تفسير البغوي
إحياء التراث الر كِتَابٌ
أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ
خَبِيرٍ (1) أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ
مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ
ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى
أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ
تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ
كَبِيرٍ (3) إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ (4) أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ
لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ
يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ
بِذَاتِ الصُّدُورِ (5)
لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ
عَلَيْها، أَيْ: عَلَى نَفْسِهِ وَوَبَالُهُ عَلَيْهِ، وَما
أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ، بِكَفِيلٍ أَحْفَظُ
أَعْمَالَكُمْ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَسَخَتْهَا آيَةُ
الْقِتَالِ.
وَاتَّبِعْ مَا يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ
اللَّهُ، بِنَصْرِكَ وَقَهْرِ عَدُوِّكَ وَإِظْهَارِ دِينِهِ،
وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ، فَحَكَمَ بِقِتَالِ
الْمُشْرِكِينَ وَبِالْجِزْيَةِ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ
يُعْطُونَهَا عَنْ يَدٍ وهم صاغرون. [والله أعلم بالصواب وإليه
المآب] [1] .
سُورَةُ هُودٍ
مَكِّيَّةٌ إِلَّا قَوْلَهُ: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ
النَّهارِ [114] ، وَهِيَ مائة وثلاث وعشرون آية.
[سورة هود (11) : آيَةً 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ
حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)
الر كِتابٌ، أَيْ: هَذَا كِتَابٌ، أُحْكِمَتْ آياتُهُ، قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمْ يُنْسَخْ بِكِتَابٍ كَمَا نُسِخَتِ
الْكُتُبُ وَالشَّرَائِعُ بِهِ، ثُمَّ فُصِّلَتْ، بُيِّنَتْ
بِالْأَحْكَامِ وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ. وَقَالَ الْحَسَنُ:
أَحُكِمَتْ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، ثُمَّ فُصِّلَتْ
بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ. قَالَ قَتَادَةُ: أُحْكِمَتْ
أَحْكَمَهَا اللَّهُ فَلَيْسَ فِيهَا اخْتِلَافٌ وَلَا
تَنَاقُضٌ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: فُصِّلَتْ أَيْ: فُسِّرَتْ. وَقِيلَ:
فُصِّلَتْ أَيْ: أُنْزِلَتْ شَيْئًا فَشَيْئًا، مِنْ لَدُنْ
حَكِيمٍ خَبِيرٍ.
[سورة هود (11) : الآيات 2 الى 5]
أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ
نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ
تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ
مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ
تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ
(3) إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ (4) أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ
لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ
يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ
بِذاتِ الصُّدُورِ (5)
أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ، أَيْ: وَفِي ذَلِكَ
الْكِتَابِ أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ، وَيَكُونُ
مَحَلُّ (أَنْ) رَفْعًا. وَقِيلَ:
مَحَلُّهُ خَفْضٌ تَقْدِيرُهُ: بِأَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا
اللَّهَ، إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ، أَيْ: مِنَ اللَّهِ نَذِيرٌ،
لِلْعَاصِينَ، وَبَشِيرٌ، لِلْمُطِيعِينَ.
وَأَنِ، عَطْفٌ عَلَى الْأَوَّلِ، اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ
ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ، أَيِ: ارْجِعُوا إِلَيْهِ
بِالطَّاعَةِ. قَالَ الْفَرَّاءُ:
ثُمَّ هُنَا بِمَعْنَى الْوَاوِ، أَيْ: وَتُوبُوا إِلَيْهِ،
لِأَنَّ الِاسْتِغْفَارَ هُوَ التَّوْبَةُ وَالتَّوْبَةُ هِيَ
الِاسْتِغْفَارُ. وقيل: وأن استغفروا [ربكم في الماضي ثُمَّ
تُوبُوا] [2] إِلَيْهِ فِي الْمُسْتَأْنَفِ يُمَتِّعْكُمْ
مَتاعاً حَسَناً، يُعَيِّشْكُمْ عَيْشًا حسنا في حفظ [3]
وَدَعَةٍ وَأَمْنٍ وَسَعَةٍ. قَالَ بَعْضُهُمْ: العيش الحسن هو
الرضى بالميسور والصبر على المقدور.
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيادة عن المخطوط والعبارة في ط «أَنِ اسْتَغْفِرُوا
رَبَّكُمْ مِنَ الْمَعَاصِي ... » .
(3) في المطبوع «خفض» . [.....]
(2/438)
إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى، إِلَى حِينِ
الْمَوْتِ، وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ، أَيْ:
وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي عَمَلٍ صَالِحٍ فِي الدُّنْيَا أَجْرَهُ
وَثَوَابَهُ فِي الْآخِرَةِ. وَقَالَ أَبُو العالية: من كثرت
طاعاته فِي الدُّنْيَا زَادَتْ دَرَجَاتُهُ فِي الْآخِرَةِ فِي
الْجَنَّةِ، لِأَنَّ الدَّرَجَاتِ تَكُونُ بِالْأَعْمَالِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَنْ زَادَتْ حَسَنَاتُهُ عَلَى
سَيِّئَاتِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ زَادَتْ سَيِّئَاتُهُ
عَلَى حَسَنَاتِهِ دَخَلَ النَّارَ، وَمَنِ اسْتَوَتْ
حَسَنَاتُهُ وَسَيِّئَاتُهُ كَانَ مِنْ [أهل] [1]
الْأَعْرَافِ، ثُمَّ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بَعْدُ. وقيل:
وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ، يَعْنِي: مَنْ عَمِلَ
لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَفَّقَهُ اللَّهُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ
عَلَى طَاعَتِهِ. وَإِنْ تَوَلَّوْا، أَعْرَضُوا، فَإِنِّي
أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ، وَهُوَ يَوْمُ
الْقِيَامَةِ.
إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
(4) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ،
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي الْأَخْنَسِ بْنِ شُرَيْقٍ
وَكَانَ رَجُلًا حُلْوَ الْكَلَامِ حُلْوَ الْمَنْظَرِ،
يَلْقَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم على ما
يُحِبُّ وَيَنْطَوِي بِقَلْبِهِ عَلَى مَا يكره [2] .
وقوله: يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ، أَيْ: يُخْفُونَ مَا فِي
صُدُورِهِمْ مِنَ الشَّحْنَاءِ وَالْعَدَاوَةِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ: نزلت هذه الآية فِي
بَعْضِ الْمُنَافِقِينَ كَانَ إِذَا مَرَّ بِرَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم ثنى صدره وحتى ظهره وَطَأْطَأَ
رَأْسَهُ وَغَطَّى وَجْهَهُ كَيْ لَا يَرَاهُ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [3] .
وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانُوا يَحْنُونَ صُدُورَهُمْ كَيْ لَا
يَسْمَعُوا كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا ذِكْرَهُ. وَقِيلَ:
كَانَ الرَّجُلُ مِنَ الْكَفَّارِ [4] يَدْخُلُ بَيْتَهُ
وَيُرْخِي سِتْرَهُ وَيَحْنِي ظَهْرَهُ وَيَتَغَشَّى
بِثَوْبِهِ. وَيَقُولُ: هَلْ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي
قَلْبِي.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَثْنُونَ أَيْ: يُعَرِضُونَ
بِقُلُوبِهِمْ، مِنْ قَوْلِهِمْ: ثَنَيْتُ عِنَانِي. وَقِيلَ:
يَعْطِفُونَ، وَمِنْهُ ثَنِيُّ الثَّوْبِ. وَقَرَأَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: يَثْنَوْنِي عَلَى وزن «يحلولي» جعل الفعل للصدور
وَمَعْنَاهُ الْمُبَالَغَةُ فِي الثَّنْيِ.
لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ، أَيْ: مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ:
لِيَسْتَخْفُوا مِنَ اللَّهِ إِنِ اسْتَطَاعُوا، أَلا حِينَ
يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ، يُغَطُّونَ رُؤُوسَهُمْ
بِثِيَابِهِمْ، يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ
إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ، قَالَ الْأَزْهَرِيُّ [5]
: مَعْنَى الْآيَةِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا: إِنَّ
الَّذِينَ أَضْمَرُوا عَدَاوَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَخْفَى عَلَيْنَا حَالُهُمْ.
«1157» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
صَبَّاحٍ ثنا حَجَّاجٌ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ:
أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّهُ
سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقْرَأُ:
«أَلَا إنّهم يثنوني صدورهم» ، فقال: سألته عنها فقال: كان
__________
1157- إسناده صحيح على شرط البخاري.
ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز.
وهو في «صحيح البخاري» 4681 عن الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
صَبَّاحٍ بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 4682 والطبري 17966 من طريق حجاج به.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) انظر «أسباب النزول» للواحدي 537.
(3) أخرجه الطبري 17952 و17953 و17954 عن عبد الله بن شداد.
وهذا مرسل فهو ضعيف.
(4) في المخطوط «المنافقين» .
(5) في المخطوط «الزهري» .
(2/439)
وَمَا مِنْ دَابَّةٍ
فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ
مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ
(6) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي
سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ
لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ
إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ
الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7)
وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ
مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلَا يَوْمَ
يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا
كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (8) وَلَئِنْ أَذَقْنَا
الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ
إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ
بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ
عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10) إِلَّا الَّذِينَ
صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ
مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11) فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ
مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا
لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ
إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ
(12)
أُنَاسٌ يَسْتَحْيُونَ أَنْ يَتَخَلَّوْا
فَيُفْضُوا إِلَى السَّمَاءِ، وَأَنْ يُجَامِعُوا نِسَاءَهُمْ
فَيُفْضُوا إِلَى السَّمَاءِ، فَنَزَلَ ذَلِكَ فيهم.
[سورة هود (11) : الآيات 6 الى 7]
وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ
رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي
كِتابٍ مُبِينٍ (6) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ
وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى
الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِنْ
قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ
لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ
مُبِينٌ (7)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ، أَيْ:
لَيْسَ دابة [في الأرض] ، مِنْ صِلَةٌ، وَالدَّابَّةُ: كُلُّ
حَيَوَانٍ يَدِبُّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ. وَقَوْلُهُ: إِلَّا
عَلَى اللَّهِ رِزْقُها، [أَيْ: هو المتكفّل برزقها] [1] ،
أَيْ: هُوَ الْمُتَكَفِّلُ بِذَلِكَ فَضْلًا وَهُوَ إِلَى
مَشِيئَتِهِ إِنْ شَاءَ رَزَقَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَرْزُقْ.
وَقِيلَ: عَلَى بِمَعْنَى مِنْ، أَيْ: من الله رزقها. قال
مُجَاهِدٌ: مَا جَاءَهَا مِنْ رِزْقٍ فَمِنَ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ، وَرُبَّمَا لَمْ يَرْزُقْهَا حَتَّى تَمُوتَ جُوعًا.
وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها، [قَالَ ابْنُ
مِقْسَمٍ: وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
مُسْتَقَرَّهَا] [2] الْمَكَانُ الَّذِي تَأْوِي إِلَيْهِ
وَتَسْتَقِرُّ فِيهِ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَمُسْتَوْدَعَهَا:
الْمَوْضِعُ الَّذِي تُدْفَنُ فِيهِ إِذَا مَاتَتْ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
[الْمُسْتَقَرُّ أَرْحَامُ الْأُمَّهَاتِ وَالْمُسْتَوْدَعُ
الْمَكَانُ الَّذِي تَمُوتُ فِيهِ.
وَقَالَ عَطَاءٌ] [3] : الْمُسْتَقَرُّ أَرْحَامُ
الْأُمَّهَاتِ وَالْمُسْتَوْدَعُ أَصْلَابُ الْآبَاءِ.
وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَلِيُّ بْنُ [أَبِي] [4]
طَلْحَةَ وَعِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقِيلَ:
الْمُسْتَقَرُّ الْجَنَّةُ أَوِ النَّارُ وَالْمُسْتَوْدَعُ
الْقَبْرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ
وَالنَّارِ: حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً [الْفُرْقَانِ:
76] . كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ، أَيْ: كُلٌّ مُثْبَتٌ فِي
اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ قبل أن خلقها.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ
وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى
الْماءِ، قَبْلَ أن يخلق السموات وَالْأَرْضَ وَكَانَ ذَلِكَ
الْمَاءُ عَلَى مَتْنِ الرِّيحِ.
قَالَ كَعْبٌ: خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَاقُوتَةً
خَضْرَاءَ ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهَا بِالْهَيْبَةِ فَصَارَتْ
مَاءً يَرْتَعِدُ ثُمَّ خَلَقَ الرِّيحَ، فَجَعَلَ الْمَاءَ
عَلَى مَتْنِهَا ثُمَّ وَضَعَ الْعَرْشَ عَلَى الْمَاءِ. قَالَ
ضَمْرَةُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ عَرْشُهُ عَلَى
الْمَاءِ ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَخَلَقَ
الْقَلَمَ فَكَتَبَ بِهِ مَا هُوَ خَالِقٌ وَمَا هُوَ كَائِنٌ
مِنْ خَلْقِهِ، ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ الْكِتَابَ سَبَّحَ اللَّهَ
وَمَجَّدَهُ أَلْفَ عَامٍ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ شَيْئًا مِنْ
خَلْقِهِ. لِيَبْلُوَكُمْ، لِيَخْتَبِرَكُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ،
أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا، عمل بِطَاعَةِ اللَّهِ وَأَوْرَعُ
عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ تَعَالَى. وَلَئِنْ قُلْتَ، يَا محمد،
إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ
الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ،
يَعْنُونَ: الْقُرْآنَ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ:
سَاحِرٌ، يَعْنُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
[سورة هود (11) : الآيات 8 الى 12]
وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ
مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ
يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحاقَ بِهِمْ مَا
كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (8) وَلَئِنْ أَذَقْنَا
الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ
لَيَؤُسٌ كَفُورٌ (9) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ
ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي
إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10) إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ
كَبِيرٌ (11) فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحى إِلَيْكَ
وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْزِلَ
عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ
نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (12)
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيد في المطبوع.
(3) زيد في المطبوع.
(4) زيادة عن المخطوط.
(2/440)
أَمْ يَقُولُونَ
افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ
مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ
اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13) فَإِلَّمْ
يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ
اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ
مُسْلِمُونَ (14) مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا
وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ
فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15)
وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ
إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ، إِلَى أَجَلٍ مَحْدُودٍ، وَأَصْلُ
الْأُمَّةِ الْجَمَاعَةُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِلَى انْقِرَاضِ
أُمَّةٍ وَمَجِيءِ أُمَّةٍ أُخْرَى، لَيَقُولُنَّ مَا
يَحْبِسُهُ، أَيُّ: أَيُّ شَيْءٍ يَحْبِسُهُ؟ يَقُولُونَهُ
اسْتِعْجَالًا لِلْعَذَابِ وَاسْتِهْزَاءً، يَعْنُونَ أَنَّهُ
لَيْسَ بِشَيْءٍ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَلا يَوْمَ
يَأْتِيهِمْ، يَعْنِي الْعَذَابَ، لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ،
لَا يَكُونُ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ، وَحاقَ بِهِمْ، نَزَلَ
بِهِمْ، ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ، أَيْ: وَبَالُ
اسْتِهْزَائِهِمْ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا
رَحْمَةً، نِعْمَةً وَسَعَةً، ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ، أي:
سلبناها منه، إِنَّهُ لَيَؤُسٌ، قُنُوطٌ فِي الشِّدَّةِ،
كَفُورٌ [فِي] [1] النِّعْمَةِ.
وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ،
بَعْدَ بَلَاءٍ أَصَابَهُ، لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ
عَنِّي، زَالَتِ الشَّدَائِدُ عَنِّي، إِنَّهُ لَفَرِحٌ
فَخُورٌ، أَشِرٌ بَطِرٌ، وَالْفَرَحُ لَذَّةٌ فِي الْقَلْبِ
بِنَيْلِ الْمُشْتَهَى وَالْفَخْرُ هُوَ التَّطَاوُلُ عَلَى
النَّاسِ بِتَعْدِيدِ الْمَنَاقِبِ، وَذَلِكَ مَنْهِيٌّ
عَنْهُ.
إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا، قَالَ الْفَرَّاءُ: هَذَا
اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ مَعْنَاهُ: لَكِنَّ الَّذِينَ
صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ، فإنهم وإن نَالَتْهُمْ
شِدَّةٌ صَبَرُوا وَإِنْ نَالُوا نِعْمَةً شَكَرُوا، أُولئِكَ
لَهُمْ مَغْفِرَةٌ، لِذُنُوبِهِمْ، وَأَجْرٌ كَبِيرٌ، وَهُوَ
الْجَنَّةُ.
فَلَعَلَّكَ، يَا مُحَمَّدُ، تارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحى
إِلَيْكَ، فُلَا تُبَلِّغُهُ إِيَّاهُمْ. وَذَلِكَ أَنَّ
كُفَّارَ مَكَّةَ لَمَّا قَالُوا: ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ
هَذَا [يُونُسَ: 15] ، لَيْسَ فِيهِ سَبُّ آلِهَتِنَا هَمَّ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدَعَ
آلِهَتُهُمْ ظَاهِرًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:
فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحى إِلَيْكَ، يَعْنِي: سَبَّ
الْآلِهَةِ، وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ، أَيْ:
فَلَعَلَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا، أَيْ: لِأَنْ
يَقُولُوا، لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ يُنْفِقُهُ أَوْ
جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ، يُصَدِّقُهُ، قَالَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
[أَبِي] [2] أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيُّ. قَالَ اللَّهُ
تَعَالَى: إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ، لَيْسَ عَلَيْكَ إِلَّا
الْبَلَاغُ، وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ، حافظ.
[سورة هود (11) : الآيات 13 الى 15]
أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ
مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ
دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (13) فَإِلَّمْ
يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ
اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ
مُسْلِمُونَ (14) مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا
وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ
فِيها لَا يُبْخَسُونَ (15)
أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ، بَلْ يَقُولُونَ اخْتَلَقَهُ، قُلْ
فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ، فَإِنْ
قِيلَ: قَدْ قَالَ فِي سُورَةِ يُونُسَ: فَأْتُوا بِسُورَةٍ
مِثْلِهِ [يونس: 38] ، وَقَدْ عَجَزُوا عَنْهُ فَكَيْفَ قَالَ:
فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ، فَهُوَ كَرَجُلٍ يَقُولُ لِآخَرَ:
أَعْطِنِي دِرْهَمًا فَيَعْجَزُ، [فيقول: أَعْطِنِي دِرْهَمًا
فَيَعْجَزُ] [3] ، فَيَقُولُ:
أَعْطِنِي عشرة دراهم؟ الجواب: قد قيل نزلت سورة هود أَوَّلًا.
وَأَنْكَرَ الْمُبَرِّدُ هَذَا، وَقَالَ: بَلْ نَزَلَتْ
سُورَةُ يُونُسَ أَوَّلًا، وَقَالَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي
سُورَةِ يونس: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ [يونس: 38] ، أَيْ:
مِثْلِهُ فِي الْخَبَرِ عَنِ الْغَيْبِ وَالْأَحْكَامِ
وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، فَعَجَزُوا فَقَالَ لَهُمْ فِي
سُورَةِ هُودٍ: إن عجزتم على الإتيان بسورة
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) ما بين المعقوفتين زيد في المطبوع.
(2/441)
أُولَئِكَ الَّذِينَ
لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا
صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16)
أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ
شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا
وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ
مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي
مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ
أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (17)
مِثْلِهُ فِي الْأَخْبَارِ وَالْأَحْكَامِ
وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ
مِنْ غَيْرِ خَبَرٍ وَلَا وَعْدٍ وَلَا وَعِيدٍ، وَإِنَّمَا
هِيَ مُجَرَّدُ الْبَلَاغَةِ، وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ،
وَاسْتَعِينُوا بِمَنِ اسْتَطَعْتُمْ، مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ
كُنْتُمْ صادِقِينَ.
فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا، يَا أَصْحَابَ
مُحَمَّدٍ. وَقِيلَ: لَفْظُهُ جَمْعٌ وَالْمُرَادُ بِهِ
الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْدَهُ.
فَاعْلَمُوا، قِيلَ: هَذَا خِطَابٌ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ.
وَقِيلَ: مَعَ الْمُشْرِكِينَ، أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ
اللَّهِ، يَعْنِي: الْقُرْآنَ.
وَقِيلَ: أَنْزَلَهُ وَفِيهِ عِلْمُهُ، وَأَنْ لَا إِلهَ
إِلَّا هُوَ، أَيْ: فَاعْلَمُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ،
فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، لَفْظُهُ اسْتِفْهَامٌ
وَمَعْنَاهُ أَمْرٌ، أَيْ: أَسْلِمُوا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا،
أَيْ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ بِعَمَلِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا،
وَزِينَتَها، نَزَلَتْ فِي كُلِّ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا يُرِيدُ
بِهِ غَيْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، نُوَفِّ إِلَيْهِمْ
أَعْمالَهُمْ فِيها، أَيْ: نُوفِّ [1] لَهُمْ أُجُورَ
أَعْمَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا بِسَعَةِ الرِّزْقِ وَدَفْعِ
الْمَكَارِهِ وَمَا أَشْبَهَهَا. وَهُمْ فِيها لَا
يُبْخَسُونَ، أَيْ: فِي الدُّنْيَا لا ينقص حظّهم.
[سورة هود (11) : الآيات 16 الى 17]
أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ
النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ مَا كانُوا
يَعْمَلُونَ (16) أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ
وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى
إِماماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ
بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي
مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ
أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (17)
أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا
النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيها، أَيْ: فِي الدُّنْيَا،
وَبَطَلَ، [و] ما حقّ، مَا كانُوا يَعْمَلُونَ، اخْتَلَفُوا
فِي المعنى بهذه الآية، فقال مُجَاهِدٌ: [هُمْ] [2] أَهْلُ
الرِّيَاءِ.
«1158» وَرُوِّينَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ
الشِّرْكَ الْأَصْغَرَ» ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا
الشِّرْكُ الأصغر؟ قال: «الرياء» .
وقيل: هَذَا فِي الْكُفَّارِ، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيُرِيدُ
الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ وَإِرَادَتُهُ الْآخِرَةَ غَالِبَةٌ،
فَيُجَازَى بِحَسَنَاتِهِ فِي الدُّنْيَا وَيُثَابُ عَلَيْهَا
فِي الْآخِرَةِ.
«1159» وَرُوِّينَا عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَظْلِمُ الْمُؤْمِنَ
حَسَنَةً، يُثَابُ عَلَيْهَا الرِّزْقَ فِي الدُّنْيَا
وَيُجْزَى بِهَا فِي الْآخِرَةِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ
فَيُطَعِّمُ بِحَسَنَاتِهِ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا
أَفْضَى إِلَى الْآخِرَةِ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُعْطَى
بِهَا خَيْرًا» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ [بَيَانٍ]
[3] ، مِنْ رَبِّهِ، قِيلَ: فِي الْآيَةِ حَذَفٌ وَمَعْنَاهُ:
أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ يُرِيدُ
الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا أَوْ مَنْ كَانَ عَلَى
بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ هُوَ فِي الضَّلَالَةِ
وَالْجَهَالَةِ، وَالْمُرَادُ بِالَّذِي هُوَ عَلَى بَيِّنَةٍ
مِنْ رَبِّهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ، أي: ومعه [4] من يشهد له
بِصِدْقِهِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَا الشَّاهِدِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ
وَعَلْقَمَةُ وَإِبْرَاهِيمُ وَمُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ
وَالضَّحَّاكُ وَأَكْثَرُ أَهْلِ
__________
1158- تقدم مسندا في سورة البقرة آية: 264. [.....]
1159- تقدم مسندا في سورة النساء آية: 39.
(1) في المخطوط «نوفر» .
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) زيد في المطبوع وط.
(4) في المطبوع «يتبعه» .
(2/442)
وَمَنْ أَظْلَمُ
مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ
عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ
كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى
الظَّالِمِينَ (18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ
وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ
(19) أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ
وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ
يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ
السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20)
التَّفْسِيرِ: إِنَّهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ
السَّلَامُ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: هُوَ لِسَانُ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَرَوَى
ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: هُوَ مَلَكٌ يَحْفَظُهُ
وَيُسَدِّدُهُ. وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: هُوَ
الْقُرْآنُ وَنَظْمُهُ وَإِعْجَازُهُ. وَقِيلَ: هُوَ عَلِيُّ
بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ عَلِيٌّ: مَا
مِنْ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَّا وَقَدْ نَزَلَتْ فِيهِ آيَةٌ
مِنَ الْقُرْآنِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَأَنْتَ أَيُّ شَيْءٍ
نَزَلَ فِيكَ؟ قَالَ: وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ. وَقِيلَ:
شَاهِدٌ مِنْهُ: هُوَ الْإِنْجِيلُ.
وَمِنْ قَبْلِهِ، أَيْ: وَمِنْ قَبْلِ مَجِيءِ مُحَمَّدٍ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقِيلَ: مِنْ قَبْلِ
نُزُولِ الْقُرْآنِ. كِتابُ مُوسى، أَيْ:
كَانَ كِتَابُ مُوسَى، إِماماً وَرَحْمَةً، لِمَنِ
اتَّبَعَهَا، يَعْنِي التَّوْرَاةَ وَهِيَ مُصَدِّقَةٌ
لِلْقُرْآنِ شَاهِدَةٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ، يَعْنِي أَصْحَابَ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقِيلَ:
أَرَادَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَمَنْ
يَكْفُرْ بِهِ، أَيْ: بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. وَقِيلَ: بِالْقُرْآنِ، مِنَ الْأَحْزابِ، مِنَ
الْكُفَّارِ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ كُلِّهَا، فَالنَّارُ
مَوْعِدُهُ.
«1160» أَخْبَرَنَا حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ أَنَا
أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ
الْقَطَّانُ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ أَنَا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ
مُنَبِّهٍ ثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ
بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَلَا يَهُودِيٌّ وَلَا
نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي
أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ، أَيْ: فِي
شَكٍّ مِنْهُ، إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ
أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ.
[سورة هود (11) : الآيات 18 الى 20]
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً
أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ
هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ
اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ
سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ
هُمْ كافِرُونَ (19) أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي
الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ
أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ مَا كانُوا
يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ (20)
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً،
فَزَعَمَ أَنَّ لَهُ وَلَدًا أَوْ شَرِيكًا، أَيْ: لَا أحد
أظلم منه [أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ يَعْنِي الْقُرْآنَ] [1] ،
أُولئِكَ، يَعْنِي: الْكَاذِبِينَ وَالْمُكَذِّبِينَ،
يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ، فَيَسْأَلُهُمْ عَنْ
أَعْمَالِهِمْ، وَيَقُولُ الْأَشْهادُ، يَعْنِي:
الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ كَانُوا يَحْفَظُونَ أَعْمَالَهُمْ،
قَالَهُ مُجَاهِدٌ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا: إِنَّهُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالرُّسُلُ عَلَيْهِمُ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَهُوَ قَوْلُ الضَّحَّاكِ. وَقَالَ
قَتَادَةُ:
الْخَلَائِقُ كُلُّهُمْ.
«1161» وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنّ الله يدني المؤمن [يوم
__________
1160- إسناده على شرط مسلم.
عبد الرزاق ابن همام، معمر هو ابن راشد.
وهو في «شرح السنة» 55 بهذا الإسناد، وفي «صحيفة همام» 91 عن
أبي هريرة به.
وأخرجه مسلم 153 وأحمد (2/ 350) وأبو عوانة (1/ 104) من حديث
أبي هريرة.
1161- تقدم في سورة البقرة: آية 284.
(1) سقط من المطبوع وط.
(2/443)
أُولَئِكَ الَّذِينَ
خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا
يَفْتَرُونَ (21) لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ
الْأَخْسَرُونَ (22) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ
أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (23) مَثَلُ
الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ
وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ
(24) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي
لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا
اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ
(26)
القيامة] [1] فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ
وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ: [أَيْ عَبْدِي] [2] أَتَعْرِفُ ذَنْبَ
كَذَا؟ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ أَيْ
رَبِّ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى فِي
نَفْسِهِ أَنَّهُ قَدْ هَلَكَ، قَالَ: [فَإِنِّي] [3]
سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ
الْيَوْمَ، فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ» .
وَأَمَّا الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ [فَيُنَادِي بِهِمْ
على رؤوس الْخَلَائِقِ] [4] هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى
رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ.
الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، يَمْنَعُونَ عَنْ
دِينِ اللَّهِ، وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ
هُمْ كافِرُونَ.
أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ، قال ابن عباس: سابقين.
[وقال قَتَادَةُ: هَارِبِينَ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: فَائِتِينَ.
فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ
أَوْلِياءَ، يَعْنِي: أَنْصَارًا وَأَعْوَانًا يَحْفَظُونَهُمْ
مِنْ عَذَابِنَا، يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ، أَيْ: يزاد [لهم]
[5] في عذابهم. قيل: تضعيف [6] الْعَذَابُ عَلَيْهِمْ
لِإِضْلَالِهِمُ الْغَيْرَ وَاقْتِدَاءِ الأتباع بهم. [قَرَأَ
ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ ويعقوب: «يضعّف» مشددة العين
بغير ألف. وقرأ الباقون:
يُضاعَفُ بالألف مخفّفة العين] [7] . مَا كانُوا
يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ، الهدى.
قَالَ قَتَادَةُ:
صُمٌّ عَنْ سَمَاعِ الْحَقِّ فَلَا يَسْمَعُونَهُ، وَمَا
كَانُوا يُبْصِرُونَ الْهُدَى. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا: أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ
حَالَ بَيْنَ أَهْلِ الشِّرْكِ وَبَيْنَ طَاعَتِهِ فِي
الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، أَمَّا فِي الدُّنْيَا قَالَ: مَا
كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَهُوَ طَاعَتُهُ، وَفِي
الْآخِرَةِ قَالَ: فلا يستطيعون، خاشعة أبصارهم.
[سورة هود (11) : الآيات 21 الى 26]
أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ
مَا كانُوا يَفْتَرُونَ (21) لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي
الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (22) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ
أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (23) مَثَلُ
الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ
وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ
(24) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ
نَذِيرٌ مُبِينٌ (25)
أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ
عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26)
أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ
، غَبَنُوا أَنْفُسِهِمْ، وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كانُوا
يَفْتَرُونَ
، يَزْعُمُونَ مِنْ شَفَاعَةِ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَصْنَامِ.
لَا جَرَمَ، أَيْ: حَقًّا. وَقِيلَ: بَلَى. وَقَالَ
الْفَرَّاءُ: لَا مَحَالَةَ، أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ
الْأَخْسَرُونَ، يَعْنِي: مِنْ غَيْرِهِمْ، وَإِنْ كَانَ
الْكُلُّ فِي الْخَسَارِ.
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ
وَأَخْبَتُوا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: خَافُوا. قَالَ قتادة:
أنابوا. قال مجاهد:
اطمأنّوا. وقيل: خشعوا. إِلى رَبِّهِمْ، أَيْ: لِرَبِّهِمْ،
أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ.
مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ، الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ، كَالْأَعْمى
وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ
مَثَلًا، قَالَ الْفَرَّاءُ: لَمْ يَقُلْ [8] يَسْتَوُونَ،
لِأَنَّ الْأَعْمَى وَالْأَصَمَّ فِي حَيِّزٍ كَأَنَّهُمَا
وَاحِدٌ لِأَنَّهُمَا مِنْ وَصْفِ الْكَافِرِ، وَالْبَصِيرَ
وَالسَّمِيعَ فِي حَيِّزٍ كَأَنَّهُمَا وَاحِدٌ لِأَنَّهُمَا
مِنْ وَصْفِ الْمُؤْمِنِ، أَفَلا تَذَكَّرُونَ، أَيْ:
تَتَّعِظُونَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ
إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ
وأبو عمرو
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) ما بين المعقوفتين في المخطوط «فيقول الأشهاد» .
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) في المطبوع «يضاعف» . [.....]
(7) سقط من المخطوط وط.
(8) زيد في المطبوع «هل» .
(2/444)
فَقَالَ الْمَلَأُ
الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا
مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ
أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا
مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (27) قَالَ يَا
قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي
وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ
أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28) وَيَا
قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا
عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا
إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا
تَجْهَلُونَ (29) وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ
إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (30)
[وَالْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ] [1] :
أَنِّي بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، أَيْ: بِأَنِّي، وَقَرَأَ
الْبَاقُونَ بِكَسْرِهَا، أَيْ: فَقَالَ إِنِّي، لِأَنَّ فِي
الْإِرْسَالِ مَعْنَى الْقَوْلِ: إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ
مُبِينٌ.
أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ
عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26) ، أَيْ: مُؤْلِمٍ. قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: بُعِثَ نُوحٌ بَعْدَ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَلَبِثَ
يَدْعُو قَوْمَهُ تِسْعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً. وَعَاشَ
بعد الطوفان ستين سنة، فكان عُمْرُهُ أَلْفًا وَخَمْسِينَ
سَنَةً. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: بُعِثَ وَهُوَ ابْنُ مِائَةِ
سَنَةً. وَقِيلَ: بُعِثَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسِينَ سَنَةً.
وَقِيلَ: بُعِثَ وَهُوَ ابْنُ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ سَنَةً،
وَمَكَثَ يَدْعُو قَوْمَهُ تِسْعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً
وَعَاشَ بَعْدَ الطُّوفَانِ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ سَنَةً
فَكَانَ عُمْرُهُ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ
سَنَةً، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ
سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا [الْعَنْكَبُوتِ: 40] ، أَيْ:
فَلَبِثَ فيهم داعيا.
[سورة هود (11) : الآيات 27 الى 30]
فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَراكَ
إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ
الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ
عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ (27) قالَ
يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ
رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ
عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ (28)
وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجرِيَ
إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا
إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً
تَجْهَلُونَ (29) وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ
إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (30)
فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ،
وَالْمَلَأُ هُمُ الْأَشْرَافُ وَالرُّؤَسَاءُ، وَما نَراكَ،
يَا نُوحُ، إِلَّا بَشَراً، آدَمِيًّا، مِثْلَنا وَما نَراكَ
اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا، سَفَلَتُنَا،
وَالرَّذْلُ: الدُّونُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَالْجَمْعُ:
أَرْذُلٌ، ثُمَّ يُجْمَعُ عَلَى أَرَاذِلَ، مِثْلَ كَلْبٍ
وَأَكْلُبٍ وَأَكَالِبَ، وَقَالَ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ:
وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ [الشعراء: 111] ، يَعْنِي:
السَّفَلَةَ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: الْحَاكَةُ
وَالْأَسَاكِفَةُ، بادِيَ الرَّأْيِ، قَرَأَ أَبُو عمرو بادِيَ
بِالْهَمْزِ أَيْ: أَوَّلَ الرَّأْيِ يُرِيدُونَ [2] أَنَّهُمُ
اتَّبَعُوكَ فِي أَوَّلِ الرَّأْيِ مِنْ غَيْرِ رَوِيَّةٍ
وَتَفَكُّرٍ، وَلَوْ تَفَكَّرُوا لَمْ يَتَّبِعُوكَ. وَقَرَأَ
الْآخَرُونَ بِغَيْرِ هَمْزٍ، أَيْ ظَاهِرَ الرَّأْيِ مِنْ
قَوْلِهِمْ: بَدَا الشَّيْءُ إِذَا ظَهَرَ مَعْنَاهُ
اتَّبَعُوكَ ظَاهِرًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَدَبَّرُوا
وَيَتَفَكَّرُوا بَاطِنًا. قَالَ مُجَاهِدٌ: رَأْيَ الْعَيْنِ،
وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ
كاذِبِينَ.
قالَ نُوحٌ: يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى
بَيِّنَةٍ، بَيَانٍ، مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً، أَيْ:
هُدًى وَمَعْرِفَةً، مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ،
أَيْ: خَفِيَتْ وَالْتَبَسَتْ عَلَيْكُمْ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ
وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ:
فَعُمِّيَتْ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ، أَيْ:
شُبِّهَتْ وَلُبِّسَتْ عَلَيْكُمْ، أَنُلْزِمُكُمُوها، أَيْ:
أَنُلْزِمُكُمُ الْبَيِّنَةَ [وَالرَّحْمَةَ] [3] ، وَأَنْتُمْ
لَها كارِهُونَ، لَا تُرِيدُونَهَا. قَالَ قَتَادَةُ: لَوْ
قَدَرَ الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ والسّلام أن
يلزموا قومهم لألزموا، وَلَكِنْ لَمْ يَقْدِرُوا.
قَوْلُهُ: وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا، أَيْ:
عَلَى الْوَحْيِ وَتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ، كِنَايَةً عَنْ
غَيْرِ مَذْكُورٍ، إِنْ أَجرِيَ، مَا ثَوَابِي، إِلَّا عَلَى
اللَّهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا، هَذَا دَلِيلٌ
عَلَى أَنَّهُمْ طَلَبُوا مِنْهُ طَرْدَ
__________
(1) زيد في المطبوع وط.
(2) في المخطوط «يريد» .
(3) زيد في المطبوع وط.
(2/445)
وَلَا أَقُولُ لَكُمْ
عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا
أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي
أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ
أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ
الظَّالِمِينَ (31) قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا
فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ
كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ
بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (33)
وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ
لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ
رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34) أَمْ يَقُولُونَ
افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي
وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (35) وَأُوحِيَ إِلَى
نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ
آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)
المؤمنين، إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ،
أَيْ: صَائِرُونَ إِلَى رَبِّهِمْ فِي الْمَعَادِ فَيَجْزِي
مَنْ طَرَدَهُمْ، وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ.
وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ، مَنْ يَمْنَعُنِي
مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ،
تَتَّعِظُونَ.
[سورة هود (11) : الآيات 31 الى 36]
وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ
الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ
تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً
اللَّهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ
الظَّالِمِينَ (31) قالُوا يَا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا
فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ
مِنَ الصَّادِقِينَ (32) قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ
اللَّهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (33) وَلا
يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ
كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ
وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ
إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ
مِمَّا تُجْرِمُونَ (35)
وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ
إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا
يَفْعَلُونَ (36)
وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ، فَآتِي مِنْهَا
مَا تَطْلُبُونَ، وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ، فَأُخْبِرُكُمْ
بِمَا تُرِيدُونَ.
وَقِيلَ: إِنَّهُمْ لَمَّا قَالُوا لنوح إن الذين اتّبعوك
[إنما آمنوا بك] فِي ظَاهِرِ مَا تَرَى مِنْهُمْ، قال نوح
[عليه الصلاة والسلام] [1] مجيبا لَهُمْ: لَا أَقُولُ لَكُمْ
عِنْدِي خَزَائِنُ غُيُوبِ اللَّهِ الَّتِي يَعْلَمُ منها ما
يضمره النَّاسُ، وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ فَأَعْلَمَ ما
يسرونه فِي نُفُوسِهِمْ، فَسَبِيلِي قَبُولُ مَا ظَهَرَ مِنْ
إِيمَانِهِمْ، وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ، هَذَا جَوَابُ
قَوْلِهِمْ: مَا نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا. وَلا أَقُولُ
لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ، أي: [تحتقروه وتستصغروه في
أَعْيُنُكُمْ] [2] ، يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ، وَذَلِكَ
أَنَّهُمْ قَالُوا: هُمْ أَرَاذِلُنَا، لَنْ يُؤْتِيَهُمُ
اللَّهُ خَيْراً، أَيْ:
تَوْفِيقًا وَإِيمَانًا وَأَجْرًا، اللَّهُ أَعْلَمُ بِما فِي
أَنْفُسِهِمْ، مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ مِنِّي، إِنِّي إِذاً
لَمِنَ الظَّالِمِينَ، لَوْ قُلْتُ هَذَا.
قالُوا يَا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا، خَاصَمْتَنَا، فَأَكْثَرْتَ
جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا، مِنَ الْعَذَابِ إِنْ كُنْتَ
مِنَ الصَّادِقِينَ.
قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شاءَ، يَعْنِي:
بِالْعَذَابِ، وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ، بِفَائِتِينَ.
وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي، أَيْ: نَصِيحَتِي، إِنْ أَرَدْتُ
أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ
يُغْوِيَكُمْ، يُضِلَّكُمْ، هُوَ رَبُّكُمْ، لَهُ الْحُكْمُ
وَالْأَمْرُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، فَيَجْزِيكُمْ
بِأَعْمَالِكُمْ.
أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله
عنه: يَعْنِي نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ:
يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قُلْ
إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي، أَيْ: إِثْمِي
وَوَبَالُ جرمي [على نفسي] [3] . والإجرام: كسب الذنب. وَأَنَا
بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ، لَا أُؤَاخِذُ بِذُنُوبِكُمْ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ
يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ.
رَوَى الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ قَوْمَ نُوحٍ
عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانُوا يَضْرِبُونَ نُوحًا حَتَّى
يَسْقُطَ فَيُلْقُونَهُ [4]
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) العبارة في المطبوع «تحتقرهم وتستصغرهم أعينكم» .
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) في المطبوع «فَيُلْقُونَهُ» .
(2/446)
وَاصْنَعِ الْفُلْكَ
بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ
ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (37) وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ
وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا
مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ
مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38)
فِي لَبَدٍ وَيُلْقُونَهُ فِي قَعْرِ
بَيْتٍ يَظُنُّونَ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ فيخرج [عليهم] [1] فِي
الْيَوْمِ الثَّانِي وَيَدْعُوهُمْ إِلَى الله عزّ وجلّ.
وروي أَنَّ شَيْخًا مِنْهُمْ جَاءَ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَصَا
وَمَعَهُ ابْنُهُ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ لَا يَغُرَّنَّكَ هَذَا
الشَّيْخُ الْمَجْنُونُ، فَقَالَ لَهُ: يَا أبت أمكني من العصى
فأخذ العصى مِنْ أَبِيهِ فَضَرَبَ نُوحًا حَتَّى شَجَّهُ
شَجَّةً مُنْكَرَةً، فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
إِلَيْهِ: أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ
قَدْ آمَنَ، فَلا تَبْتَئِسْ، فَلَا تَحْزَنْ، بِما كانُوا
يَفْعَلُونَ، فَإِنِّي مُهْلِكُهُمْ [وَمُنْقِذُكَ مِنْهُمْ]
[2] ، فَحِينَئِذٍ دَعَا نُوحٌ عَلَيْهِمْ: وَقالَ نُوحٌ رَبِّ
لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً (26)
[نُوحٍ: 26] .
وَحَكَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ
اللَّيْثِيِّ أَنَّهُ بَلَغَهُ: أنهم كان يَبْطِشُونَ بِهِ
فَيَخْنُقُونَهُ حَتَّى يُغْشَى عَلَيْهِ، فَإِذَا أَفَاقَ
قَالَ: رَبِّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ،
حَتَّى إِذَا تَمَادَوْا فِي الْمَعْصِيَةِ وَاشْتَدَّ
عَلَيْهِ مِنْهُمُ الْبَلَاءُ، وَانْتَظَرَ الْجِيلَ بَعْدَ
الْجِيلِ [3] فَلَا يَأْتِي قَرْنٌ إِلَّا كَانَ أَخْبَثَ مِنَ
الَّذِي قَبِلَهُ حَتَّى إِنْ كَانَ الْآخَرُ مِنْهُمْ
لَيَقُولُ: قَدْ كَانَ هَذَا مَعَ آبَائِنَا وَأَجْدَادِنَا
هَكَذَا مَجْنُونًا لَا يَقْبَلُونَ مِنْهُ شَيْئًا، فَشَكَا
إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ:
رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً [نوح: 5] ،
إِلَى أَنْ قَالَ: رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ
الْكافِرِينَ دَيَّاراً [نوح: 26] ، فأوحى الله تعالى إليه:
[سورة هود (11) : الآيات 37 الى 38]
وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي
فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (37) وَيَصْنَعُ
الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ
سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا
نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ (38)
وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
بِمَرْأًى مِنَّا. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: بعلمنا. وقيل: بحفظنا.
وَوَحْيِنا، أي: بِأَمْرِنَا، وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ
ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ، [أي] : ولا تُخَاطِبْنِي فِي
إِمْهَالِ الْكَفَّارِ، فَإِنِّي حكمت [في غيبي] [4]
بِإِغْرَاقِهِمْ. وَقِيلَ: لَا تُخَاطِبْنِي فِي ابْنِكَ
كَنْعَانَ وَامْرَأَتِكَ وَاعِلَةَ فَإِنَّهُمَا هَالِكَانِ
مَعَ الْقَوْمِ. وَفِي الْقِصَّةِ: أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى
نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: إِنَّ رَبَّكَ عَزَّ
وَجَلَّ يَأْمُرُكَ أَنْ تَصْنَعَ الْفُلْكَ، فقال: كَيْفَ
أَصْنَعُ وَلَسْتُ بِنَجَّارٍ؟ فَقَالَ: إِنْ رَبَّكَ يَقُولُ
اصْنَعْ فَإِنَّكَ بِعَيْنِي، فَأَخَذَ الْقُدُومَ وَجَعَلَ
يَصْنَعُ ولا يخطىء. وَقِيلَ: أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ
يصنعها مثل جؤجؤ الطائر.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ، فَلَمَّا أَمَرَهُ
اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَصْنَعَ الْفُلْكَ أَقْبَلَ نُوحٌ
عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى عَمَلِ الْفُلْكِ وَلَهَا عَنْ
قَوْمِهِ، وَجَعَلَ يَقْطَعُ الْخَشَبَ وَيَضْرِبُ الْحَدِيدَ
وَيُهَيِّئُ عِدَّةَ الْفُلْكِ مِنَ الْقَارِ وَغَيْرِهِ،
وَجَعَلَ قَوْمُهُ يَمُرُّونَ بِهِ وَهُوَ فِي عَمَلِهِ
وَيَسْخَرُونَ مِنْهُ، وَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ قَدْ صِرْتَ
نَجَّارًا بَعْدَ النُّبُوَّةِ؟
وَأَعْقَمَ اللَّهُ أَرْحَامَ نِسَائِهِمْ فَلَا يُولَدُ
لَهُمْ وَلَدٌ. وَزَعَمَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ أَنَّ اللَّهَ
أَمَرَهُ أَنْ يَصْنَعَ الْفُلْكَ مِنْ خَشَبِ السَّاجِ،
وَأَنْ يَصْنَعَهُ مِنْ أَزْوَرَ وَأَنْ يَطْلِيَهُ بِالْقَارِ
مِنْ دَاخِلِهِ وَخَارِجِهِ، وَأَنْ يَجْعَلَ طُولَهُ
ثَمَانِينَ ذِرَاعًا وَعَرْضَهُ خَمْسِينَ ذِرَاعًا، وَطُولَهُ
فِي السَّمَاءِ ثَلَاثِينَ ذِرَاعًا، وَالذِّرَاعُ إِلَى
الْمَنْكِبِ، وَأَنْ يَجْعَلَهُ ثَلَاثَةَ أَطْبَاقٍ سُفْلَى
وَوُسْطَى وَعُلْيَا وَيَجْعَلَ فِيهِ كُوًى، ففعله نوح كما
أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اتَّخَذَ نُوحٌ السَّفِينَةَ فِي
سَنَتَيْنِ وَكَانَ طُولَ السَّفِينَةِ ثلاثمائة ذراع وعرضها
خمسون
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) العبارة في المطبوع «ولا منقذ منهم» .
(3) في المخطوط «البخل» .
(4) زيادة عن المخطوطتين.
(2/447)
فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ
مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ
مُقِيمٌ (39) حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ
التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ
اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ
وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (40)
ذِرَاعًا وَطُولَهَا فِي السَّمَاءِ
ثَلَاثُونَ ذِرَاعًا، وَكَانَتْ مِنْ خَشَبِ السَّاجِ وجعل لها
ثلاثة بطون، فجعل [1] فِي الْبَطْنِ الْأَسْفَلِ الْوُحُوشَ
وَالسِّبَاعَ والهوام، و [جعل] [2] في الْبَطْنِ الْأَوْسَطِ
الدَّوَابَّ وَالْأَنْعَامَ، وَرَكِبَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ فِي
الْبَطْنِ الْأَعْلَى مَعَ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ من الزاد.
قال قَتَادَةُ: كَانَ بَابُهَا فِي عَرْضِهَا.
وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ: كَانَ طُولُهَا ألفا ومائتي ذراع
وعرضها ست مائة ذراع. والمعروف هو الْأَوَّلُ أَنَّ طُولَهَا
ثَلَاثُمِائَةِ ذِرَاعٍ. وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ:
مَكَثَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِائَةَ سَنَةٍ يَغْرِسُ
الْأَشْجَارَ وَيَقْطَعُهَا، وَمِائَةَ سَنَةٍ يَعْمَلُ
الْفُلْكَ. وَقِيلَ: غَرَسَ الشَّجَرَ أَرْبَعِينَ سَنَةً
وَجَفَّفَهُ أَرْبَعِينَ سَنَةً. وَعَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ
أَنَّ نُوحًا عَمِلَ السَّفِينَةَ فِي ثَلَاثِينَ سَنَةً،
وَرُوِيَ أَنَّهَا كَانَتْ ثَلَاثُ طَبَقَاتٍ، الطَّبَقَةُ
السُّفْلَى لِلدَّوَابِّ وَالْوُحُوشِ، وَالطَّبَقَةُ
الْوُسْطَى فِيهَا الْإِنْسُ، وَالطَّبَقَةُ الْعُلْيَا فِيهَا
الطَّيْرُ، فَلَمَّا كَثُرَتْ أرواث الدواب شكا ذَلِكَ إِلَى
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فأوحى اللَّهُ إِلَى نُوحٍ أَنِ اغْمِزْ
ذَنَبَ الْفِيلِ فَغَمَزَهُ فَوَقَعَ مِنْهُ خِنْزِيرٌ
وَخِنْزِيرَةٌ، فَأَقْبَلَا عَلَى الرَّوَثِ فأكلاه، فَلَمَّا
وَقَعَ الْفَأْرُ بِجَوْفِ [3] السَّفِينَةِ فجعل يقرضها ويقرض
حبالها، أوحى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ أَنِ اضْرِبْ بَيْنَ
عَيْنَيِ الْأَسَدِ فَضَرَبَ فَخَرَجَ مِنْ مَنْخَرِهِ
سِنَّوْرٌ وَسِنَّوْرَةٌ، فَأَقْبَلَا على الفار فأكلاه [4] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ
قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا
يَقُولُونَ: إِنَّ هَذَا الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ
قَدْ صَارَ نَجَّارًا. وَرُوِيَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ
لَهُ: يَا نُوحُ مَاذَا تَصْنَعُ؟ فَيَقُولُ: أَصْنَعُ بَيْتًا
يَمْشِي عَلَى الْمَاءِ، فَيَضْحَكُونَ مِنْهُ، قالَ إِنْ
تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ، إِذَا
عَايَنْتُمْ عَذَابَ اللَّهِ، كَما تَسْخَرُونَ، فَإِنْ قِيلَ:
كَيْفَ تَجُوزُ السُّخْرِيَةُ مِنَ النَّبِيِّ؟ قِيلَ: هَذَا
عَلَى ازْدِوَاجِ الْكَلَامِ، يَعْنِي: إِنْ تَسْتَجْهِلُونِي
فَإِنِّي أَسْتَجْهِلُكُمْ إِذَا نَزَلَ الْعَذَابُ بِكُمْ.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَسَتَرَوْنَ عاقبة
سخريتكم.
[سورة هود (11) : الآيات 39 الى 40]
فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ
وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ (39) حَتَّى إِذا جاءَ
أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ
زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ
الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ (40)
فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ،
يُهِينُهُ، وَيَحِلُّ عَلَيْهِ، يَجِبُ عَلَيْهِ، عَذابٌ
مُقِيمٌ، دَائِمٌ.
حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا، عَذَابُنَا، وَفارَ التَّنُّورُ،
اخْتَلَفُوا فِي التَّنُّورِ، قَالَ عِكْرِمَةُ
وَالزُّهْرِيُّ: هُوَ وَجْهُ الْأَرْضِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ
قِيلَ لِنُوحٍ: إِذَا رَأَيْتَ الْمَاءَ فَارَ عَلَى وَجْهِ
الْأَرْضِ فَارْكَبِ السَّفِينَةَ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: فَارَ التَّنُّورُ أَيْ:
طَلَعَ الْفَجْرُ وَنُورُ الصُّبْحِ. وَقَالَ الْحَسَنُ
وَمُجَاهِدٌ وَالشَّعْبِيُّ: إِنَّهُ التَّنُّورُ الَّذِي
يُخْبَزُ فِيهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ.
وَرِوَايَةُ عَطِيَّةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ الْحَسَنُ:
كَانَ تَنُّورًا مِنْ حِجَارَةٍ، كَانَتْ حَوَّاءُ تَخْبِزُ
فِيهِ فَصَارَ إِلَى نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقِيلَ
لِنُوحٍ: إِذَا رَأَيْتَ الْمَاءَ يَفُورُ مِنَ التَّنُّورِ
فَارْكَبْ السفينة أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ. وَاخْتَلَفُوا فِي
مَوْضِعِهِ، قَالَ مُجَاهِدٌ وَالشَّعْبِيُّ: كَانَ فِي
نَاحِيَةِ الْكُوفَةِ. وَكَانَ الشَّعْبِيُّ يَحْلِفُ: مَا
فَارَ التَّنُّورُ إِلَّا مِنْ ناحية
__________
(1) في المطبوع «فحمل» . [.....]
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) في المخطوط «يخرب» وعند الطبري «يجزر» .
(4) هذا الأثر وأمثاله من الإسرائيليات.
(2/448)
الْكُوفَةِ [1] . وَقَالَ: اتَّخَذَ نُوحٌ
السَّفِينَةَ فِي جَوْفِ مَسْجِدِ الْكُوفَةِ. وَكَانَ
التَّنُّورُ عَلَى يَمِينِ الدَّاخِلِ مِمَّا يلي باب [بني]
[2] كِنْدَةَ، وَكَانَ فَوَرَانُ الْمَاءِ مِنْهُ عَلَمًا
لِنُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: كَانَ ذَلِكَ
تَنُّورُ آدَمَ وَكَانَ بِالشَّامِ بِمَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ
عَيْنُ وَرْدَةٍ.
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَانَ بِالْهِنْدِ.
وَالْفَوَرَانُ: الْغَلَيَانُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْنَا
احْمِلْ فِيها، أَيْ:
فِي السَّفِينَةِ، مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ،
الزَّوْجَانِ: كُلُّ اثْنَيْنِ لَا يَسْتَغْنِي أَحَدُهُمَا
عَنِ الْآخَرِ، يُقَالُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا زَوْجٌ،
يُقَالُ: زَوْجُ خُفٍّ وَزَوْجُ نَعْلٍ، وَالْمُرَادُ
بِالزَّوْجَيْنِ هَاهُنَا: الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى. قَرَأَ
حَفْصٌ هَاهُنَا وَفِي سُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ [27] : مِنْ
كُلٍّ بِالتَّنْوِينِ، أَيْ: مِنْ كُلِّ صِنْفٍ زَوْجَيْنِ
اثْنَيْنِ، ذَكَرَهُ تَأْكِيدًا. وَفِي الْقِصَّةِ: أَنَّ
نُوحًا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: يَا رَبِّ
كَيْفَ أَحْمِلُ من زوجين اثنين، [ولا أعرف الذكر من الأنثى]
[3] ؟ فحشر الله إليه الوحوش والسباع والهوام والطير، فجعل
يضرب بيديه فِي كُلِّ جِنْسٍ فَيَقَعُ الذَّكَرُ فِي يَدِهِ
الْيُمْنَى وَالْأُنْثَى فِي يده اليسرى، فيحمله فِي
السَّفِينَةِ، وَأَهْلَكَ، أَيْ: وَاحْمِلْ أَهْلَكَ، أَيْ:
وَلَدَكَ وَعِيَالَكَ، إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ،
بِالْهَلَاكِ يَعْنِي امْرَأَتَهُ وَاعِلَةَ وَابْنَهُ
كَنْعَانَ، وَمَنْ آمَنَ، يَعْنِي: وَاحْمِلْ مَنْ آمن بك،
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ،
وَاخْتَلَفُوا فِي عَدَدِهِمْ، قَالَ قَتَادَةُ وَابْنُ
جُرَيْجٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: لَمْ يَكُنْ
فِي السَّفِينَةِ إِلَّا ثَمَانِيَةُ، نُوحٌ وَامْرَأَتُهُ
وَثَلَاثَةُ بَنِينَ لَهُ [سام وحام يافث، وَنِسَاؤُهُمْ.
وَقَالَ الْأَعْمَشُ: كَانُوا سَبْعَةً نُوحٌ وَثَلَاثَةُ
بَنِينَ لَهُ] [4] وَثَلَاثُ كنائن.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: كَانُوا عَشَرَةً سِوَى نِسَائِهِمْ،
نُوحٌ وَبَنُوهُ سَامٌ وَحَامٌ ويافثُ وَسِتَّةُ أُنَاسٍ
مِمَّنْ كَانَ آمَنَ بِهِ وَأَزْوَاجُهُمْ جَمِيعًا. وَقَالَ
مُقَاتِلٌ: كَانُوا اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ نفرا نوحا وامرأته
وبنيه الثلاثة ونسائهم، فَجَمِيعُهُمْ ثَمَانِيَةٌ وَسَبْعُونَ
نِصْفُهُمْ رِجَالٌ وَنِصْفُهُمْ نِسَاءٌ. وَعَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ [فِي] [5]
سَفِينَةِ نُوحٍ ثَمَانُونَ رَجُلًا أَحَدُهُمْ جُرْهُمُ [6] .
قَالَ مُقَاتِلٌ: حَمَلَ نُوحٌ مَعَهُ جَسَدَ آدَمَ فَجَعَلَهُ
مُعْتَرِضًا بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَقَصَدَ نُوحًا
جَمِيعُ الدَّوَابِّ وَالطُّيُورِ لِيَحْمِلَهَا.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَوَّلُ مَا
حَمَلَ نُوحٌ الدُّرَّةَ وَآخَرُ مَا حَمَلَ الْحِمَارُ،
فَلَمَّا دَخَلَ الْحِمَارُ وَدَخَلَ صَدْرُهُ تَعَلَّقَ
إِبْلِيسُ بِذَنَبِهِ، فَلَمْ يَسْتَقِلَّ رِجْلَاهُ فَجَعَلَ
نُوحٌ يَقُولُ: وَيْحَكَ ادْخُلْ فَنَهَضَ فَلَمْ يَسْتَطِعْ،
حَتَّى قَالَ نُوحٌ: وَيَحَكَ ادْخُلْ وَإِنَّ كان
الشَّيْطَانَ مَعَكَ كَلِمَةٌ زَلَّتْ عَلَى لِسَانِهِ،
فَلَمَّا قَالَهَا نُوحٌ خَلَّى الشَّيْطَانُ سَبِيلَهُ
فَدَخَلَ وَدَخَلَ الشَّيْطَانُ معه، فَقَالَ لَهُ نُوحٌ: مَا
أَدْخَلَكَ عَلَيَّ يَا عَدُوَّ اللَّهِ؟ قَالَ: أَلَمْ تَقُلِ
ادْخُلْ وَإِنْ كَانَ الشَّيْطَانُ مَعَكَ، قَالَ: اخْرُجْ
عَنِّي يا عدوّ الله، فقال: ما لك بُدٌّ مِنْ أَنْ تَحْمِلَنِي
مَعَكَ، فَكَانَ فِيمَا يَزْعُمُونَ فِي ظَهْرِ الْفُلْكِ [7]
.
وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ: أَنَّ الْحَيَّةَ وَالْعَقْرَبَ
أَتَيَا نُوحًا فَقَالَتَا: احْمِلْنَا، فَقَالَ: إِنَّكُمَا
سَبَبُ الضُّرِّ وَالْبَلَاءِ، فَلَا أَحْمِلُكُمَا،
فَقَالَتَا لَهُ: احْمِلْنَا وَنَحْنُ نَضْمَنُ لَكَ أَنْ لَا
نَضُرَّ أَحَدًا ذَكَرَكَ فَمَنْ قرأ حين خاف مضرّتهما
__________
(1) لا أصل له عن الشعبي، فإنه إمام علّامة لا يحلف بالله
تعالى على خبر متلقى من الإسرائيليات، والصواب في ذلك أن يقال:
الله أعلم.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) زيد في المطبوع وط.
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) في المخطوط «جدهم» .
(7) هذه الآثار مصدرها كتب الأقدمين.
(2/449)
وَقَالَ ارْكَبُوا
فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي
لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ
كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا
بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42)
قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ
لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ
وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ
(43) وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ
أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ
عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ
(44) وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ
أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ
الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ
أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا
لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ
الْجَاهِلِينَ (46)
سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ مَا
ضَرَّتَاهُ.
قَالَ الْحَسَنُ: لَمْ يَحْمِلْ نُوحٌ فِي السَّفِينَةِ إِلَّا
مَا يَلِدُ وَيَبِيضُ، فَأَمَّا مَا يَتَوَلَّدُ مِنَ الطِّينِ
مِنْ حَشَرَاتِ الأرض كالبق والبعوض والذباب فلم يحمل منها
شيئا.
[سورة هود (11) : الآيات 41 الى 43]
وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها
إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ
فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي
مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ
الْكافِرِينَ (42) قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ
الْماءِ قالَ لَا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ
مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ
الْمُغْرَقِينَ (43)
وَقالَ ارْكَبُوا فِيها، أي: قال لهم نوح اركبوا فِي
السَّفِينَةِ، بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها، قَرَأَ
حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ: مَجْراها بفتح الميم
وَمُرْساها بِضَمِّهَا، وَقَرَأَ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَيْصِنٍ
«مَجْرِيهَا وَمَرْسَاهَا» بِفَتْحِ الْمِيمَيْنِ مِنْ جَرَتْ
وَرَسَتْ، أَيْ: بِسْمِ اللَّهِ جَرْيُهَا وَرُسُوُّهَا،
وَهُمَا مَصْدَرَانِ. وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: مَجْراها
وَمُرْساها بِضَمِّ الْمِيمَيْنِ مِنْ أُجْرِيَتْ
وَأُرْسِيَتْ، أَيْ: بِسْمِ اللَّهِ إِجْرَاؤُهَا
وَإِرْسَاؤُهَا وَهُمَا أَيْضًا مَصْدَرَانِ كَقَوْلِهِ:
أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً [المؤمنون: 29] ، أَدْخِلْنِي
مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ [الإسراء: 80]
، والمراد منه الْإِنْزَالُ وَالْإِدْخَالُ وَالْإِخْرَاجُ.
إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ، قَالَ الضَّحَّاكُ: كَانَ
نُوحٌ إِذَا أَرَادَ أَنْ تَجْرِيَ السفينة قال: بسم الله،
جرت. وإذا أراد أن يرسو قال: بسم الله رست.
وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ، وَالْمَوْجُ
مَا ارْتَفَعَ مِنَ الْمَاءِ إِذَا اشْتَدَّتْ عَلَيْهِ
الرِّيحُ، شَبَّهَهُ بِالْجِبَالِ فِي عِظَمِهِ وَارْتِفَاعِهِ
عَلَى الْمَاءِ. وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ، كَنْعَانَ، وَقَالَ
عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ: سَامٌ وَكَانَ كَافِرًا، وَكانَ فِي
مَعْزِلٍ، عنه لم يركب السَّفِينَةِ، يَا بُنَيَّ ارْكَبْ
مَعَنا، قرأ نافع وابن عامر وحمزة والبزي عن ابْنُ كَثِيرٍ،
وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عاصم ويعقوب: ارْكَبْ، بِإِظْهَارِ
الْبَاءِ وَالْآخَرُونَ يُدْغِمُونَهَا فِي الْمِيمِ، وَلا
تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ، فَتَهْلَكَ.
قالَ لَهُ ابْنُهُ: سَآوِي، سَأَصِيرُ وَأَلْتَجِئُ، إِلى
جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ، يَمْنَعُنِي مِنَ الْغَرَقِ،
قالَ لَهُ نُوحٌ: لَا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ،
أي: مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ، قِيلَ:
مِنَ فِي مَحَلِّ رفع، أَيْ: لَا مَانِعَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ
إِلَّا اللَّهُ الرَّاحِمُ. وَقِيلَ: مِنَ فِي مَحَلِّ
النَّصْبِ، مَعْنَاهُ: لَا مَعْصُومَ إِلَّا مَنْ رَحِمَهُ
اللَّهُ كَقَوْلِهِ: فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ [الْحَاقَّةِ: 21] ،
أَيْ: مَرْضِيَّةٍ، وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ،
فَصَارَ، مِنَ الْمُغْرَقِينَ.
ويروى: أن الماء علا على رؤوس الْجِبَالِ قَدْرَ أَرْبَعِينَ
ذِرَاعًا، وَقِيلَ: خمسة عشر ذراعا. ويروى: أَنَّهُ لَمَّا
كَثُرَ الْمَاءُ فِي السِّكَكِ خَشِيَتْ أَمٌ لِصَبِيٍّ [1]
عَلَيْهِ وَكَانَتْ تُحِبُّهُ حُبًّا شَدِيدًا فَخَرَجَتْ
إِلَى الْجَبَلِ حَتَّى بَلَغَتْ ثُلُثَهُ، فَلَمَّا بَلَغَهَا
الْمَاءُ ارْتَفَعَتْ حَتَّى بلغت ثلثيه، فلما بلغها الماء
ذَهَبَتْ حَتَّى اسْتَوَتْ عَلَى الْجَبَلِ، فَلَمَّا بَلَغَ
الْمَاءُ رَقَبَتَهَا رَفَعَتِ الصَّبِيَّ بِيَدَيْهَا حَتَّى
ذَهَبَ بِهَا الْمَاءُ، فَلَوْ رَحِمَ اللَّهُ مِنْهُمْ أحدا
لرحم أم الصبيّ.
[سورة هود (11) : الآيات 44 الى 46]
وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي
وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى
الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44)
وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي
وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ
(45) قالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ
عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ
عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (46)
__________
(1) في المطبوع «الصبي» وفي المخطوط «صبي» والمثبت عن ط.
(2/450)
وَقِيلَ، بعد ما تَنَاهَى أَمْرُ
الطُّوفَانِ: يَا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ، اشربي، ماءَكِ وَيا
سَماءُ أَقْلِعِي، أَمْسِكِي، وَغِيضَ الْماءُ، نَقَصَ
وَنَضَبَ، يُقَالُ: غَاضَ الْمَاءُ يَغِيضُ غَيْضًا إِذَا
نَقَصَ، وَغَاضَهُ اللَّهُ [أَيْ أَنْقَصَهُ] [1] ، وَقُضِيَ
الْأَمْرُ، فُرِغَ مِنَ الْأَمْرِ وَهُوَ هَلَاكُ الْقَوْمِ
وَاسْتَوَتْ، يَعْنِي: السفينة استقرّت عَلَى الْجُودِيِّ، وهو
جبل [بأرض] [2] الجزيرة بِقُرْبِ الْمَوْصِلِ، وَقِيلَ
بُعْداً، هَلَاكًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.
وَرُوِيَ أَنَّ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعَثَ الْغُرَابَ
لِيَأْتِيَهُ بِخَبَرِ الْأَرْضِ فَوَقَعَ عَلَى جِيفَةٍ
فَلَمْ يَرْجِعْ فَبَعَثَ الْحَمَامَةَ فَجَاءَتْ بِوَرَقِ
زَيْتُونٍ فِي مِنْقَارِهَا وَلَطَّخَتْ رِجْلَيْهَا
بِالطِّينِ، فَعَلِمَ نُوحٌ أَنَّ الْمَاءَ قَدْ نَضَبَ،
فَقِيلَ: إِنَّهُ دَعَا عَلَى الْغُرَابِ بِالْخَوْفِ
فَلِذَلِكَ لَا يَأْلَفُ الْبُيُوتَ، وَطَوَّقَ الْحَمَامَةَ
الْخُضْرَةَ الَّتِي فِي عُنُقِهَا وَدَعَا لها بالأمان، فمن
ثم تألف البيوت [3] .
وروي: أن نوحا رَكِبَ السَّفِينَةَ لِعَشْرٍ مَضَتْ مِنْ رجب
وجرت بهم السفينة [لعشر مضت من محرم] [4] سِتَّةَ أَشْهُرٍ،
وَمَرَّتْ بِالْبَيْتِ فَطَافَتْ بِهِ سَبْعًا وَقَدْ رَفَعَهُ
اللَّهُ مِنَ الْغَرَقِ وَبَقِيَ مَوْضِعُهُ، وَهَبَطُوا يوم
عاشوراء فصام نوح [ذلك اليوم] [5] وَأَمَرَ جَمِيعَ مَنْ
مَعَهُ بِالصَّوْمِ شُكْرًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ [6] .
وَقِيلَ: مَا نَجَا مِنَ الْكُفَّارِ مِنَ الْغَرَقِ غَيْرَ
عُوجِ بْنِ عُنُقٍ كَانَ الْمَاءُ إِلَى حُجْزَتِهُ، وَكَانَ
سَبَبُ نَجَاتِهِ أَنَّ نُوحًا احْتَاجَ إلى خشب الساج
لِلسَّفِينَةِ فَلَمْ يُمْكِنْهُ نَقْلُهُ فَحَمَلَهُ عُوجٌ
إِلَيْهِ مِنَ الشَّامِ، فَنَجَّاهُ الله تعالى من الغرق.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ
ابْنِي مِنْ أَهْلِي، وَقَدْ وَعَدْتَنِي أَنْ تُنْجِيَنِي
وَأَهْلِي؟ وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ، لَا خُلْفَ فِيهِ،
وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ، حَكَمْتَ عَلَى قَوْمٍ
بِالنَّجَاةِ وَعَلَى قَوْمٍ بِالْهَلَاكِ.
قالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ
أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ، قَرَأَ الْكِسَائِيُّ
وَيَعْقُوبُ:
عَمَلٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ اللَّامِ، غَيْرُ بِنَصْبِ
الرَّاءِ عَلَى الْفِعْلِ، أَيْ: عَمِلَ الشِّرْكَ
وَالتَّكْذِيبَ. وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بفتح الميم ورفع اللام
تنوينه، غَيْرُ بِرَفْعِ الرَّاءِ مَعْنَاهُ: أَنَّ سُؤَالَكَ
إِيَّايَ أَنْ أُنْجِيَهُ عَمَلٌ غير صالح، فَلا تَسْئَلْنِ،
يَا نُوحُ، مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ، قَرَأَ أَهْلُ
الْحِجَازِ والشام فَلا تَسْئَلْنِي بِفَتْحِ اللَّامِ
وَتَشْدِيدِ النُّونِ، وَيَكْسِرُونَ النُّونَ غَيْرَ ابْنِ
كَثِيرٍ فَإِنَّهُ يَفْتَحُهَا. وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِجَزْمِ
اللَّامِ وَكَسْرِ النُّونِ خَفِيفَةً، وَيُثْبِتُ أَبُو جعفر
وأبو عمرو وورش الياء في الوصل دون الوقف، وأثبتها يعقوب في
الحالين، إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ،
وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَا الِابْنِ، قَالَ مُجَاهِدٌ
وَالْحَسَنُ: كَانَ وَلَدَ حدث مِنْ غَيْرِ نُوحٍ، وَلَمْ
يَعْلَمْ بِذَلِكَ نُوحٌ، وَلِذَلِكَ قَالَ: مَا لَيْسَ لَكَ
بِهِ عِلْمٌ، وَقَرَأَ الْحَسَنُ: فَخانَتاهُما [التَّحْرِيمِ:
10] ، وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ: كَانَ ابْنَ
امْرَأَتِهِ وَكَانَ يَعْلَمُهُ نُوحٌ وَلِذَلِكَ قَالَ: مِنْ
أَهْلِي، وَلَمْ يَقُلْ مِنِّي.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ
وَالضَّحَّاكُ وَالْأَكْثَرُونَ: إِنَّهُ كَانَ ابْنَ نُوحٍ
عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ صُلْبِهِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا بَغَتِ امْرَأَةُ نَبِيٍّ قَطُّ.
وَقَوْلُهُ: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ، أي: من أهل الدين.
وقوله:
__________
(1) زيد في المطبوع وط.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) هذا وأمثاله من الإسرائيليات، لا حجة في شيء من ذلك.
[.....]
(4) زيادة عن المخطوط، والمراد مدة جريانها كانت حتى العاشر من
المحرم، وعبارة الطبري «فانتهى ذلك إلى المحرم» ذكرها عقب لفظ
«ستة أشهر» وهو أقرب لرفع اللبس.
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) هو متلقى عن كتب الأقدمين.
(2/451)
قَالَ رَبِّ إِنِّي
أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ
وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ
الْخَاسِرِينَ (47) قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا
وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ
سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ
(48) تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا
كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا
فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49) وَإِلَى
عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ
مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا
مُفْتَرُونَ (50) يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ
أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا
تَعْقِلُونَ (51) وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ
تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا
وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا
مُجْرِمِينَ (52) قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ
وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا
نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53) إِنْ نَقُولُ إِلَّا
اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ
اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54)
مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55)
إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ
دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى
صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)
فَخانَتاهُما [التحريم: 10] ، أي: في الدين
والعمل لَا فِي الْفِرَاشِ. وَقَوْلُهُ: إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ
تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ، يعني: تَدْعُوَ بِهَلَاكِ
الْكُفَّارِ ثُمَّ تَسْأَلَ نجاة كافر.
[سورة هود (11) : الآيات 47 الى 50]
قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ مَا لَيْسَ
لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ
مِنَ الْخاسِرِينَ (47) قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ
مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ
وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ
أَلِيمٌ (48) تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها
إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ
قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49)
وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا
اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ
مُفْتَرُونَ (50)
قالَ نُوحٌ: رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ مَا
لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي
أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ.
قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ انْزِلْ مِنَ السَّفِينَةِ، بِسَلامٍ
مِنَّا، أَيْ: بِأَمْنٍ وَسَلَامَةٍ مِنَّا، وَبَرَكاتٍ
عَلَيْكَ، الْبَرَكَةُ هِيَ ثُبُوتُ الْخَيْرِ وَمِنْهُ
بُرُوكُ [1] الْبَعِيرِ. وَقِيلَ: الْبَرَكَةُ هَاهُنَا هِيَ
أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ ذُرِّيَّتَهُ، هُمُ الْبَاقِينَ
إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ،
أَيْ: عَلَى ذُرِّيَّةِ أُمَمٍ مِمَّنْ كَانَ مَعَكَ فِي
السفينة، يعني: وعلى قرون تجيء بَعْدِكَ مِنْ ذُرِّيَّةِ مَنْ
مَعَكَ في السفينة، يعني: مِنْ وَلَدِكَ وَهُمُ
الْمُؤْمِنُونَ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ:
دَخَلَ فيه كل مؤمن إلى يوم القيامة، وَأُمَمٌ
سَنُمَتِّعُهُمْ، هَذَا ابْتِدَاءٌ، أَيْ: أُمَمٌ
سَنُمَتِّعُهُمْ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا
عَذابٌ أَلِيمٌ، وَهُمُ الْكَافِرُونَ وَأَهْلُ الشَّقَاوَةِ.
تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ، من أَخْبَارِ الْغَيْبِ،
نُوحِيها إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ
مِنْ قَبْلِ هَذَا، مِنْ قَبْلِ نُزُولِ الْقُرْآنِ، فَاصْبِرْ
عَلَى الْقِيَامِ بِأَمْرِ اللَّهِ وَتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ
وَمَا تَلْقَى مِنْ أَذَى الْكُفَّارِ كَمَا صَبَرَ نُوحٌ،
إِنَّ الْعاقِبَةَ آخِرَ الأمر بالسعادة والنصرة
لِلْمُتَّقِينَ، [لأهل التقوى] [2] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِلى عادٍ، أَيْ: وَأَرْسَلْنَا إِلَى
عَادٍ، أَخاهُمْ هُوداً، فِي النَّسَبِ لَا فِي الدِّينِ، قالَ
يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ، وَحِّدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ
مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ، مَا
أَنْتُمْ فِي إِشْرَاكِكُمْ إلّا كاذبون.
[سورة هود (11) : الآيات 51 الى 56]
يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ
إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ (51) وَيا
قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ
يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً
إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52) قالُوا
يَا هُودُ مَا جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي
آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53)
إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ
إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا
تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا
تُنْظِرُونِ (55)
إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ
دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى
صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)
يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً، أَيْ: عَلَى
تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ، أَجْراً، جُعْلًا، إِنْ أَجْرِيَ، مَا
ثَوَابِيَ، إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي، خَلَقَنِي، أَفَلا
تَعْقِلُونَ.
وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ، أَيْ: آمِنُوا بِهِ،
وَالِاسْتِغْفَارُ هَاهُنَا بِمَعْنَى الْإِيمَانِ، ثُمَّ
تُوبُوا إِلَيْهِ، من
__________
(1) في المخطوط «بورك» .
(2) ليس في المخطوط.
(2/452)
فَإِنْ تَوَلَّوْا
فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ
وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ
شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (57)
وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ
آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ
عَذَابٍ غَلِيظٍ (58) وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ
رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ
جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59)
عبادة غيره من سَالِفِ ذُنُوبِكُمْ،
يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً، أي: يرسل المطر
مُتَتَابِعًا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى فِي أَوْقَاتِ
الْحَاجَةِ، وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ، أَيْ:
شِدَّةً مَعَ شِدَّتِكُمْ. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ
وَجَلَّ حَبَسَ عَنْهُمُ الْقَطْرَ ثَلَاثَ سِنِينَ وَأَعْقَمَ
أَرْحَامَ نِسَائِهِمْ فَلَمْ يَلِدْنَ، فَقَالَ لَهُمْ هُودٌ
عَلَيْهِ السَّلَامُ: إن آمنتم [بالله وحده وصدقتموني] [1]
أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الْمَطَرَ فَتَزْدَادُونَ مَالًا
وَيُعِيدُ أَرْحَامَ الْأُمَّهَاتِ إِلَى مَا كَانَتْ،
فَيَلِدْنَ فَتَزْدَادُونَ قُوَّةً بِالْأَمْوَالِ
وَالْأَوْلَادِ. وَقِيلَ: تَزْدَادُونَ قُوَّةً في الدين إلى
قوة في الْبَدَنِ. وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ، أَيْ: لَا
تُدْبِرُوا مُشْرِكِينَ.
قالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ، أَيْ: بِبُرْهَانٍ
وَحُجَّةٍ وَاضِحَةٍ عَلَى مَا تَقُولُ، وَما نَحْنُ بِتارِكِي
آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ، أَيْ: بِقَوْلِكَ، وَما نَحْنُ لَكَ
بِمُؤْمِنِينَ، بِمُصَدِّقِينَ.
إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ،
يَعْنِي: لَسْتَ تَتَعَاطَى مَا نَتَعَاطَاهُ مِنْ
مُخَالَفَتِنَا وَسَبِّ آلِهَتِنَا إِلَّا أَنَّ بَعْضَ
آلِهَتِنَا اعْتَرَاكَ، أَيْ: أَصَابَكَ بِسُوءٍ بِخَبَلٍ
وَجُنُونٍ، وَذَلِكَ أَنَّكَ سَبَبْتَ آلِهَتَنَا
فَانْتَقَمُوا مِنْكَ بِالتَّخْبِيلِ لَا نَحْمِلُ أَمْرَكَ
إِلَّا عَلَى هَذَا، قالَ لَهُمْ هُودٌ: إِنِّي أُشْهِدُ
اللَّهَ، عَلَى نَفْسِي، وَاشْهَدُوا يَا قَوْمِ أَنِّي
بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ.
مِنْ دُونِهِ، يَعْنِي: الأوثان، فَكِيدُونِي جَمِيعاً،
فاحتلوا في مكري [2] وَضُرِّي أَنْتُمْ وَأَوْثَانُكُمْ، ثُمَّ
لَا تُنْظِرُونِ، [لَا تُؤَخِّرُونَ وَلَا تُمْهِلُونَ] [3] .
إِنِّي تَوَكَّلْتُ أَيِ: اعْتَمَدْتُ، عَلَى اللَّهِ رَبِّي
وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ
بِناصِيَتِها، قَالَ الضَّحَّاكُ: يُحْيِيهَا وَيُمِيتُهَا [4]
. قَالَ الْفَرَّاءُ: مَالِكُهَا وَالْقَادِرُ عَلَيْهَا.
[وَقَالَ بعض العلماء: آخذ بناصيتها لا تتوجّه إلّا حيث
يلهمها] [5] . وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ: يَقْهَرُهَا، لِأَنَّ
مَنْ أَخَذْتَ بِنَاصِيَتِهِ فَقَدْ قَهَرْتَهُ. وَقِيلَ:
إِنَّمَا خَصَّ النَّاصِيَةَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ الْعَرَبَ
تَسْتَعْمِلُ ذَلِكَ إِذَا وَصَفَتْ إِنْسَانًا بِالذِّلَّةِ،
فَتَقُولُ: نَاصِيَةُ فُلَانٍ بِيَدِ فُلَانٍ، وَكَانُوا إِذَا
أَسَرُوا إِنْسَانًا وَأَرَادُوا إِطْلَاقَهُ وَالْمَنَّ
عَلَيْهِ جَزُّوا نَاصِيَتَهُ لِيَعْتَدُّوا [6] بِذَلِكَ
فَخْرًا عَلَيْهِ، فَخَاطَبَهُمُ اللَّهُ بِمَا يَعْرِفُونَ.
إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ، يَعْنِي: إِنَّ ربِّيَ
وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُ لَا يَظْلِمُهُمْ
وَلَا يَعْمَلُ إِلَّا بِالْإِحْسَانِ وَالْعَدْلِ، فَيُجَازِي
الْمُحْسِنَ بِإِحْسَانِهِ وَالْمُسِيءَ بِعِصْيَانِهِ.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ دِينَ رَبِّي صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.
وَقِيلَ: فِيهِ إِضْمَارٌ، أَيْ: إِنَّ رَبِّي يُحِثُّكُمْ
وَيَحْمِلُكُمْ على صراط مستقيم.
[سورة هود (11) : الآيات 57 الى 59]
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ
إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا
تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ
(57) وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ
آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ
غَلِيظٍ (58) وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ
وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ
عَنِيدٍ (59)
فَإِنْ تَوَلَّوْا، أَيْ: تَتَوَلَّوْا، يَعْنِي: تُعْرِضُوا
عَمَّا دَعَوْتُكُمْ إِلَيْهِ، فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا
أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً
غَيْرَكُمْ، أَيْ: إِنْ أَعْرَضْتُمْ يُهْلِكْكُمُ اللَّهُ
عَزَّ وجلّ ويستبدل قَوْمًا غَيْرَكُمْ أَطْوَعَ مِنْكُمْ
يُوَحِّدُونَهُ وَيَعْبُدُونَهُ، وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً،
بِتَوَلِّيكُمْ وَإِعْرَاضِكُمْ إِنَّمَا تَضُرُّونَ
أَنْفُسَكُمْ. وَقِيلَ: لَا تُنْقِصُونَهُ شَيْئًا إِذَا
أَهْلَكَكُمْ لِأَنَّ وُجُودَكُمْ وَعَدَمَكُمْ عِنْدَهُ
سَوَاءٌ، إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ، أي: لكل شيء
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) في المطبوع «مكركم» .
(3) زيد في المطبوع وط.
(4) في المطبوع «محييها ومميتها» .
(5) زيد في المطبوع وحده.
(6) في المخطوطتين «يعتقدوا» .
(2/453)
وَأُتْبِعُوا فِي
هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ
عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ
(60) وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ
اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ
أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا
فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ
مُجِيبٌ (61) قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا
مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا
يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا
إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ
كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً
فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا
تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (63)
حَافِظٌ، يَحْفَظُنِي مِنْ أَنْ
تَنَالُونِي بِسُوءٍ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا، عَذَابُنَا،
نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ، وَكَانُوا
أَرْبَعَةَ آلَافٍ.
بِرَحْمَةٍ، بِنِعْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ
غَلِيظٍ، وَهُوَ الرِّيحُ الَّتِي أَهْلَكَ بِهَا عَادًا،
وَقِيلَ: الْعَذَابُ الْغَلِيظُ: عَذَابُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ،
أَيْ: كَمَا نَجَّيْنَاهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْعَذَابِ
كَذَلِكَ نَجَّيْنَاهُمْ فِي الْآخِرَةِ.
وَتِلْكَ عادٌ، رَدَّهُ إِلَى الْقَبِيلَةِ، جَحَدُوا بِآياتِ
رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ، يعني: هودا وحده، وذكره
بِلَفْظِ الْجَمْعِ لِأَنَّ مَنْ كَذَّبَ رسولا واحدا كَانَ
كَمَنْ كَذَّبَ جَمِيعَ الرُّسُلِ، وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ
جَبَّارٍ عَنِيدٍ، أي: اتّبع السَّفَلَةُ وَالسُّقَّاطُ أَهْلَ
التَّكَبُّرِ وَالْعِنَادِ. وَالْجَبَّارُ: الْمُتَكَبِّرُ،
وَالْعَنِيدُ: الَّذِي لَا يَقْبَلُ الْحَقَّ، يُقَالُ:
عَنَدَ الرَّجُلُ يَعْنِدُ عُنُودًا إِذَا أَبَى أَنْ يقبل
الشيء وإن عرفه. وقال أَبُو عُبَيْدَةَ: الْعَنِيدُ
وَالْعَانِدُ وَالْعَنُودُ والمعاند المعارض لك بالخلاف.
[سورة هود (11) : الآيات 60 الى 63]
وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ
الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا
بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ (60) وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ
صالِحاً قالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ
إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ
وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا
إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61) قالُوا يَا صالِحُ
قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهانا أَنْ
نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آباؤُنا وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا
تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62) قالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ
إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي مِنْهُ
رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ
فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (63)
وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً، أَيْ: أُرْدِفُوا
لَعْنَةً تَلْحَقُهُمْ وَتَنْصَرِفُ مَعَهُمْ، وَاللَّعْنَةُ:
هِيَ الْإِبْعَادُ وَالطَّرْدُ عَنِ الرَّحْمَةِ، وَيَوْمَ
الْقِيامَةِ، أَيْ: وَفِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَيْضًا
لُعِنُوا كَمَا لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، أَلا
إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ، أَيْ: بِرَبِّهِمْ، يُقَالُ:
كَفَرْتُهُ وَكَفَرْتُ بِهِ، كَمَا يُقَالُ: شَكَرْتُهُ
وَشَكَرْتُ لَهُ وَنَصَحْتُهُ وَنَصَحْتُ لَهُ. أَلا بُعْداً
لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ، قِيلَ: بُعْدًا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ.
وَقِيلَ: هلاكا. والبعد له مَعْنَيَانِ، أَحَدُهُمَا ضِدُّ
الْقُرْبِ، يُقَالُ: بَعُدَ يَبْعُدُ بُعْدًا، وَالْآخَرُ:
بِمَعْنَى الْهَلَاكِ، يُقَالُ: مِنْهُ بَعِدَ يَبْعَدُ بعدا
وبعدا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً، أي:
وأرسلنا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا فِي النَّسَبِ لَا
فِي الدِّينِ، قالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَحِّدُوا
اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ
أَنْشَأَكُمْ، ابْتَدَأَ خَلْقَكُمْ، مِنَ الْأَرْضِ، وَذَلِكَ
أنهم مِنْ آدَمَ وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ الْأَرْضِ،
وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها، أَيْ: جَعَلَكُمْ عمّارها وسكّانها.
قال الضَّحَّاكُ: أَطَالَ عُمْرَكُمْ فِيهَا حَتَّى كان الواحد
منهم يعيش [من] ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ إِلَى أَلْفِ سَنَةٍ،
وَكَذَلِكَ قَوْمُ عَادٍ. قَالَ مُجَاهِدٌ: أَعْمَرَكُمْ مِنَ
الْعُمْرَى، أَيْ: جَعَلَهَا لَكُمْ مَا عِشْتُمْ. وَقَالَ
قَتَادَةُ:
أَسْكَنَكُمْ فِيهَا. فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ
إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ، مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، مُجِيبٌ
لِدُعَائِهِمْ.
قالُوا، يَعْنِي ثَمُودَ: يَا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا
مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا، الْقَوْلُ، أَيْ: كُنَّا نَرْجُو
أَنْ تَكُونَ سَيِّدًا فِينَا. وَقِيلَ: كُنَّا نَرْجُو أَنْ
تَعُودَ إِلَى دِينِنَا، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَرْجُونَ
رُجُوعَهُ إِلَى دِينِ عَشِيرَتِهِ، فَلَمَّا أَظْهَرَ
دُعَاءَهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَرَكَ
الْأَصْنَامَ زَعَمُوا أَنَّ رَجَاءَهُمُ انْقَطَعَ عَنْهُ،
فَقَالُوا: أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا،
مِنَ الْآلِهَةِ، وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا
إِلَيْهِ مُرِيبٍ، مُوْقِعٌ لِلرِّيبَةِ وَالتُّهْمَةِ،
يُقَالُ: أَرَبْتُهُ إِرَابَةً إِذَا فَعَلْتَ بِهِ فِعْلًا
يُوجِبُ له الربية.
قالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ
رَبِّي وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً، نُبُوَّةً وَحِكْمَةً،
فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ، أَيْ: مَنْ يَمْنَعُنِي مِنْ
عَذَابِ اللَّهِ، إِنْ عَصَيْتُهُ فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ
تَخْسِيرٍ، قال ابن عباس: ما
(2/454)
وَيَا قَوْمِ هَذِهِ
نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ
اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ
قَرِيبٌ (64) فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ
ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65)
فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ
آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ
الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ
جَاثِمِينَ (67) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ
ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ (68)
وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا
سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ
حَنِيذٍ (69) فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ
نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ
إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70) وَامْرَأَتُهُ
قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ
وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71)
تزيدونني غَيْرُ بِصَارَةٍ فِي
خَسَارَتِكُمْ. قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: لَمْ يَكُنْ
صَالِحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي خَسَارَةٍ حَتَّى قَالَ فَمَا
تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى مَا
تَزِيدُونَنِي بما تقولون من الفحش إِلَّا نِسْبَتِي
إِيَّاكُمْ إِلَى الْخَسَارَةِ، وَالتَّفْسِيقُ وَالتَّفْجِيرُ
فِي اللُّغَةِ هُوَ: النِّسْبَةُ إِلَى الْفِسْقِ
وَالْفُجُورِ، وَكَذَلِكَ التَّخْسِيرُ هُوَ: النِّسْبَةُ
إِلَى الْخُسْرَانِ.
[سورة هود (11) : الآيات 64 الى 67]
وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها
تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ
فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ (64) فَعَقَرُوها فَقالَ
تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ
غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65) فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا
صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ
خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ
(66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا
فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (67)
وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً، نَصْبٌ عَلَى
الْحَالِ وَالْقَطَعِ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْمَهُ [1] طَلَبُوا
مِنْهُ أَنْ يُخْرِجَ نَاقَةً عُشَرَاءَ مِنْ هَذِهِ
الصَّخْرَةِ، وَأَشَارُوا إِلَى صَخْرَةٍ فَدَعَا صَالِحٌ
عَلَيْهِ السَّلَامُ فَخَرَجَتْ مِنْهَا نَاقَةٌ وَوَلَدَتْ
فِي الحال ولدا مثلها، وقد بيّناه في سورة الأعراف، فَهَذَا
مَعْنَى قَوْلِهِ: هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً
فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ، مِنَ الْعُشْبِ
وَالنَّبَاتِ فَلَيْسَتْ عَلَيْكُمْ مُؤْنَتُهَا، وَلا
تَمَسُّوها بِسُوءٍ، وَلَا تُصِيبُوهَا بِعُقْرٍ،
فَيَأْخُذَكُمْ، إِنْ قَتَلْتُمُوهَا، عَذابٌ قَرِيبٌ.
فَعَقَرُوها فَقالَ لهم صَالِحٌ: تَمَتَّعُوا، عِيشُوا، فِي
دارِكُمْ، أَيْ: فِي دِيَارِكُمْ، ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ
تُهْلَكُونَ، ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ، أَيْ: غَيْرُ
كَذِبٍ. رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ: يَأْتِيكُمُ الْعَذَابُ
بعد ثلاثة أيام فتصبحون الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَوُجُوهُكُمْ
مُصْفَرَّةٌ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي مُحْمَرَّةٌ، وَفِي
الْيَوْمِ الثَّالِثِ مُسْوَدَّةٌ، فَكَانَ كَمَا قَالَ،
فأتاهم العذاب اليوم الرابع.
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً
وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا، بِنِعْمَةٍ
مِنَّا، وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ، أَيْ: مِنْ عَذَابِهِ
وَهَوَانِهِ [2] ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَنَافِعٌ والكسائي:
خِزْيِ يَوْمِئِذٍ، وعَذابِ يَوْمِئِذٍ [المعارج: 11] ،
بِفَتْحِ الْمِيمِ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ. إِنَّ
رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ.
وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا، كَفَرُوا، الصَّيْحَةُ، وَذَلِكَ
أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ صاح [3] صَيْحَةً
وَاحِدَةً فَهَلَكُوا جَمِيعًا. وَقِيلَ: أَتَتْهُمْ صَيْحَةٌ
مِنَ السَّمَاءِ فِيهَا صَوْتُ كُلِّ صَاعِقَةٍ وَصَوَّتَ
كُلَّ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ، فَتَقَطَّعَتْ قُلُوبُهُمْ فِي
صُدُورِهِمْ. وَإِنَّمَا قَالَ: وَأَخَذَ والصيحة مُؤَنَّثَةٌ،
لِأَنَّ الصَّيْحَةَ بِمَعْنَى الصِّيَاحِ. فَأَصْبَحُوا فِي
دِيارِهِمْ جاثِمِينَ، صَرْعَى هلكى.
[سورة هود (11) : الآيات 68 الى 71]
كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا
رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ (68) وَلَقَدْ جاءَتْ
رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ
فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) فَلَمَّا رَأى
أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ
مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى
قَوْمِ لُوطٍ (70) وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ
فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ
(71)
__________
(1) في المطبوع «قوما» .
(2) تصحف في المطبوع «هو أنه» .
(3) زيد في المطبوع وط «عليهم» . [.....]
(2/455)
كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها، يُقِيمُوا
ويكونوا، أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً
لِثَمُودَ، قَرَأَ حَمْزَةُ وَحَفْصٌ وَيَعْقُوبُ: (ثَمُودَ)
غَيْرَ مُنَوَّنٍ، وَكَذَلِكَ فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ [38]
وَالْعَنْكَبُوتِ [38] والنجم [51] ، ووافق أَبُو بَكْرٍ فِي
النَّجْمِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّنْوِينِ، وَقَرَأَ
الْكِسَائِيُّ: لِثَمُودَ بِخَفْضِ الدَّالِ وَالتَّنْوِينِ،
وَالْبَاقُونَ بِنَصْبِ الدَّالِ، فَمَنْ جَرَّهُ فَلِأَنَّهُ
اسْمٌ مُذَكَّرٌ، وَمَنْ لَمْ يَجُرَّهُ جَعَلَهُ اسْمًا
لِلْقَبِيلَةِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ
بِالْبُشْرى، أَرَادَ بالرسل الملائكة عليهم السلام.
وَاخْتَلَفُوا فِي عَدَدِهِمْ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ
وَعَطَاءٌ: كَانُوا ثَلَاثَةً جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ
وَإِسْرَافِيلَ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: كَانُوا تِسْعَةً.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ مَلِكًا. وَقَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: كَانَ جِبْرِيلُ وَمَعَهُ سَبْعَةٌ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: كَانُوا أَحَدَ عَشَرَ مَلَكًا عَلَى
صُورَةِ الْغِلْمَانِ الْوِضَاءِ الوجوه [1] ، بِالْبُشْرى
بِالْبُشْرَى بِالْبِشَارَةِ بِإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ.
وَقِيلَ: بِإِهْلَاكِ قَوْمِ لُوطٍ. قالُوا سَلاماً، أَيْ:
سَلَّمُوا سَلَامًا، قالَ إِبْرَاهِيمُ:
سَلامٌ أي: عليكم السلام، وَقِيلَ: هُوَ رَفْعٌ عَلَى
الْحِكَايَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَقُولُوا حِطَّةٌ
[الْبَقَرَةِ: 58] . وقرأ حمزة والكسائي سَلامٌ هنا وَفِي
سُورَةِ الذَّارِيَاتِ [25] بِكَسْرِ السِّينِ بِلَا أَلْفٍ.
قِيلَ: هُوَ بِمَعْنَى السَّلَامِ.
كَمَا يُقَالُ: حِلٌّ وَحَلَالٌ وَحِرْمٌ وَحَرَامٌ. وَقِيلَ:
هُوَ بِمَعْنَى الصُّلْحِ، أَيْ: نَحْنُ سِلْمٌ أَيْ صُلْحٌ
لَكُمْ غَيْرُ حَرْبٍ. فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ
حَنِيذٍ، والحنيذ المحنوذ وهو الْمَشْوِيُّ عَلَى الْحِجَارَةِ
فِي خَدٍّ مِنَ الْأَرْضِ، وَكَانَ سَمِينًا يَسِيلُ دَسَمًا،
كَمَا قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ
[الذَّارِيَاتِ: 26] ، قَالَ قَتَادَةُ: كَانَ عَامَّةُ مَالِ
إبراهيم [عليه الصّلاة والسّلام] [2] الْبَقَرُ.
فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ، أَيْ: إِلَى
الْعِجْلِ، نَكِرَهُمْ، أَنْكَرَهُمْ، وَأَوْجَسَ، أَضْمَرَ،
مِنْهُمْ خِيفَةً، خَوْفًا. قَالَ مُقَاتِلٌ: وَقَعَ في قلبه،
وأصل الوجس [3] : الدُّخُولُ، كَانَ الْخَوْفُ دَخَلَ
قَلْبَهُ.
قال قَتَادَةُ: وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا نَزَلَ
بِهِمْ ضَيْفٌ فَلَمْ يَأْكُلْ مِنْ طَعَامِهِمْ ظَنُّوا
أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِخَيْرٍ وَإِنَّمَا جَاءَ بَشَرٍّ.
قالُوا لَا تَخَفْ، يَا إِبْرَاهِيمُ، إِنَّا مَلَائِكَةُ
اللَّهِ أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ.
وَامْرَأَتُهُ، سَارَةُ بِنْتُ هاران بن ناحور [4] وَهِيَ
ابْنَةُ عَمِّ إِبْرَاهِيمَ، قائِمَةٌ مِنْ وَرَاءِ السَّتْرِ
تَسْمَعُ كَلَامَهُمْ. وَقِيلَ: كَانَتْ قَائِمَةً تَخْدِمُ
الرُّسُلَ وَإِبْرَاهِيمُ جَالِسٌ مَعَهُمْ. فَضَحِكَتْ، قَالَ
مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ:
ضَحِكَتْ، أَيْ: حَاضَتْ فِي الْوَقْتِ، تَقُولُ الْعَرَبُ:
ضَحِكَتِ الْأَرْنَبُ، أَيْ: حَاضَتْ. وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى
أن المراد منه الضحك [المعلوم] [5] الْمَعْرُوفُ.
وَاخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ ضَحِكِهَا، فقيل: ضَحِكَتْ لِزَوَالِ
الْخَوْفِ عَنْهَا وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ حِينَ قالُوا لَا
تَخَفْ.
قال السُّدِّيُّ: لَمَّا قَرَّبَ إِبْرَاهِيمُ الطَّعَامَ
إِلَيْهِمْ فَلَمْ يَأْكُلُوا خَافَ إِبْرَاهِيمُ [منهم] [6]
وَظَنَّهُمْ لُصُوصًا فَقَالَ لَهُمْ: أَلَا تَأْكُلُونَ؟
قَالُوا: إِنَّا لَا نَأْكُلُ طعاما إلّا بثمن، قال
إِبْرَاهِيمُ: فَإِنَّ لَهُ ثَمَنًا، قَالُوا: وَمَا ثَمَنُهُ؟
قَالَ:
تَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَى أَوَّلِهِ وَتَحْمَدُونَهُ
عَلَى آخِرِهِ، فَنَظَرَ جِبْرِيلُ إِلَى مِيكَائِيلَ عليهم
الصلاة والسلام، وَقَالَ:
حُقَّ لِهَذَا أَنْ يَتَّخِذَهُ رَبُّهُ خَلِيلًا، فَلَمَّا
رَأَى إِبْرَاهِيمُ وَسَارَّةُ أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ
إِلَيْهِ ضَحِكَتْ سَارَّةُ، وَقَالَتْ:
يَا عَجَبًا لِأَضْيَافِنَا إِنَّا نَخْدِمُهُمْ بِأَنْفُسِنَا
تَكْرِمَةً لهم وهم لا يأكلون [من] [7] طعامنا.
__________
(1) في المطبوع وط «وجوههم» .
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) في المطبوع «الوجوس» .
(4) في المطبوع «أحور» .
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) زيادة عن المخطوط.
(7) زيادة عن المخطوط.
(2/456)
قَالَتْ يَا وَيْلَتَى
أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا
لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ
اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ
الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73) فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا
فِي قَوْمِ لُوطٍ (74) إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ
مُنِيبٌ (75) يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ
قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ
غَيْرُ مَرْدُودٍ (76) وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا
سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ
عَصِيبٌ (77)
وَقَالَ قَتَادَةُ: ضَحِكَتْ مِنْ غَفْلَةِ
قَوْمِ لُوطٍ وَقُرْبِ الْعَذَابِ مِنْهُمْ.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: ضَحِكَتْ مِنْ خَوْفِ
إِبْرَاهِيمَ مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي بَيْتِهِ، وَهُوَ فِيمَا
بَيْنَ خَدَمِهِ وحشمه. وقيل: ضَحِكَتْ سُرُورًا
بِالْبِشَارَةِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَوَهْبٌ: ضَحِكَتْ تَعَجُّبًا مِنْ
أَنْ يَكُونَ لَهَا وَلَدٌ عَلَى كِبَرِ سِنِّهَا وَسِنِّ
زَوْجِهَا. وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَكُونُ الْآيَةُ عَلَى
التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، تَقْدِيرُهُ: وَامْرَأَتُهُ
قَائِمَةٌ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ
إِسْحَاقَ يعقوب، فضحكت، وقالت: يا ويلتي أَأَلِدُ وَأَنَا
عَجُوزٌ؟ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ
وَراءِ إِسْحاقَ، أَيْ: مِنْ بَعْدِ إِسْحَاقَ، يَعْقُوبَ،
أراد به ولد الْوَلَدِ، فَبُشِّرَتْ أَنَّهَا تَعِيشُ حَتَّى
تَرَى وَلَدَ وَلَدِهَا قَرَأَ ابْنُ عامر وحمزة وحفص ويعقوب
بِنَصْبِ الْبَاءِ، أَيْ: مِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ.
وَقِيلَ: بِإِضْمَارِ فِعْلٍ، أي:
وهبنا له يَعْقُوبَ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْعِ [عَلَى
خبر حَذْفِ حَرْفِ الصِّفَةِ] [1] . وَقِيلَ: وَمِنْ بَعْدِ
إِسْحَاقَ يَحْدُثُ يَعْقُوبُ، فَلَمَّا بشرت بالولد ضحكت وصكت
وَجْهَهَا، أَيْ: ضَرَبَتْ وَجْهَهَا تَعَجُّبًا.
[سورة هود (11) : الآيات 72 الى 73]
قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي
شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قالُوا أَتَعْجَبِينَ
مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ
أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73)
قالَتْ يَا وَيْلَتى، نِدَاءُ نُدْبَةٍ وَهِيَ كَلِمَةٌ
يَقُولُهَا الْإِنْسَانُ عِنْدَ رُؤْيَةِ مَا يُتَعَجَّبُ
مِنْهُ، أَيْ: يَا عَجَبًا، وَالْأَصْلُ يَا وَيْلَتَاهُ.
أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ، وَكَانَتِ ابْنَةَ تِسْعِينَ سَنَةً
فِي قَوْلِ ابْنِ إِسْحَاقَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: تِسْعًا
وَتِسْعِينَ سَنَةً. وَهذا بَعْلِي، أي: زَوْجِي، سُمِّيَ
بِذَلِكَ لِأَنَّهُ قَيِّمُ أَمْرِهَا، شَيْخاً، نُصِبَ عَلَى
الْحَالِ، وَكَانَ سِنُّ إِبْرَاهِيمَ مِائَةً وَعِشْرِينَ
سَنَةً فِي قَوْلِ ابْنِ إِسْحَاقَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ:
مِائَةُ سَنَةٍ، وَكَانَ بَيْنَ الْبِشَارَةِ وَالْوِلَادَةِ
سَنَةٌ، إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ.
قالُوا، يعني الملائكة [لسارّة] [2] ، أَتَعْجَبِينَ مِنْ
أَمْرِ اللَّهِ، مَعْنَاهُ: لَا تَعْجَبِي مِنْ أَمْرِ
اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أراد شيئا كان.
رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ،
أَيْ: بَيْتِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
قيل: هذا مَعْنَى الدُّعَاءِ [مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَقِيلَ:
على] [3] مَعْنَى الْخَيْرِ وَالرَّحْمَةِ وَالنِّعْمَةِ.
وَالْبَرَكَاتُ جمع بركة، وَهِيَ ثُبُوتُ الْخَيْرِ. وَفِيهِ
دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَزْوَاجَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ.
إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ
، فَالْحَمِيدُ: الْمَحْمُودُ [فِي أَفْعَالِهِ] [4] ،
وَالْمَجِيدُ: الْكَرِيمُ، وأصل المجد الرفعة.
[سورة هود (11) : الآيات 74 الى 77]
فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ
الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74) إِنَّ إِبْراهِيمَ
لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75) يَا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ
عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ
آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76) وَلَمَّا جاءَتْ
رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ
هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77)
فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ، الْخَوْفُ،
وَجاءَتْهُ الْبُشْرى، بِإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، يُجادِلُنا
فِي قَوْمِ لُوطٍ، فِيهِ إِضْمَارٌ، أَيْ: أَخَذَ وَظَلَّ
يُجَادِلُنَا. قِيلَ: مَعْنَاهُ يُكَلِّمُنَا لِأَنَّ
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا يُجَادِلُ رَبَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ إِنَّمَا يَسْأَلُهُ وَيَطْلُبُ إِلَيْهِ. وَقَالَ
عَامَّةُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ: مَعْنَاهُ يُجَادِلُ رُسُلَنَا،
وَكَانَتْ مُجَادَلَتُهُ أَنَّهُ قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ
أَرَأَيْتُمْ لَوْ كَانَ فِي مَدَائِنِ لُوطٍ خَمْسُونَ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ أَتُهْلِكُونَهُمْ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: أَوْ
أربعون؟ قالوا: لا، قال:
__________
(1) في المطبوع العبارة «على حذف حرف الصفة» .
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) زيد في المطبوع وط.
(2/457)
وَجَاءَهُ قَوْمُهُ
يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ
السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ
أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي
ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) قَالُوا لَقَدْ
عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ
لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (79) قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ
قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80)
أَوْ ثَلَاثُونَ؟ قَالُوا: لَا، حَتَّى
بَلَغَ خَمْسَةً، قَالُوا: لَا، قَالَ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ
كَانَ فِيهَا رَجُلٌ وَاحِدٌ مُسْلِمٌ أَتُهْلِكُونَهَا؟
قَالُوا: لَا، قال لهم إبراهيم عِنْدَ ذَلِكَ: إِنَّ فِيهَا
لُوطًا، قَالُوا: نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا، لننجيه
وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الغابرين، [فذلك
قوله إخبارا عن إبراهيم عليه السلام: يُجادِلُنا فِي قَوْمِ
لُوطٍ] [1] .
إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75) ، قَالَ
ابْنُ جُرَيْجٍ: وَكَانَ فِي قُرَى قَوْمِ لُوطٍ أَرْبَعَةُ
آلَافِ أَلْفٍ، فَقَالَتِ الرُّسُلُ عِنْدَ ذَلِكَ
لِإِبْرَاهِيمَ.
يَا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا، الْمَقَالِ وَدَعْ
عَنْكَ الْجِدَالَ، إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ، عَذَابُ
رَبِّكَ وَحُكْمُ رَبِّكَ، وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ، نَازِلٌ
بِهِمْ، عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ، أَيْ: غَيْرُ مَصْرُوفٍ
عَنْهُمْ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا، يَعْنِي:
هَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَةَ، لُوطاً، عَلَى صُورَةِ غِلْمَانٍ
مرد حسان الوجوه، سِيءَ بِهِمْ، أَيْ: حَزِنَ لُوطٌ
بِمَجِيئِهِمْ [يقال] [2] سوءته فَسِيءَ، كَمَا يُقَالُ:
سَرَرْتُهُ فَسُرَّ.
وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً، أَيْ: قَلْبًا. يُقَالُ: ضَاقَ ذَرْعُ
فُلَانٍ بِكَذَا إِذَا وَقَعَ فِي مَكْرُوهٍ لَا يُطِيقُ
الْخُرُوجَ مِنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّ لُوطًا عَلَيْهِ السَّلَامُ
لَمَّا نَظَرَ إِلَى حُسْنِ وُجُوهِهِمْ وَطَيِبِ
رَوَائِحِهِمْ أَشْفَقَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَوْمِهِ أَنْ
يَقْصِدُوهُمْ بِالْفَاحِشَةِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ سَيَحْتَاجُ
إِلَى الْمُدَافَعَةِ عَنْهُمْ. وَقالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ،
أي: شديد لأنه [3] عُصِبَ بِهِ الشَّرُّ وَالْبَلَاءُ، أَيْ:
شُدَّ.
قَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: خَرَجَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ
عِنْدِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السلام نحو قرية قوم لُوطٍ
فَأَتَوْا لُوطًا نِصْفَ النَّهَارِ وَهُوَ فِي أَرْضٍ لَهُ
يَعْمَلُ فِيهَا. وَقِيلَ: إِنَّهُ كَانَ يَحْتَطِبُ. وقد قال
الله تعالى للملائكة: لَا تُهْلِكُوهُمْ حَتَّى يَشْهَدَ
عَلَيْهِمْ لُوطٌ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ، فَاسْتَضَافُوهُ
فَانْطَلَقَ بهم [إلى منزله] [4] ، فَلَمَّا مَشَى سَاعَةً
قَالَ لَهُمْ: مَا بَلَغَكُمْ أَمْرُ أَهْلِ هَذِهِ
الْقَرْيَةِ؟ قَالُوا: وَمَا أَمْرُهُمْ؟ قَالَ: أَشْهَدُ
بِاللَّهِ إِنَّهَا لِشَرُّ قَرْيَةٍ فِي الْأَرْضِ عَمَلًا
يَقُولُ ذَلِكَ أربع مرات [وكل مرة يقول جبريل للملائكة اكتبا]
[5] ، فَدَخَلُوا مَعَهُ مَنْزِلَهُ.
وَرُوِيَ: أَنَّهُ حَمَلَ الْحَطَبَ وَتَبِعَتْهُ
الْمَلَائِكَةُ فَمَرَّ على جماعة من قومه فتغامزوا [6] فِيمَا
بَيْنَهُمْ، فَقَالَ لُوطٌ:
إِنَّ قومي أشر [7] خَلْقِ اللَّهِ، ثُمَّ مَرَّ عَلَى قَوْمٍ
آخَرِينَ، فَغَمَزُوا، فَقَالَ مِثْلَهُ، ثُمَّ مَرَّ بِقَوْمٍ
[آخَرِينَ] [8] فَقَالَ مِثْلَهُ، ثُمَّ مَرَّ بِقَوْمٍ
آخَرِينَ، فَقَالَ مَثَلَهُ، فَكَانَ كُلَّمَا قَالَ لُوطٌ
هَذَا الْقَوْلَ قَالَ جِبْرِيلُ لِلْمَلَائِكَةِ: اشْهَدُوا،
حَتَّى أَتَى مَنْزِلَهُ.
وروي: أن الملائكة جاؤوا إِلَى بَيْتِ لُوطٍ فَوَجَدُوهُ فِي
دَارِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ أَحَدٌ إِلَّا أَهْلَ بَيْتِ
لُوطٍ، فَخَرَجَتِ امْرَأَتُهُ فَأَخْبَرَتْ قَوْمَهَا،
وَقَالَتْ: إِنَّ فِي بَيْتِ لُوطٍ رِجَالًا مَا رأيت مثل
وجوههم قط.
[سورة هود (11) : الآيات 78 الى 80]
وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا
يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ يَا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي
هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي
ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) قالُوا لَقَدْ
عَلِمْتَ مَا لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ
لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (79) قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ
قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80)
وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ
وَقَتَادَةُ: يُسْرِعُونَ إِلَيْهِ. وقال مجاهد: يهرولون، وقال
__________
(1) زيد في المطبوع وط.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) في المطبوع وط «كأنه» . [.....]
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) في المطبوع «فغمزوا» .
(7) في المطبوع «شر» .
(8) زيادة عن المخطوط.
(2/458)
الْحَسَنُ: مَشْيٌ بَيْنَ مِشْيَتَيْنِ.
قَالَ شِمْرُ بْنُ عَطِيَّةَ: بَيْنَ الْهَرْوَلَةِ والجمز.
وَمِنْ قَبْلِهِ، أَيْ: مِنْ قَبْلِ مَجِيئِهِمْ إِلَى لُوطٍ،
كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ، كَانُوا يَأْتُونَ
الرِّجَالَ فِي أَدْبَارِهِمْ. قالَ لَهُمْ لُوطٌ حِينَ
قَصَدُوا أَضْيَافَهُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ غِلْمَانٌ: يَا
قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ، يَعْنِي:
بِالتَّزْوِيجِ، وَفِي أَضْيَافِهِ بِبَنَاتِهِ وَكَانَ فِي
ذَلِكَ الْوَقْتِ، تَزْوِيجُ الْمُسْلِمَةِ مِنَ الْكَافِرِ
جَائِزًا كَمَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسلّم ابنتيه مِنْ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ وَأَبِي العاصِ
بْنِ الرَّبِيعِ قَبْلَ الْوَحْيِ [1] ، وَكَانَا كَافِرَيْنِ.
وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: عَرَضَ بَنَاتَهُ
عَلَيْهِمْ بِشَرْطِ الْإِسْلَامِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ
وَسَعِيدُ بن جبير: قوله: بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ، أراد
[به] [2] نِسَاءَهُمْ وَأَضَافَ إِلَى نَفْسِهِ لِأَنَّ كُلَّ
نَبِيٍّ أَبُو أُمَّتِهِ. وَفِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ
كَعْبٍ: «النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ
أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ، وَهُوَ أَبٌ
لَهُمْ» . وَقِيلَ: ذَكَرَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الدَّفْعِ لا
على [سبيل] [3] التحقيق، فلم يرضوا هذا القول. فَاتَّقُوا
اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَيْ: خَافُوا اللَّهَ
وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَيْ: لَا تسوؤني وَلَا
تَفْضَحُونِي فِي أَضْيَافِي. أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ
رَشِيدٌ، صَالِحٌ سَدِيدٌ. قَالَ عِكْرِمَةُ: رَجُلٌ يَقُولُ
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: رَجُلٌ
يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ.
قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ، يَا لُوطُ، مَا لَنا فِي بَناتِكَ
مِنْ حَقٍّ، أَيْ: لَسْنَ أَزْوَاجًا لَنَا فَنَسْتَحِقُّهُنَّ
[4] بِالنِّكَاحِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ مَا لَنَا فِيهِنَّ مِنْ
حَاجَةٍ وَشَهْوَةٍ. وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ، مِنْ
إِتْيَانِ الرِّجَالِ.
قالَ لَهُمْ لُوطٌ عِنْدَ ذَلِكَ: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ
قُوَّةً، أَرَادَ قُوَّةَ الْبَدَنِ أَوِ الْقُوَّةَ
بِالْأَتْبَاعِ، أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ، أَيْ:
أَنْضَمُّ إِلَى عَشِيرَةٍ مَانِعَةٍ. وَجَوَابُ لَوْ
مُضْمَرٌ، أَيْ: لَقَاتَلْنَاكُمْ وَحُلْنَا [5] بَيْنَكُمْ
وَبَيْنَهُمْ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا بَعَثَ اللَّهُ
بَعْدَهُ نَبِيًّا إِلَّا فِي مَنَعَةٍ مِنْ عَشِيرَتِهِ.
«1162» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بن يوسف ثنا
__________
(1) قال الحافظ في «تخريج الكشاف» (2/ 413، 414) : أما قصة
تزويج أبي العاص بن الربيع بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عليه وسلّم، كذا عتبة بن أبي لهب فذكرها ابن إسحاق في
المغازي والطبراني من طريقه قال: كان أبو العاص بن الربيع من
رجال مكة مالا وأمانة وكانت خديجة خالته، فسألت خديجة رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم أن يزوجه زينب وكان لا
يخالفها، وذلك قبل أن ينزل عليه، فلما أكرم اللَّهُ نَبِيَّهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم بالنبوة آمنت خديجة وبناته وثبت
أبو العاص على شركه. قال: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عليه وسلّم قد زوج عتبة بن أبي لهب بنته رقية، فلما
دعا قريشا إلى أمرين قال بعض لبعض: قد فرغتم محمدا من همه
ببناته فردوهن عليه فمشوا إلى أبي العاص فأبى عليهم، ثم مشوا
إلى عتبة بن أبي لهب ففارق رقية، وزوجوه بنت سعيد بن العاص،
فتزوجها بعده عثمان بن عفان. فذكر قصة أبي العاص وأسره ببدر.
وروى البيهقي في «الدلائل» من طريق قَتَادَةَ: «أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم زوج ابنته أم كلثوم في
الجاهلية عتبة بن أبي لهب، ورقية أخاه، فلما جاء الإسلام أمر
أبو لهب ولديه فطلقا البنتين» .
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) في المخطوط «فنستحقهم» .
(5) تصحف في المطبوع «وحملنا» .
1162- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
أبو اليمان هو الحكم بن نافع، أبو الزناد هو عبد الله بن
ذكوان، الأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز.
وهو في «صحيح البخاري» 3375 عن أبي اليمان بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 3387 6992 والترمذي 3116 وأحمد (2/ 322)
والطحاوي في «المشكل» 330 وابن حبان 6206 من طرق عن أبي هريرة
به في أثناء حديث.
وأخرجه البخاري 3772 و4537 و4694 ومسلم 151 وابن ماجه 4026
وأحمد (2/ 326) والطبري 5973 و5974 و19399 و19400 وابن حبان
6208 وابن مندة في «الإيمان» 369 والطحاوي في «المشكل» 327 من
طرق عن
(2/459)
قَالُوا يَا لُوطُ
إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ
بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ
أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ
إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ
(81) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا
سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ
مَنْضُودٍ (82)
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنْبَأَنَا
أَبُو اليمان أنبأ شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ أَنْبَأَنَا
أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ [عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]
[1] :
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«يَغْفِرُ اللَّهُ لِلُوطٍ إِنْ كَانَ لَيَأْوِي إِلَى رُكْنٍ
شَدِيدٍ» .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَهْلُ التَّفْسِيرِ: أَغْلَقَ لُوطٌ
بَابَهُ وَالْمَلَائِكَةُ مَعَهُ فِي الدَّارِ، وَهُوَ
يُنَاظِرُهُمْ وَيُنَاشِدُهُمْ مِنْ وَرَاءِ الْبَابِ، وَهُمْ
يُعَالِجُونَ تَسَوُّرَ الْجِدَارِ، فَلَمَّا رَأَتِ
الْمَلَائِكَةُ مَا يَلْقَى لوط بسببهم.
[سورة هود (11) : الآيات 81 الى 82]
قالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا
إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا
يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ
مُصِيبُها مَا أَصابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ
أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81) فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا
جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً
مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82)
قالُوا يَا لُوطُ، إِنَّ رُكْنَكَ لَشَدِيدٌ، إِنَّا رُسُلُ
رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ، فَافْتَحِ الْبَابَ وَدَعْنَا
وَإِيَّاهُمْ، فَفَتَحَ الْبَابَ فَدَخَلُوا فَاسْتَأْذَنَ
جِبْرِيلُ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي عُقُوبَتِهِمْ، فَأَذِنَ
لَهُ، فَقَامَ فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا فَنَشْرَ
جَنَاحَهُ وَعَلَيْهِ وِشَاحٌ مِنْ دُرٍّ مَنْظُومٍ، وَهُوَ
بَرَّاقُ الثَّنَايَا أَجْلَى الْجَبِينِ وَرَأَسُهُ حُبُكٌ
مِثْلُ الْمَرْجَانِ كَأَنَّهُ الثَّلْجُ بَيَاضًا وَقَدَمَاهُ
إِلَى الْخُضْرَةِ، فَضَرَبَ بِجَنَاحِهِ وُجُوهَهُمْ فَطَمَسَ
أعينهم وأعمى أبصارهم، فَصَارُوا لَا يَعْرِفُونَ الطَّرِيقَ
وَلَا يَهْتَدُونَ إِلَى بُيُوتِهِمْ فَانْصَرَفُوا وَهُمْ
يقولون: النجاة النجاة، فَإِنَّ فِي بَيْتِ لُوطٍ أَسْحَرَ
قَوْمٍ فِي الْأَرْضِ سَحَرُونَا، وَجَعَلُوا يَقُولُونَ: يَا
لُوطُ كَمَا أَنْتَ حَتَّى تُصْبِحَ فَسَتَرَى مَا تَلْقَى
منّا غدا، يوعدونه.
[فقالت الملائكة: لا تخف إنّا أرسلنا لإهلاكهم] [2] ، فَقَالَ
لُوطٌ لِلْمَلَائِكَةِ: مَتَى مَوْعِدُ إهلاكهم؟ فقالوا:
الصبح، قال: أُرِيدُ أَسْرَعَ مِنْ ذَلِكَ فَلَوْ
أَهْلَكْتُمُوهُمُ الْآنَ، فَقَالُوا: أَلَيْسَ الصُّبْحُ
بِقَرِيبٍ، ثُمَّ قَالُوا:
فَأَسْرِ، يَا لُوطُ، بِأَهْلِكَ، قَرَأَ أَهْلُ الْحِجَازِ:
«فاسر وأن اسْرِ» بِوَصْلِ الْأَلِفِ حَيْثُ وَقَعَ فِي
الْقُرْآنِ مِنْ سَرَى يَسْرِي، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِقَطْعِ
الْأَلْفِ مِنْ أَسْرَى يُسْرِي. وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ
وَهُوَ الْمَسِيرُ بِاللَّيْلِ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ بِطَائِفَةٍ مِنَ اللَّيْلِ. وَقَالَ
الضَّحَّاكُ: بِبَقِيَّةٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ: بَعْدَ مُضِيِّ
أَوَّلِهِ. وَقِيلَ:
إِنَّهُ السَّحَرُ الْأَوَّلُ. وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ
أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو
عَمْرٍو «امْرَأَتُكَ» ، بِرَفْعِ التَّاءِ عَلَى
الِاسْتِثْنَاءِ مِنَ الِالْتِفَاتِ، أَيْ: لَا يَلْتَفِتُ
مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتُكَ فَإِنَّهَا تَلْتَفِتُ
فَتَهْلِكُ وَكَانَ لُوطٌ قَدْ أَخْرَجَهَا معه، ونهى من معه
مِمَّنْ أَسْرَى بِهِمْ أَنْ يَلْتَفِتَ سِوَى زَوْجَتِهِ
فَإِنَّهَا لَمَّا سَمِعَتْ هَدَّةَ الْعَذَابِ الْتَفَتَتْ،
وَقَالَتْ: يَا قَوْمَاهُ فَأَدْرَكَهَا حَجَرٌ فَقَتَلَهَا.
وَقَرَأَ الآخرون بنصب التاء على استثناء مِنَ الْإِسْرَاءِ،
أَيْ: فَأَسَرِ بِأَهْلِكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ فَلَا تَسْرِ
بِهَا وَخَلِّفْهَا مَعَ قَوْمِهَا، فَإِنَّ هَوَاهَا
إِلَيْهِمْ، وَتَصْدِيقُهُ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ
(فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا
امْرَأَتَكَ وَلَا يَلْتَفِتُ مِنْكُمْ أَحَدٌ) : إِنَّهُ
مُصِيبُها مَا أَصابَهُمْ، مِنَ الْعَذَابِ، إِنَّ
مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ، أَيْ: مَوْعِدُ هَلَاكِهِمْ وَقْتُ
الصُّبْحِ، فَقَالَ لُوطٌ: أُرِيدُ أَسْرَعَ مِنْ ذَلِكَ،
فَقَالُوا: أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ.
قَوْلُهُ: فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا، عَذَابُنَا، جَعَلْنا
عالِيَها سافِلَها، وَذَلِكَ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ
السَّلَامُ أَدْخَلَ جَنَاحَهُ تَحْتَ قُرَى قَوْمِ لُوطٍ
الْمُؤْتَفِكَاتِ وَهِيَ خَمْسُ مَدَائِنَ، وَفِيهَا
أَرْبَعُمِائَةِ أَلْفٍ. وَقِيلَ: أَرْبَعَةُ آلَافِ أَلْفٍ،
__________
يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ
بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عن أبي
هريرة به في أثناء حديث وصدره:
«نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ ... » .
(1) سقط من المطبوع.
(2) زيد في المطبوع. [.....]
(2/460)
مُسَوَّمَةً عِنْدَ
رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83) وَإِلَى
مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا
اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا
الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ
وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84)
وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ
وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي
الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85) بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ
إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ
(86) قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ
نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي
أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ
الرَّشِيدُ (87) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ
عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا
حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا
أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا
اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ
تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) وَيَا قَوْمِ لَا
يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ
قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا
قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (89)
فَرَفَعَ الْمَدَائِنَ كُلَّهَا حَتَّى
سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ، وَنُبَاحَ
الْكِلَابِ. فَلَمْ يُكْفَأْ لَهُمْ إِنَاءٌ وَلَمْ يَنْتَبِهْ
نَائِمٌ، ثُمَّ قَلَبَهَا فَجَعَلَ عَالِيَهَا سَافِلَهَا.
وَأَمْطَرْنا عَلَيْها، أَيْ عَلَى شُذَّاذِهَا
وَمُسَافِرِيهَا. وَقِيلَ: بعد ما قَلَبَهَا أَمْطَرَ
عَلَيْهَا، حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: (سنك وكل)
[1] فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَعِكْرِمَةُ:
السِّجِّيلُ الطِّينُ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:
لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ (33)
[الذَّارِيَاتُ: 33] . قَالَ مُجَاهِدٌ: أَوَّلُهَا حَجَرٌ
وَآخِرُهَا طِينٌ. وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانَ أَصْلُ
الْحِجَارَةِ طِينًا فَشُدِّدَتْ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ:
يَعْنِي الْآجُرَّ. وَقِيلَ: السِّجِّيلُ اسْمُ السَّمَاءِ
الدُّنْيَا. وَقِيلَ: هُوَ جِبَالٌ فِي السَّمَاءِ، قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى: وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ
فِيها مِنْ بَرَدٍ [النُّورِ: 43] . قَوْلُهُ تَعَالَى:
مَنْضُودٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عنهما: متتابع
يتبع بعضه [2] بَعْضًا مَفْعُولٌ مِنَ النَّضْدِ، وَهُوَ
وَضْعُ الشَّيْءِ بَعْضِهُ فَوْقَ بَعْضٍ.
[سورة هود (11) : الآيات 83 الى 85]
مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ
بِبَعِيدٍ (83) وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يَا
قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا
تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ
وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84) وَيا
قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا
تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي
الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85)
مُسَوَّمَةً، مِنْ نَعْتِ الْحِجَارَةِ وَهِيَ نَصْبٌ عَلَى
الْحَالِ، وَمَعْنَاهَا مُعَلَّمَةٌ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ:
عَلَيْهَا سِيَمَا لَا تُشَاكِلُ حِجَارَةَ الْأَرْضِ. وَقَالَ
قَتَادَةُ وَعِكْرِمَةُ: عَلَيْهَا خُطُوطٌ حُمْرٌ عَلَى
هَيْئَةِ الْجَزْعِ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَالسُّدِّيُّ: كَانَتْ
مَخْتُومَةً عَلَيْهَا أَمْثَالُ الْخَوَاتِيمِ. وَقِيلَ:
مَكْتُوبٌ عَلَى كُلِّ حَجَرٍ اسْمُ مَنْ رُمِيَ بِهِ. عِنْدَ
رَبِّكَ وَما هِيَ، يَعْنِي: تِلْكَ الْحِجَارَةَ، مِنَ
الظَّالِمِينَ، أَيْ: مِنْ مُشْرِكِي مَكَّةَ، بِبَعِيدٍ،
وَقَالَ قَتَادَةُ وَعِكْرِمَةُ: يَعْنِي ظَالِمِي هَذِهِ
الْأُمَّةِ وَاللَّهِ مَا أَجَارَ اللَّهُ مِنْهَا ظَالِمًا
بَعْدُ. وَفِي بَعْضِ الْآثَارِ: مَا مِنْ ظَالِمٍ إِلَّا
وَهُوَ بِعُرْضِ حَجَرٍ يُسْقَطُ عَلَيْهِ من ساعة إلى ساعة.
روي: أَنَّ الْحَجَرَ اتَّبَعَ شُذَّاذَهُمْ وَمُسَافِرِيهِمْ،
أَيْنَ كَانُوا فِي الْبِلَادِ، وَدَخَلَ رَجُلٌ مِنْهُمُ
الْحَرَمَ فَكَانَ الْحَجَرُ مُعَلَّقًا فِي السَّمَاءِ
أَرْبَعِينَ يَوْمًا حَتَّى خَرَجَ فَأَصَابَهُ فَأَهْلَكَهُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِلى مَدْيَنَ، أَيْ: وَأَرْسَلَنَا
إِلَى وَلَدِ مَدَيْنَ، أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يَا قَوْمِ
اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا
تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ، أَيْ: لَا تَبْخَسُوا،
وَهُمْ كَانُوا يُطَفِّفُونَ مَعَ شِرْكِهِمْ، إِنِّي أَراكُمْ
بِخَيْرٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مُوسِرِينَ فِي نِعْمَةٍ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: فِي خصب وسعة، يحذّرهم [3] زَوَالَ
النِّعْمَةِ، وَغَلَاءَ السِّعْرِ وَحُلُولَ النقمة، إن لم
يتوبوا. وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ،
يُحِيطُ بِكُمْ فَيُهْلِكُكُمْ.
وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ،
أَتِمُّوهُمَا، بِالْقِسْطِ، بِالْعَدْلِ. وَقِيلَ:
بِتَقْوِيمِ لِسَانِ الْمِيزَانِ، وَلا تَبْخَسُوا، لَا
تَنْقُصُوا، النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي
الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ.
[سورة هود (11) : الآيات 86 الى 89]
بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ
وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86) قالُوا يَا شُعَيْبُ
أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آباؤُنا
أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ
الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87) قالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ
كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً
حَسَناً وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى مَا أَنْهاكُمْ
عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما
تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ
أُنِيبُ (88) وَيا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ
يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ
أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (89)
__________
(1) في المطبوع «سنك كل» وفي المخطوط «سبك ولك» والمثبت عن
الطبري 18442 و18445 و18446 أي: سنك:
حجر، كل: طين.
(2) في المطبوع «بعضها» .
(3) في المطبوع «فحذرهم» .
(2/461)
وَاسْتَغْفِرُوا
رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ
وَدُودٌ (90) قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا
مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا
رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (91)
قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ
وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا
تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (92) وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى
مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ
يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ
وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (93)
بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ
كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله
عنهما: مَا أَبْقَى اللَّهُ لَكُمْ مِنَ الْحَلَالِ بَعْدَ
إِيفَاءِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ خَيْرٌ مِمَّا تَأْخُذُونَهُ
بِالتَّطْفِيفِ. وَقَالَ مجاهد: بَقِيَّتُ اللَّهِ، أَيْ:
طَاعَةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، أن
مَا عِنْدَكُمْ مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَعَطَائِهِ. وَما أَنَا
عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ، بِوَكِيلٍ.
وَقِيلَ: إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ
بِقِتَالِهِمْ.
قالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا
يَعْبُدُ آباؤُنا، مِنَ الْأَوْثَانِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: كَانَ شُعَيْبٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ
كَثِيرَ الصَّلَاةِ، لِذَلِكَ قَالُوا هَذَا. وَقَالَ
الْأَعْمَشُ: يَعْنِي أَقِرَاءَتُكَ. أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي
أَمْوالِنا ما نَشؤُا، أو أن نترك أَنْ نَفْعَلَ فِي
أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ مِنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ.
وَقِيلَ: كان شعيب عليه السلام قد نَهَاهُمْ عَنْ قَطْعِ
الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ، زعم أَنَّهُ مُحَرَّمٌ
عَلَيْهِمْ فَقَالُوا: أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا
مَا نَشَاءُ مِنْ قَطْعِهَا. إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ
الرَّشِيدُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:
أَرَادُوا السَّفِيهَ الْغَاوِيَ، وَالْعَرَبُ تَصِفُ
الشَّيْءَ بِضِدِّهِ فَتَقُولُ: لِلَّدِيغِ سَلِيمٌ
وَلِلْفَلَاةِ مَفَازَةٌ. وقيل: قالوه عَلَى وَجْهِ
الِاسْتِهْزَاءِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ
بِزَعْمِكَ. وَقِيلَ: هُوَ عَلَى الصِّحَّةِ أَيْ إِنَّكَ يَا
شُعَيْبُ فِيْنَا حَلِيمٌ رَشِيدٌ لَا يَجْمُلُ [1] بِكَ شَقُّ
عَصَا قَوْمِكَ ومخالفة دينهم، وهذا كَمَا قَالَ قَوْمُ
صَالِحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا
قَبْلَ هَذَا [هُودٍ: 82] .
قالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ،
بَصِيرَةٍ وَبَيَانٍ، مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً
حَسَناً، حَلَالًا.
وقيل: كثيرا. كَانَ شُعَيْبٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَثِيرَ
الْمَالِ. وَقِيلَ: الرِّزْقُ الْحَسَنُ: الْعِلْمُ
وَالْمَعْرِفَةُ. وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى مَا
أَنْهاكُمْ عَنْهُ، أَيْ: مَا أُرِيدُ أَنْ أَنْهَاكُمْ عَنْ
شَيْءٍ ثُمَّ أَرْتَكِبُهُ. إِنْ أُرِيدُ، مَا أُرِيدُ فِيمَا
آمُرُكُمْ بِهِ وَأَنْهَاكُمْ عَنْهُ، إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا
اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ، والتوفيق [خلق
قدرة الطاعة في العبد] [2] وتسهيل سَبِيلِ الْخَيْرِ
وَالطَّاعَةِ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ، اعْتَمَدْتُ، وَإِلَيْهِ
أُنِيبُ، أَرْجِعُ فِيمَا يَنْزِلُ بِي مِنَ النَّوَائِبِ.
وَقِيلَ: فِي الْمَعَادِ.
وَيا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ، لَا يَحْمِلَنَّكُمْ،
شِقاقِي، خِلَافِي أَنْ يُصِيبَكُمْ، أَيْ: عَلَى فِعْلِ ما
أنهاكم عنه [فيصيبكم] [3] ، مِثْلُ مَا أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ،
مِنَ الْغَرَقِ، أَوْ قَوْمَ هُودٍ، مِنَ الرِّيحِ، أَوْ
قَوْمَ صالِحٍ، مِنَ الصَّيْحَةِ، وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ
بِبَعِيدٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا حَدِيثِي عَهْدٍ
بِهَلَاكِ قَوْمِ لُوطٍ.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَمَا دَارُ قَوْمِ لُوطٍ مِنْكُمْ
بِبَعِيدٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كانوا جيران قوم لوط.
[سورة هود (11) : الآيات 90 الى 93]
وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ
رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90) قالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ
كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً
وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ عَلَيْنا
بِعَزِيزٍ (91) قالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ
مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ
رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (92) وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا
عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ
يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ وَارْتَقِبُوا
إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (93)
__________
(1) في المطبوع «يحمل» وفي المخطوط «يمكن» والمثبت عن ط.
(2) زيادة عن المخطوطتين.
(3) زيادة عن المخطوط.
(2/462)
وَلَمَّا جَاءَ
أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا
مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا
الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94)
كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ
كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (95) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى
بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (96) إِلَى فِرْعَوْنَ
وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ
فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ
الْمَوْرُودُ (98) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً
وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (99)
ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ
مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ (100) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ
وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ
آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ
شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ
غَيْرَ تَتْبِيبٍ (101)
وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا
إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90) ، والودود له
معنيان، أحدهما: أَنَّهُ مُحِبٌّ لِلْمُؤْمِنِينَ،
وَقِيلَ: هُوَ بمعنى المودود أي المحبوب للمؤمنين. وَجَاءَ
فِي الْخَبَرِ: إِنَّ شُعَيْبًا عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ
خَطِيبَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ.
قالُوا يَا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ، [أي:] [1] مَا نَفْهَمُ،
كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا
ضَعِيفاً، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ ضَرِيرَ الْبَصَرِ [2] ،
فَأَرَادُوا ضعف البصر، وَلَوْلا رَهْطُكَ، عَشِيرَتُكَ
وَكَانَ فِي مَنَعَةٍ مِنْ قَوْمِهِ، لَرَجَمْناكَ،
لَقَتَلْنَاكَ. وَالرَّجْمُ: أَقْبَحُ الْقَتْلِ. وَما
أَنْتَ عَلَيْنا، عندنا، بِعَزِيزٍ.
قالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ
اللَّهِ، أمكان [3] رَهْطِي أَهْيَبُ عِنْدَكُمْ مِنَ
اللَّهِ، [أَيْ:] [4] إِنْ تَرَكْتُمْ قَتْلِي لِمَكَانِ
رَهْطِي فَالْأَوْلَى أَنْ تَحْفَظُونِي فِي اللَّهِ.
وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا
، أَيْ: نَبَذْتُمْ أَمْرَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ
وَتَرَكْتُمُوهُ، إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ.
وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ، أَيْ: عَلَى
تُؤَدَتِكُمْ وَتَمَكُّنِكُمْ. يُقَالُ: فُلَانٌ يَعْمَلُ
عَلَى مَكَانَتِهِ إِذَا عَمِلَ عَلَى تُؤَدَةٍ
وَتَمَكُّنٍ. إِنِّي عامِلٌ، على تمكّني، ف سَوْفَ
تَعْلَمُونَ، أَيَّنَا الْجَانِي عَلَى نَفْسِهِ
وَالْمُخْطِئُ فِي فِعْلِهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: مَنْ
يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ يُذِلُّهُ، وَمَنْ هُوَ
كاذِبٌ، قِيلَ: مَنْ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ، أَيْ:
فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ الْكَاذِبَ. وَقِيلَ: مَحَلُّهُ
رَفْعٌ، تَقْدِيرُهُ: وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ يَعْلَمُ
كَذِبَهُ وَيَذُوقُ وَبَالَ أَمْرِهِ. وَارْتَقِبُوا،
وَانْتَظِرُوا الْعَذَابَ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ، منتظر.
[سورة هود (11) : الآيات 94 الى 101]
وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ
آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ
ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ
جاثِمِينَ (94) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا بُعْداً
لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ (95) وَلَقَدْ
أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (96) إِلى
فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ
وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97) يَقْدُمُ قَوْمَهُ
يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ
الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98)
وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ
بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (99) ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ
الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ (100)
وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَما
أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ
دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ
وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (101)
وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ
آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ
ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ، قِيلَ: أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ
السَّلَامُ صَاحَ بِهِمْ صَيْحَةً فَخَرَجَتْ
أَرْوَاحُهُمْ. وَقِيلَ: أَتَتْهُمْ صَيْحَةٌ مِنَ
السَّمَاءِ فَأَهْلَكَتْهُمْ. فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ
جاثِمِينَ، مَيِّتِينَ.
كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا، [أَيْ: كَأَنْ لَمْ يُقِيمُوا] [5]
وَلَمْ يَكُونُوا، فِيها أَلا بُعْداً، هَلَاكًا،
لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) لم يثبت أنه عليه السلام كان أعمى، وإنما هو من أخبار
الإسرائيليين ومرادهم بالضعف ضعف القوة هذا هو ظاهر الآية،
فلا يعدل عنه بخبر إسرائيلي.
(3) في المخطوط «إن كان» .
(4) ليس في المخطوط.
(5) زيد في المطبوع وط.
(2/463)
وَكَذَلِكَ أَخْذُ
رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ
أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً
لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ
لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103) وَمَا
نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (104) يَوْمَ
يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ
شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي
النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106)
، هَلَكَتْ ثَمُودُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى
بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (96) ، حُجَّةٍ بَيِّنَةٍ.
إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ
فِرْعَوْنَ وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97) ،
بِسَدِيدٍ.
يَقْدُمُ قَوْمَهُ، يَتَقَدَّمُهُمْ، يَوْمَ الْقِيامَةِ
فَأَوْرَدَهُمُ، فَأَدْخَلَهُمْ، النَّارَ وَبِئْسَ
الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ، أَيْ: بئس المدخول والمدخول
فِيهِ.
وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ، [أَيْ: فِي هَذِهِ الدُّنْيَا]
[1] لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ
الْمَرْفُودُ، أَيِ: الْعَوْنُ الْمُعَانُ. وَقِيلَ:
الْعَطَاءُ الْمُعْطَى، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ تَرَادَفَتْ
عَلَيْهِمُ اللَّعْنَتَانِ، لَعْنَةٌ فِي الدُّنْيَا
وَلَعْنَةٌ فِي الْآخِرَةِ.
ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْها
قائِمٌ، عَامِرٌ، وَحَصِيدٌ، خَرَابٌ. وَقِيلَ: مِنْهَا
قَائِمٌ بَقِيَتِ الْحِيطَانُ وَسَقَطَتِ السُّقُوفُ.
وَحَصِيدٌ، أَيِ: انْمَحَى أَثَرُهُ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ:
قَائِمٌ يُرَى لَهُ أَثَرٌ وَحَصِيدٌ لَا يُرَى لَهُ
أَثَرٌ، وَحَصِيدٌ بِمَعْنَى مَحْصُودٍ.
وَما ظَلَمْناهُمْ، بِالْعَذَابِ والإهلاك [2] ، وَلكِنْ
ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، بِالْكَفْرِ وَالْمَعْصِيَةِ فَما
أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ
دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ،
عَذَابُ رَبِّكَ، وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ، أَيْ:
غَيْرَ تَخْسِيرٍ، وَقِيلَ: تدمير.
[سورة هود (11) : الآيات 102 الى 106]
وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ
ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102) إِنَّ فِي
ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ ذلِكَ يَوْمٌ
مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103)
وَما نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (104) يَوْمَ
يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ
شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي
النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106)
وَكَذلِكَ، وَهَكَذَا، أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى
وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ.
«1163» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنْبَأَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسماعيل ثنا
صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ أَنْبَأَنَا أَبُو معاوية أنبأنا
بريد بْنُ أَبِي بُرْدَةَ [عَنْ أَبِي بُرْدَةَ] [3] عَنْ
أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا
أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ» ، قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ:
وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ
ظالِمَةٌ الْآيَةَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً،
لَعِبْرَةً، لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ ذلِكَ يَوْمٌ
مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ،
__________
1163- إسناده صحيح على شرط البخاري.
أبو معاوية هو محمد بن خازم، بريد هو ابن عبد الله بن أبي
بردة.
وهو في «صحيح البخاري» 4686 عن صدقة بن الفضل بهذا
الإسناد.
وأخرجه مسلم 2583 والترمذي 3110 وابن ماجه 4018 والطبري
18559 والبيهقي (6/ 94) والبغوي في «شرح السنة» 4057 من
طريق عن أبي معاوية به.
وأخرجه الترمذي بإثر 3110 وابن حبان 5175 من طريق أبي
أسامة عن بريد به.
(1) زيد في المطبوع وط.
(2) في المطبوع «والهلاك» . [.....]
(3) سقط من المطبوع وط.
(2/464)
خَالِدِينَ فِيهَا مَا
دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ
رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107)
وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ
فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا
شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108)
يَعْنِي: يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَذلِكَ
يَوْمٌ مَشْهُودٌ، أَيْ: يَشْهَدُهُ أَهْلُ السَّمَاءِ
وَالْأَرْضِ.
وَما نُؤَخِّرُهُ، أَيْ: وَمَا نُؤَخِّرُ ذَلِكَ
الْيَوْمَ، فَلَا نُقِيمُ عَلَيْكُمُ الْقِيَامَةَ.
وَقَرَأَ يَعْقُوبُ: وَمَا يُؤَخِّرُهُ بِالْيَاءِ، إِلَّا
لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ، [أي:] [1] معلوم عند الله [تعالى] [2]
.
يَوْمَ يَأْتِ، قرىء بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ وَحَذْفِهَا،
لَا تَكَلَّمُ، أَيْ: لَا تَتَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا
بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ، أَيْ:
فَمِنْهُمْ مَنْ سَبَقَتْ لَهُ الشَّقَاوَةُ وَمِنْهُمْ
مَنْ سَبَقَتْ لَهُ السَّعَادَةُ.
«1164» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ أَنْبَأَنَا جَدِّي أَبُو سَهْلٍ
عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عبد الرحمن البزاز أَنْبَأَنَا
أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا العَذَافِرِيُّ
أَنْبَأَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبَّادٍ
الدَّبَرِيُّ أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا
[مَعْمَرٌ عَنِ مَنْصُورٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدَةَ
عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ] [3] عَنْ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
خَرَجْنَا عَلَى جِنَازَةٍ فَبَيْنَا نَحْنُ بِالْبَقِيعِ
إِذْ خَرَجَ [عَلَيْنَا] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِيَدِهِ مِخْصَرَةٌ فَجَاءَ
فَجَلَسَ ثُمَّ نَكَتَ بِهَا الْأَرْضَ سَاعَةً، ثُمَّ
قَالَ: «مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلَّا وقد كُتِبَ
مَكَانُهَا مِنَ الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ، إِلَّا وَقَدْ
كُتِبَتْ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً» . قَالَ: فَقَالَ
رَجُلٌ: أَفَلَا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا يَا رَسُولَ
اللَّهِ وَنَدَعُ الْعَمَلَ؟ قَالَ: «لَا، وَلَكِنِ
اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ، أَمَّا
أَهْلُ الشقاوة فسييسّرون لعمل أهل الشقاوة، وأما أهل
السعادة فسييسّرون لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ» ، قَالَ:
ثُمَّ تَلَا: فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (5) وَصَدَّقَ
بِالْحُسْنى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى (7) وَأَمَّا
مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى (9)
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (10) [الليل: 5- 10] .
قَوْلُهُ: فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ
لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) ، قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: الزَّفِيرُ الصَّوْتُ
الشَّدِيدُ، وَالشَّهِيقُ الصَّوْتُ الضَّعِيفُ. وَقَالَ
الضَّحَّاكُ وَمُقَاتِلٌ: الزَّفِيرُ أَوَّلُ نَهِيقِ
الْحِمَارِ، وَالشَّهِيقُ آخِرُهُ إِذَا رَدَّدَهُ فِي
جَوْفِهِ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: الزَّفِيرُ فِي
الحلق والشهيق في الصدر.
[سورة هود (11) : الآيات 107 الى 108]
خالِدِينَ فِيها مَا دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ
إِلاَّ مَا شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما
يُرِيدُ (107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي
الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها مَا دامَتِ السَّماواتُ
وَالْأَرْضُ إِلاَّ مَا شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ
مَجْذُوذٍ (108)
خالِدِينَ فِيها، لَابِثِينَ مُقِيمِينَ فِيهَا، مَا
دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ، قَالَ الضَّحَّاكُ: مَا
دَامَتْ سَمَوَاتُ الْجَنَّةِ والنار وأرضها، وكل ما علاك
فأظلّك فَهُوَ سَمَاءٌ، وَكُلُّ مَا اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ
قَدَمُكَ فَهُوَ أَرْضٌ. وَقَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي:
هَذَا عِبَارَةٌ عَنِ التأييد عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ،
يَقُولُونَ: لَا آتيك ما دامت السموات وَالْأَرْضُ، وَلَا
يَكُونُ كَذَا مَا اخْتَلَفَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ،
يَعْنُونَ أَبَدًا. قوله: إِلَّا مَا شاءَ رَبُّكَ،
اخْتَلَفُوا في
__________
1164- صحيح، إسحاق صدوق، وقد توبع ومن دونه، ومن فوقه رجال
البخاري ومسلم.
عبد الرزاق هو ابن همام، معمر هو ابن راشد، منصور هو ابن
المعتمر، أبو عبد الرحمن السلمي هو عبد الملك بن حبيب.
وهو في «شرح السنة» 71 بهذا الإسناد، وفي «مصنف عبد
الرزاق» 20074 عن معمر به.
وأخرجه البخاري 1362 و4948 و6217 و7552 ومسلم 2647 وأبو
داود 2694 والترمذي 3344 وأحمد (1/ 129) والآجري في
«الشريعة» ص 171 من طرق عن منصور بن المعتمر به.
وأخرجه البخاري 4945 و4949 و6217 ومسلم 2647 والترمذي 2136
وابن ماجه 78 وأحمد (1/ 82 و312 و133) والآجري ص 172 وابن
حبان 334 من طرق عن الأعمش عن سعد بن عبيدة به.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) سقط من المخطوط.
(2/465)
هَذَيْنِ الِاسْتِثْنَاءَيْنِ، فَقَالَ
بَعْضُهُمْ: الِاسْتِثْنَاءُ فِي أَهْلِ الشَّقَاءِ
يَرْجِعُ إِلَى قوم من الموحّدين [1] يُدْخِلُهُمُ اللَّهُ
النَّارَ بِذُنُوبٍ اقْتَرَفُوهَا، ثُمَّ يُخْرِجُهُمْ
مِنْهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ اسْتِثْنَاءً مِنْ غَيْرِ
الْجِنْسِ، لِأَنَّ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنَ النَّارِ
سُعَدَاءَ ثم اسْتَثْنَاهُمُ اللَّهُ مِنْ جُمْلَةِ
الْأَشْقِيَاءِ، وَهَذَا كَمَا:
«1165» أَخْبَرْنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ
[الْمُلَيْحِيُّ أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ] [2] بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ
ثَنَا مُحَمَّدُ بن إسماعيل ثنا حفص بن عمر ثنا هِشَامٌ
عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«لَيُصِيبَنَّ أَقْوَامًا سَفْعٌ مِنَ النَّارِ بِذُنُوبٍ
أَصَابُوهَا، عُقُوبَةً ثُمَّ يُدْخِلُهُمُ [3] اللَّهُ
الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ، فَيُقَالُ لَهُمُ
الْجَهَنَّمِيُّونَ» .
«1166» وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ
الْمَلِيحِيُّ قال: أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا مُسَدَّدٌ أَخْبَرَنَا
يَحْيَى عَنِ الْحَسَنِ بْنِ ذَكْوَانَ أَنْبَأَنَا أَبُو
رَجَاءٍ حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[قَالَ] [4] : «يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنَ النَّارِ بِشَفَاعَةِ
مُحَمَّدٍ فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَيُسَمَّوْنَ
الْجَهَنَّمِيِّينَ» .
وَأَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ فِي أَهْلِ السَّعَادَةِ
فَيَرْجِعُ إِلَى مُدَّةِ لُبْثِهِمْ فِي النَّارِ قبل
دخول الجنّة. وقيل: إلى مَا شَاءَ رَبُّكَ مِنَ
الْفَرِيقَيْنِ مِنْ تَعْمِيرِهِمْ فِي الدُّنْيَا
وَاحْتِبَاسِهِمْ فِي الْبَرْزَخِ مَا بَيْنَ الْمَوْتِ
وَالْبَعْثِ، قَبْلَ مَصِيرِهِمْ إِلَى الْجَنَّةِ أَوِ
النَّارِ، يَعْنِي: هُمْ خَالِدُونَ في الجنّة أو النار
إلى [5] هذا المقدار. وقيل: معنى إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ
[أي] سِوَى مَا شَاءَ رَبُّكَ، مَعْنَاهُ: خالدين فيها ما
دامت السموات والأرض سِوَى مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ
الزِّيَادَةِ عَلَى قَدْرِ مُدَّةِ بَقَاءِ السموات
وَالْأَرْضِ، وَذَلِكَ هُوَ الْخُلُودُ فِيهَا، وكما
تَقُولُ: لِفُلَانٍ عَلِيَّ أَلْفٌ إِلَّا الْأَلْفَيْنِ
[6] ، أَيْ: سِوَى الْأَلْفَيْنِ اللَّتَيْنِ
تَقَدَّمَتَا. وَقِيلَ: إِلَّا بِمَعْنَى الْوَاوِ، أَيْ:
وَقَدْ شَاءَ رَبُّكَ خُلُودَ هؤلاء
__________
1165- إسناده صحيح على شرط البخاري.
هشام هو ابن عبد الله، قتادة هو ابن دعامة.
وهو في «شرح السنة» 4246 بهذا الإسناد، وفي «صحيح البخاري»
7450 عن حفص بن عمر به.
وأخرجه أحمد (3/ 133 و147 و208) من طريق هشام به.
وأخرجه البخاري 6559 و7450 وأحمد (3/ 34 و269) وأبو يعلى
2886 من طريق همام عن قتادة به.
وأخرجه عبد الرزاق 20859 من طريق معمر عن ثابت وقتادة به،
ومن هذه الطريق أحمد (3/ 163) .
وفي الباب من حديث عمران بن حصين وهو الآتي ومن حديث ابن
مسعود أبي يعلى 4979 وأحمد (1/ 454) وابن خزيمة في
«التوحيد» ص 320 وابن حبان 7428 والبيهقي في «البعث» 435.
1166- إسناده صحيح على شرط البخاري.
مسدّد هو ابن مسرهد، يحيى هو ابن سعيد القطان، أبو رجاء هو
عمران بن ملحان.
وهو في «شرح السنة» 4247 بهذا الإسناد.
وفي «صحيح البخاري» 6566 عن مسدد به.
وأخرجه أبو داود 4740 عن مسدد به.
وأخرجه ابن ماجه 4315 من طريق يحيى بن سعيد به.
(1) في المطبوع «المؤمنين» .
(2) سقط من المطبوع.
(3) في المطبوع «يدخلها» .
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) في المطبوع «لا» .
(6) في المخطوط «ألفين» .
(2/466)
فَلَا تَكُ فِي
مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ مَا يَعْبُدُونَ
إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا
لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (109)
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ
وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ
بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (110)
وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ
أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (111)
فِي النَّارِ وَهَؤُلَاءِ فِي الْجَنَّةِ
كَقَوْلِهِ: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ
حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا [الْبَقَرَةِ: 150] ،
أَيْ:
وَلَا الَّذِينَ ظَلَمُوا. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَلَوْ
شَاءَ رَبُّكَ لَأَخْرَجَهُمْ منها ولكنه لا يشاء لأنه حكم
لهم بالخلود.
وقال الفراء: هذا استثناء [1] اسْتَثْنَاهُ اللَّهُ وَلَا
يَفْعَلُهُ كَقَوْلِكَ: وَاللَّهِ لَأَضْرِبَنَّكَ إِلَّا
أَنْ أَرَى غَيْرَ ذَلِكَ وَعَزِيمَتُكَ أَنْ تَضْرِبَهُ.
إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ.
وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا، قَرَأَ حَمْزَةُ
وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ سُعِدُوا، بِضَمِّ السِّينِ
وَكَسْرِ الْعَيْنِ، أَيْ:
رُزِقُوا السَّعَادَةَ، وَسُعِدَ وَأُسْعِدَ بِمَعْنًى
وَاحِدٍ. وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ السِّينِ قِيَاسًا
عَلَى شَقُوا [هود: 106] .
فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها مَا دامَتِ السَّماواتُ
وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شاءَ رَبُّكَ، قَالَ الضَّحَّاكُ:
إِلَّا مَا مَكَثُوا فِي النَّارِ حَتَّى أُدْخِلُوا
الْجَنَّةَ. قَالَ قَتَادَةُ: اللَّهُ أَعْلَمُ
بِثُنْيَاهُ. عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ، أي: غير منقطع [2]
. قَالَ ابْنُ زَيْدٍ:
أَخْبَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِالَّذِي يَشَاءُ لِأَهْلِ
الْجَنَّةِ، فَقَالَ: عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ، وَلَمْ
يُخْبِرْنَا بِالَّذِي يَشَاءُ لِأَهْلِ النَّارِ.
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
لَيَأْتِيَنَّ عَلَى جَهَنَّمَ زَمَانٌ لَيْسَ فِيهَا
أَحَدٌ، وَذَلِكَ بعد ما يَلْبَثُونَ فِيهَا أَحْقَابًا.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِثْلَهُ.
وَمَعْنَاهُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ إِنْ ثَبَتَ: أَنْ
لَا يَبْقَى فِيهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ.
وَأَمَّا مواضع الكفار فممتلئة أبدا.
[سورة هود (11) : الآيات 109 الى 111]
فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ مَا
يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ
وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ
(109) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ
فِيهِ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ
بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (110)
وَإِنَّ كُلاًّ لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ
أَعْمالَهُمْ إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (111)
فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ، فِي شَكٍّ، مِمَّا يَعْبُدُ
هؤُلاءِ، أَنَّهُمْ ضُلَّالٌ، مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَما
يَعْبُدُ، فِيهِ إِضْمَارٌ، أَيْ: كَمَا كَانَ يَعْبُدُ،
آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ
نَصِيبَهُمْ، حَظَّهُمْ مِنَ الْجَزَاءِ. غَيْرَ
مَنْقُوصٍ.
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ، التَّوْرَاةَ،
فَاخْتُلِفَ فِيهِ، فَمِنْ مُصَدِّقٍ بِهِ وَمُكَذِّبٍ
كَمَا فَعَلَ قَوْمُكَ بِالْقُرْآنِ، يُعَزِّي نَبِيَّهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَوْلا كَلِمَةٌ
سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ، فِي تَأْخِيرِ الْعَذَابِ
عَنْهُمْ، لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ، أَيْ: لَعُذِّبُوا فِي
الْحَالِ وَفُرِغَ مِنْ عَذَابِهِمْ وَإِهْلَاكِهِمْ،
وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ، مُوقِعٍ فِي
الرِّيبَةِ وَالتُّهْمَةِ.
وَإِنَّ كُلًّا، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَأَبُو
بَكْرٍ: وَإِنَّ كُلًّا، سَاكِنَةَ النُّونِ عَلَى
تَخْفِيفِ إِنَّ الثَّقِيلَةِ، وَالْبَاقُونَ
بِتَشْدِيدِهَا، لَمَّا شَدَّدَهَا هُنَا وَفِي يس
وَالطَّارِقِ، ابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ. ووافق
أبو جعفر هاهنا، وفي الطارق والزخرف، بِالتَّشْدِيدِ
عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ، وَالْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ، فَمَنْ
شَدَّدَ [قَالَ: الْأَصْلُ فِيهِ وَإِنَّ كُلًّا لَمِنْ
مَا، فَوُصِّلَتْ مِنَ الْجَارَّةُ بِمَا، فَانْقَلَبَتِ
النُّونُ مِيمًا لِلْإِدْغَامِ، فَاجْتَمَعَتْ ثَلَاثُ
مِيمَاتٍ فَحُذِفَتْ إِحْدَاهُنَّ، فَبَقِيَتْ لَمَّا
بِالتَّشْدِيدِ، وما هاهنا بِمَعْنَى مَنْ، هُوَ اسْمٌ
لِجَمَاعَةٍ مِنَ النَّاسِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
فَانْكِحُوا مَا طابَ لَكُمْ [النِّسَاءِ: 3] ، أَيْ: مَنْ
طَابَ لَكُمْ، وَالْمَعْنَى: وَإِنَّ كُلًّا لَمِنْ
جَمَاعَةٍ لَيُوَفِّيَنَّهُمْ.
وَمَنْ قَرَأَ بِالتَّخْفِيفِ قَالَ: مَا صِلَةٌ زِيدَتْ
بَيْنَ اللَّامَيْنِ لِيُفْصَلَ بَيْنَهُمَا كَرَاهَةَ
اجْتِمَاعِهِمَا، وَالْمَعْنَى: وَإِنَّ
__________
(1) في المخطوط «الاستثناء» . [.....]
(2) في المطبوع «المقطوع» .
(2/467)
فَاسْتَقِمْ كَمَا
أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ
بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى
الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ
مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا
تُنْصَرُونَ (113) وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ
النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ
يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ
(114)
كُلًّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ. وَقِيلَ مَا
بِمَعْنَى مِنْ، تَقْدِيرُهُ: لَمِنْ لَيُوَفِّيَنَّهُمْ]
[1] ، وَاللَّامُ فِي لَمَّا لَامُ التَّأْكِيدِ، [الَّتِي
تَدْخُلُ عَلَى خَبَرِ إِنَّ] [2] ، وَفِي
لَيُوَفِّيَنَّهُمْ لَامُ الْقَسَمِ، [وَالْقَسَمُ
مُضْمَرٌ] [3] تَقْدِيرُهُ: وَاللَّهِ، لَيُوَفِّيَنَّهُمْ
رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ، أَيْ: جَزَاءَ أَعْمَالِهِمْ،
إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ.
[سورة هود (11) : الآيات 112 الى 114]
فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا
تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) وَلا
تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ
النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ
ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (113) وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ
النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ
يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ
(114)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ، أَيِ:
اسْتَقِمْ عَلَى دِينِ رَبِّكَ وَالْعَمَلِ بِهِ
وَالدُّعَاءِ إِلَيْهِ كَمَا أُمِرْتَ، وَمَنْ تابَ
مَعَكَ، أَيْ: وَمَنْ آمَنَ مَعَكَ فَلْيَسْتَقِيمُوا،
قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
الِاسْتِقَامَةُ أَنْ تَسْتَقِيمَ عَلَى الْأَمْرِ
وَالنَّهْيِ، ولا تروغ روغان الثعالب [4] .
«1167» أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ
القاضي أنا أَبُو الطِّيبِ سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بن
سليمان أنا والدي إملاء ثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ
إسحاق ثنا محمد بن العلاء أبو كريب ثنا أَبُو أُسَامَةَ
عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سُفْيَانَ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ قَالَ:
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْ لِي فِي الْإِسْلَامِ
قَوْلًا لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ، قَالَ:
«قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ» .
وَلا تَطْغَوْا، لَا تُجَاوِزُوا أَمْرِي وَلَا
تَعْصُونِي. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَلَا تَغْلُوا
فَتَزِيدُوا عَلَى مَا أَمَرْتُ وَنَهَيْتُ. إِنَّهُ بِما
تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ
أَعْمَالِكُمْ شَيْءٌ.
«1168» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:
مَا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَةٌ هِيَ أَشَدُّ عَلَيْهِ مِنْ
هَذِهِ الْآيَةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ: «شيبتني هود وأخواتها»
.
__________
1167- صحيح. أبو بكر هو ابن خزيمة، ثقة إمام، وقد توبع ومن
دونه، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
أبو أسامة هو حماد بن أسامة، عروة هو ابن الزبير.
وهو في «شرح السنة» 16 بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم 38 وأحمد (3/ 413) وابن حبان 342 من طرق عن
هشام بن عروة به.
وأخرجه الترمذي 2410 وابن ماجه 3972 والطيالسي 1231 وأحمد
(3/ 413) والطبراني 6396 و6397 من طرق عَنِ الزُّهْرِيِّ
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عبد الرحمن بن ماعز عَنْ سُفْيَانَ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ به.
وبعض الرواة يقول عبد الرحمن بن ماعز بدل محمد بن عبد
الرحمن.
وأخرجه أحمد (3/ 413) و (4/ 384 و385) والطبراني 6398 من
طريقين عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عبد الله بن سفيان
الثقفي عن أبيه.
1168- لم أره بهذا السياق والمرفوع منه يأتي تخريجه برقم:
1174.
(1) ما بين الحاصرتين كذا في المطبوع وط، وهو في المخطوط
[وإن كلا لم ما- فحذفت إحدى الميمين ومعناه إلا ليوفيهم
ربك أعمالهم، وَمَنْ قَرَأَ بِالتَّخْفِيفِ قَالَ: مَا-
صلة أي: وإن كلّا لما لَيُوَفِّيَنَّهُمْ، وَقِيلَ- مَا-
بِمَعْنَى- مِنْ- تقديره: لمن ليوفينهم، كَقَوْلِهِ
تَعَالَى: فَانْكِحُوا مَا طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ
أَيْ: مَنْ طاب] .
(2) زيد في المطبوع.
(3) زيد في المطبوع.
(4) في المطبوع «الثعلب» .
(2/468)
«1169» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ
[بْنُ أَحْمَدَ] [1] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسماعيل ثنا عَبْدُ
السَّلَامِ بْنُ مُطَهَّرٍ ثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ
مَعْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْغِفَارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ ولن يشادّ هذا الدِّينَ أَحَدٌ
إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدَّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا
وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ
الدُّلْجَةِ» .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ
ظَلَمُوا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:
وَلَا تَمِيلُوا.
وَالرُّكُونُ: هُوَ الْمَحَبَّةُ وَالْمَيْلُ بِالْقَلْبِ.
وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: لَا تَرْضَوْا
بِأَعْمَالِهِمْ. قَالَ السُّدِّيُّ: لَا تُدَاهِنُوا
الظَّلَمَةَ. وعن عكرمة: لا تطيعوهم [فيما يقولوه ويعملوه]
[2] ، وَقِيلَ: لَا تَسْكُنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا
فَتَمَسَّكُمُ، فَتُصِيبَكُمُ، النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ
دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ، أَيْ: أَعْوَانٍ
يَمْنَعُونَكُمْ مِنْ عذابه، ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ
النَّهارِ، أي: الغداوة والعشي. قال مجاهد: النَّهَارِ
صَلَاةُ الصُّبْحِ وَالظَّهْرِ وَالْعَصْرِ. وَزُلَفاً
مِنَ اللَّيْلِ، صَلَاةُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ.
[وَقَالَ مُقَاتِلٌ: صَلَاةُ الْفَجْرِ وَالظَّهْرِ
طَرَفٌ، وَصَلَاةُ الْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ طَرَفٌ،
وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ يَعْنِي صَلَاةَ الْعِشَاءِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: طَرَفَا النَّهَارِ الصُّبْحُ
وَالْعَصْرُ، وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ الْمَغْرِبُ
وَالْعِشَاءُ] [3] . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا: طَرَفَا النَّهَارِ الْغَدَاةُ
وَالْعَشِيُّ، يَعْنِي صَلَاةَ الصُّبْحِ وَالْمَغْرِبِ.
قَوْلُهُ: وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ، أَيْ: سَاعَاتُهُ
وَاحِدَتُهَا زُلْفَةٌ وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ: زُلَفاً
بِضَمِّ اللَّامِ. إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ
السَّيِّئاتِ، يَعْنِي: إِنَّ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ
يُذْهِبْنَ الخطيئات.
«1170» وروي أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَبِي الْيَسَرِ،
قَالَ: أَتَتْنِي امْرَأَةٌ تَبْتَاعُ تَمْرًا فقلت: إِنَّ
فِي الْبَيْتِ تَمْرًا أَطْيَبُ منه، فدخلت معي في
الْبَيْتَ، فَأَهْوَيْتُ إِلَيْهَا فَقَبَّلْتُهَا،
فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَذَكَرْتُ
ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: اسْتُرْ عَلَى نَفْسِكَ وَتُبْ،
فَأَتَيْتُ عُمَرَ رضي الله عنه، فَقَالَ: اسْتُرْ عَلَى
نَفْسِكَ وَتُبْ، فَلَمْ أَصْبِرْ فَأَتَيْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ
ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: أَخَلَفْتَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ
اللَّهِ فِي أَهْلِهِ بِمِثْلِ هَذَا، حَتَّى ظَنَّ
أَنَّهُ من أهل النار؟ فأطرق
__________
1169- إسناده صحيح على شرط البخاري.
وهو في «شرح السنة» 930 بهذا الإسناد، وفي «صحيح البخاري»
39 عن عبد السلام بن مطهر به.
وأخرجه النسائي (8/ 121 و122) وابن حبان 351 والبيهقي (3/
18) من طرق عن عمر بن علي به.
1170- أخرجه الترمذي 3115 والنسائي في «الكبرى» 11248
والطبري 18697 و18698 من حديث أبي اليسر بن عمرو الأنصاري،
وليس في رواية الترمذي والنسائي ذكر عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ.
وَقَالَ الترمذي: وهذا حديث حسن صحيح.
وفي الباب من حديث معاذ بن جبل أخرجه الترمذي 3113
والدارقطني (1/ 134) والحاكم (1/ 135) والبيهقي (1/ 125)
وصححه الدارقطني وسكت عليه الحاكم، وكذا الذهبي، مع أن
إسناده منقطع.
فقد قال الترمذي: هذا حديث ليس إسناده بمتصل عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى لم يسمع من معاذ، وروى
شعبة هذا الحديث عن ابن أبي ليلى مرسلا اه.
وانظر الحديث الآتي، فإنه يشهد لأصله، والله أعلم.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) زيد في المطبوع.
(2/469)
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسلّم [رأسه] [1] حَتَّى أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ:
وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ
اللَّيْلِ الْآيَةَ، فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلِهَذَا خَاصَّةً
أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّةً؟ قَالَ: «بَلْ لِلنَّاسِ
عَامَّةً» [2] .
«1171» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثنا
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنْبَأَنَا قُتَيْبَةُ بن
سعيد ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ
التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنِ
ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ مِنَ امْرَأَةٍ قُبْلَةً فَأَتَى
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَأَخْبَرَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَقِمِ
الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ
إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ، فقال
الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِي هَذَا؟ قَالَ:
«لِجَمِيعِ أُمَّتِي كُلِّهِمْ» .
«1172» وَأَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبَدِ الْقَاهِرِ
أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ أَنْبَأَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ ثَنَا
مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حدثني أبو الطاهر وَهَارُونُ
بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ
وَهْبٍ عَنْ أَبِي صَخْرٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ إِسْحَاقَ
مَوْلَى زَائِدَةَ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كَانَ يَقُولُ: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ
إِلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ
مُكَفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتُنِبَتِ
الْكَبَائِرُ» .
«1173» وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ
أَنَا [أَبُو] مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ
الْمَخْلَدِيُّ أَنْبَأَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ محمد بن
__________
1171- إسناده على شرط البخاري ومسلم.
سليمان التيمي هو ابن بلال، أبو عثمان هو عبد الرحمن بن
مل.
وهو في «شرح السنة» 347 بهذا الإسناد، وفي «صحيح البخاري»
526 عن قتيبة به.
وأخرجه البخاري 4687 ومسلم 2763 والنسائي في «الكبرى»
11247 وابن خزيمة 312 والبيهقي (8/ 241) من طرق عن يزيد بن
زريع به.
وأخرجه مسلم 2763 ح 41 والترمذي 3114 والنسائي في «الكبرى»
11247 وابن ماجه 1398 و4254 وابن حبان 1729 والطبري 18689
من طرق عن سليمان التيمي به.
1172- إسناده صحيح على شرط مسلم.
أبو الطاهر هو أحمد بن عمرو، ابن وهب هو عبد الله، أبو صخر
هو حميد بن زياد، إسحاق هو ابن عبد الله.
وهو في «صحيح مسلم» 233 ح 16 عن هارون وأبي الطاهر بهذا
الإسناد.
وأخرجه أحمد (2/ 400) والبيهقي (10/ 187) من طريق ابن وهب
بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم 233 والترمذي 214 وأحمد (2/ 484) وأبو عوانة
(2/ 20) وابن خزيمة 314 و1814 وابن حبان 1733 والبيهقي (2/
467) و (10/ 187) والمصنف في «شرح السنة» 346 من طرق عَنِ
الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ به إلا أنه لم يذكر «ورمضان إلى رمضان» .
أخرجه ابن ماجه 1086 من طريق العلاء ولم يذكر «الصلوات
الخمس» .
وأخرجه الطيالسي 2470 وأحمد (2/ 414) من طريق الحسن عن أبي
هريرة به. [.....]
1173- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم. قتيبة هو ابن
سعيد.
الليث هو ابن سعد، ابن الهاد هو يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أسامة.
وهو في «شرح السنة» 343 بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم 667 والترمذي 2868 وأحمد (2/ 379) والدارمي
(1/ 268) وأبو عوانة (2/ 20) والبيهقي (1/ 361) .
(1) زيادة عن المخطوطتين.
(2) وقع في هذا الحديث زيادات في مواضع متفرقة منه في
المطبوع والمثبت عن المخطوطتين وط.
(2/470)
وَاصْبِرْ فَإِنَّ
اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115)
فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو
بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ
إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ
الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا
مُجْرِمِينَ (116) وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ
الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117) وَلَوْ
شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا
يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ
رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ
لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ
أَجْمَعِينَ (119)
إِسْحَاقَ [السَّرَّاجُ] [1] أَنْبَأَنَا
قُتَيْبَةُ أَنْبَأَنَا اللَّيْثُ وَبَكْرُ بْنُ مُضَرَ
عَنِ ابْنَ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ
التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ
أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ
[مَرَّاتٍ] [2] هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شيء؟» قالوا:
لا يبقى من درنه شيء، قال: «فذلك مَثَلُ الصَّلَوَاتِ
الْخَمْسِ، يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا» .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ذلِكَ، أَيْ: ذَلِكَ الَّذِي
ذَكَرْنَا. وَقِيلَ: هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى الْقُرْآنِ،
ذِكْرى عِظَةٌ لِلذَّاكِرِينَ، أَيْ: لِمَنْ ذكره.
[سورة هود (11) : آية 115]
وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ
الْمُحْسِنِينَ (115)
وَاصْبِرْ يَا مُحَمَّدُ عَلَى مَا تَلْقَى مِنَ الْأَذَى.
وقيل: على الصلاة [3] ، نظيره: وَأْمُرْ أَهْلَكَ
بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها [طه: 132] . فَإِنَّ
اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ، في أعمالهم.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما: يعني
المصلّين.
[سورة هود (11) : الآيات 116 الى 119]
فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا
بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ
قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ
الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكانُوا
مُجْرِمِينَ (116) وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى
بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ (117) وَلَوْ شاءَ
رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا
يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ
وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ
لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ
أَجْمَعِينَ (119)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَلَوْلا، فَهَلَّا، كانَ مِنَ
الْقُرُونِ، الَّتِي أهلكناهم، مِنْ قَبْلِكُمْ، الآية
للتوبيخ، أُولُوا بَقِيَّةٍ، أي: أولوا تمييز. وقيل: أولوا
طاعة. وقيل: أولوا خَيْرٍ. يُقَالُ: فُلَانٌ ذُو بَقِيَّةٍ
إِذَا كَانَ فِيهِ خَيْرٌ. مَعْنَاهُ: فَهَلَّا كَانَ مِنَ
الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ مَنْ فِيهِ خَيْرٌ يَنْهَى
عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ؟ وَقِيلَ:
معناه أولوا بَقِيَّةٍ مِنْ خَيْرٍ. يُقَالُ: فُلَانٌ
عَلَى بَقِيَّةٍ مِنَ الْخَيْرِ إِذَا كَانَ عَلَى
خَصْلَةٍ مَحْمُودَةٍ. يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي
الْأَرْضِ، أَيْ: يَقُومُونَ بِالنَّهْيِ عَنِ الْفَسَادِ،
وَمَعْنَاهُ جحدا، أي: لم يكن فيهم أولوا بَقِيَّةٍ.
إِلَّا قَلِيلًا، هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ
مَعْنَاهُ: لَكِنَّ قَلِيلًا، مِمَّنْ أَنْجَيْنا
مِنْهُمْ، وَهُمْ أَتْبَاعُ الْأَنْبِيَاءِ كَانُوا
يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ. وَاتَّبَعَ
الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا، نُعِّمُوا، فِيهِ،
وَالْمُتْرَفُ: الْمُنَعَّمُ. وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ
حَيَّانَ: خُوِّلُوا. وقال الفراء: عوّدوا [4] ، أَيْ:
وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا عُوِّدُوا مِنَ
النَّعِيمِ وَاللَّذَّاتِ وَإِيثَارِ الدُّنْيَا عَلَى
الْآخِرَةِ. وَكانُوا مُجْرِمِينَ، كَافِرِينَ.
وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ، أَيْ: لَا
يُهْلِكُهُمْ بشركهم، وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ، فيما
__________
من طرق عن الليث عن ابن الهاد.
وأخرجه البخاري 528 من طريق ابن أبي حازم والدراوردي عن
ابن الهاد به.
(1) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة» .
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) في المخطوط «الصلوات» .
(4) زيد في المطبوع وط عقب «عُوِّدُوا» [مِنَ النَّعِيمِ
وَاللَّذَّاتِ وَإِيثَارِ الدنيا] والظاهر أنه مقحم، وهو
مكرر ما بعده.
(2/471)
وَكُلًّا نَقُصُّ
عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ
فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ
وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا
يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا
عَامِلُونَ (121) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ
(122) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ
وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا
تَعْمَلُونَ (123)
بَيْنَهُمْ يَتَعَاطَوْنَ الْإِنْصَافَ
وَلَا يَظْلِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَإِنَّمَا
يُهْلِكُهُمْ إِذَا تَظَالَمُوا. وَقِيلَ: لَا
يُهْلِكُهُمْ بِظُلْمٍ مِنْهُ وَهُمْ مُصْلِحُونَ فِي
أَعْمَالِهِمْ، وَلَكِنْ يُهْلِكُهُمْ بِكُفْرِهِمْ
وَرُكُوبِهِمُ السَّيِّئَاتِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ
النَّاسَ، كُلَّهُمْ، أُمَّةً واحِدَةً، عَلَى دِينٍ
وَاحِدٍ، وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ، عَلَى أَدْيَانٍ
شَتَّى مِنْ بَيْنِ يَهُودِيٍّ وَنَصْرَانِيٍّ
وَمَجُوسِيٍّ ومشرك [ومسلم] [1] .
إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ، مَعْنَاهُ: لَكِنَّ مَنْ
رَحِمَ رَبُّكَ فَهَدَاهُمْ إِلَى الْحَقِّ، فَهُمْ لَا
يَخْتَلِفُونَ، وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ، قَالَ الْحَسَنُ
وَعَطَاءٌ: وَلِلِاخْتِلَافِ خَلْقَهُمْ. وَقَالَ
أَشْهَبُ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ،
فَقَالَ:
خَلَقَهُمْ لِيَكُونَ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ
فِي السَّعِيرِ. وَقَالَ أَبُو عبيد [2] : الَّذِي
أَخْتَارُهُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: خَلَقَ فَرِيقًا
لِرَحْمَتِهِ وَفَرِيقًا لِعَذَابِهِ. وَقَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ:
وَلِلرَّحْمَةِ خَلَقَهُمْ، يَعْنِي الَّذِينَ رَحِمَهُمْ.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: خَلَقَ أَهْلَ الرَّحْمَةِ
لِلرَّحْمَةِ، وَأَهْلَ الِاخْتِلَافِ لِلِاخْتِلَافِ.
ومحصول الْآيَةِ أَنَّ أَهْلَ الْبَاطِلِ مُخْتَلِفُونَ
وَأَهْلَ الْحَقِّ مُتَّفِقُونَ، فَخَلَقَ اللَّهُ أَهْلَ
الْحَقِّ لِلِاتِّفَاقِ وَأَهْلَ الْبَاطِلِ
لِلِاخْتِلَافِ. وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ، وَتَمَّ
حُكْمُ رَبِّكَ، لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ
وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ.
[سورة هود (11) : الآيات 120 الى 123]
وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ مَا
نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ
وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) وَقُلْ
لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ
إِنَّا عامِلُونَ (121) وَانْتَظِرُوا إِنَّا
مُنْتَظِرُونَ (122) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ
وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ
فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ
عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)
وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ،
مَعْنَاهُ: وَكُلُّ الَّذِي تَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ
أَنْبَاءِ الرُّسُلِ، أَيْ: مِنْ أَخْبَارِهِمْ
وَأَخْبَارِ أُمَمِهِمْ نَقُصُّهَا عَلَيْكَ، ما نُثَبِّتُ
بِهِ فُؤادَكَ، لِنَزِيدَكَ يَقِينًا وَنُقَوِّيَ
قَلْبَكَ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَمِعَهَا كَانَ فِي ذَلِكَ
تَقْوِيَةٌ لِقَلْبِهِ عَلَى الصَّبْرِ عَلَى أَذَى
قَوْمِهِ. وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ، قَالَ الْحَسَنُ
وَقَتَادَةُ:
فِي هَذِهِ الدُّنْيَا. وَقَالَ غَيْرُهُمَا: فِي هَذِهِ
السُّورَةِ. وهو قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ، خَصَّ هَذِهِ
السُّورَةَ تَشْرِيفًا، وَإِنْ كَانَ قَدْ جَاءَهُ
الْحَقُّ فِي جَمِيعِ السُّوَرِ. وَمَوْعِظَةٌ، أَيْ:
وَجَاءَتْكَ مَوْعِظَةٌ، وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ.
وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى
مَكانَتِكُمْ، أَمْرُ تَهْدِيدٍ وَوَعِيدٍ، إِنَّا
عامِلُونَ.
وَانْتَظِرُوا، مَا يَحِلُّ بِنَا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ،
إِنَّا مُنْتَظِرُونَ، مَا يَحِلُّ بِكُمْ مِنْ نِقْمَةِ
اللَّهِ.
وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، أَيْ: [عِلْمُ]
[3] مَا غَابَ عَنِ الْعِبَادِ فِيهِمَا، وَإِلَيْهِ
يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ، فِي الْمَعَادِ. قَرَأَ
نَافِعٌ وَحَفْصٌ: يُرْجَعُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ
الْجِيمِ، أَيْ: يُرَدُّ. وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ
الْيَاءِ وَكَسْرِ الْجِيمِ، أَيْ: يَعُودُ الْأَمْرُ
كُلُّهُ إِلَيْهِ حَتَّى لَا يَكُونَ لِلْخَلْقِ أَمْرٌ.
فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ، وَثِقْ بِهِ، وَما
رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ، قرأ أهل المدينة و
[أهل] [4] الشام وحفص ويعقوب: تَعْمَلُونَ بالتاء هاهنا
وَفِي آخِرِ سُورَةِ النَّمْلِ. وَقَرَأَ الْآخَرُونَ
بِالْيَاءِ فِيهِمَا. قَالَ كَعْبٌ: خَاتِمَةُ
التَّوْرَاةِ خَاتِمَةُ سُورَةِ هُودٍ.
«1174» أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ أَنْبَأَنَا أَبُو
الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الخزاعي
__________
1174- جيد. إسناده حسن، محمد بن العلاء فمن فوقه رجال
البخاري ومسلم سوى معاوية بن هشام فإنه من رجال مسلم وحده،
وفيه ضعف لكن للحديث شواهد وطرق.
(1) زيادة عن المخطوطتين.
(2) في المطبوع وط «عبيدة» .
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) زيادة عن المخطوط.
(2/472)
|