تفسير البغوي
إحياء التراث حم (1)
سورة غافر
مكية وهي خمس وثمانون آية
[سورة غافر (40) : الآيات 1 الى 7]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ
الْعَلِيمِ (2) غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ
الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ
الْمَصِيرُ (3) مَا يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلاَّ
الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي
الْبِلادِ (4)
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ
بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ
لِيَأْخُذُوهُ وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ
الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (5) وَكَذلِكَ
حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ
أَصْحابُ النَّارِ (6) الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ
حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ
وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ
شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا
وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (7)
«1841» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ سَمْعَانَ ثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ
بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ ثَنَا حميد بن زنجويه
ثنا عبيد الله [1] بن موسى ثنا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ عَنِ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
إِنَّ مَثَلَ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ رَجُلٍ انْطَلَقَ يَرْتَادُ
لِأَهْلِهِ مَنْزِلًا فَمَرَّ بِأَثَرِ غَيْثٍ فَبَيْنَمَا
هُوَ يَسِيرُ فِيهِ وَيَتَعَجَّبُ مِنْهُ إِذْ هَبَطَ عَلَى
رَوْضَاتٍ دَمِثَاتٍ [2] ، فَقَالَ: عَجِبْتُ مِنَ الْغَيْثِ
الْأَوَّلِ فَهَذَا أَعْجَبُ مِنْهُ وَأَعْجَبُ، فَقِيلَ لَهُ
إِنَّ مَثَلَ الْغَيْثِ الْأَوَّلِ مَثَلُ عِظَمِ الْقُرْآنِ
وَإِنَّ مَثَلَ هَؤُلَاءِ الرَّوْضَاتِ الدَّمِثَاتِ [3]
مَثَلُ الْ حم فِي الْقُرْآنِ.
«1842» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو
إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ أنا أبو محمد الرومي ثنا أَبُو
الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ أَنَا قُتَيْبَةُ ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ
عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ الْجَرَّاحَ بْنَ
[أَبِي] [4]
الْجَرَّاحِ حَدَّثَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لِكُلِّ
شَيْءٍ لُبَابٌ وَلُبَابُ الْقُرْآنِ الْحَوَامِيمُ.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِذَا وَقَعْتُ فِي آلِ حم وَقَعْتُ
فِي رَوْضَاتٍ دَمِثَاتٍ أَتَأَنَّقُ فِيهِنَّ. وَقَالَ سَعْدُ
بْنُ إِبْرَاهِيمَ: كُنَّ آلَ حم يُسَمَّيْنَ العرائس.
__________
1841- موقوف صحيح. إسناده صحيح، رجاله ثقات.
1842- إسناده ضعيف لضعف ابن لهيعة.
(1) في المطبوع «عبد الله» والمثبت عن المخطوط وكتب التراجم.
(2) في المطبوع «دمثال» والمثبت عن المخطوط.
(3) في المطبوع «الدمثال» والمثبت عن المخطوط.
(4) سقط من المطبوع.
(4/103)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: حم، قَدْ سَبَقَ
الْكَلَامُ فِي حُرُوفِ التَّهَجِّي.
قَالَ السُّدِّيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: حم اسْمُ اللَّهِ
الْأَعْظَمُ. وَرَوَى عِكْرِمَةُ عَنْهُ قَالَ: الر وَحم
وَنون، حُرُوفُ الرَّحْمَنِ مُقَطَّعَةً. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ
جُبَيْرٍ وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: الْحَاءُ افْتِتَاحُ
أَسْمَائِهِ حَكِيمٌ حَمِيدٌ حَيٌّ حَلِيمٌ حَنَّانٌ،
وَالْمِيمُ افْتِتَاحُ أسمائه ملك مَجِيدٌ مَنَّانٌ. وَقَالَ
الضَّحَّاكُ وَالْكِسَائِيُّ: مَعْنَاهُ قَضَى مَا هُوَ
كَائِنٌ كَأَنَّهُمَا أَشَارَا إِلَى أَنَّ مَعْنَاهُ حُمَّ
بِضَمِّ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ
وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ حِم بِكَسْرِ الْحَاءِ،
وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا.
تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2)
غافِرِ الذَّنْبِ، سَاتِرِ الذَّنْبِ، وَقابِلِ التَّوْبِ،
يَعْنِي التَّوْبَةَ مَصْدَرُ تَابَ يَتُوبُ تَوْبًا. وَقِيلَ:
التَّوْبُ جَمْعُ تَوْبَةٍ مِثْلُ دَوْمَةٍ وَدَوْمٍ وعومة
وعوم [1] . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: غَافِرُ الذَّنْبِ لِمَنْ
قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَقَابِلُ التَّوْبِ مِمَّنْ
قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رسول اللَّهُ.
شَدِيدِ الْعِقابِ، لِمَنْ لَا يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ، ذِي الطَّوْلِ، ذِي الْغِنَى عَمَّنْ لَا يَقُولُ لَا
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. قَالَ مُجَاهِدٌ: ذِي الطَّوْلِ ذِي
السَّعَةِ وَالْغِنَى. وَقَالَ الْحَسَنُ: ذُو الْفَضْلِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: ذُو النِّعَمِ. وَقِيلَ: ذُو الْقُدْرَةِ
وَأَصْلُ الطَّوْلِ الْإِنْعَامُ الَّذِي تَطُولُ مُدَّتُهُ
عَلَى صَاحِبِهِ. لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ.
مَا يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ، فِي دَفْعِ آيَاتِ اللَّهِ
بِالتَّكْذِيبِ وَالْإِنْكَارِ، إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا،
قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: آيَتَانِ مَا أَشَدَّهُمَا عَلَى
الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي الْقُرْآنِ: مَا يُجادِلُ فِي
آياتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا، ووَ إِنَّ الَّذِينَ
اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ [الْبَقَرَةِ:
176] .
«1843» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو
إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حامد [2]
ثنا محمد بن خالد أنا
__________
1843- صحيح. إسناده ضعيف لضعف ليث، لكن توبع وللحديث طرق
وشواهد، فهو صحيح إن شاء الله.
- زائدة هو ابن قدامة، ليث هو ابن أبي سليم، أبو سلمة هو ابن
عبد الرحمن.
- وأخرجه أحمد 2/ 258 وابن أبي شيبة 15/ 529 من طريقين عن سعد
بن إبراهيم بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد 2/ 478 و494 والحاكم 2/ 223 من طريق أبي عاصم عن
سعيد عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي
سَلَمَةَ عَنْ أبيه به.
وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وإسناده حسن لأجل عمر بن أبي
سلمة.
- وأخرجه أبو داود 4603 وأحمد 2/ 286 و424 و475 و503 و528
والحاكم 2/ 223 وابن حبان 1464 وأبو نعيم في «الحلية» 8/ 212-
213 وفي «أخبار أصبهان» 2/ 123 من طرق عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
عَمْرٍو عَنْ أبي سلمة به.
وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
وللحديث شواهد منها:
- حديث عبد الله بن عمرو «لا تجادلوا في القرآن، فإن جدالا فيه
كفر» .
أخرجه الطيالسي 2286 وأحمد 4/ 170 و204- 205 وإسناده حسن رجاله
رجال البخاري مسلم، لكن فليح بن سليمان كثير الخطأ.
- وورد من وجه آخر، أخرجه أبو عبيد في «فضائل القرآن» 6/ 54 ص
212 وإسناده ضعيف، لضعف عبد الله بن صالح كاتب الليث.
- وحديث زيد بن ثابت.
أخرجه الطبراني كما في «المجمع» 710 وقال الهيثمي: رجاله
موثقون.
- وحديث أبي جهيم الأنصاري.
(1) في المطبوع «حومة وحوم» والمثبت عن المخطوط.
(2) في المطبوع «أحمد» والمثبت عن المخطوط. [.....]
(4/104)
داود بن سليمان أنا عبد الله [1] بن حميد
ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ عَنْ زَائِدَةَ
عَنْ لَيْثٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي
سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ جِدَالًا [2] فِي
الْقُرْآنِ كُفْرٌ» .
«1844» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الصَّالِحِيُّ أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ أَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا
مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ:
سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَوْمًا يتدارؤون [3] فِي الْقُرْآنِ، فَقَالَ: «إِنَّمَا
هَلَكَ [4] مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِهَذَا ضَرَبُوا كتاب الله
بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، وَإِنَّمَا نَزَلَ كِتَابُ اللَّهِ
يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَلَا تُكَذِّبُوا بَعْضَهُ
بِبَعْضٍ، فَمَا عَلِمْتُمْ منه فقولوه، وما جهلتم فَكِلُوهُ
إِلَى عَالِمِهِ» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي
الْبِلادِ، تَصَرُّفُهُمْ فِي الْبِلَادِ لِلتِّجَارَاتِ [5]
وَسَلَامَتُهُمْ فِيهَا مَعَ كُفْرِهِمْ، فَإِنَّ عَاقِبَةَ
أَمْرِهِمُ الْعَذَابُ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: لَا
يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ
(196) [آلِ عِمْرَانَ: 196] .
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ
بَعْدِهِمْ، وَهُمُ الْكُفَّارُ الَّذِينَ تَحَزَّبُوا عَلَى
أَنْبِيَائِهِمْ بِالتَّكْذِيبِ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ،
وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ، قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ: لِيَقْتُلُوهُ وَيُهْلِكُوهُ. وَقِيلَ:
لِيَأْسِرُوهُ. وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْأَسِيرَ أَخِيذًا،
وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا، لِيُبْطِلُوا، بِهِ
الْحَقَّ، الَّذِي جَاءَ بِهِ الرُّسُلُ وَمُجَادَلَتُهُمْ
مِثْلُ قَوْلِهِمْ: إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا
[إبراهيم: 10] ، ولَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ
[الْفَرْقَانِ: 21] وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ
كانَ عِقابِ.
وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ، يَعْنِي كَمَا حَقَّتْ
كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ حَقَّتْ،
عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا
__________
أخرجه أبو عبيد 7/ 54 وفي إسناده ضعف.
لكن هذه الأحاديث تتقوى بمجموعها والله أعلم.
1844- صحيح. إسناده حسن للاختلاف المعروف في عمرو عن آبائه،
ومن دونه ثقات توبعوا، وللحديث شواهد وطرق.
- وهو في «شرح السنة» 121 بهذا الإسناد.
- وهو في «مصنف عبد الرزاق» 20367 عن معمر بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد 2/ 185 والآجري في «الشريعة» 134 من طريق عبد
الرزاق به.
- وأخرجه ابن ماجه 85 وأحمد 2/ 195- 196 من طريق داود بن أبي
هند عن عمرو بن شعيب به.
- وقال البوصيري في «الزوائد» : هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات
وللحديث شواهد منها:
- حديث أبي هريرة أخرجه النسائي في «فضائل القرآن» 118 وأحمد
2/ 300 والطبري 7 وابن حبان 74 ولفظه «أنزل القرآن على سبعة
أحرف، والمراء في القرآن كفر، ما عرفتم منه فاعملوا به، وما
جهلتم منه فردوه إلى عالمه» .
وإسناده صحيح على شرطهما.
- وحديث أبي أمامة أخرجه الآجري 136 ولفظه «يا هؤلاء لا تضربوا
كتاب الله تعالى بعضه ببعض، فإنه لم تضل أمة إلّا أوتو الجدل»
.
وإسناده ضعيف لضعف القاسم بن عبد الرحمن.
(1) كذا في المطبوع. وفي المخطوط (ب) «حميد بن حميد» وفي
المخطوط (أ) «عبد بن حميد» .
(2) في المطبوع «دجالا» والمثبت عن ط والمخطوط.
(3) في المخطوط (ب) يتدارؤن وفي «شرح السنة» :
«يتدارؤن- قال الرمادي: يتمارون-» .
(4) في المطبوع «ملك» والمثبت عن ط والمخطوط و «شرح السنة» .
(5) في المخطوط (ب) «بالتجارات» والمثبت عن ط والمخطوط (أ) .
(4/105)
، مِنْ قَوْمِكَ، أَنَّهُمْ أَصْحابُ
النَّارِ، قَالَ الْأَخْفَشُ: لِأَنَّهُمْ أَوْ بِأَنَّهُمْ
أصحاب النار.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ
وَمَنْ حَوْلَهُ، حَمَلَةُ الْعَرْشِ وَالطَّائِفُونَ بِهِ
وَهُمُ الْكَرُوبِيُّونَ، وَهُمْ سَادَةُ الْمَلَائِكَةِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حَمَلَةُ الْعَرْشِ مَا بَيْنَ كَعْبِ
أَحَدِهِمْ إِلَى أَسْفَلِ قَدَمَيْهِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ
عَامٍ.
وَيُرْوَى أَنَّ أَقْدَامَهُمْ في تخوم الأرضين والأرضون
والسموات إِلَى حُجُزِهِمْ [1] ، وَهُمْ يَقُولُونَ:
سُبْحَانَ ذِي الْعِزَّةِ وَالْجَبَرُوتِ، سُبْحَانَ ذِي
الْمُلْكِ وَالْمَلَكُوتِ، سُبْحَانَ الْحَيِّ الَّذِي لَا
يَمُوتُ، سَبُوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ.
وَقَالَ مَيْسَرَةُ بْنُ عبد ربه [2] : أرجلهم في الأرض
السفلى، ورؤوسهم خَرَقَتِ [3] الْعَرْشَ، وَهُمْ خُشُوعٌ لَا
يَرْفَعُونَ طَرْفَهُمْ، وَهُمْ أَشَدُّ خَوْفًا مِنْ أَهْلِ
السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، وَأَهْلُ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ
أَشَدُّ خَوْفًا مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا،
وَالَّتِي تَلِيهَا أَشَدُّ خَوْفًا مِنَ الَّتِي تَلِيهَا.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: بَيْنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْعَرْشِ
سَبْعُونَ حِجَابًا مِنْ نُورٍ.
«1845» وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ
مَلَائِكَةِ اللَّهِ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ مَا بَيْنَ
شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ إلى عاتقيه مَسِيرَةُ سَبْعِمِائَةِ
عَامٍ» .
وَرَوَى جَعْفَرُ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ
أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ مَا بَيْنَ الْقَائِمَةِ مِنْ قَوَائِمِ
الْعَرْشِ وَالْقَائِمَةِ الثَّانِيَةِ خَفَقَانَ الطَّيْرِ
الْمُسْرِعِ ثَلَاثِينَ أَلْفَ عَامٍ، وَالْعَرْشُ يُكْسَى
كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِينَ أَلْفَ لَوْنٍ مِنَ النُّورِ، لَا
يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ
اللَّهِ، وَالْأَشْيَاءُ كُلُّهَا فِي الْعَرْشِ كَحَلْقَةٍ
فِي فَلَاةٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: بَيْنَ السَّمَاءِ
السَّابِعَةِ وَبَيْنَ الْعَرْشِ سبعون ألف حجاب [حِجَابٍ] [4]
مِنْ نُورٍ وَحِجَابٍ مِنْ ظُلْمَةٍ وَحِجَابُ نُورٍ وَحِجَابُ
ظُلْمَةٍ.
وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: إِنَّ حول العرش سبعون أَلْفَ
صَفٍّ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، صَفٌّ خَلْفَ صَفٍّ يَطُوفُونَ
بِالْعَرْشِ، يُقْبِلُ هؤلاء يدبر [5] هَؤُلَاءِ فَإِذَا
اسْتَقْبَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا هَلَّلَ هَؤُلَاءِ وَكَبَّرَ
هَؤُلَاءِ، وَمِنْ وَرَائِهِمْ سَبْعُونَ أَلْفَ صَفٍّ قِيَامٌ
أَيْدِيهِمْ إِلَى أَعْنَاقِهِمْ قَدْ وَضَعُوهَا عَلَى
عَوَاتِقِهِمْ، فَإِذَا سَمِعُوا تَكْبِيرَ أُولَئِكَ
وَتَهْلِيلَهُمْ رَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ، فَقَالُوا:
سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ مَا أَعْظَمَكَ وَأَجَلَّكَ أَنْتَ
اللَّهُ لَا إِلَهَ غَيْرُكَ، أَنْتَ الْأَكْبَرُ الْخَلْقُ
كُلُّهُمْ لَكَ رَاجِعُونَ، وَمِنْ وَرَاءِ هَؤُلَاءِ مِائَةُ
أَلْفِ صَفٍّ مِنَ الْمَلَائِكَةِ قَدْ وَضَعُوا الْيُمْنَى
عَلَى الْيُسْرَى لَيْسَ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا وَهُوَ
يُسَبِّحُ بِتَحْمِيدٍ لَا يُسَبِّحُهُ الْآخَرُ، مَا بَيْنَ
جَنَاحَيْ أَحَدِهِمْ مَسِيرَةُ ثَلَاثِمِائَةِ عَامٍ، وَمَا
بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ أَرْبَعُمِائَةِ
عَامٍ، وَاحْتَجَبَ اللَّهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ
حَوْلَ الْعَرْشِ بِسَبْعِينَ حِجَابًا مِنْ نَارٍ،
__________
1845- صحيح. أخرجه ابن طهمان في «مشيخته» 21 وأبو داود 4727
والخطيب في «تاريخ بغداد» 10/ 195 من طريق موسى بن عقبة عن
محمد بن المنكدر به.
وصححه السيوطي في «الدر المنثور» 5/ 647 وهو كما قال.
- وفي الباب من حديث أبي هريرة أخرجه أبو يعلى 6619 وابن
مردويه كما في «الدر» 5/ 647 وإسناده صحيح، صححه السيوطي في
الدر وكذا ابن حجر في «المطالب العالية» 3/ 267 وقال الهيثمي
في «المجمع» 8/ 135: رجاله رجال الصحيح.
(1) في المطبوع «حجزتهم» والمثبت عن المخطوط.
(2) في المخطوط (ب) «عزوبة» وفي المخطوط (أ) «غزوية» .
(3) في المطبوع «تحت» والمثبت عن المخطوط.
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) في المطبوع «يقبل» والمثبت عن المخطوط.
(4/106)
رَبَّنَا
وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ
صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ
إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8)
وَسَبْعِينَ حِجَابًا مِنْ ظُلْمَةٍ،
وَسَبْعِينَ حِجَابًا مِنْ نُورٍ، وَسَبْعِينَ حِجَابًا مِنْ
دُرٍّ أَبْيَضَ، وَسَبْعِينَ حِجَابًا مِنْ يَاقُوتٍ أَحْمَرَ،
وَسَبْعِينَ حِجَابًا مِنْ يَاقُوتٍ أَصْفَرَ، وَسَبْعِينَ
حِجَابًا مِنْ زَبَرْجَدٍ أَخْضَرَ، وَسَبْعِينَ حِجَابًا مَنْ
ثَلْجٍ، وَسَبْعِينَ حِجَابًا مِنْ مَاءٍ، وَسَبْعِينَ
حِجَابًا مَنْ بَرَدٍ، وَمَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ
تَعَالَى. قَالَ: وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ
وَمَنْ حَوْلَهُ أَرْبَعَةُ وُجُوهٍ، وَجْهُ ثَوْرٍ وَوَجْهُ
أَسَدٍ وَوَجْهُ نِسْرٍ وَوَجْهُ إِنْسَانٍ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ
مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ أَجْنِحَةٍ، أَمَّا جَنَاحَانِ فَعَلَى
وَجْهِهِ مَخَافَةَ أَنْ لا يَنْظُرَ إِلَى الْعَرْشِ
فَيُصْعَقَ، وَأَمَّا جناحان فيهفو بهما [1] كما يهفو هذا
الطائر بجناحيه إذا حركه لَيْسَ لَهُمْ كَلَامٌ إِلَّا
التَّسْبِيحُ [والتسليم والتمجيد والتكبير] [2] والتحميد.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ
وَيُؤْمِنُونَ بِهِ، يُصَدِّقُونَ بِأَنَّهُ وَاحِدٌ لَا
شَرِيكَ لَهُ.
«1846» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا
أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ ثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ
الرَّيَّانِيُّ ثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ ثنا عُمَرُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَّاشِيُّ ثنا جعفر بن سليمان ثنا
هارون بن رئاب ثنا شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ قَالَ: حَمَلَةُ
الْعَرْشِ ثَمَانِيَةٌ، فَأَرْبَعَةٌ مِنْهُمْ يَقُولُونَ:
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى
حِلْمِكَ بَعْدَ عِلْمِكَ، وَأَرْبَعَةٌ مِنْهُمْ يَقُولُونَ:
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى
عَفْوِكَ بَعْدَ قُدْرَتِكَ، قَالَ: وَكَأَنَّهُمْ يَنْظُرُونَ
ذُنُوبَ بَنِي آدَمَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا
رَبَّنا، يَعْنِي يَقُولُونَ رَبَّنَا، وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ
رَحْمَةً وَعِلْماً، قِيلَ: نُصِبَ عَلَى التَّفْسِيرِ،
وَقِيلَ: عَلَى النَّقْلِ، أَيْ وَسِعَتْ رَحْمَتُكَ
وَعِلْمُكَ كُلَّ شَيْءٍ، فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا
وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ، دِينَكَ. وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ،
قَالَ مُطَرِّفٌ: أَنْصَحُ عِبَادِ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ
هُمُ الْمَلَائِكَةُ وَأَغَشُّ الْخَلْقِ لِلْمُؤْمِنِينَ هم
الشياطين.
[سورة غافر (40) : الآيات 8 الى 12]
رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ
وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ
وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8)
وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ
فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ
أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى
الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ (10) قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا
اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا
بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11) ذلِكُمْ
بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ
يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ
الْكَبِيرِ (12)
رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ
وَمَنْ صَلَحَ، آمن، مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ
وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ،
قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: يَدْخُلُ الْمُؤْمِنُ الْجَنَّةَ
فَيَقُولُ أَيْنَ أَبِي أَيْنَ أُمِّي أين ولدي أين زوجتي؟
فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ لَمْ يَعْمَلُوا مِثْلَ عَمَلِكَ،
فَيَقُولُ: إِنِّي كُنْتُ أَعْمَلُ لِي وَلَهُمْ، فَيُقَالُ:
أَدْخِلُوهُمُ [الْجَنَّةَ] [3] .
وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ، الْعُقُوبَاتِ، وَمَنْ تَقِ
السَّيِّئاتِ، أَيْ وَمَنْ تَقِهِ السَّيِّئَاتِ يَعْنِي
الْعُقُوبَاتِ، وَقِيلَ: جَزَاءَ السَّيِّئَاتِ، يَوْمَئِذٍ
فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ،
يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُمْ فِي النَّارِ وَقَدْ مقتوا أنفسهم
حين
__________
1846- مقطوع. إسناده إلى شهر حسن، رجاله ثقات، وهو مقطوع لأنه
قول التابعي، والظاهر أنه متلقى عن أهل الكتاب. [.....]
(1) في المطبوع «بها» والمثبت عن المخطوط.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) زيادة عن المخطوط.
(4/107)
هُوَ الَّذِي
يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ
رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (13)
عُرِضَتْ عَلَيْهِمْ سَيِّئَاتُهُمْ،
وَعَايَنُوا الْعَذَابَ، فَيُقَالُ لَهُمْ: لَمَقْتُ اللَّهِ
أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى
الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ، يَعْنِي لَمَقْتُ اللَّهِ
إِيَّاكُمْ فِي الدُّنْيَا إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ
فَتَكْفُرُونَ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمُ الْيَوْمَ
أَنْفُسَكُمْ عِنْدَ حُلُولِ الْعَذَابِ بِكُمْ.
قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا
اثْنَتَيْنِ، قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى
عَنْهُمَا وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ:
كَانُوا أَمْوَاتًا فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ فَأَحْيَاهُمُ
اللَّهُ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ أَمَاتَهُمُ الْمَوْتَةَ
الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ لِلْبَعْثِ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَهُمَا مَوْتَتَانِ وَحَيَاتَانِ،
وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ
وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ
يُحْيِيكُمْ [الْبَقَرَةِ: 28] ، وَقَالَ الْسُّدِّيُّ:
أُمِيتُوا فِي الدُّنْيَا ثُمَّ أُحْيَوْا فِي قُبُورِهِمْ
لِلسُّؤَالِ، ثُمَّ أُمِيتُوا فِي قُبُورِهِمْ ثُمَّ أُحْيَوْا
فِي الْآخِرَةِ. فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى
خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ، أَيْ مِنْ خُرُوجٍ مِنَ النَّارِ إِلَى
الدُّنْيَا فَنُصْلِحَ أَعْمَالَنَا وَنَعْمَلَ بِطَاعَتِكَ،
نَظِيرُهُ: هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ [الشورى: 44] .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ
اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ، فيه مَتْرُوكٌ اسْتُغْنِيَ
عَنْهُ لِدَلَالَةِ الظَّاهِرِ عَلَيْهِ، مَجَازُهُ:
فَأُجِيبُوا أَنْ لَا سَبِيلَ إِلَى ذَلِكَ، وَهَذَا
الْعَذَابُ وَالْخُلُودُ فِي النَّارِ بِأَنَّكُمْ إِذَا دعي
الله وحده كفرتم، أي إِذَا قِيلَ لَا إِلَهَ إِلَّا الله
أنكرتم، وَقُلْتُمْ: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً [ص:
5] ، وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ، غَيْرُهُ تُؤْمِنُوا، تُصَدِّقُوا
ذَلِكَ الشِّرْكَ، فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ.
الَّذِي لَا أعلى منه ولا أكبر.
[سورة غافر (40) : الآيات 13 الى 19]
هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ
السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَنْ يُنِيبُ (13)
فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ
الْكافِرُونَ (14) رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي
الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ
لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ (15) يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لَا
يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ
الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (16) الْيَوْمَ
تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ
اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (17)
وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى
الْحَناجِرِ كاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا
شَفِيعٍ يُطاعُ (18) يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما
تُخْفِي الصُّدُورُ (19)
هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ
السَّماءِ رِزْقاً، يَعْنِي الْمَطَرَ الَّذِي هُوَ سَبَبُ
الْأَرْزَاقِ، وَما يَتَذَكَّرُ، وَمَا يَتَّعِظُ بِهَذِهِ
الْآيَاتِ، إِلَّا مَنْ يُنِيبُ، يَرْجِعُ إِلَى اللَّهِ
تَعَالَى فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ.
فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، الطَّاعَةَ
وَالْعِبَادَةَ. وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ.
رَفِيعُ الدَّرَجاتِ، رَافِعُ دَرَجَاتِ الْأَنْبِيَاءِ
وَالْأَوْلِيَاءِ فِي الْجَنَّةِ، ذُو الْعَرْشِ، خَالِقُهُ
وَمَالِكُهُ، يُلْقِي الرُّوحَ، يُنَزِّلُ الْوَحْيَ، سَمَّاهُ
رُوحًا لِأَنَّهُ تَحْيَا بِهِ الْقُلُوبُ كَمَا تَحْيَا به
الْأَبْدَانُ بِالْأَرْوَاحِ، مِنْ أَمْرِهِ، قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: مِنْ قَضَائِهِ. وَقِيلَ: مِنْ قَوْلِهِ. وَقَالَ
مُقَاتِلٌ: بِأَمْرِهِ. عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ
لِيُنْذِرَ، أَيْ لِيُنْذِرَ النَّبِيُّ بِالْوَحْيِ، يَوْمَ
التَّلاقِ، وَقَرَأَ يَعْقُوبُ بِالتَّاءِ أَيْ لِتُنْذِرَ
أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ يَوْمَ التَّلَاقِ، يَوْمَ يَلْتَقِي
أَهْلُ السَّمَاءِ وَأَهْلُ الْأَرْضِ. قَالَ قَتَادَةُ
وَمُقَاتِلٌ: يَلْتَقِي فِيهِ الْخَلْقُ وَالْخَالِقُ. قَالَ
ابْنُ زَيْدٍ: يَتَلَاقَى الْعِبَادُ. وَقَالَ مَيْمُونُ بْنُ
مِهْرَانَ: يَلْتَقِي الظَّالِمُ وَالْمَظْلُومُ وَالْخُصُومُ.
وَقِيلَ: يَلْتَقِي الْعَابِدُونَ وَالْمَعْبُودُونَ.
وَقِيلَ: يَلْتَقِي فِيهِ الْمَرْءُ مَعَ عَمَلِهِ.
يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ، خَارِجُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ
ظَاهِرُونَ لَا يَسْتُرُهُمْ شَيْءٌ، لَا يَخْفى عَلَى اللَّهِ
مِنْهُمْ، مِنْ أَعْمَالِهِمْ وأحوالهم، شَيْءٌ، ويقول اللَّهُ
تَعَالَى فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بَعْدَ فَنَاءِ الْخَلْقِ،
لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ، فُلَا أَحَدٌ يُجِيبُهُ فَيُجِيبُ
بنفسه فَيَقُولُ، لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ، الَّذِي
قَهَرَ الْخَلْقَ بِالْمَوْتِ.
الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ، يُجْزَى
الْمُحْسِنَ بِإِحْسَانِهِ وَالْمُسِيءَ بِإِسَاءَتِهِ،
(4/108)
وَاللَّهُ يَقْضِي
بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ
بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (20)
لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ
سَرِيعُ الْحِسابِ.
وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ، يَعْنِي يَوْمَ
الْقِيَامَةِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا قَرِيبَةٌ إِذْ
كَلُّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيبٌ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ عَزَّ
وَجَلَّ: أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (57) [النَّجْمِ: 57] ، أَيْ
قَرُبَتِ الْقِيَامَةُ. إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ،
وَذَلِكَ أَنَّهَا تَزُولُ عَنْ أَمَاكِنِهَا مِنَ الْخَوْفِ
حَتَّى تصير إلى الحناجر، فهي لا تعود إلى أماكنها وهي لا
تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ فَيَمُوتُوا وَيَسْتَرِيحُوا.
كاظِمِينَ، مَكْرُوبِينَ مُمْتَلِئِينَ خَوْفًا وَحُزْنًا،
وَالْكَظْمُ تَرَدُّدُ الْغَيْظِ وَالْخَوْفِ وَالْحُزْنِ فِي
الْقَلْبِ حَتَّى يَضِيقَ بِهِ. مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ
حَمِيمٍ، قَرِيبٌ يَنْفَعُهُمْ، وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ،
فَيَشْفَعُ فِيهِمْ.
يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ، أَيْ خِيَانَتَهَا وَهِيَ
مُسَارَقَةُ النَّظَرِ إِلَى ما يحل. قال مجاهد: [هو] [1]
نَظَرُ الْأَعْيُنِ إِلَى مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ. وَما
تُخْفِي الصُّدُورُ.
[سورة غافر (40) : الآيات 20 الى 26]
وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ
دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ
الْبَصِيرُ (20) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ
فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ
قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثاراً فِي
الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ
لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ (21) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانَتْ
تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَكَفَرُوا
فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (22)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (23)
إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ
(24)
فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا
أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ
وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (25) وَقالَ
فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي
أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي
الْأَرْضِ الْفَسادَ (26)
وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ
دُونِهِ، يَعْنِي الْأَوْثَانَ، لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ،
لِأَنَّهَا لَا تَعْلَمُ شَيْئًا وَلَا تَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ.
قَرَأَ نَافِعٌ [2] تَدْعُونَ، بِالتَّاءِ، وَقَرَأَ
الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ. إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ
الْبَصِيرُ.
أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ
عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ
أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً، قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ مِنْكُمْ
بِالْكَافِ، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مَصَاحِفِهِمْ، وَآثاراً فِي
الْأَرْضِ، فَلَمْ يَنْفَعْهُمْ ذَلِكَ. فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ
بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ،
يَدْفَعُ عَنْهُمُ الْعَذَابَ.
ذلِكَ أَيْ ذَلِكَ الْعَذَابُ الَّذِي نَزَلَ بِهِمْ،
بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ
فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ
الْعِقابِ قال عَزَّ وَجَلَّ: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى
بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (23) إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ
وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ (24) فَلَمَّا جاءَهُمْ
بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا، يَعْنِي فِرْعَوْنُ
وَقَوْمُهُ، اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ.
قَالَ قَتَادَةُ: هَذَا غَيْرُ الْقَتْلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ
فِرْعَوْنَ كَانَ قَدْ أَمْسَكَ عَنْ قَتْلِ الْوِلْدَانِ،
فَلَمَّا بُعِثَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَعَادَ الْقَتْلَ
عَلَيْهِمْ، فَمَعْنَاهُ أَعِيدُوا عَلَيْهِمُ الْقَتْلَ.
وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ، لِيَصُدُّوهُمْ بِذَلِكَ عَنْ
مُتَابَعَةِ مُوسَى وَمُظَاهَرَتِهِ، وَما كَيْدُ
الْكافِرِينَ، وَمَا مَكَرُ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ واحتيالهم،
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيد في المطبوع «وابن عامر» .
(4/109)
وَقَالَ مُوسَى إِنِّي
عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا
يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ (27)
إِلَّا فِي ضَلالٍ، أَيْ يَذْهَبُ
كَيْدُهُمْ بَاطِلًا، وَيَحِيقُ بِهِمْ مَا يُرِيدُهُ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ.
وَقالَ فِرْعَوْنُ، لِمَلَئِهِ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى،
وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا لِأَنَّهُ كَانَ فِي خَاصَّةِ قَوْمِ
فِرْعَوْنَ مَنْ يَمْنَعُهُ مِنْ قَتْلِهِ خَوْفًا مِنَ
الْهَلَاكِ، وَلْيَدْعُ رَبَّهُ، أَيْ وَلْيَدْعُ مُوسَى
رَبَّهُ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ أَرْسَلَهُ إِلَيْنَا
فَيَمْنَعَهُ مِنَّا، إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ، أن
يُغَيِّرَ، دِينَكُمْ، الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ، أَوْ أَنْ
يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ، قَرَأَ يَعْقُوبُ وَأَهْلُ
الْكُوفَةِ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ وَأَنْ
يَظْهَرَ، وَقَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ
وَحَفْصٌ يُظْهِرَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْهَاءِ عَلَى
التَّعْدِيَةِ، الْفَسادَ نُصِبَ لِقَوْلِهِ: أَنْ يُبَدِّلَ
دِينَكُمْ، حَتَّى يَكُونَ الْفِعْلَانِ عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ،
وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْهَاءِ عَلَى
اللُّزُومِ، الْفَسادَ، رُفِعَ وَأَرَادَ بِالْفَسَادِ
تَبْدِيلَ الدِّينِ وَعِبَادَةَ غيره.
[سورة غافر (40) : الآيات 27 الى 29]
وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ
مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ (27) وَقالَ
رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ
أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ
جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً
فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ
الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ
مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ
ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ
اللَّهِ إِنْ جاءَنا قالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا
أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشادِ (29)
وَقالَ مُوسى، لَمَّا تَوَعَّدَهُ فِرْعَوْنُ بِالْقَتْلِ،
إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ
لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ
آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ، وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَا
الْمُؤْمِنِ قَالَ مُقَاتِلٌ وَالسُّدِّيُّ:
كَانَ قِبْطِيًّا ابْنَ عَمِّ فِرْعَوْنَ وَهُوَ الَّذِي حَكَى
اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى
الْمَدِينَةِ يَسْعى [الْقِصَصِ: 20] ، وَقَالَ قَوْمٌ: كَانَ
إِسْرَائِيلِيًّا، وَمَجَازُ الْآيَةِ: وَقَالَ رَجُلٌ
مُؤْمِنٌ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ، وَكَانَ
اسمه حزبيل عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: كَانَ اسْمُهُ جُبْرَانَ. وَقِيلَ:
كَانَ اسْمُ الرَّجُلِ الَّذِي آمَنَ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ
حَبِيبًا.
أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ، لِأَنْ
يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ، وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ
رَبِّكُمْ، أَيْ بِمَا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ، وَإِنْ يَكُ
كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ، لَا يَضُرُّكُمْ ذَلِكَ، وَإِنْ
يَكُ صادِقاً، فكذبتموه وهو صادق، يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي
يَعِدُكُمْ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْمُرَادُ بِالْبَعْضِ الْكُلُّ، أَيْ
إِنْ قَتَلْتُمُوهُ وَهُوَ صَادِقٌ أَصَابَكُمْ مَا
يَتَوَعَّدُكُمْ بِهِ [1] مِنَ العذاب. قال الليث: بعض هاهنا
صِلَةٌ يُرِيدُ يُصِبُكُمُ الَّذِي يَعِدُكُمْ.
وَقَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي: هَذَا عَلَى الظَّاهِرِ فِي
الْحِجَاجِ كَأَنَّهُ قَالَ أَقَلُّ مَا فِي صِدْقِهِ أَنْ
يُصِيبَكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ وَفِي بَعْضِ ذَلِكَ
هَلَاكُكُمْ، فَذَكَرَ الْبَعْضَ لِيُوجِبَ الْكُلَّ، إِنَّ
اللَّهَ لَا يَهْدِي، إِلَى دِينِهِ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ،
مُشْرِكٌ، كَذَّابٌ، عَلَى اللَّهِ.
«1847» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يوسف ثنا
__________
1847- إسناده صحيح على شرط البخاري، حيث تفرد عن علي بن عبد
الله وهو المديني، ومن فوقه رجال الشيخين.
(1) في المطبوع «ما وعدكم من العذاب» والمثبت عن المخطوط.
(4/110)
وَقَالَ الَّذِي آمَنَ
يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ
الْأَحْزَابِ (30)
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا عَلِيُّ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ
حَدَّثَنِي الْأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي
كَثِيرٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ
حَدَّثَنِي عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ قُلْتُ لِعَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَخْبِرْنِي بِأَشَدِّ
مَا صَنَعَهُ الْمُشْرِكُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِفَنَاءِ الْكَعْبَةِ
إِذْ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ فَأَخَذَ
بِمَنْكِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَلَوَى ثَوْبَهُ فِي عُنُقِهِ، فَخَنَقَهُ بِهِ خَنْقًا
شَدِيدًا، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ بِمَنْكِبِهِ
وَدَفَعَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَقَالَ: أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ
رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ
رَبِّكُمْ.
يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي
الْأَرْضِ، غَالِبِينَ فِي أَرْضِ مِصْرَ، فَمَنْ يَنْصُرُنا
مِنْ بَأْسِ اللَّهِ، مَنْ يَمْنَعُنَا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ،
إِنْ جاءَنا، وَالْمَعْنَى لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ فَلَا
تَتَعَرَّضُوا لِعَذَابِ اللَّهِ بِالتَّكْذِيبِ، وَقَتْلِ
النَّبِيِّ فَإِنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ إِنْ
حَلَّ بِكُمْ، قالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ، مِنَ الرَّأْيِ
وَالنَّصِيحَةِ، إِلَّا مَا أَرى، لِنَفْسِي. وَقَالَ
الضَّحَّاكُ: مَا أُعْلِمُكُمْ إِلَّا مَا أَعْلَمُ، وَما
أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ، مَا أَدْعُوكُمْ إِلَّا
إِلَى طَرِيقِ الهدى.
[سورة غافر (40) : الآيات 30 الى 40]
وَقالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ
مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ
وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ
يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ (31) وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ
عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ (32) يَوْمَ تُوَلُّونَ
مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ وَمَنْ
يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (33) وَلَقَدْ جاءَكُمْ
يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ
مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ
يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً كَذلِكَ يُضِلُّ
اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ (34)
الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ
أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ
آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ
مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35) وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ
لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ (36) أَسْبابَ
السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي
لَأَظُنُّهُ كاذِباً وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ
عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ
إِلاَّ فِي تَبابٍ (37) وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ
اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ (38) يا قَوْمِ
إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ
هِيَ دارُ الْقَرارِ (39)
مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها وَمَنْ
عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ
فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ
حِسابٍ (40)
وَقالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ
مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ
وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ، أَيْ مِثْلَ
عَادَتِهِمْ فِي الْإِقَامَةِ عَلَى التَّكْذِيبِ حَتَّى
أَتَاهُمُ الْعَذَابُ، وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً
لِلْعِبادِ، أي
__________
- الأوزاعي هو أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو.
- وهو في «شرح السنة» 3640 و «الأنوار» 30 بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» 4815 عن علي بن عبد الله بهذا
الإسناد.
وأخرجه البخاري 3678 و3856 وأحمد 2/ 204 والبيهقي في «دلائل
النبوة» 2/ 274 من طرق عن الوليد بن مسلم به.
- وأخرجه أحمد 2/ 218 وابن حبان 6567 والبيهقي 2/ 275- 276 من
وجه آخر عن محمد بن إسحاق حدثني يحيى بْنِ عُرْوَةَ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ عبد الله بن عمرو بنحوه مطوّلا.
- وذكره الهيثمي في «المجمع» 6/ 15- 16 وقال: في الصحيح طرف
منه، رواه أحمد، وقد صرح ابن إسحاق بالسماع، وبقية رجاله رجال
الصحيح اهـ.
(4/111)
لَا يُهْلِكُهُمْ قَبْلَ اتِّخَاذِ [1]
الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ.
وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ (32) ،
يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُدْعَى كُلُّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ
وَيُنَادِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَيُنَادِي أَصْحَابُ
الْجَنَّةِ أصحاب النار و [ينادي] [2] أصحاب النَّارِ
أَصْحَابَ الْجَنَّةِ، وَيُنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ،
وَيُنَادَى بِالسَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ، أَلَا إن فلان ابن
فُلَانٍ قَدْ سَعِدَ سَعَادَةً لَا يشقى بعدها أبدا، وفلان ابن
فُلَانٍ قَدْ شَقِيَ شَقَاوَةً لَا يَسْعَدُ بَعْدَهَا
أَبَدًا، وَيُنَادَى حِينَ يُذْبَحُ الْمَوْتُ: يَا أَهْلَ
الْجَنَّةِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ [3] ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ
خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ [4] .
وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ: «يَوْمَ التَّنَادِّ»
بِتَشْدِيدِ الدَّالِّ أَيْ يَوْمَ التَّنَافُرِ، وَذَلِكَ
أَنَّهُمْ هَرَبُوا فَنَدَّوْا فِي الْأَرْضِ كَمَا تَنِدُّ
الْإِبِلُ إِذَا شردت عن أربابها.
وقال الضَّحَّاكُ: وَكَذَلِكَ إِذَا سَمِعُوا زَفِيرَ النَّارِ
نَدَّوْا هَرَبًا فَلَا يَأْتُونَ قُطْرًا مِنَ الْأَقْطَارِ
إِلَّا وَجَدُوا الْمَلَائِكَةَ صُفُوفًا، فَيَرْجِعُونَ إِلَى
الْمَكَانِ الَّذِي كَانُوا فِيهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ
تَعَالَى: وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها [الْحَاقَّةِ:
17] ، وقوله: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ
اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ
وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا [الرَّحْمَنِ: 33] .
يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ، مُنْصَرِفِينَ عَنْ مَوْقِفِ
الْحِسَابِ إِلَى النَّارِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: فَارِّينَ
غَيْرَ مُعْجِزِينَ، مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ،
يَعْصِمُكُمْ مِنْ عَذَابِهِ، وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما
لَهُ مِنْ هادٍ (33) وَلَقَدْ جاءَكُمْ، يَعْنِي يُوسُفَ بْنَ
يَعْقُوبَ مِنْ قَبْلُ، أَيْ مِنْ قَبْلِ مُوسَى،
بِالْبَيِّناتِ، يَعْنِي قَوْلَهُ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ
خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ، فَما زِلْتُمْ
فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مِنْ
عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، حَتَّى إِذا
هَلَكَ، مَاتَ، قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ
رَسُولًا، أَيْ أَقَمْتُمْ عَلَى كُفْرِكُمْ وَظَنَنْتُمْ
أَنَّ اللَّهَ لَا يُجَدِّدُ عَلَيْكُمُ الْحُجَّةَ، كَذلِكَ
يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ، مُشْرِكٌ، مُرْتابٌ،
شَاكٌّ.
الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ، قَالَ الزَّجَّاجُ:
هَذَا تَفْسِيرٌ لِلْمُسْرِفِ الْمُرْتَابِ يَعْنِي الَّذِينَ
يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَيْ فِي إِبْطَالِهَا
بِالتَّكْذِيبِ، بِغَيْرِ سُلْطانٍ، حُجَّةٍ، أَتاهُمْ، مِنَ
اللَّهِ، كَبُرَ مَقْتاً، أَيْ كَبُرَ ذَلِكَ الجدال [عند
الله] [5] مَقْتًا، عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا
كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ
جَبَّارٍ، قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَابْنُ عَامِرٍ قَلْبِ
بِالتَّنْوِينِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْإِضَافَةِ،
دَلِيلُهُ قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ «عَلَى
قَلْبِ [6] كُلِّ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ» .
وَقالَ فِرْعَوْنُ، لوزيره، يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً،
وَالصَّرْحُ الْبِنَاءُ الظَّاهِرُ الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَى
النَّاظِرِ وَإِنْ بَعُدَ وَأَصْلُهُ مِنَ التَّصْرِيحِ وَهُوَ
الْإِظْهَارُ، لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ (36) أَسْبابَ
السَّماواتِ، يَعْنِي طُرُقَهَا وَأَبْوَابَهَا مِنْ سَمَاءٍ
إِلَى سَمَاءٍ، فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى، قِرَاءَةُ
الْعَامَّةِ بِرَفْعِ الْعَيْنِ نَسَقًا عَلَى قَوْلِهِ:
أَبْلُغُ الْأَسْبابَ، وَقَرَأَ حَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ بِنَصْبِ
الْعَيْنِ وَهِيَ قِرَاءَةُ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ، عَلَى
جَوَابِ لعلى بِالْفَاءِ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ، يَعْنِي مُوسَى
كاذِباً، فِيمَا يَقُولُ: إِنَّ لَهُ رِبًّا غَيْرِي،
وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ
السَّبِيلِ، وقرأ أَهْلُ الْكُوفَةِ وَيَعْقُوبُ وَصُدَّ
بِضَمِّ الصَّادِ نَسَقًا عَلَى قَوْلِهِ: زُيِّنَ
لِفِرْعَوْنَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: صَدَّهُ اللَّهُ عَنْ
سَبِيلِ الْهُدَى. وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْفَتْحِ أَيْ
صَدَّ فِرْعَوْنُ الناس عن السبيل.
__________
(1) في المطبوع «إيجاب» وفي المخطوط (ب) «إيجاد» والمثبت عن
المخطوط (أ) وط.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) في المخطوط (أ) «بلا» والمثبت عن المخطوط (ب) وط.
(4) في المخطوط (أ) «بلا» .
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) في المطبوع «على كل قلب» والمثبت عن ط. [.....]
(4/112)
وَيَا قَوْمِ مَا لِي
أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ
(41)
وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ،
يَعْنِي وَمَا كَيْدُهُ فِي إبطال آيات الله وآيات مُوسَى
إِلَّا فِي خَسَارٍ وَهَلَاكٍ.
وَقالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ
سَبِيلَ الرَّشادِ (38) ، طَرِيقَ الهدى.
يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ، مُتْعَةٌ
تَنْتَفِعُونَ بِهَا مُدَّةً ثُمَّ تَنْقَطِعُ، وَإِنَّ
الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ، الَّتِي لَا تَزُولُ. مَنْ
عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ
صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ
يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ،
قَالَ مُقَاتِلٌ: لَا تَبِعَةَ عَلَيْهِمْ فِيمَا يُعْطَوْنَ
فِي الجنة من الخير.
[سورة غافر (40) : الآيات 41 الى 46]
وَيا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ
وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ
بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا
أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) لَا جَرَمَ
أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي
الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى
اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ (43)
فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى
اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (44) فَوَقاهُ
اللَّهُ سَيِّئاتِ مَا مَكَرُوا وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ
الْعَذابِ (45)
النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ
تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ
الْعَذابِ (46)
وَيا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ، يَعْنِي مَا
لَكُمْ كما تَقُولُ الْعَرَبُ: مَا لِي أَرَاكَ حَزِينًا؟ أَيْ
مَا لَكَ يَقُولُ أَخْبِرُونِي عَنْكُمْ كَيْفَ هَذِهِ
الْحَالُ أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ مِنَ النَّارِ والإيمان
بِاللَّهِ، وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ، إِلَى الشِّرْكِ
الَّذِي يُوجِبُ النَّارَ، ثُمَّ فَسَّرَ فَقَالَ:
تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ
لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ
الْغَفَّارِ (42) ، العزيز فِي انْتِقَامِهِ مِمَّنْ كَفَرَ،
الْغَفَّارُ لِذُنُوبِ أَهْلِ التَّوْحِيدِ.
لَا جَرَمَ، حَقًّا، أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ، أَيْ
إِلَى الْوَثَنِ، لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي
الْآخِرَةِ، قَالَ الْسُّدِّيُّ: لَا يَسْتَجِيبُ لِأَحَدٍ فِي
الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ، يَعْنِي لَيْسَتْ لَهُ
اسْتِجَابَةُ دَعْوَةٍ. وَقِيلَ: لَيْسَتْ لَهُ دَعْوَةٌ إِلَى
عِبَادَتِهِ فِي الدُّنْيَا لِأَنَّ الْأَوْثَانَ لَا تَدَّعِي
الرُّبُوبِيَّةَ، وَلَا تَدْعُو إِلَى عِبَادَتِهَا، وَفِي
الْآخِرَةِ تَتَبَرَّأُ مِنْ عَابِدِيهَا. وَأَنَّ مَرَدَّنا
إِلَى اللَّهِ، مَرْجِعُنَا إِلَى اللَّهِ فَيُجَازِي كُلًّا
بِمَا يَسْتَحِقُّ، وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ، الْمُشْرِكِينَ،
هُمْ أَصْحابُ النَّارِ.
فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ، إِذَا عَايَنْتُمُ
الْعَذَابَ حِينَ لَا يَنْفَعُكُمُ الذِّكْرُ، وَأُفَوِّضُ
أَمْرِي إِلَى اللَّهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ تَوَعَّدُوهُ
لِمُخَالَفَتِهِ دِينَهُمْ، إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ
بِالْعِبادِ، يَعْلَمُ الْمُحِقَّ مِنَ الْمُبْطِلِ ثُمَّ
خَرَجَ الْمُؤْمِنُ مِنْ بَيْنِهِمْ، فَطَلَبُوهُ فَلَمْ
يَقْدِرُوا عَلَيْهِ.
وَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ
مَا مَكَرُوا، مَا أَرَادُوا بِهِ مِنَ الشَّرِّ، قَالَ
قَتَادَةُ: نَجَا مَعَ مُوسَى وَكَانَ قِبْطِيًّا، وَحاقَ،
نَزَلَ، بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ، الْغَرَقُ فِي
الدُّنْيَا وَالنَّارُ فِي الْآخِرَةِ.
وَذَلِكَ قوله تعالى: النَّارُ، هِيَ رَفْعٌ عَلَى الْبَدَلِ
مِنَ السُّوءِ، يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا،
صَبَاحًا وَمَسَاءً، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: أَرْوَاحُ آلِ
فِرْعَوْنَ فِي أَجْوَافِ طُيُورٍ سُودٍ يُعْرَضُونَ عَلَى
النَّارِ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ تَغْدُو وَتَرُوحُ إِلَى
النَّارِ، وَيُقَالُ: يَا آلَ فِرْعَوْنَ هَذِهِ مَنَازِلُكُمْ
[1] حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ
وَالسُّدِّيُّ وَالْكَلْبِيُّ: تُعْرَضُ رُوحُ كُلِّ كَافِرٍ
عَلَى النَّارِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا ما دامت الدنيا.
__________
(1) في المطبوع «مأواكم» والمثبت عن المخطوط.
(4/113)
وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ
فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا
إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ
عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ (47)
«1848» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ
السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو
إِسْحَاقُ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ
عَنْ نَافِعٍ عَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ
أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ
بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ، إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ
فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ
فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا مقعدك حتى
يبعثك الله إلى يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
ثُمَّ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْ مُسْتَقَرِّهِمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ فَقَالَ: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ
أَدْخِلُوا، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو
عَمْرٍو وَأَبُو بَكْرٍ: السَّاعَةُ، أَدْخِلُوا، بِحَذْفِ
الْأَلِفِ وَالْوَصْلِ وَبِضَمِّهَا فِي الِابْتِدَاءِ وَضَمِّ
الْخَاءِ مِنَ الدُّخُولِ، أَيْ يُقَالُ لَهُمْ ادْخُلُوا يَا
آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ:
«أَدْخِلُوا» بِقَطْعِ الْأَلْفِ وَكَسْرِ الْخَاءِ مِنَ
الْإِدْخَالِ، أَيْ يُقَالُ لِلْمَلَائِكَةِ أَدْخِلُوا آلَ
فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ
أَلْوَانَ الْعَذَابِ غَيْرَ الَّذِي كَانُوا يعذبون به منذ
غرقوا [1] .
[سورة غافر (40) : الآيات 47 الى 52]
وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ
لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ
أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ (47) قالَ
الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها إِنَّ اللَّهَ
قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ (48) وَقالَ الَّذِينَ فِي
النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ
عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ (49) قالُوا أَوَلَمْ تَكُ
تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا
فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (50)
إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ
الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ (51)
يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ
اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52)
وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ، أَيْ اذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ
لِقَوْمِكَ إِذْ يَخْتَصِمُونَ يَعْنِي أَهْلَ النَّارِ فِي
النَّارِ، فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا
إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً، فِي الدُّنْيَا، فَهَلْ
أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ،
وَالتَّبَعُ يَكُونُ وَاحِدًا وَجَمْعًا فِي قَوْلِ أَهْلِ
البصرة، واحده تَابِعٌ، وَقَالَ أَهْلُ الْكُوفَةِ: هُوَ
جَمْعٌ لَا وَاحِدَ لَهُ وَجَمْعُهُ أَتْبَاعٌ.
قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها إِنَّ
اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ (48) وَقالَ الَّذِينَ
فِي النَّارِ، حِينَ اشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الْعَذَابُ،
لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا
يَوْماً مِنَ الْعَذابِ.
__________
1848- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- أبو مصعب هو أحمد بن أبي بكر، مالك هو ابن أنس، نافع هو أبو
عبد الله مولى ابن عمر.
- وهو في «شرح السنة» 1518 بهذا الإسناد.
- وهو في «الموطأ» 1/ 239 عن نافع به.
- وأخرجه البخاري 1379 ومسلم 2866 ح 65 والنسائي 4/ 107- 108
وأحمد 2/ 113 وابن حبان 3130 والبيهقي في «إثبات عذاب القبر»
48 من طرق عن مالك به.
- وأخرجه البخاري 3240 و6515 والترمذي 1072 والنسائي 4/ 107
وابن ماجه 4270 وأحمد 2/ 16 و51 و123 والطيالسي 1832 من طرق عن
نافع به.
- وأخرجه مسلم 2866 ح 66 والبيهقي في «إثبات عذاب القبر» 49 من
طريق عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ
سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عمر به.
(1) في المطبوع «أغرقوا» والمثبت عن المخطوط.
(4/114)
وَلَقَدْ آتَيْنَا
مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ
(53)
قالُوا، يَعْنِي خَزَنَةُ جَهَنَّمَ
لَهُمْ، أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ
قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا، أَنْتُمْ إذا ربكم، أي إِنَّا
لَا نَدْعُو لَكُمْ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّهُ لَا
يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَما
دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ، أَيْ يُبْطِلُ
وَيُضِلُّ وَلَا يَنْفَعُهُمْ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا
وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: بِالْغَلَبَةِ وَالْقَهْرِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ:
بِالْحُجَّةِ وَفِي الْآخِرَةِ بِالْعُذْرِ. وَقِيلَ:
بِالِانْتِقَامِ مِنَ الْأَعْدَاءِ فِي الدُّنْيَا
وَالْآخِرَةِ، وَكُلُّ ذَلِكَ قَدْ كَانَ لِلْأَنْبِيَاءِ
وَالْمُؤْمِنِينَ فَهُمْ مَنْصُورُونَ بِالْحُجَّةِ عَلَى مَنْ
خَالَفَهُمْ، وَقَدْ نَصَرَهُمُ اللَّهُ بِالْقَهْرِ عَلَى
مَنْ نَاوَأَهُمْ وَإِهْلَاكِ أَعْدَائِهِمْ وَنَصَرَهُمْ
بَعْدَ أَنْ قُتِلُوا بِالِانْتِقَامِ مِنْ أَعْدَائِهِمْ،
كَمَا نَصَرَ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا لَمَّا قُتِلَ قُتِلَ
بِهِ سَبْعُونَ أَلْفًا، فَهُمْ مَنْصُورُونَ بِأَحَدِ هَذِهِ
الْوُجُوهِ، وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ، يَعْنِي يَوْمَ
الْقِيَامَةِ يَقُومُ الْحَفَظَةُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ
يَشْهَدُونَ لِلرُّسُلِ بِالتَّبْلِيغِ وَعَلَى الْكَفَّارِ
بِالتَّكْذِيبِ.
يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ، إِنِ
اعْتَذَرُوا عَنْ كُفْرِهِمْ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُمْ، وَإِنْ
تَابُوا لَمْ يَنْفَعْهُمْ، وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ، الْبُعْدُ
مِنَ الرَّحْمَةِ، وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ، يَعْنِي
جَهَنَّمَ.
[سورة غافر (40) : الآيات 53 الى 57]
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي
إِسْرائِيلَ الْكِتابَ (53) هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي
الْأَلْبابِ (54) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ
وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ
بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (55) إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ
فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي
صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَا هُمْ بِبالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ
بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56) لَخَلْقُ
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ
وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (57)
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى، قَالَ مُقَاتِلٌ: الْهُدَى
مِنَ الضَّلَالَةِ، يَعْنِي التَّوْرَاةَ، وَأَوْرَثْنا بَنِي
إِسْرائِيلَ الْكِتابَ، التَّوْرَاةَ.
هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (54) .
فَاصْبِرْ، يَا مُحَمَّدُ عَلَى أَذَاهُمْ، إِنَّ وَعْدَ
اللَّهِ، فِي إِظْهَارِ [دِينِكَ] [1] وَإِهْلَاكِ
أَعْدَائِكَ، حَقٌّ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: نَسَخَتْ آيَةُ
الْقِتَالِ آيَةَ الصَّبْرِ، وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ، هَذَا
تَعَبُّدٌ مِنَ اللَّهِ لِيَزِيدَهُ بِهِ دَرَجَةً وَلِيَصِيرَ
سُنَّةً لِمَنْ بَعْدَهُ، وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ، صلي
شَاكِرًا لِرَبِّكَ، بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ، قَالَ
الْحَسَنُ: يَعْنِي صَلَاةَ الْعَصْرِ وَصَلَاةَ الْفَجْرِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ.
إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ
سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ، مَا فِي قُلُوبِهِمْ
وَالصَّدْرُ مَوْضِعُ الْقَلْبِ، فَكَنَّى بِهِ عَنِ الْقَلْبِ
لِقُرْبِ الْجِوَارِ، إِلَّا كِبْرٌ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
مَا يَحْمِلُهُمْ عَلَى تَكْذِيبِكَ إِلَّا مَا فِي
صُدُورِهِمْ مِنَ الْكِبَرِ وَالْعَظَمَةِ، مَا هُمْ
بِبالِغِيهِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: مَا هُمْ بِبَالِغِي مُقْتَضَى
ذَلِكَ الْكِبَرِ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مُذِلُّهُمْ.
قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا
تَكَبُّرٌ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَطَمَعٌ فِي أَنْ يَغْلِبُوهُ وَمَا هُمْ بِبَالِغِي ذَلِكَ.
قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ وَذَلِكَ
أَنَّهُمْ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: إِنَّ صَاحِبَنَا الْمَسِيحَ بْنَ دَاوُدَ
يَعْنُونَ الدَّجَّالَ يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ،
فَيَبْلُغُ سلطانه الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَيَرُدُّ الْمُلْكَ
إِلَيْنَا،
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(4/115)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَاسْتَعِذْ
بِاللَّهِ، مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، إِنَّهُ هُوَ
السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.
لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، مَعَ عِظَمِهِمَا،
أَكْبَرُ، أَعْظَمُ فِي الصُّدُورِ، مِنْ خَلْقِ النَّاسِ،
أَيْ مِنْ إِعَادَتِهِمْ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلكِنَّ أَكْثَرَ
النَّاسِ، يَعْنِي الْكُفَّارَ، لَا يَعْلَمُونَ، حَيْثُ لَا
يَسْتَدِلُّونَ بِذَلِكَ عَلَى تَوْحِيدِ خَالِقِهَا. وَقَالَ
قَوْمٌ: أَكْبَرُ أَيْ أَعْظَمُ مِنْ خَلْقِ الدَّجَّالِ،
وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ، يعني اليهود الذي
يُخَاصِمُونَ فِي أَمْرِ الدَّجَّالِ.
«1849» وَرُوِيَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
«مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ خلق أكبر
فتنة من الدَّجَّالِ» .
«1850» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبراهيم
الدَّبْرِيُّ [1] ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثَنَا مَعْمَرٌ
عَنْ قَتَادَةَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَسْمَاءَ
بِنْتِ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيَّةِ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِي
فَذَكَرَ الدَّجَّالَ.
فَقَالَ: «إِنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ ثَلَاثَ سِنِينَ [سنة] [2]
تمسك السماء فيها صنف [3] ثلث قطرها والأرض ثلث
__________
1849- جيد. أخرجه نعيم بن حماد في «الفتن» ص 316 من حديث هشام
بن عامر، وإسناده ضعيف، فيه من لم يسم.
- وله شاهد من حديث جابر، أخرجه نعيم ص 316 وإسناده ضعيف لضعف
ابن لهيعة.
- وله شاهد من حديث أبي أمامة، أخرجه نعيم ص 315 وفيه عمرو بن
عبد الله الحمصي، وهو مقبول، وللحديث شواهد.
- وكرره من مرسل عبد الرحمن بن جبير وعبد الرحمن بن ميسرة
وشريح بن عبيد.
الخلاصة: هو حديث حسن صحيح بمجموع طرقه وشواهده.
1850- إسناده غير قوي، شهر بن حوشب مختلف فيه. فقد وثقه قوم،
وضعفه آخرون، وخلاصة القول: لا يحتج بما ينفرد به، وقد تفرد
بصدر هذا الحديث وعجزه.
- معمر بن راشد، قتادة بن دعامة.
- وهو في «شرح السنة» 4158 بهذا الإسناد.
- وهو في «مصنف عبد الرزاق» 20821 عن معمر بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد 6/ 455- 456 ونعيم بن حماد في «الفتن» ص 326 من
طريق عبد الرزاق به.
- وأخرجه أحمد 6/ 456 من طريق عبد الحميد عن شهر به.
- وأخرجه الطبراني 24/ (405) و (406) من طريقين عن قتادة به.
- وأخرجه الطبراني 24/ (430) من طريق عبد الله بن عثمان بن
خثيم عن شهر به.
- وذكره الهيثمي في «المجمع» 7/ 345 وقال: رواه كله أحمد
والطبراني من طرق، وفيه شهر بن حوشب، وفيه ضعف وقد وثق.
- وقوله «يأتي الأعرابي....» له شاهد من حديث أبي أمامة، أخرجه
نعيم بن حماد ص 326- 327 وإسناده حسن في الشواهد لأجل عمرو بن
عبد الله الحضرمي.
الخلاصة: صدر الحديث إلى قوله «إلا هلك» وكذا عجزه «فقلت يا
رسول الله إنا لنعجن ... » تفرد به شهر، وهو غير حجة فهو إلى
الضعف أقرب، وأما أثناؤه، فله شاهد، وفي الباب أحاديث، والله
أعلم.
(1) في المطبوع «الديري» والمثبت عن المخطوط و «شرح السنة» .
(2) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة» .
(3) العبارة في المطبوع «إن بين يديه ثلاث سنين تمسك السماء
فيها أول سنة ثلث» والمثبت عن المخطوط، و «شرح السنة» .
(4/116)
نَبَاتِهَا، وَالثَّانِيَةُ تُمْسِكُ
السَّمَاءُ ثُلُثَيْ قَطْرِهَا وَالْأَرْضُ ثُلُثَيْ
نَبَاتِهَا، وَالثَّالِثَةُ تُمْسِكُ السَّمَاءُ قَطْرَهَا
كُلَّهُ وَالْأَرْضُ نَبَاتَهَا كُلَّهُ، فَلَا يَبْقَى ذَاتَ
ظِلْفٍ وَلَا ذَاتَ ضِرْسٍ مِنَ الْبَهَائِمِ إِلَّا هَلَكَ،
وَإِنَّ مِنْ أَشَدِّ فِتْنَتِهِ أَنَّهُ يَأْتِي
الْأَعْرَابِيَّ فَيَقُولُ: أَرَأَيْتَ إِنْ أَحْيَيْتُ لَكَ
إِبِلَكَ أَلَيْسَ تَعْلَمُ أَنِّي رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: بَلَى،
فَيَتَمَثَّلُ لَهُ الشَّيْطَانُ نَحْوُ إِبِلِهِ كَأَحْسَنِ
مَا يَكُونُ ضُرُوعًا وَأَعْظَمِهِ أَسْنِمَةً، قَالَ:
وَيَأْتِي الرَّجُلَ قَدْ مَاتَ أَخُوهُ وَمَاتَ أَبُوهُ
فَيَقُولُ: أَرَأَيْتَ إِنْ أَحْيَيْتُ لَكَ أَبَاكَ وَأَخَاكَ
أَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنِّي رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: بَلَى،
فَيَتَمَثَّلُ لَهُ الشَّيْطَانُ نَحْوَ أَبِيهِ وَنَحْوَ
أَخِيهِ» .
قَالَتْ: ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحاجته، ثم رجع القوم فِي اهْتِمَامٍ
وَغَمٍّ مِمَّا حَدَّثَهُمْ، قَالَتْ: فَأَخَذَ بِلُحْمَتَيِ
الْبَابِ فَقَالَ: مَهْيَمْ أَسْمَاءُ؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ لَقَدْ خَلَعْتَ أَفْئِدَتَنَا بِذِكْرِ الدَّجَّالِ،
قَالَ: «إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا حَيٌّ فَأَنَا حَجِيجُهُ،
وَإِلَّا فَإِنَّ رَبِّي خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ» ،
قَالَتْ أَسْمَاءُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ
إِنَّا لَنَعْجِنُ عَجِينًا فَمَا نَخْبِزُهُ حَتَّى نَجُوعَ
فَكَيْفَ بِالْمُؤْمِنِينَ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: «يُجْزِيهِمْ
مَا يُجْزِئُ أَهْلَ السَّمَاءِ مِنَ التَّسْبِيحِ والتقديس» .
«1851» وبهذا الإسناد أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ
خُثَيْمٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ
يَزِيدَ قَالَتْ قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَمْكُثُ الدَّجَّالُ فِي الْأَرْضِ
أَرْبَعِينَ سَنَةً، السَّنَةُ كَالشَّهْرِ، وَالشَّهْرُ
كَالْجُمُعَةِ، وَالْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ، وَالْيَوْمُ
كَاضْطِرَامِ السَّعَفَةِ فِي النَّارِ» .
«1852» أَخْبَرَنَا أَبُو سعيد الطَّاهِرِيُّ أَنَا جَدِّي
عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ أَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ أَنَا إِسْحَاقُ
الدَّبْرِيُّ ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنِ
الزُّهْرِيِّ عَنِ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَامَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
النَّاسِ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ
ذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ: «إِنِّي لَأُنْذِرُكُمُوهُ، وَمَا
مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أنذر
__________
1851- صحيح. إسناده غير قوي لأجل شهر بن حوشب، لكن للحديث
شواهد.
- ابن خثيم هو عبد الله بن عثمان.
- وهو في «شرح السنة» 4159 بهذا الإسناد.
- وهو في «مصنف عبد الرزاق» 20822 عن معمر به.
- وأخرجه أحمد 6/ 454 من طريق عبد الرزاق به.
- وأخرجه نعيم بن حماد في «الفتن» ص 337 من طريق عبد الله بن
عثمان بن خيثم به.
- وفي الباب من حديث أبي أمامة أخرجه نعيم بن حماد ص 337
وإسناده حسن في الشواهد لأجل عبد الله بن عمر الحضرمي فإنه
مقبول.
- وله شاهد من حديث جابر عند أحمد 3/ 367 وذكره الهيثمي في
«المجمع» 70/ 343- 344 وقال: رواه أحمد بإسنادين، رجال أحدهما
رجال الصحيح.
- وفي الصحيح من حديث النواس بن سمعان «.... قَالَ:
أَرْبَعُونَ يَوْمًا، يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ،
وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أيامه كأيامكم ... » وقد تقدم
في سورة الكهف عند آية: 98.
1852- صحيح. إسحق الدبري، ثقة، وقد توبع ومن دونه، ومن فوقه
رجال البخاري ومسلم.
- عبد الرزاق بن همام، معمر بن راشد، الزهري محمد بن مسلم،
سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمر.
- وهو في «شرح السنة» 4150 بهذا الإسناد.
- وهو في «مصنف عبد الرزاق» 20820 عن معمر به.
- وأخرجه أحمد 2/ 149 من طريق عبد الرزاق به.
- وأخرجه البخاري 3057 و6157 ومسلم 2930 ح 97 من طريق معمر به.
- وأخرجه أبو داود 4757 والترمذي 2236 وأحمد 2/ 149 من طريق
عبد الرزاق بهذا الإسناد.
- وأخرجه ابن حبان 6780 من طريق هشام بن عروة عن وهب بن كيسان
عن ابن عمر بأتم منه.
(4/117)
قَوْمَهُ، لَقَدْ أَنْذَرَ نُوحٌ قَوْمَهُ،
وَلَكِنِّي سَأَقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلًا لَمْ يَقُلْهُ
نَبِيٌّ لِقَوْمِهِ، تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَعْوَرُ وَإِنَّ
اللَّهَ لَيْسَ بأعور» .
«1853» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ [حدثنا موسى بن إسماعيل] [1] ثنا
جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: ذُكِرَ
الدَّجَّالُ عِنْدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْكُمْ،
إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى
عَيْنِهِ، وَإِنَّ المسيح الدجال أعور عين [2] الْيُمْنَى،
كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ» .
«1854» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ
الْجُرْجَانِيُّ أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْفَارِسِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ
ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ ثَنَا
مُسْلِمُ بن الحجاج ثنا علي بن حجر ثنا شُعَيْبُ بْنُ
صَفْوَانَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ رِبْعِيٍّ
بْنِ حِرَاشٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عمرو أبي مَسْعُودٍ
الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: انْطَلَقْتُ مَعَهُ إِلَى حُذَيْفَةَ
بْنِ الْيَمَانِ فَقَالَ لَهُ عُقْبَةُ: حَدِّثْنِي مَا
سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي الدَّجَّالِ؟ قَالَ: «إِنَّ الدَّجَّالَ
يَخْرُجُ وَإِنَّ مَعَهُ مَاءً وَنَارًا، فَأَمَّا الَّذِي
يَرَاهُ النَّاسُ مَاءً فَنَارٌ تَحْرِقُ، وَأَمَّا الَّذِي
يَرَاهُ النَّاسُ نَارًا فَمَاءٌ بَارِدٌ عَذْبٌ، فَمَنْ
أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَلْيَقَعْ فِي الَّذِي يَرَاهُ
نَارًا فَإِنَّهُ مَاءٌ عَذْبٌ طَيِّبٌ» فَقَالَ عُقْبَةُ:
وَأَنَا قَدْ سَمِعْتُهُ تَصْدِيقًا لِحُذَيْفَةَ.
«1855» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا محمد بن يوسف ثنا
__________
1853- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- جويرية هو ابن أسماء بن عبيد، نافع هو أبو عبد الله مولى ابن
عمر.
- وهو في «شرح السنة» 4151 بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» 7407 عن موسى بن إسماعيل بهذا
الإسناد.
وأخرجه مسلم 4/ 2247 (100) من طريق عبيد الله عن نافع به.
وانظر الحديث المتقدم.
1854- صحيح. رجاله رجال مسلم لكن شعيب بن صفوان قال عنه الحافظ
في «التقريب» : مقبول، أي حيث يتابع، وقد توبع، فالحديث صحيح.
- وهو في «شرح السنة» 4154 بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح مُسْلِمٌ» 2934 عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ بهذا
الإسناد.
- وأخرجه البخاري 3450 و7130 ومسلم 2934 والطبراني 17/ (642
و643 و644) من طرق عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ به.
- وأخرجه أبو داود ومسلم 2935 ح 108 وأبو داود 4315 وابن حبان
6799 من طريقين عن ربعي بن حراش به.
1855- إسناده صحيح، إبراهيم بن المنذر روى له البخاري، ومن
دونه ثقات، وقد توبعوا، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
- الوليد هو ابن مسلم، أبو عمرو وهو عبد الرحمن بن عمرو
الأوزاعي، إسحق هو ابن عبد الله.
- وهو في «شرح السنة» 2015 بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» 1881 عن إبراهيم بن المنذر بهذا
الإسناد.
- وأخرجه مسلم 4943 وابن حبان 6803 من طريقين عن الوليد بن
مسلم به.
- وأخرجه النسائي في «الكبرى» 4274 من طريق عمر بن عبد الواحد
عن الأوزاعي به.
- وأخرجه أحمد 3/ 191 ومسلم 2943 وابن أبي شيبة 12/ 181 و15/
143 من طرق عن حماد بن سلمة عن-[.....]
(1) سقط من المطبوع والمثبت عن المخطوط و «شرح السنة» .
(2) في المطبوع «العين» والمثبت عن المخطوط و «شرح السنة» .
(4/118)
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنِي
إِبْرَاهِيمُ بن المنذر ثنا الوليد حدثنا أبو عمرو [1] ثنا
إِسْحَاقُ حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ
إلّا سيطأه الدَّجَّالُ إِلَّا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ، لَيْسَ
من نقابها نقب إِلَّا عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ صَافِّينَ
يَحْرُسُونَهَا، ثُمَّ تَرْجُفُ الْمَدِينَةُ بِأَهْلِهَا
ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ [2] كُلُّ كَافِرٍ
وَمُنَافِقٍ» .
«1856» أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ
الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن عمر
الجوهري ثنا أحمد بن علي الكشميهني ثنا علي بن حجر ثنا
إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَأْتِي الْمَسِيحُ مِنْ قِبَلِ
الْمَشْرِقِ وَهِمَّتُهُ الْمَدِينَةُ حَتَّى يَنْزِلَ دُبُرَ
أُحُدٍ، ثُمَّ تَصْرِفُ الْمَلَائِكَةُ وَجْهَهُ قِبَلَ
الشَّامِ، وَهُنَاكَ يَهْلِكُ» .
«1857» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ أَنَا جَدِّي
عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا
الْعُذَافِرِيُّ أَنَا إِسْحَاقُ الدَّبْرِيُّ ثَنَا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنِ [أَبِي] [3] هَارُونَ
الْعَبْدِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«يَتْبَعُ الدَّجَّالَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا
عَلَيْهِمُ السِّيجَانُ» [4] .
«1858» وَيَرْوِيهِ أَبُو أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
عَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: «مَعَ الدَّجَّالِ يَوْمَئِذٍ سبعون ألف يهودي
__________
- إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبي طلحة به.
- وأخرجه البخاري 7124 وأحمد 3/ 238 من طريقين عَنْ شَيْبَانَ
عَنْ يَحْيَى بْنِ أبي كثير عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بن أبي طلحة به مختصرا.
1856- إسناده صحيح على شرط مسلم.
- العلاء هو ابن عبد الرحمن بن يعقوب مولى الحرقة.
- وهو في «شرح السنة» 2016 بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 1380 عن يحيى بن أيوب وقتيبة وابن جحر بهذا
الإسناد.
- وأخرجه أحمد 2/ 397 من طريق سليمان بن داود وابن حبان 6810
من طريق موسى بن إسماعيل كلاهما عن إسماعيل بن جعفر به.
- وأخرجه أحمد 2/ 407- 408 من طريق عبد الرحمن بن إبراهيم
القاصّ و2/ 457 من طريق شعبة كلاهما عن العلاء به مطوّلا.
1857- باطل. إسناده ضعيف جدا لأجل أبي هارون فإنه متروك
الحديث، وهو معارض بما في الصحيح.
- إسحق هو ابن إبراهيم الدّبري، عبد الرزاق هو ابن همام، معمر
هو ابن راشد، أبو هارون هو عمارة بن جوين.
- وهو في «شرح السنة» 4160 بهذا الإسناد.
- وهو في «مصنف عبد الرزاق» 20825 عن معمر به.
- وأخرجه نعيم بن حماد في «الفتن» ص 335 عن عبد الرزاق به.
- قال البغوي في «شرح السنة» 7/ 443: السيجان: جمع الساج، وهو
طيلسان أخضر.
- الخلاصة: الإسناد ضعيف جدا، والمتن باطل، فإن هذا العدد يكون
من اليهود لا من هذه الأمة، وانظر ما بعده.
1858- هو قطعة من حديث طويل أخرجه ابن ماجه 4077 ونعيم بن حماد
ص 346 عن أبي أمامة مرفوعا مطولا، وإسناده لين لأجل عمرو بن
عبد الله الحضرمي، فإنه مقبول، والحديث صحيح بشواهده دون لفظ
«وسيف محلى» والصحيح في هذا المتن ما أخرجه مسلم 2944 وابن
حبان 6798 «يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفا عليهم
الطيالسة» .
(1) في المطبوع «ثنا ابن الوليد حدثنا ابن عمر» والمثبت عن
المخطوط، و «شرح السنة» و «صحيح البخاري» .
(2) في «صحيح البخاري» : «فيخرج الله» .
(3) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة» .
(4) في المطبوع «السجان» والمثبت عن ط و «شرح السنة» والمخطوط.
.
(4/119)
وَمَا يَسْتَوِي
الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ
(58)
كلهم ذو ساج [1] وسيف محلى» .
[سورة غافر (40) : الآيات 58 الى 60]
وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلا الْمُسِيءُ قَلِيلاً مَا
تَتَذَكَّرُونَ (58) إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَا رَيْبَ
فِيها وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (59) وَقالَ
رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ
يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ
داخِرِينَ (60)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ
قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ (58) ، قَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ
تَتَذَكَّرُونَ بِالتَّاءِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ
لِأَنَّ أَوَّلَ الْآيَاتِ وَآخِرَهَا خَبَرٌ عَنْ قَوْمٍ.
إِنَّ السَّاعَةَ، أَيْ الْقِيَامَةَ لَآتِيَةٌ لَا رَيْبَ
فِيهَا. وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ.
وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ، أَيِ
اعْبُدُونِي دُونَ غَيْرِي أُجِبْكُمْ وَأُثِبْكُمْ وَأَغْفِرْ
لَكُمْ، فَلَمَّا عَبَّرَ عَنِ الْعِبَادَةِ بِالدُّعَاءِ
جَعَلَ الإثابة استجابة.
«1859» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [2]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ
[مُحَمَّدِ بْنِ] سَمْعَانَ ثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ
بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ ثَنَا
حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ ثَنَا مُحَمَّدُ بن يوسف ثنا سفيان
عن منصور عن ذَرٍّ عَنْ يُسَيْعٍ [3] الْكِنْدِيِّ عَنِ
النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ:
«إِنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ» ، ثُمَّ قَرَأَ:
ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ، إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ
عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ.
__________
- وأخرجه أحمد 3/ 224 وأبو يعلى 3639 من وجه آخر عن أنس بلفظ
«يخرج الدجال من يهودية أصبهان، معه سبعون ألفا من اليهود
عليهم السيجان» وإسناده ضعيف.
- وحديث عثمان بن أبي العاص عند أحمد 4/ 216.
1859- إسناده قوي. رجاله رجال البخاري ومسلم سوى يسيع، وهو
ثقة.
- سفيان هو ابن سعيد الثوري، منصور هو ابن المعتمر، ذر هو ابن
عبد الله المرهبي، يسيع هو ابن معدان الحضرمي.
- وهو في «شرح السنة» 1378 بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 3247 وأحمد 4/ 267 والحاكم 1/ 490 و491
والطبري 30382 من طرق عن سفيان به.
- وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال الترمذي: حسن صحيح.
- وأخرجه أبو داود 1479 والنسائي في «التفسير» 484 والبخاري في
«الأدب المفرد» 714 والطيالسي 801 من طريق شعبة عن منصور به.
- وأخرجه الترمذي 3372 والنسائي 484 وابن ماجه 3828 وابن أبي
شيبة 10/ 200 وأحمد 4/ 267 و271 و276 والطبري 30381 وأبو نعيم
في «الحلية» 8/ 120 من طرق عن الأعمش عن ذر به.
- وأخرجه ابن حبان 890 من طريق جرير عن منصور به.
- وهو حديث حسن صحيح، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وكذا صححه
النووي في «الأذكار» 1/ 994، وانظر «تفسير الكشاف» 983 و «فتح
القدير» 2199 بتخريجي، والله الموفق.
(1) في المطبوع وط والمخطوط (ب) : «تاج» والمثبت عن المخطوط
(أ) و «سنن ابن ماجه» .
(2) زيادة عن المخطوط. [.....]
(3) في المطبوع «عن أب ذر عن بسبيع» والمثبت عن ط والمخطوط و
«شرح السنة» .
(4/120)
اللَّهُ الَّذِي
جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ
مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (61)
186»
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أحمد بن علي الزرقي
[1] ثنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ الشيرازي أَنَا
أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى
الْقُرَشِيُّ بِبَغْدَادَ ثنا مُحَمَّدِ بْنِ عَبِيدِ
[اللَّهِ] [2] بْنِ العلاء ثنا أحمد بن بديل ثنا وكيع ثنا
أَبُو الْمَلِيحِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ يَذْكُرُ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَمْ يَدْعُ اللَّهَ غَضِبَ اللَّهُ
عَلَيْهِ» .
وَقِيلَ: الدُّعَاءُ: هُوَ الذِّكْرُ وَالسُّؤَالُ، إِنَّ
الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ
جَهَنَّمَ داخِرِينَ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ
وَأَبُو بَكْرٍ: سَيَدْخُلُونَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ
الْخَاءِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ
الْخَاءِ، ومعنى داخرين صاغرين ذليلين.
[سورة غافر (40) : الآيات 61 الى 78]
اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ
وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى
النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (61)
ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلهَ
إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (62) كَذلِكَ يُؤْفَكُ
الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (63) اللَّهُ
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً
وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ
الطَّيِّباتِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللَّهُ
رَبُّ الْعالَمِينَ (64) هُوَ الْحَيُّ لَا إِلهَ إِلاَّ هُوَ
فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعالَمِينَ (65)
قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ
دُونِ اللَّهِ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي
وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (66) هُوَ
الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ
مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا
أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ
يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى
وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (67) هُوَ الَّذِي يُحْيِي
وَيُمِيتُ فَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ
فَيَكُونُ (68) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي
آياتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (69) الَّذِينَ كَذَّبُوا
بِالْكِتابِ وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا فَسَوْفَ
يَعْلَمُونَ (70)
إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ
(71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72)
ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73) مِنْ
دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ
نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ
الْكافِرِينَ (74) ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي
الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (75)
ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ
مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (76) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ
اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ
أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (77) وَلَقَدْ
أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا
عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَما كانَ
لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ
فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ
هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ (78)
__________
1860- إسناده ضعيف. رجاله ثقات غير أبي صالح، وهو الخوزي، فإنه
ضعيف، ضعفه ابن معين، وقال أبو زرعة: لا بأس به. وقال الحاكم:
مجهول، ووافقه الذهبي، ولم يرو عنه سوى أبي المليح، فالقول قول
الحاكم وابن معين.
- وهو في «شرح السنة» 1383 بهذا الإسناد.
- وأخرجه ابن ماجه 3827 وأحمد 2/ 477 من طريق وكيع به.
- وأخرجه البخاري في «الأدب المفرد» 658 والحاكم 1/ 491 وأبو
يعلى 6655 من طريق مروان.
- وأخرجه البخاري في «الأدب المفرد» بإثر 658 والترمذي 3370 من
طريق حاتم بن إسماعيل.
- وأخرجه الحاكم 1/ 491 والمزي في «تهذيب الكمال» 3/ 1615 من
طريق أبي عاصم الضحاك بن مخلد.
- رووه كلهم عن أبي المليح به.
- وصححه الحاكم! مع أنه عقب ذلك بقوله: أبو صالح الخوزي وأبو
المليح الفارسي لم يذكرا بجرح، إنما هما في عداد المجهولين
لقلة الحديث، وسكت الذهبي.
الخلاصة: إسناد الحديث ضعيف، ومع ذلك ذكره الألباني في
«الصحيحة» 2654 وحسنه، فإن ذكر له شاهدا فهو كما قال، وإلّا
فالإسناد ضعيف.
(1) في المطبوع و «ط» والمخطوط (أ) : «الزرقي» وفي المخطوط (ب)
: «الدروقي» وفي «شرح السنة» : «الدّر» .
(2) زيادة عن المخطوط.
(4/121)
اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ
لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ اللَّهَ لَذُو
فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا
يَشْكُرُونَ (61) ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ
شَيْءٍ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (62)
كَذلِكَ، يَعْنِي كَمَا أُفِكْتُمْ عَنِ الْحَقِّ مَعَ قِيَامِ
الدَّلَائِلِ كَذَلِكَ، يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ
اللَّهِ يَجْحَدُونَ.
اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً، فِرَاشًا،
وَالسَّماءَ بِناءً، سَقْفًا كَالْقُبَّةِ، وَصَوَّرَكُمْ
فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ، قَالَ مُقَاتِلٌ: خَلَقَكُمْ
فَأَحْسَنَ خَلْقَكُمْ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: خُلِقَ ابْنُ
آدَمَ قَائِمًا مُعْتَدِلًا يَأْكُلُ وَيَتَنَاوَلُ بِيَدِهِ،
وَغَيْرُ ابْنِ آدَمَ يَتَنَاوَلُ بِفِيهِ. وَرَزَقَكُمْ مِنَ
الطَّيِّباتِ، قيل: هو مِنْ غَيْرِ رِزْقِ الدَّوَابِّ ذلِكُمُ
اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ هُوَ
الْحَيُّ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ
الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (65) ، قَالَ
الْفَرَّاءُ: هُوَ خَبَرٌ وَفِيهِ إِضْمَارُ الْأَمْرِ،
مَجَازُهُ: فَادْعُوهُ وَاحْمَدُوهُ. وَرَوَى عَنْ مُجَاهِدٍ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ فَلْيَقُلْ عَلَى إِثْرِهَا الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَادْعُوهُ
مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعالَمِينَ.
قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ
دُونِ اللَّهِ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي
وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (66) ،
وَذَلِكَ حِينَ دُعِيَ إِلَى الْكُفْرِ.
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ
ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا، أَيْ
أَطْفَالًا، ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا
شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ، أَيْ مِنْ
قَبْلِ أَنْ يَصِيرَ شَيْخًا، وَلِتَبْلُغُوا، جَمِيعًا،
أَجَلًا مُسَمًّى، وَقْتًا معلوما محدودا لا تجاوزنه، يُرِيدُ
أَجَلَ الْحَيَاةِ إِلَى الْمَوْتِ، وَلَعَلَّكُمْ
تَعْقِلُونَ، أَيْ لِكَيْ تَعْقِلُوا تَوْحِيدَ رَبِّكُمْ
وَقُدْرَتَهُ.
هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما
يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (68) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ
يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ، يَعْنِي الْقُرْآنَ يَقُولُونَ
لَيْسَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، أَنَّى يُصْرَفُونَ، كَيْفَ
يُصْرَفُونَ عَنْ دِينِ الْحَقِّ. قِيلَ: هُمُ الْمُشْرِكُونَ.
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَجَمَاعَةٍ: إنها نزلت في
القدرية.
الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ
رُسُلَنا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلالُ فِي
أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) ، يُجَرُّونَ.
فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72) ، قَالَ
مُقَاتِلٌ: تُوقَدُ بِهِمُ النَّارُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ:
يَصِيرُونَ وَقُودًا لِلنَّارِ.
ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73) مِنْ
دُونِ اللَّهِ؟ يَعْنِي الْأَصْنَامَ، قالُوا ضَلُّوا عَنَّا،
فَقَدْنَاهُمْ فَلَا نَرَاهُمْ، بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا
مِنْ قَبْلُ شَيْئاً، قِيلَ: أَنْكَرُوا. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ
بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئًا
(4/122)
اللَّهُ الَّذِي
جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا
تَأْكُلُونَ (79)
يَنْفَعُ وَيَضُرُّ. وَقَالَ الْحُسَيْنُ
بْنُ الْفَضْلِ: أَيْ لَمْ نَكُنْ نَصْنَعُ مِنْ قَبْلُ
شَيْئًا أَيْ ضَاعَتْ عِبَادَتُنَا لَهَا، كَمَا يَقُولُ مَنْ
ضَاعَ عَمَلُهُ: مَا كُنْتُ أَعْمَلُ شَيْئًا. قَالَ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ: كَذلِكَ أَيْ كَمَا أَضَلَّ هَؤُلَاءِ، يُضِلُّ
اللَّهُ الْكافِرِينَ.
ذلِكُمْ الْعَذَابُ الَّذِي نَزَلَ بِكُمْ، بِما كُنْتُمْ
تَفْرَحُونَ تَبْطَرُونَ وَتَأْشَرُونَ، فِي الْأَرْضِ
بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ تَفْرَحُونَ
وَتَخْتَالُونَ.
ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ
مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (76) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ
اللَّهِ، بِنَصْرِكَ، حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ
الَّذِي نَعِدُهُمْ، مِنَ الْعَذَابِ فِي حَيَاتِكَ، أَوْ
نَتَوَفَّيَنَّكَ، قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ ذَلِكَ بِهِمْ،
فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ.
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ
قَصَصْنا عَلَيْكَ، خَبَرَهُمْ فِي الْقُرْآنِ، وَمِنْهُمْ
مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ
يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ، بِأَمْرِ اللَّهِ
وَإِرَادَتِهِ فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللَّهِ، قَضَاؤُهُ بَيْنَ
الْأَنْبِيَاءِ وَالْأُمَمِ، قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ
هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ.
[سورة غافر (40) : الآيات 79 الى 85]
اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا
مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ (79) وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ
وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْها
وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (80) وَيُرِيكُمْ آياتِهِ
فَأَيَّ آياتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ (81) أَفَلَمْ يَسِيرُوا
فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ
مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً
وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَما أَغْنى عَنْهُمْ مَا كانُوا
يَكْسِبُونَ (82) فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ
بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ
وَحاقَ بِهِمْ مَا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (83)
فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ
وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ
يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ
اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ
الْكافِرُونَ (85)
اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا
مِنْها [أي] [1] ، بَعْضَهَا، وَمِنْها تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ
فِيها مَنافِعُ، فِي أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا
وَأَشْعَارِهَا وَأَلْبَانِهَا. وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها
حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ، تَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ مِنْ بَلَدٍ
إِلَى بَلَدٍ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَاتِكُمْ،
وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ، أَيْ عَلَى
الْإِبِلِ فِي الْبَرِّ وَعَلَى السُّفُنِ فِي الْبَحْرِ،
نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ
وَالْبَحْرِ [الإسراء: 70] .
يُرِيكُمْ آياتِهِ
، دلائل قدرته، أَيَّ آياتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ.
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ
عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ
وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ، يَعْنِي
مَصَانِعَهُمْ وَقُصُورَهُمْ، فَما أَغْنى عَنْهُمْ، لَمْ
يَنْفَعْهُمْ، مَا كانُوا يَكْسِبُونَ وَقِيلَ: هُوَ بِمَعْنَى
الِاسْتِفْهَامِ، وَمَجَازُهُ: أَيُّ شَيْءٍ أَغْنَى عَنْهُمْ
كَسْبُهُمْ.
فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا،
رَضُوا، بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ، قَالَ مُجَاهِدٌ هُوَ
قَوْلُهُمْ نَحْنُ أَعْلَمُ لَنْ نُبْعَثَ وَلَنْ نُعَذَّبَ،
سَمَّى ذَلِكَ علما أعلى ما يدعونه وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ
جَهْلٌ. وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ فَلَمَّا
رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ
وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) ، يَعْنِي
تَبَرَّأْنَا مِمَّا كنا نعدل بالله.
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(4/123)
حم (1)
فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ
لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا، عَذَابَنَا، سُنَّتَ اللَّهِ، قِيلَ
[1] نَصْبُهَا بِنَزْعِ الْخَافِضِ، أَيْ كَسُنَّةِ اللَّهِ.
وَقِيلَ: عَلَى الْمَصْدَرِ. وَقِيلَ: عَلَى الْإِغْرَاءِ أَيِ
احْذَرُوا سُنَّةَ اللَّهِ، الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ،
وَتِلْكَ السُّنَّةُ أَنَّهُمْ إِذَا عَايَنُوا عَذَابَ
اللَّهِ آمَنُوا، وَلَا يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ عِنْدَ
مُعَايَنَةِ الْعَذَابِ. وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ،
بِذَهَابِ الدَّارَيْنِ [2] ، قَالَ الزَّجَّاجُ: الْكَافِرُ
خَاسِرٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَلَكِنَّهُمْ يَتَبَيَّنُ لَهُمْ
خُسْرَانُهُمْ إِذَا رَأَوُا الْعَذَابَ.
سورة فصلت
مكية وهي أربع وخمسون آية
[سورة فصلت (41) : الآيات 1 الى 7]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (2) كِتابٌ
فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
(3) بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا
يَسْمَعُونَ (4)
وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ
وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ
فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ (5) قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ
مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ
فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ
لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ
بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (7)
حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (2) ، قَالَ
الْأَخْفَشُ: تَنْزِيلٌ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ قَوْلُهُ عَزَّ
وَجَلَّ.
كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ بُيِّنَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً
عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ، اللِّسَانُ الْعَرَبِيُّ
وَلَوْ كَانَ بِغَيْرِ لِسَانِهِمْ مَا عَلِمُوهُ، وَنُصِبَ
[3] قُرْآنًا بِوُقُوعِ الْبَيَانِ عَلَيْهِ أَيْ فَصَّلْنَاهُ
قُرْآنًا.
بَشِيراً وَنَذِيراً، نَعْتَانِ لِلْقُرْآنِ أَيْ بَشِيرًا
لِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَنَذِيرًا لِأَعْدَائِهِ، فَأَعْرَضَ
أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ، أي لَا يَصْغُونَ
إِلَيْهِ تَكَبُّرًا.
وَقالُوا، يَعْنِي مُشْرِكِي مَكَّةَ قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ،
فِي أَغْطِيَةٍ، مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ، فَلَا نَفْقَهُ
مَا تَقُولُ، وَفِي آذانِنا وَقْرٌ، صَمَمٌ فَلَا نَسْمَعُ مَا
تَقُولُ، وَالْمَعْنَى: إِنَّا في ترك القبول عنك [4]
بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَا يَفْهَمُ وَلَا يَسْمَعُ، وَمِنْ
بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ، خِلَافٌ فِي الدِّينِ [5]
وَحَاجِزٌ فِي النحلة [6] فَلَا نُوَافِقُكَ عَلَى مَا
تَقُولُ، فَاعْمَلْ، أَنْتَ عَلَى دِينِكَ، إِنَّنا عامِلُونَ،
عَلَى دِينِنَا.
قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، يَعْنِي كَوَاحِدٍ
مِنْكُمْ وَلَوْلَا الْوَحْيُ مَا دَعَوْتُكُمْ، وهو قوله:
__________
(1) في المطبوع «قال» والمثبت عن المخطوط.
(2) في المطبوع «بذهاب نعيم الدارين» والمثبت عن «ط» والمخطوط.
(3) في المطبوع «نصيب» والمثبت عن المخطوط.
(4) في المطبوع «عندك» والمثبت عن المخطوط.
(5) في المخطوط (ب) : «فى الدنيا» والمثبت عن ط والمخطوط (أ) .
(6) في المطبوع «الملة» والمثبت عن المخطوط.
(4/124)
إِنَّ الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ
مَمْنُونٍ (8)
يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ
واحِدٌ، قَالَ الْحَسَنُ: عَلَّمَهُ اللَّهُ التَّوَاضُعَ،
فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ، تَوَجَّهُوا إِلَيْهِ بِالطَّاعَةِ
[1] وَلَا تَمِيلُوا عَنْ سَبِيلِهِ، وَاسْتَغْفِرُوهُ، مِنْ
ذُنُوبِكُمْ، وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ.
الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
الَّذِينَ [لَا] [2] يَقُولُونَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
وَهِيَ زَكَاةُ الْأَنْفُسِ، وَالْمَعْنَى: لَا يُطَهِّرُونَ
أَنْفُسَهُمْ مِنَ الشِّرْكِ بِالتَّوْحِيدِ. وَقَالَ
الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: لَا يُقِرُّونَ بِالزَّكَاةِ ولا ترون
إيتاءها «في» [3] وَاجِبًا، وَكَانَ يُقَالُ [4] : الزَّكَاةُ
قَنْطَرَةُ الْإِسْلَامِ فَمَنْ قَطَعَهَا نَجَا وَمَنْ
تَخَلَّفَ عَنْهَا هَلَكَ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَمُقَاتِلٌ: لَا يُنْفِقُونَ فِي
الطَّاعَةِ وَلَا يَتَصَدَّقُونَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَا
بزكون أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ.
[سورة فصلت (41) : الآيات 8 الى 11]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ
أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8) قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ
بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ
أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيها
رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها
أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ
(10) ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها
وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا
طائِعِينَ (11)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ
أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8) ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: غَيْرُ
مَقْطُوعٍ. وَقَالَ مقاتل: غير منقوص، ومنه [كأس] [5]
الْمَنُونُ لِأَنَّهُ يُنْقِصُ مُنَّةَ الْإِنْسَانِ
وَقُوَّتَهُ [6] ، وَقِيلَ: غَيْرُ مَمْنُونٍ عَلَيْهِمْ بِهِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: غَيْرُ مَحْسُوبٍ.
وَقَالَ الْسُّدِّيُّ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي
الْمَرْضَى وَالزَّمْنَى وَالْهَرْمَى، إِذَا عَجَزُوا عَنِ
الطَّاعَةِ يُكْتَبُ لَهُمُ [الأجر] [7] كأصح ما كانوا يعلمون
فِيهِ.
«1861» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الصَّالِحِيُّ أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ أَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ محمد الصفار ثنا
__________
1861- صحيح. إسناده حسن لأجل عاصم بن أبي النجود، لكن توبع
وللحديث شواهد.
- عبد الرزاق بن همام، معمر بن راشد.
- وهو في «شرح السنة» 1423 بهذا الإسناد.
- وهو في «مصنف عبد الرزاق» 20308 عن معمر به.
- وأخرجه أحمد 2/ 203 من طريق عبد الرزاق بهذا الإسناد.
وذكره الهيثمي في «المجمع» 2/ 303 وقال: وإسناده حسن.
- وورد من وجه آخر عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مرفوعا
بنحوه ولفظه «ما من أحد من الناس يصاب ببلاء في جسده إلّا أمر
الله عز وجل الملائكة الذين يحفظونه قال: اكتبوا لعبدي في كل
يوم وليلة ما كان يعمل من خير ما كان في وثاقي» .
أخرجه أحمد 2/ 159 والحاكم 1/ 348 وصححه، ووافقه الذهبي وقال
الهيثمي: رواه أحمد والبزار والطبراني في «الكبير» ، ورجال
أحمد رجال الصحيح.
- وللحديث شواهد منها:
- حديث أبي موسى «إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان
يعمل مقيما صحيحا» .
- أخرجه البخاري 2996 وأبو داود 3091 وأحمد 4/ 410 والحاكم 1/
341 ابن حبان 2929 والبيهقي 3/ 374.
(1) في المطبوع «الطاعة» والمثبت عن المخطوط (أ) .
(2) سقط من المطبوع. [.....]
(3) في المخطوط (ب) «إتيانها» والمعنى واحد.
(4) في المطبوع «قال» والمثبت عن ط والمخطوط.
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) كذا في المطبوع وط والمخطوط (ب) ، وفي المخطوط (أ) : «لأنه
ينقص من الإنسان قوته» .
(7) زيادة عن المخطوط.
(4/125)
أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ [1]
ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنِ عَاصِمِ بْنِ
أَبِي النَّجُودِ عَنْ خَيْثَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْعَبْدَ
إِذَا كَانَ عَلَى طَرِيقَةٍ حَسَنَةٍ مِنَ الْعِبَادَةِ ثُمَّ
مَرِضَ قِيلَ لِلْمَلَكِ الْمُوَكَّلِ بِهِ اكْتُبْ لَهُ
مِثْلَ عَمَلِهِ إِذَا كَانَ طَلِيقًا حَتَّى أطلقه أو أكفته
إليّ» .
قوله عزّ وجلّ: قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي
خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ، يَوْمُ الْأَحَدِ
وَالِاثْنَيْنِ، وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ
الْعالَمِينَ.
وَجَعَلَ فِيها أَيْ فِي الْأَرْضِ، رَواسِيَ جِبَالًا
ثَوَابِتَ، مِنْ فَوْقِها، مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ، وَبارَكَ
فِيها، أَيْ فِي الْأَرْضِ بِمَا خَلَقَ فِيهَا مِنَ
الْبِحَارِ وَالْأَنْهَارِ وَالْأَشْجَارِ وَالثِّمَارِ،
وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها.
قَالَ الْحَسَنُ وَمُقَاتِلٌ: قَسَّمَ فِي الْأَرْضِ أَرْزَاقَ
الْعِبَادِ وَالْبَهَائِمِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَالضَّحَّاكُ:
قَدَّرَ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ مَا لَمْ يَجْعَلْهُ فِي [البلدة]
الْأُخْرَى لِيَعِيشَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ بِالتِّجَارَةِ
مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ. قَالَ الْكَلْبِيُّ قَدَّرَ
الْخُبْزَ لِأَهْلِ قُطْرٍ [وَالتَّمْرَ لِأَهْلِ قُطْرٍ] [2]
وَالذُّرَةَ لِأَهْلِ قُطْرٍ وَالسَّمَكَ لِأَهْلِ قُطْرٍ
وَكَذَلِكَ أَقْوَاتُهَا. فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، يُرِيدُ
خَلَقَ مَا فِي الْأَرْضِ وَقَدَّرَ الْأَقْوَاتَ فِي
يَوْمَيْنِ يَوْمُ الثُّلَاثَاءِ وَالْأَرْبِعَاءِ فَهُمَا
مَعَ الْأَحَدِ وَالِاثْنَيْنِ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ، رَدَّ
الْآخِرَ عَلَى الْأَوَّلِ فِي الذِّكْرِ، كَمَا تَقُولُ:
تَزَوَّجْتُ أَمْسِ امْرَأَةً وَالْيَوْمَ ثنتين وإحداهما هي
التي تزوجها بِالْأَمْسِ.
سَواءً لِلسَّائِلِينَ قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ سَواءً رَفْعٌ
عَلَى الِابْتِدَاءِ، أَيْ هِيَ سَوَاءٌ، وَقَرَأَ يَعْقُوبُ
بِالْجَرِّ عَلَى نَعْتِ قَوْلِهِ: فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ،
وَقَرَأَ الْآخَرُونَ سَواءً نصب على المصدر استوت [سواء و]
[3] اسْتِوَاءً، وَمَعْنَاهُ: سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ عَنْ
ذَلِكَ. قَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: مَنْ سَأَلَ عَنْهُ
فَهَكَذَا الْأَمْرُ سَوَاءٌ لَا زِيَادَةَ وَلَا نُقْصَانَ
جَوَابًا لِمَنْ سَأَلَ فِي كَمْ خُلِقَتِ الْأَرْضُ
وَالْأَقْوَاتُ.
ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ، أَيْ: عَمَدَ إِلَى خَلْقِ
السَّمَاءِ، وَهِيَ دُخانٌ، وَكَانَ ذَلِكَ الدُّخَانُ بُخَارَ
الْمَاءِ، فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ
كَرْهاً، أَيِ ائْتِيَا مَا آمُرُكُمَا أَيِ افعلاه، كما يقال:
ائت من هذا الْأَحْسَنُ أَيِ افْعَلْهُ.
وَقَالَ طَاوُسٌ عن ابن عباس: «ائتيا [طائعين] [4] أعطيا
[قالتا أتينا طائعين] [5] يَعْنِي أَخْرِجَا [6] مَا خَلَقْتُ
فِيكُمَا مِنَ الْمَنَافِعِ لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَمَّا
أَنْتِ يَا سَمَاءُ فَأَطْلِعِي شَمْسَكِ وَقَمَرَكِ
وَنُجُومَكِ، وَأَنْتِ يَا أَرْضُ فَشُقِّي أَنْهَارَكِ
وَأَخْرِجِي ثِمَارَكِ وَنَبَاتَكِ، وَقَالَ لَهُمَا: افْعَلَا
مَا آمُرُكُمَا طَوْعًا وَإِلَّا أَلْجَأْتُكُمَا إلى ذلك
__________
- وحديث أنس «إذا ابتلى الله عز وجل العبد المسلم ببلاء في
جسده قال الله عز وجل للملك: اكتب له صالح عمله الذي كان يعمل
به ... » .
- أخرجه أحمد 3/ 258 وأبو يعلى 4233 و4235 ورجاله ثقات كما في
«المجمع» 2/ 204.
(1) في المخطوط (ب) «الزيادي» .
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) زيادة عن المخطوط (ب) .
(5) زيادة عن المخطوط (ب) والمخطوط (أ) .
(6) في المطبوع «أخرجاه» والمثبت عن المخطوط.
(4/126)
فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ
سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ
أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ
وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12)
حَتَّى تَفْعَلَاهُ كَرْهًا فَأَجَابَتَا
بِالطَّوْعِ، وقالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ، وَلَمْ يَقُلْ
طَائِعَتَيْنِ لأنه ذهب به إلى السموات وَالْأَرْضِ وَمَنْ
فِيهِنَّ، مَجَازُهُ: أَتَيْنَا بِمَا فِينَا طَائِعِينَ،
فَلَمَّا وَصَفَهُمَا بِالْقَوْلِ أَجْرَاهُمَا فِي الْجَمْعِ
مُجْرَى من يعقل.
[سورة فصلت (41) : الآيات 12 الى 17]
فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي
كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا
بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ
(12) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ
صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ (13) إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ
بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوا
إِلاَّ اللَّهَ قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ
مَلائِكَةً فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (14)
فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ
الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ
يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ
مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (15)
فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ
نَحِساتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ
الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَهُمْ لَا
يُنْصَرُونَ (16)
وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى
الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما
كانُوا يَكْسِبُونَ (17)
فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ، أَيْ أَتَمَّهُنُ
وَفَرَغَ مِنْ خَلْقِهِنَّ، وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ
أَمْرَها، قَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: خَلَقَ فِي
كُلِّ سَمَاءٍ خَلْقَهَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَمَا فِيهَا
مِنَ الْبِحَارِ وَجِبَالِ الْبَرَدِ وَمَا لَا يَعْلَمُهُ
إِلَّا اللَّهُ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: يَعْنِي
خَلَقَ فِيهَا شَمْسَهَا وَقَمَرَهَا وَنُجُومَهَا. وَقَالَ
مُقَاتِلٌ: وَأَوْحَى إِلَى كُلِّ سَمَاءٍ مَا أَرَادَ مِنَ
الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَذَلِكَ يَوْمَ الْخَمِيسِ
وَالْجُمْعَةِ. وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ،
وكواكب، وَحِفْظاً، لَهَا وَنَصَبَ حِفْظًا عَلَى الْمَصْدَرِ،
أَيْ حَفِظْنَاهَا بِالْكَوَاكِبِ حِفْظًا مِنَ الشَّيَاطِينِ
الَّذِينَ يَسْتَرِقُّونَ السَّمْعَ، ذلِكَ، الَّذِي ذُكِرَ
مِنْ صُنْعِهِ، تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ، فِي مِلْكِهِ،
الْعَلِيمِ، بخلقه.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَإِنْ أَعْرَضُوا، يَعْنِي هَؤُلَاءِ
الْمُشْرِكِينَ عَنِ الْإِيمَانِ بَعْدَ هَذَا الْبَيَانِ،
فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ، خَوَّفْتُكُمْ، صاعِقَةً مِثْلَ
صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ، أَيْ هَلَاكًا مِثْلَ هَلَاكِهِمْ،
وَالصَّاعِقَةُ الْمُهْلِكَةُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.
إِذْ جاءَتْهُمُ، يعني عادا وثمودا، الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ
أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ، أَرَادَ بِقَوْلِهِ: مِنْ
بَيْنِ أَيْدِيهِمْ الرُّسُلَ الَّذِينَ أُرْسِلُوا إِلَى
آبَائِهِمْ مِنْ قَبْلِهِمْ، وَمِنْ خَلْفِهِمْ يعني من بَعْدِ
الرُّسُلِ الَّذِينَ أُرْسِلُوا إِلَى آبَائِهِمُ الَّذِينَ
أُرْسِلُوا إِلَيْهِمْ هُودٌ وَصَالِحٌ، فَالْكِنَايَةُ فِي
قَوْلِهِ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ رَاجِعَةٌ إِلَى عَادٍ
وَثَمُودَ وَفِي قَوْلِهِ وَمِنْ خَلْفِهِمْ راجعة إلى الرسل،
أَلَّا، بِأَنْ لَا، تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قالُوا لَوْ
شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ، بَدَلَ هَؤُلَاءِ الرُّسُلِ،
مَلائِكَةً، أَيْ لَوْ شَاءَ رَبُّنَا دَعْوَةَ الْخَلْقِ
لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً، فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ
كافِرُونَ.
«1862» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو
إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ [1]
الْأَصْفَهَانِيُّ ثنا أحمد بن
__________
1862- حديث حسن بشواهده. إسناده ضعيف لضعف الحماني، وهو يحيى
بن عبد الحميد، لكن توبع عند أبي يعلى وغيره، وفيه الأجلح وثقه
ابن معين وغيره، وضعفه النسائي وغيره، قاله الهيثمي في
«المجمع» 6/ 20.
- ابن فضيل هو محمد، الأجلح هو ابن عبد الله.
- وأخرجه البيهقي في «الدلائل» 2/ 202- 204 من طريق يحيى بن
معين عن محمد بن فضيل بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو يعلى 1818 من وجه آخر عن علي بن مسهر به.
- وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» 14/ 295 ومن طريقه عبد بن
حميد في «المنتخب» 1123 وأبو نعيم 182، عن علي بن مسهر عن
الأجلح بهذا الإسناد.
- وأخرجه الحاكم 2/ 253 من وجه آخر عن جعفر بن عون عن الأجلح
به، وصححه، ووافقه الذهبي، وقال الحافظ ابن كثير 4/ 107- 108:
سياق البغوي أشبه من سياق البزار وأبي يعلى، وانظر ما بعده.
(1) في المخطوط (ب) «خالد» والمثبت عن «ط» والمخطوط (أ) .
[.....]
(4/127)
محمد بن يحيى العبدي [1] أنا أَحْمَدُ بْنُ
مَجْدَةَ بْنِ الْعُرْيَانِ ثنا الحماني ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ
[2] عَنِ الْأَجْلَحِ عَنِ الذَّيَّالِ بْنِ حَرْمَلَةَ عَنْ
جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ الْمَلَأ: مِنْ
قُرَيْشٍ وَأَبُو جَهْلٍ: قَدِ الْتَبَسَ عَلَيْنَا أَمْرُ
مُحَمَّدٍ فَلَوِ الْتَمَسْتُمْ رَجُلًا عَالِمًا بِالشِّعْرِ
وَالْكِهَانَةِ وَالسِّحْرِ، فَأَتَاهُ فَكَلَّمَهُ ثُمَّ
أَتَانَا بِبَيَانٍ مِنْ أَمْرِهِ، فَقَالَ عُتْبَةُ بْنُ
رَبِيعَةَ: وَاللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ الشِّعْرَ
وَالْكِهَانَةَ وَالسِّحْرِ وَعَلِمْتُ مِنْ ذَلِكَ عِلْمًا
وَمَا يَخْفَى عَلَيَّ أَنْ كَانَ كَذَلِكَ أَوْ لَا،
فَأَتَاهُ فَلَمَّا خَرَجَ إِلَيْهِ قال: فقال أنت يا محمد
خَيْرٌ [3] أَمْ هَاشِمٌ؟ أَنْتَ خَيْرٌ أَمْ عَبْدُ
الْمُطَّلِبِ؟ أَنْتَ خَيْرٌ أم عبد الله؟ فيم تَشْتُمُ
آلِهَتَنَا؟ وَتُضَلِّلُ آبَاءَنَا فَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ [4]
الرِّيَاسَةَ عَقَدْنَا لَكَ أَلْوِيَتَنَا فَكُنْتَ رَأْسًا
مَا بَقِيتَ، وَإِنْ كَانَ بِكَ الْبَاءَةُ زَوَّجْنَاكَ
عَشْرَ نِسْوَةٍ تَخْتَارُ مِنْ أَيِّ بَنَاتِ قُرَيْشٍ؟
وَإِنْ كَانَ بِكَ الْمَالُ جَمَعْنَا لَكَ مَا تَسْتَغْنِي
أَنْتَ وَعَقِبُكَ مِنْ بَعْدِكَ؟
وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاكِتٌ
لَا يَتَكَلَّمُ، فَلَمَّا فَرَغَ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ
الرَّحِيمِ (2) كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ، إِلَى قَوْلِهِ
فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ
صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ (13) ، الْآيَةَ فَأَمْسَكَ عُتْبَةُ
عَلَى فِيهِ وَنَاشَدَهُ بِالرَّحِمِ وَرَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ،
وَلَمْ يَخْرُجْ إِلَى قُرَيْشٍ فَاحْتَبَسَ عَنْهُمْ فَقَالَ
أَبُو جَهْلٍ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ وَاللَّهِ مَا نَرَى
عُتْبَةَ إِلَّا قَدْ صَبَأَ إِلَى دِينِ مُحَمَّدٍ، وَقَدْ
أَعْجَبَهُ طَعَامُهُ وَمَا ذَاكَ إِلَّا مِنْ حَاجَةٍ
أَصَابَتْهُ، فَانْطَلِقُوا بِنَا إِلَيْهِ، فَانْطَلَقُوا
إِلَيْهِ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: وَاللَّهِ يَا عُتْبَةُ مَا
حَبَسَكَ عَنَّا إِلَّا أَنَّكَ صَبَوْتَ إِلَى دِينِ محمد
وأعجبك طعامه، فَإِنْ كَانَتْ بِكَ حَاجَةٌ جَمَعْنَا لَكَ
مِنْ أَمْوَالِنَا مَا يُغْنِيكَ عَنْ طَعَامِ مُحَمَّدٍ،
فَغَضِبَ عُتْبَةُ وَأَقْسَمَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ مُحَمَّدًا
أَبَدًا، وَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي مِنْ
أَكْثَرِ قُرَيْشٍ مَالًا وَلَكِنِّي أَتَيْتُهُ وَقَصَصْتُ
عَلَيْهِ الْقِصَّةَ فَأَجَابَنِي بِشَيْءٍ، وَاللَّهِ مَا
هُوَ بِشِعْرٍ وَلَا كِهَانَةٍ وَلَا سِحْرٍ، وَقَرَأَ
السُّورَةَ إِلَى قَوْلِهِ:
فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ
صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ (13) الْآيَةَ فَأَمْسَكْتُ بِفِيهِ
وَنَاشَدْتُهُ بِالرَّحِمِ أَنْ يَكُفَّ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ
أَنَّ مُحَمَّدًا إِذَا قَالَ شَيْئًا لَمْ يَكْذِبْ، فَخِفْتُ
أَنْ يَنْزِلَ بِكُمُ الْعَذَابُ.
«1863» وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: حُدِّثْتُ
أَنَّ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ كَانَ سَيِّدًا حَلِيمًا، قَالَ
يَوْمًا وَهُوَ جَالِسٌ فِي نَادِي قُرَيْشٍ وَرَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ وَحْدَهُ فِي
الْمَسْجِدِ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَلَا أَقُومُ إِلَى
مُحَمَّدٍ وَأُكَلِّمُهُ وَأُعْرِضُ عَلَيْهِ أُمُورًا
لَعَلَّهُ يَقْبَلُ مِنَّا بَعْضَهَا، فَنُعْطِيَهُ وَيَكُفَّ
عَنَّا، وَذَلِكَ حِينَ أَسْلَمَ حَمْزَةُ وَرَأَوْا أَصْحَابَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزِيدُونَ
وَيَكْثُرُونَ، فَقَالُوا: بَلَى يَا أَبَا الْوَلِيدِ فَقُمْ
إِلَيْهِ فَكَلِّمْهُ، فَقَامَ عُتْبَةُ حَتَّى جَلَسَ إِلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
يَا ابْنَ أَخِي إِنَّكَ مِنَّا حَيْثُ عَلِمْتَ مِنَ
الْبَسْطَةِ فِي الْعَشِيرَةِ وَالْمَكَانِ فِي النَّسَبِ،
وَإِنَّكَ قَدْ أَتَيْتَ قَوْمَكَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، فَرَّقْتَ
جَمَاعَتَهُمْ وَسَفَّهْتَ أَحْلَامَهُمْ، وَعِبْتَ
آلِهَتَهُمْ وَكَفَّرْتَ مَنْ مَضَى مِنْ آبَائِهِمْ،
فَاسْمَعْ مِنِّي أَعْرِضْ عَلَيْكَ أُمُورًا تَنْظُرُ فِيهَا،
فَقَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
قُلْ يَا أَبَا الْوَلِيدِ، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي إِنْ
كُنْتَ إِنَّمَا تُرِيدُ بِمَا جِئْتَ بِهِ مَالًا جَمَعْنَا
لَكَ مِنْ أموالنا حتى تكون [من] [5] أَكْثَرَنَا مَالًا،
وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ شرفا سوّدناك علينا،
__________
1863- حسن. أخرجه البيهقي في «الدلائل» 2/ 204- 205 عن محمد بن
كعب مرسلا، والمرسل من قسم الضعيف، لكن يشهد لأصله ما قبله،
وله شاهد من حديث ابن عمر، أخرجه أبو نعيم 185 والبيهقي 2/ 205
كلاهما في «الدلائل» ، وفيه داود بن زرعة، لين الحديث، لكن
يصلح للاعتبار بحديثه، فالحديث حسن إن شاء الله مع خلاف في بعض
ألفاظه حيث ورد بألفاظ متقاربة، وانظر «الكشاف» 985 و «فتح
القدير» 2203 وكلاهما بتخريجي.
(1) في المطبوع «العبيدي» والمثبت عن المخطوط.
(2) في المخطوط (ب) «ثنا فضيل» .
(3) في المخطوط «فقال: أنت يا محمد خير» والمعنى واحد.
(4) في المخطوط (أ) «تتمنّى» وفي المخطوط (ب) «إنما بك»
والمثبت عن المطبوع و «ط» .
(5) زيادة عن المخطوط.
(4/128)
وَنَجَّيْنَا
الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (18)
وَإِنْ كَانَ هَذَا الَّذِي بِكَ رِئْيًا
[1] تَرَاهُ لَا تَسْتَطِيعُ رَدَّهُ طَلَبْنَا لَكَ الطِّبَّ،
وَلَعَلَّ هَذَا شِعْرٌ جَاشَ بِهِ صَدْرُكَ، فَإِنَّكُمْ
لعمري بني عبد المطلب تقدرون من ذلك عَلَى مَا لَا يَقْدِرُ
عَلَيْهِ غيركم [2] ، حتى إذا فرغ ما عنده من سائر الأمور التي
يزعم أنها تردّه عمّا يقول فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوَقَدْ [3] فَرَغْتَ يَا
أَبَا الْوَلِيدِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:
فَاسْتَمِعْ مِنِّي، قَالَ: أَفْعَلُ [4] ، فَقَالَ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (2)
كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا، ثُمَّ مَضَى
فِيهَا يَقْرَأُ فَلَمَّا سَمِعَهَا عُتْبَةُ أَنْصَتَ لَهُ
وَأَلْقَى يَدَيْهِ خَلْفَ ظَهْرِهِ مُعْتَمِدًا عَلَيْهِمَا
يَسْتَمِعُ مِنْهُ حَتَّى انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى السَّجْدَةِ فَسَجَدَ، ثُمَّ
قَالَ: قَدْ سَمِعْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ فَأَنْتَ وَذَاكَ،
فَقَامَ عُتْبَةُ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ
لِبَعْضٍ: نَحْلِفُ بِاللَّهِ لَقَدْ جَاءَكُمْ أَبُو
الْوَلِيدِ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي ذَهَبَ بِهِ، فَلَمَّا
جلس إليهم قالوا: وما وَرَاءَكَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ؟
فَقَالَ: وَرَائِي أَنِّي قَدْ سَمِعْتُ قَوْلًا وَاللَّهِ مَا
سَمِعْتُ بِمِثْلِهِ قَطُّ، مَا هُوَ بِالشِّعْرِ وَلَا
السِّحْرِ وَلَا الْكِهَانَةِ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ،
أَطِيعُونِي خَلُّوا مَا بَيْنَ هَذَا الرَّجُلِ وَبَيْنَ مَا
هُوَ فِيهِ واعتزلوه، فو الله لَيَكُونَنَّ لِقَوْلِهِ الَّذِي
سَمِعْتُ نَبَأٌ [عظيم] [5] فَإِنْ تُصِبْهُ الْعَرَبُ فَقَدْ
كُفِيْتُمُوهُ بِغَيْرِكُمْ، وَإِنْ يَظْهَرْ عَلَى الْعَرَبِ
فَمُلْكُهُ مُلْكُكُمْ وَعِزُّهُ عِزُّكُمْ، فَأَنْتُمْ
أَسْعَدُ النَّاسِ بِهِ، فَقَالُوا:
سَحَرَكَ وَاللَّهِ يَا أَبَا الْوَلِيدِ بِلِسَانِهِ، قال
[والله ما سحرني] [6] : هَذَا رَأْيِي لَكُمْ، فَاصْنَعُوا مَا
بدا لكم.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي
الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا
قُوَّةً، وذلك أن هودا هَدَّدَهُمْ بِالْعَذَابِ، فَقَالُوا:
مَنْ أَشَدُّ منّا قوة، ونحن نَقْدِرُ عَلَى دَفْعِ الْعَذَابِ
عَنَّا بِفَضْلِ قُوَّتِنَا، وَكَانُوا ذَوِي أَجْسَامٍ [7]
طِوَالٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى رَدًّا عَلَيْهِمْ: أَوَلَمْ
يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ
مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ.
فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً، عاصفا [8]
شَدِيدَةَ الصَّوْتِ، مِنَ الصِّرَّةِ وَهِيَ الصَّيْحَةُ.
وَقِيلَ: هِيَ الْبَارِدَةُ مِنَ الصِّرِّ وَهُوَ الْبَرْدُ،
فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ
وَأَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ نَحِساتٍ بِسُكُونِ الْحَاءِ،
وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِكَسْرِهَا أَيْ نكدات مشؤومات [9]
ذَاتِ نُحُوسٍ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: أَمْسَكَ اللَّهُ
عَنْهُمُ الْمَطَرَ ثَلَاثَ سِنِينَ دأبت [10] الرياح عليهم
[عسرات] [11] مِنْ غَيْرِ مَطَرٍ، لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ
الْخِزْيِ، أَيْ عَذَابَ الْهُونِ وَالذُّلِّ، فِي الْحَياةِ
الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى، أَشَدُّ إِهَانَةً
وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ.
وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ، دَعَوْنَاهُمْ، قَالَهُ
مُجَاهِدٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَيَّنَّا لَهُمْ سَبِيلَ
الْهُدَى. وَقِيلَ:
دَلَلْنَاهُمْ عَلَى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، كَقَوْلِهِ
هَدَيْناهُ السَّبِيلَ [الْإِنْسَانِ: 3] ، فَاسْتَحَبُّوا
الْعَمى عَلَى الْهُدى، فَاخْتَارُوا الْكُفْرَ عَلَى
الْإِيمَانِ، فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ، أَيْ مهلكة
الْعَذَابِ، الْهُونِ، أَيْ ذِي الْهُونِ [12] أَيِ الْهَوَانِ
وَهُوَ الَّذِي يُهِينُهُمْ ويجزيهم، بِما كانُوا يَكْسِبُونَ.
[سورة فصلت (41) : الآيات 18 الى 24]
وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (18)
وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ
يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ
سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا
يَعْمَلُونَ (20) وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ
عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ
شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ
تُرْجَعُونَ (21) وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ
عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ
وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيراً
مِمَّا تَعْمَلُونَ (22)
وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ
أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (23) فَإِنْ
يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا
فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (24)
__________
(1) في المخطوط (ب) «رءيّ» وفي المخطوط (أ) «رايا» .
(2) في المخطوط (ب) «تقدرون على ذلك ما لم يقدر عليه غيركم»
وفي المخطوط (أ) «تقدرون من ذلك عَلَى مَا لَا يَقْدِرُ
عَلَيْهِ حتى إذا فرغ» .
(3) في المخطوط (ب) «لقد» وفي المخطوط (أ) «قد» .
(4) في المطبوع «فافعل» والمثبت عن المخطوط.
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) زيادة عن المخطوط (ب) .
(7) في المخطوط (ب) «أجساد» والمثبت عن «ط» والمخطوط (أ) .
(8) في المطبوع «عاصفة» والمثبت عن المخطوط. [.....]
(9) في المطبوع والمخطوط (ب) «مشومات» وفي المخطوط (أ)
«مستويات» والمثبت عن «ط» .
(10) في المطبوع «دامت» والمثبت عن المخطوط.
(11) زيادة عن المخطوط (ب) .
(12) في المخطوط (ب) «الهوان» .
(4/129)
وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا
يَتَّقُونَ (18) وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَى
النَّارِ، قَرَأَ نَافِعٌ وَيَعْقُوبُ: نَحْشُرُ بِالنُّونِ،
أَعْداءُ نَصْبٌ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ وَرَفْعِهَا
وَفَتَحَ الشِّينَ أَعْداءُ رَفْعٌ أَيْ يُجْمَعُ إِلَى
النَّارِ، فَهُمْ يُوزَعُونَ، يُسَاقُونَ وَيُدْفَعُونَ إِلَى
النَّارِ، وَقَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: يُحْبَسُ
أَوَّلُهُمْ عَلَى آخِرِهِمْ لِيَتَلَاحَقُوا.
حَتَّى إِذا ما جاؤُها، جاؤوا النَّارَ شَهِدَ عَلَيْهِمْ
سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ، أَيْ بَشْرَاتُهُمْ،
بِما كانُوا يَعْمَلُونَ، وقال الْسُّدِّيُّ وَجَمَاعَةٌ:
الْمُرَادُ بِالْجُلُودِ الْفُرُوجُ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ:
تَنْطِقُ جَوَارِحُهُمْ بِمَا كَتَمَتِ الْأَلْسُنُ مِنْ
عَمَلِهِمْ.
وَقالُوا، يَعْنِي الْكُفَّارُ الَّذِينَ يُحْشَرُونَ إِلَى
النَّارِ، لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا
أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ، تَمَّ
الْكَلَامُ هَاهُنَا. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَهُوَ
خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ جَوَابِ
الْجُلُودِ، وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ.
وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ، أَيْ تَسْتَخْفُونَ عِنْدَ
أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: تَتَّقُونَ.
وَقَالَ قَتَادَةُ تَظُنُّونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ
سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ
ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا
تَعْمَلُونَ [1] .
«1864» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثنا الحميدي أنا سفيان أنا مَنْصُورٌ عَنْ
مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مَسْعُودٍ، قَالَ اجْتَمَعَ عِنْدَ الْبَيْتِ ثَقَفِيَّانِ
وَقُرَشِيٌّ، أَوْ قُرَشِيَّانِ وَثَقَفِيٌّ كَثِيرٌ شَحْمُ
بُطُونِهِمْ قَلِيلٌ فِقْهُ قُلُوبِهِمْ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ:
أَتَرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ يَسْمَعُ مَا نَقُولُ؟ قَالَ
الْآخَرُ: يَسْمَعُ إِنْ جَهَرْنَا وَلَا يَسْمَعُ إِنْ
أَخْفَيْنَا، وَقَالَ الْآخَرُ: إن كان يسمع
__________
1864- إسناده صحيح على شرط البخاري.
- الحميدي عبد الله بن الزبير، سفيان بن عيينة، منصور بن
المعتمر، مجاهد بن جبر، أبو معمر، هو عبد الله بن سخيرة.
- وهو في «صحيح البخاري» 4817 عن الحميدي بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 4816 و7521 ومسلم 2775 والترمذي 3245
والطيالسي 1972 والنسائي في «التفسير» 488 والطبري 30496
والبيهقي في «الأسماء والصفات» 177 والواحدي في «أسباب النزول»
732 من طرق عن منصور به.
- وأخرجه مسلم 2775 وأحمد 1/ 381 و426 و442 و444، وأبو يعلى
5204 والطبري 30497 والواحدي في «أسباب النزول» 733 من طريق
الأعمش عن عمارة عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عن ابن
مسعود به.
- وأخرجه الحميدي 87 من طريق سفيان عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ
عَنْ مجاهد به.
(1) تصحّف في المطبوع إلى «تعلمون» .
(4/130)
وَقَيَّضْنَا لَهُمْ
قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا
خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ
خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ
كَانُوا خَاسِرِينَ (25)
إِذَا جَهَرْنَا فَإِنَّهُ يَسْمَعُ إِذَا
أَخْفَيْنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ [1] تَعَالَى: وَما كُنْتُمْ
تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا
أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ
اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) [2] .
قِيلَ: الثقفي وعبديا ليل وَخَتْنَاهُ الْقُرَشِيَّانِ
رَبِيعَةُ وَصَفْوَانُ بْنُ أمية.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ
بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ، أَهْلَكَكُمْ، أَيْ ظَنُّكُمْ أَنَّ
اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ [3] ،
أَرْداكُمْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: طَرَحَكُمْ فِي النَّارِ،
فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ، ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْ
حَالِهِمْ فَقَالَ:
فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ، مَسْكَنٌ
لَهُمْ، وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا، يَسْتَرْضُوا وَيَطْلُبُوا
الْعُتْبَى، فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ، الْمَرْضِيْنَ،
وَالْمُعْتَبُ الَّذِي قُبِلَ عِتَابُهُ وَأُجِيبَ إِلَى مَا
سَأَلَ، يُقَالُ: أَعْتَبَنِي فَلَانٌ أَيْ أَرْضَانِي بَعْدَ
إِسْخَاطِهِ إياي، واستعتبه طَلَبْتُ مِنْهُ أَنْ يَعْتِبَ
أَيْ يرضى.
[سورة فصلت (41) : الآيات 25 الى 29]
وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ
أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي
أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ
إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (25) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا
لَا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ
لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ
كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ
الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (27) ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ
اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما
كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (28) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا
رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنا مِنَ الْجِنِّ
وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ
الْأَسْفَلِينَ (29)
وَقَيَّضْنا لَهُمْ، أَيْ بَعَثْنَا وَوَكَّلْنَا، وَقَالَ
مُقَاتِلٌ: هَيَّأْنَا. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: سَبَّبْنَا
لَهُمْ. قُرَناءَ، نُظَرَاءَ مِنَ الشَّيَاطِينِ حَتَّى
أَضَلُّوهُمْ، فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ،
مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا حَتَّى آثَرُوهُ عَلَى الْآخِرَةِ،
وَما خَلْفَهُمْ، مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ فَدَعَوْهُمْ إِلَى
التَّكْذِيبِ بِهِ وَإِنْكَارِ الْبَعْثِ، وَحَقَّ عَلَيْهِمُ
الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ، مَعَ أُمَمٍ، قَدْ خَلَتْ مِنْ
قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا
خاسِرِينَ.
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا، مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ، لَا
تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ، قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ:
يَعْنِي: الْغَطُوا فِيهِ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ يُوصِي إِلَى
بَعْضٍ إِذَا رَأَيْتُمْ [4] مُحَمَّدًا يَقْرَأُ فَعَارِضُوهُ
بِالرَّجَزِ وَالشِّعْرِ وَاللَّغْوِ. قَالَ مُجَاهِدٌ:
وَالْغَوْا فِيهِ بِالْمُكَاءِ وَالصَّفِيرِ. وَقَالَ
الضَّحَّاكُ: أَكْثِرُوا الْكَلَامَ فَيَخْتَلِطُ عَلَيْهِ مَا
يَقُولُ، وَقَالَ الْسُّدِّيُّ: صِيحُوا فِي وَجْهِهِ.
لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ، مُحَمَّدًا عَلَى قِرَاءَتِهِ.
فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً
وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي، يَعْنِي بِأَسْوَأِ
الَّذِي، أَيْ بِأَقْبَحِ الَّذِي، كانُوا يَعْمَلُونَ، فِي
الدُّنْيَا وَهُوَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ.
ذلِكَ، الَّذِي ذَكَرْتُ مِنَ الْعَذَابِ الشَّدِيدِ، جَزاءُ
أَعْداءِ اللَّهِ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ الْجَزَاءَ فَقَالَ:
النَّارُ، أَيْ هُوَ النَّارُ، لَهُمْ فِيها، أَيْ فِي
النَّارِ، دارُ الْخُلْدِ، دَارُ الإقامة لا انتقال منها،
لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا
يَجْحَدُونَ.
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا، أَيْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ،
رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ
وَالْإِنْسِ، يَعْنُونَ إبليس
__________
(1) تصحّف في المطبوع إلى «أو تعالى» .
(2) تصحفت في المطبوع إلى «تعلمون» .
(3) في المطبوع «تعلمون» والمثبت عن المخطوط.
(4) في المخطوط (أ) «سمعتم» والمثبت عن المخطوط (ب) وط.
(4/131)
إِنَّ الَّذِينَ
قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ
عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا
وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30)
وَقَابِيلَ بْنَ آدَمَ الَّذِي قَتَلَ
أَخَاهُ لِأَنَّهُمَا سَنَّا الْمَعْصِيَةَ، نَجْعَلْهُما
تَحْتَ أَقْدامِنا، فِي النَّارِ، لِيَكُونا مِنَ
الْأَسْفَلِينَ، لِيَكُونَا فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ
النَّارِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لِيَكُونَا أَشَدَّ عَذَابًا
مِنَّا.
[سورة فصلت (41) : الآيات 30 الى 33]
إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا
تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَلا
تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ
تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ
الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها مَا تَشْتَهِي
أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلاً مِنْ
غَفُورٍ رَحِيمٍ (32) وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا
إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ
الْمُسْلِمِينَ (33)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا
اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا، سُئِلَ أَبُو بَكْرٍ الصَّدِيقُ
رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنِ الِاسْتِقَامَةِ فَقَالَ:
أَنْ لَا تُشْرِكَ بِاللَّهِ شَيْئًا.
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
الِاسْتِقَامَةُ أَنْ تَسْتَقِيمَ عَلَى الْأَمْرِ
وَالنَّهْيِ، وَلَا تَرُوغَ رَوَغَانَ الثَّعْلَبِ.
وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
أَخْلَصُوا الْعَمَلَ لِلَّهِ.
وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَدَّوُا
الْفَرَائِضَ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اسْتَقَامُوا عَلَى أَدَاءِ
الْفَرَائِضِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: اسْتَقَامُوا عَلَى أَمْرِ اللَّهِ
تَعَالَى فَعَمِلُوا بِطَاعَتِهِ وَاجْتَنَبُوا مَعْصِيَتَهُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ اسْتَقَامُوا عَلَى شَهَادَةِ
أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ حَتَّى لَحِقُوا بِاللَّهِ.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: اسْتَقَامُوا عَلَى الْمَعْرِفَةِ وَلَمْ
يَرْتَدُّوا.
وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ الْحَسَنُ إِذَا تَلَا هَذِهِ
الْآيَةَ قَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبُّنَا فَارْزُقْنَا
الِاسْتِقَامَةَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ
الْمَلائِكَةُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عِنْدَ الْمَوْتِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ: إِذَا قَامُوا مِنْ
قُبُورِهِمْ. قَالَ وَكِيعُ بْنُ الْجِرَاحِ: الْبُشْرَى
تَكُونُ فِي ثَلَاثِ مَوَاطِنَ: عِنْدَ الْمَوْتِ وَفِي
الْقَبْرِ وَعِنْدَ الْبَعْثِ أَلَّا تَخافُوا، مِنَ
الْمَوْتِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَا تَخَافُوا عَلَى مَا
تَقْدَمُونَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ. وَلا
تَحْزَنُوا، عَلَى مَا خَلَّفْتُمْ مِنْ أَهْلٍ وَوَلَدٍ،
فَإِنَّا نَخْلُفُكُمْ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. وَقَالَ عَطَاءُ
بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: لَا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا عَلَى
ذُنُوبِكُمْ فَإِنِّي أَغْفِرُهَا لَكُمْ، وَأَبْشِرُوا
بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ.
نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ
، تقول لهم الملائكة الذين تتنزل [1] عَلَيْهِمْ
بِالْبِشَارَةِ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ أَنْصَارُكُمْ
وَأَحِبَّاؤُكُمْ، فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ
، أَيْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَقَالَ الْسُّدِّيُّ:
تَقُولُ الْمَلَائِكَةُ نَحْنُ الْحَفَظَةُ الَّذِينَ كُنَّا
مَعَكُمْ فِي الدُّنْيَا، وَنَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي
الْآخِرَةِ يَقُولُونَ لَا نُفَارِقُكُمْ حَتَّى تَدْخُلُوا
الْجَنَّةَ.
وَلَكُمْ فِيها مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ
، مِنَ الْكَرَامَاتِ وَاللَّذَّاتِ، وَلَكُمْ فِيها
، فِي الْجَنَّةِ مَا تَدَّعُونَ
، تَتَمَنَّوْنَ.
نُزُلًا، رِزْقًا، مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ قَوْلُهُ عَزَّ
وَجَلَّ: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ،
إلى طاعة اللَّهِ [2] ، وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ
الْمُسْلِمِينَ، قَالَ ابْنُ سِيرِينَ [والسدي] [3] وابن عباس:
هو
__________
(1) في المطبوع «تنزل» والمثبت عن المخطوط (ب) .
(2) في المطبوع «طاعته» والمثبت عن المخطوط.
(3) زيادة عن المخطوط.
(4/132)
وَلَا تَسْتَوِي
الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ
أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ
كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ دَعَا إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي أَجَابَ
اللَّهَ فِي دَعْوَتِهِ، وَدَعَا النَّاسَ إِلَى مَا أَجَابَ
إِلَيْهِ، وَعَمِلَ صَالِحًا فِي إِجَابَتِهِ، وَقَالَ:
إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَرَى
هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْمُؤَذِّنِينَ. وقال عكرمة: هو
المؤذن [وقال] [1] أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ: وَعَمِلَ
صَالِحًا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ الْأَذَانِ
وَالْإِقَامَةِ. وَقَالَ قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ: هُوَ
الصَّلَاةُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ.
«1865» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ محمد بن
العباس الحميدي [2] أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بن
عبد الله الحافظ ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ
الحسن بن أيوب الطوسي ثنا أبو يحيى بن أبي مسرّة [3] ثنا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ [4] الْمُقْرِي ثنا كَهَمْسُ بْنُ
الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ
الله بن المغفل قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ» ،
ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: «لِمَنْ
شَاءَ» .
«1866» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ ثنا أبو
جعفر الرَّيَّانِيُّ ثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ ثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ زَيْدٍ
الْعَمِّيِّ عَنْ أَبِي إِيَاسٍ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ سُفْيَانُ: لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا
وَقَدْ رَفَعَهُ [إِلَى] [5] النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يُرَدُّ الدعاء بين الأذان
والإقامة» .
[سورة فصلت (41) : الآيات 34 الى 38]
وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ
عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَما يُلَقَّاها
إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلاَّ ذُو حَظٍّ
عَظِيمٍ (35) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ
فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
(36) وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ
وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ
وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ
إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ
عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ
وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ (38)
__________
1865- صحيح، عبد الله المقري فمن فوقه رجال البخاري، ومسلم،
ومن دونه توبعوا.
- وهو في «شرح السنة» 431 بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 627 والبيهقي 2/ 472 من طريق عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ يَزِيدَ عَنْ كهمس.
- وأخرجه مسلم 838 والترمذي 185 وابن ماجه 1162 وابن أبي شيبة
2/ 356 وأحمد 5/ 54 من طريق وكيع عن كهمس به.
- وأخرجه مسلم 838 والدارقطني 1/ 266 من طريق أبي أسامة وابن
حبان 1559 من طريق ابن المبارك كلاهما عن كهمس به.
- وأخرجه النسائي 1/ 28 وأحمد 4/ 86 من طريق يحيى بن سعيد عن
كهمس به.
- وأخرجه أحمد 5/ 54 و56 و57 وأبو عوانة 2/ 32 و265 والدارقطني
1/ 266 من طرق عن كهمس به. [.....]
1866- صحيح. إسناده ضعيف لضعف زيد العمّيّ، لكن توبع وللحديث
شواهد، فهو صحيح.
- سفيان هو ابن سعيد الثوري زيد هو ابن الحواري، أبو الحواري.
- وهو في «شرح السنة» 426 بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو داود 521 والترمذي 212 و3594 و3595 والنسائي في
«عمل اليوم والليلة» 68 و69 وعبد الرزاق 1909 وابن أبي شيبة
10/ 225 وأحمد 3/ 119 والبيهقي 1/ 410 من طرق عن سفيان به.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
- وأخرجه النسائي في «اليوم والليلة» 67 وابن أبي شيبة 10/ 226
وأحمد 3/ 155 و254 وابن خزيمة 425 و427 وابن حبان 1696 من طرق
عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عن بريد بن أبي مريم
السلولي عن أنس مرفوعا. وإسناده صحيح، رجاله رجال البخاري
ومسلم غير بريد، وهو ثقة.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) تصحف في المطبوع إلى «الحيدي» .
(3) في المطبوع «ميسرة» والمثبت عن «شرح السنة» وكتب التراجم.
(4) في المطبوع «زيد» وفي المخطوط (ب) «بن أبي يزيد» والمثبت
عن «شرح السنة» والمخطوط (أ) .
(5) زيادة عن المخطوط.
(4/133)
وَمِنْ آيَاتِهِ
أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا
عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي
أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ (39)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلا تَسْتَوِي
الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ، قَالَ الْفَرَّاءُ: لَا
هَاهُنَا صِلَةٌ، مَعْنَاهُ: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ
وَالسَّيِّئَةُ، يَعْنِي الصَّبْرُ وَالْغَضَبُ، وَالْحِلْمُ
وَالْجَهْلُ، وَالْعَفْوُ وَالْإِسَاءَةُ. ادْفَعْ بِالَّتِي
هِيَ أَحْسَنُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَمَرَ بِالصَّبْرِ
عِنْدَ الْغَضَبِ، وَبِالْحِلْمِ عِنْدَ الْجَهْلِ،
وَبِالْعَفْوِ عِنْدَ الْإِسَاءَةِ. فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ
وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ يَعْنِي إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ خَضَعَ
لَكَ عَدُوُّكَ وَصَارَ الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ
عَدَاوَةٌ، كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ، كالصديق القريب [1] .
قَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: نَزَلَتْ فِي أَبِي سُفْيَانَ
بْنِ حَرْبٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَانَ لِلْمُسْلِمِينَ بَعْدَ
شِدَّةِ عَدَاوَتِهِ بِالْمُصَاهَرَةِ الَّتِي حَصَلَتْ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَسْلَمَ فَصَارَ وَلِيًّا بِالْإِسْلَامِ،
حَمِيمًا بِالْقَرَابَةِ.
وَما يُلَقَّاها، مَا يُلَقَّى هَذِهِ الْخَصْلَةَ وَهِيَ
دَفْعُ السَّيِّئَةِ بِالْحَسَنَةِ، إِلَّا الَّذِينَ
صَبَرُوا، عَلَى كَظْمِ الْغَيْظِ وَاحْتِمَالِ الْمَكْرُوهِ،
وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ، فِي الْخَيْرِ
وَالثَّوَابِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: الْحَظُّ الْعَظِيمُ
الْجَنَّةُ، أَيْ مَا يُلَقَّاهَا إِلَّا مَنْ وَجَبَتْ لَهُ
الْجَنَّةُ.
وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ
بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ، لِاسْتِعَاذَتِكَ
وَأَقْوَالِكَ الْعَلِيمُ، بِأَفْعَالِكَ وَأَحْوَالِكَ.
قَوْلُهُ: وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ
وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ
وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ، إِنَّمَا قَالَ
خَلَقَهُنَّ بِالتَّأْنِيثِ لِأَنَّهُ أَجْرَاهَا عَلَى
طَرِيقِ جَمْعِ التَّكْسِيرِ، وَلَمْ يُجْرِهَا عَلَى طَرِيقِ
التَّغْلِيبِ لِلْمُذَكَّرِ عَلَى الْمُؤَنَّثِ، إِنْ كُنْتُمْ
إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ.
فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا، عَنِ السُّجُودِ، فَالَّذِينَ عِنْدَ
رَبِّكَ، يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ يُسَبِّحُونَ لَهُ
بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ، لَا
يَمَلُّونَ ولا يفترون.
[سورة فصلت (41) : الآيات 39 الى 43]
وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا
أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ
الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ (39) إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا
لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ
أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ اعْمَلُوا مَا
شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40) إِنَّ
الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ
لَكِتابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ
يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ
(42) مَا يُقالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ
قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ
(43)
وَمِنْ آياتِهِ، دَلَائِلِ قُدْرَتِهِ، أَنَّكَ تَرَى
الْأَرْضَ خاشِعَةً، يَابِسَةً غَبْرَاءَ لا إنبات فِيهَا،
فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ
إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ.
إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا، يَمِيلُونَ عَنِ
الْحَقِّ فِي أَدِلَّتِنَا، قَالَ مُجَاهِدٌ: يُلْحِدُونَ فِي
آياتنا بالمكاء
__________
(1) زيد في المطبوع «و» بين «الصديق» و «القريب» وليس هو في
المخطوطتين.
(4/134)
وَلَوْ جَعَلْنَاهُ
قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ
أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى
وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ
وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ
بَعِيدٍ (44)
وَالتَّصْدِيَةِ وَاللَّغْوِ وَاللَّغَطِ.
قَالَ قَتَادَةُ: يَكْذِبُونَ فِي آيَاتِنَا. قَالَ
الْسُّدِّيُّ: يعاندون ويشاقون [لا تخفون علينا] [1] . قَالَ
مُقَاتِلٌ. نَزَلَتْ فِي أَبِي جَهْلٍ لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا
أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ، وَهُوَ أَبُو جَهْلٍ، خَيْرٌ
أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ، قِيلَ: هُوَ
حَمْزَةُ. وَقِيلَ: عُثْمَانُ. وَقِيلَ: عَمَّارُ بْنُ
يَاسِرٍ. اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ، أَمْرُ تَهْدِيدٍ وَوَعِيدٍ،
إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ، عَالَمٌ فَيُجَازِيكُمْ
بِهِ.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ، بِالْقُرْآنِ، لَمَّا
جاءَهُمْ، ثُمَّ أَخَذَ فِي وَصْفِ الذِّكْرِ وَتَرَكَ
جَوَابَ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا، عَلَى تَقْدِيرِ الَّذِينَ
كَفَرُوا بِالذِّكْرِ يُجَازَوْنَ بِكُفْرِهِمْ. وَقِيلَ:
خَبَرُهُ قَوْلُهُ مِنْ بَعْدِ: أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ
مَكانٍ بَعِيدٍ [فصلت: 44] . وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ،
قَالَ الْكَلْبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا: كَرِيمٌ عَلَى اللَّهِ: قَالَ قَتَادَةُ: أَعَزَّهُ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَلَا يَجِدُ الْبَاطِلُ إِلَيْهِ
سَبِيلًا.
وَهُوَ قَوْلُهُ: لَا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ
يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ، قَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ:
الْبَاطِلُ هُوَ الشَّيْطَانُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ
يُغَيِّرَهُ أَوْ يَزِيدَ فِيهِ أَوْ يَنْقُصَ مِنْهُ. قَالَ
الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ مَحْفُوظٌ مِنْ أَنْ يُنْقَصَ
مِنْهُ، فَيَأْتِيَهُ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ أَوْ
يُزَادَ فِيهِ فَيَأْتِيَهُ الْبَاطِلُ مَنْ خَلْفِهِ، وَعَلَى
هَذَا مَعْنَى [2] «الْبَاطِلُ» : الزِّيَادَةُ
وَالنُّقْصَانُ.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: لَا يَأْتِيهِ التَّكْذِيبُ مِنَ الْكُتُبِ
الَّتِي قَبْلَهُ، وَلَا يَجِيءُ مِنْ بَعْدِهِ كِتَابٌ
فَيُبْطِلُهُ، تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ، ثُمَّ عَزَّى
نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى
تَكْذِيبِهِمْ.
فَقَالَ: مَا يُقالُ لَكَ، مِنَ الْأَذَى، إِلَّا مَا قَدْ
قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ، يَقُولُ إِنَّهُ قَدْ قِيلَ
لِلْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ قَبْلَكَ سَاحِرٌ، كَمَا يُقَالُ
لَكَ وَكُذِّبُوا كَمَا كُذِّبْتَ، إِنَّ رَبَّكَ لَذُو
مَغْفِرَةٍ، لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ بِكَ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ،
لمن أصر على التكذيب.
[سورة فصلت (41) : الآيات 44 الى 47]
وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْلا
فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ
لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لَا
يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى
أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (44) وَلَقَدْ
آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلا كَلِمَةٌ
سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي
شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (45) مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ
وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ
(46) إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَما تَخْرُجُ مِنْ
ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا
تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ
شُرَكائِي قالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (47)
وَلَوْ جَعَلْناهُ، أَيْ جَعَلَنَا هَذَا الكتاب الذي تقرأه
عَلَى النَّاسِ، قُرْآناً أَعْجَمِيًّا، بِغَيْرِ لغة العرب،
لَقالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آياتُهُ، هَلَّا بُيِّنَتْ آيَاتُهُ
بالعربية حتى نفهمها، أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ، يَعْنِي:
أَكِتَابٌ أَعْجَمِيٌّ وَرَسُولٌ عَرَبِيٌّ؟ وَهَذَا
اسْتِفْهَامٌ عَلَى وَجْهِ الْإِنْكَارِ، أَيْ أَنَّهُمْ
كَانُوا يَقُولُونَ: الْمُنَزَّلُ عَلَيْهِ عَرَبِيٌّ
وَالْمُنَزَّلُ أَعْجَمِيٌّ.
«1867» قَالَ مُقَاتِلٌ: وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى
يَسَارٍ غُلَامِ عَامِرِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ، وَكَانَ
يَهُودِيًّا أَعْجَمِيًّا، يُكْنَى [3] أَبَا فَكِيهَةَ،
فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ يَسَارٌ
فَضَرَبَهُ سَيِّدُهُ، وَقَالَ: إِنَّكَ تُعَلِّمُ مُحَمَّدًا،
__________
1867- ذكره المصنف هاهنا عن مقاتل تعليقا، وسنده إليه أول
الكتاب، وهو ضعيف لإرساله، وتقدم في أواخر سورة النحل نحو هذا،
والله أعلم.
(1) زيادة عن المخطوطتين.
(2) في المخطوط (ب) «هذا يعني» والمثبت عن المطبوع والمخطوط
(أ) وط.
(3) في المطبوع «يعنى» والمثبت عن المخطوطتين.
(4/135)
وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا
كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ
مَحِيصٍ (48)
فَقَالَ يَسَارٌ: هُوَ يُعَلِّمُنِي،
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
قُلْ، يَا مُحَمَّدُ، هُوَ، يَعْنِي الْقُرْآنَ، لِلَّذِينَ
آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ هُدًى مِنَ الضَّلَالَةِ، وَشِفَاءٌ
لِمَا فِي الْقُلُوبِ، وَقِيلَ: شِفَاءٌ مِنَ الْأَوْجَاعِ،
وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ
عَلَيْهِمْ عَمًى، قَالَ قَتَادَةُ: عَمُوا عَنِ الْقُرْآنِ
وَصُمُّوا عَنْهُ فَلَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ، أُولئِكَ
يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ، أَيْ أَنَّهُمْ لَا
يَسْمَعُونَ وَلَا يَفْهَمُونَ كَمَا أَنَّ مَنْ دُعِيَ [مِنْ]
[1] مَكَانٍ بَعِيدٍ لَمْ يَسْمَعْ وَلَمْ يَفْهَمْ، وَهَذَا
مَثَلٌ لِقِلَّةِ انْتِفَاعِهِمْ بِمَا يُوعَظُونَ بِهِ
كَأَنَّهُمْ يُنَادَوْنَ مِنْ حَيْثُ لَا يَسْمَعُونَ.
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ،
فَمُصَدِّقٌ وَمُكَذِّبٌ كَمَا اخْتَلَفَ قَوْمُكَ في كتابك،
وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ، فِي تَأْخِيرِ
الْعَذَابِ عَنِ الْمُكَذِّبِينَ بِالْقُرْآنِ لَقُضِيَ
بَيْنَهُمْ، لَفَرَغَ مِنْ عَذَابِهِمْ وَعَجَّلَ
إِهْلَاكَهُمْ، وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ، مِنْ
صِدْقِكَ، مُرِيبٍ، مُوْقِعٍ لَهُمُ الرِّيبَةَ.
مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها
وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46) .
إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ، أَيْ عِلْمُهَا إِذَا
سُئِلَ عَنْهَا مَرْدُودٌ إِلَيْهِ لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ،
وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها، قَرَأَ أَهْلُ
الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ وَحَفْصٌ: ثَمَراتٍ، عَلَى الْجَمْعِ،
وَقَرَأَ الْآخَرُونَ ثَمَرَةٍ عَلَى التَّوْحِيدِ، مِنْ
أَكْمامِها أَوْعِيَتِهَا وَاحِدُهَا: كِمٌّ. قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يَعْنِي الْكُفَرَّى
قَبْلَ أَنْ تَنْشَقَّ. وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ
إِلَّا بِعِلْمِهِ، إِلَّا بِإِذْنِهِ، يَقُولُ: يُرَدُّ
إِلَيْهِ عِلْمُ السَّاعَةِ كَمَا يُرَدُّ إِلَيْهِ عِلْمُ
الثِّمَارِ وَالنِّتَاجَ. وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ، يُنَادِي
اللَّهُ الْمُشْرِكِينَ، أَيْنَ شُرَكائِي، الَّذِينَ كُنْتُمْ
تَزْعُمُونَ أَنَّهَا آلِهَةٌ، قالُوا، يَعْنِي
الْمُشْرِكِينَ، آذَنَّاكَ، أَعْلَمْنَاكَ، مَا مِنَّا مِنْ
شَهِيدٍ، أَيْ مِنْ شَاهِدٍ بِأَنَّ لَكَ شَرِيكًا لما عاينوا
العذاب تبرأوا من الأصنام.
[سورة فصلت (41) : الآيات 48 الى 54]
وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا
مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (48) لَا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ
دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ
(49) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ
ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَما أَظُنُّ
السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي
عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما
عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (50) وَإِذا
أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ
وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ (51) قُلْ
أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ
بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (52)
سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى
يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ
بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) أَلا
إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ
بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (54)
وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كانُوا يَدْعُونَ، يَعْبُدُونَ، مِنْ
قَبْلُ، فِي الدُّنْيَا وَظَنُّوا، أَيْقَنُوا، مَا لَهُمْ
مِنْ مَحِيصٍ، مَهْرَبٍ.
لَا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ، لَا يَمَلُّ الْكَافِرُ، مِنْ
دُعاءِ الْخَيْرِ، أَيْ لَا يَزَالُ يَسْأَلُ رَبَّهُ
الْخَيْرَ، يَعْنِي الْمَالَ وَالْغِنَى وَالصِّحَّةَ، وَإِنْ
مَسَّهُ الشَّرُّ، الشِّدَّةُ والفقر، فَيَؤُسٌ، مِنْ رُوحِ
اللَّهِ، قَنُوطٌ، مِنْ رَحْمَتِهِ.
وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا، آتَيْنَاهُ خَيْرًا
وَعَافِيَةً وَغِنًى، مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ، مِنْ
بَعْدِ شدة وبلاء
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(4/136)
|