تفسير البغوي إحياء التراث

يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1)

سُورَةُ الْأَنْفَالِ
مَدَنِيَّةٌ وَهِيَ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ آيَةً. قِيلَ: إِلَّا سَبْعَ آيَاتٍ مِنْ قَوْلِهِ: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا [30- 37] ، إِلَى آخِرِ سَبْعِ آيَاتٍ، فَإِنَّهَا نَزَلَتْ بِمَكَّةَ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ، وَإِنْ كانت الواقعة بمكة.

[سورة الأنفال (8) : آيَةً 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1)
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ الْآيَةَ.
«968» قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ هُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ: «مَنْ أَتَى مَكَانَ كَذَا فَلَهُ مِنَ النَّفْلِ كَذَا وَمَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ كَذَا وَمَنْ أَسَرَ أَسِيرًا فَلَهُ كَذَا» ، فَلَمَّا الْتَقَوْا تَسَارَعَ إِلَيْهِ الشُّبَّانُ وَأَقَامَ الشُّيُوخُ وَوُجُوهُ النَّاسِ عِنْدَ الرَّايَاتِ، فَلَمَّا فتح الله على المسلمين جاؤوا يَطْلُبُونَ مَا جَعَلَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ الأشياخ:
كنّا درءا لكم ولو انهزمتهم لا نحرفتم إِلَيْنَا، فَلَا تَذْهَبُوا بِالْغَنَائِمِ دُونَنَا، وَقَامَ أَبُو الْيَسَرِ بْنُ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ أَخُو بَنِي سَلَمَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ وَعَدْتَ أَنَّ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ كَذَا وَمَنْ أَسَرَ أَسِيرًا فَلَهُ كَذَا وَإِنَّا قَدْ قَتَلْنَا مِنْهُمْ سَبْعِينَ وَأَسَرْنَا مِنْهُمْ سَبْعِينَ، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا مَنَعَنَا أَنْ نَطْلُبَ ما يطلب هؤلاء زهادة في الآخرة ولا جبن عَنِ الْعَدُوِّ، وَلَكِنْ كَرِهْنَا أَنْ تعرى مصافك فيعطف عليك خَيْلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَيُصِيبُوكَ، فَأَعْرَضَ عَنْهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم. فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ النَّاسَ كَثِيرٌ وَالْغَنِيمَةَ دُونَ ذَلِكَ، فَإِنْ تُعْطَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذكرت لا يبقى [لك ولا] [1] لأصحابك كثير شيء، فنزلت: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ.
«969» وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا فِي الْعَسْكَرِ فَجُمِعَ فَاخْتَلَفَ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ، فَقَالَ من
__________
968- عزاه المصنف لأهل التفسير، ولم أره مسندا بهذا اللفظ. وورد بنحوه من حديث ابن عباس عند أبي داود 2737 و2738 و2739 والنسائي في «التفسير» 217 وابن أبي شيبة (14/ 356) والحاكم (2/ 131، 132 و326 و327) وابن حبان 5093 والطبري 15662 و15663 و15664 والبيهقي (6/ 291، 292 و315 و316) وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وهو حديث حسن.
وأخرجه عبد الرزاق في «المصنف» 9483 من وجه آخر عن ابن عباس بنحوه لكن إسناده ساقط فيه محمد بن السائب الكلبي متروك متهم.
969- عزاه المصنف رحمه الله لابن إسحاق، وهذا معضل، ولم يذكره ابن هشام في «تهذيب السيرة» (2/ 233) باب: نزول
(1) زيادة عن المخطوط.

(2/266)


جَمَعَهُ: هُوَ لَنَا قَدْ كَانَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَّلَ كُلَّ امْرِئٍ مَا أصاب، [وقال الذين يُقَاتِلُونَ الْعَدُوَّ: لَوْلَا نَحْنُ مَا أَصَبْتُمُوهُ] [1] ، وَقَالَ الَّذِينَ كَانُوا يَحْرُسُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ رَأَيْنَا أَنْ نَقْتُلَ الْعَدُوَّ وَأَنْ نَأْخُذَ الْمَتَاعَ وَلَكِنَّا خِفْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرَّةَ الْعَدُوِّ، فقمنا دُونَهُ فَمَا أَنْتُمْ بِأَحَقَّ بِهِ مِنَّا.
«970» وَرَوَى مَكْحُولٌ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ عَنِ الْأَنْفَالِ، قَالَ: فِينَا مَعْشَرَ أَصْحَابِ بَدْرٍ نَزَلَتْ حِينَ اخْتَلَفْنَا فِي النَّفْلِ وَسَاءَتْ فِيهِ أَخْلَاقُنَا فَنَزَعَهُ اللَّهُ مِنْ أَيْدِينَا فَجَعَلَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَسَمَهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَنَا عَنْ بَوَاءٍ- يَقُولُ عَلَى السَّوَاءِ- وَكَانَ فِي ذَلِكَ تَقْوَى اللَّهِ وَطَاعَةُ رَسُولِهِ وَصَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ.
«971» وَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ قُتِلَ أَخِي عُمَيْرٌ وَقَتَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَأَخَذْتُ سَيْفَهُ وَكَانَ يُسَمَّى ذَا الْكَثِيفَةِ [2] ، فَأَعْجَبَنِي فَجِئْتُ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ شَفَى صَدْرِي مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَهَبْ لِي هَذَا السَّيْفِ، فَقَالَ: «لَيْسَ هَذَا لِي وَلَا لَكَ اذْهَبْ فَاطْرَحْهُ فِي الْقَبَضِ» ، فَطَرَحْتُهُ وَرَجَعْتُ وَبِي مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ مِنْ قَتْلِ أَخِي وَأَخْذِ سِلَاحِي، وَقُلْتُ: عَسَى أَنْ يُعْطَى هَذَا السَّيْفَ مَنْ لَمْ يُبْلِ ببلائي، فَمَا جَاوَزْتُ إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى جاءني رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ الْآيَةَ. فَخِفْتُ أَنْ يَكُونَ قَدْ نَزَلَ فِيَّ شَيْءٌ فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَا سَعْدُ إِنَّكَ سَأَلْتَنِي السَّيْفَ وَلَيْسَ لِي وَإِنَّهُ قَدْ صَارَ لي فَاذْهَبْ فَخُذْهُ فَهُوَ لَكَ» .
«972» وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَتِ الْمَغَانِمُ [3] لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهَا شَيْءٌ، وَمَا أَصَابَ سَرَايَا الْمُسْلِمِينَ مِنْ شَيْءٍ أَتَوْهُ بِهِ فَمَنْ حَبَسَ مِنْهُ إِبْرَةً أَوْ سِلْكًا فَهُوَ غُلُولٌ.
قوله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ، أَيْ: عَنْ حُكْمِ الْأَنْفَالِ وَعِلْمِهَا، وَهُوَ سُؤَالُ اسْتِخْبَارٍ لَا سُؤَالُ طَلَبٍ. وَقِيلَ: هُوَ سُؤَالُ طَلَبٍ، قَالَهُ الضَّحَّاكُ وَعِكْرِمَةُ. وَقَوْلُهُ: عَنِ الْأَنْفالِ، أَيْ: مِنَ الْأَنْفَالِ، عَنْ بِمَعْنَى مِنْ. وَقِيلَ: عَنْ صِلَةٌ، أَيْ [4] : يَسْأَلُونَكَ الْأَنْفَالَ، وَهَكَذَا قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ بِحَذْفِ عن.
__________
سورة الأنفال وإنما ذكر ما بعده، والله أعلم.
970- حسن. أخرجه عبد الرزاق 9334 وأحمد (5/ 319 و322 و323) والدارمي (2/ 229 و230) والحاكم (2/ 136 و326) والطبري 15667 والبيهقي (6/ 292) من طرق عن عبد الرحمن بن الحارث عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنِ مكحول به. وإسناده حسن لأجل سليمان بن موسى، وفيه كلام لا يضر وهو من رجال مسلم، وللحديث شواهد.
971- صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة (12/ 370) وسعيد بن منصور 2689 وأحمد (1/ 180) والطبري 15671 والواحدي 468 من طرق عن أبي إسحاق الشيباني عن محمد بن عبيد الله الثقفي عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ به، ورجاله ثقات.
وورد من وجه آخر بنحوه من حديث سعد عند مسلم 1748 وأبي داود 2740 والترمذي 3079 والنسائي في «التفسير» 216.
972- ضعيف. أخرجه البيهقي (6/ 293) والطبري 15679 عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عن ابن عباس به. وإسناده منقطع ابن أبي طلحة لم يسمع التفسير من ابن عباس.
(1) زيد في المطبوع وط.
(2) كذا في الأصل وفي ط أما في «أسباب النزول» فقد وقع «ذا الكيفة» وفي «الدر المنثور» (3/ 289) «ذا الكتيعة» وفي «مسند أحمد» (1/ 180) «ذا الكتيفة» .
(3) كذا في المطبوع والطبري، وفي المخطوط «الغنائم» .
(4) أي زائدة.

(2/267)


إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)

وَالْأَنْفَالُ: الْغَنَائِمُ، وَاحِدُهَا نَفَلٌ، وَأَصْلُهُ الزِّيَادَةُ، يُقَالُ نَفَلْتُكَ وَأَنْفَلْتُكَ أَيْ زدتك. وسمّيت الْغَنَائِمُ أَنْفَالًا لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ مِنَ الله لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى الْخُصُوصِ. وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ فِي غَنَائِمَ بَدْرٍ.
وَقَالَ عَطَاءٌ: هِيَ مَا شَذَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ قِتَالٍ مِنْ عَبْدٍ أو أمة أو متاع فَهُوَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ بِهِ مَا شَاءَ. قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ، يقسمانها كما شاءا وَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَالسُّدِّيُّ: هَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ الآية [الأنفال: 41] . كَانَتِ الْغَنَائِمُ يَوْمَئِذٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَسَخَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالْخُمُسِ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: هِيَ ثَابِتَةٌ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ مَعَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلِلرَّسُولِ يَضَعُهَا حَيْثُ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى، أَيْ: الْحُكْمُ فِيهَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ مَصَارِفَهَا فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ [الأنفال: 41] الْآيَةَ. فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ، أَيْ:
اتَّقُوا اللَّهَ بِطَاعَتِهِ وَأَصْلِحُوا الْحَالَ بَيْنَكُمْ بِتَرْكِ الْمُنَازَعَةِ وَالْمُخَالَفَةِ، وَتَسْلِيمِ أَمْرِ الْغَنِيمَةِ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.

[سورة الأنفال (8) : الآيات 2 الى 4]
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ، يَقُولُ لَيْسَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِفُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الصَّادِقُونَ فِي إِيمَانِهِمْ، الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ، خَافَتْ وَفَرِقَتْ [1] قُلُوبُهُمْ. وَقِيلَ: إِذَا خُوِّفُوا بِاللَّهِ انْقَادُوا خَوْفًا مِنْ عِقَابِهِ. وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً، تَصْدِيقًا وَيَقِينًا. وَقَالَ عُمَيْرُ بْنُ حَبِيبٍ وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ: إِنَّ لِلْإِيمَانِ زِيَادَةً وَنُقْصَانًا، قِيلَ: فَمَا زِيَادَتُهُ؟ قَالَ: إِذَا ذَكَرْنَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَحَمِدْنَاهُ فَذَلِكَ زِيَادَتُهُ، وَإِذَا سَهَوْنَا وَغَفَلْنَا فَذَلِكَ نُقْصَانُهُ، وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ: إن للإيمان فرائض وَشَرَائِعَ وَحُدُودًا وَسُنَنًا فَمَنِ اسْتَكْمَلَهَا اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ وَمَنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْهَا لَمْ يَسْتَكْمِلِ الْإِيمَانَ. وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، أَيْ: يُفَوِّضُونَ إِلَيْهِ أُمُورَهُمْ وَيَثِقُونَ بِهِ وَلَا يَرْجُونَ غَيْرَهُ ولا يخافون سواه.
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3) .
أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا، يَعْنِي يَقِينًا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: برؤوا من الكفر. وقال مُقَاتِلٌ: حَقًّا لَا شَكَّ فِي إِيمَانِهِمْ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَصِفَ نَفْسَهُ بِكَوْنِهِ مُؤْمِنًا حَقًّا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا وَصَفَ بِذَلِكَ قَوْمًا مَخْصُوصِينَ عَلَى أَوْصَافٍ مَخْصُوصَةٍ، وَكُلُّ أَحَدٍ لَا يَتَحَقَّقُ وُجُودُ تِلْكَ الْأَوْصَافِ فِيهِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ: سَأَلَ رَجُلٌ الْحَسَنَ فَقَالَ: أَمُؤْمِنٌ أَنْتَ؟ فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ تَسْأَلُنِي عَنِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ والجنّة وَالْبَعْثِ وَالْحِسَابِ، فَأَنَا بِهَا مُؤْمِنٌ، وَإِنْ كُنْتَ تَسْأَلُنِي عَنْ قَوْلِهِ: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ الْآيَةَ، فَلَا أَدْرِي أَمِنْهُمْ أَنَا أَمْ لَا؟
وَقَالَ عَلْقَمَةُ: كُنَّا فِي سَفَرٍ فَلَقِينَا قَوْمًا فَقُلْنَا: مَنِ الْقَوْمُ؟ قَالُوا: نَحْنُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا، فَلَمْ نَدْرِ مَا نُجِيبُهُمْ حَتَّى لَقِينَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَأَخْبَرْنَاهُ بِمَا قَالُوا، قَالَ: فَمَا رَدَدْتُمْ عَلَيْهِمْ؟ قُلْنَا: لَمْ نَرُدَّ عَلَيْهِمْ شَيْئًا، قَالَ: أَفَلَا قُلْتُمْ أَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْتُمْ؟ إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ أهل الجنّة.
__________
(1) في المخطوط «مزقت» .

(2/268)


كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7)

وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: مَنْ زَعَمَ أنه مؤمن حقا عِنْدَ اللَّهِ، ثُمَّ لَمْ يَشْهَدْ أَنَّهُ فِي الْجَنَّةِ فَقَدْ آمَنَ بِنِصْفِ الْآيَةِ دُونَ النِّصْفِ. لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ، قَالَ عَطَاءٌ: يَعْنِي دَرَجَاتِ الْجَنَّةِ يَرْتَقُونَهَا بِأَعْمَالِهِمْ. وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: سَبْعُونَ دَرَجَةً مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ حضر الفرس المضمّر سبعين خريفا. وَمَغْفِرَةٌ لِذُنُوبِهِمْ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ، حَسَنٌ يعني ما أعد [الله] [1] لهم في الجنّة.

[سورة الأنفال (8) : الآيات 5 الى 7]
كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ (5) يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ (7)
قَوْلُهُ تَعَالَى: كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ، اخْتَلَفُوا فِي الْجَالِبِ لِهَذِهِ الْكَافِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ، قَالَ المبرد: تقديره الأنفال لله والرسول وَإِنْ كَرِهُوا كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنْ كَرِهُوا. وَقِيلَ: تَقْدِيرُهُ: امْضِ لِأَمْرِ اللَّهِ فِي الْأَنْفَالِ [2] وَإِنْ كَرِهُوا كَمَا أمضيت لِأَمْرِ اللَّهِ فِي الْخُرُوجِ مِنَ الْبَيْتِ لِطَلَبِ الْعِيرِ وَهُمْ كَارِهُونَ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: مَعْنَاهُ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ كَمَا أَنَّ إِخْرَاجَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْتِهِ بِالْحَقِّ خَيْرٌ لَكُمْ، وَإِنْ كَرِهَهُ فَرِيقٌ مِنْكُمْ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ:
مَعْنَاهُ كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ عَلَى كُرْهِ فَرِيقٍ مِنْهُمْ، كَذَلِكَ يَكْرَهُونَ الْقِتَالَ وَيُجَادِلُونَ فِيهِ.
وَقِيلَ: هُوَ رَاجِعٌ إِلَى قَوْلِهِ: لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ، تقديره: وعد الدرجات لهم حقّ حتى يُنْجِزُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ، فَأَنْجَزَ الْوَعْدَ بِالنَّصْرِ وَالظَّفَرِ. وَقِيلَ: الْكَافُ بِمَعْنَى عَلَى، تَقْدِيرُهُ: امْضِ عَلَى الَّذِي أَخْرَجَكَ رَبُّكَ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هِيَ بِمَعْنَى الْقَسَمِ مَجَازًا وَالَّذِي أَخْرَجَكَ، لِأَنَّ مَا فِي مَوْضِعِ الَّذِي، وَجَوَابُهُ يُجادِلُونَكَ، وَعَلَيْهِ يَقَعُ الْقَسَمُ، تَقْدِيرُهُ: يُجَادِلُونَكَ وَاللَّهِ الَّذِي أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ. وَقِيلَ: الْكَافُ بِمَعْنَى إِذْ تَقْدِيرُهُ: وَاذْكُرْ إِذْ أَخْرَجَكَ ربّك. وقيل: الْمُرَادُ بِهَذَا الْإِخْرَاجِ هُوَ إِخْرَاجُهُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ. وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ إِخْرَاجُهُ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى بَدْرٍ، أَيْ: كَمَا أَمَرَكَ رَبُّكَ بِالْخُرُوجِ مِنْ بَيْتِكَ إِلَى الْمَدِينَةِ بِالْحَقِّ، قِيلَ: بِالْوَحْيِ لِطَلَبِ الْمُشْرِكِينَ، وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، مِنْهُمْ، لَكارِهُونَ.
يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ، أَيْ: فِي الْقِتَالِ، بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَمَّا أَيْقَنُوا بِالْقِتَالِ كَرِهُوا ذَلِكَ، وَقَالُوا: لَمْ تُعْلِمْنَا أَنَّا نَلْقَى الْعَدُوَّ فَنَسْتَعِدَّ لِقِتَالِهِمْ، وَإِنَّمَا خَرَجْنَا لِلْعِيرِ، فَذَلِكَ جِدَالُهُمْ بَعْدَ ما تبيّن لهم أنك ما تصنع [3] إلّا ما أمرك [الله] [4] ، وَتَبَيَّنَ صِدْقُكَ فِي الْوَعْدِ، كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ لِشِدَّةِ كَرَاهِيَتِهِمُ الْقِتَالَ، وَهُمْ يَنْظُرُونَ، فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، تَقْدِيرُهُ: وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ يُجَادِلُونَكَ فِي الحق بعد ما تَبَيَّنَ. قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ جَادَلُوهُ فِي الْحَقِّ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ حِينَ يُدْعَوْنَ إِلَى الْإِسْلَامِ لِكَرَاهِيَتِهِمْ إِيَّاهُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ.
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) في المخطوط «الأموال» . [.....]
(3) في المطبوع «تضع» .
(4) زيادة عن المخطوط.

(2/269)


«973» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَالسُّدِّيُّ: أَقْبَلَ أَبُو سُفْيَانَ مِنَ الشَّامِ فِي عِيرٍ لِقُرَيْشٍ فِي أَرْبَعِينَ رَاكِبًا من كبار قُرَيْشٍ فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَمَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلٍ الزُّهْرِيُّ، وَفِيهَا تِجَارَةٌ كَثِيرَةٌ وَهِيَ اللَّطِيمَةُ حَتَّى إِذَا كَانُوا قَرِيبًا مِنْ بَدْرٍ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ فَنَدَبَ أَصْحَابَهُ إِلَيْهِ وَأَخْبَرَهُمْ بِكَثْرَةِ الْمَالِ وَقِلَّةِ الْعَدَدِ، وَقَالَ: هَذِهِ عِيرُ قُرَيْشٍ فِيهَا أموالهم [1] فَاخْرُجُوا إِلَيْهَا لَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُنْفِلَكُمُوهَا، فَانْتَدَبَ النَّاسَ فَخَفَّ بعضهم وثقل بعض [2] ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَظُنُّوا أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْقَى حَرْبًا، فَلَمَّا سَمِعَ أَبُو سُفْيَانَ بِمَسِيرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَأْجَرَ ضَمْضَمَ بْنَ عَمْرٍو الْغِفَارِيَّ فَبَعَثَهُ إِلَى مَكَّةَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَ قُرَيْشًا فَيَسْتَنْفِرَهُمْ وَيُخْبِرَهُمْ أَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ عَرَضَ لِعِيرِهِمْ فِي أَصْحَابِهِ، فَخَرَجَ ضَمْضَمٌ سَرِيعًا إِلَى مَكَّةَ.
وَقَدْ رَأَتْ عَاتِكَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَبْلَ قُدُومِ ضَمْضَمٍ مَكَّةَ بِثَلَاثِ لَيَالٍ رُؤْيَا أَفْزَعَتْهَا فَبَعَثَتْ إِلَى أَخِيهَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَتْ لَهُ: يَا أَخِي وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا أَفْزَعَتْنِي وَخَشِيتُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى قَوْمِكَ مِنْهَا شَرٌّ وَمُصِيبَةٌ، فَاكْتُمْ عَلَيَّ مَا أُحَدِّثُكَ، قَالَ لَهَا: وَمَا رَأَيْتِ؟ قَالَتْ: رَأَيْتُ رَاكِبًا أَقْبَلَ عَلَى بَعِيرٍ لَهُ حَتَّى وَقَفَ بِالْأَبْطَحِ، ثُمَّ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ أَلَا انْفِرُوا يَا آلَ غُدُرَ لِمَصَارِعِكُمْ فِي ثَلَاثٍ، فَأَرَى النَّاسَ قَدِ اجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالنَّاسُ يَتْبَعُونَهُ فَبَيْنَمَا هُمْ حَوْلَهُ مَثُلَ [بِهِ] [3] بِعِيرُهُ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ ثُمَّ صَرَخَ بِمِثْلِهَا بِأَعْلَى صَوْتِهِ: أَلَا انْفِرُوا يَا آلَ غُدُرَ لِمَصَارِعِكُمْ فِي ثَلَاثٍ ثُمَّ مَثُلَ بِهِ بِعِيرُهُ عَلَى رَأْسِ أَبِي قُبَيْسٍ فَصَرَخَ بِمِثْلِهَا، ثُمَّ أَخَذَ صَخْرَةً فَأَرْسَلَهَا فَأَقْبَلَتْ تَهْوِي حَتَّى إِذَا كَانَتْ بِأَسْفَلِ الجبل ارفضّت [وتطايرت] [4] فَمَا بَقِيَ بَيْتٌ مِنْ بُيُوتِ مَكَّةَ وَلَا دَارٌ مِنْ دُورِهَا إِلَّا دَخَلَتْهَا مِنْهَا فِلْقَةٌ، فَقَالَ العباس: والله إنّ هذه الرؤيا رَأَيْتِ! فَاكْتُمِيهَا وَلَا تَذْكُرِيهَا لِأَحَدٍ، ثُمَّ خَرَجَ الْعَبَّاسُ فَلَقِيَ الْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، وَكَانَ لَهُ صَدِيقًا فَذَكَرَهَا لَهُ وَاسْتَكْتَمَهُ إِيَّاهَا، فَذَكَرَهَا الْوَلِيدُ لِأَبِيهِ عُتْبَةَ فَفَشَا الْحَدِيثُ حَتَّى تَحَدَّثَتْ بِهِ قُرَيْشٌ.
قَالَ الْعَبَّاسُ: فَغَدَوْتُ أَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ فِي رَهْطٍ مِنْ قُرَيْشٍ قُعُودٌ يَتَحَدَّثُونَ بِرُؤْيَا عَاتِكَةَ، فَلَمَّا رَآنِي أَبُو جَهْلٍ قَالَ: يَا أَبَا الْفَضْلِ إِذَا فَرَغْتَ مِنْ طَوَافِكَ فَأَقْبِلْ إِلَيْنَا، قال: فلما فرغت [من طوافي] [5] أَقْبَلْتُ حَتَّى جَلَسْتُ مَعَهُمْ، فَقَالَ لِي أَبُو جَهْلٍ: يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مَتَى حَدَّثَتْ هَذِهِ النَّبِيَّةُ فِيكُمْ؟ قُلْتُ: وَمَا ذَاكَ؟ قال: الرؤيا التي رأت [أختك] [6] عَاتِكَةُ؟ قُلْتُ: وَمَا رَأَتْ؟ قَالَ: يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَمَا رضيتم أن يتنبأ رِجَالُكُمْ حَتَّى تَتَنَبَّأَ نِسَاؤُكُمْ؟ قَدْ زَعَمَتْ عَاتِكَةُ فِي رُؤْيَاهَا أَنَّهُ قَالَ: انْفِرُوا فِي ثَلَاثٍ فَسَنَتَرَبَّصُ بِكُمْ هَذِهِ الثَّلَاثَ، فَإِنْ يَكُ مَا قَالَتْ حَقًّا فَسَيَكُونُ، وَإِنْ تَمْضِ الثَّلَاثُ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ ذلك شيئا نَكْتُبُ عَلَيْكُمْ كِتَابًا أَنَّكُمْ أَكْذَبُ أَهْلِ بَيْتٍ فِي الْعَرَبِ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنِّي إليه كبير
__________
973- أخرجه الطبري 15732 من طريق مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بن مسلم الزُّهْرِيِّ وَعَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قتادة وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ، ويزيد بن رومان عن عروة بن الزبير وغيرهم من علمائنا، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ كل قد حدثني بعض هذا الحديث فاجتمع حديثهم فيما سقت من حديث بدر قالوا: لما سمع ... فذكره بنحوه.
وأخرجه الطبري 15733 عن السدي مرسلا بنحوه.
وانظر «دلائل النبوة» (3/ 101، 120) للبيهقي.
وانظر «السيرة النبوية» (2/ 188، 196) ولبعضه شواهد في الصحيح.
(1) تصحف في المطبوع «أموالكم» .
(2) في المطبوع «بعضهم» .
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) زيادة عن المخطوط.

(2/270)


إِلَّا أَنِّي جَحَدْتُ ذَلِكَ وَأَنْكَرْتُ أَنْ تَكُونَ رَأَتْ شَيْئًا، ثُمَّ تَفَرَّقْنَا فَلَمَّا أَمْسَيْتُ لَمْ تَبْقَ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِلَّا أَتَتْنِي فَقَالَتْ: أَقْرَرْتُمْ لِهَذَا الْفَاسِقِ الْخَبِيثِ أَنْ يَقَعَ فِي رِجَالِكُمْ ثُمَّ قَدْ تَنَاوَلَ النِّسَاءَ [بالوقيعة] [1] وَأَنْتَ تَسْمَعُ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عِنْدَكَ غَيْرَةٌ لِشَيْءٍ مِمَّا سَمِعْتَ؟ قَالَ: قَلْتُ وَاللَّهِ قَدْ فَعَلْتُ مَا كَانَ مِنِّي إِلَيْهِ مِنْ كبير [2] ، وَأَيْمُ اللَّهِ لَأَتَعَرَّضَنَّ لَهُ فَإِنْ عَادَ لَأَكْفِيَنَّكَهُ، قَالَ: فَغَدَوْتُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ رُؤْيَا عَاتِكَةَ وأنا حديد مغضب أرى أني قَدْ فَاتَنِي مِنْهُ أَمْرٌ أُحِبُّ أَنْ أُدْرِكَهُ مِنْهُ، قَالَ: فَدَخَلْتُ المسجد فرأيته فو الله إِنِّي لَأَمْشِي نَحْوَهُ أَتَعَرَّضُهُ لِيَعُودَ لِبَعْضِ مَا قَالَ فَأَقَعَ [3] بِهِ، وَكَانَ رَجُلًا خَفِيفًا حَدِيدَ الْوَجْهِ حَدِيدَ اللِّسَانِ حَدِيدَ النَّظَرِ، إِذْ خَرَجَ نَحْوَ بَابِ الْمَسْجِدِ يَشْتَدُّ، قَالَ: قُلْتُ فِي نَفْسِي: مَا لَهُ لَعَنَهُ اللَّهُ أَكُلَّ هَذَا فرق مِنِّي أَنْ أُشَاتِمَهُ، قَالَ: فَإِذَا هُوَ قَدْ سَمِعَ مَا لَمْ أَسْمَعْ صَوْتَ ضَمْضَمِ بْنِ عَمْرٍو وَهُوَ يَصْرُخُ بِبَطْنِ الْوَادِي وَاقِفًا على بعيره [وقد] [4] ، جدع أنف بِعِيرَهُ وَحَوَّلَ رَحْلَهُ وَشَقَّ قَمِيصَهُ وَهُوَ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اللَّطِيمَةَ اللَّطِيمَةَ أَمْوَالُكُمْ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ قَدْ عَرَضَ لَهَا مُحَمَّدٌ في أصحابه، ولا أَرَى أَنْ تُدْرِكُوهَا، الْغَوْثَ الْغَوْثَ، قَالَ فَشَغَلَنِي عَنْهُ وَشَغَلَهُ عَنِّي ما جاء به مِنَ الْأَمْرِ، فَتَجَهَّزَ النَّاسُ سِرَاعًا فَلَمْ يَتَخَلَّفْ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ أَحَدٌ إِلَّا أَنَّ أَبَا لَهَبٍ قد تخلّف وبعث مكانه العاصي بْنَ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَلَمَّا اجتمعت قريش للمسير ذكرت ما [كان] [5] بَيْنَهَا وَبَيْنَ بَنِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ الْحَارِثِ، فَقَالُوا: نَخْشَى أَنْ يَأْتُونَا مِنْ خَلْفِنَا فَكَادَ ذَلِكَ أَنْ يُثْنِيَهُمْ.
فَتَبَدَّى لَهُمْ إِبْلِيسُ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جَعْشَمٍ وَكَانَ مِنْ أَشْرَافِ بَنِي كنانة، وقال: أَنَا جَارٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَأْتِيَكُمْ كِنَانَةُ مِنْ خَلْفِكُمْ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ، فَخَرَجُوا سِرَاعًا وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَصْحَابِهِ فِي لَيَالٍ مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى إِذَا بَلَغَ وَادِيًا يُقَالُ لَهُ ذَفِرَانَ [6] ، فَأَتَاهُ الْخَبَرُ عَنْ مَسِيرِ [7] قُرَيْشٍ لِيَمْنَعُوا عِيرَهُمْ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالرَّوْحَاءِ أَخَذَ عَيْنًا لِلْقَوْمِ فَأَخْبَرَهُ بِهِمْ.
وَبَعْثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا عَيْنًا لَهُ مِنْ جُهَيْنَةَ حَلِيفًا لِلْأَنْصَارِ يُدْعَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُرَيْقِطٍ فَأَتَاهُ بِخَبَرِ الْقَوْمِ وَسَبَقَتِ الْعِيرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ إِمَّا الْعِيرَ وَإِمَّا قُرَيْشًا، وَكَانَتِ الْعِيرُ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ.
فَاسْتَشَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ فِي طَلَبِ الْعِيرِ وَحَرْبِ النَّفِيرِ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ فَأَحْسَنَ، ثُمَّ قَامَ عُمَرُ فَقَالَ فَأَحْسَنَ، ثُمَّ قَامَ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ امْضِ لِمَا أَرَاكَ اللَّهُ فَنَحْنُ معك، فو الله مَا نَقُولُ لَكَ كَمَا قَالَتْ بنو إسرائيل لموسى: اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ، وَلَكِنْ نَقُولُ: اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا مَعَكُمَا مقاتلون، فو الذي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَوْ سِرْتَ بِنَا إِلَى بَرْكِ الْغَمَادِ- يَعْنِي مَدِينَةَ الْحَبَشَةِ- لَجَالَدْنَا مَعَكَ مَنْ دُونَهُ حَتَّى تَبْلُغَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرًا وَدَعَا لَهُ بِخَيْرٍ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أَشِيرُوا عَلَيَّ أَيُّهَا النَّاسُ» ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ الْأَنْصَارَ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ عَدَدُ النَّاسِ وَأَنَّهُمْ حِينَ بَايَعُوهُ بِالْعَقَبَةِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا بَرَاءٌ مِنْ ذِمَامِكَ حَتَّى تَصِلَ إِلَى دَارِنَا، فَإِذَا وصلت إلينا فأنت في ذمتنا نَمْنَعُكَ مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَوَّفُ أَنْ لا تكون الأنصار ترى عليهم نُصْرَتَهُ إِلَّا عَلَى مَنْ دَهَمَهُ بِالْمَدِينَةِ مِنْ عَدُوِّهِ، وَأَنْ لَيْسَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَسِيرَ بِهِمْ إِلَى عدوّ من بلادهم.
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) العبارة في المخطوط «قلت والله ما كان إليه مني من كبير والله لأتعرضنّ» .
(3) في المطبوع وحده «فأدفع» .
(4) زيادة عن المخطوط و «السيرة» (2/ 189) .
(5) زيادة عن المخطوط و «السيرة» . [.....]
(6) تصحف في المطبوع «ذا قرد» .
(7) في المطبوع «مسيرة» .

(2/271)


لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8) إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)

فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: وَاللَّهِ لَكَأَنَّكَ تُرِيدُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قال: أجل، قال: فَإِنَّا قَدْ آمَنَّا بِكَ وَصَدَّقْنَاكَ وَشَهِدْنَا أَنَّ مَا جِئْتَنَا بِهِ هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فَامْضِ يَا رسول الله لما أردت فو الذي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَوِ اسْتَعْرَضْتَ بِنَا هَذَا الْبَحْرَ فَخُضْتَهُ لَخُضْنَاهُ مَعَكَ مَا تَخَلَّفَ مِنَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَمَا نَكْرَهُ أَنْ تَلْقَى بِنَا عَدُوَّنَا غَدًا إِنَّا لَصُبُرٌ عِنْدَ الْحَرْبِ صُدُقٌ فِي اللِّقَاءِ، وَلَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى يُرِيكَ مِنَّا مَا تَقَرُّ بِهِ عَيْنُكَ [1] ، [فَسِرْ بِنَا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ] [2] ، فَسُرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِ سَعْدٍ وَنَشَّطَهَ ذَلِكَ، [ثُمَّ] [3] قَالَ: «سِيرُوا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ وَأَبْشِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ وَعَدَنِي إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، وَاللَّهِ لِكَأَنِيٍّ الْآنَ أَنْظُرُ إِلَى مَصَارِعِ الْقَوْمِ» .
قَالَ ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ وَهَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ» ، قَالَ: وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى الْأَرْضِ هَاهُنَا وَهَاهُنَا، قَالَ: فَمَا مَاطَ أَحَدٌ عَنْ مَوْضِعِ يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ، أَيْ: الْفَرِيقَيْنِ إِحْدَاهُمَا أَبُو سُفْيَانَ مَعَ الْعِيرِ وَالْأُخْرَى أَبُو جَهْلٍ مَعَ النَّفِيرِ، وَتَوَدُّونَ، أَيْ: تُرِيدُونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ، يَعْنِي الْعِيرَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا قِتَالٌ. وَالشَّوْكَةُ: الشِّدَّةُ وَالْقُوَّةُ. وَيُقَالُ: السِّلَاحُ. وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ، أَيْ: يُظْهِرَهُ وَيُعْلِيهِ، بِكَلِماتِهِ، بِأَمْرِهِ إِيَّاكُمْ بِالْقِتَالِ. وَقِيلَ: بِعِدَاتِهِ الَّتِي سَبَقَتْ من إظهاره الدِّينِ وَإِعْزَازِهِ، وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ، أَيْ: يَسْتَأْصِلَهُمْ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ، يَعْنِي: كُفَّارَ الْعَرَبِ.

[سورة الأنفال (8) : الآيات 8 الى 9]
لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8) إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)
لِيُحِقَّ الْحَقَّ، لِيُثَبِّتَ الْإِسْلَامَ، وَيُبْطِلَ الْباطِلَ، أَيْ: يُفْنِي الْكُفْرَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ، الْمُشْرِكُونَ. وَكَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَبِيحَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ، تَسْتَجِيرُونَ بِهِ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَتَطْلُبُونَ مِنْهُ الْغَوْثَ والنصر.
«974» وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، وَهُمْ أَلْفٌ وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عشر رجلا، فدخل الْعَرِيشَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَمَدَّ يَدَهُ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتِنِي، اللَّهُمَّ إِنَّكَ إِنْ تَهْلَكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدُ فِي الْأَرْضِ» ، فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَادًّا يَدَيْهِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ
__________
974- صحيح. أخرجه مسلم 1763 وابن حبان 4793 والبيهقي (6/ 321) وفي «الدلائل» (3/ 51، 52) من طرق عن زهير بن حرب أبي خيثمة عن عمر بن يونس عن عكرمة بن عمار عن أبي زميل عن ابن عباس به مطوّلا.
وأخرجه الترمذي 3081 من طريق محمد بن بشار عن عمر بن يونس بالإسناد المذكور. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وأخرجه الطبري 15747 من طريق ابن الْمُبَارَكِ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ عن أبي زميل سماك الحنفي عن ابن عباس به.
(1) زيادة عن المخطوط و «السيرة» .
(2) انظر الحديث المتقدم برقم: 777 (سورة المائدة آية: 24) .
(3) زيادة عن المخطوط.

(2/272)


وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (11) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12)

، مُرْسِلٌ إِلَيْكُمْ مَدَدًا وَرِدْءًا لَكُمْ، بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ.
قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَيَعْقُوبُ: مُرْدِفِينَ بِفَتْحِ الدَّالِّ، أَيْ: أَرْدَفَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ وَجَاءَ بِهِمْ مَدَدًا. وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِكَسْرِ الدَّالِ أَيْ مُتَتَابِعِينَ بَعْضُهُمْ فِي إِثْرِ بَعْضٍ، يُقَالُ: أَرْدَفْتُهُ وَرَدِفْتُهُ بِمَعْنَى تَبِعْتُهُ.
يُرْوَى أَنَّهُ نَزَلَ جِبْرِيلُ فِي خَمْسِمِائَةٍ وَمِيكَائِيلُ فِي خَمْسِمِائَةٍ فِي صُورَةِ الرِّجَالِ عَلَى خَيْلٍ بُلْقٍ عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ بيض وعلى رؤوسهم عَمَائِمُ بِيضٌ، قَدْ أَرْخَوْا أَطْرَافَهَا بَيْنَ أَكْتَافِهِمْ.
«975» وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَاشَدَ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ اللَّهَ مُنْجِزٌ لَكَ مَا وَعَدَكَ فَخَفَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَفْقَةً وَهُوَ فِي الْعَرِيشِ ثُمَّ انْتَبَهَ، فَقَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ أَتَاكَ نَصْرُ اللَّهِ، هَذَا جِبْرِيلُ آخذ بعنان فرسه]
يقوده على ثناياه [2] النقع» .
«976» أخبر عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى ثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ ثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ: «هَذَا جِبْرِيلُ آخِذٌ بِرَأْسِ فَرَسِهِ عَلَيْهِ أَدَاةُ الْحَرْبِ» .
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: كَانَتْ سِيمَا الْمَلَائِكَةِ يَوْمَ بَدْرٍ عَمَائِمَ بِيضٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ عَمَائِمَ خُضْرٍ، وَلَمْ تُقَاتِلِ الْمَلَائِكَةُ فِي يَوْمٍ سِوَى يَوْمِ بَدْرٍ مِنَ الْأَيَّامِ، وَكَانُوا يَكُونُونَ فِيمَا سِوَاهُ عَدَدًا وَمَدَدًا.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ مَالِكِ بن ربيعة [وكان] [3] قَدْ شَهِدَ بَدْرًا أَنَّهُ قَالَ بعد ما ذَهَبَ بَصَرُهُ: لَوْ كُنْتُ مَعَكُمُ الْيَوْمَ بِبَدْرٍ وَمَعِي بَصَرِي لَأَرَيْتُكُمُ الشِّعْبَ الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ [4] .

[سورة الأنفال (8) : الآيات 10 الى 12]
وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ (11) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ (12)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما جَعَلَهُ اللَّهُ، يَعْنِي: الْإِمْدَادَ بِالْمَلَائِكَةِ، إِلَّا بُشْرى، أَيْ: بِشَارَةً،
__________
975- أخرجه البيهقي في «الدلائل» (3/ 80، 81) من طريق ابن إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: حدثني الزهري، ومحمد بن يحيى وعاصم بْنِ عُمَرَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبي بكر وغيرهم من علمائنا فذكر الحديث في يوم بدر، إلى أن قَالَ: «فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم في العريش ... » فذكره.
ويشهد لأصله ما بعده.
976- إسناده صحيح على شرط البخاري.
عبد الوهاب هو ابن عبد المجيد، خالد هو ابن مهران، عكرمة هو أبو عبد الله مولى ابن عباس.
وهو في «شرح السنة» 3670 بهذا الإسناد، وفي «صحيح البخاري» 3995 و4041 عن إبراهيم بن موسى به.
وأخرجه البيهقي في «الدلائل» (3/ 54) من طريق إبراهيم بن موسى به.
(1) في المطبوع وط «فرس» .
(2) في المخطوط «ثنايا» .
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) أخرجه البيهقي في «الدلائل» (3/ 53) .

(2/273)


وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.
إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عمرو: يغشيكم بِفَتْحِ الْيَاءِ، النُّعاسَ رَفْعٌ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ لَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ [آل عمران: 154] . قرأ أَهْلُ الْمَدِينَةِ:
يُغَشِّيكُمُ بِضَمِّ الْيَاءِ وكسر الشين خفيف، النُّعاسَ نصب لقوله تعالى: كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ [يونس: 27] ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الشين مشدّد، النُّعاسَ نَصْبٌ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ لله عزّ وجلّ لقوله تَعَالَى: فَغَشَّاها مَا غَشَّى (54) [النَّجْمُ: 54] ، وَالنُّعَاسُ: النَّوْمُ الْخَفِيفُ. أَمَنَةً أَمْنًا مِنْهُ، مَصْدَرُ أَمِنْتُ أَمْنًا وَأَمَنَةً وَأَمَانًا. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: النُّعَاسُ فِي الْقِتَالِ أَمَنَةٌ مِنَ اللَّهِ وفي الصلاة مِنَ الشَّيْطَانِ. وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ نَزَلُوا يَوْمَ بَدْرٍ عَلَى كَثِيبٍ أَعْفَرَ تَسُوخُ فِيهِ أقدامهم [1] وحوافر دوابهم [2] ، وَسَبَقَهُمُ الْمُشْرِكُونَ إِلَى مَاءِ بَدْرٍ وَأَصْبَحَ الْمُسْلِمُونَ بَعْضُهُمْ مُحْدِثِينِ وَبَعْضُهُمْ مُجْنِبِينَ، وَأَصَابَهُمُ الظَّمَأُ وَوَسْوَسَ إِلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ، وَقَالَ: تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ عَلَى الْحَقِّ وَفِيكُمْ نَبِيُّ اللَّهِ [وَأَنَّكُمْ على الحق] [3] ، وَأَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ وَقَدْ غَلَبَكُمُ الْمُشْرِكُونَ عَلَى الْمَاءِ وَأَنْتُمْ تُصَلُّونَ مُحْدِثِينَ وَمُجْنِبِينَ، فَكَيْفَ تَرْجُونَ أَنْ تَظْهَرُوا عَلَيْهِمْ؟ فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمْ مَطَرًا سَالَ مِنْهُ الوادي فشرب المسلمون واغتسلوا وتوضّؤوا وسقوا الركاب، وملؤوا الْأَسْقِيَةَ وَأُطْفِأَ الْغُبَارُ وَلَبَّدَ الْأَرْضَ، حَتَّى ثَبَتَتْ عَلَيْهَا الْأَقْدَامُ وَزَالَتْ عَنْهُمْ وَسْوَسَةُ الشَّيْطَانِ، وَطَابَتْ أَنْفُسُهُمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى [4] : وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ مِنَ الْأَحْدَاثِ وَالْجَنَابَةِ، وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ، ووسوسته، وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ، بِالْيَقِينِ وَالصَّبْرِ، وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ، حَتَّى لَا تَسُوخَ فِي الرَّمْلِ بِتَلْبِيدِ الْأَرْضِ. وَقِيلَ: يُثَبِّتُ بِهِ الْأَقْدَامَ بِالصَّبْرِ وقوّة القلب [للقتال] [5] .
إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ، الَّذِينَ أَمَدَّ بِهِمُ الْمُؤْمِنِينَ، أَنِّي مَعَكُمْ، بالعون والنصرة، فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا، أَيْ: قَوُّوا قلوبهم، قيل: [إن] [6] ذَلِكَ التَّثْبِيتُ حُضُورُهُمْ مَعَهُمُ الْقِتَالَ وَمَعُونَتُهُمْ، أَيْ:
ثَبِّتُوهُمْ بِقِتَالِكُمْ مَعَهُمُ الْمُشْرِكِينَ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: أَيْ: بَشِّرُوهُمْ بِالنَّصْرِ، وَكَانَ الْمَلِكُ يَمْشِي أَمَامَ الصَّفِّ فِي صُورَةِ الرَّجُلِ وَيَقُولُ: أَبْشِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ نَاصِرُكُمْ. سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ، قَالَ عَطَاءٌ:
يُرِيدُ الْخَوْفَ مِنْ أَوْلِيَائِي، فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ، قِيلَ: هَذَا خِطَابٌ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ. وَقِيلَ: هَذَا خِطَابٌ مَعَ الْمَلَائِكَةِ، وَهُوَ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ: فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا، وَقَوْلُهُ: فَوْقَ الْأَعْناقِ، قَالَ عِكْرِمَةُ: يعني الرؤوس لِأَنَّهَا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: مَعْنَاهُ فَاضْرِبُوا الْأَعْنَاقَ، وَفَوْقَ صِلَةٌ [7] كَمَا قَالَ تَعَالَى:
فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ [مُحَمَّدٌ: 4] ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ فَاضْرِبُوا عَلَى الْأَعْنَاقِ. فَوْقَ بِمَعْنَى: عَلَى.
وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ، قَالَ عَطِيَّةُ: يَعْنِي كُلَّ مُفَصَّلٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَالضَّحَّاكُ:
يَعْنِي الْأَطْرَافَ وَالْبَنَانُ جُمَعُ بَنَانَةٍ، وَهِيَ أَطْرَافُ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ. قَالَ ابْنُ الأنباري: كانت الملائكة
__________
(1) في المطبوع وط «الأقدام» .
(2) في المطبوع وط «الدواب» . [.....]
(3) زيد في المطبوع وط.
(4) أخرجه الطبري 15783 عن ابن عباس، وفيه إرسال بين علي بن أبي طلحة وابن عباس وكرره 15784 وفيه عطية العوفي ضعيف وعنه مجاهيل. وكرره 15786 عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ عباس وهذا منقطع، وله شاهد من مرسل السدي 15785، ومع ذلك المشهور في كتب السير أن المسلمين هم الذين غلبوا على الماء من ابتداء الأمر، والله أعلم.
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) زيادة عن المخطوط.
(7) أي زائدة.

(2/274)


[لا] تعلم كيف تقتل الآدميين [1] فَعَلَّمَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
«977» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ [2] الْجُرْجَانِيُّ أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ثنا عمر [3] بْنُ يُونُسَ الْحَنَفِيُّ ثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ ثَنَا أَبُو زُمَيْلٍ هو سماك الحنفي ثني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ قَالَ:
بَيْنَمَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ يشتد فِي أَثَرِ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أمامه إذ سَمِعَ ضَرْبَةً بِالسَّوْطِ فَوْقَهُ، وَصَوْتُ الْفَارِسِ يَقُولُ: أَقْدِمْ حَيْزُومُ إِذْ نَظَرَ إِلَى الْمُشْرِكِ أَمَامَهُ فَخَرَّ مُسْتَلْقِيًا فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ قد خطم أنفه وشقّ وجهه لضربة السَّوْطِ فَاخْضَرَّ ذَلِكَ أَجْمَعُ، فَجَاءَ الأنصاري فحدّث [ذاك] [4] رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
«صَدَقْتَ ذَلِكَ مِنْ مَدَدِ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ» . فَقَتَلُوا يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ وَأَسَرُوا سَبْعِينِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي دَاوُدَ الْمَازِنِيِّ وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا قَالَ: إِنِّي لَأَتْبَعُ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ لِأَضْرِبَهُ إِذْ وَقَعَ رَأْسُهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ سَيْفِي، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ قَدْ قَتَلَهُ غَيْرِي [5] .
وَرَوَى أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حَنِيفٍ عَنْ أَبِيهِ قال: لَقَدْ رَأَيْتُنَا يَوْمَ بَدْرٍ وَإِنَّ أَحَدَنَا لَيُشِيرُ بِسَيْفِهِ إِلَى الْمُشْرِكِ فَيَقَعُ رَأْسُهُ عَنْ جَسَدِهِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ السَّيْفُ [6] .
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: قَالَ أَبُو رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُنْتُ غُلَامًا لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبَدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَكَانَ الْإِسْلَامُ قَدْ دَخَلَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ وَأَسْلَمَتْ أُمُّ الْفَضْلِ وَأَسْلَمْتُ وَكَانَ الْعَبَّاسُ يَهَابُ قَوْمَهُ وَيَكْرَهُ خِلَافَهُمْ، وَكَانَ يَكْتُمُ إِسْلَامَهُ، وَكَانَ ذَا مَالٍ كَثِيرٍ مُتَفَرِّقٍ فِي قَوْمِهِ، وَكَانَ أَبُو لَهَبٍ عَدُوُّ اللَّهِ قَدْ تَخَلَّفَ عَنْ بَدْرٍ وَبَعَثَ مَكَانَهُ الْعَاصَ بْنَ هِشَامِ بن المغيرة، فلما جاء الْخَبَرُ عَنْ مُصَابِ أَصْحَابِ بَدْرٍ كَبَتَهُ اللَّهُ وَأَخْزَاهُ، وَوَجَدْنَا فِي أَنْفُسِنَا قُوَّةً وَعِزًّا وَكُنْتُ رَجُلًا ضَعِيفًا وَكُنْتُ أَعْمَلُ الْقِدَاحَ وَأَنْحِتُهَا في حجرة زمزم، فو الله إِنِّي لِجَالِسٌ أَنْحِتُ الْقِدَاحَ وَعِنْدِي أُمُّ الْفَضْلِ جَالِسَةٌ إِذْ أَقْبَلَ الْفَاسِقُ أَبُو لَهَبٍ يَجُرُّ رِجْلَيْهِ حَتَّى جَلَسَ عَلَى طُنُبِ [7] الْحُجْرَةِ، فكان ظهره إلى ظهري فبينا هُوَ جَالَسٌ إِذْ قَالَ النَّاسُ: هَذَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَدْ قَدِمَ، فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: إِلَيَّ يَا ابْنَ أَخِي فَعِنْدَكَ الْخَبَرُ، فَجَلَسَ إِلَيْهِ وَالنَّاسُ قِيَامٌ عَلَيْهِ، قَالَ:
يَا ابْنَ أَخِي أَخْبِرْنِي كَيْفَ كَانَ أَمْرُ النَّاسِ؟ قَالَ: لَا شَيْءَ وَاللَّهِ إِنْ كَانَ إِلَّا أَنْ لَقِينَاهُمْ فَمَنَحْنَاهُمْ أَكْتَافَنَا يَقْتُلُونَنَا ويأسروننا كيف شاؤوا، وَأَيْمُ اللَّهِ مَعَ ذَلِكَ مَا لُمْتُ النَّاسَ لَقِينَا رِجَالًا بَيْضًا على خيل بلق بين
__________
977- إسناده حسن، رجاله رجال مسلم. لكن عكرمة وشيخه يخط حديثهما عن درجة الصحيح.
وهو في «شرح السنة» برقم 3671.
في «صحيح مُسْلِمٌ» 1763 عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن حبان 4793 والبيهقي (6/ 321) وفي «الدلائل» (3/ 51، 52) من طريق أبي يعلى عن أبي خيثمة زهير بن حرب به مطوّلا.
(1) في المطبوع وط «يقتل الآدميون» .
(2) وقع في الأصل «عبد القادر» وهو تصحيف.
(3) وقع في الأصل «عمرو» وهو تصحيف.
(4) زيادة عن شرح السنة والمخطوط، لكن المخطوط «ذلك» .
(5) ذكره السيوطي في «الدر» (3/ 313) ونسبه لعبد بن حميد وابن مردويه.
(6) ذكره السيوطي في «الدر» (1/ 312) ونسبه لأبي الشيخ وابن مردويه.
(7) الطنب: حبل الخباء.

(2/275)


ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (13) ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ (14) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16)

السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، لَا وَاللَّهِ مَا تَلِيقُ شَيْئًا وَلَا يَقُومُ لَهَا شَيْءٌ، قَالَ أَبُو رَافِعٍ: فَرَفَعْتُ طُنُبَ الْحُجْرَةِ بِيَدِي، ثُمَّ قُلْتُ: تِلْكَ وَاللَّهِ الْمَلَائِكَةُ، قَالَ: فَرَفَعَ أَبُو لَهَبٍ يَدَهُ فَضَرَبَ وَجْهِي ضَرْبَةً شَدِيدَةً، فَثَاوَرْتُهُ [1] فَاحْتَمَلَنِي فَضَرَبَ بِي الْأَرْضَ ثُمَّ بَرَكَ عَلَيَّ يَضْرِبُنِي، وَكُنْتُ رَجُلًا ضَعِيفًا فَقَامَتْ أُمُّ الْفَضْلِ إِلَى عَمُودٍ مِنْ عُمُدِ [2] الْحُجْرَةِ فَأَخَذَتْهُ فَضَرَبَتْهُ بِهِ ضَرْبَةً فَلَقَتْ فِي رَأْسِهِ شَجَّةً مُنْكَرَةً، وَقَالَتْ: تَسْتَضْعِفُهُ أَنْ غَابَ عَنْهُ سَيِّدُهُ؟ فَقَامَ مُوَلِّيًا ذَلِيلًا، فو الله مَا عَاشَ إِلَّا سَبْعَ لَيَالٍ حَتَّى رَمَاهُ اللَّهُ بِالْعَدَسَةِ فَقَتَلَتْهُ [3] .
«978» وَرَوَى مِقْسَمٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ الَّذِي أَسَرَ الْعَبَّاسَ أَبُو الْيُسْرِ كَعْبُ بْنُ عَمْرٍو أَخُو [4] بَنِي سَلَمَةَ، وَكَانَ أَبُو الْيُسْرِ رَجُلًا مَجْمُوعًا وَكَانَ الْعَبَّاسُ رَجُلًا جَسِيمًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي الْيُسْرِ: كَيْفَ أَسَرْتَ الْعَبَّاسَ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ أَعَانَنِي عَلَيْهِ رَجُلٌ مَا رَأَيْتُهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَا بَعْدَهُ، هَيْئَتُهُ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ أَعَانَكَ عليه ملك كريم» .

[سورة الأنفال (8) : الآيات 13 الى 16]
ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (13) ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ (14) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16)
ِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ
، خَالَفُوا اللَّهَ، رَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ.
ذلِكُمْ، أَيْ: هَذَا الْعَذَابُ [وَالضَّرْبُ] [5] الَّذِي عَجَّلْتُهُ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَفَّارُ بِبَدْرٍ، فَذُوقُوهُ، عَاجِلًا، وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ، أَيْ: وَاعْلَمُوا وَأَيْقِنُوا أَنَّ لِلْكَافِرِينَ أَجَلًا فِي الْمَعَادِ، عَذابَ النَّارِ.
«979» رَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ فَرَغَ مِنْ بَدْرٍ: عَلَيْكَ بِالْعِيرِ لَيْسَ دُونَهَا شَيْءٌ، فَنَادَاهُ الْعَبَّاسُ وَهُوَ أَسِيرٌ فِي وثاقه: لا يصلح لَكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِمَهْ» ؟ قَالَ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَكَ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ وَقَدْ أَعْطَاكَ مَا وَعَدَكَ.
__________
978- ضعيف. أخرجه ابن سعد في «الطبقات» (4/ 8) من رِوَايَةُ مُقْسِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ به وفيه راو لم يسمّ.
وأخرجه أحمد (1/ 353) (3300) من رِوَايَةُ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وفيه أيضا راو لم يسم وانظر «طبقات ابن سعد» (4/ 8) . [.....]
979- ضعيف. أخرجه الترمذي 3080 وأحمد (1/ 329 و314 و326) وأبو يعلى 2373 من طريق إسرائيل عن سماك عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ به.
وإسناده ضعيف لأن رواية سماك عن عكرمة مضطربة.
وقال ابن كثير في «تفسيره» (3/ 283) بعد أن أورده من طريق أحمد: وإسناده جيد!! قلت: رجاله رجال مسلم، لكن سماك وهو ابن حرب اختلط بأخرة، وهو ضعيف الرواية عن عكرمة، وخبره هذا منكر، إذ كيف يعلم العباس رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم بعض ما أوحي إليه؟!.
(1) في المطبوع «فساورته» .
(2) في المطبوع «عمود» .
(3) هذا الخبر ذكره الهيثمي في «المجمع» (6/ 89) ونسبه للطبراني والبزار وقال: وفي إسناده حسن بن عبد الله، وثقه أبو حاتم وغيره، وضعّفه جماعة، وبقية رجاله ثقات اه.
(4) وقع في الأصل «أخا» والتصويب من «طبقات ابن سعد» .
(5) زيد في المطبوع.

(2/276)


قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً، أي: مجتمعين متزاحفين بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ، وَالتَّزَاحُفُ: التَّدَانِي في القتال: والزحف مصدر ولذلك لَمْ يُجْمَعْ كَقَوْلِهِمْ: قَوْمٌ عَدْلٌ وَرِضَا.
قَالَ اللَّيْثُ: الزَّحْفُ جَمَاعَةٌ يَزْحَفُونَ إِلَى عَدُوٍّ لَهُمْ بِمَرَّةٍ، فهم [الزحف و] [1] الجمع الزُّحُوفُ. فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ، يَقُولُ: فلا تولوهم ظهوركم، أي: لا تَنْهَزِمُوا فَإِنَّ الْمُنْهَزِمَ يُوَلِّي دُبُرَهُ.
وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ، ظَهْرَهُ، إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ، أَيْ: مُنْعَطِفًا [2] يَرَى مِنْ نَفْسِهِ الِانْهِزَامَ، وَقَصْدُهُ طَلَبُ الْغِرَّةِ وَهُوَ يُرِيدُ الْكَرَّةَ، أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ، أَيْ: مُنْضَمًّا صَائِرًا إِلَى جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يُرِيدُ الْعَوْدَ إِلَى الْقِتَالِ. وَمَعْنَى الْآيَةِ النَّهْيُ عَنِ الِانْهِزَامِ مِنَ الْكُفَّارِ وَالتَّوَلِّي عَنْهُمْ، إِلَّا عَلَى نِيَّةِ التَّحَرُّفِ لِلْقِتَالِ وَالِانْضِمَامِ إِلَى جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لِيَسْتَعِينَ بهم ويعود إِلَى الْقِتَالِ، فَمَنْ وَلَّى ظَهْرَهُ لَا عَلَى هَذِهِ النِّيَّةِ لَحِقَهُ الْوَعِيدُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ، اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: هَذَا فِي أَهْلِ بَدْرٍ خَاصَّةً، مَا كَانَ يَجُوزُ لَهُمُ الِانْهِزَامُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَعَهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِئَةٌ يَتَحَيَّزُونَ إِلَيْهَا دُونَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَوِ انْحَازُوا لَانْحَازُوا إِلَى الْمُشْرِكِينَ، فَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ بَعْضُهُمْ فِئَةٌ لِبَعْضٍ، فَيَكُونُ الْفَارُّ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَلَا يَكُونُ فِرَارُهُ كَبِيرَةً، وَهُوَ قول الحسن وقتادة والضحاك. وقال يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ: أَوْجَبَ اللَّهُ النَّارَ لِمَنْ فَرَّ يَوْمَ بَدْرٍ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ: إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ [آلُ عِمْرَانَ: 155] ، ثُمَّ كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ بَعْدَهُ فَقَالَ: ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ [التَّوْبَةِ: 25] ، ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ [التَّوْبَةُ:
27] .
«980» وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ [بْنُ عُمَرَ] : كُنَّا فِي جَيْشٍ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَاصَ النَّاسُ حَيْصَةً فَانْهَزَمْنَا، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَحْنُ الْفَرَّارُونَ، قَالَ: «بَلْ أَنْتُمُ الْكَرَّارُونَ، أَنَا فِئَةُ الْمُسْلِمِينَ» .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: لَمَّا قُتِلَ أَبُو عُبَيْدَةَ جَاءَ الْخَبَرُ إِلَى عُمَرَ فَقَالَ: لَوِ انْحَازَ إِلَيَّ كُنْتُ لَهُ فِئَةً فَأَنَا فِئَةُ كُلِّ مُسْلِمٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: حُكْمُ الْآيَةِ عَامٌّ فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ وَلَّى مُنْهَزِمًا.
«981» جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «مِنَ الْكَبَائِرِ الْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ» .
وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: هَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ [الْأَنْفَالُ:
66] ، فَلَيْسَ لِقَوْمٍ أَنْ يَفِرُّوا مِنْ مثليهم [3] فَنُسِخَتْ تِلْكَ إِلَّا فِي هَذِهِ الْعِدَّةِ، وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ إِذَا كَانُوا عَلَى الشَّطْرِ مِنْ عَدُوِّهِمْ لَا يجوز لهم أن يفرّوا ويوّلوا ظُهُورَهُمْ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقَتَّالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ، وَإِنْ كَانُوا أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ جَازَ لَهُمْ أَنْ يُوَلُّوا ظُهُورَهُمْ وَيَنْحَازُوا عَنْهُمْ. قال ابن عباس: من
__________
980- ضعيف. أخرجه أبو داود 2647 والترمذي 1716 والبخاري في «الأدب المفرد» 972 والشافعي (2/ 388) وأحمد (2/ 70 و86 و100 و111) والحميدي 687 وابن الجارود 1050 وأبو نعيم (9/ 57) والبيهقي (9/ 76) من حديث ابن عمر، وإسناده ضعيف مداره على يزيد بن أبي زياد، وهو ضعيف كبر فتغير، فصار يتلقن كما في «التقريب» .
981- صحيح. يشير المصنف لحديث «اجتنبوا السبع الموبقات ... » منها: «..... والتولي من الزحف ... » .
أخرجه البخاري 2766 و6857 ومسلم 89 وأبو داود 2874 والنسائي (6/ 257) وأبو عوانة (1/ 54 و55) وابن حبان 5561 والبيهقي (8/ 249) من حديث أبي هريرة. وتقدم.
(1) سقط من المطبوع.
(2) في المطبوع «متعطفا» .
(3) في المخطوط «مثلهم» .

(2/277)


فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17)

فَرَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَلَمْ يَفِرَ، ومن فرّ من اثنين فقد فرّ.

[سورة الأنفال (8) : آية 17]
فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17)
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ، قَالَ مُجَاهِدٌ: سبب نزول هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُمْ لَمَّا انْصَرَفُوا عَنِ الْقِتَالِ كَانَ الرَّجُلُ يَقُولُ: أَنَا قَتَلْتُ فَلَانًا وَيَقُولُ الْآخَرُ مثله، فنزلت [هذه] [1] الْآيَةُ. وَمَعْنَاهُ: فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ أَنْتُمْ بقوّتكم ولكنّ الله قتلهم بنصرته إيّاكم وتقويته لكم. وقيل: ولكن اللَّهَ قَتَلَهُمْ بِإِمْدَادِ الْمَلَائِكَةِ.
وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى.
«982» قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ وَالْمَغَازِي [2] : نَدَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ فَانْطَلَقُوا حَتَّى نَزَلُوا بَدْرًا، وَوَرَدَتْ عَلَيْهِمْ رَوَايَا قُرَيْشٍ، وَفِيهِمْ أَسْلَمُ غُلَامٌ أَسْوَدُ لِبَنِي الْحَجَّاجِ وَأَبُو يَسَارٍ غُلَامٌ لِبَنِي الْعَاصِ بْنِ سَعِيدٍ، فَأَتَوْا بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُمَا: «أَيْنَ قُرَيْشٌ» ؟ قَالَا: هُمْ وَرَاءَ هَذَا الْكَثِيبِ الَّذِي تَرَى بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى، وَالْكَثِيبُ: الْعَقَنْقَلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَمْ الْقَوْمُ» ؟ قَالَا: كَثِيرٌ، قَالَ: «مَا عِدَّتُهُمْ» ؟ قَالَا: لَا نَدْرِي، قَالَ: «كَمْ يَنْحَرُونَ كُلَّ يَوْمٍ» ؟ قَالَا: يَوْمًا عَشْرَةً وَيَوْمًا تِسْعَةً، قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم: «القوم ما بين التسع مائة إِلَى الْأَلِفِ» ، ثُمَّ قَالَ لَهُمَا: «فَمَنْ فِيهِمْ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ» ؟ قَالَا: عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَأَبُو الْبَخْتَرِيِّ ابْنُ هِشَامٍ وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ وَالْحَارِثُ بْنُ عَامِرٍ، وَطُعَيْمَةُ بْنُ عَدِيٍّ وَالنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَنَبِيهٌ وَمُنَبِّهٌ ابْنَا الْحَجَّاجِ وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذِهِ مَكَّةُ قَدْ أَلْقَتْ إِلَيْكُمْ أَفْلَاذَ كَبِدِهَا» ، فَلَمَّا أَقْبَلَتْ قُرَيْشٌ وَرَآهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم [تُصَوِّبُ] [3] مِنَ الْعَقَنْقَلِ وَهُوَ الْكَثِيبُ الذي جاؤوا مِنْهُ إِلَى الْوَادِي قَالَ لَهُمْ: «هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ أَقْبَلَتْ بِخُيَلَائِهَا وَفَخْرِهَا تُحَادُّكَ وَتُكَذِّبُ رَسُولَكَ، اللَّهُمَّ فَنَصْرَكَ الَّذِي وَعَدْتِنِي» ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَالَ لَهُ: خُذْ قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ فَارْمِهِمْ بِهَا، فلمّا التقى الجمعان تناول كَفًّا مِنْ حَصَى عَلَيْهِ تُرَابٌ فَرَمَى بِهِ فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ، وَقَالَ: «شَاهَتْ الْوُجُوهُ» ، فَلَمْ يَبْقَ منهم مشرك إلّا ودخل فِي عَيْنَيْهِ وَفَمِهِ وَمَنْخَرَيْهِ مِنْهَا شَيْءٌ، فَانْهَزَمُوا وَرَدِفَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ يَقْتُلُونَهُمْ ويأسرونهم.
«983» وقال قتادة [و] ابن [4] زَيْدٍ: ذَكِرُ لَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ يَوْمَ بَدْرٍ ثَلَاثَ حَصَيَاتٍ فَرَمَى بِحَصَاةٍ فِي مَيْمَنَةِ الْقَوْمِ وحصاة في ميسرة القوم وحصاة بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، وَقَالَ: «شَاهَتِ الْوُجُوهُ» ، فَانْهَزَمُوا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى، إِذْ لَيْسَ فِي وُسْعِ أَحَدٍ مِنَ الْبَشَرِ أَنْ يَرْمِيَ كَفًّا مِنَ الْحَصَا إِلَى وُجُوهِ جَيْشٍ فَلَا يَبْقَى فِيهِمْ عَيْنٌ إِلَّا وَيُصِيبُهَا مِنْهُ شَيْءٌ. وَقِيلَ: مَعْنَى [الْآيَةِ] وَمَا بَلَّغْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ بَلَّغَ. وَقِيلَ: وَمَا رَمَيْتَ بِالرُّعْبِ فِي قُلُوبِهِمْ إِذْ رَمَيْتَ بِالْحَصْبَاءِ [5] وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى بِالرُّعْبِ فِي قُلُوبِهِمْ حَتَّى انْهَزَمُوا، وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً، أَيْ: وَلِيُنْعِمَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ نعمة عظيمة
__________
982- انظر مسند أحمد (1/ 117) و «الدر المنثور» (3/ 307) .
983- ضعيف. أخرجه الطبري 15839 عن ابن زيد مرسلا، وذكره السيوطي في «الدر» (3/ 316، 317) ونسبه لابن أبي حاتم وابن زيد واه، وهذا معضل، والصحيح أنه عليه السلام ألقى الحصى من غير تعيين عدد أو مكان كل واحدة.
(1) زيادة عن المخطوط. [.....]
(2) في المخطوط «والمعاني» .
(3) زيد في المطبوع وط.
(4) ما بين المعقوفتين مستدرك من ط.
(5) في المخطوط «بالحصى» .

(2/278)


ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ (18) إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19)

بِالنَّصْرِ وَالْغَنِيمَةِ، إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لدعائكم، عَلِيمٌ بنيّاتكم.

[سورة الأنفال (8) : الآيات 18 الى 19]
ذلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ (18) إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19)
ذلِكُمْ الَّذِي ذَكَرْتُ مِنَ الْقَتْلِ وَالرَّمْيِ وَالْبَلَاءِ الْحَسَنِ، وَأَنَّ اللَّهَ، قِيلَ: فِيهِ إِضْمَارٌ، أَيْ: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ، مُضَعِفُ، كَيْدِ الْكافِرِينَ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ: «مُوَهِّنٌ» بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّنْوِينِ، كَيْدِ نَصْبٌ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ [مُوهِنُ] [1] بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّنْوِينِ إِلَّا حَفْصًا، فَإِنَّهُ يضيفه ولا يُنَوِّنُ وَيَخْفِضُ كَيْدِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ، وذلك أن أبا جهل- لعنه الله- قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ لَمَّا الْتَقَى الناس: اللهمّ أيّنا [2] أَقَطَعُنَا [3] لِلرَّحِمِ وَآتَانَا بِمَا لَمْ نَعْرِفْ فَأَحِنْهُ الْغَدَاةَ، فَكَانَ هُوَ الْمُسْتَفْتِحَ عَلَى نَفْسِهِ.
«984» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا يَعْقُوبُ بن إبراهيم [ثَنَا إِبْرَاهِيمُ] [4] بْنُ سَعْدٍ عَنِ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ:
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: إِنِّي لَفِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ إِذِ الْتَفَتُّ فَإِذَا عَنْ يَمِينِي وَعَنْ يَسَارِي فَتَيَانِ حَدِيثَا السِّنِّ فَكَأَنِّي لَمْ آمَنْ [بِمَكَانِهِمَا، إِذْ قَالَ لِي] [5] أَحَدُهُمَا سِرًّا مِنْ صَاحِبِهِ: يَا عَمٌّ أَرِنِي أَبَا جَهْلٍ، فَقُلْتُ:
يَا ابْنَ أَخِي وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ فَقَالَ: عَاهَدْتُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِنْ رَأَيْتُهُ أَنْ أَقْتُلَهُ أَوْ أَمُوتَ دُونَهُ، فَقَالَ لِي الْآخَرُ سِرًّا مِنْ صَاحِبِهِ مِثْلَهُ، فَمَا سَرَّنِي أَنِّي بَيْنَ رَجُلَيْنِ بِمَكَانِهِمَا فَأَشَرْتُ لَهُمَا إِلَيْهِ فَشَدَّا عَلَيْهِ مِثْلَ الصَّقْرَيْنِ حَتَّى ضَرْبَاهُ وَهُمَا ابْنَا عَفْرَاءَ.
«985» وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عن أنس، قال:
__________
984- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
وهو في «صحيح البخاري» 3988 عن يعقوب بن إبراهيم بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 3141 و3964 ومسلم 1752 وأبو يعلى 866 من وجه آخر عن صالح بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عبد الرحمن بن عوف به مطوّلا.
985- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
ابن أبي عدي هو محمد بن إبراهيم، سليمان هو ابن بلال.
وهو في «صحيح البخاري» 3963 عن محمد بن المثنى بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 4020 ومسلم 1800 وأبو يعلى 4063 من طرق عن سليمان التيمي به.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيد في المطبوع وحده عقب «أينا» «يعني نفسه وَمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .
(3) في المطبوع «قاطعا» والمثبت عن المخطوط والطبري وط.
(4) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(5) العبارة كذا في المخطوط وصحيح البخاري، وفي المخطوط، «لمكانهما فَقَالَ» .

(2/279)


قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ: «من ينظر لنا ما فعل [1] أَبُو جَهْلٍ» ، قَالَ: فَانْطَلَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَوَجَدَهُ قَدْ ضَرَبَهُ ابْنَا عفراء حتى برد [2] ، فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ فَقَالَ أَنْتَ أَبُو جهل؟ قال: وَهَلْ فَوْقَ رَجُلٍ قَتَلَهُ قَوْمُهُ أَوْ قَتَلْتُمُوهُ.
«986» [قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: قَالَ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ لَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوِهِ أَمَرَ بِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ أَنْ يلتمس في القتلى، وقال: «اللَّهُمَّ لَا يُعْجِزَنَّكَ» ، قَالَ:
فَلَمَّا سَمِعْتُهَا جَعَلْتُهُ مِنْ شَأْنِي فَعَمَدْتُ نَحْوَهُ فَضَرَبْتُهُ ضَرْبَةً أَطْنَتْ [3] قَدَمَهُ بِنِصْفِ سَاقِهِ، قَالَ: وَضَرَبَنِي ابْنُهُ عِكْرِمَةُ عَلَى عَاتِقِي فَطَرَحَ يَدِي فَتَعَلَّقْتُ بِجِلْدَةٍ مِنْ جَنْبِي وَأَجْهَضَنِي الْقِتَالُ عَنْهُ، فَلَقَدْ قَاتَلْتُ عَامَّةَ يومي وإني لأصحبها خَلْفِي، فَلَمَّا آذَتْنِي جَعَلْتُ عَلَيْهَا قَدَمِي ثُمَّ تَمَطَّيْتُ بِهَا حَتَّى طَرَحْتُهَا، ثُمَّ مَرَّ بِأَبِي جَهْلٍ وَهُوَ عَقِيرٌ مُعَوِّذُ [4] بْنُ عَفْرَاءَ فَضَرَبَهُ حَتَّى أَثْبَتَهُ فَتَرَكَهُ وَبِهِ رَمَقٌ، فَمَرَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مسعود، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ:
وَجَدْتُهُ بِآخِرِ رَمَقٍ فَعَرَفْتُهُ فَوَضَعْتُ رِجْلِي عَلَى عُنُقِهِ، ثُمَّ قُلْتُ: هَلْ أَخْزَاكَ اللَّهُ يَا عَدُوَّ اللَّهِ؟ قَالَ: وَبِمَاذَا أَخْزَانِي أَعْمَدُ من رجل قتلتموه، فأخبرني لِمَنِ الدَّائِرَةُ؟ قُلْتُ: لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ.
«987» وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو جَهْلٍ: لَقَدِ ارْتَقَيْتَ يَا رُوَيْعِيَّ الْغَنَمِ مرتقا صَعْبًا، ثُمَّ احْتَزَزْتُ رَأْسَهُ ثُمَّ جِئْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا رَأْسُ [عدوّ الله] [5] أَبِي جَهْلٍ، فَقَالَ:
«آللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ» ؟ قُلْتُ: نَعَمْ وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، ثُمَّ أَلْقَيْتُهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [فَحَمِدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ] [6] . وَقَالَ السُّدِّيُّ وَالْكَلْبِيُّ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ حِينَ خَرَجُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ أَخَذُوا بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ وَقَالُوا: اللَّهُمَّ انْصُرْ أَعْلَى الْجُنْدَيْنِ وَأَهْدَى الْفِئَتَيْنِ وَأَكْرَمَ الْحِزْبَيْنِ وَأَفْضَلَ الدِّينَيْنِ، فَفِيهِ نَزَلَتْ: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ، أَيْ: إِنْ تَسْتَنْصِرُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ النَّصْرُ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: قَالَ الْمُشْرِكُونَ: وَاللَّهِ لَا نَعْرِفُ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ فَافْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ بِالْحَقِّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ، أَيْ: إِنْ تَسْتَقْضُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْقَضَاءُ.
وَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: هَذَا خِطَابٌ لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمُسْلِمِينَ: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ، أَيْ: إِنْ تَسْتَنْصِرُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَالنَّصْرُ.
«988» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ أَنَا حَاجِبُ بْنُ [أَحْمَدَ] [7] الطُّوسِيُّ
__________
986- هذا مرسل، وأخرجه البيهقي (3/ 84، 85) من وجه آخر عن ابن إسحاق حدثني ثور بن يزيد عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ به، وهذا إسناده قوي صرح فيه ابن إسحاق بالتحديث. وانظر «السيرة النبوية» (2/ 267) .
987- أخرجه البيهقي (3/ 86) من طريق ابن إسحاق عن رجال من بني مخزوم، وهذا ضعيف. والصحيح اللفظ المقدم برقم 985.
988- حديث صحيح. عبد الرحيم بن منيب مجهول، لكن قد توبع هو ومن دونه، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
قيس هو ابن أبي حازم.
وهو في «شرح السنة» 3645 بهذا الإسناد. [.....]
(1) في المطبوع «صنع» .
(2) تصحف في المطبوع «تردى» .
(3) في المطبوع «طيرت» وكلاهما بمعنى.
(4) في المطبوع «معاذ» .
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) ما بين المعقوفتين في المخطوط عقب قول السدي والكلبي.
(7) زيادة عن المخطوط.

(2/280)


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)

ثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ ثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ [أَبِي] [1] خَالِدٍ عَنِ قَيْسٍ عَنْ خَبَّابٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
شَكَوْنَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ متوسّد بردة فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، [وَقَدْ لَقِينَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ شِدَّةً] [2] ، فَقُلْنَا: أَلَا تَدْعُو اللَّهَ [لَنَا، أَلَا تَسْتَنْصِرُ الله لنا] [3] ، فجلس محمارّا وجهه، فقال: «لقد كان من قبلكم يؤخذ بالرجل فيحفر لَهُ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُجْعَلُ فَوْقَ رَأْسِهِ، ثُمَّ يجعل بفرقتين ما يصرفه عَنْ دِينِهِ، وَيُمَشَّطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ وعصب ما يَصْرِفُهُ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْكُمْ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخْشَى إِلَّا اللَّهَ وَلَكِنَّكُمْ تستعجلون» [4] .
قوله: وَإِنْ تَنْتَهُوا، يقول [الله] [5] لِلْكُفَّارِ: إِنْ تَنْتَهُوا عَنِ الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَقِتَالِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا، لِحَرْبِهِ وَقِتَالِهِ، نَعُدْ بمثل الواقعة التي أوقعت بِكُمْ يَوْمَ بَدْرٍ. وَقِيلَ: وَإِنْ تَعُودُوا إِلَى الدُّعَاءِ وَالِاسْتِفْتَاحِ نَعُدْ لِلْفَتْحِ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ، جَمَاعَتُكُمْ، شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ، قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَابْنُ عَامِرٍ وَحَفْصٌ وَأَنَّ اللَّهَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، أَيْ: وَلِأَنَّ الله مع المؤمنين، كذلك وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً، وَقِيلَ: هُوَ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: ذلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ (18) ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: وَأَنَّ اللَّهَ بكسر الألف على الابتداء.

[سورة الأنفال (8) : الآيات 20 الى 24]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ، أَيْ: لَا تُعْرِضُوا عَنْهُ، وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ، الْقُرْآنَ وَمَوَاعِظَهُ.
وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21) ، أَيْ: يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ سَمِعْنَا بِآذَانِنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ، أَيْ: لَا يَتَّعِظُونَ وَلَا يَنْتَفِعُونَ بِسَمَاعِهِمْ فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ، أَيْ: شَرُّ مَنْ دَبَّ]
عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ، عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ، عَنِ الْحَقِّ فَلَا يَسْمَعُونَهُ وَلَا يَقُولُونَهُ، الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ أَمْرَ اللَّهِ عَزَّ وجلّ سمّاهم
__________
وأخرجه البخاري 3612 و3852 و6943 وأبو داود 2649 وأحمد (5/ 109 و110 و111) و (6/ 395) والنسائي (8/ 204) مختصرا والبيهقي في «الشعب» 1633 من طرق عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ به.
وأخرجه البخاري 3852 والنسائي في «الكبرى» 5893 وابن حبان 2897 من طرق عن سفيان عن بيان بن بشر عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ به.
(1) ما بين المعقوفتين زيادة من مصادر التخريج.
(2) زيد في المطبوع وط، و «صحيح البخاري» .
(3) زيادة عن المخطوط وط و «شرح السنة» و «صحيح البخاري» .
(4) في هذا الحديث اضطراب في المخطوط والنسخ و «شرح السنة» و «صحيح البخاري» والمثبت عن ط، و «شرح السنة» .
(5) زيد في المخطوط «الله» .
(6) في المطبوع وحده «الدواب» . [.....]

(2/281)


الدَّوَابِّ لِقِلَّةِ انْتِفَاعِهِمْ بِعُقُولِهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ [الْأَعْرَافُ: 179] ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُمْ نَفَرٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ، كَانُوا يَقُولُونَ: نَحْنُ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ عَمَّا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ، فَقُتِلُوا جَمِيعًا بِأُحُدٍ، وَكَانُوا أَصْحَابَ اللِّوَاءِ لَمْ يُسْلِمْ مِنْهُمْ إِلَّا رَجُلَانِ مُصْعَبُ بن عمير وسويط بْنُ حَرْمَلَةَ.
وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ، سَمَاعَ التَّفَهُّمِ وَالْقَبُولِ، وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ، بعد أن علم [في غيبه] [1] أَنْ لَا خَيْرَ فِيهِمْ مَا انْتَفَعُوا بِذَلِكَ، لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ، لِعِنَادِهِمْ وَجُحُودِهِمُ الْحَقَّ بَعْدَ ظُهُورِهِ. وَقِيلَ: إِنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلّم: أحيي لَنَا قُصَيًّا فَإِنَّهُ كَانَ شَيْخًا مُبَارَكًا حَتَّى يَشْهَدَ لَكَ بِالنُّبُوَّةِ فنؤمن بك، فقال [لهم] [2] اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ كلام قصي [بعد إحيائه لهم] [3] لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ، يَقُولُ: أَجِيبُوهُمَا بِالطَّاعَةِ، إِذا دَعاكُمْ، الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِما يُحْيِيكُمْ، أَيْ: إِلَى مَا يُحْيِيكُمْ. قَالَ السُّدِّيُّ: هُوَ الْإِيمَانُ، لِأَنَّ الْكَافِرَ مَيِّتٌ فَيَحْيَا بِالْإِيمَانِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ الْقُرْآنُ فِيهِ الْحَيَاةُ وَبِهِ النَّجَاةُ وَالْعِصْمَةُ فِي الدَّارَيْنِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ الْحَقُّ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: هُوَ الْجِهَادُ أَعَزَّكُمُ اللَّهُ بِهِ بعد الذلّ. وقال القتيبي: هو [4] الشَّهَادَةُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الشُّهَدَاءِ: بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آلِ عِمْرَانَ: 169] .
«989» وَرَوَيْنَا أَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ يُصَلِّي فَدَعَاهُ فَعَجِلَ أُبَيُّ فِي صَلَاتِهِ، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مَنَعَكَ أَنْ تُجِيبَنِي إِذْ دَعَوْتُكَ» ؟ قَالَ: كُنْتُ فِي الصَّلَاةِ، قَالَ: «أَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ» ؟ [فَقَالَ: لَا جَرَمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تَدْعُونِي إِلَّا أَجَبْتُ وَإِنْ كُنْتُ مُصَلِّيًا] [5] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٌ: يَحُولُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكَفْرِ وَبَيْنَ الْكَافِرِ وَالْإِيمَانِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: يَحُولُ بَيْنَ الْكَافِرِ وَالطَّاعَةِ، وَيَحُولُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْمَعْصِيَةِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ فَلَا يَعْقِلُ وَلَا يَدْرِي مَا يَعْمَلُ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَحُولُ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَقَلْبِهِ فَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُؤْمِنَ وَلَا أَنْ يَكْفُرَ إِلَّا بِإِذْنِهِ. وَقِيلَ: هُوَ أَنَّ الْقَوْمَ لَمَّا دُعُوا إِلَى الْقِتَالِ فِي حَالَةِ الضَّعْفِ سَاءَتْ ظُنُونُهُمْ وَاخْتَلَجَتْ صُدُورُهُمْ فَقِيلَ لَهُمْ: قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ فيبدل [6] الله الخوف أمنا والجبن جرأة وشجاعة. وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ، فَيَجْزِيكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ.
«990» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ أَنَا حَاجِبُ [7] بْنُ أَحْمَدَ الطوسي أنا
__________
989- صحيح. أخرجه الطبري 15889 من طريق الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّم ... فذكره بهذا السياق. وإسناده صحيح. وتقدم مسندا برقم: 31.
990- صحيح. محمد بن حماد ثقة، وقد توبع هو ومن دونه، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
أبو معاوية هو محمد بن حازم، الأعمش سليمان بن مهران، أبو سفيان طلحة بن نافع.
وهو في «شرح السنة» 87 بهذا الإسناد.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) زيادة عن المطبوع.
(4) في المطبوع «بل» .
(5) زيد في المطبوع وتفسير الطبري 15889.
(6) في المخطوط «فبدل» .
(7) وقع في الأصل «حاطب» وهو تصحيف.

(2/282)


وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25)

مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكِ» ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: «الْقُلُوبُ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أصابع الله يقلّبها كيف يشاء» .

[سورة الأنفال (8) : آية 25]
وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (25)
وَاتَّقُوا فِتْنَةً، اخْتِبَارًا وَبَلَاءً لَا تُصِيبَنَّ، قَوْلُهُ: لَا تُصِيبَنَّ لَيْسَ بِجَزَاءٍ مَحْضٍ، وَلَوْ كَانَ جَزَاءً لَمْ تَدْخُلْ فِيهِ النُّونُ، لَكِنَّهُ نَفْيٌ، وَفِيهِ طَرَفٌ مِنَ الْجَزَاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ [النَّمْلُ: 18] ، وَتَقْدِيرُهُ وَاتَّقُوا فِتْنَةً إِنْ لَمْ تَتَّقُوهَا أَصَابَتْكُمْ، فَهُوَ كَقَوْلِ الْقَائِلِ:
انْزِلْ عَنِ الدَّابَّةِ لا تطرحك ولا تطرحنّك، فهو [1] جواب الأمر بلفظ النفي [2] ، مَعْنَاهُ: إِنْ تَنْزِلْ لَا تَطْرَحْكَ.
[قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعْنَاهُ: اتَّقُوا فِتْنَةً تُصِيبُ الظَّالِمَ وَغَيْرَ الظَّالِمِ] قَالَ الْحَسَنُ: نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ وَعَمَّارٍ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. قَالَ الزُّبَيْرُ: لَقَدْ قَرَأْنَا هَذِهِ الْآيَةَ زَمَانًا وَمَا أَرَانَا مِنْ أَهْلِهَا فَإِذَا نَحْنُ الْمَعْنِيُّونَ بِهَا، يَعْنِي مَا كَانَ يَوْمَ الْجَمَلِ. وَقَالَ السُّدِّيُّ وَمُقَاتِلٌ وَالضَّحَّاكُ وَقَتَادَةُ: هَذَا فِي قَوْمٍ مَخْصُوصِينَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابَتْهُمُ الْفِتْنَةُ يَوْمَ الْجَمَلِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ لَا يُقِرُّوا الْمُنْكَرَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ فَيَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ يُصِيبُ الظَّالِمَ وَغَيْرَ الظَّالِمِ.
«991» أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ أَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْحَارِثِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ أنا
__________
وأخرجه الترمذي 2141 وأحمد (3/ 112) وأبو يعلى 3687 و3688 والحاكم (1/ 526) من طرق عن أبي معاوية به.
وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي وحسنه الترمذي.
وأخرجه أحمد (3/ 257) من طريق سليمان بن مهران عن أبي سفيان به.
وفي الباب من حديث النواس بن سمعان عند ابن ماجه 199 وأحمد (4/ 182) وابن حبان 943 والحاكم (1/ 525) و (2/ 289) .
ومن حديث عائشة عند أحمد (6/ 91 و251) وابن أبي عاصم في «السنة» 224 والآجري في «الشريعة» ص 317.
ومن حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاص عند مسلم 2654 وأحمد (2/ 168) وابن أبي عاصم 222 وابن حبان 902.
991- حديث حسن بشواهده وطرقه، إسناده ضعيف، فيه من لم يسمّ. لكن توبع، وللحديث شواهد.
وهو في «شرح السنة» 4050 بهذا الإسناد.
وهو في «الزهد» 1352 لابن الْمُبَارَكِ عَنْ سَيْفِ بْنِ أَبِي سليمان به.
ومن طريق ابن المبارك أخرجه أحمد (4/ 192) والطبراني (17/ 344) .
وأخرجه الطحاوي في «المشكل» 1175 من طريق عمرو بن أبي رزين عَنْ سَيْفِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عن عدي بن عدي عن أبيه به.
وأخرجه أحمد (4/ 192) من طريق سيف عن عدي بن عدي يحدث عن مجاهد قال: حَدَّثَنِي مَوْلَى لَنَا أَنَّهُ سَمِعَ عديا يَقُولُ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم ... فذكره.
وأخرجه الطبراني (17/ 343) من طريق خالد بن يزيد عن عدي بن عدي بن عمير الكندي عن العرس بن عميرة قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم ... فذكره.
قال الهيثمي في «المجمع» 12137: رواه أحمد من طريقين إحداها هذه والأخرى عن عدي بن عدي. حدثني مولى لنا وهو الصواب، وكذلك رواه الطبراني وفيه رجل لم يسم، وبقية رجال أحد الإسنادين ثقات اه.
(1) في المخطوط «فهذا» .
(2) في المخطوط «النهي» .

(2/283)


وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27)

عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلَّالُ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ سَيْفِ بْنِ [أَبِي] [1] سُلَيْمَانَ قَالَ:
سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ عَدِيٍّ الْكِنْدِيِّ يَقُولُ: حَدَّثَنِي مَوْلَى لَنَا أَنَّهُ سَمِعَ جَدِّي يَقُولُ:
سَمِعْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ الْعَامَّةَ بِعَمَلِ الْخَاصَّةِ حَتَّى يَرَوُا الْمُنْكَرَ بَيْنَ ظَهْرَانِيهِمْ وَهُمْ قادرون على أن يُنْكِرُوهُ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَذَّبَ اللَّهُ الْعَامَّةَ وَالْخَاصَّةَ» .
وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: أَرَادَ بِالْفِتْنَةِ افْتِرَاقَ الْكَلِمَةِ وَمُخَالَفَةَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا.
«992» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [2] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، مِنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفُهُ [3] ، فَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ» .
قَوْلُهُ: لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً، يَعْنِي: الْعَذَابَ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ.

[سورة الأنفال (8) : الآيات 26 الى 27]
وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ، يَقُولُ: اذكروا يا معاشر الْمُهَاجِرِينَ إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ فِي الْعَدَدِ مُسْتَضْعَفُونَ فِي أَرْضِ مَكَّةَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ، تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ، يَذْهَبُ بِكُمُ النَّاسُ، يعني: كفار العرب. وقال عكرمة: كفار مكة. وَقَالَ وَهْبٌ: فَارِسٌ وَالرُّومُ، فَآواكُمْ، إِلَى الْمَدِينَةِ، وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ، أَيْ: قَوَّاكُمْ يَوْمَ بَدْرٍ بِالْأَنْصَارِ. [وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: قُوَّاكُمْ يَوْمَ بَدْرٍ بِالْمَلَائِكَةِ] [4] ، وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ، يَعْنِي: الْغَنَائِمَ التي أَحَلَّهَا لَكُمْ وَلَمْ يُحِلَّهَا لِأَحَدٍ قَبْلَكُمْ، لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ، قَالَ السُّدِّيُّ: كَانُوا يَسْمَعُونَ الشَّيْءَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم
__________
وله شاهد بمعناه من حديث جرير عند أبي داود 4339 وابن ماجه 4009 وأحمد (4/ 364 و366) والطبراني 2380 2385 وابن حبان 300 والبيهقي (10/ 91) .
وانظر حديث أبي بكر المتقدم في سورة المائدة عند آية: 105.
الخلاصة: هو حديث حسن بمجموع طرقه وشواهده، والله أعلم. [.....]
992- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
أبو اليمان هو الحكم بن نافع، شعيب بن أبي حمزة، الزهري محمد بن مسلم.
وهو في «شرح السنة» 4124 بهذا الإسناد.
وفي «صحيح البخاري» 7082 عن أبي اليمان به.
وأخرجه البخاري 3601 ومسلم 2886 ح 10 وأحمد (2/ 282) وابن حبان 5959 من طرق عن الزهري به.
وأخرجه البخاري 7081 ومسلم 2886 ح 12 والطيالسي 2344 والبيهقي (8/ 190) من طريق إبراهيم بن سعد عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هريرة مرفوعا بنحوه.
(1) ما بين المعقوفتين زيادة من مصادر التخريج.
(2) سقط من المطبوع.
(3) أي من تطلع إليها وتعرض لها أشرف منها على الهلاك.
(4) زيد في المطبوع وط.

(2/284)


وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29) وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30)

فَيُفْشُونَهُ، حَتَّى يَبْلُغَ الْمُشْرِكِينَ.
«993» وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَالْكَلْبِيُّ: نَزَلَتِ الْآيَةُ فِي أَبِي لُبَابَةَ هَارُونَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ الْأَنْصَارِيَّ مِنْ بَنِي عَوْفِ [بْنِ مَالِكٍ] [1] ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاصَرَ يَهُودَ قُرَيْظَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، فَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّلْحَ عَلَى مَا صَالَحَ [2] عَلَيْهِ إِخْوَانَهُمْ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ عَلَى أَنْ يَسِيرُوا إلى إخوانهم إلى أذرعات وأريحا مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعْطِيَهُمْ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَأَبَوْا وَقَالُوا: أَرْسِلْ إِلَيْنَا أَبَا لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ، وَكَانَ مُنَاصِحًا لَهُمْ لِأَنَّ مَالَهُ وَوَلَدَهُ وَعِيَالَهُ كَانَتْ عِنْدَهُمْ، فَبَعَثَهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم [فأتاهم] [3] ، فَقَالُوا لَهُ: يَا أَبَا لُبَابَةَ مَا تَرَى أَنَنْزِلُ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ؟ فَأَشَارَ أَبُو لبابة بِيَدِهِ إِلَى حَلْقِهِ أَنَّهُ الذَّبْحُ فَلَا تَفْعَلُوا، قَالَ أَبُو لُبَابَةَ: والله ما زالت قدماي عن مَكَانِهِمَا حَتَّى عَرَفْتُ أَنِّي قَدْ خُنْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، ثُمَّ انْطَلَقَ عَلَى وَجْهِهِ، وَلَمْ يَأْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَدَّ نَفْسَهُ عَلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، وَقَالَ:
وَاللَّهِ لَا أبرح وَلَا أَذُوقُ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا، حَتَّى أَمُوتَ أَوْ يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيَّ، فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَهُ، قَالَ:
«أَمَا لَوْ جَاءَنِي لَاسْتَغْفَرْتُ لَهُ فَأَمَّا إِذَا فَعَلَ مَا فَعَلَ فَإِنِّي لَا أُطْلِقُهُ حَتَّى يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ» ، فَمَكَثَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ لَا يَذُوقُ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا حَتَّى خَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا لُبَابَةَ قَدْ تِيبَ عَلَيْكَ، فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا أَحُلُّ نَفْسِي حَتَّى يَكُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الَّذِي يَحِلُّنِي [4] ، فَجَاءَ فَحَلَّهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ أَبُو لُبَابَةَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ مِنْ تَمَامِ تَوْبَتِي أَنْ أَهْجُرَ دار قومي التي أصيب فِيهَا الذَّنْبَ، وَأَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مالي كله، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم: «يجزيك الثلث [5] [أن] [6] تتصدّق بِهِ» ، فَنَزَلَتْ فِيهِ لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ، وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ، أَيْ: وَلَا تَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ، أَنَّهَا أَمَانَةٌ.
وَقِيلَ: وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ مَا فَعَلْتُمْ مِنَ الْإِشَارَةِ إِلَى الْحَلْقِ خِيَانَةٌ.
قَالَ السُّدِّيُّ: إِذَا خَانُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَقَدْ خَانُوا أَمَانَاتِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا تَخُونُوا اللَّهَ بِتَرْكِ فَرَائِضِهِ والرسول بترك سنّته وتخونوا أماناتكم. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ مَا يَخْفَى عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ، وَالْأَعْمَالُ الَّتِي ائْتَمَنَ [الله] [7] العباد عَلَيْهَا. قَالَ قَتَادَةُ: اعْلَمُوا أَنَّ دِينَ اللَّهِ أَمَانَةٌ فَأَدُّوا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا ائْتَمَنَكُمْ عَلَيْهِ مِنْ فَرَائِضِهِ وَحُدُودِهِ، وَمَنْ كانت عنده [8] فَلْيُؤَدِّهَا إِلَى مَنِ ائْتَمَنَهُ عَلَيْهَا.

[سورة الأنفال (8) : الآيات 28 الى 30]
وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29) وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (30)
وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ
، قِيلَ: هَذَا أَيْضًا فِي أَبِي لُبَابَةَ، وَذَلِكَ أَنَّ أَمْوَالَهُ وَأَوْلَادَهُ
__________
993- ضعيف، أثر الكلبي ليس بشيء لأنه متروك متهم، وأما أثر الزهري، فأخرجه الطبري 15937 وهذا مرسل، والزهري ضعيف المرسل. وذكره الواحدي في «أسباب النزول» 477.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) في المخطوط «صالحوا» .
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) زيد في المطبوع «بيده» .
(5) في الأصل «الثالث» وهو تصحيف.
(6) زيادة عن المخطوط والطبري 15937.
(7) زيادة عن المخطوط.
(8) في المطبوع «عليه» . [.....]

(2/285)


كَانُوا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، فَقَالَ مَا قَالَ خَوْفًا عَلَيْهِمْ. وَقِيلَ: هَذَا فِي جَمِيعِ النَّاسِ.
«994» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ إملاء وأبو بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ [بْنِ علي] بْنِ الْحَسَنِ الطُّوسِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْإِسْفَرَايِينِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَزْمَوَيْهِ [1] حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ حَدَّثَنَا [يَحْيَى] بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأُسُودِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ:
أَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِصَبِيٍّ فَقَبَّلَهُ، وَقَالَ: «أَمَا إِنَّهُمْ مَبْخَلَةٌ مَجْبَنَةٌ وَإِنَّهُمْ لِمِنْ رَيْحَانِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» .
وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ
، لِمَنْ نَصَحَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَأَدَّى أَمَانَتَهُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ، بِطَاعَتِهِ وَتَرْكِ مَعْصِيَتَهُ، يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً، قَالَ مُجَاهِدٌ: مَخْرَجًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: مَخْرَجًا فِي الدِّينِ مِنَ الشُّبُهَاتِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: نَجَاةً أَيْ يُفَرِّقُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ مَا تَخَافُونَ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: بَيَانًا. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَصْلًا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ يظهر الله به حقّكم، ويطفىء بَاطِلَ مَنْ خَالَفَكُمْ. وَالْفُرْقَانُ مَصْدَرٌ كَالرُّجْحَانِ وَالنُّقْصَانِ.
وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ، يَمْحُ عَنْكُمْ مَا سَلَفَ مِنْ ذُنُوبِكُمْ، وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا، هَذِهِ الْآيَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ،
__________
994- حسن صحيح بطرقه وشواهده.
إسناده ضعيف لضعف ابن لهيعة، لكن للحديث شواهد.
أبو الأسود هو مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نوفل.
وهو في «شرح السنة» 3342 بهذا الإسناد.
وله شواهد منها حديث خولة بنت حكيم عند الترمذي 1910 وأحمد (6/ 409) والحميدي 334 وابن أبي الدنيا في «العيال» 182 والطبراني في «الكبير» (24/ 239 و240) والبيهقي في «الأسماء والصفات» 964 من طرق عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ إبراهيم بن ميسرة عن ابن أبي سويد عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عنها.
قال الترمذي: حديث ابن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة لا نعرفه إلا من حديثه، ولا نعرف لعمر بن عبد العزيز سماعا من خولة اه.
ومداره على محمد بن أبي سويد، وهو مجهول.
وحديث يعلى بن مرة عند ابن ماجه 3666 وأحمد (4/ 172) والحاكم (3/ 164) والطبراني (22/ 275) والبيهقي في «الأسماء والصفات» 965 وصححه الحاكم، وسكت الذهبي وقال البوصيري في «الزوائد» : إسناده صحيح، رجاله ثقات اه.
قلت مداره على سعيد بن أبي راشد، لم يوثقه غير ابن حبان، وقال الذهبي في «الميزان» : روى عنه عبد الله بن عثمان بن خيثم وحده اه.
وحديث أبي سعيد الخدري عند أبي يعلى 1032 والبزار 1892.
وقال الهيثمي في «المجمع» (8/ 155) : وفيه عطية العوفي، وهو ضعيف اه.
وحديث الأسود بن خلف عند البزار 1891 وقال الهيثمي في «المجمع» 13480: ورجاله ثقات.
وحديث الأشعث بن قيس عند أحمد (5/ 211) والطبراني 646 والحاكم (4/ 239) وقال الهيثمي 13479: وفيه مجالد بن سعيد، وهو ضعيف، وقد وثقه، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح اه.
وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
الخلاصة: هو حديث حسن صحيح بمجموع طرقه وشواهده.
(1) وقع في الأصل «زمويه» والتصويب من ط و «شرح السنة» .

(2/286)


[وَاذْكُرْ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا] [1] وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ، لِأَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ مَدَنِيَّةٌ وَهَذَا الْمَكْرُ وَالْقَوْلُ إِنَّمَا كَانَا بِمَكَّةَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ ذَكَّرَهُمْ بِالْمَدِينَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ [التوبة: 40] .
«995» وَكَانَ هَذَا الْمَكْرُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ: أَنَّ قُرَيْشًا فَرِقُوا لَمَّا أَسْلَمَتْ الْأَنْصَارُ أَنْ يَتَفَاقَمَ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاجْتَمَعَ نَفَرٌ مِنْ كِبَارِهِمْ فِي دَارِ النَّدْوَةِ، لِيَتَشَاوَرُوا فِي أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم، وكانت رؤوسهم عُتْبَةُ [2] وَشَيْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ وَأَبُو جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ وَأَبُو سُفْيَانَ وَطُعَيْمَةُ بْنُ عَدِيٍّ وَالنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ، وَأَبُو الْبَخْتَرِيُّ بْنُ هِشَامٍ وَزَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، وَنَبِيهٌ وَمُنَبِّهٌ ابْنَا الْحَجَّاجِ وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، فَاعْتَرَضَهُمْ إِبْلِيسُ لعنه الله فِي صُورَةِ شَيْخٍ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: شَيْخٌ مِنْ نَجْدٍ سَمِعْتُ بِاجْتِمَاعِكُمْ فَأَرَدْتُ أَنْ أَحْضُرَكُمْ وَلَنْ تَعْدِمُوا مِنِّي رَأْيًا وَنُصْحًا، قَالُوا: ادْخُلْ فَدَخَلَ، فَقَالَ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ: أَمَّا أَنَا فَأَرَى أَنْ تَأْخُذُوا مُحَمَّدًا وَتَحْبِسُوهُ فِي بَيْتٍ وَتَشُدُّوا وِثَاقَهُ وَتَسُدُّوا بَابَ الْبَيْتِ غَيْرَ كُوَّةٍ، تُلْقُونَ إِلَيْهِ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَتَتَرَبَّصُوا بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ حَتَّى يَهْلَكَ فِيهِ، كَمَا هَلَكَ مَنْ قَبْلَهُ مِنَ الشُّعَرَاءِ، قَالَ: فَصَرَخَ عَدُوُّ اللَّهِ الشَّيْخُ النَّجْدِيُّ وَقَالَ: بِئْسَ الرَّأْيُ رَأَيْتُمْ وَاللَّهِ لَئِنْ حَبَسْتُمُوهُ فِي بَيْتٍ فَخَرَجَ [3] أَمْرُهُ مِنْ وَرَاءِ الباب الذي أغلقتم دُونَهُ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَيُوشِكُ أَنْ يَثِبُوا عَلَيْكُمْ وَيُقَاتِلُوكُمْ وَيَأْخُذُوهُ مِنْ أيديكم، قالوا: صدق الشيخ النجدي.
فَقَالَ هِشَامُ بْنُ عَمْرٍو مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ: أَمَّا أَنَا فَأَرَى أَنْ تَحْمِلُوهُ عَلَى بعير فتخرجوه من [بين] [4] أَظْهُرِكُمْ فَلَا يَضُرُّكُمْ مَا صَنَعَ وَلَا أَيْنَ وَقَعَ إِذَا غَابَ عَنْكُمْ وَاسْتَرَحْتُمْ مِنْهُ، فَقَالَ إِبْلِيسُ لعنه الله:
ما هذا لكم برأي، تَعْمِدُونَ إِلَى رَجُلٍ قَدْ أَفْسَدَ سفهاءكم [5] فَتُخْرِجُونَهُ إِلَى غَيْرِكُمْ فَيُفْسِدُهُمْ، أَلَمْ تروا إلى حلاوة منطقه وطلاوة لِسَانِهِ وَأَخْذِ الْقُلُوبِ بِمَا تَسْمَعُ مِنْ حَدِيثِهِ؟ وَاللَّهِ لَئِنْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ لَيَذْهَبَنَّ وَلِيَسْتَمِيلَ قُلُوبَ قَوْمٍ ثُمَّ يَسِيرَ بِهِمْ إِلَيْكُمْ فَيُخْرِجَكُمْ مِنْ بِلَادِكُمْ، قَالُوا: صَدَقَ الشَّيْخُ النجدي.
فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: وَاللَّهِ لَأُشِيرَنَّ عَلَيْكُمْ بِرَأْيٍ مَا أَرَى غَيْرَهُ إِنِّي أَرَى أَنْ تَأْخُذُوا مِنْ كُلِّ بَطْنٍ مِنْ قُرَيْشٍ شَابًّا نَسِيبًا وَسِيطًا فَتِيًّا ثُمَّ يُعْطَى كُلُّ فَتًى مِنْهُمْ سَيْفًا صَارِمًا، ثُمَّ يَضْرِبُوهُ ضَرْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا قَتَلُوهُ تَفَرَّقَ دَمُهُ فِي الْقَبَائِلِ كُلِّهَا وَلَا أَظُنُّ هَذَا الْحَيَّ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ يَقْوَوْنَ على حرب قريش كلها، وبأنهم إِذَا رَأَوْا ذَلِكَ قَبِلُوا الْعَقْلَ فَتُؤَدِّي قُرَيْشٌ دِيَّتَهُ، فَقَالَ إِبْلِيسُ: صَدَقَ هَذَا الْفَتَى، وَهُوَ أَجْوَدُكُمْ رَأْيًا، الْقَوْلُ مَا قَالَ لَا أَرَى رَأْيًا غَيْرَهُ فَتَفَرَّقُوا عَلَى قَوْلِ أَبِي جَهْلٍ وَهُمْ مُجْمِعُونَ لَهُ.
فَأَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ وَأَمَرَهُ أَنْ لَا يَبِيتَ فِي مَضْجَعِهِ الَّذِي كَانَ يَبِيتُ فِيهِ، فأذن اللَّهُ لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ بِالْخُرُوجِ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يَنَامَ في مضجعه وقال له:
__________
995- أخرجه الطبري 15979 دون عجزه عن ابن عباس بسند ضعيف لانقطاعه بين ابن إسحاق وعبد الله بن أبي نجيح.
وعجزه أخرجه الطبري 15982 وإسناده ضعيف.
وورد هذا الخبر من مرسل السدي أخرجه الطبري 15983، ولبعضه شواهد، وبعضه الآخر منكر.
وانظر «السيرة» لابن هشام (2/ 95، 96) و «مجمع الزوائد» (7/ 27) و «دلائل النبوة» (2/ 466، 470) للبيهقي.
(1) زيد في المطبوع وط.
(2) وقع في الأصل «عيبة» وهو تصحيف.
(3) في المخطوط «لخرج» .
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) في المطبوع وط «أحلامكم» .

(2/287)


وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (31) وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32) وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)

«اتشح بِبُرْدَتِي هَذِهِ، فَإِنَّهُ لَنْ يَخْلُصَ إِلَيْكَ مِنْهُمْ أَمْرٌ تَكْرَهُهُ» .
ثُمَّ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ فَأَخَذَ اللَّهُ أَبْصَارَهُمْ عَنْهُ فَجَعَلَ ينثر التراب على رؤوسهم وَهُوَ يَقْرَأُ: إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا إِلَى قَوْلِهِ: فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ [يس: 9] ، وَمَضَى إِلَى الْغَارِ مِنْ ثَوْرٍ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَخَلَّفَ عَلِيًّا بِمَكَّةَ حَتَّى يُؤَدِّيَ عَنْهُ الودائع التي كانت عنده، وكانت الودائع توضع عِنْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصِدْقِهِ وَأَمَانَتِهِ، وَبَاتَ الْمُشْرِكُونَ يَحْرُسُونَ عليا [وهو] عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْسَبُونَ [1] أَنَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَلَمَّا أَصْبَحُوا ثَارُوا إِلَيْهِ فَرَأَوْا عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالُوا: أَيْنَ صَاحِبُكَ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي، فَاقْتَصُّوا أَثَرَهُ وَأَرْسَلُوا فِي طَلَبِهِ فَلَمَّا بَلَغُوا الْغَارَ رَأَوْا عَلَى بَابِهِ نَسْجَ الْعَنْكَبُوتِ، فَقَالُوا: لَوْ دَخَلَهُ لَمْ يَكُنْ نَسْجُ الْعَنْكَبُوتِ عَلَى بَابِهِ، فَمَكَثَ فِيهِ ثَلَاثًا [ثم] [2] قدم المدينة، فذلك قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا، لِيُثْبِتُوكَ، لِيَحْبِسُوكَ [3] وَيَسْجِنُوكَ وَيُوثِقُوكَ، أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ.
قَالَ الضَّحَّاكُ: يَصْنَعُونَ وَيَصْنَعُ اللَّهُ، وَالْمَكْرُ التَّدْبِيرُ وَهُوَ مِنَ اللَّهِ التَّدْبِيرُ بِالْحَقِّ، وَقِيلَ: يُجَازِيهِمْ جَزَاءَ الْمَكْرِ، وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ.

[سورة الأنفال (8) : الآيات 31 الى 33]
وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (31) وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (32) وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)
وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا، يَعْنِي: النَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ، قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هَذَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَخْتَلِفُ تَاجِرًا إِلَى فَارِسٍ وَالْحِيرَةَ فَيَسْمَعُ أَخْبَارَ رُسْتُمَ وَاسْفَنْدَيَارَ، وَأَحَادِيثَ الْعَجَمِ ويمرّ باليهود والنصارى، فيراهم يركعون ويسجدون ويقرؤون التوراة والإنجيل، فجاء مَكَّةَ فَوَجَدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَقَالَ النَّضْرُ: قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا، إِنْ هَذَا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ، أَخْبَارُ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ وَأَسْمَاؤُهُمْ وَمَا سَطَّرَ الْأَوَّلُونَ فِي كُتُبِهِمْ. وَالْأَسَاطِيرُ: جُمْعُ أُسْطُورَةٍ، وَهِيَ الْمَكْتُوبَةُ، مِنْ قولهم: سطرت أي كتبت.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ، الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا قَصَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَأْنَ الْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ، قَالَ النَّضْرُ: لَوْ شِئْتُ لَقُلْتُ مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ- أَيْ: مَا هَذَا إِلَّا مَا سَطَّرَهُ الْأَوَّلُونَ فِي كُتُبِهِمْ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ بْنَ مَظْعُونٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: اتَّقِ اللَّهَ فَإِنَّ مُحَمَّدًا يَقُولُ الْحَقَّ، قَالَ: فَأَنَا أَقُولُ الْحَقَّ، قَالَ عُثْمَانُ: فَإِنَّ مُحَمَّدًا يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، قَالَ: وَأَنَا أَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَلَكِنَّ هَذِهِ بَنَاتُ اللَّهِ، يعني الأصنام، ثم قال:
__________
(1) في الأصل «يحبسون» وهو خطأ.
(2) سقط من المطبوع.
(3) في الأصل «ليحسبوك» وهو خطأ.

(2/288)


اللَّهُمَّ إِنَّ كَانَ هَذَا الَّذِي يَقُولُ مُحَمَّدٌ هُوَ الْحَقَّ مِنْ عندك، الْحَقَّ نُصِبَ بِخَبَرِ كَانَ، وَهُوَ عِمَادٌ وَصِلَةٌ [1] ، فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ، كَمَا أَمْطَرْتَهَا عَلَى قَوْمِ لُوطٍ، أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ [2] ، أَيْ: بِبَعْضِ مَا عَذَّبْتَ بِهِ الْأُمَمَ، وَفِيهِ نَزَلَ: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ (1) [الْمَعَارِجُ: 1] ، وَقَالَ عَطَاءٌ: لَقَدْ نَزَلَ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ بِضْعَ عَشْرَةَ آيَةً، فَحَاقَ بِهِ مَا سَأَلَ مِنَ الْعَذَابِ يَوْمَ بَدْرٍ.
«996» قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ ثلاثة من قريش [صبرا] : طُعَيْمَةَ بْنَ عَدِيٍّ وَعُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ.
وَرَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ الَّذِي قَالَهُ أَبُو جَهْلٍ [3] لعنه اللَّهُ.
«997» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ ثَنَا أَبِي ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ صَاحِبِ الزِّيَادِيِّ سَمِعَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ، فَنَزَلَتْ: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ، اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: هَذَا [4] حِكَايَةٌ عَنِ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ قَالُوهَا وَهِيَ مُتَّصِلَةٌ بِالْآيَةِ الْأُولَى، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُنَا ونحن نستغفر، ولا يعذب أمّة ونبيّها فيها، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ جَهَالَتَهُمْ وَغَرَّتَهُمْ وَاسْتِفْتَاحَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ: وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ الْآيَةَ، وَقَالُوا: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) ، ثُمَّ قَالَ رَدًّا عَلَيْهِمْ: وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ؟ وَإِنْ كُنْتَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَإِنْ كَانُوا يَسْتَغْفِرُونَ، وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. وَقَالَ الْآخَرُونَ: هَذَا كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِخْبَارًا عَنْ نَفْسِهِ:
وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ.
وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهَا، فَقَالَ الضَّحَّاكُ وجماعة: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ مُقِيمٌ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ.
قَالُوا: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو مقيم بمكّة، خَرَجَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ وَبَقِيَتْ فيها بَقِيَّةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَسْتَغْفِرُونَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ، فخرج أولئك من
__________
996- أخرجه الطبري 15993 و15994 عن سعيد بن جبير وهذا مرسل، فهو ضعيف.
وزاد السيوطي في «الدر المنثور» (3/ 327) نسبته لابن مردويه.
997- إسناده صحيح على شرط البخاري، حيث تفرد عن محمد بن النضر.
معاذ هو ابن معاذ، شعبة هو ابن الحجاج، عبد الحميد هو ابن دينار.
وهو في «صحيح البخاري» 4649 عن محمد بن النضر بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 4648 ومسلم 2796 والواحدي (479) من طريق عبيد الله بن معاذ به.
(1) تصحفت العبارة في المطبوع «وهو عماد وأصله» وفي المخطوط «وهو من عندك صلة» والمثبت عن ط. [.....]
(2) انظر «أسباب النزول» للواحدي 478.
(3) انظر «صحيح البخاري» 4648 و4649 و «صحيح مسلم» 2796.
(4) في المخطوط «هذه» .

(2/289)


وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (34) وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (35) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36)

بينهم فعذّبوا وأذن الله لهم فِي فَتْحِ مَكَّةَ، فَهُوَ الْعَذَابُ الذي وعدهم اللَّهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا: لَمْ يُعَذِّبِ اللَّهُ قَرْيَةً حَتَّى يَخْرُجَ النَّبِيُّ مِنْهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا وَيَلْحَقَ بِحَيْثُ أُمِرَ. فَقَالَ: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) ، يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ فَلَمَّا خَرَجُوا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ، فَعَذَّبَهُمُ اللَّهُ يَوْمَ بَدْرٍ.
وقال أبو مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] [1] : كَانَ فِيكُمْ أَمَانَانِ: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ، وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ، فَأَمَّا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ مَضَى وَالِاسْتِغْفَارُ كَائِنٌ فِيكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا الِاسْتِغْفَارُ رَاجِعٌ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ بَعْدَ الطَّوَافِ: غُفْرَانَكَ غُفْرَانَكَ.
وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ: قَالَتْ قُرَيْشٌ: [اللَّهُمَّ] [2] إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ، فَلَمَّا أَمْسَوْا نَدِمُوا عَلَى مَا قَالُوا، فَقَالُوا: غُفْرَانَكَ اللَّهُمَّ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ، وَقَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ، أَيْ: لَوِ اسْتَغْفَرُوا وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَسْتَغْفِرُونَ، وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَرُّوا بِالذَّنْبِ وَاسْتَغْفَرُوا لَكَانُوا مُؤْمِنِينَ، وقيل: هذا يدعوهم إِلَى الْإِسْلَامِ وَالِاسْتِغْفَارِ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ كَالرَّجُلِ يَقُولُ لِغَيْرِهِ: لَا أُعَاقِبُكَ وَأَنْتَ تُطِيعُنِي، أَيْ: أَطِعْنِي حَتَّى لَا أُعَاقِبَكَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ: وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ، أَيْ: يُسْلِمُونَ. يَقُولُ: لَوْ أَسْلَمُوا لَمَا عُذِّبُوا. وَرَوَى الْوَالِبِيُّ [3] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [أَيْ:] وَفِيهِمْ مَنْ سَبَقَ لَهُ مِنَ الله أنه يُسْلِمَ وَيُؤْمِنَ وَيَسْتَغْفِرَ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَبِي سُفْيَانَ وَصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَعِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهِلٍ، وَسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ وَغَيْرِهِمْ. وَرَوَى عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ مُجَاهِدٍ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ، أَيْ: وَفِي أصلابهم من يستغفر.

[سورة الأنفال (8) : آية 34]
وَما لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (34)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ، أَيْ: وَمَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ أَنْ يُعَذَّبُوا، يُرِيدُ بَعْدَ خُرُوجِكَ مِنْ بَيْنِهِمْ، وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، أَيْ: يَمْنَعُونَ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ. وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْعَذَابِ الْأَوَّلِ عَذَابَ الِاسْتِئْصَالِ، وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ: وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ، أَيْ: بِالسَّيْفِ. وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْأَوَّلِ عَذَابَ الدُّنْيَا، وَبِهَذِهِ الْآيَةِ عَذَابَ الْآخِرَةِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: الْآيَةُ الْأُولَى وَهِيَ قَوْلُهُ: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ، قَالَ الْحَسَنُ:
كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَقُولُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاءُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ، أَيْ:
أَوْلِيَاءَ الْبَيْتِ، إِنْ أَوْلِياؤُهُ، أَيْ: لَيْسَ أَوْلِيَاءُ الْبَيْتِ، إِلَّا الْمُتَّقُونَ، يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَتَّقُونَ الشِّرْكَ، وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ.

[سورة الأنفال (8) : الآيات 35 الى 36]
وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (35) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36)
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) هو علي بن أبي طلحة. روى تفسيرا كاملا عن ابن عباس.

(2/290)


لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (37) قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40)

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ:
الْمُكَاءُ: الصَّفِيرُ، [وَهِيَ فِي اللُّغَةِ اسْمُ طَائِرٍ أَبْيَضَ يَكُونُ بِالْحِجَازِ له صفير، كأنه قال: الأصوات مُكَاءٍ] [1] ، وَالتَّصْدِيَةُ: التَّصْفِيقُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَتْ قُرَيْشٌ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ وهم عراة يصفّرون ويصفقون. وقال مجاهد: كان [2] نَفَرٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ يُعَارِضُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الطَّوَافِ وَيَسْتَهْزِئُونَ بِهِ، وَيُدْخِلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَيُصَفِّرُونَ. فَالْمُكَاءُ: جَعْلُ الْأَصَابِعِ فِي الشِّدْقِ. والتصدية: الصفر [3] ، وَمِنْهُ الصَّدَى الَّذِي يَسْمَعُهُ الْمُصَوِّتُ فِي الْجَبَلِ. قَالَ جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ: سَأَلْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً، فَجَمَعَ كَفَّيْهِ ثُمَّ نَفَخَ فِيهِمَا صَفِيرًا.
وقال مُقَاتِلٌ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ قَامَ رَجُلَانِ عَنْ يَمِينِهِ فيصفّران، ورجلان عن يساره فَيُصَفِّقَانِ لِيَخْلِطُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ، وَهُمْ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ.
قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: التَّصْدِيَةُ صَدُّهُمُ الْمُؤْمِنِينَ عَنِ الْمَسْجِدِ [الْحَرَامِ] [4] وَعَنِ الدِّينِ وَالصَّلَاةِ، وَهِيَ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ التَّصْدِدَةُ بِدَالَيْنِ، فَقُلِبَتْ إِحْدَى الدَّالَيْنِ يَاءً كَمَا يُقَالُ: تَظَنَّيْتُ مِنَ الظَّنِّ، وَتَقَضَّى الْبَازِي إِذَا الْبَازِي كَسَرَ، أَيْ تَقَضَّضَ الْبَازِي. قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: إِنَّمَا سَمَّاهُ صَلَاةً لِأَنَّهُمْ أُمِرُوا بِالصَّلَاةِ فِي المسجد الحرام، فَجَعَلُوا ذَلِكَ صَلَاتَهُمْ، فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، أَيْ: لِيَصْرِفُوا عَنْ دِينِ اللَّهِ.
قَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي الْمُطْعِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ وَكَانُوا اثَّنَى عَشَرَ رَجُلًا أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَعُتْبَةُ وَشَيْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، وَنَبِيهٌ وَمُنَبِّهٌ ابْنَا الْحَجَّاجِ، وَأَبُو الْبَخْتَرِيِّ بْنُ هِشَامٍ، وَالنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ، وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، وَأُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ، وَزَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَالْحَارِثُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ، وَالْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ المطلب، وكلهم من قريش وكان يُطْعِمُ كُلٌّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كُلَّ يَوْمٍ عَشْرَ جُزُرٍ.
وَقَالَ الْحَكَمُ بن عتيبة [5] : نَزَلَتْ فِي أَبِي سُفْيَانَ أَنْفَقَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ أُحُدٍ أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً، يُرِيدُ مَا أَنْفَقُوا فِي الدُّنْيَا يَصِيرُ حَسْرَةً عَلَيْهِمْ فِي الْآخِرَةِ، ثُمَّ يُغْلَبُونَ، وَلَا يَظْفَرُونَ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا، مِنْهُمْ، إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ، خُصَّ الْكُفَّارُ لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ أَسَلَمَ.

[سورة الأنفال (8) : الآيات 37 الى 40]
لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (37) قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38) وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40)
__________
(1) زيد في المطبوع وط.
(2) وقع في الأصل «كل» وهو خطأ.
(3) في المطبوع «الصفر» وفي المخطوط «التصفير» والمثبت عن ط.
(4) زيادة عن المخطوط وط.
(5) تصحف في المطبوع «عيينة» وفي المخطوط «عتبة» .

(2/291)


وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41)

لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ، [فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ] [1] ، مِنَ الطَّيِّبِ، يَعْنِي: الْكَافِرَ مِنَ الْمُؤْمِنِ فَيُنْزِلُ الْمُؤْمِنَ الْجِنَانَ وَالْكَافِرَ النِّيرَانَ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: الْعَمَلُ الْخَبِيثُ، مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ الطَّيِّبِ، فيثبت عَلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الْجَنَّةَ، وَعَلَى الْأَعْمَالِ الْخَبِيثَةِ النَّارَ. وَقِيلَ: يَعْنِي الْإِنْفَاقَ الْخَبِيثَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ مِنَ الْإِنْفَاقِ الطَّيِّبِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ، أَيْ: فَوْقَ بَعْضٍ، فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً، أَيْ: يَجْمَعَهُ. وَمِنْهُ السَّحَابُ الْمَرْكُومُ، وَهُوَ الْمُجْتَمِعُ الْكَثِيفُ، فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ، رَدَّهُ إِلَى قَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ ... أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ الَّذِينَ خَسِرَتْ تِجَارَتُهُمْ، لِأَنَّهُمُ اشْتَرَوْا بِأَمْوَالِهِمْ عَذَابَ الْآخِرَةِ.
قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا، عَنِ الشِّرْكِ يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ، أَيْ: مَا مَضَى مِنْ ذُنُوبِهِمْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ، في نصر الله أنبيائه وأوليائه وَإِهْلَاكِ أَعْدَائِهِ. قَالَ يَحْيَى بْنُ معاذ الرازي: توحيدكم [2] يَعْجَزْ عَنْ هَدْمِ مَا قَبْلَهُ مِنْ كَفْرٍ أَرْجُو أَنْ لَا يَعْجَزُ عَنْ هَدْمِ مَا بَعْدَهُ من الذنوب.
وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ، أي: شرك، [و] [3] قَالَ الرَّبِيعُ: حَتَّى لَا يُفْتَنَ مُؤْمِنٌ عَنْ دِينِهِ، وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ، أَيْ: وَيَكُونَ الدِّينُ خَالِصًا لِلَّهِ لَا شِرْكَ فِيهِ، فَإِنِ انْتَهَوْا، عَنِ الْكُفْرِ، فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ، قَرَأَ يَعْقُوبُ «تَعْمَلُونَ» بِالتَّاءِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ.
وَإِنْ تَوَلَّوْا، عَنِ الْإِيمَانِ وَعَادُوا إِلَى قِتَالِ أَهْلِهِ، فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ، نَاصِرُكُمْ وَمُعِينُكُمْ، نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ، أي: الناصر.

[سورة الأنفال (8) : آية 41]
وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ الْآيَةَ، الْغَنِيمَةُ والفيء اسمان لما يُصِيبُهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُمَا وَاحِدٌ. وذهب قوم أنهما يختلفان، فَالْغَنِيمَةُ مَا أَصَابَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ عَنْوَةً بِقِتَالٍ، وَالْفَيْءُ مَا كَانَ عَنْ صُلْحٍ بِغَيْرِ قِتَالٍ، فَذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ حُكْمَ الْغَنِيمَةِ، فَقَالَ: فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ، فذهب أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ وَالْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ قوله: اللَّهُ افْتِتَاحُ كَلَامٍ عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّكِ وَإِضَافَةِ هَذَا الْمَالِ إِلَى نَفْسِهِ لِشَرَفِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّ سَهْمًا مِنَ الْغَنِيمَةِ لِلَّهِ مُنْفَرِدًا، فَإِنَّ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ كُلَّهَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَعَطَاءٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيِّ، قَالُوا: سهم لله وَسَهْمُ الرَّسُولِ وَاحِدٌ. وَالْغَنِيمَةُ تُقَسَّمُ خمسة أخماس، أربعة أخماس لمن قاتل عليها، وخمس لِخَمْسَةِ أَصْنَافٍ كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُقَسَّمُ الْخُمُسُ عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَالِيَةِ، سَهْمٌ الله فَيُصْرَفُ إِلَى الْكَعْبَةِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ أَنَّ خُمْسَ الْغَنِيمَةِ يُقَسَّمُ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ سَهْمٌ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَيَاتِهِ وَالْيَوْمَ هُوَ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَمَا فِيهِ قُوَّةُ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَرَوَى الْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: كان أبو بكر وعمر
__________
(1) زيد في المطبوع وط.
(2) في المخطوطتين «توحيدكم» والمثبت عن المطبوع وط، وهو الصواب.
(3) زيادة عن المخطوط. [.....]

(2/292)


رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَجْعَلَانِ سَهْمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ لِلْخَلِيفَةِ بَعْدَهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: سَهْمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْدُودٌ فِي الْخُمُسِ وَالْخُمُسِ لِأَرْبَعَةِ أَصْنَافٍ. قَوْلُهُ: وَلِذِي الْقُرْبى، أَرَادَ أَنَّ سَهْمًا مِنَ الْخُمُسِ لِذَوِي الْقُرْبَى وَهُمْ أَقَارِبُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَاخْتَلَفُوا فِيهِمْ فَقَالَ قَوْمٌ: جَمِيعُ قُرَيْشٍ. وَقَالَ قَوْمٌ: هُمُ الَّذِينَ لَا تَحِلُّ لَهُمُ الصَّدَقَةُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ: هُمْ بَنُو هَاشِمٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُمْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ وَلَيْسَ لِبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَلَا لِبَنِي نَوْفَلٍ مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا:
«998» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أنا عبد العزيز أَحْمَدَ الْخَلَّالُ ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنْبَأَنَا الرَّبِيعُ أَنْبَأَنَا الشَّافِعِيُّ أَنْبَأَنَا الثِّقَةُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ جُبَيْرِ بن مطعم [1] قَالَ:
قَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [سَهْمَ] [2] ذَوِي الْقُرْبَى بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ، وَلَمْ يُعْطِ مِنْهُ أَحَدًا مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَلَا بني نوفل شيئا.
«999» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ أَنَا مُطَرِّفُ بْنُ مَازِنٍ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
لَمَّا قَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم ذَوِي الْقُرْبَى بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ أَتَيْتُهُ أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَؤُلَاءِ إِخْوَانُنَا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ لَا نُنْكِرُ فَضْلَهُمْ لِمَكَانِكَ الَّذِي وَضَعَكَ اللَّهُ مِنْهُمْ، أَرَأَيْتَ إِخْوَانَنَا مِنْ بَنِي الْمُطَّلِبِ أَعْطَيْتَهُمْ وَتَرَكْتَنَا أَوْ مَنَعْتَنَا، وَإِنَّمَا قَرَابَتُنَا وَقَرَابَتُهُمْ وَاحِدَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ هَكَذَا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» .
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي سَهْمِ ذَوِي الْقُرْبَى هَلْ هُوَ ثَابِتٌ الْيَوْمَ؟ فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ ثَابِتٌ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ، وَقَالُوا: سَهْمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسهم ذوي
__________
998- حديث صحيح. إسناده ضعيف جدا، الثقة هو إبراهيم بن أبي يحيى، ضعفه الجمهور، واتهمه غير واحد، وكان الشافعي يوثقه ويبهمه، لكن توبع، ابن شهاب هو محمد بن مسلم، ابن المسيب هو سعيد.
وهو في «شرح السنة» 2730 بهذا الإسناد.
وفي «مسند الشافعي» (2/ 126) عن الثقة به.
هو عند البخاري 3140 في أثناء لفظ الحديث الآتي.
وأخرجه البخاري 4229 وأبو داود 2978 و2979 والنسائي (7/ 13) وابن ماجه 2881 وأحمد (4/ 85) من طرق عن يونس بن يزيد عن الزهري لكن بنحو سياق الحديث الآتي.
وأخرجه أبو داود 2980 والنسائي (7/ 130، 131) وأحمد (4/ 81) ، وأبو يعلى 7399 والبيهقي (6/ 341) من طرق عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ الزهري به. بنحو السياق الآتي.
وانظر الحديث الآتي.
999- متن صحيح. إسناده ضعيف جدا، مطرف بن مازن متروك الحديث. لكن المتن محفوظ، انظر التخريج المتقدم.
وهو في «شرح السنة» 2729 بهذا الإسناد وفي «مسند الشافعي» (2/ 125) عن مطرّف بن مازن به.
ومن طريق الشافعي أخرجه البيهقي (6/ 340) .
وانظر صحيح البخاري 3140 و3502 و4229.
(1) زيد في الأصل «عن أبيه» بين «ابن مطعم» و «قال» والمثبت هو الصواب.
(2) زيادة عن المخطوط.

(2/293)


الْقُرْبَى مَرْدُودَانِ فِي الْخُمُسِ، وَخُمْسُ الْغَنِيمَةِ لِثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ:
يُعْطَى لِلْفُقَرَاءِ مِنْهُمْ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ. وَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ يَدُلَّانِ عَلَى ثُبُوتِهِ، وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يُعْطُونَهُ، وَلَا يُفَضَّلُ فَقِيرٌ عَلَى غَنِيٍّ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءَ بَعْدَهُ كَانُوا يُعْطُونَ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبَدِ الْمُطَّلِبِ مَعَ كَثْرَةِ مَالِهِ، فَأَلْحَقَهُ الشَّافِعِيُّ بِالْمِيرَاثِ الَّذِي يُسْتَحَقُّ بِاسْمِ الْقَرَابَةِ، غَيْرَ أَنَّهُ يُعْطَى [1] الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ. وَقَالَ:
يُفَضَّلُ الذَّكَرُ عَلَى الْأُنْثَى فَيُعْطَى الرَّجُلُ سَهْمَيْنِ وَالْأُنْثَى سَهْمًا وَاحِدًا. قَوْلُهُ: وَالْيَتامى وَهُوَ جَمْعُ الْيَتِيمِ، وَالْيَتِيمُ الَّذِي له سهم في الخمس وهو الصَّغِيرُ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَا أَبَ له إذا كان فقيرا، ووَ الْمَساكِينِ هُمْ أَهْلُ الْفَاقَةِ وَالْحَاجَةِ مِنَ المسلمين، ووَ ابْنِ السَّبِيلِ هُوَ الْمُسَافِرُ الْبَعِيدُ عَنْ مَالِهِ، فَهَذَا مَصْرِفُ خُمْسِ الْغَنِيمَةِ وَيُقَسَّمُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ بَيْنَ الْغَانِمِينَ الَّذِينَ شَهِدُوا الْوَقْعَةَ، لِلْفَارِسِ مِنْهُمْ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ وَاحِدٌ، لِمَا:
«1000» أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُؤَذِّنُ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَنَا [أَبُو] سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثَنَا سَعْدَانُ [2] بْنُ نَصْرٍ ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْهَمَ للرجل وَلِفَرَسِهِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ، سَهْمًا لَهُ وَسَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ.
وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أهل العلم [3] ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لِلْفَارِسِ سَهْمَانِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ واحد، ويرخّص لِلْعَبِيدِ وَالنِّسْوَانِ وَالصِّبْيَانِ إِذَا حَضَرُوا الْقِتَالَ، وَيُقَسَّمُ الْعَقَارُ الَّذِي اسْتَوْلَى عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ كَالْمَنْقُولِ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَتَخَيَّرُ الْإِمَامُ فِي الْعَقَارِ بَيْنَ أَنْ يُقَسِّمَهُ بَيْنَهُمْ، وَبَيْنَ أَنْ يَجْعَلَهُ وَقْفًا عَلَى الْمَصَالِحِ. وَظَاهِرُ الْآيَةِ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْعَقَارِ وَالْمَنْقُولِ. وَمَنْ قَتَلَ مُشْرِكًا فِي الْقِتَالِ يَسْتَحِقُّ سَلَبَهُ مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ.
«1001» لَمَّا رُوِيَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ حُنَيْنٍ: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عليه بينة فله سلبه» .
__________
1000- حديث صحيح.
سعدان بن نصر، وثقه ابن حبان، وقد توبع هو ومن دونه، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، أبو معاوية هو محمد بن خازم.
وهو في «شرح السنة» 2716 بهذا الإسناد.
وأخرجه البيهقي (6/ 325) من طريق سعدان بن نصر به.
وأخرجه أبو داود 2733 وأحمد (2/ 2) وابن ماجه 2854 والدارقطني (4/ 102) من طرق عن أبي معاوية به.
وأخرجه البخاري 2863 و4228 ومسلم 1762 والترمذي 1554 وأحمد (2/ 62 و72) وابن أبي شيبة (12/ 396، 397) وابن الجارود 1084 وابن حبان 4810 و4811 و4812 والدارقطني (4/ 102 و104 و106 و107) وسعيد بن منصور 2760 و2762 والبيهقي (6/ 324، 325 و325) من طرق عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ به.
1001- صحيح. أخرجه مَالِكٍ (2/ 454، 455) عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ أفلح عن أبي محمد مولى قتادة عن أبي قتادة مرفوعا.
ومن طريق مالك أخرجه البخاري 2100 و3142 و4321 ومسلم 1751 وأبو داود 2717 والترمذي 1562 وابن الجارود 1076 وابن حبان 4805 والبيهقي (6/ 306) والمصنف في «شرح السنة» 2724.
(1) «أنهم يعطون» .
(2) في الأصل «سعد» والتصويب من ط و «شرح السنة» .
(3) تصحف في المطبوع «العلماء» .

(2/294)


وَالسَّلَبُ كُلُّ مَا يَكُونُ عَلَى الْمَقْتُولِ مِنْ مَلْبُوسٍ وَسِلَاحٍ وَفَرَسُهُ الَّذِي هُوَ رَاكِبُهُ، وَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ أن ينقل بَعْضَ الْجَيْشِ مِنَ الْغَنِيمَةِ لِزِيَادَةِ عَنَاءٍ وَبَلَاءٍ يَكُونُ مِنْهُمْ فِي الْحَرْبِ يَخُصُّهُمْ [1] بِهِ مِنْ بَيْنِ سائر الجيش ويجعلهم [2] أسوة الجماعة في سائر الْغَنِيمَةِ.
«1002» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عَقِيلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُنَفِّلُ بَعْضَ مَنْ يَبْعَثُ مِنَ السَّرَايَا لِأَنْفُسِهِمْ خَاصَّةً سِوَى قِسْمِ عَامَّةِ الْجَيْشِ.
«1003» وَرُوِيَ عَنْ حَبِيبِ بن سلمة الْفِهْرِيُّ قَالَ: شَهِدْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَّلَ الرُّبْعَ فِي الْبَدْأَةِ وَالثُّلُثَ فِي الرَّجْعَةِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ النَّفْلَ مِنْ أَيْنَ يُعْطَى، فَقَالَ قَوْمٌ: مِنْ خُمْسِ الْخُمُسِ سَهْمِ [3] النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.
«1004» وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا لي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إِلَّا الْخُمُسَ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ» .
وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ مِنَ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ بَعْدَ إِفْرَازِ [4] الْخُمُسِ كَسِهَامِ الْغُزَاةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ.
وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ النَّفْلَ مِنْ رأس الغنيمة قبل التخميس [5] كَالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ. وَأَمَّا الْفَيْءُ وَهُوَ مَا أَصَابَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ إِيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، بِأَنْ صَالَحَهُمْ عَلَى مَالٍ يُؤَدُّونَهُ وَمَالُ الْجِزْيَةِ، وَمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ إِذَا دَخَلُوا دَارَ الْإِسْلَامِ لِلتِّجَارَةِ أَوْ يَمُوتُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَا وَارِثَ لَهُ، فَهَذَا كُلُّهُ فَيْءٌ، وَمَالُ الْفَيْءِ كَانَ خَالِصًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَيَاتِهِ. قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ
__________
وأخرجه البخاري 7170 ومسلم 1751 وابن ماجه 3837 وأحمد (5/ 306) وسعيد بن منصور 2696 وعبد الرزاق 9476 من طرق من حديث قتادة.
1002- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
الليث هو ابن سعد، عقيل هو ابن خالد، ابن شهاب هو محمد بن مسلم. سالم هو ابن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ.
وَهُوَ في «شرح السنة» 2721 بهذا الإسناد.
وفي «صحيح البخاري» 3135 عن يحيى بن بكير به.
وأخرجه مسلم 1750 ح 40 وأبو داود 2746 وأحمد (2/ 140) وأبو يعلى 5579 من طرق عن الليث به.
وأخرجه مسلم 1750 والبيهقي (6/ 312) من طرق عن الزهري به.
1003- حسن. أخرجه أبو داود 2748 و2749 و2750 وابن ماجه 2851 و2853 وعبد الرزاق 9331 و9333 وأحمد (4/ 159، 160) وابن الجارود 1078 و1079 وابن حبان 4835 والطحاوي (3/ 240) والحاكم (2/ 133) والطبراني 3518، 3531 والبيهقي (6/ 313 و314) من طرق عن مكحول عن زيادة بن جارية عن حبيب بن مسلمة به.
وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي. وهو حديث حسن، رجاله ثقات كلهم.
1004- حسن. أخرجه أبو داود 2694 والنسائي (6/ 263، 264) والبيهقي في «الدلائل» (5/ 195، 196) من حديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عن جده مطوّلا وإسناده حسن للاختلاف المعروف في عمرو عن آبائه.
وله شاهد من حديث عبادة بن الصامت عند ابن حبان 4855.
وانظر «تفسير القرطبي» 3221 بتخريجي.
(1) في المطبوع «يخصه» . [.....]
(2) في المطبوع «يجعله» .
(3) في المطبوع «منهم» .
(4) في المخطوط «إفراد» .
(5) في المطبوع «الخمس» .

(2/295)


خَصَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْفَيْءِ بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطِهِ أَحَدًا غَيْرَهُ، ثُمَّ قَرَأَ: وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ إِلَى قَوْلِهِ: قَدِيرٌ [الْحَشْرِ: 6] ، وَكَانَتْ هَذِهِ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ وَعِيَالِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ مِنْ هَذَا الْمَالِ، ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ فيجعله مجعل ما لله [1] عَزَّ وَجَلَّ.
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي مَصْرِفِ الْفَيْءِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ لِلْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ. وَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ قَوْلَانِ، أَحَدُهُمَا: لِلْمُقَاتِلَةِ الَّذِينَ أُثْبِتَتْ أَسَامِيهِمْ فِي دِيوَانِ الْجِهَادِ لِأَنَّهُمُ الْقَائِمُونَ مَقَامَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِرْهَابِ الْعَدُوِّ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَيَبْدَأُ بِالْمُقَاتِلَةِ فَيُعْطَوْنَ مِنْهُ كِفَايَتَهُمْ، ثُمَّ بِالْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ مِنَ الْمَصَالِحِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي تَخْمِيسِ الْفَيْءِ، فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّهُ يُخَمَّسُ فَخُمُسُهُ لِأَهْلِ الْغَنِيمَةِ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لِلْمُقَاتِلَةِ وَلِلْمَصَالِحِ. وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّ الْفَيْءَ لَا يُخَمَّسُ بَلْ مَصْرِفُ جَمِيعِهِ وَاحِدٌ، وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ فِيهِ حَقٌّ.
«1005» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الظاهري أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ [عَبْدِ] [2] الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ أَنَا إِسْحَاقُ الدَّبْرِيُّ ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ أَنَّهُ سمع عمر بن الخطاب يَقُولُ: مَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مُسْلِمٌ إِلَّا لَهُ فِي هَذَا الْفَيْءِ حَقٌّ، إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ.
«1006» وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ [3] أَنْبَأْنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا العَذَافِرِيُّ أَنْبَأَنَا إِسْحَاقُ [4] الدَّبْرِيُّ ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ، قَالَ: قَرَأَ عمر بن الخطاب: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ حَتَّى بَلَغَ: عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التَّوْبَةِ: 60] ، فَقَالَ: هَذِهِ لِهَؤُلَاءِ، ثُمَّ قَرَأَ: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ حَتَّى بَلَغَ: وَابْنِ السَّبِيلِ، ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ لِهَؤُلَاءِ، ثُمَّ قَرَأَ: مَا أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى [الحشر:
7] ، حتى بلغ: لِلْفُقَراءِ [الحشر: 8] وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ [الْحَشْرُ: 10] ، ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ اسْتَوْعَبَتِ الْمُسْلِمِينَ عَامَّةً فَلَئِنْ عِشْتُ فَلَيُأْتَيَنَّ الرَّاعِي وَهُوَ بِسَرْوِ حِمْيَرَ نُصِيبَهُ مِنْهَا، لَمْ يَعْرَقْ فِيهَا جَبِينُهُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ، قيل: أراد وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ، يَأْمُرُ فِيهِ بِمَا يُرِيدُ، فَاقْبَلُوهُ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ، وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا، أَيْ: إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَبِمَا أَنْزَلَنَا عَلَى عبدنا، يعني: قوله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ [الأنفال: 1] ، يَوْمَ الْفُرْقانِ، يعني:
__________
1005- موقوف صحيح. إسحاق الدبري ثقة، وقد توبع هو ومن دونه، ومن فوقه رجال البخاري، ومسلم.
إسحاق هو ابن إبراهيم، عبد الرزاق بن همام، معمر بن راشد، الزهري محمد بن مسلم.
وهو في «شرح السنة» 2733 بهذا الإسناد.
وفي «مصنف عبد الرزاق» 20039 عن معمر به.
1006- موقوف صحيح. إسحاق الدبري ثقة، وقد توبع هو ومن دونه، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
وهو في «شرح السنة» 2734 بهذا الإسناد.
وفي «مصنف عبد الرزاق» 20040 عن معمر به. وانظر ما قبله.
(1) في المطبوع وط «مال الله» والمثبت عن المخطوطتين.
(2) سقط من المطبوع.
(3) وقع في الأصل «الطاهر» وهو تصحيف.
(4) وقع في الأصل «أبو إسحاق» والتصويب من مصادر التخريج.

(2/296)


إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42) إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (43) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (44)

يوم بدر، فرّق الله [فيه] [1] بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَهُوَ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ، حِزْبُ اللَّهِ وَحِزْبُ الشَّيْطَانِ، وَكَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ رَمَضَانَ، وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، عَلَى نصركم مع قلّتكم وكثرتهم.

[سورة الأنفال (8) : الآيات 42 الى 44]
إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42) إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (43) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (44)
إِذْ أَنْتُمْ، أَيْ: إِذْ أَنْتُمْ نُزُولٌ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا، بِشَفِيرِ الْوَادِي الْأَدْنَى إِلَى الْمَدِينَةِ، وَالدُّنْيَا: تَأْنِيثُ الْأَدْنَى، وَهُمْ، يَعْنِي عَدُوَّكُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى، بِشَفِيرِ الْوَادِي الْأَقْصَى مِنَ الْمَدِينَةِ، وَالْقُصْوَى تَأْنِيثُ الْأَقْصَى. قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ بِالْعُدْوَةِ بِكَسْرِ العين فيهما والباقون بضمّها [2] ، وَهُمَا لُغَتَانِ كَالْكِسْوَةِ وَالْكُسْوَةِ وَالرَّشْوَةِ وَالرُّشْوَةِ. وَالرَّكْبُ، يَعْنِي: الْعِيرَ يُرِيدُ أَبَا سُفْيَانَ وَأَصْحَابَهُ، أَسْفَلَ مِنْكُمْ، أَيْ: فِي مَوْضِعٍ أَسْفَلَ مِنْكُمْ إِلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ، عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنْ بَدْرٍ، وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ خَرَجُوا لِيَأْخُذُوا الْعِيرَ وَخَرَجَ الْكُفَّارُ لِيَمْنَعُوهَا، فَالْتَقَوْا عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ، فَقَالَ تَعَالَى: وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ، لِقِلَّتِكُمْ وَكَثْرَةِ عَدُوِّكُمْ، وَلكِنْ اللَّهَ جَمَعَكُمْ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ، لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا، مِنْ نَصْرِ أَوْلِيَائِهِ وَإِعْزَازِ دِينِهِ وَإِهْلَاكِ أَعْدَائِهِ، لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ، أَيْ: لِيَمُوتَ مَنْ يَمُوتُ عَلَى بَيِّنَةٍ رَآهَا وَعِبْرَةٍ عَايَنَهَا وَحُجَّةٍ قَامَتْ عليه. ويحيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ، وَيَعِيشَ مَنْ يَعِيشُ عَلَى بَيِّنَةٍ لِوَعْدِهِ: وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الْإِسْرَاءُ: 15] . وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسحاق: لِيَكْفُرَ مَنْ كَفَرَ بَعْدَ حُجَّةٍ قَامَتْ عَلَيْهِ، وَيُؤَمِنَ مَنْ آمَنَ عَلَى مَثَلِ ذَلِكَ، فَالْهَلَاكُ هُوَ الْكُفْرُ وَالْحَيَاةُ هِيَ الْإِيمَانُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: لِيُضِلَّ [مَنْ ضَلَّ] [3] عَنْ بينة ويهتدي [4] مَنِ اهْتَدَى عَلَى بَيِّنَةٍ. قَرَأَ أَهْلُ الْحِجَازِ وَأَبُو بَكْرٍ وَيَعْقُوبُ حيي بياءين مِثْلَ «خَشِيَ» ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِيَاءٍ وَاحِدَةٍ مُشَدَّدَةٍ لِأَنَّهُ مَكْتُوبٌ بِيَاءٍ وَاحِدَةٍ. وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ، لِدُعَائِكُمْ، عَلِيمٌ، بنيّاتكم.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ، يُرِيكَ يَا مُحَمَّدُ الْمُشْرِكِينَ، فِي مَنامِكَ، أي: [في] [5] نَوْمِكَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: فِي مَنَامِكَ أَيْ فِي عَيْنِكَ، لِأَنَّ الْعَيْنَ مَوْضِعُ النَّوْمِ. قَلِيلًا وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ، لَجَبُنْتُمْ [6] وَلَتَنازَعْتُمْ، أَيِ: اخْتَلَفْتُمْ فِي الْأَمْرِ، أَيْ: فِي الْإِحْجَامِ وَالْإِقْدَامِ، وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ، أَيْ: سَلَّمَكُمْ مِنَ الْمُخَالَفَةِ وَالْفَشَلِ، إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَلِمَ مَا فِي صُدُورِكُمْ مِنَ الْحُبِّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا، قَالَ مُقَاتِلٌ: وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي الْمَنَامِ أن
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) في المطبوع «بضمهما» .
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) في المطبوع «ويهدي» . [.....]
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) في المخطوط «جبنتم» .

(2/297)


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)

الْعَدُوَّ قَلِيلٌ قَبْلَ لِقَاءِ الْعَدُوِّ، وَأَخْبَرَ أَصْحَابَهُ بِمَا رَأَى، فَلَمَّا الْتَقَوْا بِبَدْرٍ قَلَّلَ اللَّهُ الْمُشْرِكِينَ فِي أَعْيُنِ الْمُؤْمِنِينَ.
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَقَدْ قَلَّلُوا فِي أَعْيُنِنَا حَتَّى قُلْتُ لِرَجُلٍ إِلَى جَنْبِي: أَتَرَاهُمْ سَبْعِينَ؟
قَالَ: أَرَاهُمْ مِائَةً، فَأَسَرْنَا رَجُلًا فَقُلْنَا: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: أَلْفًا. وَيُقَلِّلُكُمْ، يَا مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي أَعْيُنِهِمْ، قَالَ السُّدِّيُّ: قَالَ نَاسٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنَّ الْعِيرَ قَدِ انْصَرَفَتْ فَارْجِعُوا، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: الْآنَ إِذْ بَرَزَ لَكُمْ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ؟ فَلَا تَرْجِعُوا حَتَّى تَسْتَأْصِلُوهُمْ، إِنَّمَا مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ أَكَلَةُ جَزُورٍ، فَلَا تَقْتُلُوهُمْ وَارْبِطُوهُمْ بِالْحِبَالِ. يَقُولُهُ مِنَ الْقُدْرَةِ الَّتِي فِي [1] نَفْسِهِ.
قَالَ الْكَلْبِيُّ: اسْتَقَلَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لِيَجْتَرِئُوا عَلَى الْقِتَالِ، فَقَلَّلَ الْمُشْرِكِينَ فِي أَعْيُنِ الْمُؤْمِنِينَ لِكَيْ لَا يَجْبُنُوا، وَقَلَّلَ الْمُؤْمِنِينَ فِي أَعْيُنِ الْمُشْرِكِينَ لِكَيْ لَا يَهْرَبُوا، لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً مِنْ إِعْلَاءِ الْإِسْلَامِ وَإِعْزَازِ أَهْلِهِ وَإِذْلَالِ الشِّرْكِ وَأَهْلِهِ، كانَ مَفْعُولًا كَائِنًا، وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ.

[سورة الأنفال (8) : الآيات 45 الى 46]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً، أَيْ: جَمَاعَةً كَافِرَةً فَاثْبُتُوا، لِقِتَالِهِمْ، وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً، أَيِ: ادْعُوا الله بالنصرة وَالظَّفَرِ بِهِمْ، لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، أَيْ: كونوا على رجاء الفلاح.
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا، لَا تَخْتَلِفُوا، فَتَفْشَلُوا، أَيْ: تَجْبُنُوا وَتَضْعُفُوا، وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ، قَالَ مُجَاهِدٌ: نُصْرَتُكُمْ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: جَرَاءَتُكُمْ وَجَدُّكُمْ. وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: حِدَّتُكُمْ.
وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: قَوَّتُكُمْ. وقال الأخفش: دولتكم. والريح هاهنا كِنَايَةٌ عَنْ نَفَاذِ الْأَمْرِ وَجَرَيَانِهِ عَلَى الْمُرَادِ، تَقُولُ الْعَرَبُ: هَبَّتْ رِيحُ فُلَانٍ إِذَا أَقْبَلَ أَمْرُهُ عَلَى مَا يُرِيدُ. قَالَ قَتَادَةُ وَابْنُ زَيْدٍ: هُوَ رِيحُ النَّصْرِ لَمْ يَكُنْ نَصْرٌ قَطُّ إِلَّا بِرِيحٍ يَبْعَثُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ تَضْرِبُ وُجُوهَ الْعَدُوِّ.
«1007» وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نُصِرْتُ بِالصَّبَا وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُّورِ» .
«1008» وَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ إِذَا لَمْ يُقَاتِلْ أَوَّلَ النَّهَارِ انْتَظَرَ
__________
1007- صحيح. أخرجه البخاري 1035 و3205 و3343 و4105 ومسلم 900 والطيالسي 2641 وأحمد (1/ 324 و341 و355 و228) وابن حبان 421 والبيهقي (3/ 364) والبغوي 1144 من طرق عن شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ عن ابن عباس مرفوعا.
وأخرجه ابن أبي شيبة (11/ 433، 434) ومسلم 900 وأحمد (1/ 223 و373) وأبو يعلى 2563 و2680 والبيهقي (3/ 364) والقضاعي 572 من طرق عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابن عباس مرفوعا.
1008- جيد. أخرجه أبو داود 2655 والترمذي 1612 والنسائي في «الكبرى» 8637 وابن أبي شيبة (12/ 368، 369) وأحمد (5/ 444 و445) وابن حبان 4757 والحاكم (2/ 116) والبيهقي (9/ 153) من طرق عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أبي عمران الجوني عن علقمة عن معقل بن يسار عن النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ قَالَ: شَهِدْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم إذ لم يقاتل من أوّل النهار أخّر القتال حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ وَتَهُبَّ الرِّيَاحُ، وينزل النصر.
وصححه الحاكم على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وهو كما قالوا.
(1) في المخطوط «على» بدل «التي في» .

(2/298)


وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47) وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48)

حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ وَتَهُبَّ الرِّيَاحُ وَيَنْزِلَ النَّصْرُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ.
«1009» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ [أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الله النعيمي] [1] أنا أحمد بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو ثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَكَانَ كَاتِبًا لَهُ قَالَ: كَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى فَقَرَأْتُهُ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا الْعَدُوَّ انْتَظَرَ حَتَّى مَالَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ قَامَ فِي النَّاسِ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ» ، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ مُنَزِّلَ الْكِتَابِ وَمُجْرِيَ السَّحَابِ وَهَازِمَ الْأَحْزَابِ اهْزِمْهُمْ وانصرنا عليهم» .

[سورة الأنفال (8) : الآيات 47 الى 48]
وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47) وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لَا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (48)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً، فَخْرًا وَأَشَرًا، وَرِئاءَ النَّاسِ، قَالَ الزَّجَّاجُ: الْبَطَرُ الطُّغْيَانُ فِي النِّعْمَةِ وَتَرْكُ شُكْرِهَا، وَالرِّيَاءُ: إِظْهَارُ الْجَمِيلِ لِيُرَى وَإِبْطَانُ الْقَبِيحِ، وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ.
«1010» نَزَلَتْ فِي الْمُشْرِكِينَ حِينَ أَقْبَلُوا إِلَى بَدْرٍ وَلَهُمْ بَغْيٌ وَفَخْرٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ أَقْبَلَتْ بِخُيَلَائِهَا وَفَخْرِهَا تُجَادِلُكَ وَتُكَذِّبُ رَسُولَكَ، اللَّهُمَّ فَنَصْرَكَ الَّذِي وَعَدْتَنِي» ، قَالُوا: لَمَّا رَأَى أَبُو سُفْيَانَ أَنَّهُ قَدْ أَحْرَزَ عِيرَهُ أَرْسَلَ إِلَى قُرَيْشٍ: إِنَّكُمْ إِنَّمَا خَرَجْتُمْ لِتَمْنَعُوا عِيرَكُمْ فَقَدْ نَجَّاهَا اللَّهُ، فَارْجِعُوا، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: وَاللَّهِ لَا نَرْجِعُ حَتَّى نَرِدَ بَدْرًا، وَكَانَ بَدْرٌ مَوْسِمًا مِنْ مَوَاسِمِ الْعَرَبِ يَجْتَمِعُ لَهُمْ بِهَا سُوقٌ كُلَّ عَامٍ، فَنُقِيمُ بِهَا ثَلَاثًا فَنَنْحَرُ الْجَزُورَ وَنُطْعِمُ الطَّعَامَ وَنَسْقِي الْخَمْرَ وَتَعْزِفُ عَلَيْنَا الْقِيَانُ، وَتَسْمَعُ بِنَا الْعَرَبُ فَلَا يَزَالُونَ يَهَابُونَنَا أَبَدًا، فَوَافَوْهَا فسقوا كؤوس الْمَنَايَا مَكَانَ الْخَمْرِ، وَنَاحَتْ عَلَيْهِمُ النَّوَائِحُ مَكَانَ الْقِيَانِ [2] ، فَنَهَى اللَّهُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَكُونُوا مِثْلَهُمْ وَأَمَرَهُمْ بِإِخْلَاصِ النِّيَّةِ وَالْحِسْبَةِ فِي نَصْرِ دِينِهِ وَمُؤَازَرَةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ، وَكَانَ تَزْيِينُهُ أَنَّ قُرَيْشًا لَمَّا اجْتَمَعَتْ لِلسَّيْرِ ذَكَرَتِ الَّذِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ بَنِي بَكْرٍ مِنَ الْحَرْبِ، فَكَادَ ذَلِكَ أَنْ يُثْنِيَهُمْ فَجَاءَ إِبْلِيسُ فِي جُنْدٍ مِنَ الشَّيَاطِينِ معه رايته
__________
1009- إسناده صحيح على شرط البخاري.
أبو إسحاق هو الفزاري إبراهيم بن محمد، سالم هو ابن أبي أمية.
وهو في «شرح السنة» 2683 بهذا الإسناد، وفي «صحيح البخاري» 2965، 2966 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ به.
وأخرجه البخاري 2818 ومسلم 1742 وأبو داود 2631 وعبد الرزاق 9514 وأبو عوانة (4/ 88) والحاكم (2/ 78) والبيهقي (9/ 76 و152) وأبو نعيم في «الحلية» (8/ 260) من طرق عن موسى بن عقبة به.
1010- أخرجه الطبري 16194 عن قتادة مرسلا. بنحوه وأخرجه أيضا الطبري 16187 عن ابن عباس دون ذكر الآية واللفظ المرفوع وانظر ما تقدم عند رقم 973.
(1) سقط من المطبوع.
(2) في المخطوط «القينات» .

(2/299)


فَتَبَدَّى لَهُمْ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جَعْشَمٍ، وَقَالَ لَهُمْ: لَا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ، أَيْ: مُجِيرٌ لَكُمْ مِنْ كِنَانَةَ، فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ، أَيِ: الْتَقَى الجمعان رأى إبليس أثر الملائكة، نزلوا من السماء وعلم أَنَّهُ لَا طَاقَةَ لَهُ بِهِمْ، نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ، قَالَ الضَّحَّاكُ: وَلَّى مُدْبِرًا.
وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: رَجَعَ الْقَهْقَرَى عَلَى قَفَاهُ هَارِبًا.
قَالَ الْكَلْبِيُّ: لَمَّا [1] الْتَقَوْا كَانَ إِبْلِيسُ فِي صَفِّ الْمُشْرِكِينَ على صورة سراقة آخذ بِيَدِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، فَنَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ، فَقَالَ لَهُ الْحَارِثُ: أَفِرَارًا مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ؟ فَجَعَلَ يمسكه فدفع في صدره [و] انطلق [هاربا] [2] وَانْهَزَمَ النَّاسُ، فَلَمَّا قَدِمُوا مَكَّةَ قَالُوا: هَزَمَ النَّاسَ سُرَاقَةُ فَبَلَغَ ذَلِكَ سُرَاقَةُ، فَقَالَ:
بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تقولون إني هزمت الناس، فو الله مَا شَعَرْتُ بِمَسِيرِكُمْ حَتَّى بَلَغَنِي هَزِيمَتَكُمْ، فَقَالُوا: أَمَا أَتَيْتَنَا فِي يَوْمِ كَذَا؟ فَحَلَفَ لَهُمْ، فَلَمَّا أَسْلَمُوا عَلِمُوا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ [3] الشيطان.
وقال الْحَسَنُ فِي قَوْلِهِ: وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى مَا لَا تَرَوْنَ، قَالَ: رَأَى إِبْلِيسُ جِبْرِيلَ معتجرا بِبُرْدٍ يَمْشِي بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي يَدِهِ اللِّجَامُ يَقُودُ الْفَرَسَ مَا ركب بعد.
وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ إِبْلِيسُ يَقُولُ: إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَصَدَقَ. وَقَالَ: إِنِّي أَخافُ اللَّهَ، وكذب والله ما به مَخَافَةِ اللَّهِ، وَلَكِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا قُوَّةَ بِهِ وَلَا مَنَعَةَ فَأَوْرَدَهُمْ وَأَسْلَمَهُمْ، وَذَلِكَ عَادَةُ عَدُوِّ الله في من أَطَاعَهُ إِذَا الْتَقَى الْحَقُّ وَالْبَاطِلُ أَسْلَمَهُمْ وَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ. وَقَالَ عَطَاءٌ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ أَنْ يُهْلِكَنِي فيمن يهلك.
قال الْكَلْبِيُّ: خَافَ أَنْ يَأْخُذَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَيَعْرِفَ حَالَهُ فَلَا يُطِيعُوهُ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، أَيْ: أَعْلَمُ صِدْقَ وَعْدِهِ لِأَوْلِيَائِهِ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى ثِقَةٍ مِنْ أَمْرِهِ. وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ عليكم والله شديد العقاب. قيل: انْقَطَعَ الْكَلَامُ عِنْدَ قَوْلِهِ أَخَافُ اللَّهَ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ: وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ.
«1011» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ إبراهيم بن أبي عبلة [4] عن طلحة بن عبد اللَّهِ بْنِ كُرَيْزٍ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «ما رؤي الشَّيْطَانُ يَوْمًا هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ وَلَا أَدْحَرُ وَلَا أَحْقَرُ وَلَا أَغْيَظُ مِنْهُ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِمَا يَرَى مِنْ تنزّل الرحمة وتجاوز الله عَنِ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ يَوْمِ بَدْرٍ» ، فَقِيلَ:
وَمَا رَأَى يَوْمَ بَدْرٍ؟ قَالَ: «أَمَا إِنَّهُ قَدْ رَأَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ يَزَعُ [5] الْمَلَائِكَةَ» ، هذا حديث مرسل.
__________
1011- ضعيف، رجاله ثقات، لكنه مرسل.
وهو في «شرح السنة» 1923 بهذا الإسناد، وفي «الموطأ» (1/ 422) عن إبراهيم بن أبي عبلة به.
ومن طريق مالك أخرجه الطبري 16204.
وهذا مرسل، ووصله البيهقي في «الشعب» 4070 بذكر أبي الدرداء، لكن فيه أيوب بن سويد الرملي، وهو ضعيف، والصواب مرسل كما رواه مالك.
(1) في المطبوع «لم» .
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) زيد في المخطوط «من» .
(4) وقع في الأصل «علية» والمثبت هو الصواب. [.....]
(5) وقع في الأصل «ينزع» وهو تصحيف.

(2/300)


إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49) وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (51) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (52) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ (54)

[سورة الأنفال (8) : الآيات 49 الى 50]
إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49) وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (50)
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ، شَكٌّ وَنِفَاقٌ، غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ، يَعْنِي: غَرَّ الْمُؤْمِنِينَ دِينُهُمْ، هَؤُلَاءِ قَوْمٌ كَانُوا مُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّةَ قَدْ أَسْلَمُوا وَحَبَسَهُمْ أَقْرِبَاؤُهُمْ مِنَ الْهِجْرَةِ، فَلَمَّا خَرَجَتْ قُرَيْشٌ إِلَى بَدْرٍ أَخْرَجُوهُمْ كُرْهًا، فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَى قِلَّةِ الْمُسْلِمِينَ ارْتَابُوا وَارْتَدُّوا، وَقَالُوا: غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ فَقُتِلُوا جَمِيعًا مِنْهُمْ قَيْسُ بْنُ [الْوَلِيدِ بْنِ] [1] الْمُغِيرَةِ وَأَبُو قَيْسِ بْنُ الْفَاكِهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيَّانِ، وَالْحَارِثُ بْنُ زَمْعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطَّلِبِ، وَعَلِيُّ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفِ الْجُمَحِيُّ، وَالْعَاصُ بْنُ مُنَبِّهِ بْنِ الْحَجَّاجِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ، أَيْ: وَمَنْ يُسَلِّمُ أَمْرَهُ إِلَى اللَّهِ وَيَثِقُ بِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ، قَوِيٌّ يَفْعَلُ بِأَعْدَائِهِ مَا يَشَاءُ، حَكِيمٌ [لا يسوّي بين وليّه وعدوّه] [2] .
وَلَوْ تَرى يَا مُحَمَّدُ، إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ، أَيْ: يَقْبِضُونَ [3] أَرْوَاحَهُمْ.
اخْتَلَفُوا فِيهِ، قِيلَ: هَذَا [4] عِنْدَ الْمَوْتِ تَضْرِبُ الْمَلَائِكَةُ وُجُوهَ الْكُفَّارِ [وَأَدْبَارَهُمْ] [5] بِسِيَاطِ النَّارِ. وَقِيلَ:
أَرَادَ الَّذِينَ قُتِلُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِبَدْرٍ كَانَتِ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ، وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ: يُرِيدُ أَسْتَاهَهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَيِيٌ يُكَنِّي. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ إِذَا أَقْبَلُوا بِوُجُوهِهِمْ إِلَى الْمُسْلِمِينَ ضَرَبَتِ الْمَلَائِكَةُ وُجُوهَهُمْ بِالسُّيُوفِ، وَإِذَا وَلَّوْا أَدْرَكَتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ فَضَرَبُوا أَدْبَارَهُمْ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: يُرِيدُ مَا أَقْبَلَ مِنْهُمْ وَمَا أَدْبَرَ، أَيْ: يَضْرِبُونَ أَجْسَادَهُمْ كُلَّهَا، وَالْمُرَادُ بِالتَّوَفِّي الْقَتْلُ. وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ، أَيْ: وَتَقُولُ لَهُمُ الْمَلَائِكَةُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ. وَقِيلَ: كَانَ مَعَ الْمَلَائِكَةِ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ يَضْرِبُونَ بِهَا الْكُفَّارَ، فَتَلْتَهِبُ النَّارُ فِي جِرَاحَاتِهِمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ.
[وَقَالَ الْحَسَنُ: هَذَا يَوْمُ الْقِيَامَةِ تَقُولُ لَهُمْ خَزَنَةُ جَهَنَّمَ: ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ] [6] . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يَقُولُونَ لَهُمْ ذلك بعد الموت.

[سورة الأنفال (8) : الآيات 51 الى 54]
ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (51) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (52) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ (54)
ذلِكَ، أَيْ: ذَلِكَ الضَّرْبُ الَّذِي وَقَعَ بِكُمْ، بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ، أَيْ: بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ، وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ.
كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ، كَفِعْلِ آلِ فِرْعَوْنَ وَصَنِيعِهِمْ وَعَادَتِهِمْ، مَعْنَاهُ: أَنَّ عَادَةَ هَؤُلَاءِ فِي كُفْرِهِمْ كَعَادَةِ آلِ فِرْعَوْنَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ أَنَّ آلَ فِرْعَوْنَ أَيْقَنُوا أَنَّ مُوسَى نَبِيٌّ مِنَ اللَّهِ فكذّبوه، كذلك هؤلاء
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيد في المطبوع.
(3) في المطبوع «يفيضون» .
(4) في المخطوط «هو» .
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) زيد في المطبوع وط.

(2/301)


إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (55) الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ (56) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57) وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58)

جَاءَهُمْ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصِّدْقِ فَكَذَّبُوهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ بهم عقوبته كَمَا أَنْزَلَ بِآلِ فِرْعَوْنَ، وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، أَيْ: كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ.
ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ، [أَرَادَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُغَيِّرُ مَا أَنْعَمَ عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا هُمْ] [1] مَا بِهِمْ بِالْكُفْرَانِ وَتَرْكِ الشُّكْرِ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ غَيَّرَ اللَّهُ مَا بِهِمْ، فَسَلَبَهُمُ النِّعْمَةَ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: نِعْمَةُ اللَّهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَى قُرَيْشٍ وَأَهْلِ مَكَّةَ، فَكَذَّبُوهُ وَكَفَرُوا بِهِ فَنَقَلَهُ اللَّهُ إِلَى الْأَنْصَارِ، وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.
كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ، كصنيع آلِ فِرْعَوْنَ، وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، مِنْ كُفَّارِ الْأُمَمِ، كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ، أَهْلَكْنَا بَعْضَهُمْ بِالرَّجْفَةِ، وَبَعْضَهُمْ بِالْخَسْفِ، وَبَعْضَهُمْ بِالْمَسْخِ، وَبَعْضَهُمْ بِالرِّيحِ، وَبَعْضَهُمْ بِالْغَرَقِ، فَكَذَلِكَ أَهْلَكْنَا كَفَّارَ بَدْرٍ بِالسَّيْفِ لَمَّا كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ، وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ، يَعْنِي: الأوّلين والآخرين.

[سورة الأنفال (8) : الآيات 55 الى 58]
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (55) الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ (56) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57) وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخائِنِينَ (58)
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (55) ، قَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ: يَعْنِي يَهُودَ بَنِي قُرَيْظَةَ مِنْهُمْ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ وَأَصْحَابُهُ.
الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ، يعني: عاهدتهم، [وقيل] [2] : عاهدت بعضهم [3] . وَقِيلَ: أَدْخَلَ مَنْ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَخَذْتَ مِنْهُمُ الْعَهْدَ، ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ، وَهُمْ بَنُو قُرَيْظَةَ نَقَضُوا الْعَهْدَ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَعَانُوا الْمُشْرِكِينَ بِالسِّلَاحِ عَلَى قِتَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، ثُمَّ قَالُوا: نَسِينَا وَأَخْطَأْنَا فَعَاهَدَهُمُ الثانية [4] ، فنقضوا العهد ومالؤوا الْكُفَّارَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَرَكِبَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ إِلَى مَكَّةَ فَوَافَقَهُمْ عَلَى مُخَالَفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ، لَا يَخَافُونَ اللَّهَ تَعَالَى فِي نَقْضِ الْعَهْدِ.
فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ، تَجِدَنَّهُمْ، فِي الْحَرْبِ، قَالَ مقاتل: إن أدركتهم بالحرب وَأَسَرْتَهُمْ، فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَنَكِّلْ بِهِمْ مِنْ وَرَائِهِمْ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَنْذِرْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ. وَأَصْلُ التَّشْرِيدَ: التَّفْرِيقُ وَالتَّبْدِيدُ، مَعْنَاهُ: فَرِّقْ بِهِمْ جَمْعَ كَلِّ نَاقِضٍ، أَيْ: افْعَلْ بِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ نَقَضُوا عهدك وجاؤوا لِحَرْبِكَ فِعْلًا مِنَ الْقَتْلِ وَالتَّنْكِيلِ، يَفْرَقُ مِنْكَ وَيَخَافُكَ مَنْ خَلْفَهُمْ مَنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْيَمَنِ، لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ، يتذكّرون ويتّعظون وَيَعْتَبِرُونَ فَلَا يَنْقُضُونَ الْعَهْدَ.
وَإِمَّا تَخافَنَّ، أَيْ: تَعْلَمَنَّ يَا مُحَمَّدُ، مِنْ قَوْمٍ، مُعَاهَدِينَ، خِيانَةً، نَقْضَ عهد بما يظهر لكم مِنْ آثَارِ الْغَدْرِ كَمَا ظَهَرَ مِنْ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ، فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ، فاطرح لهم عَهْدَهُمْ، عَلى سَواءٍ، يَقُولُ: أَعْلِمْهُمْ قَبْلَ حَرْبِكَ إِيَّاهُمْ أَنَّكَ قَدْ فَسَخْتَ الْعَهْدَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ حَتَّى تَكُونَ أَنْتَ وَهُمْ فِي الْعِلْمِ بِنَقْضِ الْعَهْدِ سَوَاءً، فَلَا يَتَوَهَّمُوا أَنَّكَ نَقَضْتَ الْعَهْدَ بِنَصْبِ الْحَرْبِ مَعَهُمْ، إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخائِنِينَ.
__________
(1) زيد في المطبوع وط.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) في المطبوع وط «معهم» .
(4) في المخطوط «ثانيا» .

(2/302)


وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ (59) وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60)

«1012» أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيُّ أَنَا أَبُو سَهْلٍ مُحَمَّدُ بْنُ عمرو بْنِ طَرَفَةَ السِّجْزِيُّ أَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ [1] الْخَطَّابِيُّ أَنَا أَبُو بَكْرِ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ دَاسَةَ التَّمَّارُ ثَنَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ السِّجِسْتَانِيُّ ثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ النَّمَرِيُّ [2] ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي الْفَيْضِ عَنْ سُلَيْمِ بن عامر رَجُلٍ مِنْ حِمْيَرَ قَالَ: كَانَ بَيْنَ مُعَاوِيَةَ وَبَيْنَ الرُّومِ عَهْدٌ وَكَانَ يَسِيرُ نَحْوَ بِلَادِهِمْ، حَتَّى إِذَا انْقَضَى الْعَهْدُ غَزَاهُمْ فَجَاءَ رَجُلٌ عَلَى فَرَسٍ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَفَاءٌ لا غدرا فَنَظَرَ فَإِذَا هُوَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ [3] ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ فَلَا يَشُدَّ عُقْدَةً وَلَا يَحُلَّهَا حَتَّى يَنْقَضِيَ أَمَدُهَا أَوْ يَنْبِذَ إليهم عهدهم عَلَى سَوَاءٍ» ، فَرَجَعَ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ الله عنه.

[سورة الأنفال (8) : الآيات 59 الى 60]
وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ (59) وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60)
قوله تعالى: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَحَفْصٌ يَحْسَبَنَّ بِالْيَاءِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّاءِ، سَبَقُوا، أَيْ: فَأَتَوْا، نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ انْهَزَمُوا يَوْمَ بَدْرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَمَنْ قَرَأَ بالياء يقول: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْفُسَهُمْ سَابِقِينَ فائتين من عَذَابِنَا، وَمَنْ قَرَأَ بِالتَّاءِ فَعَلَى الْخِطَابِ. قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ: إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ، بِفَتْحِ الْأَلِفِ، أَيْ: لِأَنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ، وَلَا يَفُوتُونَنِي.
وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِكَسْرِ الْأَلِفِ عَلَى الِابْتِدَاءِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ، الْإِعْدَادُ: اتِّخَاذُ الشَّيْءِ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ. مِنْ قُوَّةٍ، أَيْ: مِنَ الْآلَاتِ الَّتِي تَكُونُ لَكُمْ قُوَّةً عَلَيْهِمْ مِنَ الْخَيْلِ وَالسِّلَاحِ.
«1013» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عيسى الجلودي ثنا
__________
1012- إسناده صحيح، رجاله ثقات معروفون، وللحديث شواهد.
أبو الفيض هو موسى بن أيوب.
وهو في «سنن أبي داود» 2759 عن حفص النمري بهذا الإسناد.
وأخرجه الترمذي 1580 والنسائي في «الكبرى» 8732 والطيالسي 1155 وأحمد (4/ 111 و113 و385 و386) وابن حبان 4871 وأبو عبيد في «الأموال» 448 والبيهقي (9/ 231) من طرق عن شعبة به، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
(1) وقع في الأصل «سليم» والتصويب من «ط» .
(2) في الأصل «النمر» والتصويب من «سنن أبي داود» . [.....]
(3) في الأصل «عنبسة» وهو تصحيف.
1013- إسناده صحيح على شرط مسلم.
ابن وهب هو عبد الله.
وهو في «صحيح مسلم» 1917 عن هارون بن معروف بهذا الإسناد.
وأخرجه أبو يعلى 1743 عن هارون به.
وأخرجه ابن ماجه 2813 وأحمد (4/ 156، 157) وابن حبان 4709 والطبراني (17/ 911) والبيهقي (10/ 13) من طرق عن ابن وهب به.

(2/303)


إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ ثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو [بْنُ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ ثُمَامَةَ] [1] بْنِ شُفَى أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ يَقُولُ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ، أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ، أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ» .
«1014» وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «سَتُفْتَحُ عَلَيْكُمُ الرُّومُ وَيَكْفِيكُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَلَا يَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَلْهُوَ بِأَسْهُمِهِ» .
«1015» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [2] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْغَسِيلِ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ حِينَ صَفَفَنَا لِقُرَيْشٍ وَصَفُّوا لَنَا: «إِذَا أَكْثَبُوكُمْ [3] فَعَلَيْكُمْ بِالنَّبْلِ» .
«1016» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أنبأنا مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سمعان ثنا أبو جعفر
__________
وأخرجه الطبراني 16225 من طريق أبي علي به.
وأخرجه الدارمي (2/ 204) والحاكم (2/ 328) من طريق عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيْوبَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عن أبي الخير مرثد بن عبد الله عن عقبة بن عامر به.
وأخرجه الترمذي 3083 والطبري 16241 و16242 من طريق أسامة بن زيد عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنِ رجل عن عقبة بن عامر به.
وأخرجه الطبري 16243 من طريق صالح عن عقبة به و16244 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدَةَ عن عقبة به.
1014- إسناده على شرط مسلم كسابقه.
وهو في «صحيح مسلم» 1918 عن هارون بن معروف بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد (4/ 157) وأبو يعلى 1742 من طريق هارون بن معروف به.
وأخرجه البيهقي (10/ 13) من طريق عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ عن ابن وهب به.
وأخرجه مسلم 1918 عن طريق بكر بن مضر عن عمرو بن الحارث به.
وأخرجه الترمذي 3083 من طريق أسامة بن زيد عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنِ رجل عن عقبة بن عامر.
1015- إسناده على شرط البخاري.
أبو نعيم هو الفضل بن دكين، عبد الرحمن هو ابن سليمان بن عبد الله بن حنظلة المعروف بابن الغسيل.
وهو في «شرح السنة» 2698 بهذا الإسناد، وهو في «صحيح البخاري» 2900 عن أبي نعيم به.
وأخرجه أبو داود 2663 وأحمد (3/ 498) والبيهقي في «الدلائل» (3/ 70) من طرق عن أبي أحمد الزبيري محمد بن عبد الله عن عبد الرحمن بن الغسيل به.
وأخرجه أبو داود 2664 عن مالك بن حمزة بن أبي أسيد الساعدي عن أبيه عن جده به.
وأخرجه البخاري 3984 و3985 عن أبو أحمد الزبيري عن عبد الرحمن بن الغسيل عن حمزة بن أبي أسيد والزبير بن المنذر بن أبي أسيد عن أبي أسيد به.
1016- صحيح. حميد بن زنجويه، ثقة، وقد توبع هو ومن دونه، ومن فوقه رجال مسلم، وللحديث شواهد.
هشام هو ابن عبد الله، أبو نجيح هو عمرو بن عبسة.
وهو في «شرح السنة» 2636 بهذا الإسناد.
وأخرجه أبو داود 3965 والترمذي 1638 والنسائي (6/ 26) وابن حبان 4615 والحاكم (2/ 95 و121) من طرق عن.
(1) سقط من المطبوع.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) قال المصنف في «شرح السنة» (5/ 583) : أكثبوكم: قاربوكم. والكثب: القرب. يقول: ارموهم إذا دنوا منكم.

(2/304)


مُحَمَّدِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ ثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ ثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الوارث ثنا هشام الدستواني عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَبِي نَجِيحٍ السُّلَمِيِّ قَالَ:
حَاصَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّائِفَ فَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ بَلَغَ بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ لَهُ دَرَجَةٌ فِي الْجَنَّةِ» ، قَالَ: فَبَلَغْتُ يَوْمَئِذٍ سِتَّةَ عَشَرَ سَهْمًا. وَسَمِعْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ عِدْلُ مُحَرَّرٍ» .
«1017» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بَشْرَانَ أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ [1] الصَّفَّارُ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلَّامٍ عَنْ عبد الله بن زيد الْأَزْرَقِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ الْجَنَّةَ ثَلَاثَةً صَانِعَهُ وَالْمُمِدَّ بِهِ وَالرَّامِيَ بِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» .
«1018» وَرُوِيَ عَنْ خَالِدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [قَالَ] : «إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثلاثة نفر الْجَنَّةِ: صَانِعَهُ يَحْتَسِبُ فِي صَنْعَتِهِ الخير، والرامي به، ومنبله فارموا واركبوا، وأن ترموا أحب
__________
هشام الدستوائي به.
وأخرجه البيهقي (9/ 161) من طريق شيبان عن قتادة به.
وأخرجه النسائي (6/ 26 و27) وأحمد (4/ 386) والبيهقي (10/ 272) من طرق عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ عَنْ أبي نجيح به.
وأخرجه ابن ماجه 2812 والحاكم (2/ 96) والبيهقي (9/ 162) من طريق سليمان بن عبد الرحمن عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أبي نجيح السلمي عن عمرو بن عبسة به.
وأخرجه أحمد (4/ 386) عن الفرج عن لقمان عن أبي أمامة عن عمرو بن عبسة به.
1017- حديث حسن. إسناده حسن في الشواهد، أحمد بن منصور ثقة، ومن دونه توبعوا، ومن فوقه رجال مسلم سوى عبد الله بن زيد فإنه مقبول، وقد توبع.
عبد الرزاق هو ابن همام، معمر هو ابن راشد.
وهو في «شرح السنة» 2635 بهذا الإسناد، وفي «مصنف عبد الرزاق» 19522 عن معمر به وأتم منه.
وأخرجه أحمد (4/ 154 و148) من طريق عبد الرزاق به.
وأخرجه أحمد (4/ 148) والبيهقي في «الشعب» 4301 من طريق عبد الرزاق بأتم منه.
وأخرجه الترمذي بإثر 1637 وابن ماجه 2811 من هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أبي كثير به.
وأخرجه أحمد (4/ 144) من طريق إسماعيل بن إبراهيم عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ به.
وانظر الحديث الآتي و «أحكام القرآن» 1044 بتخريجي.
1018- حسن. أخرجه أبو داود 2513 والترمذي بإثر 1637 والنسائي في «الكبرى» 4420 والحاكم (2/ 95) وأحمد (4/ 148) من طرق عن خالد بن زيد به.
وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وفيه خالد بن زيد مقبول، وقد توبع في خبر مرسل.
وأخرجه الترمذي 1637 عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين مرسلا.
وهو يتأيد بما قبله، فالحديث حسن إن شاء الله تعالى، ولم يصب من ضعفه من المتأخرين، وانظر مزيد الكلام عليه في «أحكام القرآن» 1044 بتخريجي.
(1) في المطبوع «أحمد» وهو خطأ.

(2/305)


إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا، كُلُّ شَيْءٍ يَلْهُو بِهِ الرَّجُلُ بَاطِلٌ إِلَّا رَمْيَهُ بِقَوْسِهِ وَتَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ وَمُلَاعَبَتَهُ امْرَأَتَهُ فَإِنَّهُنَّ مِنَ الْحَقِّ.
ومن ترك الرمي بعد ما عَلِمَهُ رَغْبَةً عَنْهُ فَإِنَّهُ نِعْمَةٌ تَرَكَهَا، أَوْ قَالَ كَفَرَهَا» .
قَوْلُهُ: وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ، يَعْنِي: رَبْطُهَا وَاقْتِنَاؤُهَا لِلْغَزْوِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: الْقُوَّةُ الْحُصُونُ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ الْإِنَاثُ. [وَرُوِيَ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرْكَبُ فِي الْقِتَالِ إِلَّا الْإِنَاثَ] [1] ، لِقِلَّةِ صَهِيلِهَا. وَعَنْ أَبِي مُحَيْرِيزٍ قَالَ: كَانَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يَسْتَحِبُّونَ ذُكُورَ الْخَيْلِ عِنْدَ الصُّفُوفِ وَإِنَاثَ الْخَيْلِ عِنْدَ الْبَيَاتِ [2] وَالْغَارَاتِ.
«1019» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ثَنَا زَكَرِيَّا عَنْ عَامِرٍ ثَنَا عُرْوَةُ الْبَارِقِيُّ:
أَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، الْأَجْرُ وَالْمَغْنَمُ» .
«1020» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ ثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ ثَنَا طَلْحَةُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدًا الْمَقْبُرِيَّ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ:
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنِ احْتَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِيمَانًا بِاللَّهِ وَتَصْدِيقًا بِوَعْدِهِ، فَإِنَّ شِبَعَهُ وَرِيَّهُ وَرَوْثَهُ وَبَوْلَهُ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
«1021» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ أَنْبَأَنَا أَبُو مصعب
__________
1019- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
أبو نعيم هو الفضل بن دكين، زكريا هو ابن أبي زائدة، عامر هو ابن شراحيل الشعبي.
وهو في «شرح السنة» 2639 بهذا الإسناد، وفي «صحيح البخاري» 2852 عن أبي نعيم به.
وأخرجه البخاري 2850 و3119 و3643 ومسلم 1873 والترمذي 1694 والنسائي (6/ 222) وابن ماجه 2305 وأحمد (4/ 375 و376) والطحاوي في «المشكل» 225 و226 و227 والطيالسي 1056 و1245 وسعيد بن منصور 2426 و2427 و2430 و2431 والدارمي (2/ 211، 212) والبيهقي (6/ 329) من طرق من حديث عروة بن الجعد البارقي.
وفي الباب من حديث جرير عند مسلم 1872 والنسائي (6/ 221) وأحمد (4/ 361) والطحاوي في «المشكل» 223 و224 وابن حبان 4669 والطبراني في «الكبير» 2409 و2410 و2411 و2412 و2413 والبيهقي (6/ 329) .
ومن حديث ابن عمر عند البخاري 2849 و3624 ومسلم 1871 والنسائي (6/ 221، 222) وابن ماجه 2787 ومالك (2/ 467) والطيالسي 1844 وأحمد (2/ 13 و28 و49 و57 و101 و112) والطحاوي 219 و220 و221 وابن حبان 4668 والبيهقي (6/ 329) . [.....]
1020- إسناده صحيح على شرط البخاري.
ابن المبارك هو عبد الله، طلحة هو أبو عبد الملك القرشي المدني.
أبو صالح اسمه ذكوان، سعيد هو ابن أبي سعيد المقبري.
وهو في «شرح السنة» 2642 بهذا الإسناد.
وفي «صحيح البخاري» 2853 عن علي بن حفص به.
وأخرجه أحمد (2/ 374) وابن حبان 4673 من طريقين عن عبد الله بن المبارك به.
وأخرجه النسائي (6/ 225) والبيهقي (10/ 16) والحاكم (2/ 92) من طرق عن ابن وهب عن طلحة بن أبي سعيد به.
1021- إسناده صحيح على شرط الشيخين.
(1) سقط من المخطوط.
(2) في المطبوع «الشنات» .

(2/306)


وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (65)

عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الخيل لرجل أجر، ولرجل ستر وعلى رجل وزر، فأمّا الذي هِيَ لَهُ أَجْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَطَالَ لَهَا فِي مَرْجٍ [1] أَوْ رَوْضَةٍ فَمَا أصابت في طيلها [2] ذلك [من الْمَرْجِ أَوِ الرَّوْضَةِ كَانَ لَهُ حَسَنَاتٍ، وَلَوْ أَنَّهَا قَطَعَتْ طِيلَهَا ذَلِكَ فَاسْتَنَّتْ [3]] [4] شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ كَانَتْ آثَارُهَا وَأَرْوَاثُهَا حَسَنَاتٍ لَهُ، وَلَوْ أَنَّهَا مَرَّتْ بِنَهْرٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَسْقِيَهَا كَانَ ذَلِكَ لَهُ حَسَنَاتٍ، فَهِيَ لذلك أجر، ورجل ربطها تغنيا [5] وتعففا ولم يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي ظُهُورِهَا ولا رقابها فهي لذلك ستر، ورجل رَبَطَهَا فَخْرًا وَرِيَاءً وَنِوَاءً [6] لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَهِيَ عَلَى ذَلِكَ وِزْرٌ» [7] . وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْحُمُرِ فَقَالَ: «مَا أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهَا شَيْءٌ إِلَّا هَذِهِ الْآيَةُ الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) » [الزلزلة: 7، 8] .
تُرْهِبُونَ بِهِ، تخوّفون بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ، أَيْ: وَتُرْهِبُونَ آخَرِينَ، مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ، قَالَ مُجَاهِدٌ وَمُقَاتِلٌ وَقَتَادَةُ: هُمْ بَنُو قُرَيْظَةَ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: هُمْ أَهْلُ فَارِسٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَابْنُ زَيْدٍ: هُمُ الْمُنَافِقُونَ، لَا تَعْلَمُونَهُمْ لِأَنَّهُمْ مَعَكُمْ يَقُولُونَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَقِيلَ: هُمْ كُفَّارُ الْجِنِّ.
وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ، يُوَفَّى لَكُمْ أَجْرُهُ، وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ، لا تنقص أجوركم.

[سورة الأنفال (8) : الآيات 61 الى 65]
وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (65)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ، أَيْ: مَالُوا إِلَى الصُّلْحِ، فَاجْنَحْ لَها، أَيْ: مِلْ إِلَيْهَا وَصَالِحْهُمْ.
__________
أبو مصعب هو أحمد بن أبي بكر، أبو صالح اسمه ذكوان.
وهو في «شرح السنة» 1569 بهذا الإسناد، وفي «الموطأ» (2/ 444) عن زيد بن أسلم به.
وأخرجه البخاري 2371 و2860 و3646 و4962 و4963 و7356 والنسائي (6/ 216، 217) وابن حبان 4672 والبيهقي (10/ 15) من طرق عن مالك به.
وأخرجه مسلم 987 والبيهقي (4/ 119) من طريق حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ زَيْدِ بن أسلم به.
(1) المرج: موضع الكلأ.
(2) الطيل: الحبل الطويل يشد أحد طرفيه في وتد أو غيره والطرف الآخر في يد الفرس ليدور فيه ويرعى.
(3) استن الفرس: عدا لمرحه ونشاطه شوطا أو شوطين، ولا راكب عليه.
(4) سقط من المخطوط وحده.
(5) تغنيا: استغناء بها عن الطلب من الناس.
(6) نواء: أصله من ناء: إذا نهض، ويستعمل في المعاداة.
(7) وقع في المتن اختلاف واضطراب في النسخ والمخطوط والمثبت عن «شرح السنة» و «الموطأ» والمخطوط.

(2/307)


الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66) مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67)

رُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ وَالْحَسَنِ: أَنَّ هذه الآية نسخت [1] بِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [التوبة: 5] . وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ! ثِقْ بِاللَّهِ، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.
وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ، يَغْدِرُوا وَيَمْكُرُوا بِكَ. قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: بَنِي قُرَيْظَةَ، فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ، كَافِيكَ اللَّهُ، هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ، أَيْ: بِالْأَنْصَارِ.
وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، أَيْ: بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، كانت بينهم إحن وتارات فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَصَيَّرَهُمُ اللَّهُ إِخْوَانًا بَعْدَ أَنْ كَانُوا أَعْدَاءً، لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64) ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَسْلَمَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ رَجُلًا وَسِتُّ نِسْوَةٍ، ثُمَّ أَسْلَمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَتَمَّ بِهِ الْأَرْبَعُونَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. وَاخْتَلَفُوا فِي مَحَلِّ مَنِ، فَقَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ مَحَلُّهُ خَفْضٌ، عَطْفًا عَلَى الْكَافِ فِي قَوْلِهِ: حَسْبَكَ اللَّهُ، [معناه: حَسْبُكَ اللَّهُ] [2] وَحَسْبُ مَنِ اتَّبَعَكَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ رَفْعٌ عَطْفًا عَلَى اسْمِ اللَّهِ مَعْنَاهُ:
حَسْبُكَ الله ومتبعوك من المؤمنين.
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ، أَيْ: حُثَّهُمْ عَلَى الْقِتَالِ. إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ، رَجُلًا صابِرُونَ، مُحْتَسِبُونَ، يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ، من عدوهم ويقهروهم، وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ، صَابِرَةٌ مُحْتَسِبَةٌ، يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا، ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ، أي: لأن [3] الْمُشْرِكِينَ يُقَاتِلُونَ عَلَى غَيْرِ احْتِسَابٍ وَلَا طَلَبِ ثَوَابٍ وَلَا يَثْبُتُونَ إِذَا صَدَقْتُمُوهُمُ الْقِتَالَ خَشْيَةَ أَنْ يُقْتَلُوا، وَهَذَا خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ، وَكَانَ هَذَا يَوْمَ بَدْرٍ فَرَضَ اللَّهُ عَلَى الرَّجُلِ الْوَاحِدِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قِتَالَ عَشَرَةٍ مِنَ الْكَافِرِينَ، فَثَقُلَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، فَخَفَّفَ اللَّهُ عنهم، فنزل:

[سورة الأنفال (8) : الآيات 66 الى 67]
الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66) مَا كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67)
الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً، أَيْ: ضَعْفًا فِي الْوَاحِدِ عَنْ قِتَالِ الْعَشَرَةِ وَفِي الْمِائَةِ عَنْ قِتَالِ الْأَلِفِ، فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ، مِنَ الْكُفَّارِ، وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ، فَرَدَّ مِنَ الْعَشَرَةِ إِلَى الِاثْنَيْنِ فَإِنْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الشَّطْرِ مِنْ عَدُوِّهِمْ لَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَفِرُّوا. وَقَالَ سُفْيَانُ: قَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: وَأَرَى الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ مِثْلَ هَذَا. قرأ أهل الكوفة: فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ، بِالْيَاءِ فِيهِمَا، [وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ: «ضُعَفَاءَ» بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْمَدِّ عَلَى الْجَمْعِ وَقَرَأَ الآخرون بسكون العين] [4] ، وَافَقَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ فِي الْأَوَّلِ والباقون بالتاء فيهما، ثم قرأ عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ: «ضُعَفَاءَ» بِفَتْحِ الضَّادِ هَاهُنَا وَفِي سُورَةِ الرُّومِ، وَالْبَاقُونَ بِضَمِّهَا.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: مَا كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ: تكون بالتاء
__________
(1) في المطبوع «منسوخة» .
(2) زيادة عن المخطوط. [.....]
(3) في المطبوع «إن» .
(4) ما بين المعقوفتين في المطبوع وط عقب «عن قتال الألف» .

(2/308)


وَالْبَاقُونَ بِالْيَاءِ، وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ: «أَسَارَى» ، وَالْآخَرُونَ: أَسْرى.
«1022» وَرَوَى الْأَعْمَشُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ وَجِيءَ بِالْأَسْرَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا تَقُولُونَ فِي هَؤُلَاءِ» ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَوْمُكَ وأهلك استبقهم استأن [1] بِهِمْ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ، وَخُذْ مِنْهُمْ فِدْيَةً تَكُونُ لَنَا قُوَّةً عَلَى الْكُفَّارِ، وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَا رسول الله كذّبوك وأخرجوك فدعهم نَضْرِبْ أَعْنَاقَهُمْ، مَكِّنْ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَمَكِّنِّي مِنْ فُلَانٍ نَسِيبٍ لِعُمَرَ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ انْظُرْ وَادِيًا كَثِيرَ الْحَطَبِ فَأَدْخِلْهُمْ فِيهِ ثُمَّ أَضْرِمْ عَلَيْهِمْ نَارًا، فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ: قَطَعْتَ رَحِمَكَ، فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُجِبْهُمْ، ثُمَّ دَخَلَ: فَقَالَ نَاسٌ يَأْخُذُ بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، وَقَالَ نَاسٌ: يَأْخُذُ بِقَوْلِ عُمَرَ، وَقَالَ نَاسٌ: يَأْخُذُ بِقَوْلِ ابْنِ رَوَاحَةَ، ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيُلَيِّنُ قُلُوبَ رِجَالٍ حَتَّى تَكُونَ أَلْيَنَ مِنَ اللَّبَنِ [2] ، وَيُشَدِّدُ قُلُوبَ رِجَالٍ حَتَّى تَكُونَ أَشَدَّ مِنَ الْحِجَارَةِ، وَإِنَّ مَثَلَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ مَثَلُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» . [وَمَثَلُكَ يَا أَبَا بَكْرٍ مَثَلُ عيسى قَالَ: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) ] [3] [المائدة: 118] ، و [إن] مَثَلَكَ يَا عُمَرُ مَثَلُ نُوحٍ قَالَ:
رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً [نُوحٌ: 26] ، ومثلك يا عبد الله بن رواحة مثل مُوسَى قَالَ: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ الآية [يُونُسُ: 88] ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْتُمُ الْيَوْمَ عَالَةٌ فَلَا يُفْلِتَنَّ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا بِفِدَاءٍ أَوْ ضَرْبِ عُنُقٍ» ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: إِلَّا سُهَيْلُ بْنُ بَيْضَاءَ فَإِنِّي سَمِعْتُهُ يَذْكُرُ الْإِسْلَامَ، فَسَكَتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا رَأَيْتُنِي فِي يَوْمٍ أَخَوَفَ مِنْ أَنْ تَقَعَ عَلَيَّ الْحِجَارَةُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمَ، حَتَّى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا سُهَيْلُ بْنُ بَيْضَاءَ» .
«1023» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: فَهَوَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْتُ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ جِئْتُ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ قَاعِدَيْنِ يَبْكِيَانِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي مِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَبْكِي أَنْتَ وَصَاحِبُكَ فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ وَإِنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أَبْكِي لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِنْ أَخْذِهِمُ الْفِدَاءَ، لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ» - شجرة قَرِيبَةٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: مَا كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ إلى
__________
1022- إسناده ضعيف. أخرجه الترمذي 3084 وأحمد (1/ 383) والحاكم (3/ 21) وأبو يعلى 5188 والطبراني (10/ 177) والواحدي 487.
من حديث أبي عبيدة بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عن أبيه، وإسناده ضعيف لانقطاعه بينهما، ومع ذلك حسنه الترمذي مع قوله: أبو عبيدة لم يسمع من أبيه! وصححه الحاكم! ووافقه الذهبي! والصواب أنه ضعيف، ولأكثره شواهد. والمنكر فيه لفظ «مثلك يا أبا بكر....» و «مثلك يا عمر ... » وأما أصل الخبر فصحيح.
انظر «فتح القدير» للشوكاني رقم: 1067 بتخريجي.
1023- غريب. أخرجه مسلم 1763 وأبو داود 2690 والترمذي 3081 وأحمد (1/ 30) وابن أبي شيبة (14/ 365، 368) وابن حبان 4793 والبيهقي (6/ 321) وفي «الدلائل» (3/ 51، 52) من طرق. عن عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ سِمَاكِ بن الوليد عن ابن عباس عن عمر به، وأتم منه، وهذا الحديث من أفراد مسلم، وفيه غرابة ونكارة، وقد تكلم في عكرمة وسماك، راجع «أحكام القرآن» 1057 بتخريجي.
(1) تصحف في المطبوع «استأذن» .
(2) في المطبوع «الزبد» .
(3) زيد في المطبوع وط. وهو في «المسند» لأحمد.

(2/309)


لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69)

قَوْلِهِ: فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً.
فَأَحَلَّ اللَّهُ الْغَنِيمَةَ لَهُمْ بِقَوْلِهِ: أَسْرى جَمْعُ أَسِيرٍ مِثْلَ قَتْلَى وَقَتِيلٍ. قَوْلُهُ: حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ، أي: يبالغ [في] [1] [قتل] [2] الْمُشْرِكِينَ وَأَسْرِهِمْ، تُرِيدُونَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ عَرَضَ الدُّنْيا بِأَخْذِكُمُ الْفِدَاءَ، وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ، يُرِيدُ لَكُمْ ثَوَابَ الآخرة بقهركم المشركين ونصركم دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، وَكَانَ الْفِدَاءُ لِكُلِّ أَسِيرٍ أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً، وَالْأُوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: كَانَ هَذَا يَوْمَ بَدْرٍ وَالْمُسْلِمُونَ يَوْمَئِذٍ قَلِيلٌ، فَلَمَّا كَثُرُوا وَاشْتَدَّ سُلْطَانُهُمْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِي الْأَسَارَى: فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً، فَجَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ فِي أَمْرِ الْأَسَارَى بِالْخِيَارِ إِنْ شاؤوا أعتقوهم وإن شاؤوا قتلوهم، وإن شاؤوا استعبدوهم، وإن شاؤوا فادوهم.

[سورة الأنفال (8) : الآيات 68 الى 69]
لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (68) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69)
قوله تعالى: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَتِ الْغَنَائِمُ حَرَامًا عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَالْأُمَمِ فَكَانُوا إِذَا أَصَابُوا شَيْئًا مِنَ الغَنَائِمِ جَعَلُوهُ لِلْقُرْبَانِ، فَكَانَتْ تَنْزِلُ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ فَتَأْكُلُهُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ أَسْرَعَ الْمُؤْمِنُونَ فِي الْغَنَائِمِ وَأَخَذُوا الْفِدَاءَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وجلّ: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ، يَعْنِي: لَوْلَا قَضَاءٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ بِأَنَّهُ يُحِلُّ لَكُمُ الْغَنَائِمَ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ أَنَّهُ لَا يُعَذِّبُ أَحَدًا مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ أَنَّهُ] لَا يُضِلُّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يتّقون الآية، وأنه لا يؤاخذ [3] قَوْمًا فَعَلُوا أَشْيَاءَ بِجَهَالَةٍ لَمَسَّكُمْ، لَنَالَكُمْ وَأَصَابَكُمْ، فِيما أَخَذْتُمْ، مِنَ الْفِدَاءِ قَبْلَ أَنْ تُؤْمَرُوا بِهِ، عَذابٌ عَظِيمٌ.
«1024» قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَحَدٌ ممن حضر إلّا أحبّ الْغَنَائِمَ إِلَّا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَإِنَّهُ أَشَارَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ الْأَسْرَى، وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَانَ الْإِثْخَانُ فِي الْقَتْلِ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنِ استيفاء الرِّجَالِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ نَزَلَ من السماء عذاب ما نجا منهم غَيْرُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ» .
فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69) ، رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتِ الْآيَةُ الْأُولَى كَفَّ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْدِيَهُمْ عَمَّا أَخَذُوا مِنَ الْفِدَاءِ، فَنَزَلَ: فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ الْآيَةَ.
__________
1024- أخرجه الطبري 16334 عن ابن إسحاق به، وهذا معضل، والوهن فقط في ذكر سعد بن معاذ.
وأما ذكر عمر فقد ورد من وجوه أخر، أخرجه الحاكم (2/ 329 ح 3270) من طريق إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عن ابن عمر، وفيه: «...... فلقي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم عمر فقال: كاد أن يصيبنا في خلافك بلاء» .
قال الحاكم: صحيح الإسناد، وقال الذهبي: على شرط مسلم. وهو كما قال الذهبي رجاله رجال مسلم. لكن إبراهيم متكلم فيه، ومع ذلك توبع.
وورد من مرسل عبد الرحمن بن زيد عند الطبري 16333.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) في المطبوع «قتال» .
(3) في المطبوع «يأخذ» .

(2/310)


يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (70) وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (71)

«1025» وَرَوَيْنَا عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي» .
«1026» أَخْبَرَنَا حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ أَنَا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ [1] ثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم: «لَمْ تَحِلَّ الْغَنَائِمُ لِأَحَدٍ مِنْ قبلنا، [و] ذلك بِأَنَّ اللَّهَ رَأَى ضَعْفَنَا وَعَجْزَنَا فطيّبها لنا» .

[سورة الأنفال (8) : الآيات 70 الى 71]
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (70) وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (71)
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى، قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَأَبُو جَعْفَرٍ: «مِنَ الْأَسَارَى» بِالْأَلِفِ وَالْبَاقُونَ: بِلَا أَلِفٍ.
«1027» نَزَلَتْ فِي الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المطلب وَكَأَنَ أُسِرَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَكَانَ أَحَدَ الْعَشَرَةِ الَّذِينَ ضَمِنُوا طَعَامَ أَهْلِ بَدْرٍ وَكَانَ يَوْمَ بَدْرٍ نوبته، وكان قد خَرَجَ بِعِشْرِينَ أُوقِيَّةً مِنَ الذَّهَبِ لِيُطْعِمَ بِهَا النَّاسَ، فَأَرَادَ أَنْ يُطْعِمَ ذَلِكَ الْيَوْمَ فَاقْتَتَلُوا وَبَقِيَتْ الْعِشْرُونَ أُوقِيَّةً مَعَهُ، فَأُخِذَتْ مِنْهُ فِي الْحَرْبِ، فَكَلَّمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْتَسِبَ الْعِشْرِينَ أُوقِيَّةً مِنْ فِدَائِهِ فَأَبَى، وَقَالَ: «أَمَّا شَيْءٌ خَرَجْتَ تَسْتَعِينُ به على [قتالنا] [2] ، أفلا أتركه لك» ، وكلّف فداء بني أَخِيهِ عَقِيلَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَنَوْفَلَ بْنَ الْحَارِثِ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا مُحَمَّدُ تَرَكْتَنِي أَتَكَفُّفُ قُرَيْشًا ما بقيت؟ فقال
__________
1025- صحيح. أخرجه البخاري 335 و438 و3122 ومسلم 521 والنسائي (1/ 209، 211) وابن أبي شيبة (11/ 432) وأحمد (3/ 304) والدارمي (1/ 322 و323) وابن حبان 6398 واللالكائي في «أصول الاعتقاد» 1439 والبيهقي (1/ 212) و (2/ 329 و433) و (6/ 291) من طرق عن هشيم بن بشير عن سيار عن يزيد الفقير عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مرفوعا وصدره: «أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي ... » .
1026- إسناده على شرط مسلم، حيث تفرد عن أحمد بن يوسف وقد توبع هو ومن دونه، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
عبد الرزاق هو ابن همام، معمر هو ابن راشد، همّام هو ابن منبه.
وهو عجز حديث في «شرح السنة» 2713 بهذا الإسناد، وكذا في «مصنف عبد الرزاق» 9492 عن عمر به وصدره:
«غزا نبي من الأنبياء ... » .
وأخرجه مسلم 1747 وأحمد (2/ 318) وابن حبان 4808 والبيهقي (6/ 390) من طريق عبد الرزاق به مطوّلا.
وأخرجه البخاري 3124 ومسلم 1747 من طريق ابن المبارك عن معمر به مطوّلا.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» 8878 من طريق سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هريرة بنحوه.
1027- ذكره الواحدي في «أسباب النزول» 489 عن الكلبي تعليقا والكلبي متروك متهم، وأكثر هذا المتن أخرجه البيهقي في «الدلائل» (3/ 142) عن ابن إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ والزهري وعروة، وهذه مراسيل.
وبعضه أخرجه (3/ 143) عن ابن عباس بسند فيه إرسال. وله شواهد عند الطبري 16341.
وقال الحافظ في «تخريج الكشاف» (2/ 238) : وقوله: «وكان العباس أحد الذين ضمنوا إطعام أهل بدر، وخرج بالذهب لذلك» لم أجد هذا.
الخلاصة: عامة هذا الخبر له شواهد. انظر الطبري 16335 و16336 و16337 و16338 و16339 و16340 و16341. [.....]
(1) فِي الأصل «هشام» وهو تصحيف.
(2) زيادة عن المخطوط. ولفظ «على قتالنا» في المطبوع «علينا» .

(2/311)


إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (73) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74)

رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَأَيْنَ الذَّهَبُ الَّذِي دَفَعْتَهُ أُمِّ الْفَضْلِ وَقْتَ خُرُوجِكَ مِنْ مكة فقلت لَهَا: إِنِّي لَا أَدْرِي مَا يُصِيبُنِي فِي وَجْهِي هَذَا، فَإِنْ حَدَثَ بِي حَدَثٌ فَهُوَ لَكِ وَلِعَبْدِ اللَّهِ [وَلِعُبَيْدِ اللَّهِ] [1] وَلِلْفَضْلِ وَقَثْمٍ» ، يَعْنِي بَنِيهِ [2] ، فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ: وَمَا يُدْرِيكَ؟ قَالَ: «أَخْبَرَنِي بِهِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ» ، قَالَ الْعَبَّاسُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ صَادِقٌ! وَأَنْ [3] لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى، الذين أخذتم [4] مِنْهُمُ الْفِدَاءَ إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً، أَيْ:
إِيمَانًا، يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ، مِنَ الْفِدَاءِ، وَيَغْفِرْ لَكُمْ، ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، قَالَ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَأَبْدَلَنِي اللَّهُ عَنْهَا عِشْرِينَ عَبْدًا كُلُّهُمْ تَاجِرٌ يَضْرِبُ بِمَالٍ كَثِيرٍ، وَأَدْنَاهُمْ يَضْرِبُ بعشرين ألف درهم مكان العشرين أُوقِيَّةً، وَأَعْطَانِي زَمْزَمَ، وَمَا أُحِبُّ أن لي به جميع أموال مكة، [و] [5] أنا أَنْتَظِرُ الْمَغْفِرَةَ مِنْ رَبِّي عَزَّ وجلّ.
قوله: وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ، يَعْنِي الْأَسَارَى، فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ، بِبَدْرٍ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَرَادَ بِالْخِيَانَةِ الْكُفْرَ، أَيْ: إِنْ كَفَرُوا بِكَ فَقَدْ كَفَرُوا بِاللَّهِ مِنْ قَبْلُ، فَأَمْكَنُ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنِينَ بِبَدْرٍ حَتَّى قَتَلُوهُمْ وَأَسَرُوهُمْ، وَهَذَا تَهْدِيدٌ لَهُمْ إِنْ عَادُوا إِلَى قِتَالِ المؤمنين ومعاداتهم.

[سورة الأنفال (8) : الآيات 72 الى 74]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ (73) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74)
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا، أَيْ: هَجَرُوا قَوْمَهُمْ وديارهم، يعني المهاجرين من مكة، وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُهَاجِرِينَ مَعَهُ، أَيْ: أَسْكَنُوهُمْ مَنَازِلَهُمْ، وَنَصَرُوا، أَيْ: وَنَصَرُوهُمْ عَلَى أَعْدَائِهِمْ وَهُمُ الْأَنْصَارُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ، دُونَ أَقْرِبَائِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ. قِيلَ: فِي الْعَوْنِ وَالنُّصْرَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي الْمِيرَاثِ وَكَانُوا يَتَوَارَثُونَ بِالْهِجْرَةِ، فَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ يَتَوَارَثُونَ دُونَ ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَكَانَ مَنْ آمَنَ وَلَمْ يُهَاجِرْ لَا يَرِثُ مِنْ قَرِيبِهِ الْمُهَاجِرِ حَتَّى كَانَ فَتْحُ مَكَّةَ انقطعت الْهِجْرَةُ وَتَوَارَثُوا بِالْأَرْحَامِ حَيْثُ مَا كَانُوا، وَصَارَ ذَلِكَ مَنْسُوخًا بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ [الأنفال: 75] ، وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ، يعني: في الْمِيرَاثَ، حَتَّى يُهاجِرُوا، قَرَأَ حَمْزَةُ: وَلايَتِهِمْ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَالْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ، وَهُمَا وَاحِدٌ كَالدِّلَالَةِ وَالدَّلَالَةِ. وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ، أَيِ: اسْتَنْصَرَكُمُ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ لَمْ يُهَاجِرُوا، فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ، عَهْدٌ فَلَا تَنْصُرُوهُمْ عَلَيْهِمْ، وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.
__________
(1) زيد في المطبوع وط.
(2) في المطبوع «الأربعة» وهو تصحيف. وتصحف في ط «نبيه» .
(3) في المطبوع «وقال» .
(4) في المطبوع «أخذت» .
(5) زيادة عن المخطوط.

(2/312)


وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75)

وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ، فِي الْعَوْنِ وَالنُّصْرَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي الْمِيرَاثِ، أَيْ: يَرِثُ الْمُشْرِكُونَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِلَّا تَأْخُذُوا فِي الْمِيرَاثِ بِمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: إِلَّا تَعَاوَنُوا وَتَنَاصَرُوا. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: جَعَلَ اللَّهُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ أَهْلَ وِلَايَةٍ فِي الدِّينِ دُونَ مَنْ سِوَاهُمْ، وَجَعَلَ الْكَافِرِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ، ثُمَّ قَالَ: إِلَّا تَفْعَلُوهُ، وَهُوَ أَنْ يَتَوَلَّى الْمُؤْمِنُ الْكَافِرَ دُونَ المؤمنين [1] ، تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ، فَالْفِتْنَةُ فِي الْأَرْضِ قُوَّةُ الْكُفْرِ، وَالْفَسَادُ الْكَبِيرُ ضَعْفُ الْإِسْلَامِ.
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا، لَا مِرْيَةَ وَلَا رَيْبَ فِي إِيمَانِهِمْ. قِيلَ: حَقَّقُوا إِيمَانَهُمْ بِالْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ وَبَذْلِ الْمَالَ فِي الدِّينِ، لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ، الجنّة. فإن قيل: فأي مَعْنَى فِي تَكْرَارِ هَذِهِ الْآيَةِ؟ قِيلَ: الْمُهَاجِرُونَ كَانُوا عَلَى طَبَقَاتٍ، فَكَانَ بَعْضُهُمْ أَهْلَ الْهِجْرَةِ الْأُولَى وَهُمُ الَّذِينَ هَاجَرُوا قَبْلَ الْحُدَيْبِيَةِ، [وَبَعْضُهُمْ أَهْلُ الْهِجْرَةِ الثَّانِيَةِ وَهُمُ الَّذِينَ هَاجَرُوا بَعْدَ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ] [2] قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ ذَا هِجْرَتَيْنِ هِجْرَةُ الْحَبَشَةِ وَالْهِجْرَةُ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَالْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ الْأُولَى الْهِجْرَةُ الْأُولَى، وَمِنَ الثَّانِيَةِ الهجرة الثانية.

[سورة الأنفال (8) : آية 75]
وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75)
قَوْلُهُ: وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ، أَيْ: مَعَكُمْ، يُرِيدُ أَنْتُمْ مِنْهُمْ وَهُوَ مِنْكُمْ، وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ، وَهَذَا نَسَخَ التَّوَارُثَ بِالْهِجْرَةِ وَرَدَّ الْمِيرَاثَ إِلَى ذَوِي [3] الْأَرْحَامِ.
قَوْلُهُ: فِي كِتابِ اللَّهِ، أَيْ: فِي حُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقِيلَ: أَرَادَ بِكِتَابِ اللَّهِ الْقُرْآنَ، يَعْنِي: الْقِسْمَةُ الَّتِي بَيَّنَهَا فِي سُورَةِ النِّسَاءِ، إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.

سُورَةُ التَّوْبَةِ
[قَالَ مُقَاتِلٌ: هذه السورة مدنية كلها إِلَّا آيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ السُّورَةِ] [4] . قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قُلْتُ لابن عباس: [ما تقول في] [5] سُورَةُ التَّوْبَةِ؟ قَالَ: هِيَ الْفَاضِحَةُ ما زالت تنزل فيهم [وَمِنْهُمْ] [6] حَتَّى ظَنُّوا أَنَّهَا لَمْ تبق أحدا إِلَّا ذُكِرَ فِيهَا، قَالَ: قُلْتُ: [و] سُورَةُ الْأَنْفَالِ؟ قَالَ: تِلْكَ سُورَةُ بدر، قال: قلت: وسورة الْحَشْرِ؟ قَالَ: قُلْ سُورَةُ بَنِي النضير.
__________
(1) في المطبوع «المؤمن» .
(2) ما بين المعقوفتين سقط من المخطوط.
(3) في المخطوط «أولي» .
(4) ما بين المعقوفتين سقط من المخطوط.
(5) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(6) زيادة عن المخطوط.

(2/313)