2/ 88) والطبري 11128 والبيهقي (9/ 356) من طرق عن الأوزاعي به.
وأخرجه البيهقي (9/ 356) عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ إجازة أن أبا الحسن بن صبيح أخبرهم: أنبأ عبد الله بن شيرويه، أنبأ إسحاق بن إبراهيم الحنظلي عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي. قال: حَدَّثَنِي حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ عَنْ ابن مرثد أو أبي مرثد عن أبي واقد الليثي رضي الله عنه به.
وأخرجه الطبراني في «الكبير» 3315 من طريق حسان بن عطية عن مرثد، أو أبي مرثد، عن أبي واقد الليثي به. و3316 عن طريق حسان عن مسلم بن مشكم عن أبي واقد به.
وذكره الهيثمي «المجمع» 6827 و8074 وقال في الموضع الأول: رواه أحمد بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح، إلا أن المزني قال: لم يسمع حسان بن عطية من أبي واقد والله أعلم اهـ.
وقال في الموضع الثاني: رواه الطبراني، ورجاله ثقات اهـ.
وأخرجه الطبري 11135 من طريق الأوزاعي عن حسان بن عطية مرسلا.
وفي الباب من حديث الفجيع العامري أنه أتى النبي صلّى الله عليه وسلم فقال: ما يحل لنا من الميتة قال: «ما طعامكم» ؟ قلنا: نغتبق ونصطبح. قال: «ذلك وأبي الجوع» فأحل لهم الميتة على هذه الحال.
قال أبو نعيم: فسّره لي عقبة: قدح غدوة، وقدح عشية اهـ أي فسّر له معنى نغتبق ونصطبح.
أخرجه أبو داود 3817 والبيهقي (9/ 357) والبغوي في «شرح السنة» 2900.
ومن حديث جابر بن سمرة «أن رجلا نزل الحرّاء، ومعه أهله وولده فقال له رجل: إن ناقة لي ضلت، فإن وجدتها فأمسكها فوجدها، ولم يجد صاحبها، فمرضت فقالت امرأته: أنحرها. فأبى: فنفقت. فقالت له امرأته: اسلخها حتى تقدد شحمها ولحمها فنأكله. فقال: حتى أسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلم. فأتاه فسأله. فقال: هل عندك شيء يغنيك؟ قال: لا قال: فكلوها. قال: فجاء صاحبها فأخبره الخبر. فقال: هلا كنت نحرتها؟ قال: استحييت منك» .
أخرجه أبو داود 3816 والبيهقي (9/ 356) .
قال البيهقي (9/ 357) : وفي ثبوت هذه الأحاديث نظر، وحديث جابر بن سمرة أصحها اهـ.
(1) وقع في الأصل «عبيدة» والتصويب من «شرح السنة» وكتب التراجم.
(2) وقع في الأصل «تخنقوا» والتصويب من «شرح السنة» ومصادر التخريج.
(3) قال المصنف في «شرح السنة» (6/ 111، 112) : قال أبو عبيد: معنى الحديث إنما لكم منها. يعني من الميتة. الصبوح:
وهو الغداء. والغبوق: وهو العشاء. يقول فليس لكم أن تجمعوهما من الميتة، وأنكروا ذلك على أبي عبيد.
وقالوا: معناه إذا لم تجدوا صبوحا أو غبوقا، ولم تجدوا بقلة تأكلونها حلت لكم الميتة، فإذا اصطبح الرجل لبنا أو تغدى بطعام لم يحل له نهاره ذلك أكل الميتة، وكذلك إذا تعشى أو شرب غبوقا، فلم يحل له ليلته تلك لأنه يتبلّغ بتلك الشربة.
وإذا مر المضطر بتمر أو زرع أو ماشية للغير، أكل منها، لم يكن لمالكه منعه، فإن منعه، كان في ذمته اهـ «شرح السنة» .
وقيل: معنى تحتفئوا: تقتلعوا. والصبوح: شرب أول النهار. والغبوق: شرب آخر النهار.

(2/14)


«750» قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ وَزَيْدِ بْنِ الْمُهَلْهِلِ الطَّائِيَّيْنِ وَهُوَ زَيْدُ الْخَيْلِ الَّذِي سَمَّاهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدَ الْخَيْرِ، قَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا قَوْمٌ نَصِيدُ بِالْكِلَابِ وَالْبُزَاةِ فَمَاذَا يَحِلُّ لَنَا مِنْهَا؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.
75»
وَقِيلَ: سَبَبُ نُزُولِهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَاذَا يَحِلُّ لَنَا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّتِي أَمَرْتَ بِقَتْلِهَا؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَلَمَّا نَزَلَتْ أَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اقْتِنَاءِ الْكِلَابِ الَّتِي يُنْتَفَعُ بِهَا، وَنَهَى عَنْ إِمْسَاكِ مَا لَا نَفْعَ فِيهِ مِنْهَا.
«752» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ [1] عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ [2] أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ اتَّخَذَ كَلْبًا إِلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ صَيْدٍ أَوْ زَرْعٍ انْتَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ» .
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ فِي سَبَبِ نِزُولِ [هَذِهِ] [3] الْآيَةِ.
قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ، يَعْنِي: الذَّبَائِحَ عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقِيلَ: كُلُّ مَا تَسْتَطِيبُهُ الْعَرَبُ وَتَسْتَلِذُّهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرِدَ بِتَحْرِيمِهِ نَصٌّ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سَنَةٍ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ، يَعْنِي: وَأُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ مَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ، وَاخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْجَوَارِحِ، فَقَالَ الضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ: هِيَ الْكِلَابُ دُونَ غَيْرِهَا، وَلَا يَحِلُّ مَا صَادَهُ غَيْرُ الْكَلْبِ إِلَّا أَنْ يُدْرِكَ ذَكَاتَهُ، وَهَذَا غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ، بَلْ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ
__________
750- ذكره الواحدي في «أسباب النزول» 384 عن سعيد بن جبير بدون إسناد. فالخبر واه ليس بشيء.
وعزاه السيوطي في «الدر المنثور» (3/ 20) لابن أبي حاتم.
751- هو عند الواحدي في «أسباب النزول» ص 194 نقلا عن المفسرين بدون إسناد.
وأصله عند الحاكم (2/ 311) والطبري 11137 والواحدي 383 والطبراني 971 و972 من حديث أبي رافع، وأعله الهيثمي في «المجمع» 6096 بموسى بن عبيدة الربذي، وضعفه به، لكن تابعه محمد بن إسحاق عند الحاكم، وصححه وسكت الذهبي، وفيه عنعنة ابن إسحاق، وهو مدلس.
وورد بنحوه عن عكرمة مرسلا أخرجه الطبري 11138 وعن محمد بن كعب 11139 بنحوه فالحديث لا بأس به بهذه الطرق والله أعلم.
752- إسناده صحيح، رجاله رجال البخاري ومسلم، سوى أحمد بن منصور وهو ثقة، معمر هو ابن راشد الزهري، هو محمد بن مسلم، أبو سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف.
وهو في «شرح السنة» 2771 بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم 1575 ح 58 وأبو داود 2844 والترمذي 1490 والنسائي (7/ 198) وأحمد (2/ 267) والبيهقي (1/ 251) من طريق عبد الرزاق بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 2322 و3324 ومسلم 1575 وابن ماجه 3204 وأحمد (2/ 425 و473) وابن حبان 5652 و5654 والبيهقي (6/ 10) من طرق يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أبي سلمة به.
وأخرجه مسلم 1575 ح 57 والنسائي (7/ 189) وابن أبي شيبة (5/ 409) وأحمد (2/ 345) والبيهقي (1/ 251) و (6/ 10) من طرق من حديث أبي هريرة بألفاظ متقاربة.
(1) وقع في الأصل «الحسن» والتصويب من ط و «شرح السنة» .
(2) وقع في الأصل «الزيادي» والتصويب من ط و «شرح السنة» وكتب التراجم.
(3) زيد في المطبوع وحده «أما تفسير الآية» . [.....]

(2/15)


الجوارح الكواسب مِنْ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ كَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ وَالْكَلْبِ وَمِنْ سِبَاعِ الطَّيْرِ كَالْبَازِي وَالْعُقَابِ وَالصَّقْرِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يَقْبَلُ التَّعْلِيمَ، فَيَحِلُّ صَيْدُ جَمِيعِهَا، سُمِّيَتْ جارحة: لجرحها أربابها أَقْوَاتَهُمْ مِنَ الصَّيْدِ، أَيْ:
كَسْبِهَا، يُقَالُ: فُلَانٌ جَارِحَةُ أَهْلِهِ، أَيْ: كاسبهم، مُكَلِّبِينَ، المكلّب [هو] [1] الَّذِي يُغْرِي الْكِلَابَ عَلَى الصَّيْدِ، وَيُقَالُ لِلَّذِي يُعَلِّمُهَا أَيْضًا: مُكَلِّبٌ، وَالْكَلَّابُ: صَاحِبُ الْكِلَابِ، وَيُقَالُ لِلصَّائِدِ بِهَا أَيْضًا كَلَّابٌ، وَنَصَبَ مُكَلِّبِينِ عَلَى الْحَالِ، أَيْ: فِي حَالِ تكليبكم هذه الجوارح أي إغرائكم إِيَّاهَا عَلَى الصَّيْدِ، وَذَكَرَ الْكِلَابَ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ وَأَعَمُّ، وَالْمُرَادُ جَمِيعُ جَوَارِحِ الصَّيْدِ، تُعَلِّمُونَهُنَّ، تُؤَدِّبُونَهُنَّ آدَابَ أَخْذِ الصَّيْدِ، مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ، أَيْ: مِنَ الْعِلْمِ الَّذِي عَلَّمَكُمُ اللَّهُ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: أَيْ: كَمَا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ، (مِنْ) بِمَعْنَى الْكَافِ، فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ، أَرَادَ أَنَّ الْجَارِحَةَ الْمُعَلَّمَةَ إِذَا خَرَجَتْ بِإِرْسَالِ صَاحِبِهَا فَأَخَذَتِ الصَّيْدَ وَقَتَلَتْهُ كَانَ حَلَالًا، وَالتَّعْلِيمُ هُوَ أَنْ يُوجَدَ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: إِذَا أُشْلِيَتِ اسْتَشْلَتْ، وَإِذَا زُجِرَتِ انْزَجَرَتْ، وَإِذَا أَخَذَتِ الصَّيْدَ أَمْسَكَتْ وَلَمْ تَأْكُلْ، وَإِذَا وُجِدَ ذَلِكَ منه مرارا وأقلها ثَلَاثُ مَرَّاتٍ كَانَتْ مُعَلَّمَةً، يَحِلُّ قَتْلُهَا [2] إِذَا خَرَجَتْ بِإِرْسَالِ صَاحِبِهَا.
«753» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا ثابت بن يزيد [3] عَنْ عَاصِمٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ وَسَمَّيْتَ فَأَمْسَكَ وَقَتَلَ فَكُلْ، وَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِذَا خَالَطَ كِلَابًا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهَا فَأَمْسَكْنَ وَقَتَلْنَ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَيُّهَا قَتَلَ، وَإِذَا رَمَيْتَ الصَّيْدَ فَوَجَدْتَهُ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ لَيْسَ بِهِ إِلَّا أَثَرُ سَهْمِكَ فَكُلْ، وَإِنْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْ» .
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا أَخَذَتِ الصَّيْدَ وَأَكَلَتْ مِنْهُ شَيْئًا، فَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إلى تحريمه، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَالشَّعْبِيِّ، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَهُوَ أَصَحُّ قَوْلَيِ الشافعي.
__________
753- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، عاصم هو الأحول واسم أبيه سليمان، الشعبي هو عامر بن شراحيل.
وهو في «شرح السنة» 2762 بهذا الإسناد.
وهو في «صحيح البخاري» 5484 عن موسى بن إسماعيل بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم 1929 ح 6 و7 وأبو داود 2849 و2850 والترمذي 1469 والنسائي (7/ 179، 180 و182 و183 و184) وابن ماجه 3213 وعبد الرزاق 8502 وأحمد (4/ 257 و379 و380) والدارقطني (4/ 294) وابن حبان 5880 وابن الجارود 920 والطبراني (17/ 154، 157) والبيهقي (9/ 236 و238 و239 و243 و244 و248) من طرق عن عاصم بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 175 و2054 و5475 و5476 و5483 و5487 ومسلم 1929 ح 2 و3 و4 و5 وأبو داود 2848 و2851 والترمذي 1467، و1470 والنسائي (7/ 180 و182 و183) وابن ماجه 3208 و3212 و3214 والطيالسي 1030 وعبد الرزاق 8531 والحميدي 914 و915 و917 وأحمد (4/ 256 و257 و358 و377 و379 و380) والدارمي (2/ 89) وابن الجارود 915 و918 والطبراني (17/ 141، 153 و159 و168) والبيهقي (9/ 235 و236 و238 و242 و244) من طرق عن عامر الشعبي به.
(1) زيادة عن المخطوط وط.
(2) في المخطوط وحده «قتيلها» .
(3) وقع في الأصل «زيد» والتصويب من «شرح السنة» ومصادر التخريج.

(2/16)


لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ» [1] .
وَرَخَّصَ بَعْضُهُمْ فِي أَكْلِهِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَسَعْدِ بن أبي وقاص، و [به] [2] قَالَ مَالِكٌ:
«754» لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فَكُلْ وَإِنْ أكل منه» .
أمّا غَيْرُ الْمُعَلَّمِ مِنَ الْجَوَارِحِ إِذَا أَخَذَ صَيْدًا أَوِ الْمُعَلَّمُ إِذَا جرح بِغَيْرِ إِرْسَالِ صَاحِبِهِ فَأَخَذَ وَقَتَلَ فَلَا يَكُونُ حَلَالًا إِلَّا أَنْ يُدْرِكَهُ صَاحِبُهُ حَيًّا فَيَذْبَحَهُ، فَيَكُونُ حَلَالًا.
«755» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ أَنَا حَيْوَةُ أَخْبَرَنِي رَبِيعَةُ بْنُ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيُّ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ قَالَ:
قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ أَفَنَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ، وَبِأَرْضِ صَيْدٍ أَصِيدُ بِقَوْسِي وَبِكَلْبِي الَّذِي لَيْسَ بمعلّم، وبكلبي المعلم فما يصلح [3] لِي؟ قَالَ: «أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ آنِيَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَإِنْ وجدتم
__________
754- إسناد حسن، والمتن غريب. أخرجه أبو داود 2852 والبيهقي (9/ 237) من مذهب أبي ثعلبة، ورجاله ثقات، وحسنه ابن عبد الهادي كما في «نصب الراية» (4/ 312) وورد من طريق حبيب الْمُعَلِّمَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عن أبيه عن جده، وهذا إسناده قوي، وقواه الحافظ ابن حجر في «الدراية» (2/ 254) وصححه ابن عبد الهادي كما في «نصب الراية» ومع ذلك ورد من طرق أخرى عن أبي ثعلبة بأسانيد أصح مما تقدم وليس فيها «فكل وإن أكل» وانظر الآتي.
755- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، حيوة هو ابن شريح، أبو إدريس هو عَائِذُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وهو في «شرح السنة» 2765 بهذا الإسناد.
وهو في «صحيح البخاري» 5478 من طريق عبد الله بن يزيد بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 5488 و5496 ومسلم 1930 وأبو داود 2855 والترمذي بإثر 1560 والنسائي (7/ 181) وابن ماجه 3207 وأحمد (4/ 195) وابن الجارود 916 وابن حبان 5879 والبيهقي (4/ 244) من طرق عن حيوة بن شريح بهذا الإسناد.
وأخرجه أبو داود 2852 و2856 والترمذي 1464 وأحمد (4/ 195) والبيهقي (9/ 237) من طرق عن أبي إدريس الخولاني به.
وأخرجه الترمذي 1464 وأحمد (4/ 193) من طريق مكحول عن أبي ثعلبة الخشني به.
وأخرجه أبو داود 2857 والدارقطني (4/ 293، 294) والبيهقي (9/ 237) من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن أبي ثعلبة به.
وأخرجه ابن ماجه 3211 من طريق سعيد بن المسيب عن أبي ثعلبة مختصرا، و2831 من طريق عروة بن رويم اللخمي عن أبي ثعلبة.
وأخرجه أحمد (4/ 195) من طريق أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبي عن أبي ثعلبة الخشني به.
وأخرجه الترمذي 1560 و1796 وعبد الرزاق 8503 والطيالسي 1014 و1015 وأحمد (4/ 193 و194) من طرق عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي ثعلبة به، وقال الترمذي: وأبو قلابة لم يسمع من أبي ثعلبة، إنما رواه عن أبي أسماء عن أبي ثعلبة اهـ.
ورواية أبي أسماء عن أبي ثعلبة عن أحمد (4/ 195) .
(1) انظر الحديث المتقدم.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) في المطبوع وط «يصح» .

(2/17)


الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5)

غَيْرَهَا فَلَا تَأْكُلُوا فِيهَا، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا وَكُلُوا فِيهَا، وَمَا صِدْتَ بِقَوْسِكَ فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ غَيْرِ الْمُعَلَّمِ فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فكل» .
وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ، فَفِيهِ بَيَانُ أَنَّ ذِكْرَ اسْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الذَّبِيحَةِ شَرْطٌ حَالَةَ مَا يُذْبَحُ، وَفِي الصَّيْدِ حَالَةَ مَا يُرْسِلُ الْجَارِحَةَ أَوِ السَّهْمَ.
«756» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عُلْوِيَّةَ الْجَوْهَرِيُّ قال: أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْأَثْرَمِ الْمُقْرِيُّ بِالْبَصْرَةِ أنا عمر بن شبة [1] أَنَا [ابْنُ] [2] أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ قَالَ:
ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكَبَّرَ، قَالَ: رَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا وَيَذْبَحُهُمَا بِيَدِهِ وَيَقُولُ: «بِسْمِ الله والله أكبر» .

[سورة المائدة (5) : آية 5]
الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (5)
. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ، يَعْنِي: الذَّبَائِحَ عَلَى اسْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ، يُرِيدُ ذَبَائِحَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَمَنْ دَخَلَ فِي دِينِهِمْ مِنْ سَائِرِ الْأُمَمِ قَبْلَ مَبْعَثِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَالٌ لَكُمْ، فَأَمَّا مَنْ دَخَلَ فِي دِينِهِمْ بَعْدَ مَبْعَثِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ، وَلَوْ ذَبَحَ يهودي أو
__________
756- إسناده صحيح، عمرو بن شبة ثقة، وقد توبع هو ومن دونه، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، ابن أبي عدي هو محمد بن إبراهيم.
وهو في «شرح السنة» 1114 بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم 1966 من طريق ابن أبي عدي بهذا الإسناد.
وأخرجه النسائي (7/ 231، 4430) من طريق سعيد به.
وأخرجه البخاري 5558 ومسلم 1966 والنسائي (7/ 230 و231) وابن ماجه 3120 والطيالسي 1968 وأحمد (3/ 115 و183 و222 و255 و272 و279) والدارمي (2/ 75) وابن الجارود 909 وأبو يعلى 3136 و3247 و3248 وابن حبان 5900 و5901 من طرق عن شعبة عن قتادة به.
وأخرجه البخاري 5564 و5565 و7399 ومسلم 1966 وأبو داود 2794 والترمذي 1494 والنسائي (7/ 220) وعبد الرزاق 8129 والطيالسي 1968 وأحمد (3/ 170 و211 و214 و258) وابن الجارود 902 وأبو يعلى 2859 و2877 و3118 و3166 و3247 والبيهقي (9/ 259 و283 و285) من طرق عن قتادة به.
وأخرجه البخاري 1551 و1712 و5554 وأبو داود 2793 والنسائي (7/ 220) وأحمد (3/ 268) وأبو يعلى 2806 و2807 والبيهقي (9/ 272 و279) من طرق عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ به.
وأخرجه البخاري 5553 والنسائي (7/ 219) وأحمد (3/ 101 و281) والدارقطني (4/ 285) من طريق عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أنس به.
وأخرجه النسائي (7/ 220) والبيهقي (9/ 263 و277) من طريق محمد بن سيرين عن أنس.
وأخرجه النسائي (7/ 219، 220) وأحمد (3/ 178) من طريق ثابت عن أنس به.
(1) وقع في الأصل «شيبة» والتصويب من «شرح السنة» وكتب التراجم.
(2) ما بين المعقوفتين زيادة من «شرح السنة» وكتب التراجم.

(2/18)


نَصْرَانِيٌّ عَلَى اسْمِ غَيْرِ اللَّهِ كَالنَّصْرَانِيِّ يَذْبَحُ بِاسْمِ الْمَسِيحِ فَاخْتَلَفُوا فيه، قال [ابن] [1] عُمَرُ: لَا يَحِلُّ وَهُوَ قَوْلُ رَبِيعَةَ، وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُ يَحِلُّ وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَعَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ وَمَكْحُولٍ، سُئِلَ الشعبي وعطاء عَنِ النَّصْرَانِيِّ يَذْبَحُ بِاسْمِ الْمَسِيحِ، قَالَا: يَحِلُّ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَحَلَّ ذَبَائِحَهُمْ وَهُوَ يَعْلَمُ مَا يَقُولُونَ، وَقَالَ الْحَسَنُ: إِذَا ذَبَحَ الْيَهُودِيُّ أَوِ النَّصْرَانِيُّ فَذَكَرَ اسْمَ غَيْرِ اللَّهِ وَأَنْتَ تَسْمَعُ فَلَا تَأْكُلْهُ فَإِذَا غَابَ عَنْكَ فكل فقد أحلّه [اللَّهُ] [2] لَكَ، قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ شَرَعَ لَهُمْ حِلُّ طَعَامِنَا وَهُمْ كُفَّارٌ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الشَّرْعِ؟ قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ حَلَالٌ لَكُمْ أَنْ تُطْعِمُوهُمْ فَيَكُونُ خِطَابُ الْحِلِّ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ ذَكَرَ عُقَيْبَهُ حُكْمَ النِّسَاءِ، وَلَمْ يَذْكُرْ حِلَّ الْمُسْلِمَاتِ لَهُمْ فَكَأَنَّهُ قَالَ حَلَالٌ لَكُمْ أَنْ تُطْعِمُوهُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ أَنْ تُزَوِّجُوهُمْ، قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ، هَذَا رَاجَعٌ إِلَى الْأَوَّلِ مُنْقَطِعٌ عَنْ قَوْلِهِ: وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ.
اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى (المحصنات) ، فذكر أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُنَّ الْحَرَائِرُ، وَأَجَازُوا نِكَاحَ كُلِّ حُرَّةٍ مُؤْمِنَةً كَانَتْ أَوْ كِتَابِيَّةً فَاجِرَةً كَانَتْ أَوْ عَفِيفَةً، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ.
وَقَالَ هَؤُلَاءِ: لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ نِكَاحُ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ [النِّسَاءِ: 25] ، جَوَّزَ نِكَاحَ الْأَمَةِ بِشَرْطِ أن تكون الأمة مُؤْمِنَةً، وَجَوَّزَ أَكْثَرُهُمْ نِكَاحَ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ الْحَرْبِيَّةِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا يَجُوزُ وَقَرَأَ قاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ إِلَى قَوْلِهِ: حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ [التَّوْبَةِ: 29] ، فَمَنْ أَعْطَى الْجِزْيَةَ حَلَّ لَنَا نِسَاؤُهُ وَمَنْ لَمْ يُعْطِهَا فَلَا يَحِلُّ لَنَا نِسَاؤُهُ.
وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْمُحْصَنَاتِ فِي الْآيَةِ: الْعَفَائِفُ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ حَرَائِرَ كُنَّ أَوْ إِمَاءً وَأَجَازُوا نِكَاحَ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ، وَحَرَّمُوا الْبَغَايَا مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْكِتَابِيَّاتِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: إِحْصَانُ الْكِتَابِيَّةِ أَنْ تَسْتَعِفَّ مِنَ الزِّنَا وَتَغْتَسِلَ مِنَ الْجَنَابَةِ، إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ [أَيْ: مُهُورَهُنَّ] [3] مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ، غَيْرَ مُعَالِنِينَ بِالزِّنَا، وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ، أَيْ: غير مسرّين بِالزِّنَا، قَالَ الزَّجَّاجُ: حَرَّمَ اللَّهُ الْجِمَاعَ عَلَى جِهَةِ السِّفَاحِ وَعَلَى جِهَةِ اتِّخَاذِ الصَّدِيقَةِ، وَأَحَلُّهُ عَلَى جِهَةِ الْإِحْصَانِ وَهُوَ التَّزَوُّجُ، وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ، قَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: يَقُولُ لَيْسَ إِحْصَانُ الْمُسْلِمِينَ إِيَّاهُنَّ بِالَّذِي يُخْرِجُهُنَّ مِنَ الْكُفْرِ أَوْ يُغْنِي عَنْهُنَّ شَيْئًا وَهِيَ لِلنَّاسِ عَامَّةً، وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ، أَيْ: بِاللَّهِ الَّذِي يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: بِالْإِيمَانِ أَيْ: بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ وَهِيَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وهو القرآن، وقيل: ومن يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ، أَيْ: يَسْتَحِلُّ الْحَرَامَ وَيُحَرِّمُ الْحَلَالَ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ، وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: خَسِرَ الثَّوَابَ.
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيادة عن المخطوط وط. [.....]
(3) زيادة عن المخطوط.

(2/19)


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)

[سورة المائدة (5) : آية 6]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ، أَيْ: إِذَا أَرَدْتُمُ الْقِيَامَ إِلَى الصَّلَاةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [النمل: 98] ، أَيْ: إِذَا أَرَدْتَ الْقِرَاءَةَ، وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْوُضُوءِ عِنْدَ كُلِّ مَرَّةٍ يُرِيدُ الْقِيَامَ إِلَى الصّلاة، لكن علمنا بِبَيَانِ السُّنَّةِ وَفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْآيَةِ: إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ وَأَنْتُمْ عَلَى غَيْرِ طُهْرٍ.
«757» قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» .
«758» وَقَدْ جَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ بَيْنَ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ.
«759» أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنِيفِيُّ [1] أَنَا أَبُو الْحَارِثِ طاهر بن محمد الظاهري أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَلِيمٍ]
أَنَا أَبُو الْمُوَجِّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الموجّه أنا عَبْدَانُ [أَنَا عَبْدُ اللَّهِ] [3] أَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ.
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى يَوْمَ فَتْحِ مكة الصَّلَوَاتِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ.
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: مَعْنَى الْآيَةِ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ مِنَ النَّوْمِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ أَمْرٌ عَلَى طَرِيقِ النَّدْبِ، ندب لمن قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ أَنْ يُجَدِّدَ لَهَا طَهَارَتَهُ وَإِنْ كَانَ عَلَى طُهْرٍ.
«760» رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ تَوَضَّأَ عَلَى طُهْرٍ كَتَبَ اللَّهُ له عشر حسنات» .
__________
757- تقدم برقم: 606.
758- مراد المصنف ما أخرجه النسائي (2/ 17) والشافعي 1 وأحمد (3/ 25 و67 و68) وأبو يعلى 1296 وابن حبان 2890 والبيهقي (1/ 402، 403) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: «شغلنا المشركون يوم الخندق عن صلاة الظهر حتى غربت الشمس، وذلك قبل أن ينزل في القتال ما نزل، فأنزل الله عزّ وجلّ وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم بلالا فأقام لصلاة الظهر فصلاها كما كان يصليها لوقتها، ثم أقام العصر فصلّاها كما كان يصليها في وقتها، ثم أذّن للمغرب فصلاها كما كان يصليها وقتها» وهذا إسناده صحيح، وورد من حديث ابن مسعود، وزاد فيه ذكر صلاة العشاء. أخرجه النسائي (2/ 18 ح 661 و662) لكن فيه إرسال بين أبي عبيدة وأبيه ابن مسعود.
759- إسناده صحيح، سليمان بن بريدة من رجال مسلم، وباقي الإسناد على شرطهما، عبدان هو عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي، وعبد الله هو ابن المبارك، وسفيان هو ابن سعيد الثوري.
وهو في «شرح السنة» 231 بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم 277 وأبو داود 172 والترمذي 61 والنسائي (1/ 16) وأحمد (5/ 350 و351 و358) وأبو عوانة (1/ 237) والدارمي (1/ 169) والطحاوي في «المعاني» (1/ 41) وابن حبان 1706 و1708 والبيهقي (1/ 162) من طرق عن سفيان به.
وأخرجه الطيالسي (1/ 54) عن قيس عن علقمة بن مرثد به.
وأخرجه ابن ماجه 510 وابن أبي شيبة (1/ 29) وابن حبان 1707 من طريق وكيع عن سفيان عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنِ سليمان بن بريدة به.
(1) وقع في الأصل «الحنفي» والتصويب عن ط و «شرح السنة» .
(2) وقع في الأصل «حكيم» والتصويب عن ط و «شرح السنة» و «الأنساب» .
(3) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «شرح السنة» وكتب التراجم.
760- ضعيف، أخرجه أبو داود 62 والترمذي 59 وابن ماجه 512 والطبري 11340 و11341 من حديث ابن عمر، وإسناده،

(2/20)


«761» وَرُوِيَ [عَنْ] [1] عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حنظلة بن [أبي] عَامِرٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالْوُضُوءِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ طَاهِرًا أَوْ غَيْرَ طَاهِرٍ، فَلَمَّا شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَمَرَ بِالسِّوَاكِ لِكُلِّ صَلَاةٍ» .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا إِعْلَامٌ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ إِلَّا إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ دُونَ غَيْرِهَا مِنَ الْأَعْمَالِ، فَأَذِنَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ بَعْدَ الْحَدَثِ مَا بَدَا لَهُ مِنَ الْأَفْعَالِ غَيْرَ الصَّلَاةِ.
«762» أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْحَنِيفِيُّ أَنَا أبو الحارث الظاهري أَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَلِيمٍ [2] أَنَا أَبُو الْمُوَجِّهِ أَنَا صَدَقَةُ أَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْحُوَيْرِثِ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ:
كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَجَعَ مِنَ الْغَائِطِ فَأُتِيَ بِطَعَامٍ فَقِيلَ لَهُ: أَلَا تَتَوَضَّأُ؟ فقال: «لم أصلّ [3] فَأَتَوَضَّأُ» .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ، وَحَدُّ الْوَجْهِ مِنْ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ إِلَى مُنْتَهَى الذَّقْنِ طُولًا وَمَا بَيْنَ الْأُذُنَيْنِ عَرْضًا يجب غَسْلُ جَمِيعِهِ فِي الْوُضُوءِ، وَيَجِبُ أَيْضًا إِيصَالُ الْمَاءِ إِلَى مَا تَحْتَ الْحَاجِبَيْنِ وَأَهْدَابِ الْعَيْنَيْنِ وَالشَّارِبِ والعذار والعنفقة [4] وَإِنْ كَانَتْ كَثِيفَةً، وَأَمَّا الْعَارِضُ [5] وَاللِّحْيَةُ فَإِنْ كَانَتْ كَثِيفَةً لَا تُرَى الْبَشَرَةُ مِنْ تَحْتِهَا لَا يَجِبُ غَسْلُ بَاطِنِهَا فِي الْوُضُوءِ، بَلْ يَجِبُ غَسْلُ ظَاهِرِهَا، وَهَلْ يَجِبُ إِمْرَارُ الْمَاءِ عَلَى ظَاهِرِ مَا اسْتَرْسَلَ مِنَ اللِّحْيَةِ عَنِ الذَّقَنِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ، أَحَدُهُمَا: لَا يَجِبُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه لِأَنَّ الشَّعْرَ النَّازِلَ عَنْ حَدِّ الرَّأْسِ لَا يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الرَّأْسِ فِي جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَيْهِ، كَذَلِكَ النَّازِلُ عَنْ حَدِّ الْوَجْهِ لَا يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْوَجْهِ فِي وُجُوبِ غَسْلِهِ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يجب إمرار الماء على
__________
ضعيف لأجل عبد الرحمن بن زياد الأفريقي وشيخه عفيف مجهول. وضعفه الترمذي وكذا ابن حجر في «تلخيص الحبير» (1/ 143/ 192) وابن كثير في «التفسير» (2/ 31) حيث وافق الترمذيّ على تضعيف الحديث، والله أعلم.
761- أخرجه أبو داود 48 وأحمد (5/ 225) والحاكم (1/ 156) والطبري 11331 والطحاوي في «المعاني» (1/ 42، 43) مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حنظلة، وصححه الحاكم على شرط مسلم ووافقه الذهبي! مع أن أسماء بنت زيد بن الخطاب، روى لها أبو داود، وقيل: لها صحبة. وكذلك عبد الله بن حنظلة روى له أبو داود، وله رؤية، وتوفي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وله سبع سنوات، وسماعه محتمل. أو هو مرسل. وانظر «صحيح أبي داود» 38.
762- إسناده على شرط الصحيح، صدقة هو ابن الفضل روى له البخاري، وسعيد بن الحويرث خرج له مسلم، وباقي رجاله على شرطهما، ابن عيينة هو سفيان.
وهو في «شرح السنة» 272 بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم 374 ح 119 وأحمد (1/ 222) (1933) والبيهقي (1/ 42) من طرق عن سفيان بن عيينة بهذا الإسناد ورواية مسلم: «لم؟ أأصلي فأتوضأ» .
وأخرجه مسلم 374 ح 121 وأحمد (1/ 284) (2566) من طريق ابن جريج قال: حدثنا سعيد بن حويرث به، وفيه «ما أردت صلاة فأتوضأ» .
وأخرجه أبو داود 3760 ومن طريقه البيهقي (1/ 42) عن مسدد عن إسماعيل عن أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبي مليكة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج من الخلاء فقدم إليه طعام فقالوا: ألا نأتيك بالوضوء، فقال: إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة» .
(1) زيادة عن المخطوط وط.
(2) وقع في الأصل «حكيم» وهو تصحيف.
(3) في ط و «صحيح مسلم» : «أأصلي» . [.....]
(4) العذار: جانبا اللحية. والعنفقة: شعيرات بين الشفة السفلى والذقن. كما في «القاموس» .
(5) العارض: صفحة الخدّ.

(2/21)


ظَاهِرِهِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِغَسْلِ الْوَجْهِ، وَالْوَجْهُ مَا يَقَعُ به الْمُوَاجَهَةِ مِنْ هَذَا الْعُضْوِ، وَيُقَالُ فِي اللُّغَةِ: بَقَلَ وَجْهُ فُلَانٍ وَخَرَجَ وَجْهُهُ: إِذَا نَبَتَتْ لِحْيَتُهُ. قول تَعَالَى: وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ، أَيْ: مَعَ الْمَرَافِقِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ [النِّسَاءِ: 2] ، أَيْ: مَعَ أَمْوَالِكُمْ، وَقَالَ: مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ [آل عمران: 52] ، أَيْ: مَعَ اللَّهِ، وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ الْمِرْفَقَيْنِ، وَفِي الرِّجْلِ يَجِبُ غَسْلُ الْكَعْبَيْنِ، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ: لَا يَجِبُ غَسْلُ الْمِرْفَقَيْنِ وَالْكَعْبَيْنِ فِي غَسْلِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ لِأَنَّ حَرْفَ إِلَى لِلْغَايَةِ وَالْحَدِّ، فَلَا يَدْخُلُ فِي الْمَحْدُودِ، قُلْنَا: لَيْسَ هَذَا بِحَدٍّ وَلَكِنَّهُ بِمَعْنَى مَعَ كَمَا ذَكَرْنَا، وَقِيلَ:
الشَّيْءُ إِذَا حُدَّ إِلَى جِنْسِهِ يَدْخُلُ فِيهِ الْغَايَةُ، وَإِذَا حُدَّ إِلَى غَيْرِ جِنْسِهِ لَا يَدْخُلُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ [الْبَقَرَةِ: 187] ، لَمْ يَدْخُلِ اللَّيْلُ فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ النَّهَارِ، قوله تعالى: وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ، اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قَدْرِ الْوَاجِبِ مِنْ مَسْحِ الرَّأْسِ، فَقَالَ مَالِكٌ: يَجِبُ مَسْحُ جَمِيعِ الرَّأْسِ كَمَا يَجِبُ مَسْحُ جَمِيعِ الْوَجْهِ فِي التَّيَمُّمِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجِبُ مَسْحُ رُبْعِ الرَّأْسِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ:
يَجِبُ قَدْرُ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَسْحِ، وَاحْتَجَّ مَنْ أَجَازَ مَسْحَ بَعْضِ الرَّأْسِ بِمَا:
«763» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ أَحْمَدَ الْخَلَّالِ أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ أَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ الثَّقَفِيِّ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى عِمَامَتِهِ وَخُفَّيْهِ» .
فَأَجَازَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ الْمَسْحَ عَلَى الْعِمَامَةِ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَلَمْ يُجَوِّزْ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ الْمَسْحَ عَلَى الْعِمَامَةِ بدلا من مسح الرأس، وقال فِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ إِنَّ فَرْضَ المسح
__________
763- إسناده صحيح، الشافعي فمن دونه ثقات، وقد توبعوا، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم سوى عمرو بن وهب الثقفي، وهو ثقة، وقد توبع. ابن سيرين هو محمد، أيوب هو ابن أبي تميمة السّختياني.
وهو في «شرح السنة» 232 بهذا الإسناد.
وهو في «مسند الشافعي» (1/ 32) عن يحيى بن حسان بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن أبي شيبة (1/ 179) وأحمد (4/ 244 و249) من طريق إسماعيل بن علية به.
وأخرجه ابن حبان 1342 عن ابن سيرين به.
وأخرجه البيهقي (1/ 58) من طريق حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عن ابن سيرين عن رجل عن عمرو بن وهب به.
وأخرجه أحمد (4/ 248) عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ ابن سيرين عن رجل عن عمرو بن وهب به.
وأخرجه البخاري 206 و5799 ومسلم 274 ح 79 وأبو داود 151 والنسائي (1/ 63) والشافعي (1/ 32) والحميدي 758 وأحمد (4/ 251 و255) أبو عوانة (1/ 225 و226) وابن حبان 1326 والطحاوي (1/ 83) والطبراني في «الكبير» (20/ 864 و866 و867 و868 و871) والبيهقي (1/ 281) والخطيب (12/ 427) من طرق عن عامر الشعبي عن عروة بن المغيرة بن شعبة عن أبيه في أثناء حديث.
وأخرجه مسلم 274 ح 83 وأبو داود 150 والترمذي 100 والنسائي (1/ 76) وأحمد (4/ 255) وأبو عوانة (1/ 259) وابن حبان 1346 وابن الجارود 83 والبيهقي (1/ 58 و60) من طرق عن يحيى القطان عن سليمان التيمي عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عن الحسن عن ابن المغيرة بن شعبة عن أبيه به.
وأخرجه البخاري 182 و203 و363 و2918 و4421 و5798 ومسلم 274 وأبو داود 149 و150 والترمذي 100 والنسائي (1/ 63 و76 و82 و83) وابن ماجه 545 ومالك (1/ 35 و36) والشافعي (1/ 32) والحميدي 757 وعبد الرزاق 747 و748 و749 و750 وابن أبي شيبة (1/ 176 و178 و179) وأحمد (4/ 844 و246 و247، 254) وأبو عوانة (1/ 257 و258) وابن حبان 1347 وابن الجارود 83 و85 والطبراني في «الكبير» (20/ 858 و872، 877) و (1028، 1031) وأبو نعيم في «الحلية» (7/ 335) والبيهقي (1/ 271 و274 و283) من طرق عن المغيرة به.

(2/22)


سَقَطَ عَنْهُ بِمَسْحِ النَّاصِيَةِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَسْحَ جَمِيعِ الرَّأْسِ غَيْرُ وَاجِبٍ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَالْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ وَحَفْصٌ وَأَرْجُلَكُمْ بِنُصْبِ اللَّامِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: «وَأَرْجُلِكُمْ» بِالْخَفْضِ، فَمَنْ قَرَأَ «وَأَرْجُلَكُمْ» بِالنَّصْبِ فَيَكُونُ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ، أَيْ: وَاغْسِلُوا أَرْجُلَكُمْ، وَمَنْ قَرَأَ بِالْخَفْضِ فَقَدْ ذَهَبَ قَلِيلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُ يَمْسَحُ عَلَى الرجلين، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: الْوُضُوءُ غَسْلَتَانِ وَمَسْحَتَانِ، وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عِكْرِمَةَ وَقَتَادَةَ، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: نَزَلَ جِبْرِيلُ بِالْمَسْحِ وَقَالَ: أَلَا تَرَى الْمُتَيَمِّمَ يَمْسَحُ مَا كَانَ غَسْلًا وَيُلْغِي مَا كَانَ مَسْحًا، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ: يَتَخَيَّرُ الْمُتَوَضِّئُ بَيْنَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَبَيْنَ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ، وَذَهَبَ عَامَّةُ [1] أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنَ وَغَيْرِهِمْ إِلَى وُجُوبِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ، وَقَالُوا: خَفْضُ اللَّامِ فِي الْأَرْجُلِ عَلَى مُجَاوَرَةِ اللَّفْظِ لَا عَلَى مُوَافَقَةِ الْحُكْمِ كَمَا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ [هود: 26] ، فَالْأَلِيمُ صِفَةُ الْعَذَابِ، وَلَكِنَّهُ أَخَذَ إِعْرَابَ الْيَوْمِ لِلْمُجَاوَرَةِ، وَكَقَوْلِهِمْ: جُحْرُ ضب خرب، فالخراب نعت الجحر، وَأَخَذَ إِعْرَابَ الضَّبِّ لِلْمُجَاوَرَةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ مَا:
«764» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْحُمَيْدِيُّ الْخَطِيبُ أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ [مُحَمَّدُ بن
__________
764- إسناده صحيح، مسدد هو ابن مسرهد، روى له البخاري ومن فوقه على شرطهما، أبو عوانة هو وضاح بن عبد الله اليشكري، أبو بشر هو جعفر بن إياس اليشكري.
وهو في «شرح السنة» 220 بهذا الإسناد.
وأخرجه البيهقي (1/ 68) من طريق الحجبي ومسدد بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 96 عن مسدد عن أبي عوانة به.
وأخرجه البخاري 60 و163 ومسلم 241 ح 27 وأحمد (2/ 211 و226) والطحاوي في «المعاني» (1/ 39) من طرق عن أبي عوانة به.
وأخرجه أحمد (2/ 205) والطبري 11525 من طريق مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عن أبي بشر عن رجل من أهل مكة عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو.
وأخرجه مسلم 241 وأبو داود 97 والنسائي (1/ 77) وابن ماجه 450 وابن أبي شيبة (1/ 26) وأحمد (2/ 193) وابن حبان 1055 والطبري 11523 و11526 من طرق عن سفيان الثوري عن منصور عن هلال بن يساف عن أبي يحيى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو به.
وأخرجه الطيالسي (1/ 53) وأحمد (2/ 201) والدارمي (1/ 179) والطبري 11524 و11525 والطحاوي (1/ 39) من طرق عن منصور بالإسناد السابق.
والحديث ورد عن عدّة من الصحابة فقد:
أخرجه مسلم 240 وأحمد (6/ 81 و84) والشافعي (1/ 31) والطيالسي 1552 والطبري 1158 و1159 و11510 والطحاوي (1/ 38) والبيهقي (1/ 69) وفي «المعرفة» (1/ 215) من طرق عن سالم الدوسي عن عائشة.
وأخرجه ابن ماجه 452 وأحمد (6/ 41) والحميدي (1/ 87) وابن أبي شيبة (1/ 26) وابن حبان 1059 والطبري 11511 و11512 والطحاوي (1/ 38) والبيهقي في «المعرفة» (1/ 215) من طرق عن ابن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي سلمة عن عائشة مرفوعا.
وأخرجه البخاري 165 ومسلم 242 والنسائي (1/ 77) وعبد الرزاق 62 وابن أبي شيبة (1/ 26) وأحمد (4/ 409 و430 و498) والدارمي (1/ 179) والطحاوي (1/ 38) وابن حبان 1088 من طرق عن محمد بن زياد عن أبي هريرة مرفوعا.
(1) في المطبوع «جماعة» .

(2/23)


عَبْدِ اللَّهِ] [1] الْحَافِظُ أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ أَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى أَنَا الْحَجَبِيُّ وَمُسَدَّدٌ قَالَا [2] :
أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: تَخَلَّفَ عَنَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ سَافَرْنَاهُ فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقَتْنَا الصَّلَاةُ صَلَاةُ الْعَصْرِ، وَنَحْنُ نَتَوَضَّأُ فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا فَنَادَانَا بِأَعْلَى صَوْتِهِ: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ» .
«765» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ [حَدَّثَنَا عَبْدَانُ] [3] أَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَنَا مَعْمَرٌ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ قَالَ: رَأَيْتُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَوَضَّأَ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ ثَلَاثًا ثُمَّ تمضمض واستنشق، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْمِرْفَقِ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُسْرَى إِلَى الْمِرْفَقِ ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ برأسه، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى ثَلَاثًا [ثُمَّ الْيُسْرَى ثَلَاثًا] [4] ، ثُمَّ قَالَ:
رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ قَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ نحو وضوئي هذا ثم يصلي رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ فِيهِمَا بشيء غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَرَادَ بِقَوْلِهِ: وَأَرْجُلَكُمْ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ.
«766» كَمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَكَعَ وضع يديه على ركبتيه.
__________
وأخرجه مسلم 242 ح 30 والترمذي 41 وعبد الرزاق 63 وأحمد (2/ 282 و389) وابن خزيمة 162 والطحاوي (1/ 38) من طرق عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وأخرجه ابن ماجه 454 والطحاوي (1/ 38) والطبري 11514، 11521 من حديث جابر.
وأخرجه أحمد (4/ 190 و191) والدارقطني (1/ 95) والطحاوي (1/ 38) مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الحارث.
وأخرجه أحمد (3/ 426) و (5/ 425) والطبري 11522 من حديث معيقب.
وأخرجه ابن ماجه 455 من حديث خالد بن الوليد ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة وعمرو بن العاص.
765- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، عبدان هو عبد الله بن عثمان بن جبلة، عبد الله هو ابن المبارك، معمر هو ابن راشد، الزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب، عطاء بن يزيد هو الليثي، حمران هو ابن أبان.
وهو في «شرح السنة» 221 بهذا الإسناد.
وهو في «صحيح البخاري» 1934 عن عبدان بهذا الإسناد.
وأخرجه النسائي (1/ 64) والبيهقي (1/ 56) من طريق عبد الله بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 159 و164 ومسلم 226 ح 4 وأبو داود 106 والنسائي (1/ 65 و80) وعبد الرزاق 140 وأحمد (1/ 59) والبيهقي (1/ 48 و49 و56 و57 و58 و98) وابن حبان 1058 و1060 وابن خزيمة 3 و158 والبيهقي (1/ 48 و49 و57 و58 و68) وفي «المعرفة» (1/ 228) من طرق عن الزهري به.
وأخرجه البخاري 160 ومسلم 227 والنسائي (1/ 91) ومالك (1/ 30) وعبد الرزاق 141 وأحمد (1/ 57) وابن خزيمة 2 وابن حبان 1041 والبيهقي في «المعرفة» (1/ 225) والبغوي في «شرح السنة» 152 و153 من طرق عن عروة عن حمران به.
وأخرجه البخاري 6433 وأحمد (1/ 64 و68) من طريق محمد بن إبراهيم القرشي عن معاذ بن عبد الرحمن عن حمران به.
766- يشير المصنف إلى ما أخرجه البخاري 828 وأبو داود 731 و732 و965 وابن خزيمة 652 وابن حبان 1869 والبيهقي (2/ 84 و97 و102 و116 و128) والبغوي في «شرح السنة» 557 من طرق عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) في الأصل: «قال» وهو تصحيف.
(3) ما بين المعقوفتين مستدرك من «شرح السنة» وط و «صحيح البخاري» .
(4) سقط من المطبوع.

(2/24)


وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّهُ لَمْ يكن بينهما حائل، يقال: قَبَّلَ فُلَانٌ رَأْسَ الْأَمِيرِ وَيَدَهُ، وَإِنْ كَانَتِ الْعِمَامَةُ عَلَى رَأْسِهِ وَيَدُهُ فِي كُمِّهِ.
«767» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا أَبُو نعيم [حدثنا] [1] زَكَرِيَّا عَنْ عَامِرٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:
كُنْتُ مَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي سَفَرٍ فَقَالَ: «أمعك ماء» ، قلت: نَعَمْ، فَنَزَلَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَمَشَى حَتَّى تَوَارَى عَنِّي فِي سَوَادِ اللَّيْلِ، ثُمَّ جَاءَ فَأَفْرَغْتُ عَلَيْهِ مِنَ الْإِدَاوَةِ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُخْرِجَ ذِرَاعَيْهِ مِنْهَا حَتَّى أَخْرَجَهُمَا مِنْ أَسْفَلِ الْجُبَّةِ فَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ أَهْوَيْتُ لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ فَقَالَ: «دَعْهُمَا فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ» ، فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِلَى الْكَعْبَيْنِ، والكعبان هُمَا الْعَظْمَانِ النَّاتِئَانِ مِنْ جَانِبَيِ القدمين، وهما مجمع مَفْصِلِ السَّاقِ وَالْقَدَمِ، فَيَجِبُ غَسْلُهُمَا مَعَ الْقَدَمَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْمِرْفَقَيْنِ. وَفَرَائِضُ الْوُضُوءِ غَسْلُ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَسْحُ الرَّأْسِ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي وُجُوبِ النِّيَّةِ، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إلى وجوبها لأنّ الوضوء عبادة تفتقر إِلَى النِّيَّةِ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ [وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ] [2] ، وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ التَّرْتِيبِ وَهُوَ أَنْ يَغْسِلَ أَعْضَاءَهُ عَلَى الْوَلَاءِ كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى وُجُوبِهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ، وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ [الْبَقَرَةِ:
158] .
«768» وَبَدَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّفَا، وَقَالَ: «نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» ، وَكَذَلِكَ هَاهُنَا بَدَأَ اللَّهُ تَعَالَى بِذِكْرِ غسل
__________
محمد بن عمرو بن عطاء أنه كان جالسا مع نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم فذكرنا صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فقال أبو حميد الساعدي:
أنا كنت أحفكم لصلاة رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم رأيته إذا كبّر جعل يديه حذاء منكبيه، وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه، ثم هصر ظهره....» .
وفي الباب من حديث مصعب بن سعد يقول: «صليت إلى جنب أبي فطبّقت بين كفي ثم وضعتهما بين فخذي، فنهاني أبي وقال: كنا نفعله فنهينا عنه، وأمرنا أن نضع أيدينا على الركب» .
أخرجه البخاري 790 ومسلم 29 والبيهقي (2/ 83 و84) .
767- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، أبو نعيم هو الفضل بن دكين، زكريا هو ابن أبي زائدة خالد، عامر هو ابن شراحيل الشعبي.
وهو في «شرح السنة» 235 بهذا الإسناد.
هو في «صحيح البخاري» 5799 عن أبي نعيم بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 206 ومسلم 274 ح 79 من طريق زكريا بهذا الإسناد.
وأخرجه أبو داود 151 والنسائي (1/ 63) والشافعي (1/ 32) والحميدي 758 وأحمد (4/ 251 و255) والدارمي (1/ 181) وابن حبان 1326 وأبو عوانة (1/ 225 و226) وابن خزيمة 190 و191 والطحاوي (1/ 83) والخطيب (12/ 427) والطبراني في «الكبير» (20/ 864 و866 و867 و868 و869 و871) من طرق عامر الشعبي بهذا الإسناد.
وانظر الحديث المتقدم برقم: 763. [.....]
768- تقدم برقم: 118.
(1) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(2) زيادة عن المخطوط.

(2/25)


الْوَجْهِ فَيَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَبْدَأَ فِعْلًا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ تَعَالَى بذكره، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ سُنَّةٌ، وَقَالُوا: الْوَاوَاتُ الْمَذْكُورَةُ فِي الآية للجمع لَا لِلتَّرْتِيبِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ [التوبة: 60] الآية، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا تَجِبُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ فِي صَرْفِ الصَّدَقَاتِ إِلَى أَهْلِ السُّهْمَانِ، وَمَنْ أَوْجَبَ التَّرْتِيبَ أَجَابَ بِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَاعَى التَّرْتِيبَ بَيْنَ أَهْلِ السُّهْمَانِ، وَفِي الْوُضُوءِ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ تَوَضَّأَ إِلَّا مُرَتِّبًا كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى، وَبَيَانُ الْكِتَابِ يُؤْخَذُ مِنَ السُّنَّةِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا [الْحَجِّ: 77] ، لَمَّا قَدَّمَ ذِكْرَ الرُّكُوعِ عَلَى السُّجُودِ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ فَعَلَ إِلَّا كَذَلِكَ فَكَانَ مراعاة الترتيب فيه واجبا، كذلك الترتيب هاهنا. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا، أَيِ: اغْتَسِلُوا.
«769» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ [عَنْ أَبِيهِ] [1] عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ بَدَأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي الْمَاءِ فَيُخَلِّلُ بِهَا أُصُولَ شَعْرِهِ، ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ غَرْفَاتٍ بِيَدَيْهِ، ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى جِلْدِهِ كُلِّهِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ، فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ مَسْحُ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ بِالصَّعِيدِ وَهُوَ التُّرَابُ، مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ، بِمَا فَرَضَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ، مِنْ حَرَجٍ: ضِيقٍ، وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ، مِنَ الْأَحْدَاثِ وَالْجَنَابَاتِ وَالذُّنُوبِ، وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: إِتْمَامُ النِّعْمَةِ تَكْفِيرُ الْخَطَايَا بِالْوُضُوءِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [الْفَتْحِ: 2] ، فَجَعَلَ تَمَامَ نِعْمَتِهِ غُفْرَانَ ذنوبه.
«770» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ أَحْمَدَ الْخَلَّالِ أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأصم أنا
__________
769- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، عروة هو ابن الزبير.
هو في «شرح السنة» 246 بهذا الإسناد.
وهو في «الموطأ» (1/ 44) عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أبيه به.
ومن طريق مالك أخرجه البخاري 248 والنسائي (1/ 134 و200) والشافعي (1/ 36 و37) وابن حبان 1196 والبيهقي (1/ 175 و194) وفي «المعرفة» (1/ 427) .
وأخرجه البخاري 262 و272 ومسلم 316 وأبو داود 242 والترمذي 104 والنسائي (1/ 135) وعبد الرزاق 999 وابن أبي شيبة (1/ 63) والحميدي 163 وأحمد (6/ 101) والدارمي (1/ 191) وابن خزيمة 342 والبيهقي (1/ 172 و173 و174 و175 و176 و193) من طرق عن هشام بن عروة به.
وأخرجه مسلم 321 ح 43 والنسائي (1/ 132 و134) وأحمد (6/ 96 و143 و173) وابن أبي شيبة (1/ 63) وابن حبان 1191 والبيهقي (1/ 172 و174) من طرق عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرحمن عن عائشة به.
وأخرجه البخاري 258 ومسلم 318 وأبو داود 240 والنسائي (1/ 206) وابن خزيمة 245 وابن حبان 1197 والبيهقي (1/ 184) من طرق عن أبي عاصم عن حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ به.
(1) زيادة عن شرح السنة وكتب التخريج.
770- إسناده صحيح ورجاله ثقات، سفيان هو ابن عيينة، حمران هو ابن أبان.
وهو في «شرح السنة» 152 بهذا الإسناد.
وأخرجه الشافعي في «مسنده» (1/ 31) عن سفيان بهذا الإسناد ومن طريقه البيهقي في «المعرفة» (1/ 225) .

(2/26)


وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9)

الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ أَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حُمْرَانَ: أَنَّ عُثْمَانَ تَوَضَّأَ بِالْمَقَاعِدِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ تَوَضَّأَ وُضُوئِي هَذَا خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ» .
«771» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ: أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَلَسَ عَلَى الْمَقَاعِدِ يَوْمًا فَجَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ فَآذَنَهُ بِصَلَاةِ الْعَصْرِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لَأُحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثًا لَوْلَا آيَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا حَدَّثْتُكُمُوهُ، ثُمَّ قَالَ:
إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا مِنَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ ثُمَّ يُصَلِّي الصَّلَاةَ إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى حَتَّى يُصَلِّيَهَا» ، قَالَ مَالِكٌ: أَرَاهُ يُرِيدُ هَذِهِ الْآيَةَ: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه: 17] ، ورواه ابن شهاب، وقال: [قال] [1] عُرْوَةُ: الْآيَةُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى [الْبَقَرَةِ: 159] .
«772» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمُلَيْحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ أَنَا اللَّيْثُ عَنْ خَالِدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ [أَبِي] [2] هِلَالٍ عَنْ نُعَيْمٍ الْمُجَمَّرِ قَالَ: رَقِيتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى ظَهْرِ [3] سطح الْمَسْجِدِ، فَتَوَضَّأَ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثار الوضوء، فمن استطاع [منكم] [4] أَنْ يُطِيلَ مِنْكُمْ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ» .

[سورة المائدة (5) : الآيات 7 الى 9]
وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (7) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (8) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9)
__________
وانظر الحديث المتقدم برقم: 749.
وفي الباب من حديث أبي هريرة عند مسلم 244 والترمذي 2 ومالك (1/ 32) وأحمد (2/ 303) والدارمي (1/ 183) وابن حبان 1040 وابن خزيمة 4 والبيهقي (1/ 81) .
771- إسناده صحيح على شرطهما، حمران هو ابن أبان مولى عثمان بن عفان.
وهو في «شرح السنة» 153 بهذا الإسناد.
وهو في «الموطأ» (1/ 30) من طريق هشام بن عروة به.
وانظر مزيد الكلام عليه عند الحديث المتقدم برقم: 749.
772- إسناده على شرط البخاري ومسلم، الليث هو ابن سعد، خالد هو ابن يزيد المصري، نعيم. بفتح النون. هو ابن عبد الله المدني، ويعرف بالمجمر.
وهو في «شرح السنة» 218 بهذا الإسناد.
وهو في «صحيح البخاري» 136 عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ بِهَذَا الإسناد.
وأخرجه أحمد (2/ 400) والبيهقي (1/ 57) من طريق الليث بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم 246 ح 35 وابن حبان 1049 من طريق ابن وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ به.
وأخرجه أحمد (2/ 362) عن معاوية بن عمرو قال: حدثنا زائدة عن ليث عن كعب عن أبي هريرة به.
(1) زيادة عن «شرح السنة» .
(2) سقط من المخطوط.
(3) زيادة عن «شرح السنة» .
(4) زيادة عن المخطوط.

(2/27)


وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (10) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11)

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، يَعْنِي: النِّعَمَ كُلَّهَا، وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ، عَهْدَهُ الَّذِي عَاهَدَكُمْ [1] بِهِ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا، وَذَلِكَ حِينَ بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وفيما أَحَبُّوا وَكَرِهُوا، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَمُقَاتِلٌ: يَعْنِي الْمِيثَاقَ الَّذِي أُخِذَ عَلَيْهِمْ حِينَ أَخْرَجَهُمْ مِنْ صُلْبِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ، بِمَا فِي الْقُلُوبِ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ، أي: كونوا له قَائِمِينَ بِالْعَدْلِ قَوَّالِينَ بِالصِّدْقِ، أَمَرَهُمْ بِالْعَدْلِ وَالصِّدْقِ فِي أَفْعَالِهِمْ [2] وَأَقْوَالِهِمْ، وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ، وَلَا يَحْمِلَنَّكُمْ، شَنَآنُ قَوْمٍ، بُغْضُ قَوْمٍ، عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا، أَيْ: عَلَى تَرْكِ الْعَدْلِ فِيهِمْ لِعَدَاوَتِهِمْ. ثُمَّ قَالَ:
اعْدِلُوا، يَعْنِي: فِي أَوْلِيَائِكُمْ وَأَعْدَائِكُمْ، هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى، يَعْنِي: إِلَى التَّقْوَى، وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ.
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9) ، وَهَذَا فِي مَوْضِعِ النَّصْبِ، لِأَنَّ فِعْلَ الْوَعْدِ وَاقِعٌ عَلَى الْمَغْفِرَةِ وَرَفْعُهَا عَلَى تَقْدِيرٍ، أَيْ: وَقَالَ لَهُمْ: مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عظيم.

[سورة المائدة (5) : الآيات 10 الى 11]
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (10) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (10) .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، بِالدَّفْعِ عَنْكُمْ، إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ، بِالْقَتْلِ.
«773» قَالَ قَتَادَةُ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَطْنِ نَخْلٍ فَأَرَادَ بَنُو ثَعْلَبَةَ وَبَنُو مُحَارِبٍ أَنْ يَفْتِكُوا بِهِ وَبِأَصْحَابِهِ إِذَا اشْتَغَلُوا بِالصَّلَاةِ، فَأَطْلَعَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى نَبِيَّهُ عَلَى ذَلِكَ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ صَلَاةَ الْخَوْفِ.
«774» وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَاصِرًا غَطْفَانَ بِنَخْلٍ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ: هَلْ لَكَمَ فِي أَنْ أَقْتُلَ مُحَمَّدًا؟ قَالُوا: وَكَيْفَ تَقْتُلُهُ؟ قَالَ: أَفْتِكُ بِهِ، قَالُوا: وَدِدْنَا أَنَّكَ قَدْ فَعَلْتَ ذَلِكَ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَقَلِّدٌ سَيْفَهُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَرِنِي سَيْفَكَ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَهُزُّ السَّيْفَ، وينظر مرة إلى
__________
773- مرسل. أخرجه الطبري 11568 عن قتادة مرسلا بأتم منه. [.....]
774- لم أره من مرسل الحسن، وقد ذكره السيوطي في «أسباب النزول» 415 من طريق الحسن عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ به.
ونسبه لأبي نعيم في «دلائل النبوة» والحسن لم يسمع من جابر كما في «المراسيل» لابن أبي حاتم.
وأصل هذا الخبر تقدم برقم: 690.
(1) كذا في المطبوع وط، وفي المخطوط «عاهدكم» .
(2) في المطبوع وط «أعمالهم» .

(2/28)


وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (12)

السَّيْفِ وَمَرَّةً إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: «اللَّهُ» ، فَتَهَدَّدَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَامَ [1] السَّيْفَ وَمَضَى، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
«775» وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَالْكَلْبِيُّ وَابْنُ يَسَارٍ [2] عَنْ رِجَالِهِ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُنْذِرَ بْنَ عَمْرٍو السَّاعِدِيَّ وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءُ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ إِلَى بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ فَخَرَجُوا فَلَقَوْا عَامِرَ بْنَ الطُّفَيْلِ عَلَى بِئْرِ مَعُونَةَ وَهِيَ مِنْ مِيَاهِ بَنِي عَامِرٍ واقتتلوا فَقُتِلَ الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو وَأَصْحَابُهُ إِلَّا ثَلَاثَةَ نَفَرٍ كَانُوا فِي طَلَبِ ضَالَّةٍ لَهُمْ أَحَدُهُمْ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ فَلَمْ يَرُعْهُمْ إِلَّا الطَّيْرُ تَحُومُ فِي السَّمَاءِ تسقط مِنْ بَيْنِ خَرَاطِيمِهَا عَلَقُ الدَّمِ، فَقَالَ أَحَدُ النَّفَرِ: قُتِلَ أَصْحَابُنَا ثُمَّ تَوَلَّى يَشْتَدُّ حَتَّى لَقِيَ رَجُلًا فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ فَلَمَّا خَالَطَتْهُ الضَّرْبَةُ رَفْعَ رَأَسَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَفَتَحَ عَيْنَيْهِ، وَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ الْجَنَّةُ وَرَبِّ الْعَالَمِينَ، فَرَجَعَ صَاحِبَاهُ فَلَقِيَا رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي سَلِيمٍ، وَكَانَ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ قَوْمِهِمَا مُوَادَعَةٌ، فَانْتَسَبَا لَهُمَا إِلَى بَنِي عَامِرٍ فقتلاهما فقدم [3] قَوْمُهُمَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطْلُبُونَ الدِّيَةَ فَخَرَجَ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعْلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، حَتَّى دَخَلُوا عَلَى كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَبَنِي النَّضِيرِ يَسْتَعِينُهُمْ فِي عَقْلِهِمَا، وَكَانُوا قَدْ عَاهَدُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ وَعَلَى أَنْ يُعِينُوهُ فِي الدِّيَاتِ، قَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ قَدْ آنَ لَكَ أَنْ تَأْتِيَنَا وَتَسْأَلَنَا حَاجَةً، اجْلِسْ حَتَّى نُطْعِمَكَ وَنُعْطِيَكَ الَّذِي سَأَلْتَهُ، فَجَلَسَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، فَخَلَا بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ وَقَالُوا: إِنَّكُمْ لَنْ تَجِدُوا مُحَمَّدًا أَقْرَبَ مِنْهُ الْآنَ فَمَنْ يَظْهَرُ عَلَى هَذَا الْبَيْتِ فَيَطْرَحُ عَلَيْهِ صَخْرَةً فَيُرِيحُنَا مِنْهُ؟ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ جَحَّاشٍ [4] : أَنَا، فَجَاءَ إِلَى رَحًى عَظِيمَةٍ لِيَطْرَحَهَا عَلَيْهِ فَأَمْسَكَ اللَّهُ تَعَالَى يَدَهُ وَجَاءَ جِبْرِيلُ وَأَخْبَرَهُ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ ثُمَّ دَعَا عَلِيًّا فَقَالَ: لَا تبرح مكانك فَمَنْ خَرَجَ عَلَيْكَ مِنْ أَصْحَابِي فَسَأَلَكَ عَنِّي فَقُلْ: تَوَجَّهَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَتَّى تَنَاهَوْا إِلَيْهِ ثُمَّ تَبِعُوهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ وَقَالَ: فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ.

[سورة المائدة (5) : آية 12]
وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (12)
وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يُورِثَهُ وَقَوْمَهُ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ وَهِيَ الشَّامُ، وَكَانَ يَسْكُنُهَا الْكَنْعَانِيُّونَ الجبارون،
__________
775- إسناد المصنف إليهم مذكور أول الكتاب، وذكره الواحدي في «أسباب النزول» 387 عن مجاهد والكلبي وعكرمة مختصرا بدون إسناد.
وأخرجه الطبري 11565 عن عكرمة مرسلا و11560 عن عاصم بن عمر بن قتادة مختصرا مرسلا.
وانظر «دلائل النبوة» للبيهقي (3/ 176، 183) .
(1) شام السيف: أغمده. وهو من الأضداد فيقال أيضا: شام السيف: إذا سلّه.
(2) ابن يسار هو مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ صاحب المغازي.
(3) تصحف في المطبوع «وقدما» .
(4) وقع في الأصل «حجاش» وهو تصحيف.

(2/29)


فَلَمَّا اسْتَقَرَّتْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ الدَّارُ بِمِصْرَ أَمَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِالسَّيْرِ إلى أريحا مِنْ أَرْضِ الشَّامِ وَهِيَ الْأَرْضُ الْمُقَدَّسَةُ، وَكَانَتْ [1] لَهَا أَلْفُ قَرْيَةٍ فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَلْفُ بُسْتَانٍ، وَقَالَ: يَا مُوسَى إِنِّي كَتَبْتُهَا لَكُمْ دَارًا وَقَرَارًا فَاخْرُجْ إِلَيْهَا وَجَاهِدْ مَنْ فِيهَا مِنَ الْعَدُوِّ فَإِنِّي نَاصِرُكَ عَلَيْهِمْ، وَخُذْ مِنْ قَوْمِكَ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا مِنْ كُلِّ سِبْطٍ نَقِيبًا، يَكُونُ كَفِيلًا عَلَى قَوْمِهِ بِالْوَفَاءِ مِنْهُمْ عَلَى مَا أُمِرُوا بِهِ، فَاخْتَارَ مُوسَى النُّقَبَاءَ وَسَارَ مُوسَى بِبَنِي إِسْرَائِيلَ حتى قربوا من أريحا [وهي مدينة الجبارين] [2] ، فَبَعَثَ هَؤُلَاءِ النُّقَبَاءَ يَتَجَسَّسُونَ لَهُ الْأَخْبَارَ وَيَعْلَمُونَ عِلْمَهَا، فَلَقِيَهُمْ رَجُلٌ مِنَ الْجَبَابِرَةِ يُقَالُ لَهُ عُوجُ بن عُنُقٍ، وَكَانَ طُولُهُ ثَلَاثَةَ آلَافٍ وثلاثمائة وثلاث وَثَلَاثِينَ ذِرَاعًا وَثُلُثَ ذِرَاعٍ، وَكَانَ يحتجز بِالسَّحَابِ وَيَشْرَبُ مِنْهُ وَيَتَنَاوَلُ الْحُوتَ مِنْ قَرَارِ الْبَحْرِ فَيَشْوِيهِ بِعَيْنِ الشَّمْسِ يَرْفَعُهُ إِلَيْهَا ثُمَّ يَأْكُلُهُ. ويروى أن الماء في زمن نوح عليه السلام طَبَقَ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ جَبَلٍ وَمَا جَاوَزَ رُكْبَتَيْ عُوجٍ [3] ، وَعَاشَ ثَلَاثَةَ آلَافِ سَنَةٍ حَتَّى أَهْلَكَهُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ جَاءَ وَقَلَعَ صَخْرَةً مِنَ الْجَبَلِ عَلَى قَدْرِ عَسْكَرِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَكَانَ فَرْسَخًا فِي فَرْسَخٍ، وَحَمَلَهَا لِيُطْبِقَهَا عَلَيْهِمْ فَبَعَثَ اللَّهُ الْهُدْهُدَ فَقَوَّرَ الصَّخْرَةَ بِمِنْقَارِهِ فَوَقَعَتْ فِي عُنُقِهِ فَصَرَعَتْهُ، فَأَقْبَلَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ مَصْرُوعٌ فَقَتَلَهُ، وَكَانَتْ أُمُّهُ عُنُقَ إِحْدَى بَنَاتِ آدَمَ وَكَانَ مَجْلِسُهَا جَرِيبًا مِنَ الْأَرْضِ، فَلَمَّا لَقِيَ عُوجٌ النُّقَبَاءَ وَعَلَى رَأْسِهِ حَزْمَةُ حَطَبٍ أَخَذَ الِاثْنَيْ عَشَرَ وَجَعَلَهُمْ فِي حُجْزَتِهِ وَانْطَلَقَ بِهِمْ إِلَى امْرَأَتِهِ، وَقَالَ: انْظُرِي إِلَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ قِتَالَنَا، وَطَرَحَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهَا وَقَالَ: أَلَا أَطْحَنُهُمْ بِرِجْلِي؟ فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: لَا بَلْ خَلِّ عَنْهُمْ حَتَّى يُخْبِرُوا قَوْمَهُمْ بِمَا رَأَوْا، فَفَعَلَ ذَلِكَ. وَرُوِيَ: أَنَّهُ جَعَلَهُمْ فِي كُمِّهِ وَأَتَى بِهِمْ إِلَى الملك فنثرهم بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ الْمَلِكُ: ارْجِعُوا فَأَخْبِرُوهُمْ بِمَا رَأَيْتُمْ، وَكَانَ لَا يَحْمِلُ عُنْقُودًا مِنْ عِنَبِهِمْ إِلَّا خَمْسَةَ أَنْفُسٍ مِنْهُمْ فِي خَشَبَةٍ، وَيَدْخُلُ فِي شَطْرِ الرُّمَّانَةِ إِذَا نُزِعَ مِنْهَا حَبُّهَا خَمْسَةُ أَنْفُسٍ، فَرَجَعَ النُّقَبَاءُ وَجَعَلُوا يَتَعَرَّفُونَ أَحْوَالَهُمْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: يَا قَوْمِ، إِنَّكُمْ إِنْ أَخْبَرْتُمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ خَبَرَ الْقَوْمِ ارْتَدُّوا عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ وَلَكِنِ اكْتُمُوا [4] ، وَأَخْبِرُوا مُوسَى وَهَارُونَ فَيَرَيَانِ رَأْيَهُمَا وَأَخَذَ بَعْضُهُمْ على بعض الْمِيثَاقَ بِذَلِكَ، ثُمَّ إِنَّهُمْ نَكَثُوا الْعَهْدَ وَجَعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَنْهَى سِبْطَهُ عَنْ قِتَالِهِمْ وَيُخْبِرُهُمْ بِمَا رَأَى إِلَّا رَجُلَانِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً. وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ، نَاصِرُكُمْ عَلَى عَدُوِّكُمْ، ثُمَّ ابْتَدَأَ الْكَلَامَ فَقَالَ: لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ، يَا مَعْشَرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ، نصرتموهم، وقيل:
وقّرتموهم وَعَظَّمْتُمُوهُمْ، وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً، قِيلَ: هُوَ إِخْرَاجُ الزَّكَاةِ، وَقِيلَ: هُوَ النَّفَقَةُ عَلَى الْأَهْلِ، لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ، لَأَمْحُوَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ، وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ، أَيْ: أَخْطَأَ قَصْدَ السَّبِيلِ، يُرِيدُ طريق الحق،
__________
(1) في المطبوع وحده «كان» .
(2) زيد في المطبوع.
(3) هذه الأخبار من مجازافات الإسرائيليين وترّهاتهم وأساطيرهم، وفي مثل هذه مخالفة صريحة لكتاب الله تعالى فقد قال تعالى:
قالَ لَا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ والمراد من ركب في السفينة وآمن. وكل ما ورد في صفة عوج وأخباره إسرائيلي، حتى وجود شخص يسمى بذلك لم يثبت، ولعله وهم أو ضرب من الخيال، فتنبه والله أعلم.
(4) هذه الأخبار من الإسرائيليات وقد قال الحافظ ابن كثير في «التفسير» (2/ 50) بعد أن ذكر بعض هذه الأخبار: وهذا شيء يستحيا من ذكره ثم هو مخالف لما ثبت في الصحيح أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ خلق آدم وطوله ستون ذراعا، ثم لم يزل الخلق ينقص حتى الآن» .

(2/30)


فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13) وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (14)

وسواء كل شيء: وسطه.

[سورة المائدة (5) : الآيات 13 الى 14]
فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13) وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (14)
فَبِما نَقْضِهِمْ، أَيْ: فبنقضهم، وما صِلَةٌ، مِيثاقَهُمْ، قَالَ قَتَادَةُ: نَقَضُوهُ مِنْ وُجُوهٍ لِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا الرُّسُلَ الذين جاؤوا بعد موسى وقتلوا الأنبياء وَنَبَذُوا كِتَابَهُ وَضَيَّعُوا فَرَائِضَهُ، لَعَنَّاهُمْ، قَالَ عَطَاءٌ: أَبْعَدْنَاهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا، قَالَ الْحَسَنُ وَمُقَاتِلٌ: عَذَّبْنَاهُمْ بِالْمَسْخِ، وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ «قَسِيَّةً» بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ مِنْ غَيْرِ أَلْفٍ، وَهُمَا لُغَتَانِ مِثْلُ الذَّاكِيَةِ وَالذَّكِيَّةِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «قَاسِيَةٌ» أَيْ يَابِسَةٌ، وَقِيلَ: غَلِيظَةٌ لَا تَلِينُ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: إِنَّ قُلُوبَهُمْ لَيْسَتْ بِخَالِصَةٍ لِلْإِيمَانِ بَلْ إِيمَانُهُمْ مَشُوبٌ بِالْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ، وَمِنْهُ الدَّرَاهِمُ الْقَاسِيَةُ [1] وَهِيَ الرَّدِيَّةُ الْمَغْشُوشَةُ. يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ، قِيلَ: هُوَ تَبْدِيلُهُمْ نَعْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقِيلَ: تَحْرِيفُهُمْ بِسُوءِ التَّأْوِيلِ، وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ، أَيْ: وَتَرَكُوا نَصِيبَ أَنْفُسِهِمْ مِمَّا أُمِرُوا بِهِ مِنَ الْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيَانِ نَعْتِهِ، وَلا تَزالُ، يَا مُحَمَّدُ، تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ
، أَيْ: عَلَى خِيَانَةٍ، فَاعِلَةٍ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ كَالْكَاذِبَةِ وَاللَّاغِيَةِ، وَقِيلَ: هُوَ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ وَالْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ مِثْلُ رَوَّايَةٍ [2] وَنَسَّابَةٍ وَعَلَّامَةٍ وَحَسَّابَةٍ، وَقِيلَ: عَلَى فِرْقَةٍ خَائِنَةٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: عَلَى خَائِنَةٍ، أَيْ: عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَكَانَتْ خِيَانَتُهُمْ نَقْضَهُمُ الْعَهْدِ وَمُظَاهَرَتَهُمُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى حَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَمِّهِمْ بِقَتْلِهِ وَسَمِّهِ، وَنَحْوِهِمَا]
مِنْ خِيَانَاتِهِمُ الَّتِي ظَهَرَتْ منهم، إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ، لَمْ يَخُونُوا وَلَمْ يَنْقُضُوا الْعَهْدَ وَهُمُ الَّذِينَ أَسْلَمُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ، أَيْ: أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَلَا تَتَعَرَّضْ لَهُمْ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ، وَهَذَا مَنْسُوخٌ بِآيَةِ السَّيْفِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ، قِيلَ: أَرَادَ بِهِمُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى فَاكْتَفَى بِذِكْرِ أَحَدِهِمَا [4] ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْآيَةَ فِي النَّصَارَى خَاصَّةً لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْيَهُودِ، وَقَالَ الْحَسَنُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ نَصَارَى بِتَسْمِيَتِهِمْ لَا بِتَسْمِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى، أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فِي التَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ، فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ، بِالْأَهْوَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ وَالْجِدَالِ فِي الدِّينِ، قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: يَعْنِي بَيْنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَقَالَ قَوْمٌ [5] : هُمُ النَّصَارَى وَحْدَهُمْ صَارُوا فِرَقًا مِنْهُمُ الْيَعْقُوبِيَّةُ وَالنَّسْطُورِيَّةُ وَالْمَلْكَانِيَّةُ وَكُلُّ فِرْقَةٍ تُكَفِّرُ الْأُخْرَى، وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ فِي الْآخِرَةِ.
يَا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا
__________
(1) كذا في المطبوع وط، وفي المخطوط «القسية» .
(2) كذا في المطبوع وط، وفي المخطوط «راوية» . [.....]
(3) في المخطوط وحده «ونحوها» .
(4) في المخطوط «أحدهم» .
(5) في المطبوع وحده «الربيع» .

(2/31)


يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (20)

[سورة المائدة (5) : الآيات 15 الى 17]
يَا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (16) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يَخْلُقُ مَا يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَهْلَ الْكِتابِ، يُرِيدُ يَا أَهْلَ الْكِتَابَيْنِ، قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ، أَيْ: مِنَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ مِثْلُ صِفَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وآية الرجم وغير ذلك، وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ، أَيْ: يُعْرِضُ عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا أَخْفَيْتُمْ فَلَا يَتَعَرَّضُ لَهُ وَلَا يُؤَاخِذُكُمْ بِهِ، قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ، يَعْنِي: مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقِيلَ: الْإِسْلَامُ، وَكِتابٌ مُبِينٌ، أَيْ:
بَيِّنٌ، وَقِيلَ: مُبِينٌ وَهُوَ الْقُرْآنُ.
يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ، رِضَاهُ، سُبُلَ السَّلامِ، قِيلَ: السَّلَامُ هُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَسَبِيلُهُ [1] دِينُهُ الَّذِي شَرَعَ لِعِبَادِهِ، وَبَعَثَ بِهِ رُسُلَهُ، وَقِيلَ: السَّلَامُ هُوَ السَّلَامَةُ، كَاللَّذَاذِ وَاللَّذَاذَةِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ طُرُقُ السَّلَامَةِ، وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ، أَيْ: مِنْ ظُلُمَاتِ الْكُفْرِ إِلَى نُورِ الْإِيمَانِ، بِإِذْنِهِ، بِتَوْفِيقِهِ وَهِدَايَتِهِ، وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ، وَهُوَ الإسلام.
قوله تبارك وتعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ، وَهُمُ الْيَعْقُوبِيَّةُ مِنَ النَّصَارَى يَقُولُونَ الْمَسِيحُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً، أَيْ: مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَدْفَعَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ شَيْئًا إِذَا قَضَاهُ؟ إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يَخْلُقُ مَا يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

[سورة المائدة (5) : الآيات 18 الى 20]
وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18) يَا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ (20)
وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، قِيلَ: أَرَادُوا أَنَّ الله تعالى كالأب لنا فِي الْحُنُوِّ وَالْعَطْفِ، وَنَحْنُ كَالْأَبْنَاءِ لَهُ فِي الْقُرْبِ وَالْمَنْزِلَةِ، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: إِنَّ الْيَهُودَ وَجَدُوا فِي التَّوْرَاةِ يَا أَبْنَاءَ أَحْبَارِي فَبَدَّلُوا يَا أَبْنَاءَ أَبْكَارِي فَمِنْ ذَلِكَ قَالُوا نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ، وقيل: معناه نحن أبناء الله يعني أَبْنَاءُ رُسُلِ اللَّهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ، يُرِيدُ إِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَبْنَاؤُهُ وَأَحِبَّاؤُهُ فَإِنَّ الْأَبَ لَا يُعَذِّبُ وَلَدَهُ، وَالْحَبِيبَ لَا يعذب حبيبه، وأنتم مقرون بأنه مُعَذِّبُكُمْ؟ وَقِيلَ: فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ، أَيْ: لِمَ عَذَّبَ مَنْ قَبْلَكُمْ بِذُنُوبِهِمْ فَمَسَخَهُمْ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ؟ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ، كَسَائِرِ بَنِي آدم
__________
(1) في المخطوط «وسبله» .

(2/32)


مَجْزِيُّونَ بِالْإِسَاءَةِ وَالْإِحْسَانِ، يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ فَضْلًا، وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ عدلا، وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ.
يَا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا، مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُبَيِّنُ لَكُمْ أَعْلَامَ الْهُدَى وَشَرَائِعَ الدِّينِ، عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ، أي: [على] [1] انْقِطَاعٍ مِنَ الرُّسُلِ، وَاخْتَلَفُوا فِي مُدَّةِ الْفَتْرَةِ بَيْنَ عِيسَى عَلَيْهِ السلام و [بَيْنَ] [2] مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ: سِتُّمِائَةِ سَنَةٍ، وَقَالَ قَتَادَةُ: خَمْسُمِائَةٍ وَسِتُّونَ سَنَةً، وَقَالَ مَعْمَرٌ وَالْكَلْبِيُّ: خَمْسُمِائَةٍ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً، وَسُمِّيَتْ فَتْرَةً لِأَنَّ الرُّسُلَ كَانَتْ تَتْرَى [3] بَعْدَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ غَيْرِ انْقِطَاعٍ إِلَى زَمَنِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَمْ يَكُنْ بَعْدَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ سِوَى رَسُولِنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَنْ تَقُولُوا، كَيْلَا تَقُولُوا، مَا جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ، أَيْ:
مِنْكُمْ أَنْبِيَاءَ، وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً، [أي: فيكم مُلُوكًا] [4] ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يَعْنِي أَصْحَابَ خَدَمٍ وَحَشَمٍ، قَالَ قَتَادَةُ: كَانُوا أَوَّلَّ مَنْ مَلَكَ الْخَدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لِمَنْ قَبْلَهُمْ خَدَمٌ.
«776» وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ [5] النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِذَا كَانَ لِأَحَدِهِمْ خَادِمٌ وَامْرَأَةٌ وَدَابَّةٌ يُكْتَبُ مَلِكًا» .
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيُّ [6] : سَمِعْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: أَلَسْنَا مِنْ فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ؟ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ: أَلَكَ امْرَأَةٌ تَأْوِي إِلَيْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَلَكَ مَسْكَنٌ تَسْكُنُهُ؟
قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَنْتَ مِنَ الْأَغْنِيَاءِ، قَالَ: فَإِنَّ لِي خَادِمًا، قَالَ: فَأَنْتَ مِنَ الْمُلُوكِ [7] . قَالَ السُّدِّيُّ:
وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا أحرارا تملكون أمر أنفسكم بعد ما كُنْتُمْ فِي أَيْدِي الْقِبْطِ يَسْتَعْبِدُونَكُمْ. قَالَ الضَّحَّاكُ: كَانَتْ مَنَازِلُهُمْ وَاسِعَةً فِيهَا مِيَاهٌ جَارِيَةٌ فَمَنْ كَانَ مَسْكَنُهُ وَاسِعًا وَفِيهِ مَاءٌ [8] جَارٍ فَهُوَ مَلِكٌ. وَآتاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ، يَعْنِي: عَالَمِي زَمَانِكُمْ، قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي الْمَنَّ وَالسَّلْوَى وَالْحَجَرَ وَتَظْلِيلَ الْغَمَامِ.
__________
776- ضعيف والصواب موقوف. أخرجه ابن أبي حاتم كما في تفسير ابن كثير 2/ 49. فقال: ذكر عن ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ دَرَّاجٍ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِذَا كَانَ لِأَحَدِهِمْ ... » .
قاله ابن كثير في «تفسيره» 2/ 49.
وهذا إسناد ضعيف جدّا له ثلاث علل. الأولى: ذكره ابن أبي حاتم عن ابن لهيعة تعليقا، وبصيغة التمريض. والثانية:
ضعف ابن لهيعة. والثالثة: ضعف درّاج في روايته عن أبي الهيثم.
وقال ابن كثير: وهذا حديث غريب من هذا الوجه.
وورد عن زيد بن أسلم مرسلا: «من كان له بيت وخادم فهو ملك» . أخرجه الطبري 11629 والمرسل من قسم الضعيف.
وأخرجه الطبري 11630 عن الحسن قوله، وورد عن ابن عباس وابن عمرو بن العاص موقوفا، وهو أولى بالصواب والله أعلم.
1 زيادة عن المخطوط.
2 زيادة عن المخطوط.
(3) أي متتابعة.
(4) زيد في المطبوع وحده.
(5) في المطبوع «أن» .
(6) وقع في الأصل «السلمي» والتصويب عن «ط» و «صحيح مسلم» .
(7) أخرجه مسلم 2979 عن أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ، أخبرنا ابن وهب أخبرني أبو هانىء سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيَّ يقول:
سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بن العاص ... فذكره.
(8) في المطبوع «نهر» .

(2/33)


يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22) قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24) قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25) قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (26)

[سورة المائدة (5) : الآيات 21 الى 22]
يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (21) قالُوا يَا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ (22)
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ، اخْتَلَفُوا فِي الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ الطُّورُ وَمَا حَوْلَهُ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: إِيلِيَّا وَبَيْتُ الْمَقْدِسِ، وَقَالَ عكرمة والسدي: هي أريحا، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هِيَ دِمَشْقُ وَفِلَسْطِينُ وَبَعْضُ الْأُرْدُنِّ، وَقَالَ قَتَادَةُ: هِيَ الشَّامُ كُلُّهَا، قَالَ كَعْبٌ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِ اللَّهِ الْمُنَزَّلِ أَنَّ الشَّامَ كَنْزُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ وَبِهَا أَكْثَرُ عِبَادِهِ. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ، يَعْنِي:
كَتَبَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَنَّهَا لكم مساكن، وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَهَبَ اللَّهُ لَكُمْ، وَقِيلَ: جَعَلَهَا لَكُمْ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: أَمَرَكُمُ اللَّهُ بِدُخُولِهَا، وَقَالَ قَتَادَةُ: أُمِرُوا بِهَا كَمَا أُمِرُوا بِالصَّلَاةِ، أَيْ: فَرَضَ عَلَيْكُمْ. وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ، أَعْقَابِكُمْ بِخِلَافِ أَمْرِ اللَّهِ، فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: صَعِدَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ جَبَلَ لُبْنَانَ فَقِيلَ لَهُ: انْظُرْ ما أَدْرَكَهُ بَصَرُكَ فَهُوَ مُقَدَّسٌ وَهُوَ مِيرَاثٌ لِذُرِّيَّتِكَ.
قالُوا يَا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ، وَذَلِكَ أَنَّ النُّقَبَاءَ الَّذِينَ خَرَجُوا يَتَجَسَّسُونَ الْأَخْبَارَ لَمَّا رَجَعُوا إِلَى مُوسَى وَأَخْبَرُوهُ بِمَا عَايَنُوا، قَالَ لَهُمْ مُوسَى: اكْتُمُوا شَأْنَهُمْ وَلَا تُخْبِرُوا بِهِ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعَسْكَرِ فَيَفْشَلُوا، فَأَخْبَرَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ قَرِيبَهُ وَابْنَ عَمِّهِ إِلَّا رَجُلَانِ وفيا بما قال لهم مُوسَى، أَحَدُهُمَا يُوشَعُ بْنُ نُونِ بْنِ أَفْرَائِيمَ بْنِ يُوسُفَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ فَتَى مُوسَى، وَالْآخَرُ كَالِبُ بن يوفنا خَتَنُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى أُخْتِهِ مَرْيَمَ بِنْتِ عُمْرَانَ، وَكَانَ من سبط يهودا وهما النُّقَبَاءِ فَعَلِمَتْ جَمَاعَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ذَلِكَ وَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالْبُكَاءِ وَقَالُوا: يَا لَيْتَنَا [1] فِي أَرْضِ مصر، أو ليتنا نَمُوتُ فِي هَذِهِ الْبَرِّيَّةِ وَلَا يُدْخِلُنَا اللَّهُ أَرْضَهُمْ فَتَكُونُ نِسَاؤُنَا وَأَوْلَادُنَا وَأَثْقَالُنَا غَنِيمَةً لَهُمْ، وَجَعَلَ الرجل يقول لصاحبه: تعالى نَجْعَلُ عَلَيْنَا رَأْسًا وَنَنْصَرِفُ إِلَى مِصْرَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْهُمْ: قالُوا يَا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ (22) ، وأصل الْجَبَّارِ: الْمُتَعَظِّمُ الْمُمْتَنِعُ عَنِ الْقَهْرِ، يُقَالُ: نَخْلَةٌ جَبَّارَةٌ إِذَا كَانَتْ طَوِيلَةٌ مُمْتَنِعَةٌ عَنْ وُصُولِ الْأَيْدِي إِلَيْهَا، وَسُمِّيَ أُولَئِكَ الْقَوْمُ جَبَّارِينَ لِامْتِنَاعِهِمْ بِطُولِهِمْ وَقُوَّةِ أَجْسَادِهِمْ، وَكَانُوا مِنَ الْعَمَالِقَةِ وَبَقِيَّةَ قَوْمِ عَادٍ، فَلَمَّا قَالَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مَا قَالُوا وَهَمُّوا بِالِانْصِرَافِ إِلَى مِصْرَ خرّ موسى وهارون [عليهما السلام] [2] سَاجِدِينَ، وَخَرَقَ يُوشَعُ وَكَالِبُ ثِيَابَهُمَا وَهُمَا اللَّذَانِ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عنهما في قوله:

[سورة المائدة (5) : الآيات 23 الى 26]
قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23) قالُوا يَا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً مَا دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ (24) قالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (25) قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (26)
قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ، أَيْ: يَخَافُونَ اللَّهَ تَعَالَى، قَرَأَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ يَخافُونَ بِضَمِّ الْيَاءِ، وَقَالَ: الرَّجُلَانِ كَانَا مِنَ الْجَبَّارِينَ فَأَسْلَمَا وَاتَّبَعَا مُوسَى، أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا بِالتَّوْفِيقِ وَالْعِصْمَةِ، قَالَا: ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ، يَعْنِي: قَرْيَةَ الْجَبَّارِينَ، فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ، لأن الله منجز
__________
(1) زيد في المخطوط «متنا» . [.....]
(2) زيادة عن المخطوط.

(2/34)


وعده، وإنا رأيناهم فكانت أجسامهم عَظِيمَةٌ وَقُلُوبُهُمْ ضَعِيفَةٌ، فَلَا تَخْشَوْهُمْ، وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، فَأَرَادَ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَنْ يَرْجُمُوهُمَا بِالْحِجَارَةِ وَعَصَوْهُمَا.
قالُوا يَا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً مَا دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ «777» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [1] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا أَبُو نُعَيْمٍ أَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ مُخَارِقٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ:
لَقَدْ شَهِدْتُ مِنَ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ مَشْهَدًا لَأَنْ أَكُونَ صَاحِبَهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا عُدِلَ بِهِ، أَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَدْعُو عَلَى الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: لَا نَقُولُ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا، وَلَكِنَّا نُقَاتِلُ عَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ وَبَيْنَ يَدَيْكَ وَمِنْ خَلْفِكَ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْرَقَ وَجْهُهُ وَسَرَّهُ مَا قَالَ.
فَلَمَّا فَعَلَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ مَا فَعَلَتْ مِنْ مُخَالَفَتِهِمْ أَمْرَ رَبِّهِمْ وَهَمِّهِمْ بِيُوشَعَ وَكَالِبَ غَضِبَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَدَعَا عَلَيْهِمْ.
قالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي، قيل معناه: لَا يَمْلِكُ إِلَّا نَفْسَهُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا يُطِيعُنِي إِلَّا نَفْسِي وأخي، فَافْرُقْ، فافصل، بَيْنَنا [و] [2] قِيلَ: فَاقْضِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ، الْعَاصِينَ.
قالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ، قِيلَ: هَاهُنَا تمّ الكلام ومعناه تِلْكَ الْبَلْدَةُ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَبَدًا لَمْ يُرِدْ بِهِ تَحْرِيمَ تَعَبُّدٍ، وَإِنَّمَا أَرَادَ تَحْرِيمَ مَنْعٍ فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى مُوسَى [بِي حَلَفْتَ] [3] لَأُحَرِّمَنَّ عَلَيْهِمْ دُخُولَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ غَيْرَ عَبْدَيَّ يُوشَعُ وَكَالِبُ، ولآتينّهم فِي هَذِهِ الْبَرِّيَّةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِنَ الْأَيَّامِ التي تجسّسوا فِيهَا سَنَةٌ وَلَأُلْقِيَنَّ جِيَفَهُمْ فِي هَذِهِ الْقِفَارِ، وَأَمَّا بَنُوهُمُ الَّذِينَ لَمْ يَعْمَلُوا الشَّرَّ فَيَدْخُلُونَهَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً، يَتِيهُونَ، يَتَحَيَّرُونَ، فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ، أَيْ: لَا تَحْزَنْ عَلَى مِثْلِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ، فَلَبِثُوا أَرْبَعِينَ سَنَةً فِي سِتَّةِ فَرَاسِخَ وَهُمْ سِتُّمِائَةِ أَلْفِ مُقَاتِلٍ، وَكَانُوا يَسِيرُونَ كُلَّ يَوْمٍ جَادِّينَ فَإِذَا أَمْسَوْا كَانُوا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي ارْتَحَلُوا عَنْهُ، وَقِيلَ: إِنَّ مُوسَى وَهَارُونَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ لَمْ يَكُونَا فِيهِمْ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمَا كَانَا فِيهِمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا عُقُوبَةٌ إِنَّمَا كَانَتِ الْعُقُوبَةُ لِأُولَئِكَ الْقَوْمِ، وَمَاتَ فِي التِّيهِ كُلُّ مَنْ دَخَلَهَا مِمَّنْ جَاوَزَ عِشْرِينَ سَنَةً غَيْرَ يُوشَعُ وكالب، ولم يدخل أريحا أَحَدٌ مِمَّنْ قَالُوا: إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا فَلَمَّا هَلَكُوا وَانْقَضَتِ الْأَرْبَعُونَ سَنَةً، وَنَشَأَتِ النَّوَاشِئُ مِنْ ذَرَارِيهِمْ سَارُوا إِلَى حَرْبِ الْجَبَّارِينَ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ تَوَلَّى تِلْكَ الْحَرْبِ وَعَلَى يَدَيْ مَنْ كَانَ الْفَتْحُ، فقال قوم: إنما فتح موسى أريحا وَكَانَ يُوشَعُ عَلَى مُقَدِّمَتِهِ، فَسَارَ موسى عليه السلام إليهم بمن بَقِيَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَدَخَلَهَا يوشع وقاتل الْجَبَابِرَةَ ثُمَّ دَخَلَهَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأَقَامَ فِيهَا مَا شَاءَ الله تعالى، ثم
__________
777- إسناده صحيح على شرط البخاري، مخارق هو ابن خليفة الأحمسي، تفرد عنه البخاري، أبو نعيم هو الفضل بن دكين.
- وهو في «شرح السنة» 3668 و «الأنوار» 297 بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 3952 و4609 عن أبي نعيم به.
- وأخرجه الطبري 11685 من طريق وكيع بهذا الإسناد، لكن جعله عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ المقداد، ليس فيه ذكر ابن مسعود.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) سقط من المطبوع.
(3) زيادة عن المخطوط.

(2/35)


قَبَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ، وَلَا يَعْلَمُ قَبْرَهُ أَحَدٌ، وَهَذَا أَصَحُّ الْأَقَاوِيلِ لِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ عُوجَ بْنَ عُنُقَ قَتْلَهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَقَالَ الْآخَرُونَ: إِنَّمَا قَاتَلَ الْجَبَّارِينَ يُوشَعُ وَلَمْ يَسِرْ إِلَيْهِمْ إِلَّا بَعْدَ مَوْتِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَالُوا: مَاتَ مُوسَى وَهَارُونُ جميعا في التيه.
فصل في ذكر وَفَاةِ هَارُونَ قَالَ السُّدِّيُّ: أَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى مُوسَى أَنِّي مُتَوَفِّي هَارُونَ فَأْتِ بِهِ جَبَلَ كَذَا وَكَذَا، فَانْطَلَقَ مُوسَى وَهَارُونُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ نَحْوَ ذَلِكَ الْجَبَلِ فَإِذَا هُمَا بِشَجَرَةٍ لَمْ يُرَ مِثْلُهَا وَإِذَا بِبَيْتٍ مَبْنِيٍّ وَفِيهِ سَرِيرٌ عَلَيْهِ فَرْشٌ وَإِذَا فِيهِ رِيحٌ طَيِّبَةٌ، فَلَمَّا نَظَرَ هَارُونُ إِلَى ذَلِكَ أَعْجَبَهُ، فَقَالَ: يَا مُوسَى إِنِّي أُحِبُّ أَنَّ أَنَامَ عَلَى هَذَا السَّرِيرِ، قَالَ: فَنَمْ عَلَيْهِ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ أَنَّ يَأْتِيَ رَبُّ هَذَا الْبَيْتِ فَيَغْضَبُ عَلَيَّ، قَالَ لَهُ مُوسَى: لَا تَرْهَبْ إِنِّي أَكْفِيكَ أَمْرَ رَبِّ هَذَا الْبَيْتِ فَنَمْ، قَالَ: يَا مُوسَى نَمْ أَنْتَ مَعِي فَإِنْ جَاءَ رَبُّ الْبَيْتِ غَضِبَ عَلَيَّ وَعَلَيْكَ جَمِيعًا فَلَمَّا نَامَا أَخَذَ هَارُونَ الْمَوْتُ فَلَمَّا وَجَدَ مسّه قَالَ: يَا مُوسَى خَدَعْتَنِي، فَلَمَّا قُبِضَ رُفِعَ الْبَيْتُ وَذَهَبَتْ تِلْكَ الشَّجَرَةُ وَرُفِعَ السَّرِيرُ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ، فَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَيْسَ مَعَهُ هَارُونُ قَالُوا: إِنَّ مُوسَى قَتَلَ هَارُونَ وَحَسَدَهُ لِحُبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَهُ، فَقَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: وَيْحَكُمْ كَانَ أَخِي فَكَيْفَ أَقْتُلُهُ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثم دعا الله تعالى فنزل السَّرِيرُ حَتَّى نَظَرُوا إِلَيْهِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَصَدَّقُوهُ [1] .
وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: صَعِدَ مُوسَى وَهَارُونُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ الْجَبَلَ فَمَاتَ هَارُونُ وَبَقِيَ مُوسَى، فَقَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَنْتَ قَتَلْتَهُ، فَآذَوْهُ فَأَمَرَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ فَحَمَلُوهُ حَتَّى مَرُّوا بِهِ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَتَكَلَّمَتِ الْمَلَائِكَةُ بِمَوْتِهِ حَتَّى عرف بنو إسرائيل أنه قد مَاتَ، فَبَرَّأَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِمَّا قَالُوا، ثُمَّ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ حَمَلُوهُ وَدَفَنُوهُ فَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَى مَوْضِعِ قَبْرِهِ أَحَدٌ إِلَّا الرَّخَمَ [2] ، فَجَعَلَهُ الله أصمّ وأبكم [3] .
وقال عمر [و] [4] بْنُ مَيْمُونٍ: مَاتَ هَارُونُ قَبْلَ مَوْتِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي التِّيهِ، وَكَانَا قَدْ خَرَجَا إِلَى بَعْضِ الْكُهُوفِ فَمَاتَ هَارُونُ وَدَفَنَهُ مُوسَى وَانْصَرَفَ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالُوا: قَتَلْتَهُ لِحُبِّنَا إِيَّاهُ، وَكَانَ مُحَبَّبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَتَضَرَّعَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنِ انْطَلِقْ بِهِمْ إِلَى قَبْرِهِ فَإِنِّي بَاعِثُهُ، فَانْطَلَقَ بِهِمْ إِلَى قَبْرِهِ فَنَادَاهُ مُوسَى [5] ، فَخَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ يَنْفُضُ رَأْسَهُ، فَقَالَ: أَنَا قَتَلْتُكَ؟ قَالَ: لَا وَلَكِنِّي مِتُّ، قَالَ: فَعُدْ إِلَى مَضْجَعِكَ، وَانْصَرَفُوا [6] .
وَأَمَّا وَفَاةُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: كَانَ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَدْ كَرِهَ الْمَوْتَ وَأَعْظَمَهُ، فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُحَبِّبَ إِلَيْهِ الْمَوْتَ، فَنَبَّأَ يُوشَعَ بْنَ نُونٍ فَكَانَ يَغْدُو وَيَرُوحُ عليه، فيقول له موسى
__________
(1) أثر السدي هذا مصدره كتب الأقدمين.
(2) الرخم: نوع من الطيور.
(3) لا أصل له عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وإنما هو متلقى عن أهل الكتاب.
(4) زيادة عن «ط» وكتب التراجم.
(5) في المخطوط «فنادى يا هارون» .
(6) هذا الأثر متلقى عن أهل الكتاب، ولا حجة في هذه الأخبار.

(2/36)


عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا أَحْدَثَ اللَّهُ إِلَيْكَ؟ فَيَقُولُ لَهُ يُوشَعُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَلَمْ أَصْحَبْكَ كَذَا وَكَذَا سَنَةً فهل كنت أسألك عن شيء مِمَّا أَحْدَثَ اللَّهُ إِلَيْكَ حَتَّى تَكُونَ أَنْتَ الَّذِي تَبْتَدِئُ بِهِ وَتَذْكُرُهُ؟ وَلَا يَذْكُرُ لَهُ شَيْئًا، فلما رأى ذلك موسى كره الْحَيَاةَ وَأَحَبَّ الْمَوْتَ [1] .
«778» أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ [2] أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى بْنِ عُمْرَانَ، فَقَالَ لَهُ: أَجِبْ رَبَّكَ، قَالَ: فَلَطَمَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَيْنَ مَلَكِ الْمَوْتِ فَفَقَأَهَا، قَالَ: فَرَجَعَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ: إِنَّكَ أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لَكَ لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ وَقَدْ فَقَأَ عَيْنِي قَالَ فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ عَيْنَهُ، وَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى عَبْدِي فَقُلْ لَهُ: الْحَيَاةَ تُرِيدُ؟
فَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْحَيَاةَ فَضَعْ يَدَكَ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ، فَمَا وَارَتْ يَدُكَ مِنْ شَعْرَةٍ فَإِنَّكَ تَعِيشُ بِهَا سَنَةً، قَالَ: ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: ثُمَّ تَمُوتُ، قَالَ: فَالْآنَ مِنْ قَرِيبٍ [قال] [3] : رَبِّ أَدْنِنِي مِنَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاللَّهِ لَوْ أَنِّي عِنْدَهُ لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إلى جانب [4] الطَّرِيقِ عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ» .
وَقَالَ وَهْبٌ: خَرَجَ مُوسَى لِبَعْضِ حَاجَتِهِ فَمَرَّ بِرَهْطٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَحْفِرُونَ قَبْرًا لَمْ يُرَ شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ، وَلَا مِثْلَ مَا فِيهِ مِنَ الْخُضْرَةِ وَالنَّضْرَةِ وَالْبَهْجَةِ، فَقَالَ لَهُمْ: يَا مَلَائِكَةَ اللَّهِ لِمَ تَحْفِرُونَ هَذَا الْقَبْرَ؟ قَالُوا:
لَعَبَدٍ كَرِيمٍ عَلَى رَبِّهِ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا الْعَبْدَ مِنَ اللَّهِ لَهُوَ [5] بِمَنْزِلَةٍ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ مَضْجَعًا قَطُّ، فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: يَا صَفِيَّ اللَّهِ تُحِبُّ أَنْ يَكُونَ لَكَ؟ قَالَ: وَدِدْتُ، قَالُوا: فَانْزِلْ وتوجه إلى ربك واضطجع فيه، قَالَ: فَاضْطَجَعَ فِيهِ وَتَوَجَّهَ إِلَى رَبِّهِ ثُمَّ تَنَفَّسَ أَسْهَلَ تَنَفُّسٍ فَقَبَضَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رُوحَهُ، ثُمَّ سَوَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ [6] .
وَقِيلَ: إِنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ أَتَاهُ بِتُفَّاحَةٍ مِنَ الْجَنَّةِ فَشَمَّهَا فَقَبَضَ رُوحَهُ.
وَكَانَ عُمْرُ مُوسَى مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً، فَلَمَّا مَاتَ مُوسَى عَلَيْهِ السلام وانقضت الأربعون سنة،
__________
778- إسناده صحيح على شرط مسلم، حيث تفرد عن السلمي لكن رواه غير واحد عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عن أبي هريرة موقوفا كما سيأتي، فالله أعلم. معمر هو ابن راشد، وعبد الرزاق هو ابن همام.
وهو في «شرح السنة» 1451 بهذا الإسناد.
وهو في «صحيفة همام» برقم 60 عن أبي هريرة مرفوع، وفي مصنف عبد الرزاق 20531 عن معمر به.
ومن طريق عبد الرزاق أخرجه البخاري بأثر 3407 ومسلم 2372 ح 158 وأحمد (2/ 315) وابن حبان 6224 والبيهقي في «الأسماء والصفات» 1033 وقد جاء موقوفا على أبي هريرة.
أخرجه أيضا عبد الرزاق 20530 من طريق معمر عن ابن طاووس عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ به. ومن طريق عبد الرزاق هذه أخرجه البخاري 1339 و3407 ومسلم 2372 ح 157 والنسائي (4/ 118 و119) وأحمد (2/ 269) وابن أبي عاصم في «السنة» 599 والبيهقي في «الصفات» 1032 رووه من طرق عن عبد الرزاق بهذا الإسناد موقوفا، فالحديث روي مرفوعا وموقوفا وكلا الإسنادين على شرط الصحيح. فالله أعلم.
(1) هو كسابقه مصدره أهل الكتاب.
(2) تصحف في المخطوط «المنبعي» . [.....]
(3) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة» .
(4) في المطبوع «جنب» .
(5) تصحف في المطبوع «له» .
(6) هذا الخبر متلقى عن أهل الكتاب.

(2/37)


وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27)

بَعَثَ اللَّهُ يُوشَعَ نَبِيًّا فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَهُ بِقِتَالِ الْجَبَابِرَةِ، فَصَدَّقُوهُ وَتَابَعُوهُ فَتَوَجَّهَ بِبَنِي إسرائيل إلى أريحا وَمَعَهُ تَابُوتُ الْمِيثَاقِ، فَأَحَاطَ بِمَدِينَةِ أريحا ستة أشهر، فلما كان [في] السابع نفخوا في القرون وَضَجَّ الشَّعْبُ ضَجَّةً وَاحِدَةً فَسَقَطَ سُورُ الْمَدِينَةِ، وَدَخَلُوا فَقَاتَلُوا الْجَبَّارِينَ وَهَزَمُوهُمْ وَهَجَمُوا عَلَيْهِمْ يَقْتُلُونَهُمْ، وَكَانَتِ الْعِصَابَةُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَجْتَمِعُونَ عَلَى عُنُقِ الرَّجُلِ يَضْرِبُونَهَا حَتَّى يقطعوها، وكان الْقِتَالُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبَقِيَتْ مِنْهُمْ بَقِيَّةٌ، وَكَادَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ وَتَدْخُلُ لَيْلَةُ السَّبْتِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ ارْدُدِ الشَّمْسَ عَلَيَّ، وَقَالَ لِلشَّمْسِ: إِنَّكِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَأَنَا فِي طَاعَتِهِ فَسَأَلَ الشَّمْسَ أَنْ تَقِفَ وَالْقَمَرَ أَنْ يُقِيمَ حَتَّى يَنْتَقِمَ مِنْ أَعْدَاءِ اللَّهِ تَعَالَى قَبْلَ دُخُولِ السَّبْتِ، فَرُدَّتْ عليه الشمس وزيد في النهار ساعة حتى قتلتهم أَجْمَعِينَ، وَتَتَبَّعَ مُلُوكَ الشَّامِ فَاسْتَبَاحَ منهم واحدا [1] وَثَلَاثِينَ مَلِكًا حَتَّى غَلَبَ عَلَى جَمِيعِ أَرْضِ الشَّامِ، وَصَارَتِ الشَّامُ كُلُّهَا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ وَفَرَّقَ عُمَّالَهُ فِي نَوَاحِيهَا وَجَمَعَ الْغَنَائِمَ، فَلَمْ تَنْزِلِ [2] النَّارُ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى يُوشَعَ أَنَّ فِيهَا غُلُولًا فَمُرْهُمْ فليبايعوك فَبَايَعُوهُ فَالْتَصَقَتْ يَدُ رَجُلٍ مِنْهُمْ بيده فقال: هلمّ عِنْدَكَ فَأَتَاهُ بِرَأْسِ ثَوْرٍ مِنْ ذهب مكلّل باليواقيت وَالْجَوَاهِرِ كَانَ قَدْ غَلَّهُ، فَجَعَلَهُ فِي الْقُرْبَانِ وَجَعَلَ الرَّجُلَ مَعَهُ فَجَاءَتِ النَّارُ فَأَكَلَتِ الرَّجُلَ وَالْقُرْبَانَ، ثُمَّ مَاتَ يُوشَعُ وَدُفِنَ فِي جَبَلِ أَفْرَائِيمَ، وَكَانَ عُمْرُهُ مِائَةً وَسِتًّا وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَتَدْبِيرُهُ أَمْرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ سَبْعًا وَعِشْرِينَ سَنَةً [3] .

[سورة المائدة (5) : آية 27]
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ، وَهُمَا هَابِيلُ وَقَابِيلُ، ويقال قَابِينُ، إِذْ قَرَّبا قُرْباناً، وَكَانَ سَبَبُ قُرْبَانِهِمَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ حَوَّاءَ كَانَتْ تَلِدُ لِآدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي كُلِّ بَطْنٍ غُلَامًا وَجَارِيَةً، وَكَانَ جَمِيعُ مَا وَلَدَتْهُ أَرْبَعِينَ وَلَدًا فِي عِشْرِينَ بَطْنًا أَوَّلُهُمْ قَابِيلُ وَتَوْأَمَتُهُ أَقْلِيمَا، وَآخِرُهُمْ عَبْدُ الْمُغِيثِ وَتَوْأَمَتُهُ أَمَةُ الْمُغِيثِ، ثُمَّ بَارَكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي نَسْلِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمْ يَمُتْ آدَمُ حَتَّى بَلَغَ وَلَدُهُ وَوَلَدُ وَلَدِهِ أَرْبَعِينَ أَلْفًا، وَاخْتَلَفُوا فِي مَوْلِدِ قَابِيلَ وَهَابِيلَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: غَشِيَ آدَمُ حَوَّاءَ بَعْدَ مَهْبِطِهِمَا إِلَى الْأَرْضِ بِمِائَةِ سَنَةٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ قَابِيلَ وَتَوْأَمَتَهُ أَقْلِيمَا فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ، ثم هَابِيلَ وَتَوْأَمَتَهُ لُبُودَا فِي بَطْنٍ.
«779» وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْكِتَابِ الْأَوَّلِ: إِنَّ آدَمَ كَانَ يَغْشَى حَوَّاءَ فِي الْجَنَّةِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَ الْخَطِيئَةَ، فَحَمَلَتْ فِيهَا بِقَابِيلَ وَتَوْأَمَتِهِ أَقْلِيمَا، فَلَمْ تَجِدْ عَلَيْهِمَا وَحَمًا وَلَا وَصَبًا وَلَا طَلْقًا حَتَّى وَلَدَتْهُمَا، وَلَمْ تَرَ مَعَهُمَا دَمًا فلما هبطا [4] إِلَى الْأَرْضِ تَغَشَّاهَا فَحَمَلَتْ بِهَابِيلَ وَتَوْأَمَتِهِ، فَوَجَدَتْ عَلَيْهِمَا الْوَحَمَ وَالْوَصَبَ وَالطَّلْقَ وَالدَّمَ، وَكَانَ آدَمُ إِذَا شَبَّ أَوْلَادُهُ يُزَوِّجُ غُلَامَ هَذَا الْبَطْنِ جَارِيَةَ بَطْنٍ أُخْرَى، فَكَانَ الرجل
__________
779- أخرجه الطبري 11717 عن ابن إِسْحَاقَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ بالكتاب الأول: ... فذكره. وهذا خبر إسرائيلي كما صرح بذلك ابن إسحاق.
(1) في المطبوع «أحدا» .
(2) وقع في الأصل «تزل» والتصويب عن «ط» .
(3) هذا الأثر مصدره كتب الأقدمين، لكن قتال يوشع للجبارين وحبس الشمس له، قد جاء في حديث صحيح مرفوع.
(4) في المطبوع «هبط» .

(2/38)


لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30)

مِنْهُمْ يَتَزَوَّجُ أَيَّةَ أَخَوَاتِهِ شَاءَ إِلَّا تَوْأَمَتَهُ الَّتِي وُلِدَتْ مَعَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ نِسَاءٌ إِلَّا أَخَوَاتُهُمْ، فَلَمَّا وُلِدَ قَابِيلُ وَتَوْأَمَتُهُ أَقْلِيمَا ثُمَّ هَابِيلُ وَتَوْأَمَتُهُ لُبُودَا، وَكَانَ بَيْنَهُمَا سَنَتَانِ فِي قَوْلِ الْكَلْبِيِّ وَأَدْرَكُوا، أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يُنْكِحَ قَابِيلَ لُبُودَا أُخْتَ هَابِيلَ وَيُنْكِحَ هَابِيلَ أَقْلِيمَا أُخْتَ قَابِيلَ، وَكَانَتْ أُخْتُ قَابِيلَ أَحْسَنَ مِنْ أُخْتِ هَابِيلَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ آدَمُ لِوَلَدِهِ فَرْضِيَ هَابِيلُ وَسَخِطَ قَابِيلُ، وَقَالَ: هِيَ أُخْتِي أَنَا أَحَقُّ بِهَا، وَنَحْنُ مِنْ وِلَادَةِ الْجَنَّةِ وَهُمَا مِنْ وِلَادَةِ الْأَرْضِ، فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ: إِنَّهَا لَا تَحِلُ لَكَ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ ذَلِكَ، وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْهُ بِهَذَا وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ رَأْيِهِ، فَقَالَ لَهُمَا آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: فَقَرِّبَا قُرْبَانًا فَأَيُّكُمَا يُقْبَلُ قُرْبَانُهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، وَكَانَتِ الْقَرَابِينُ إِذَا كَانَتْ مَقْبُولَةً نَزَلَتْ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ بَيْضَاءُ فَأَكَلَتْهَا، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ مَقْبُولَةً لَمْ تَنْزِلِ النَّارُ وَأَكَلَتْهُ الطَّيْرُ وَالسِّبَاعُ، فَخَرَجَا لِيُقَرِّبَا قُرْبَانًا وَكَانَ قَابِيلُ صَاحِبَ زرع فقرب صبرة من طعام مِنْ أَرْدَأِ زَرْعِهِ وَأَضْمَرَ فِي نفسه ما أبالي يقبل مني أو لَا يَتَزَوَّجُ أُخْتِي أَبَدًا، وَكَانَ هَابِيلُ صَاحِبَ غَنَمٍ فَعَمَدَ إِلَى أَحْسَنِ كَبْشٍ فِي غَنَمِهِ فَقَرَّبَ بِهِ وَأَضْمَرَ فِي نَفْسِهِ رِضَا اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَوَضَعَا قُرْبَانَهُمَا على الْجَبَلِ، ثُمَّ دَعَا آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَنَزَلَتْ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ وَأَكَلَتْ قُرْبَانَ هَابِيلَ وَلَمْ تَأْكُلْ قُرْبَانَ قَابِيلَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما، يَعْنِي هَابِيلَ وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ، يعني: قابيل فنزلوا [1] عن [2] الْجَبَلِ وَقَدْ غَضِبَ قَابِيلُ لِرَدِّ قُرْبَانِهِ وَكَانَ يُضْمِرُ الْحَسَدَ فِي نَفْسِهِ إِلَى أَنْ أَتَى آدَمُ مَكَّةَ لِزِيَارَةِ الْبَيْتِ، فَلَمَّا غَابَ آدَمُ أَتَى قَابِيلُ هَابِيلَ وَهُوَ فِي غَنَمِهِ، قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ، [قَالَ: وَلِمَ] [3] ، قَالَ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَبِلَ قُرْبَانَكَ وَرَدَّ قُرْبَانِي، وَتَنْكِحُ أُخْتِي الْحَسْنَاءَ وَأَنْكِحُ أُخْتَكَ الدَّمِيمَةَ، فَيَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّكَ خَيْرٌ مِنِّي وَيَفْتَخِرُ وَلَدُكَ عَلَى وَلَدِي، قالَ هَابِيلُ: وَمَا ذَنْبِي؟ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ.

[سورة المائدة (5) : الآيات 28 الى 30]
لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ (30)
لَئِنْ بَسَطْتَ، أَيْ: مَدَدْتَ، إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ لَأَشَدَّ الرَّجُلَيْنِ وَلَكِنْ مَنَعَهُ التَّحَرُّجُ أَنْ يَبْسُطَ إِلَى أَخِيهِ يده، وهذا في الشرع جَائِزٌ لِمَنْ أُرِيدَ قَتْلُهُ أَنْ يَنْقَادَ وَيَسْتَسْلِمَ طَلَبًا لِلْأَجْرِ، كَمَا فَعَلَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وقال مُجَاهِدٌ: كُتِبَ عَلَيْهِمْ [4] فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إِذَا أَرَادَ رَجُلٌ قَتْلَ رَجُلٍ أَنْ [لَا] [5] يَمْتَنِعَ وَيَصْبِرَ.
إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ، تَرْجِعَ، وقيل: تحمل، بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ، أَيْ: بِإِثْمِ قَتْلِي إِلَى إِثْمِكَ، أَيْ: إِثْمِ مَعَاصِيكَ الَّتِي عَمِلْتَ مِنْ قَبْلُ، هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: معناه إني أريد أن تكون عَلَيْكَ خَطِيئَتِي الَّتِي عَمِلْتُهَا أَنَا إِذَا قَتَلَتْنِي وَإِثْمُكَ فَتَبُوءُ بِخَطِيئَتِي وَدَمِي جَمِيعًا، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنْ تَرْجِعَ بِإِثْمِ قَتْلِي وَإِثْمِ مَعْصِيَتِكَ الَّتِي لَمْ يُتَقَبَّلْ لِأَجْلِهَا قُرْبَانُكَ، أَوْ إِثْمِ حَسَدِكَ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ، وَإِرَادَةُ الْقَتْلِ والمعصية لا تجوز؟ قيل: ذلك ليس بِحَقِيقَةِ إِرَادَةٍ وَلَكِنَّهُ لَمَّا عَلِمَ
__________
(1) في المخطوط وحده «فنزل» .
(2) في المطبوع «على» .
(3) سقط من المطبوع.
(4) في المطبوع وحده «الله» .
(5) زيادة عن المخطوط وط. [.....]

(2/39)


فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31)

أَنَّهُ يَقْتُلُهُ لَا مَحَالَةَ وَطَّنَ نَفْسَهُ عَلَى الِاسْتِسْلَامِ طَلَبًا لِلثَّوَابِ فَكَأَنَّهُ صَارَ مُرِيدًا لِقَتْلِهِ مَجَازًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُرِيدًا حَقِيقَةً، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تبوء بعقاب قتلي فيكون إِرَادَةً صَحِيحَةً لِأَنَّهَا مُوَافِقَةٌ لِحُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَا يَكُونُ هَذَا إِرَادَةً لِلْقَتْلِ بَلْ لِمُوجِبِ الْقَتْلِ مِنَ الْإِثْمِ وَالْعِقَابِ، فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ، أَيْ: طَاوَعَتْهُ وَشَايَعَتْهُ وعاونته، قَتْلَ أَخِيهِ فِي قَتْلِ أَخِيهِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: فَشَجَّعَتْهُ، وَقَالَ قَتَادَةُ: فَزَيَّنَتْ لَهُ نَفْسُهُ، وَقَالَ يَمَانٌ: سَهَّلَتْ لَهُ ذَلِكَ، أَيْ: جَعَلَتْهُ سَهْلًا، تَقْدِيرُهُ: صَوَّرَتْ لَهُ نَفْسُهُ أَنَّ قَتْلَ أَخِيهِ طَوْعٌ لَهُ أَيْ سَهْلٌ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ فَلَمَّا قَصَدَ قَابِيلُ قتله لَمْ يَدْرِ كَيْفَ يَقْتُلُهُ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: فَتَمَثَّلَ لَهُ إِبْلِيسُ وَأَخَذَ طَيْرًا فَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى حَجَرٍ ثُمَّ شَدَخَ رَأْسَهُ بِحَجَرٍ آخَرَ وَقَابِيلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ فَعَلَّمَهُ الْقَتْلَ، فَرَضَخَ [1] قَابِيلُ رَأْسَ هَابِيلَ بَيْنَ حَجَرَيْنِ، قِيلَ: قُتِلَ وَهُوَ مُسْتَسْلِمٌ، وَقِيلَ: اغْتَالَهُ وَهُوَ فِي النَّوْمِ فَشَدَخَ رَأْسَهُ فَقَتَلَهُ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ، وَكَانَ لِهَابِيلَ يَوْمَ قُتِلَ عِشْرُونَ سَنَةً، وَاخْتَلَفُوا فِي مَوْضِعِ قَتَلَهُ [2] ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: عَلَى جَبَلِ ثَوْرٍ [3] ، وَقِيلَ: عِنْدَ عَقَبَةِ حِرَاءَ، فَلَمَّا قَتَلَهُ تَرَكَهُ بِالْعَرَاءِ وَلَمْ يَدْرِ مَا يَصْنَعُ بِهِ لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَيِّتٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنْ بَنِي آدَمَ، وَقَصَدَتْهُ السِّبَاعُ فَحَمَلَهُ فِي جِرَابٍ عَلَى ظَهْرِهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَنَةً حَتَّى أَرْوَحَ، وَعَكَفَتْ عَلَيْهِ الطَّيْرُ وَالسِّبَاعُ تَنْتَظِرُ مَتَى يُرْمَى بِهِ فَتَأْكُلُهُ، فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابَيْنِ فَاقْتَتَلَا، فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ ثُمَّ حَفَرَ لَهُ بِمِنْقَارِهِ وَبِرَجُلِهِ حَتَّى مَكَّنَ لَهُ ثُمَّ أَلْقَاهُ فِي الحفر وَوَارَاهُ، وَقَابِيلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَذَلِكَ قوله تعالى:

[سورة المائدة (5) : آية 31]
فَبَعَثَ اللَّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قالَ يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31)
فَبَعَثَ اللَّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ، فَلَمَّا رَأَى قابيل ذلك قالَ يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي، أَيْ: جيفته، وقيل: عورته لأنه [كان] [4] قَدْ سَلَبَ ثِيَابَهُ، فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ، عَلَى حَمْلِهِ عَلَى عَاتِقِهِ لَا عَلَى قَتْلِهِ، وَقِيلَ: عَلَى فِرَاقِ أَخِيهِ، وَقِيلَ:
نَدِمَ لِقِلَّةِ النَّفْعِ بِقَتْلِهِ فَإِنَّهُ أَسْخَطَ وَالِدَيْهِ، وَمَا انْتَفَعَ بِقَتْلِهِ شَيْئًا وَلَمْ يَكُنْ نَدَمُهُ عَلَى الْقَتْلِ وَرُكُوبِ الذنب، قال الْمُطَّلِبِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ: لَمَّا قَتَلَ ابْنُ آدَمَ أَخَاهُ رَجَفَتِ [5] الْأَرْضُ بِمَا عَلَيْهَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ شَرِبَتِ الْأَرْضُ دَمَهُ كَمَا يُشْرَبُ الْمَاءُ، فَنَادَاهُ آدَمُ [6] : أَيْنَ أَخُوكَ هَابِيلُ؟ قَالَ: مَا أَدْرِي مَا كُنْتُ عَلَيْهِ رقيبا، فقال آدم [7] : إِنَّ دَمَ أَخِيكَ لَيُنَادِينِي مِنَ الْأَرْضِ، فَلِمَ قَتَلْتَ أَخَاكَ؟ قَالَ: فَأَيْنَ دَمُهُ إِنْ كُنْتُ قَتَلْتُهُ؟ فَحَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ أَنْ تَشْرَبَ دَمًا بَعْدَهُ أَبَدًا، وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لَمَّا قَتَلَ قَابِيلُ هَابِيلَ وَآدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِمَكَّةَ اشْتَاكَ الشَّجَرُ وَتَغَيَّرَتِ الْأَطْعِمَةُ وَحَمَضَتِ الْفَوَاكِهُ، وَأَمَرَّ الْمَاءُ وَاغْبَرَّتِ الْأَرْضُ، فَقَالَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: قَدْ حَدَثَ فِي الْأَرْضِ حدث، فأتى الهند
__________
(1) في المخطوط «فوضع» .
(2) زيد في ط، زيادة ليست في المخطوطين ولا المطبوع.
(3) في المخطوط «نوذ» .
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) في المطبوع وحده «وجفت» .
6 في المخطوطين وط «الله» بدل «آدم» والمثبت أقرب للصواب لأن الله تعالى لا يكلم الظلمة والفسقة، وهذا إن ثبت هذا الأثر ولم يثبت فإنه متلقى عن كتب الأقدمين.
7 في المخطوطين وط «الله» بدل «آدم» والمثبت أقرب للصواب لأن الله تعالى لا يكلم الظلمة والفسقة، وهذا إن ثبت هذا الأثر ولم يثبت فإنه متلقى عن كتب الأقدمين.

(2/40)


فَإِذَا قَابِيلُ قَدْ قَتَلَ هَابِيلَ، فَأَنْشَأَ يَقُولُ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ قَالَ الشِّعْرَ [1] :
تَغَيَّرَتِ الْبِلَادُ وَمَنْ عَلَيْهَا ... فَوَجْهُ الْأَرْضِ مُغْبَرٌ قَبِيحٌ

تغير كل ذي طعم ولون ... وقلّ بشاشة الوجه الْمَلِيحُ
وَرُوِيَ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَنْ قَالَ إِنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ شعرا فقد كذب [على الله ورسوله] ، أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَنْبِيَاءَ كُلَّهُمْ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ فِي النَّهْيِ عَنِ الشِّعْرِ سَوَاءٌ.
وَلَكِنْ لَمَّا قَتَلَ قَابِيلُ هَابِيلَ رَثَاهُ آدَمَ وَهُوَ سُرْيَانِيٌّ، فَلَمَّا قَالَ آدَمُ مَرْثِيَّتَهُ قَالَ لَشِيثٍ: يَا بُنَيَّ إِنَّكَ وَصِيٌّ احْفَظْ هَذَا الْكَلَامَ لِيُتَوَارَثَ فَيَرِقَّ النَّاسُ عليه، فلم يَزَلْ يُنْقَلُ حَتَّى وَصَلَ إِلَى يَعْرُبَ بْنِ قَحْطَانَ، وَكَانَ يَتَكَلَّمُ بِالْعَرَبِيَّةِ وَالسُّرْيَانِيَّةِ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ خَطَّ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَكَانَ يَقُولُ الشِّعْرَ فَنَظَرَ فِي الْمَرْثِيَّةِ فَرَدَّ الْمُقَدَّمَ إِلَى الْمُؤَخَّرِ، وَالْمُؤَخَّرَ إِلَى الْمُقَدَّمِ، ووزنه شعرا وزاد فيه أبيات مِنْهَا [2] :
وَمَا لِي لَا أَجُودُ بِسَكْبِ دَمْعٍ ... وَهَابِيلُ تَضَمَّنَهُ الضَّرِيحُ

أَرَى طُولَ الْحَيَاةِ عَلَيَّ غَمًّا ... فَهَلْ أَنَا مِنْ حَيَاتِي مُسْتَرِيحُ
فَلَمَّا مَضَى مِنْ عُمْرِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً، وَذَلِكَ بَعْدَ قَتْلِ هَابِيلَ بِخَمْسِ سنين ولدت له حواء شيئا [وَتَفْسِيرُهُ هِبَةُ اللَّهِ] [3] ، يَعْنِي إِنَّهُ خَلَفٌ مِنْ هَابِيلَ عَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى سَاعَاتِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَعَلَّمَهُ عبادة الخالق فِي كُلِّ سَاعَةٍ مِنْهَا، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ صَحِيفَةً فَصَارَ وَصِيَّ آدَمَ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ، وَأَمَّا قَابِيلُ فَقِيلَ لَهُ: اذْهَبْ طَرِيدًا شَرِيدًا فَزِعًا مَرْعُوبًا لَا تَأْمَنُ مَنْ تَرَاهُ، فَأَخَذَ بِيَدِ أُخْتِهِ أَقْلِيمَا وَهَرَبَ بِهَا إِلَى عَدَنَ مِنْ أَرْضِ الْيَمَنِ، فَأَتَاهُ إِبْلِيسُ فَقَالَ لَهُ: إِنَّمَا أَكَلَتِ النَّارُ قُرْبَانَ هَابِيلَ لِأَنَّهُ كَانَ يَعْبُدُ النَّارَ فانصب أنت أيضا نارا تَكُونُ لَكَ وَلِعَقِبِكَ، فَبَنَى بَيْتًا لِلنَّارِ فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ عَبَدَ النَّارَ، وَكَانَ لَا يَمُرُّ بِهِ أحد من ولده إِلَّا رَمَاهُ، فَأَقْبَلَ ابْنٌ لَهُ أَعْمًى وَمَعَهُ ابْنٌ لَهُ، فَقَالَ ابْنُهُ: هَذَا أَبُوكَ قَابِيلُ، فَرَمَى الْأَعْمَى أَبَاهُ فَقَتَلَهُ، فَقَالَ ابْنُ الْأَعْمَى: قَتَلْتَ أَبَاكَ؟ فَرَفَعَ يَدَهُ فَلَطَمَ ابْنَهُ، فَمَاتَ فَقَالَ الْأَعْمَى: وَيْلٌ لِي قَتَلْتُ أَبِي بِرَمْيَتِي وَقَتَلْتُ ابْنِي بِلَطْمَتِي.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: فَعَلِقَتْ إِحْدَى رِجْلَيْ قَابِيلَ إِلَى فَخْذِهَا وَسَاقِهَا وَعَلِقَتْ [مِنْ يَوْمِئِذٍ إِلَى] [4] يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَوَجْهُهُ إِلَى الشمس [حيث] [5] مَا دَارَتْ عَلَيْهِ فِي الصَّيْفِ حَظِيرَةٌ مِنْ نَارٍ وَفِي الشِّتَاءِ حظيرة من ثلج، قالوا: وَاتَّخَذَ أَوْلَادُ قَابِيلَ آلَاتِ اللَّهْوِ مِنَ الْيَرَاعِ وَالطُّبُولِ وَالْمَزَامِيرِ وَالْعِيدَانِ وَالطَّنَابِيرِ، وَانْهَمَكُوا فِي اللَّهْوِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَعِبَادَةِ النَّارِ وَالزِّنَا وَالْفَوَاحِشِ حتى أغرقهم اللَّهُ بِالطُّوفَانِ أَيَّامَ نُوحٍ عَلَيْهِ السلام، وبقي نسل شيث [6] .
__________
(1) باطل، لا أصل له عن ابن عباس، والحمل فيه على مقاتل بن سليمان، فإنه كذاب وصناع، والضحاك لم يلق ابن عباس.
(2) لا يصح هذا عن ابن عباس، ذكره الثعلبي في «قصصه» ص 39 بقوله: روي عن ابن عباس، وهو باطل لا يصح، إذ كيف يحفظ ما قاله آدم إلى زمن يعرب بن قحطان.
(3) في المطبوع العبارة «واسمه عبد الله» .
(4) في المطبوع «منها فهو معلق إلى» .
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) هذه الآثار مصدر كتب الأقدمين لا حجة في شيء مِنْهَا.

(2/41)


مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32)

«780» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ ثَنَا أَبِي ثَنَا الْأَعْمَشُ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُرَّةَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا لَأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ القتل» .

[سورة المائدة (5) : آية 32]
مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: مِنْ أَجْلِ ذلِكَ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ «مِنِ أجل» [1] بِكَسْرِ النُّونِ مَوْصُولًا وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بجزم النون وفتح الهمزة مقطوعا، أَيْ: مِنْ جَرَّاءِ ذَلِكَ الْقَاتِلِ وَجِنَايَتِهِ، يُقَالُ: أَجَلَ يَأْجَلُ أَجَلًا، إِذَا جَنَى، مِثْلُ أَخَذَ يَأْخُذُ أَخْذًا، كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ، قَتَلَهَا فَيُقَادُ مِنْهُ، أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ، يُرِيدُ بِغَيْرِ نَفْسٍ وَبِغَيْرِ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ مِنْ كُفْرٍ أَوْ زِنًا أَوْ قَطْعِ طَرِيقٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً، اخْتَلَفُوا في تأويله، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ: مَنْ قتل نبيا أو إمام عدل فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا، وَمَنْ شَدَّ عَضُدَ نَبِيٍّ أَوْ إِمَامٍ عَدْلٍ فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا، قَالَ مُجَاهِدٌ: مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُحَرَّمَةً يَصْلَى النَّارَ بِقَتْلِهَا، كَمَا يَصْلَاهَا [2] لَوْ قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا، وَمَنْ أَحْيَاهَا مَنْ سَلِمَ مِنْ قَتْلِهَا فَقَدْ سَلِمَ مِنْ قَتْلِ الناس جميعا، قال قتادة: أعظم اللَّهُ أَجْرَهَا وَعَظَّمَ وِزْرَهَا، مَعْنَاهُ: مَنِ اسْتَحَلَّ قَتْلَ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حقه فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا فِي الْإِثْمِ لِأَنَّهُمْ لَا يَسْلَمُونَ مِنْهُ، وَمَنْ أَحْياها، وَتَوَرَّعَ عَنْ قَتْلِهَا، فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً، فِي الثَّوَابِ لِسَلَامَتِهِمْ مِنْهُ، قَالَ الْحَسَنُ:
فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً، يَعْنِي: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مِنَ الْقِصَاصِ بِقَتْلِهَا مِثْلُ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ لَوْ قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا، وَمَنْ أحياها أي عفا عمّن وجب عليه القصاص فَلَمْ يَقْتُلْهُ فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا، قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَلِيٍّ قُلْتُ لِلْحَسَنِ: يَا أَبَا سَعِيدٍ أهي لَنَا كَمَا كَانَتْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: إِيْ وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ مَا كَانَتْ دِمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ مِنْ دِمَائِنَا، وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ.
__________
780- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، الأعمش هو سليمان بن مهران، مسروق هو ابن الأجدع.
وهو في «صحيح البخاري» 3335 عن عمر بن حفص بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 6867 و7321 ومسلم 1677 والترمذي 2675 والنسائي (7/ 82) وابن ماجه 2616 والحميدي 118 وأحمد (1/ 383 و430 و433) وأبو يعلى 5179 والبيهقي (8/ 15) والبغوي في «شرح السنة» 111 من طرق عن الأعمش به. [.....]
(1) زيد في المطبوع «ذلك» .
(2) في المطبوع «يصلى» .

(2/42)


إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)

[سورة المائدة (5) : آية 33]
إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (33)
إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً، الْآيَةَ.
قَالَ الضَّحَّاكُ: نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ، فَنَقَضُوا الْعَهْدَ وَقَطَعُوا السَّبِيلَ وَأَفْسَدُوا فِي الْأَرْضِ [1] .
«781» وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي قَوْمِ هِلَالِ بْنِ عُوَيْمِرٍ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَادَعَ هِلَالَ بْنَ عُوَيْمِرٍ وَهُوَ أَبُو بُرْدَةَ الْأَسْلَمِيُّ عَلَى أَنْ لَا يُعِينَهُ وَلَا يُعِينَ عَلَيْهِ، وَمَنْ مَرَّ بِهِلَالِ بْنِ عُوَيْمِرٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ آمِنٌ لَا يُهَاجُ، فَمَرَّ قَوْمٌ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ يُرِيدُونَ الْإِسْلَامَ بِنَاسٍ مِنْ أَسَلَمَ مِنْ قَوْمِ هِلَالِ بْنِ عُوَيْمِرٍ، وَلَمْ يَكُنْ هِلَالٌ شَاهِدًا فَشَدُّوا عَلَيْهِمْ فَقَتَلُوهُمْ وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْقَضَاءِ فِيهِمْ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: نَزَلَتْ فِي نَاسٍ مِنْ عُرَيْنَةَ وَعُكْلٍ أَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَايَعُوهُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَهُمْ كَذَبَةٌ فَبَعَثَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى إِبِلِ الصَّدَقَةِ، فَارْتَدُّوا وَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَاسْتَاقُوا الْإِبِلَ [2] .
«782» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمُلَيْحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنِي أَبُو قِلَابَةَ الْجَرْمِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَرٌ من عكل فأسلموا فاجتووا الْمَدِينَةِ فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْتُوا إِبِلَ الصَّدَقَةِ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، ففعلوا فصحوا فارتدوا فقتلوا رُعَاتَهَا وَاسْتَاقُوا الْإِبِلَ، فَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آثَارِهِمْ، فَأُتِيَ بِهِمْ فَقِطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ ثُمَّ لَمْ يحسمهم حتى ماتوا.
__________
(1) أخرجه الطبري 11808 من طريق جويبر عن الضحاك مرسلا، ولم يذكر أنه كان سبب نزول للآية. وهذا إسناد ساقط، جويبر متروك. وورد من وجه آخر:
أخرجه الطبري 11807 عن ابن عباس، وذكر فيه الآية، لكن فيه إرسال بين علي بن أبي طلحة وابن عباس.
781- علقه المصنف عن الكلبي وسنده إليه في أول الكتاب والكلبي متروك متهم، والصحيح الحديث الآتي برقم 782.
(2) انظر الحديث الآتي.
782- إسناده صحيح على شرط البخاري، علي بن عبد الله هو المديني، الأوزاعي هو عبد الرحمن بن عمرو، أبو قلابة هو عبد الله بن زيد الجرمي.
وهو في «صحيح البخاري» 6802 بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 6803 مختصرا ومسلم 1671 ح 12 وأبو داود 4366 والنسائي (7/ 94 و95) وأحمد (3/ 198) وابن حبان 4467 من طرق عن الأوزاعي به.
وأخرجه البخاري 4193 و4610 و6899 ومسلم 1671 و10 و11 و12 والنسائي (7/ 93 و160 و161) وابن أبي شيبة (7/ 75) وأحمد (3/ 186) وابن حبان 1376 من طرق عن أبي رجاء مولى أبي قلابة عن أبي قلابة به.
وأخرجه مسلم 1671 ح 14 والترمذي 73 من طريق يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ التيمي عن أنس به.
وأخرجه البخاري 1501 و4192 و5727 ومسلم 1671 ح 3 والنسائي (7/ 97 و158) وابن خزيمة 115 وأحمد (3/ 163 و170 و177 و233 و287 و290) وابن حبان 388 والبيهقي (10/ 4) من طرق عن قتادة عن أنس.
وأخرجه الترمذي 72 و1845 و2042 والنسائي (7/ 97) والطحاوي (1/ 107) من طرق عن قتادة وحميد وثابت عن أنس به.

(2/43)


«783» وَرَوَاهُ أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ ثُمَّ أَمَرَ بِمَسَامِيرَ فَكَحَّلَهُمْ بِهَا وَطَرَحَهُمْ بِالْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَمَا يُسْقَوْنَ حَتَّى مَاتُوا. قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: قَتَلُوا وَسَرَقُوا وَحَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَسَعَوْا فِي الْأَرْضِ فَسَادًا.
وَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ هَؤُلَاءِ الْعُرَنِيِّينَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ لِأَنَّ الْمُثْلَةَ لَا تَجُوزُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ:
حُكْمُهُ ثَابِتٌ إِلَّا السَّمْلَ وَالْمُثْلَةَ، وَرَوَى قَتَادَةُ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ الْحَدُّ.
«784» وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ: فَلَمَّا فَعَلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ بِهِمْ أَنْزَلَ اللَّهُ الْحُدُودَ وَنَهَاهُ عَنِ الْمُثْلَةِ فَلَمْ يَعُدْ.
«785» وَعَنْ قَتَادَةَ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ يَحُثُّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَيَنْهَى عَنِ الْمُثْلَةِ.
«786» وَقَالَ سُلَيْمَانُ التَّيَمِيُّ عَنْ أَنَسٍ: إِنَّمَا سَمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْيُنَ أُولَئِكَ لِأَنَّهُمْ سَمَلُوا أَعْيُنَ الرُّعَاةِ.
«787» وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مُعَاتِبَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَعْلِيمًا مِنْهُ إِيَّاهُ عُقُوبَتَهُمْ، وَقَالَ:
إِنَّمَا جَزَاؤُهُمْ هَذَا لَا الْمُثْلَةُ، وَلِذَلِكَ مَا قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا إِلَّا نَهَى عَنِ الْمُثْلَةِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُحَارِبِينَ الَّذِينَ يَسْتَحِقُّونَ هَذَا الْحَدَّ، فَقَالَ قَوْمٌ: هُمُ الَّذِينَ يَقْطَعُونَ الطَّرِيقَ وَيَحْمِلُونَ السلاح [على المسلمين] [1] ، وَالْمُكَابِرُونَ فِي الْأَمْصَارِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَمَالِكٍ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ، وَقَالَ قَوْمٌ: هم الْمُكَابِرُونَ فِي الْأَمْصَارِ لَيْسَ لَهُمْ حكم المحاربين في استحقاق هذا الحد، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَعُقُوبَةُ الْمُحَارِبِينَ مَا ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إلى أن الإمام بالخيار
__________
783- صحيح، أخرجه البخاري 233 و3018 و6804 و6805 وأبو داود 4364 وعبد الرزاق 17133 وأحمد (3/ 161) وابن حبان 4468 و4469 والطحاوي في «المعاني» (3/ 180) من طرق عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ به.
784- مرسل. أخرجه أبو داود 4370 ومن طريقه البيهقي (8/ 283) عن أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو بْنِ السَّرْحِ حدثنا ابن وهب أخبرني الليث بن سعد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ أبي الزناد به. وقال البيهقي: قول قتادة وأبي الزناد وغيرهما نزول الآية فيهم مرسل اهـ. وانظر ما بعده.
785- حسن بشواهده. أخرجه البيهقي (9/ 69) عن قتادة مرسلا، وورد موصولا.
أخرجه أبو داود 2667 وأحمد (4/ 428) والبيهقي (9/ 69) من طريق قتادة عن الحسن عن الهياج بن عمران عن عمران بن حصين.
والهياج بن عمران وثقه ابن حبان وابن سعد، وجهّله علي بن المديني.
وأخرجه الطبراني 6966 من طريق همام عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ هياج بن عمران عن سمرة بن جندب.
وأخرجه أحمد (4/ 432 و439 و440 و445) وابن حبان 4473 والطحاوي (3/ 182) وابن شاهين في «الناسخ والمنسوخ» 533 والطبراني (18/ 325 و326 و327) من طرق عن الحسن قال: قال رجل لعمران بن حصين ...
فذكره. وفيه إرسال، وقد ضعف أحمد بن حنبل رواية الحسن عن عمران على أنه لم يسمع منه كما في «مراسيل ابن أبي حاتم» لكن هذه الروايات تتأيد بمجموعها، فالحديث حسن إن شاء الله تعالى.
786- صحيح، أخرجه مسلم 1671 ح 14 والترمذي 73 والنسائي (7/ 100) وابن حبان 4474 والبيهقي (8/ 70) من طرق عن يحيى بن غيلان قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سليمان التيمي به.
787- ضعيف، أخرجه الطبري 11822 عن الوليد بن مسلم قال: ذاكرت الليث بن سعد ما كان من سمل رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم أعينهم، وتركه حسمهم حتى ماتوا، فقال: سمعت محمد بن عجلان يقول: أنزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلّم معاتبة
(1) زيد في المطبوع.

(2/44)


إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)

فِي أَمْرِ الْمُحَارِبِينَ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالْقَطْعِ وَالصَّلْبِ، وَالنَّفْيِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ وَمُجَاهِدٍ، وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْعُقُوبَاتِ عَلَى تَرْتِيبِ الْجَرَائِمِ لَا عَلَى التَّخْيِيرِ، لِمَا:
«788» أَخْبَرَنَا [1] عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ: إِذَا قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ قُتِلُوا وَصُلِبُوا، وَإِذَا قَتَلُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا الْمَالَ قُتِلُوا وَلَمْ يُصْلَبُوا، وَإِذَا أَخَذُوا الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلُوا قُطِعَتْ أيديهم وأرجلهم من خلاف، وإذا خافوا السَّبِيلَ وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالًا نُفُوا في الْأَرْضِ.
وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِذَا قَتَلَ قَاطِعُ الطَّرِيقِ يُقْتَلُ حَتْمًا حَتَّى لَا يَسْقُطَ بِعَفْوِ وَلِيِّ الدَّمِ، [وَإِذَا أَخَذَ مِنَ الْمَالِ نِصَابًا وَهُوَ رُبْعُ دِينَارٍ تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى، وَإِذَا قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ يُقْتَلُ وَيُصْلَبُ، وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّتِهِ فَظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عنه أنه يُقْتَلَ ثُمَّ يُصْلَبَ.
وَقِيلَ: يُصْلَبُ حَيًّا ثُمَّ يُطْعَنُ حَتَّى يَمُوتَ مَصْلُوبًا] [2] ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَقِيلَ: يُصْلَبُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ حَيًّا ثُمَّ يُنْزَلُ فَيُقْتَلُ، وَإِذَا أَخَافَ السَّبِيلَ يُنْفَى وَاخْتَلَفُوا فِي النَّفْيِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الإمام يطلبه ففي كل بلد يوجد ينفى، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَقِيلَ: يطلبون لتقام عليهم الحدود، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ أَهْلُ الْكُوفَةِ: النَّفْيُ هُوَ الْحَبْسُ، وَهُوَ نَفْيٌ مِنَ الْأَرْضِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ: يُنْفَى مِنْ بَلَدِهِ إِلَى غَيْرِهِ وَيُحْبَسُ فِي السِّجْنِ فِي الْبَلَدِ الَّذِي نُفِيَ إِلَيْهِ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ، قال مكحول: إن عمر بن الخطاب أَوَّلَ مَنْ حَبَسَ فِي السُّجُونِ، وَقَالَ: أَحْبِسُهُ حَتَّى أَعْلَمَ مِنْهُ التَّوْبَةَ، وَلَا أَنْفِيهِ إِلَى بَلَدٍ فَيُؤْذِيهِمْ، ذَلِكَ الَّذِي ذَكَرْتُ مِنَ الْحَدِّ، لَهُمْ خِزْيٌ عَذَابٌ وَهَوَانٌ وَفَضِيحَةٌ، فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ.

[سورة المائدة (5) : آية 34]
إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)
إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34) ، فَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْكُفَّارِ، قَالَ مَعْنَاهُ: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ شِرْكِهِمْ وَأَسْلَمُوا قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ فَلَا سَبِيلَ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْحُدُودِ وَلَا تَبِعَةَ عَلَيْهِمْ فِيمَا أَصَابُوا فِي حَالِ الْكُفْرِ مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ، وَأَمَّا الْمُسْلِمُونَ الْمُحَارِبُونَ فَمَنْ تَابَ مِنْهُمْ قَبْلَ القدرة عليه [3] وَهُوَ قَبْلَ أَنْ يَظْفَرَ بِهِ الإمام يسقط عَنْهُ كُلُّ عُقُوبَةٍ وَجَبَتْ حَقًّا لِلَّهِ، وَلَا يَسْقُطُ مَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ فَإِنْ كَانَ قَدْ قَتَلَ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ يَسْقُطُ عَنْهُ بِالتَّوْبَةِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ تَحَتُّمُ الْقَتْلِ، وَيَبْقَى عَلَيْهِ الْقِصَاصُ لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ فَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ اسْتَوْفَاهُ [4] ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَخَذَ الْمَالَ
__________
في ذلك وعلمه عقوبة مثلهم. ثم ذكر لفظا آخر غير الذي ذكر المصنف، وهو معضل بكل حال، فهو واه.
788- إسناده ضعيف جدا، إبراهيم بن محمد هو ابن أبي يحيى، متروك كذبه المديني والقطان وابن معين، ووهاه آخرون، ووثقه الشافعي وحده. وفيه صالح بن نبهان، وهو صدوق لكنه اختلط.
وهو في «شرح السنة» 2564 بهذا الإسناد.
وفي «مسند الشافعي» (2/ 86) عن إبراهيم بن محمد به. [.....]
(1) زيد في المخطوط «عبد الواحد المليحي» وهو خطأ.
(2) ما بين المعقوفتين سقط من المخطوط.
(3) في المطبوع «عليهم» .
(4) في المطبوع «تاب واستوفى» بدل «استوفاه» .

(2/45)


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (36) يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (37) وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)

يَسْقُطُ عَنْهُ الْقَطْعُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا يَسْقُطُ عَنْهُ تحتم [القطع و] [1] الْقَتْلِ وَالصَّلْبِ، وَيَجِبُ ضَمَانُ الْمَالِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِذَا جَاءَ تَائِبًا قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ لَا يَكُونُ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ تَبِعَةٌ فِي دم ومال إِلَّا أَنْ يُوجَدَ مَعَهُ مَالٌ بِعَيْنِهِ فَيَرُدُّهُ إِلَى صَاحِبِهِ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي حَارِثَةَ بْنِ يَزِيدَ كَانَ [قد] [2] خَرَجَ مُحَارِبًا فَسَفَكَ الدِّمَاءَ وَأَخَذَ الْمَالَ ثُمَّ جَاءَ تَائِبًا قَبْلَ أن يقدر عليه ولم يَجْعَلْ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ [عليه] [3] تبعة، أَمَّا مَنْ تَابَ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْهَا، وَقِيلَ: كُلُّ عُقُوبَةٍ تَجِبُ حَقًّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ عُقُوبَاتِ قَطْعِ الطَّرِيقِ وَقَطْعِ السَّرِقَةِ وَحَدِّ الزِّنَا وَالشُّرْبِ تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ بِكُلِّ حَالٍ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهَا لا تسقط.

[سورة المائدة (5) : الآيات 35 الى 38]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (36) يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ (37) وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا، واطلبوا، إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ، أَيِ: الْقُرْبَةَ، فَعَيْلَةٌ مِنْ تَوَسَّلَ إِلَى فُلَانٍ بِكَذَا، أَيْ: تَقَرَّبَ إِلَيْهِ وَجَمْعُهَا وَسَائِلُ، وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ، لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ، أَخْبَرَ أَنَّ الْكَافِرَ لَوْ مَلَكَ الدُّنْيَا كُلَّهَا وَمِثْلَهَا مَعَهَا ثُمَّ فَدَى بِذَلِكَ نَفْسَهُ مِنَ الْعَذَابِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ذَلِكَ الْفِدَاءُ، وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ.
يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها، فِيهِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ يَقْصِدُونَ وَيَطْلُبُونَ الْمَخْرَجَ مِنْهَا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها [الْحَجُّ: 22] ، وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ يَتَمَنَّوْنَ ذَلِكَ بِقُلُوبِهِمْ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْهُمْ: رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها [الْمُؤْمِنُونَ: 107] ، وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ.
وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما، أَرَادَ بِهِ أَيْمَانَهُمَا، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مُصْحَفِ عبد الله بن مسعود، وجملة الحكم: أَنَّ مَنْ سَرَقَ نِصَابًا مِنَ الْمَالِ مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى من الكوع، ولا يجب القطع بسرقة مَا دُونَ النِّصَابِ عِنْدَ [عَامَّةِ] [4] أَهْلِ الْعِلْمِ، حُكِيَ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ يَقْطَعُ فِي الشَّيْءِ الْقَلِيلِ، وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ عَلَى خِلَافِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْقَدْرِ الَّذِي يُقْطَعُ [فِيهِ] [5] ، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ فِي أَقَلِّ مِنْ رُبُعِ دِينَارٍ، فَإِنْ سَرَقَ رُبُعَ دِينَارٍ أَوْ مَتَاعًا قِيمَتُهُ رُبُعُ دِينَارٍ يُقْطَعْ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ، وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ والأوزاعي والشافعي، لِمَا:
«789» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ أَحْمَدَ الْخَلَّالِ أَنَا أَبُو العباس الأصم أنا
__________
789- إسناده صحيح، الشافعي فمن دونه ثقات وقد توبعوا، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، ابن عيينة هو سفيان وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري، عمرة هي بنت عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زرارة.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) سقط من المطبوع.
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) في المخطوط وط «به» .

(2/46)


الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ أَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عمرة [1] عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْقَطْعُ في ربع دينار فصاعدا» .
«790» وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرْخَسِيُّ أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو إِسْحَاقُ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قطع سارقا في مجن قيمته ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ.
وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ قَطَعَ سَارِقًا فِي أُتْرُجَّةٍ [2] قُوِّمَتْ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ مِنْ صَرْفِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ [3] .
وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يُقْطَعُ فِي ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يقطع فِي أَقَلِّ مِنْ دِينَارٍ أَوْ عشرة دراهم، ويروى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَقَالَ قَوْمٌ: لَا يُقْطَعُ إِلَّا فِي خمسة دراهم وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى.
«791» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ بْنِ غِيَاثٍ أَخْبَرَنِي أَبِي أَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ» ، وَقَالَ الْأَعْمَشُ: كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ بَيْضُ الْحَدِيدِ وَالْحَبْلُ، يَرَوْنَ أن منها ما يساوي ثلاثة دَرَاهِمَ.
وَيَحْتَجُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ يَرَى الْقَطْعَ فِي الشَّيْءِ الْقَلِيلِ، وَهُوَ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ مَحْمُولٌ عَلَى ما قاله
__________
وهو في «شرح السنة» 2589 بهذا الإسناد. وفي «مسند الشافعي» (2/ 83) عن سفيان بن عيينة به.
وأخرجه مسلم 1684 ح 1 وأبو داود 4383 والترمذي 1445 والنسائي (8/ 79) والحميدي 279 وأحمد (6/ 36) والطحاوي (3/ 163 و166 و167) وابن حبان 4559 وابن الجارود 824 والبيهقي (8/ 254) من طرق عن ابن عيينة به.
وأخرجه البخاري 6790 ومسلم 1684 وأبو داود 4384 والنسائي (8/ 78) وابن حبان 4455 والطحاوي (2/ 164) والبيهقي (8/ 254) من طرق عن ابن وهب عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عن عروة وعمرة عن عائشة به.
(1) وقع في الأصل «عروة» والتصويب عن «شرح السنة» و «مسند الشافعي» .
790- إسناده صحيح، على شرط البخاري ومسلم.
وهو في «شرح السنة» 259 بهذا الإسناد. وفي «الموطأ» (2/ 831) عن نافع به.
ومن طريق مالك أخرجه البخاري 6795 ومسلم 1686 ح 6 وأبو داود 4385 والنسائي (8/ 76، 77) والشافعي (2/ 83) والطيالسي 1847 وأحمد (2/ 64) وابن حبان 4463 والطحاوي (3/ 162) والدارقطني (3/ 190) والبيهقي (8/ 258) .
وأخرجه البخاري 6797 و6798 ومسلم 1686 ح 6 وأبو داود 4386 والترمذي 1446 والنسائي (8/ 76 و77) وابن ماجه 2584 وعبد الرزاق 18967 والطيالسي 1847 وابن أبي شيبة (9/ 468) وأحمد (2/ 54 و80 و143) والدارمي (2/ 173) وابن حبان 4461 والطحاوي (3/ 162 و163) والبيهقي (8/ 256) من طرق عن نافع به.
(2) الأترجة: ثمر شجر من جنس الليمون. [.....]
(3) أثر عثمان أخرجه الشافعي في «مسنده» (2/ 83) من طريق مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن أبيه عن عمرة به.
791- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، الأعمش هو سليمان بن مهران، أبو صالح اسمه ذكوان مشهور بكنيته.
وهو في «شرح السنة» 2591 بهذا الإسناد. وفي «صحيح البخاري» 6783 عن عمر بن حفص به.
وأخرجه البخاري 6799 ومسلم 1687 والنسائي (8/ 65) وابن ماجه 2583 وأحمد (2/ 253) وابن حبان 5748 والبيهقي (8/ 253) من طرق عن الأعمش به.

(2/47)


الْأَعْمَشُ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ [1] رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَإِذَا سَرَقَ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ كَثَمَرٍ فِي حَائِطٍ لَا حَارِسَ لَهُ أَوْ حَيَوَانٍ فِي بَرِّيَّةٍ لَا حَافِظَ لَهُ، أَوْ مَتَاعٍ فِي بَيْتٍ مُنْقَطِعٍ عَنِ الْبُيُوتِ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ.
«792» وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ مُعَلَّقٍ ولا في جريسة [2] جَبَلٍ [3] ، فَإِذَا آوَاهُ الْمُرَاحُ أَوِ الْجَرِينُ فَالْقَطْعُ فِيمَا بَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ» .
«793» وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ [أَبِي] [4] الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ عَلَى خَائِنٍ وَلَا مُنْتَهِبٍ وَلَا مُخْتَلِسٍ قَطْعٌ» .
وَإِذَا سَرَقَ مَالًا لَهُ فِيهِ شُبْهَةٌ كَالْعَبْدِ يَسْرِقُ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ أَوِ الْوَلَدِ يَسْرِقُ مِنْ مَالِ وَالِدِهِ أَوِ الْوَالِدِ يَسْرِقُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ أَوْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ يَسْرِقُ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِكِ شَيْئًا لَا قَطْعَ عَلَيْهِ، وَإِذَا سَرَقَ السَّارِقُ أَوَّلَ مَرَّةٍ تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى مِنَ الْكُوعِ، ثُمَّ إِذَا سَرَقَ ثَانِيًا تُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُسْرَى مِنْ مَفْصِلِ الْقَدَمِ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا سَرَقَ ثَالِثًا فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُسْرَى ثُمَّ إِذَا سَرَقَ رَابِعًا تُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُمْنَى، ثُمَّ إِذَا سَرَقَ بَعْدَهُ شَيْئًا يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ.
«794» لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في السارق
__________
(1) هو الحديث المتقدم برقم: 773.
792- حسن بشواهده، أخرجه مَالِكٍ (2/ 831) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عبد الرحمن بن أبي حسين المكي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم قَالَ: «لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ معلّق، ولا في جريسة جَبَلٍ» فَإِذَا آوَاهُ الْمُرَاحُ أَوِ الجرين فالقطع يبلغ ثمن المجن.
وهذا مرسل صحيح.
وأخرجه النسائي (8/ 85، 86) والبيهقي (8/ 263) عبيد الله بن الأخنس عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أبيه عن جده بلفظ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم في كم تقطع اليد؟ قال: لا تقطع اليد في ثمر معلق فإذا ضمنه الجرين قطعت في ثمن المجن، ولا تقطع في جريسة الجبل، فإذا آوى المراح قطعت في ثمن المجن» .
وورد من وجه آخر عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أبيه عن جده بمعناه عند أبي داود 1710 و4390 والترمذي 1289 والنسائي (8/ 85 و86) وابن ماجه 2596 والحاكم (4/ 381) وابن الجارود 827 والبيهقي (8/ 278) .
793- جيد. هو في «مصنف عبد الرزاق» 18844 عن ابن جريج به، وقد صرّح ابن جريج بسماعه من أبي الزبير في «المصنّف» وأخرجه النسائي (8/ 89) وعبد الرزاق 18845 و18859 والطحاوي (3/ 171) والبيهقي (3/ 279) من طرق عن أبي الزبير به.
وأخرجه أبو داود 4391 والترمذي 1448 والنسائي (8/ 88 و89) وابن ماجه 2591 وأحمد (3/ 380) والدارمي (2/ 175) والدارقطني (3/ 187) وابن حبان 4456 و4457 والطحاوي (3/ 171) والبيهقي (8/ 279) من طرق عن ابن جريج عن أبي الزبير وعمرو بن دينار عن جابر به.
وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
(2) الجريسة: ما يسرق من الغنم بالليل.
(3) في الأصل: «حريسة حبل» .
(4) ما بين المعقوفتين زيادة من مصادر التخريج وكتب التراجم.
794- غير قوي. أخرجه الدارقطني (3/ 181) من حديث أبي هريرة.
وقال الزيلعي في «نصب الراية» (3/ 372) : وفيه الواقدي فيه مقال.
ورواه أبو نعيم «الحلية» (2/ 6) في ترجمة عبد الله بن زيد الجهني. من حديثه. وقال أبو نعيم: تفرد به حرام بن عثمان، وهو من الضعف بالمحل العظيم اهـ قلت: الواقدي متروك.

(2/48)


فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40) يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41)

[يَسْرِقُ] [1] «إِنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، ثُمَّ إِنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ، [ثُمَّ إِنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، ثُمَّ إِنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ» ] [2] .
وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ إِنْ سرق ثالثا بعد ما قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى لا يقطع، بل يحبس، روي ذَلِكَ عَنْ عَلَيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ: إِنِّي لَأَسْتَحِي أَنْ لَا أَدَعَ لَهُ يَدًا يَسْتَنْجِي بِهَا وَلَا رِجْلًا يَمْشِي بِهَا [3] ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ، وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: جَزاءً بِما كَسَبا، نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ وَالْقَطْعِ، وَمِثْلُهُ: نَكالًا، أَيْ: عُقُوبَةً، مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.

[سورة المائدة (5) : الآيات 39 الى 41]
فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40) يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (41)
__________
وله شاهد من حديث الحارث اللخمي «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم أتي بلص فقال: اقتلوه. فقالوا: يا رسول الله إنما سرق. فقال:
اقتلوه. قالوا: يا رسول الله إنما سرق. قال: اقطعوا يده. ثم سرق فقطعت رجله، ثم سرق على عهد أبي بكر حتى قطعت قوائمه كلها، ثم سرق الخامسة فأمر بقتله ... » الحديث. وفيه: قال أبو بكر: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم أعلم به حين قال: اقتلوه» .
أخرجه النسائي (8/ 89، 90) والحاكم (4/ 382) والطبراني كما في «نصب الراية» (3/ 372) والبيهقي (8/ 272) .
وصححه الحاكم. ورده الذهبي بقوله: بل منكر اه.
ولم يبين الذهبي وجه النكارة، ولعله استنكر المتن، ورجاله ثقات إلا أن عفان بن مسلم الباهلي وثقه ابن حجر في «التقريب» لكن أنه عاد فقال: قال ابن معين: أنكرناه في صفر سنة تسع عشرة. أي: 219 ومات بعدها بيسير اهـ.
وله شاهد آخر من حديث جابر بنحو حديث الحارث اللخمي المتقدم، أخرجه أبو داود 4410 والنسائي (8/ 90، 91) والبيهقي (8/ 272) وسكت عليه أبو داود، وقال النسائي: هذا حديث منكر، ومصعب بن ثابت ليس بالقوي في الحديث والله تعالى أعلم اهـ.
وذكر المنذري في «مختصره» 4248 كلام النسائي وزاد: مصعب الزبيري ضعفه غير واحد اهـ.
قلت: وهذا خبر منكر لم يعمل الفقهاء بقتل السارق، ولو تكرر منه، وإن صح فهو محمول على كون هذا الرجل إما منافقا أو فاسقا، وأن الله عز وجل أطلع نبيه على حقيقة هذا الرجل.
وقد جاء في «تلخيص الحبير» (4/ 69) ما ملخصه: قال النسائي: هذا حديث منكر. ولا أعلم فيه حديثا صحيحا.
وقال ابن عبد البر: حديث القتل منكر لا أصل له. وقد قال الشافعي: هذا حديث منسوخ لا خلاف فيه عند أهل العلم اهـ.
الخلاصة: الحديث غير قوي، وهو معارض بحديث: «لا يباح دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث....» الحديث. وبقوله تعالى: فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما فلا يجوز التعدي بذلك إلى القتل أضف إلى ذلك الإجماع، فالحديث لم يصح، وهو منسوخ بكل حال وهذا الكلام: أن يصل الأمر به إلى القتل أما أن تقطع يده الأخرى أو رجله، فهذا مختلف فيه بين أهل العلم، وسيأتي عن علي رضي الله عنه ما يخالف هذا، ووافقه كثير من الصحابة.
وانظر «فتح القدير» لابن الهمام (5/ 365) وكتاب «العدة شرح العمدة» ص 635 و «أحكام القرآن» 711، 714 و «تفسير القرطبي» 2681، 2683 وجميعا بتخريجي، ولله الحمد والمنة.
(1) زيادة عن ط.
(2) زيد في المخطوط وط.
(3) أثر علي أخرجه الدارقطني (3/ 180) والبيهقي (8/ 275) وهو موقوف صحيح.

(2/49)


فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ، أَيْ: سَرِقَتِهِ، وَأَصْلَحَ الْعَمَلَ، فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، هَذَا فِيمَا بَيْنَهُ [1] وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَأَمَّا الْقَطْعُ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِالتَّوْبَةِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، قَالَ مُجَاهِدٌ:
[قَطْعُ] [2] السَّارِقِ تَوْبَتُهُ [3] فَإِذَا قُطِعَ حَصَلَتِ التَّوْبَةُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْقَطْعَ لِلْجَزَاءِ عَلَى الْجِنَايَةِ، كَمَا قَالَ:
جَزاءً بِما كَسَبا، ولا بدّ من التوبة بعده، وَتَوْبَتُهُ النَّدَمُ عَلَى مَا مَضَى وَالْعَزْمُ عَلَى تَرْكِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَإِذَا قُطِعَ السَّارِقُ يَجِبُ عَلَيْهِ غرم ما صرف [4] مِنَ الْمَالِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا غُرْمَ عَلَيْهِ، وَبِالِاتِّفَاقِ إن كان المسروق قائما عِنْدَهُ يُسْتَرَدَّ [5] وَتُقْطَعْ يَدُهُ لِأَنَّ الْقَطْعَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَالْغُرْمَ حَقُّ الْعَبْدِ، فَلَا يَمْنَعُ أَحَدُهُمَا الآخر، كاسترداد العين.
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ، الْخِطَابُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَادُ بِهِ الْجَمِيعُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَلَمْ تَعْلَمْ أَيُّهَا الإنسان فيكون خطابا لكل واحد مِنَ النَّاسِ، يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ، قَالَ السُّدِّيُّ وَالْكَلْبِيُّ: يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ مَنْ مَاتَ عَلَى كُفْرِهِ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يشاء مَنْ تَابَ مِنْ كُفْرِهِ، وَقَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ عَلَى الصَّغِيرَةِ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ عَلَى الْكَبِيرَةِ، وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ، أَيْ: فِي مُوَالَاةِ الْكُفَّارِ فإنهم لن [6] يُعْجِزُوا اللَّهَ، مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ، وَهُمُ الْمُنَافِقُونَ، وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا، يَعْنِي: الْيَهُودَ، سَمَّاعُونَ، أَيْ: قَوْمٌ سماعون، لِلْكَذِبِ، أي: قابلون [7] لِلْكَذِبِ، كَقَوْلِ الْمُصَلِّي: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، أَيْ: قَبِلَ اللَّهُ، وقيل: معناه: سَمَّاعُونَ لِأَجْلِ الْكَذِبِ، أَيْ: يَسْمَعُونَ مِنْكَ لِيَكْذِبُوا عَلَيْكَ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْمَعُونَ مِنَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَخْرُجُونَ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا مِنْهُ كَذَا وَلَمْ يَسْمَعُوا ذَلِكَ مِنْهُ، سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ، أَيْ: هُمْ جَوَاسِيسُ، يَعْنِي: بَنِي قُرَيْظَةَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ وَهُمْ أَهْلُ خَيْبَرَ.
«795» وَذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا وَامْرَأَةً مِنْ أَشْرَافِ أَهْلِ خَيْبَرَ زَنَيَا وَكَانَا مُحْصَنَيْنِ، وَكَانَ حَدُّهَمَا الرَّجْمَ فِي التَّوْرَاةِ
__________
وكذا أخرجه عبد الرزاق عن الشعبي، وابن أبي شيبة في «مصنفه» عن عبد الله بن سلمة كما في «نصب الراية» (3/ 374) . [.....]
795- لم أره مطولا بهذا السياق. وأخرجه الطبري 11926 والبيهقي (8/ 247) من حديث أبي هريرة مختصرا، وفيه راو مجهول.
وأصل الخبر صحيح فقد ورد بمعناه من حديث جابر عند أبي داود 4452 وإسناده ضعيف لضعف مجالد بن سعيد، وكرره أبو داود 4453 و4454 من وجه آخر عن الشعبي مرسلا، وقال: ليس فيه: «فدعا بالشهود فشهدوا» .
ومن حديث البراء عند مسلم 1700 وأبي داود 4447 و4448 والنسائي في «الكبرى» 7218 وابن ماجه 2558 وأحمد (4/ 286) والبيهقي (8/ 246) .
(1) في المطبوع «بينهم» .
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) العبارة في المطبوع «السارق لا توبة له» .
(4) في المطبوع وط «سرق» .
(5) في المطبوع «يسترده» .
(6) في المطبوع «لم» .
(7) كذا في المطبوع والمخطوط أ، وفي المخطوط ب، وط، «قائلون» والمثبت أقرب يدل عليه ما بعده.

(2/50)


فَكَرِهَتِ الْيَهُودُ رَجْمَهُمَا لِشَرَفِهِمَا، فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي بِيَثْرِبَ لَيْسَ فِي كِتَابِهِ الرَّجْمُ وَلَكِنَّهُ الضرب، فأرسلوا إلى إخوانكم بَنِي قُرَيْظَةَ فَإِنَّهُمْ جِيرَانُهُ وَصُلْحٌ لَهُ فَلْيَسْأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ، فَبَعَثُوا رَهْطًا مِنْهُمْ مُسْتَخْفِينَ وَقَالُوا لَهُمْ: سَلُوا مُحَمَّدًا عَنِ الزَّانِيَيْنِ إِذَا أُحْصِنَا مَا حَدُّهُمَا؟ فَإِنْ أَمَرَكُمْ بِالْجَلْدِ فَاقْبَلُوا مِنْهُ، وَإِنْ أَمَرَكُمْ بالرجم فاحذروا وَلَا تَقْبَلُوا مِنْهُ، وَأَرْسَلُوا مَعَهُمُ الزَّانِيَيْنِ فَقَدِمَ الرَّهْطُ حَتَّى نَزَلُوا عَلَى بَنِي قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ فَقَالُوا لَهُمْ: إِنَّكُمْ جِيرَانُ هَذَا الرَّجُلِ وَمَعَهُ فِي بَلَدِهِ وَقَدْ حَدَثَ فِينَا حَدَثُ فُلَانٍ وَفُلَانَةَ قَدْ فَجَرَا وَقَدْ أُحْصِنَا فَنُحِبُّ أَنْ تَسْأَلُوا لَنَا مُحَمَّدًا عَنْ قَضَائِهِ [فِيهِ] [1] ، فَقَالَتْ لَهُمْ قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ: إِذًا وَاللَّهِ يَأْمُرُكُمْ بِمَا تَكْرَهُونَ، ثُمَّ انْطَلَقَ قَوْمٌ مِنْهُمْ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ وَكَعْبُ بْنُ أَسَدٍ وَسَعْيَةُ [2] بْنُ عَمْرٍو وَمَالِكُ بْنُ الصَّيْفِ وَكِنَانَةُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ وَغَيْرُهُمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنَا عَنِ الزَّانِي وَالزَّانِيَةِ إِذَا أَحْصَنَا مَا حَدُّهُمَا فِي كتابك؟ فقال: «هَلْ تَرْضَوْنَ بِقَضَائِي» ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالرَّجْمِ فَأَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ فَأَبَوْا أَنْ يَأْخُذُوا بِهِ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: اجْعَلْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمُ ابْنَ صوريا ووصفه له، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ تَعْرِفُونَ شَابًّا أَمْرَدَ أَعْوَرَ يَسْكُنُ فَدَكَ يُقَالُ لَهُ ابْنُ صُورِيَا» ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: «فَأَيُّ رَجُلٍ هُوَ فِيكُمْ» ؟ فَقَالُوا: هُوَ أَعْلَمُ يَهُودِيٍّ بَقِيَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي التَّوْرَاةِ، [فقال: «أرسلوا إليه» ، ففعلوا فأتاهم] [3] ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْتَ ابْنُ صُورِيَّا» ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «وَأَنْتَ أَعْلَمُ الْيَهُودِ» ، قَالَ: كَذَلِكَ يَزْعُمُونَ، قَالَ: «أَتَجْعَلُونَهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ» ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَخْرَجَكُمْ مِنْ مِصْرَ، وَفَلَقَ لَكُمُ الْبَحْرَ وَأَنْجَاكُمْ وَأَغْرَقَ آلَ فِرْعَوْنَ، وَالَّذِي ظَلَّلَ عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلَ عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى، وَأَنْزَلَ عَلَيْكُمْ كِتَابَهُ فيه حَلَالُهُ وَحَرَامُهُ، هَلْ تَجِدُونَ فِي كِتَابِكُمُ الرَّجْمَ عَلَى مَنْ أَحْصَنَ» ؟ قَالَ ابْنُ صُورِيَا: نَعَمْ وَالَّذِي ذَكَّرْتَنِي بِهِ لَوْلَا خَشْيَةُ أَنْ تَحْرِقَنِي التَّوْرَاةُ إِنْ كَذَبْتُ أَوْ غَيَّرْتُ مَا اعْتَرَفْتُ لَكَ، وَلَكِنْ كَيْفَ هِيَ فِي كِتَابِكَ يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: «إِذَا شَهِدَ أَرْبَعَةُ رَهْطٍ عُدُولٌ أَنَّهُ قَدْ أَدْخَلَهُ فِيهَا كَمَا يَدْخُلُ الْمِيلُ فِي الْمُكْحُلَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ الرَّجْمُ» ، فَقَالَ ابْنُ صُورِيَا: وَالَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى هَكَذَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي التَّوْرَاةِ عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فماذا كَانَ أَوَّلَ مَا تَرَخَّصْتُمْ بِهِ أَمْرَ اللَّهِ» ؟ قَالَ: كُنَّا إِذَا أَخَذْنَا الشَّرِيفَ تَرَكْنَاهُ وَإِذَا أَخَذْنَا الضَّعِيفَ أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدَّ، فَكَثُرَ الزِّنَا فِي أَشْرَافِنَا حَتَّى زَنَا ابْنُ عَمِّ مَلِكٍ لَنَا فَلَمْ نَرْجُمْهُ، ثُمَّ زَنَى رَجُلٌ آخَرُ في أثره [4] مِنَ النَّاسِ فَأَرَادَ ذَلِكَ الْمَلِكُ رجمه فقام دونه قومه، وقالوا: وَاللَّهِ لَا تَرْجُمُهُ حَتَّى يُرْجَمَ فُلَانٌ لِابْنِ عَمِّ الْمَلِكِ، فَقُلْنَا: تعالوا نجتمع فلنصنع شَيْئًا دُونَ الرَّجْمِ يَكُونُ عَلَى الْوَضِيعِ وَالشَّرِيفِ، فَوَضَعْنَا الْجَلْدَ وَالتَّحْمِيمَ، وَهُوَ أَنْ يُجْلَدَ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً بحبل مطلي بالقار ثم تسود وُجُوهُهُمَا، ثُمَّ يُحْمَلَانِ عَلَى حِمَارَيْنِ وَوُجُوهُهُمَا مِنْ قِبَلِ دُبُرِ الْحِمَارِ وَيُطَافُ بِهِمَا، فَجَعَلُوا هَذَا مَكَانَ الرجم، فقال الْيَهُودُ لِابْنِ صُورِيَا: مَا أَسْرَعَ ما أخبرته به، وما كنت [5] لِمَا أَثْنَيْنَا عَلَيْكَ بِأَهْلٍ وَلَكِنَّكَ كُنْتَ غَائِبًا فَكَرِهْنَا أَنْ نَغْتَابَكَ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّهُ قَدْ أَنْشَدَنِي بِالتَّوْرَاةِ وَلَوْلَا خَشْيَةُ التَّوْرَاةِ أَنْ تهلكني لما أخبرته به، فَأَمَرَ بِهِمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَا عِنْدَ بَابِ مَسْجِدِهِ، وَقَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَوَّلُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَكَ إِذْ أَمَاتُوهُ» ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:
يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ.
__________
وانظر الحديث الآتي.
(1) زيادة عن المخطوط وط.
(2) تصحف في المطبوع «وسعيد» .
(3) زيادة عن المخطوط وط.
(4) في المطبوع «أسوة» .
(5) في المطبوع «كنا» . [.....]

(2/51)


«796» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو إِسْحَاقُ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ:
إِنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ» ؟ فَقَالُوا: نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: كَذَبْتُمْ إِنَّ فِيهَا لَآيَةَ الرَّجْمِ، فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ فَقَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ: ارْفَعْ يَدَكَ، فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ، قَالُوا: اصدق يَا مُحَمَّدُ فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ، فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَحْنِي [1] عَلَى الْمَرْأَةِ يَقِيهَا الْحِجَارَةَ. وَقِيلَ:
سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ الْقِصَاصُ، وَذَلِكَ أَنَّ بَنِي النَّضِيرِ كَانَ لَهُمْ فَضْلٌ عَلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، فَقَالَ بَنُو قُرَيْظَةَ: يَا مُحَمَّدُ إِخْوَانُنَا بَنُو النَّضِيرِ وَأَبُونَا وَاحِدٌ وَدِينُنَا وَاحِدٌ وَنَبِيُّنَا واحد، وإذا قتلوا منّا قتيلا لَمْ يُقِيدُونَا وَأَعْطَوْنَا دِيَتَهُ سَبْعِينَ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ، وَإِذَا قَتَلْنَا مِنْهُمْ قَتَلُوا الْقَاتِلَ وَأَخَذُوا مِنَّا الضِّعْفَ مِائَةً وَأَرْبَعِينَ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ، وَإِنْ كَانَ الْقَتِيلُ امْرَأَةً قَتَلُوا بِهَا الرَّجُلَ مِنَّا وَبِالرَّجُلِ منهم الرجلين منّا، وبالعبد حرا مِنَّا، وَجَرَاحَتُنَا عَلَى التَّضْعِيفِ مِنْ جراحاتهم، فاقض بيننا وبينهما، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ الْآيَةَ فِي الرَّجْمِ.
قَوْلُهُ: وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ، قِيلَ: اللَّامُ بِمَعْنَى إِلَى، وَقِيلَ: هِيَ لَامُ كَيْ، أَيْ:
يَسْمَعُونَ لِكَيْ يَكْذِبُوا عَلَيْكَ، وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لِقَوْمٍ، أَيْ: لِأَجْلِ [2] قَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ وَهُمْ أَهْلُ خَيْبَرَ، يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ، جَمْعُ كَلِمَةٍ، مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ، أَيْ: مِنْ بَعْدِ وَضْعِهِ مَوَاضِعَهُ، وإنما ذَكَرَ الْكِنَايَةَ رَدًّا عَلَى لَفْظِ الْكَلِمِ، يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ، أَيْ: إِنْ أَفْتَاكُمْ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجَلْدِ والتحميم فاقبلوه، وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ، [أي:] [3] كُفْرَهُ وَضَلَالَتَهُ، قَالَ الضَّحَّاكُ: هَلَاكَهُ، وَقَالَ قَتَادَةُ: عَذَابَهُ، فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً، فَلَنْ تَقْدِرَ عَلَى دَفْعِ أَمْرِ اللَّهِ فِيهِ، أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ يُنْكِرُ الْقَدَرَ، لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ، أَيْ: لِلْمُنَافِقِينَ وَالْيَهُودِ، فَخِزْيُ الْمُنَافِقِينَ الْفَضِيحَةُ وَهَتْكُ السِّتْرِ بِإِظْهَارِ نِفَاقِهِمْ، وَخِزْيُ اليهود الجزية أو القتل وَالسَّبْيُ وَالنَّفْيُ، وَرُؤْيَتُهُمْ مِنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وفيهم مَا يَكْرَهُونَ، وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ
__________
796- إسناده صحيح، أبو إسحاق ومن دونه ثقات، وقد توبعوا ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
وهو في «شرح السنة» 2577 بهذا الإسناد.
وهو في «الموطأ» (2/ 819) عن نافع به.
ومن طريق مالك أخرجه البخاري 3635 و6841 ومسلم 1699 ح 27 وأبو داود 4446 وابن حبان 4434 والبيهقي (8/ 214) .
وورد بنحوه من طرق عن نافع به عند البخاري 1329 و4556 و7332 و7543 ومسلم 1699 وعبد الرزاق 13331 و13332 والدارمي (2/ 178، 179) .
وأخرجه البخاري 6819 ومن طريق عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابن عمر به.
وانظر الحديث المتقدم.
(1) في «شرح السنة» : «يجنىء» قال المصنّف: قوله «يجنىء عليها: أي يكبّ عليها. يقال: أجنأ عليه، يجنىء: إذا أكبّ عليه يقيه شيئا» .
(2) في المخطوط «من أجل» .
(3) زيادة عن المخطوط.

(2/52)


سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42)

عَذابٌ عَظِيمٌ، الْخُلُودُ فِي النَّارِ.

[سورة المائدة (5) : آية 42]
سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42)
سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ وَالْكِسَائِيُّ لِلسُّحْتِ بِضَمِّ الْحَاءِ، وَالْآخَرُونَ بِسُكُونِهَا، وَهُوَ الْحَرَامُ، وَأَصْلُهُ الْهَلَاكُ وَالشِّدَّةُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ [طه: 61] ، نَزَلَتْ فِي حُكَّامِ [1] الْيَهُودِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَأَمْثَالِهِ، كَانُوا يَرْتَشُونَ وَيَقْضُونَ لِمَنْ رَشَاهُمْ، قَالَ الْحَسَنُ: كَانَ الْحَاكِمُ مِنْهُمْ إِذَا أَتَاهُ أَحَدٌ بِرُشْوَةٍ جَعَلَهَا فِي كُمِّهِ فَيُرِيهَا إِيَّاهُ وَيَتَكَلَّمُ بِحَاجَتِهِ فَيَسْمَعُ مِنْهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَى خَصْمِهِ، فَيَسْمَعُ الْكَذِبَ وَيَأْكُلُ الرُّشْوَةَ، وَعَنْهُ أَيْضًا قَالَ: إِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْحَكَمِ إِذَا رَشَوْتَهُ لِيُحِقَّ لَكَ بَاطِلًا أَوْ يُبْطِلَ عَنْكَ حَقًّا، فَأَمَّا أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ الْوَالِيَ يَخَافُ ظُلْمَهُ لِيَدْرَأَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا بأس، والسحت هُوَ الرُّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ عَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ وَمُقَاتِلٍ وَقَتَادَةَ وَالضَّحَّاكِ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: هُوَ الرُّشْوَةُ في كُلِّ شَيْءٍ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: من شفع [2] شَفَاعَةً لِيَرُدَّ بِهَا حَقًّا أَوْ يَدْفَعَ بِهَا ظُلْمًا فَأُهْدِيَ لَهُ فَقَبِلَ فَهُوَ سُحْتٌ، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا كُنَّا نَرَى ذَلِكَ إِلَّا الْأَخْذَ عَلَى الْحُكْمِ، فَقَالَ:
الْأَخْذُ عَلَى الْحُكْمِ كُفْرٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ [الْمَائِدَةِ: 44] .
79»
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا [3] عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ أَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم قال: «لعنة الله على الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ» .
وَالسُّحْتُ كُلُّ كَسْبٍ لَا يَحِلُّ. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً، خَيَّرَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ إِنْ شَاءَ حَكَمَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، وَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ الْآيَةِ الْيَوْمَ هَلْ لِلْحَاكِمِ الْخِيَارُ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ إِذَا تَحَاكَمُوا [4] إِلَيْنَا؟ فَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ: هُوَ حُكْمٌ ثَابِتٌ وَلَيْسَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ حكم مَنْسُوخٌ، وَحُكَّامُ الْمُسْلِمِينَ بِالْخِيَارِ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ أَهْلِ الْكِتَابِ إِنْ شاؤوا حكموا وإن شاؤوا لَمْ يَحْكُمُوا، وَإِنْ حَكَمُوا حَكَمُوا بحكم الإسلام، وهو قول
__________
797- إسناده حسن لأجل الحارث بن عبد الرحمن خال ابن أبي ذئب، فإنه صدوق، وباقي الإسناد على شرطهما سوى علي بن الجعد، فإنه من رجال البخاري، ابن أبي ذئب هو محمد بن عبد الرحمن.
وهو في «شرح السنة» 2487 بهذا الإسناد.
وفي «الجعديات» 2864 عن علي بن الجعد به.
وأخرجه أبو داود 1337 وأبو داود 3580 وابن ماجه 2313 والطيالسي 2276 وأحمد (2/ 146 و190 و194 و212) وابن حبان 5077 وابن الجارود 586 والحاكم (4/ 102، 103) والبيهقي (10/ 138، 139) من طرق عن ابن أبي ذئب بهذا الإسناد.
وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح اهـ.
(1) زيد في المطبوع وحده «حكم» .
(2) في المطبوع «يشفع» .
(3) زيد في الأصل «أحمد بن» بين «أنا» و «عبد الرحمن» والتصويب من ط و «شرح السنة» .
(4) في المطبوع «تحاكم» .

(2/53)


وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43)

النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَعَطَاءٍ وَقَتَادَةَ، وَقَالَ قَوْمٌ: يَجِبُ عَلَى حَاكِمِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ. وَالْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ نَسَخَهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ [الْمَائِدَةِ: 49] ، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ، وَرَوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ: لَمْ يُنْسَخْ مِنَ الْمَائِدَةِ إِلَّا آيَتَانِ، قَوْلُهُ تَعَالَى: لَا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ [المائدة: 2] ، نَسَخَهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ [التوبة: 5] ، وقوله: فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ، نَسَخَهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ، وأما إِذَا تَحَاكَمَ إِلَيْنَا مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ فَيَجِبُ عَلَيْنَا الْحُكْمُ بَيْنَهُمَا لَا يَخْتَلِفُ الْقَوْلُ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ الِانْقِيَادُ لِحُكْمِ أَهْلِ الذِّمَّةِ. قَوْلُهُ: وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ، أَيْ: بِالْعَدْلِ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ، أَيِ: الْعَادِلِينَ.
«798» وَرُوِّينَا [1] عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «الْمُقْسِطُونَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نور» .

[سورة المائدة (5) : آية 43]
وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ، هَذَا تَعْجِيبٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِيهِ اخْتِصَارٌ، أي: وكيف يَجْعَلُونَكَ حَكَمًا بَيْنَهُمْ فَيَرْضَوْنَ بِحُكْمِكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ؟ فِيها حُكْمُ اللَّهِ، وَهُوَ الرَّجْمُ، ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ، أي: بمصدّقين لك.

[سورة المائدة (5) : آية 44]
إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (44)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا، أَيْ: أَسْلَمُوا وَانْقَادُوا لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا أَخْبَرَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (131) [الْبَقَرَةِ: 131] ، وَكَمَا قَالَ: وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً [آلِ عِمْرَانَ: 83] ، وَأَرَادَ بِهِمُ النَّبِيِّينَ الَّذِينَ بُعِثُوا مِنْ بَعْدِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لِيَحْكُمُوا بِمَا فِي التَّوْرَاةِ، وَقَدْ أَسْلَمُوا لِحُكْمِ التَّوْرَاةِ وَحَكَمُوا بِهَا، فَإِنَّ مِنَ النَّبِيِّينَ مَنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ مِنْهُمْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً [الْمَائِدَةِ: 48] ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَالسُّدِّيُّ: أَرَادَ بِهِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَمَ عَلَى الْيَهُودِ بِالرَّجْمِ، ذُكِرَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ كَمَا قَالَ: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً [النَّحْلِ:
120] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: لِلَّذِينَ هادُوا، قِيلَ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ تَقْدِيرُهُ: فِيهَا هُدًى وَنُورٌ لِلَّذِينِ هَادَوْا ثُمَّ قَالَ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ، وَقِيلَ: هُوَ عَلَى مَوْضِعِهِ، وَمَعْنَاهُ: يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا عَلَى الَّذِينَ هَادَوْا كَمَا قَالَ: وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها [الإسراء: 7] ، أي: فعليها، وكما قال: أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ [الرَّعْدِ: 25] ، [أَيْ: عَلَيْهِمْ] [2] ، وَقِيلَ: فِيهِ حَذْفٌ كَأَنَّهُ قَالَ: لِلَّذِينِ هَادَوْا وَعَلَى الَّذِينَ هَادَوْا فَحَذَفَ أَحَدَهُمَا اخْتِصَارًا. وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ، يَعْنِي: الْعُلَمَاءَ، وَاحِدُهُمْ [3] حَبْرٌ، وَحِبْرٌ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا، وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ، وَهُوَ الْعَالِمُ الْمُحْكِمُ لِلشَّيْءِ [4] ، قَالَ الْكِسَائِيُّ وَأَبُو عبيدة: هو من الحبر الذي
__________
798- تقدم في «سورة المائدة» آية: 42.
(1) في المطبوع وحده «روي» .
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) في المطبوع «واحدها» .
(4) في المطبوع «في الشيء» . [.....]

(2/54)


وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)

يُكْتَبُ بِهِ، وَقَالَ قُطْرُبٌ: هُوَ مِنَ الْحِبْرِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْجَمَالِ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا.
«799» وَفِي الْحَدِيثِ: «يُخْرَجُ مِنَ النَّارِ رَجُلٌ قَدْ ذَهَبَ حَبْرُهُ وَسَبْرُهُ» .
أَيْ: حسنه وهيأته، وَمِنْهُ التَّحْبِيرُ وَهُوَ التَّحْسِينُ، فَسُمِّيَ الْعَالِمُ حِبْرًا لِمَا عَلَيْهِ مِنْ جَمَالِ الْعِلْمِ وَبَهَائِهِ، وَقِيلَ: الرَّبَّانِيُّونَ هَاهُنَا مِنَ النَّصَارَى، وَالْأَحْبَارُ مِنَ الْيَهُودِ، [وَقِيلَ: كِلَاهُمَا مِنَ الْيَهُودِ] [1] ، قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ، أَيِ: اسْتُودِعُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ، أَنَّهُ كَذَلِكَ، فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ، قَالَ قَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ الثَّلَاثُ فِي الْيَهُودِ دُونَ مَنْ أَسَاءَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ.
رُوِيَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ، وَالظَّالِمُونَ وَالْفَاسِقُونَ كُلُّهَا فِي الْكَافِرِينَ [2] ، وَقِيلَ: هِيَ عَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَطَاوُسٌ:
لَيْسَ بِكُفْرٍ يَنْقُلُ عَنِ الْمِلَّةِ، بَلْ إِذَا فَعَلَهُ فَهُوَ بِهِ كَافِرٌ، وَلَيْسَ كَمَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، قَالَ عَطَاءٌ: هُوَ كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ، وَظُلْمٌ دُونَ ظُلْمٍ، وَفِسْقٌ دُونَ فِسْقٍ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ مَعْنَاهُ: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ جَاحِدًا بِهِ فَقَدْ كَفَرَ، وَمَنْ أَقَرَّ بِهِ وَلَمْ يَحْكُمْ بِهِ فَهُوَ ظَالِمٌ فَاسِقٌ. وَسُئِلَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى الْكِنَانِيُّ عَنْ هَذِهِ الْآيَاتِ، فَقَالَ: إِنَّهَا تَقَعُ عَلَى جَمِيعِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَا عَلَى بَعْضِهِ، وكل مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِجَمِيعِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَهُوَ كَافِرٌ ظَالِمٌ فَاسِقٌ، فَأَمَّا مَنْ حَكَمَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ التَّوْحِيدِ وَتَرْكِ الشرك. ثم لم يحكم ببعض مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الشَّرَائِعِ لَمْ يَسْتَوْجِبْ حُكْمَ هَذِهِ الْآيَاتِ. وَقَالَ الْعُلَمَاءُ: هَذَا إِذَا رَدَّ نَصَّ حُكْمِ اللَّهِ عِيَانًا عَمْدًا، فَأَمَّا مَنْ خَفِيَ عَلَيْهِ أَوْ أخطأ في تأويل فلا.

[سورة المائدة (5) : آية 45]
وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها، أَيْ: أَوْجَبْنَا [3] عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي التَّوْرَاةِ، أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ، يعني: من نَفْسَ الْقَاتِلِ بِنَفْسِ الْمَقْتُولِ وَفَاءً يُقْتَلُ بِهِ، وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ، تُفْقَأُ بِهَا، وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ، يُجْدَعُ بِهِ، وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ، تُقْطَعُ بِهَا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِحُكْمِهِ فِي التَّوْرَاةِ وَهُوَ: أَنَّ النفس بالنفس واحدة بواحدة إِلَى آخِرِهَا، فَمَا بَالُهُمْ يُخَالِفُونَ فيقتلون بالنفس النفسين، ويفقأون
__________
799- لا أصل له. وذكره ابن الجوزي في «غريب الحديث» (1/ 186) والزمخشري في «الفائق» (1/ 251) وابن الأثير في «النهاية» (1/ 327) بدون إسناد، فهو لا شيء. بل لا أصل له لخلوه عن الإسناد.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) بل يدخل في ذلك من هذه الأمة من استبدل الأحكام الشرعية التي هي من عند الله تعالى بقوانين من وضع البشر، فهذا من الكفر والظلم والفسق، فالذي ينكر الرجم أو الجلد أو قطع اليد ويعتبر ذلك غير صالح في هذه الأزمان فهو مقصود في هذه الآيات الثلاث وسيناله عقاب رب العالمين، كيف لا يكون هذا منكرا للأحكام الشرعية، وهو موقن بأن ما يحكم به من قوانين البشر هو الحكم العادل وما سواه لا بد أنه جائر في مفهومه، فليحذر هؤلاء الذين يخالفون أمر الله تعالى، وليعودوا إلى شرع الله تعالى، فهو العالم بكل شيء، وهو العالم بعباده في كل زمان ومكان، وإلا فإن الله سينتقم من هؤلاء في الآخرة بلا ريب، وربما يكون أيضا في الدنيا نسأل الله السلامة.
(3) في المخطوط وحده «أوحينا» .

(2/55)


بِالْعَيْنِ الْعَيْنَيْنِ، وَخَفَّفَ نَافِعٌ الْأُذُنَ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ وَثَقَّلَهَا الْآخَرُونَ، وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ، تُقْلَعُ بِهَا وَسَائِرُ الْجَوَارِحِ قِيَاسٌ عَلَيْهَا فِي الْقِصَاصِ، وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ، فَهَذَا تَعْمِيمٌ بَعْدَ تَخْصِيصٍ، لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْعَيْنَ وَالْأَنْفَ وَالْأُذُنَ وَالسِّنَّ، ثُمَّ قَالَ: وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ، أَيْ: فِيمَا يُمْكِنُ الِاقْتِصَاصُ مِنْهُ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ وَاللِّسَانِ وَنَحْوِهَا، وَأَمَّا مَا لَا يُمْكِنُ الِاقْتِصَاصُ فيه [1] مِنْ كَسْرِ عَظْمٍ أَوْ جَرْحِ لَحْمٍ كَالْجَائِفَةِ وَنَحْوِهَا فَلَا قِصَاصَ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَى نِهَايَتِهِ، وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ وَالْعَيْنَ وَمَا بَعْدَهَا بِالرَّفْعِ، وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو عَمْرٍو «وَالْجُرُوحُ» بِالرَّفْعِ فَقَطْ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ كُلَّهَا بِالنَّصْبِ كَالنَّفْسِ. قَوْلُهُ تَعَالَى:
فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ، أَيْ: بِالْقِصَاصِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، قِيلَ: الْهَاءُ فِي لَهُ كِنَايَةٌ عَنِ الْمَجْرُوحِ وَوَلِيِّ الْقَتِيلِ، أَيْ: كَفَّارَةٌ لِلْمُتَصَدِّقِ وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَالْحَسَنِ وَالشَّعْبِيِّ وَقَتَادَةَ.
«800» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الثَّعْلَبِيُّ أَنَا [أَبُو] عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّيْنَوَرِيُّ أَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ أَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَصَدَّقَ مِنْ جَسَدِهُ بِشَيْءٍ كَفَّرَ اللَّهُ عَنْهُ بِقَدْرِهِ مِنْ ذُنُوبِهِ» .
وَقَالَ جَمَاعَةٌ: هِيَ كِنَايَةٌ عَنِ الْجَارِحِ وَالْقَاتِلِ، يَعْنِي: إِذَا عفا المجنى عليه من الْجَانِي فَعَفْوُهُ كَفَّارَةٌ لِذَنْبِ الْجَانِي لَا يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْآخِرَةِ، كَمَا أَنَّ الْقِصَاصَ كَفَّارَةٌ لَهُ، فَأَمَّا أَجْرُ الْعَافِي فَعَلَى اللَّهِ عزّ وجلّ،
__________
800- حديث صحيح بشواهده، عبد الله بن الفضل ثقة ومن دونه توبعوا، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، أبو خيثمة هو زهير بن حرب، جرير هو ابن عبد الحميد، مغيرة هو ابن مقسم الضبي، الشعبي هو عامر بن شراحيل.
وأخرجه أحمد (5/ 330) من طريق جرير بهذا الإسناد وذكره الهيثمي في «المجمع» (6/ 302) (10797) وقال: رواه عبد الله بن أحمد والطبراني، بلفظ: «من تصدّق بشيء من جسده أعطي بقدر ما تصدّق به» ورجال المسند رجال الصحيح اهـ.
وأخرجه أحمد (5/ 316) والطبري 12086 من طريق هشيم بن بشير عن مغيرة به.
وورد بمعناه.
من حديث أبي هريرة عند ابن أبي عاصم في «الديات» 115 وفي إسناد مجالد بن سعيد، وهو ضعيف.
ومن حديث أبي الدرداء عند الترمذي 1393 وابن ماجه 2693 وأحمد (5/ 316) و (6/ 448) والطبري 12085 وابن أبي عاصم في «الديات» 120.
وقال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلا من هذا الوجه، ولا أعرف لأبي السفر سماعا من أبي الدرداء، أبو السفر اسمه سعيد بن أحمد ويقال: ابن محمد الثوري. اهـ.
وعن عدي بن ثابت قال: هشم رجل فم رجل على عهد معاوية فأعطى ديته فأبى أن يقبل حتى أعطي ثلاثا.
فقال رجل: أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ تصدق بدم أو دونه كان كفارة له من يوم ولد إلى يوم تصدق» أخرجه أبو يعلى 6869 وابن أبي عاصم في «الديات» 310.
وقال الهيثمي في «المجمع» 10800: رواه أبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح غير عمران بن ظبيان، وقد وثقه ابن حبان، وفيه ضعف اهـ.
وورد موقوفا بمعناه عن عدة من الصحابة راجع «تفسير الطبري» عن هذه الآية. ومع ذلك هي تشهد للمرفوع، فالحديث بهذه الشواهد والطرق يرقى إلى درجة الصحيح، والله أعلم.
وانظر تفسير ابن كثير عند هذه الآية بتخريجي.
(1) في المطبوع «منه» .

(2/56)


وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47) وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48)

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشُّورَى: 40] ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَهُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ وَمُجَاهِدٍ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ.

[سورة المائدة (5) : الآيات 46 الى 48]
وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (47) وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48)
وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ، أَيْ: عَلَى آثَارِ النَّبِيِّينَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا، بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ، أَيْ: فِي الْإِنْجِيلِ، هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً، يَعْنِي: الْإِنْجِيلَ، لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ.
وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ، قَرَأَ الْأَعْمَشُ وَحَمْزَةُ وَلْيَحْكُمْ: بِكَسْرِ اللَّامِ ونصب الْمِيمِ، أَيْ: لِكَيْ يَحْكُمَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: بِسُكُونِ اللَّامِ وَجَزَمَ الْمِيمِ عَلَى الْأَمْرِ، قَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانِ:
أَمَرَ اللَّهُ الرَّبَّانِيِّينَ وَالْأَحْبَارَ أَنْ يَحْكُمُوا بِمَا [1] فِي التَّوْرَاةِ، وَأَمَرَ الْقِسِّيسِينَ وَالرُّهْبَانَ أَنْ يَحْكُمُوا بِمَا فِي الْإِنْجِيلِ، فَكَفَرُوا وَقَالُوا عزيز ابْنُ اللَّهِ وَالْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ، الْخَارِجُونَ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ، يَا مُحَمَّدُ الْكِتابَ، الْقُرْآنَ، بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ، أَيْ: مِنَ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ مِنْ قَبْلُ، وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ، رَوَى الوالي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَيْ شَاهِدًا عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَالسُّدِّيِّ وَالْكِسَائِيِّ.
قَالَ حَسَّانُ: إِنَّ الْكِتَابَ مُهْيَمِنٌ لِنَبِيِّنَا، وَالْحَقُ يَعْرِفُهُ ذَوُو الْأَلْبَابِ.
يُرِيدُ شَاهِدًا وَمُصَدِّقًا، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: دَالًّا، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو عُبَيْدَةَ: مُؤْتَمِنًا عَلَيْهِ، وَقَالَ الْحَسَنُ: أَمِينًا، وَقِيلَ: أَصْلُهُ مُؤَيْمِنٌ مُفَيْعِلٌ مِنْ أَمِينٍ، كَمَا قَالُوا: مُبَيْطِرٌ مِنَ الْبَيْطَارِ [2] ، فَقُلِبَتِ الْهَمْزَةُ هَاءً كَمَا قَالُوا: أَرَقْتُ الْمَاءَ وَهَرَقْتُهُ، وَإِيهَاتَ وَهَيْهَاتَ، وَنَحْوَهَا. وَمَعْنَى أَمَانَةَ الْقُرْآنِ مَا قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ:
الْقُرْآنُ أَمِينٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنَ الْكُتُبِ، فَمَا أَخْبَرَ أَهْلُ الْكِتَابِ عَنْ كِتَابِهِمْ فَإِنْ كان في القرآن صدّقوا وَإِلَّا فَكَذِّبُوا، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالضَّحَّاكُ: قَاضِيًا، وَقَالَ الْخَلِيلُ: رَقِيبًا وَحَافِظًا، وَالْمَعَانِي مُتَقَارِبَةٌ، وَمَعْنَى الْكُلِّ: أَنَّ كُلَّ [3] كِتَابٍ يَشْهَدُ بِصِدْقِهِ الْقُرْآنُ فَهُوَ كِتَابُ اللَّهِ تعالى وإلا فَلَا.
فَاحْكُمْ، يَا مُحَمَّدُ، بَيْنَهُمْ، بَيْنَ أَهْلِ الْكِتَابِ إِذَا تَرَافَعُوا إليك، بِما أَنْزَلَ اللَّهُ تعالى في
__________
(1) زيد في المطبوع «أنزل الله» .
(2) في المطبوع «البياطر» .
(3) تصحف في المطبوع «الكل» .

(2/57)


وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52)

القرآن، وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ، أَيْ: لَا تُعْرِضْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ، لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ: أَيْ سَبِيلًا وَسُنَّةً، فَالشِّرْعَةُ وَالْمِنْهَاجُ الطَّرِيقُ الْوَاضِحُ، وَكُلُّ مَا شَرَعَتْ فِيهِ فَهُوَ شَرِيعَةٌ وَشِرْعَةٌ، وَمِنْهُ شَرَائِعُ الْإِسْلَامِ لِشُرُوعِ أهلها فيه، وَأَرَادَ بِهَذَا أَنَّ الشَّرَائِعَ مُخْتَلِفَةٌ، وَلِكُلِّ أَهْلِ مِلَّةٍ شَرِيعَةٌ، قَالَ قَتَادَةُ: الْخِطَابُ لِلْأُمَمِ الثَّلَاثِ أُمَّةِ مُوسَى وَأُمَّةِ عِيسَى وَأُمِّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِمْ أجمعين، فالتوراة شريعة والإنجيل شريعة والقرآن شَرِيعَةٌ، وَالدِّينُ وَاحِدٌ وَهُوَ التَّوْحِيدُ. وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً، أَيْ: عَلَى مِلَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ، لِيَخْتَبِرَكُمْ، فِي مَا آتاكُمْ، مِنَ الْكُتُبِ وَبَيَّنَ لَكُمْ مِنَ الشَّرَائِعِ، فَيَتَبَيَّنُ [1] الْمُطِيعُ مِنَ المعاصي وَالْمُوَافِقُ مِنَ الْمُخَالِفِ، فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ، فَبَادِرُوا إِلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ.

[سورة المائدة (5) : الآيات 49 الى 50]
وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ، إليك وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: قَالَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ [2] وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صُورِيَّا وَشَاسُ بْنُ قَيْسٍ مِنْ رُؤَسَاءِ الْيَهُودِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: اذْهَبُوا بِنَا إِلَى مُحَمَّدٍ لَعَلَّنَا نَفْتِنُهُ عَنْ دِينِهِ، فَأَتَوْهُ فَقَالُوا:
يَا مُحَمَّدُ، قَدْ عَرَفْتَ أَنَّا أَحْبَارُ الْيَهُودِ وَأَشْرَافُهُمْ وَأَنَّا إِنِ اتَّبَعْنَاكَ لَمْ يُخَالِفْنَا الْيَهُودُ، وَإِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ النَّاسِ خُصُومَاتٍ فَنُحَاكِمُهُمْ إِلَيْكَ فَاقْضِ لَنَا عَلَيْهِمْ نُؤْمِنُ بِكَ، وَيَتْبَعُنَا غَيْرُنَا وَلَمْ يَكُنْ قَصْدُهُمُ الْإِيمَانَ، وَإِنَّمَا كَانَ قَصْدُهُمُ التَّلْبِيسَ وَدَعْوَتَهُ إِلَى الْمَيْلِ فِي الْحُكْمِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ [هَذِهِ] [3] الْآيَةَ، فَإِنْ تَوَلَّوْا، أَيْ:
أَعْرَضُوا عَنِ الْإِيمَانِ وَالْحُكْمِ بِالْقُرْآنِ، فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ، أَيْ: فَاعْلَمْ أَنَّ إِعْرَاضَهُمْ مِنْ أَجْلِ أَنَّ اللَّهَ يُرِيدُ أَنْ يُعَجِّلَ لَهُمُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ، وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ، يَعْنِي: الْيَهُودَ، لَفاسِقُونَ.
أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ، قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ تَبْغُونَ بِالتَّاءِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ، أَيْ: يَطْلُبُونَ، وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ.

[سورة المائدة (5) : الآيات 51 الى 52]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ (52)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ، اخْتَلَفُوا فِي نِزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ وإن كان حكمها عاما
__________
(1) في المطبوع «فيبين» .
(2) في المطبوع «أسيد» والمثبت عن المخطوط و «السيرة النبوية» .
(3) زيادة عن المخطوط.

(2/58)


لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ قَوْمٌ:
«801» نَزَلَتْ فِي عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ، وَذَلِكَ أَنَّهُمَا اخْتَصَمَا، فَقَالَ عُبَادَةُ: إِنَّ لِي أَوْلِيَاءَ مِنَ الْيَهُودِ كَثِيرٌ عَدَدُهُمْ شَدِيدَةٌ شَوْكَتُهُمْ، وَإِنِّي أَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ مِنْ وِلَايَتِهِمْ وَوِلَايَةِ الْيَهُودِ، وَلَا مَوْلَى لِي إِلَّا اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَكِنِّي [لَا] [1] أَبْرَأُ مِنْ وِلَايَةِ الْيَهُودِ لِأَنِّي أَخَافُ الدَّوَائِرَ وَلَا بُدَّ لِي مِنْهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا الْحُبَابِ مَا نَفَسْتَ بِهِ مِنْ وِلَايَةِ الْيَهُودِ عَلَى عُبَادَةِ بْنِ الصَّامِتِ فَهُوَ لَكَ دُونَهُ» ، قَالَ: إِذًا أَقْبَلُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
قَالَ السُّدِّيُّ: لَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ أُحُدٍ اشْتَدَّتْ عَلَى طَائِفَةٍ من الناس وتخوّفوا أن يدلّ عَلَيْهِمُ الْكُفَّارُ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: أَنَا أَلْحَقُ بِفُلَانٍ الْيَهُودِيِّ وَآخُذُ مِنْهُ أَمَانًا إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُدَالَ عَلَيْنَا الْيَهُودُ، وَقَالَ رَجُلٌ آخَرُ: أَمَّا أَنَا فَأَلْحَقُ بِفُلَانٍ النَّصْرَانِيِّ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَآخُذُ مِنْهُ أَمَانًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ يَنْهَاهُمَا [2] .
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: نَزَلَتْ فِي أَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ حِينَ حَاصَرَهُمْ، فَاسْتَشَارُوهُ فِي النُّزُولِ، وَقَالُوا: مَاذَا يَصْنَعُ بِنَا إِذَا نَزَلْنَا، فَجَعَلَ أُصْبُعَهُ عَلَى حَلْقِهِ أَنَّهُ الذَّبْحُ [3] ، أَيْ:
يَقْتُلُكُمْ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.
بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ، فِي الْعَوْنِ وَالنُّصْرَةِ وَيَدُهُمْ وَاحِدَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ، فيوافقهم [4] ويعينهم، فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ.
فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ، أَيْ: نِفَاقٌ يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ وَأَصْحَابَهُ مِنَ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يُوَالُونَ اليهود، يُسارِعُونَ فِيهِمْ، [أي:] [5] فِي مَعُونَتِهِمْ وَمُوَالَاتِهِمْ، يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ، دَوْلَةٌ، يَعْنِي: أن يدول الدهر دولته فَنَحْتَاجُ إِلَى نَصْرِهِمْ إِيَّانَا، وَقَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: مَعْنَاهُ نَخْشَى أَنْ لَا يَتِمَّ أَمْرُ مُحَمَّدٍ فَيَدُورُ الْأَمْرُ عَلَيْنَا، وَقِيلَ: نَخْشَى أَنْ يَدُورَ الدَّهْرُ عَلَيْنَا بِمَكْرُوهٍ مِنْ جَدْبٍ وَقَحْطٍ، ولا يُعْطُونَا الْمِيرَةَ وَالْقَرْضَ، فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ، قَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ: بِالْقَضَاءِ الْفَصْلِ مِنْ نَصْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ وَالسُّدِّيُّ: فَتْحُ مَكَّةَ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: فَتْحُ قُرَى الْيَهُودِ مِثْلُ خَيْبَرَ وَفَدَكَ، أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ، قِيلَ: بِإِتْمَامِ أَمْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقِيلَ: [هَذَا]]
عَذَابٌ لَهُمْ، وَقِيلَ: إِجْلَاءُ بَنِي النضير، فَيُصْبِحُوا، يعني: هؤلاء المنافقين، عَلى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ، مِنْ مُوَالَاةِ الْيَهُودِ وَدَسِّ الْأَخْبَارِ إليهم، نادِمِينَ.
__________
801- أخرجه الطبري 12163 عن الزهري مرسلا و12162 عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ سَعْدٍ الْعَوْفِيِّ مرسلا. وانظر «أسباب النزول» 395 للواحدي.
وأخرجه الطبري أيضا 12164 عن عُبَادَةُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بن الصامت مرسلا. وانظر «الدر المنثور» (2/ 515) . فهذه المراسيل تتأيد بمجموعها.
(1) ما بين المعقوفتين مستدرك من «تفسير الطبري» 12163 وط. [.....]
(2) مرسل السدي أخرجه الطبري برقم 12165.
(3) مرسل عكرمة أخرجه الطبري برقم 12166.
(4) في المطبوع «فيوفقهم» .
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) زيادة عن المخطوطين، وفي ط «هو» .

(2/59)