تفسير البغوي
إحياء التراث حم (1)
سورة الدخان
مكية وهي تسع وخمسون آية
[سورة الدخان (44) : الآيات 1 الى 5]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
حم (1) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي
لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيها
يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4)
أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5)
حم (1) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي
لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ، قَالَ قَتَادَةُ وَابْنُ زَيْدٍ: هِيَ
لَيْلَةُ الْقَدْرِ أَنْزَلَ اللَّهُ الْقُرْآنَ فِي لَيْلَةِ
الْقَدْرِ مِنْ أُمِّ الْكِتَابِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا،
ثُمَّ نَزَلَ بِهِ جبريل عَلَى [1] النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُجُومًا فِي عِشْرِينَ سَنَةً. وَقَالَ
آخَرُونَ هِيَ لَيْلَةُ النِّصْفِ من شعبان.
«1898» أخبرنا عبد الوحد [بْنُ أَحْمَدَ] الْمَلِيحِيُّ أَنَا
أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ ثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرياني
ثنا حميد بن
__________
1898- صحيح بشواهده. إسناده ضعيف، عبد الملك ومصعب كلاهما
مجهول، لكن للحديث شواهد.
- ابن وهب هو عبد الله، محمد هو ابن أبي بكر الصديق.
- وهو في «شرح السنة 988.
- وتصحّف في «شرح السنة» : «أو عمه» إلى «عن أمه» .
- وأخرجه البزار 2045 وابن خزيمة في «التوحيد» ص 90 وابن أبي
عاصم في «السنة» 509 والبيهقي في «الشعب» 3827 من طرق عن عبد
الملك بهذا الإسناد.
- وقال الهيثمي في «المجمع» 8/ 65: وعبد الملك بن عبد الملك،
ذكره ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» ، ولم يضعفه وبقية
رجاله ثقات اهـ.
- وللحديث شواهد منها:
1- حديث معاذ بن جبل:
أخرجه ابن أبي عاصم في «السنة» 512 وابن حبان 5665 والطبراني
20 (215) وأبو نعيم في «الحلية» 5/ 191.
- وقال الهيثمي في «المجمع» 8/ 65: رواه الطبراني في «الكبير»
و «الأوسط» ورجالهما ثقات.
2- حديث أبي موسى الأشعري:
- أخرجه ابن ماجه 1390 وابن أبي عاصم 510 واللالكائي في
«السنة» 763.
- وإسناد ضعيف، لضعف ابن لهيعة، وجهالة ابن عرزب.
3- حديث أبي ثعلبة:
- أخرجه ابن أبي عاصم 511 واللالكائي 760 والطبراني في
«الكبير» 22/ 223.
- وقال الهيثمي: وفيه الأحوص بن حكيم ضعيف.
4- حديث عبد الله بن عمرو:
(1) في المطبوع «عن» وهو تصحيف.
(4/172)
زنجويه ثنا الْأَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ،
أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ
أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ حَدَّثَهُ أَنَّ
ابْنَ أَبِي ذِئْبٍ [وَاسْمُهُ مُصْعَبٌ] [1] حَدَّثَهُ عَنِ
الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أو عمه [2] عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«يَنْزِلُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ
شَعْبَانَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَغْفِرُ لِكُلِّ
نَفْسٍ إِلَّا إِنْسَانًا فِي قَلْبِهِ شَحْنَاءُ أَوْ
مُشْرِكًا بِاللَّهِ» .
إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ.
فِيها، أَيْ في الليلة المباركة، يُفْرَقُ، أي يُفْصَلُ، كُلُّ
أَمْرٍ حَكِيمٍ، مُحْكَمٍ، وقال ابن عباس: يكتب في أُمِّ
الْكِتَابِ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ مَا هُوَ كَائِنٌ فِي
السَّنَةِ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالْأَرْزَاقِ
وَالْآجَالِ حَتَّى الْحُجَّاجِ، يُقَالُ: يَحُجُّ فُلَانٌ
وَيَحُجُّ فُلَانٌ، قَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ:
يُبْرَمُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ كُلُّ
أَجَلٍ وَعَمَلٍ وَخَلْقٍ وَرِزْقٍ، وَمَا يَكُونُ فِي تِلْكَ
السَّنَةِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هِيَ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ
شَعْبَانَ يُبْرَمُ فِيهَا أَمْرُ السَّنَةِ وَتُنْسَخُ
الْأَحْيَاءُ مِنَ الْأَمْوَاتِ فَلَا يُزَادُ فِيهِمْ أَحَدٌ
وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُمْ أحد.
«1899» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ ثنا أبو
جعفر الرَّيَّانِيُّ ثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ ثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ حَدَّثَنِي
عَقِيلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُثْمَانُ بْنُ محمد
بن المغيرة بن
__________
- أخرجه أحمد 2/ 176.
- وقال الهيثمي: وفيه ابن لهيعة لين الحديث، وبقية رجاله
وثقوا.
وقال المنذري في «الترغيب» 4080: رواه أحمد بإسناد ليّن.
5- حديث أبي هريرة:
- أخرجه البزار 2046.
- وقال الهيثمي: وفيه هشام بن عبد الرحمن لم أعرفه، وبقية رجله
ثقات.
6- حديث عوف بن مالك:
- أخرجه البزار 2048 وقال: إسناده ضعيف.
- قال الهيثمي: وفيه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، وثقه أحمد بن
صالح، وضعفه جمهور الأئمة، وابن لهيعة لين، وبقية رجاله ثقات.
7- وحديث عائشة «إن الله تعالى ينزل لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ
شَعْبَانَ إِلَى السماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم
كلب» .
- أخرجه الترمذي 739 وابن ماجه 1389 وأحمد 6/ 238 واللالكائي
764.
- وفي إسناده حجاج بن أرطأة مدلس وقد عنعن.
وقال الترمذي: سمعت البخاري يضعف هذا الحديث.
- قلت: هو ضعيف بهذا اللفظ، لكن لمعناه شواهد كما ترى.
- الخلاصة: حديث الباب صحيح بمجموع شواهده، والله أعلم.
[.....]
1899- إسناده ضعيف جدا، فهو مرسل، ومع إرساله عثمان عنده
مناكير، وقد روي من قوله غير مرفوع، وهو الصحيح، وفيه عبد الله
بن صالح ضعيف الحديث لكن توبع، وليس هو علة الحديث.
- الليث هو ابن سعد، عقيل هو ابن خالد، ابن شهاب هو الزهري
محمد بن مسلم.
- وأخرجه الطبري 31040 من طريق آدم بن أبي إياس عن الليث بهذا
الإسناد.
- وأخرجه البيهقي في «الشعب» 3839 عن عثمان بن محمد بن الأخنس
موقوفا عليه، وهو أصح من المرفوع- الخلاصة: المرفوع ضعيف جدا،
والصواب مقطوع، أي من قول التابعي.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) تصحف في «شرح السنة» إلى «عن أمه» .
(4/173)
رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ
إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6)
الْأَخْنَسِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تُقْطَعُ الْآجَالُ مِنْ
شَعْبَانَ إِلَى شَعْبَانَ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْكِحُ
وَيُولَدُ لَهُ وَلَقَدْ أُخْرِجَ اسْمُهُ فِي الْمَوْتَى» .
وَرَوَى أَبُو الضُّحَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عنهما: أَنَّ اللَّهَ يَقْضِي الْأَقْضِيَةَ فِي لَيْلَةِ
النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، وَيُسَلِّمُهَا إِلَى أَرْبَابِهَا
فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ.
أَمْراً، أَيْ أَنْزَلْنَا أَمْرًا، مِنْ عِنْدِنا، قَالَ
الْفَرَّاءُ: نَصَبَ عَلَى مَعْنَى فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ
أَمْرٍ حكيم فرقا وأمرا، أي نأمر أمرا ببيان ذلك. إِنَّا
كُنَّا مُرْسِلِينَ، مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَمَنْ قَبْلَهُ من الأنبياء.
[سورة الدخان (44) : الآيات 6 الى 16]
رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6)
رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ
مُوقِنِينَ (7) لَا إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ
رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (8) بَلْ هُمْ فِي
شَكٍّ يَلْعَبُونَ (9) فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ
بِدُخانٍ مُبِينٍ (10)
يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذابٌ أَلِيمٌ (11) رَبَّنَا اكْشِفْ
عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) أَنَّى لَهُمُ
الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13) ثُمَّ
تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14) إِنَّا
كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ (15)
يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ
(16)
رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: رَأْفَةً مِنِّي
بِخَلْقِي وَنِعْمَتِي عَلَيْهِمْ بِمَا بَعَثَنَا إِلَيْهِمْ
مِنَ الرُّسُلِ.
وَقَالَ الزَّجَّاجُ: أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ
لِلرَّحْمَةِ، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبِّ
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما، قَرَأَ أَهْلُ
الْكُوفَةِ: رَبِّ جَرًّا رَدًّا عَلَى قَوْلِهِ: مِنْ
رَبِّكَ، وَرَفَعَهُ الْآخَرُونَ رَدًّا عَلَى قَوْلِهِ: هُوَ
السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، وَقِيلَ: عَلَى الِابْتِدَاءِ، إِنْ
كُنْتُمْ مُوقِنِينَ، أن الله رب السموات وَالْأَرْضِ.
لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ
آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (8) بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ، من هذا
القرآن، يَلْعَبُونَ يهزؤون بِهِ لَاهُونَ عَنْهُ.
فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (10)
يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ (11) ، تقديره: هو عذاب
إلهي، ويجوز: أن يكون حكاية لكلامهم بما بعده، أي: يقولون هذا
عذاب أليم.
اخْتَلَفُوا فِي هَذَا الدُّخَانِ.
«1900» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثنا
__________
1900- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- سفيان هو ابن سعيد الثوري، منصور هو ابن المعتمر، الأعمش هو
سليمان بن مهران، أبو الضحى هو مسلم بن صبيح، مسروق هو ابن
الأجدع.
- وهو في «صحيح البخاري» 4774 عن محمد بن كثير بهذا الإسناد.
- وأخرجه ابن حبان 6585 والطبراني 9048 وأبو نعيم في «الدلائل»
369 من طريق محمد بن كثير بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 4693 والحميدي 116 من طريق سفيان بهذا
الإسناد.
- وأخرجه البخاري 4824 والترمذي 3254 وأحمد 1/ 441 من طريق
شعبة عن الأعمش ومنصور به.
- وأخرجه البخاري 1007 و4821 و4822 و4823 ومسلم 2798 ح 40
والطبري 31043 والطبراني 9046 و9047 وأحمد 1/ 380 و431
والبيهقي في «الدلائل» 2/ 324 و325 و326 من طرق عن الأعمش به.
- وأخرجه مسلم 2798 والطبري 31045 والبيهقي 2/ 326 من طرق عن
جرير عن منصور به.
- الخلاصة: إسناده إلى ابن مسعود صحيح كالشمس، لكنه رأي رآه
ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
(4/174)
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا
مُحَمَّدُ بن كثير عن سفيان ثنا مَنْصُورٌ وَالْأَعْمَشُ عَنْ
أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ
يُحَدِّثُ فِي كِنْدَةَ، فَقَالَ: يَجِيءُ دُخَانٌ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ فَيَأْخُذُ بِأَسْمَاعِ الْمُنَافِقِينَ
وَأَبْصَارِهِمْ، وَيَأْخُذُ الْمُؤْمِنَ [1] كَهَيْئَةِ
الزُّكَامِ، فَفَزِعْنَا فَأَتَيْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ وكان
متكئا [فأخبرته فَغَضِبَ] [2] فَجَلَسَ؟ فَقَالَ: مَنْ عَلِمَ
فَلْيَقُلْ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلْ: اللَّهُ
أَعْلَمُ، فَإِنَّ مِنَ الْعِلْمِ أَنْ يَقُولَ لِمَا لَا
يَعْلَمُ لَا أَعْلَمُ]
، فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما
أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86) [ص: 86] ، وَإِنَّ
قُرَيْشًا أبطؤوا عَنِ الْإِسْلَامِ فَدَعَا عَلَيْهِمُ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
«اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ،
فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَتَّى هَلَكُوا فِيهَا وَأَكَلُوا
الْمَيْتَةَ وَالْعِظَامَ، وَيَرَى الرَّجُلُ مَا بَيْنَ
السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ» فَجَاءَ أَبُو
سُفْيَانَ فقال: يا محمد جئت تأمرنا [4] بِصِلَةِ الرَّحِمِ،
وَإِنَّ قَوْمَكَ قَدْ هَلَكُوا فَادْعُ اللَّهَ لَهُمْ،
فَقَرَأَ: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ
مُبِينٍ (10) إِلَى قَوْلِهِ إِنَّكُمْ عائِدُونَ،
أَفَيُكْشَفُ عَنْهُمْ عَذَابَ الْآخِرَةِ إِذَا جَاءَ؟ ثُمَّ
عَادُوا إِلَى كُفْرِهِمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: يَوْمَ نَبْطِشُ
الْبَطْشَةَ الْكُبْرى، يعني يوم بدر، ولزاما يَوْمَ بَدْرٍ،
الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) ، إلى [قوله] [5] سَيَغْلِبُونَ
[الروم: 3] ، والروم قَدْ مَضَى» . وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْمَاعِيلَ عَنْ يَحْيَى عَنْ وَكِيعٍ عَنِ الْأَعْمَشِ،
قَالَ قَالُوا: رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا
مُؤْمِنُونَ (12) ، فَقِيلَ لَهُ: إِنْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ
عَادُوا إِلَى كُفْرِهِمْ، فَدَعَا رَبَّهُ فَكَشَفَ عَنْهُمْ
فَعَادُوا فَانْتَقَمَ اللَّهُ مِنْهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ،
فَذَلِكَ قَوْلُهُ: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ
بِدُخانٍ مُبِينٍ (10) إِلَى قَوْلِهِ: إِنَّا مُنْتَقِمُونَ.
«1901» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثنا يحيى ثنا وَكِيعٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ
مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: خَمْسٌ
قَدْ مَضَيْنَ اللِّزَامُ وَالرُّومُ وَالْبَطْشَةُ
وَالْقَمَرُ وَالدُّخَانُ. وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ دُخَانٌ
يَجِيءُ قَبْلَ قِيَامِ السَّاعَةِ وَلَمْ يَأْتِ بَعْدُ،
فَيَدْخُلُ فِي أَسْمَاعِ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ
حَتَّى يَكُونَ كَالرَّأْسِ الْحَنِيذِ، وَيَعْتَرِي
الْمُؤْمِنَ مِنْهُ كَهَيْئَةِ الزُّكَامِ وَتَكُونُ الْأَرْضُ
كُلُّهَا كَبَيْتٍ أُوقِدَ فِيهِ النَّارُ، وَهُوَ قَوْلُ
ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَالْحَسَنِ.
«1902» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو
إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ أَخْبَرَنَا عَقِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ
الجرجاني ثنا أبو الفرج
__________
- قال الحافظ ابن كثير في «التفسير» 4/ 165 بعد أن ساق أحاديث
مرفوعة في أن الدخان هو عند قيام الساعة وعقب ذلك بآثار موقوفة
ومنها أثرا عن ابن عباس، فقال: وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس
حبر الأمة وترجمان القرآن، وهكذا قول من وافقه من الصحابة
والتابعين مع الأحاديث المرفوعة من الصحاح والحسان التي
أوردناها مما فيه دلالة ظاهرة على أن الدخان من الآيات
المنتظرة، مع أنه ظاهر القرآن، قال الله تعالى: فَارْتَقِبْ
يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ أي بيّن واضح يراه
كل أحد، وعلى ما فسره ابن مسعود إنما هو خيال رأوه في أعينهم
من شدة الجوع، وهكذا قوله يَغْشَى النَّاسَ أي يتغشاهم ويعمهم،
ولو كان أمرا خياليا يخص أهل مكة المشركين لما قيل: يَغْشَى
النَّاسَ اهـ.
1901- تقدم في سورة الفرقان عند آية: 77.
1902- إسناده ضعيف جدا، لأجل روّاد بن الجراح، فإنه ضعيف
متروك، وقد أقرّ أنه لم يسمع هذا الحديث من الثوري، وإنما
(1) في المطبوع «المؤمنين» والمثبت عن «صحيح البخاري»
والمخطوط.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) في المطبوع «الله ورسول أعلم» والمثبت عن «صحيح البخاري»
والمخطوط.
(4) في المطبوع «تأمر» والمثبت عن المخطوط و «صحيح البخاري» .
(5) زيادة عن المخطوط.
(4/175)
وَلَقَدْ فَتَنَّا
قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ
(17)
المعافى بن زكريا البغدادي ثنا مُحَمَّدُ
بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ حَدَّثَنِي عِصَامُ بْنُ رَوَّادِ
بْنِ الْجَرَّاحِ ثنا أبي أنا سفيان بن سعيد [1] ثنا مَنْصُورِ
بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ قَالَ:
سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَوَّلُ الْآيَاتِ
الدُّخَانُ [2] ، وَنُزُولُ عِيسَى ابن مَرْيَمَ، وَنَارٌ
تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنِ أَبْيَنَ، تَسُوقُ النَّاسَ إِلَى
الْمَحْشَرِ تَقِيلُ مَعَهُمْ إِذَا قَالُوا» [3] ، قَالَ
حُذَيْفَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الدُّخَانُ؟ فَتَلَا
هَذِهِ الْآيَةَ: يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ،
يَمْلَأُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ يَمْكُثُ
أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَلَيْلَةً، أَمَّا الْمُؤْمِنُ
فَيُصِيبُهُ مِنْهُ كَهَيْئَةِ الزُّكَامِ، وَأَمَّا
الْكَافِرُ فَكَمَنْزِلَةِ السَّكْرَانِ يَخْرُجُ مِنْ
مَنْخَرَيْهِ وَأُذُنَيْهِ وَدُبُرِهِ» .
أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى، مِنْ أَيْنَ لَهُمُ التَّذَكُّرُ [4]
وَالِاتِّعَاظُ؟ يَقُولُ: كَيْفَ يَتَذَكَّرُونَ
وَيَتَّعِظُونَ؟ وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ، ظَاهِرُ
الصِّدْقِ يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ، أَعْرَضُوا عَنْهُ، وَقالُوا
مُعَلَّمٌ، أَيْ يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ، مَجْنُونٌ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ، أَيْ
عَذَابِ الْجُوعِ، قَلِيلًا، أَيْ زَمَانًا يَسِيرًا، قَالَ
مُقَاتِلٌ: إِلَى يَوْمِ بَدْرٍ. إِنَّكُمْ عائِدُونَ، إِلَى
كُفْرِكُمْ.
يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى، وَهُوَ يَوْمُ بَدْرٍ،
إِنَّا مُنْتَقِمُونَ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ
وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَقَالَ الْحَسَنُ: يَوْمُ
الْقِيَامَةِ، وَرَوَى عِكْرِمَةُ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عباس.
[سورة الدخان (44) : الآيات 17 الى 27]
وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجاءَهُمْ
رَسُولٌ كَرِيمٌ (17) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللَّهِ
إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (18) وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى
اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (19) وَإِنِّي
عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (20) وَإِنْ
لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (21)
فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (22)
فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (23)
وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ
(24) كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ
وَمَقامٍ كَرِيمٍ (26)
وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ (27)
__________
سمعه من قوم مجاهيل كما ذكر الطبري 11/ 228.
- وقال الحافظ في «تخريج الكشاف» 4/ 272: رواد متروك، وقد أقر
أنه لم يسمع هذا الحديث.
- وهو في «تفسير الطبري» 31061 عن عصام بن روّاد بهذا الإسناد.
- وأخرجه الثعلبي كما في «تفسير القرطبي» 1610/ 131 من حديث
حذيفة، وهو بهذا اللفظ ضعيف جدا.
- وأصل الحديث عند مسلم 2901 والحميدي 827 والطيالسي 1067 وابن
أبي شيبة 15/ 163 وأحمد 4/ 6 وأبي داود 4311 والترمذي 2183
وابن ماجه 4041 وابن حبان 6791 من حديث حذيفة بن أسيد.
قَالَ: «اطَّلَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَيْنَا، وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ، فَقَالَ: مَا
تَذْكُرُونَ؟ قَالُوا: نَذْكُرُ السَّاعَةَ.
قَالَ: إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْا قَبْلَهَا عَشْرَ
آيَاتٍ، فَذَكَرَ الدُّخَانَ، وَالدَّجَّالَ، وَالدَّابَّةَ،
وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَنُزُولَ عِيسَى ابن
مريم صلى الله عليه وسلم، وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ،
وَثَلَاثَةَ خُسُوفٍ: خَسْفٌ بالمشرق، وخسف بالمغرب، وَخَسْفٌ
بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ
الْيَمَنِ تَطْرُدُ الناس إلى محشرهم» لفظ مسلم. وقد تقدم في
سورة الأنبياء عند آية:
96.
الخلاصة: السياق المتقدم هو الصحيح، وأما سياق المصنف فضعيف
جدا، وفي ألفاظه نكارة، والله أعلم، وانظر «الكشاف» 1014
بتخريجي.
(1) في المطبوع «أبو سفيان ابن سعيد» والمثبت عن «تفسير
الطبري» وكتب التراجم. [.....]
(2) في المخطوط (ب) و «تفسير الطبري» : «الدجال» وهو تصحيف.
(3) زيد في المخطوط (ب) «وتبيت معهم إذا باتوا» .
(4) في المخطوط (ب) «التذكرة» .
(4/176)
كَذَلِكَ
وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ (28)
وَلَقَدْ فَتَنَّا، بَلَوْنَا، قَبْلَهُمْ،
قَبْلَ هَؤُلَاءِ، قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجاءَهُمْ رَسُولٌ
كَرِيمٌ، عَلَى اللَّهِ وَهُوَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ.
أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللَّهِ، يعن بَنِي إِسْرَائِيلَ
أَطْلِقْهُمْ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ، إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ
أَمِينٌ، عَلَى الْوَحْيِ.
وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ، أي لَا تَتَجَبَّرُوا
عَلَيْهِ بِتَرْكِ طَاعَتِهِ، إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ
مُبِينٍ، بِبُرْهَانٍ بَيِّنٍ عَلَى صِدْقِ قَوْلِي، فَلَمَّا
قَالَ ذَلِكَ تَوَعَّدُوهُ بِالْقَتْلِ.
فَقَالَ: وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ
تَرْجُمُونِ (20) ، أن تقتلون، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ
تَشْتُمُونِي [1] وَتَقُولُوا هُوَ سَاحِرٌ. وَقَالَ
قَتَادَةُ: تَرْجُمُونِي بِالْحِجَارَةِ.
وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (21) ،
فَاتْرُكُونِي لَا مَعِيَ وَلَا عَلَيَّ. وَقَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: فَاعْتَزِلُوا أَذَايَ بِالْيَدِ وَاللِّسَانِ،
فَلَمْ يُؤْمِنُوا.
فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (22) ،
مُشْرِكُونَ فَأَجَابَهُ اللَّهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَسْرِيَ.
فَقَالَ: فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلًا، أَيْ بِبَنِي
إِسْرَائِيلَ، إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ، يَتْبَعُكُمْ
فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ.
وَاتْرُكِ الْبَحْرَ، إِذَا قَطَعْتَهُ أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ،
رَهْواً، سَاكِنًا عَلَى حَالَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، بَعْدَ أَنْ
ضَرَبْتَهُ وَدَخَلْتَهُ، مَعْنَاهُ لَا تَأْمُرْهُ أَنْ
يَرْجِعَ اتْرُكْهُ حَتَّى يَدْخُلَهُ آلُ فِرْعَوْنَ،
وَأَصْلُ الرَّهْوِ: السُّكُونُ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ:
مَعْنَاهُ اترك البحر رَاهِيًا أَيْ سَاكِنًا، فَسُمِّيَ
بِالْمَصْدَرِ، أَيْ ذَا رَهْوٍ، وَقَالَ كَعْبٌ: اتْرُكْهُ
طَرِيقًا. قَالَ قَتَادَةُ:
طَرِيقًا يَابِسًا. قَالَ قَتَادَةُ: لَمَّا قَطَعَ موسى البحر
[وخرج بمن معه من بني إسرائيل فنظر إلى البحر فإذا هو على حاله
لم يلتئم] [2] فعطف لِيَضْرِبَ الْبَحْرَ بِعَصَاهُ
لِيَلْتَئِمَ وَخَافَ أَنْ يَتْبَعَهُ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ،
فَقِيلَ لَهُ: اتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا كَمَا هُوَ،
إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ، أَخْبَرَ [الله] [3] مُوسَى
أَنَّهُ يُغْرِقُهُمْ لِيُطَمْئِنَ قَلْبَهُ فِي تَرْكِهِ
[الْبَحْرَ] [4] كَمَا جَاوَزَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا تَرَكُوا
بِمِصْرَ.
فَقَالَ: كَمْ تَرَكُوا، يَعْنِي بَعْدَ الْغَرَقِ، مِنْ
جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (26) ،
مَجْلِسٍ شَرِيفٍ، قَالَ قَتَادَةُ: الْكَرِيمُ الْحَسَنُ.
وَنَعْمَةٍ، وَمُتْعَةٍ [5] وَعَيْشٍ لَيِّنٍ، كانُوا فِيها
فاكِهِينَ، ناعمين وفاكهين أشرين بطرين.
[سورة الدخان (44) : الآيات 28 الى 46]
كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ (28) فَما بَكَتْ
عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ
(29) وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ
الْمُهِينِ (30) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ
الْمُسْرِفِينَ (31) وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى
الْعالَمِينَ (32)
وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ مَا فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ (33)
إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ (34) إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا
الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (35) فَأْتُوا بِآبائِنا
إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (36) أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ
تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ
كانُوا مُجْرِمِينَ (37)
وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما
لاعِبِينَ (38) مَا خَلَقْناهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ
أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (39) إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ
مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (40) يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ
مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (41) إِلاَّ مَنْ
رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (42)
إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43) طَعامُ الْأَثِيمِ (44)
كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ
(46)
__________
(1) في المطبوع «تشتمون» والمثبت عن المخطوط (ب) .
(2) ما بين المعقوفتين زيادة عن المخطوط.
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) زيد في المخطوط (ب) «ومنّة» .
(4/177)
كَذلِكَ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: كَذَلِكَ
أَفْعَلُ بِمَنْ عَصَانِي، وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ،
يَعْنِي بَنِي إِسْرَائِيلَ.
فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ، وَذَلِكَ أَنَّ
الْمُؤْمِنَ إِذَا مَاتَ تَبْكِي عَلَيْهِ السَّمَاءُ
وَالْأَرْضُ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، وَهَؤُلَاءِ لَمْ يَكُنْ
يَصْعَدُ لَهُمْ عَمَلٌ صَالِحٌ فَتَبْكِي السَّمَاءُ عَلَى
فَقْدِهِ، ولا لهم على الأرض عمل صَالِحٌ فَتَبْكِي الْأَرْضُ
عَلَيْهِ.
«1903» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو
إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ أَنَا أَبُو عَبْدِ الله الفنجوي ثنا
أبو علي المقري ثنا أبو يعلى الموصلي ثنا أحمد بن إسحاق البصري
ثنا مكي بن إبراهيم ثنا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ الرِّبْذِيُّ
[1] أَخْبَرَنِي يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنَّهُ قَالَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ إِلَّا لَهُ فِي السَّمَاءِ
بَابَانِ بَابٌ يَخْرُجُ مِنْهُ رِزْقُهُ وَبَابٌ يَدْخُلُ
فِيهِ عَمَلُهُ، فَإِذَا مَاتَ فَقَدَاهُ وَبَكَيَا عَلَيْهِ»
، ثم تلا: فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ.
قال عطاء: بكاء السماء حمزة أَطْرَافِهَا. قَالَ السُّدِّيُّ:
لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ بَكَتْ عَلَيْهِ
السَّمَاءُ وَبُكَاؤُهَا حُمْرَتُهَا. وَما كانُوا
مُنْظَرِينَ، لَمْ يَنْظُرُوا حِينَ أَخَذَهُمُ الْعَذَابُ
لِتَوْبَةٍ وَلَا لِغَيْرِهَا.
وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ
الْمُهِينِ (30) ، قَتْلِ الْأَبْنَاءِ وَاسْتِحْيَاءِ
النِّسَاءِ وَالتَّعَبِ فِي الْعَمَلِ.
مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ
(31) وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ، يَعْنِي مُؤْمِنِي بَنِي
إِسْرَائِيلَ، عَلى عِلْمٍ، بِهِمْ، عَلَى الْعالَمِينَ، عَلَى
عَالِمِي زَمَانِهِمْ.
وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ (33) ،
قَالَ قَتَادَةُ: نِعْمَةٌ بَيِّنَةٌ مَنْ فَلْقِ الْبَحْرِ
وَتَظْلِيلِ الْغَمَامِ وَإِنْزَالِ الْمَنِّ وَالسَّلْوَى،
وَالنِّعَمِ الَّتِي أنعمها عليهم. قال ابْنُ زَيْدٍ:
ابْتَلَاهُمْ بِالرَّخَاءِ وَالشِّدَّةِ، وَقَرَأَ:
وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً
[الْأَنْبِيَاءِ: 35] .
إِنَّ هؤُلاءِ، يَعْنِي مُشْرِكِي مَكَّةَ لَيَقُولُونَ إِنْ
هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى، أَيْ لَا مَوْتَةَ إلا هذه
التي
__________
1903- إسناده ضعيف جدا، موسى بن عبيدة ضعيف ليس بشيء، وشيخه
يزيد ضعيف روى مناكير كثيرة عن أنس، وهذا منها.
- وضعفه الترمذي بقوله: موسى ويزيد يضعّفان، وكذا ضعفه الهيثمي
في «المجمع» 7/ 104 وابن حجر في «المطالب العالية» 3/ 369.
- يزيد هو ابن أبان الرقاشي.
- وهو في «مسند أبي يعلى» 4133 عن أحمد بن إسحاق البصري بهذا
الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 3252 من طريق وكيع عن موسى بن عبيدة بهذا
الإسناد.
- وقال الهيثمي في «المجمع» 7/ 105: وفيه موسى بن عبيدة
الربذي، وهو ضعيف اهـ.
- وأخرجه أبو نعيم في «الحلية» 3/ 53 من طريق صفوان بن سليم عن
يزيد بن أبان به والراوي عن صفوان هو إبراهيم ابن مهاجر بن
مسمار، وهو ضعيف اهـ.
- ولعجزه شاهد مرسل، أخرجه الطبري 31129 ومع ذلك المتن منكر،
وحسبه الوقف، وانظر «الكشاف» 1016 و «تفسير القرطبي» 5469
بتخريجي.
(1) في المطبوع «الزيدي» وفي المخطوط (ب) «الزيدي» والمثبت عن
«كتب التخريج وكتب التراجم» .
(4/178)
نَمُوتُهَا فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ لَا
بَعْثَ بَعْدَهَا، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَما نَحْنُ
بِمُنْشَرِينَ، بِمَبْعُوثِينَ بَعْدَ مَوْتَتِنَا.
فَأْتُوا بِآبائِنا، الَّذِينَ مَاتُوا، إِنْ كُنْتُمْ
صادِقِينَ، أَنَّا نُبْعَثُ أَحْيَاءً بَعْدَ الْمَوْتِ، ثُمَّ
خَوَّفَهُمْ مِثْلَ عَذَابِ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ فَقَالَ:
أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ، أَيْ لَيْسُوا خَيْرًا
مِنْهُمْ، يَعْنِي أَقْوَى وَأَشَدَّ وَأَكْثَرَ مِنْ قَوْمٍ
تُبَّعٍ. قَالَ قَتَادَةُ: هُوَ تُبَّعٌ الْحِمْيَرِيُّ،
وَكَانَ سَارَ بِالْجُيُوشِ حَتَّى حَيَّرَ الْحِيرَةَ،
وَبَنَى سَمَرْقَنْدَ وَكَانَ مِنْ مُلُوكِ الْيَمَنِ، سُمِّيَ
تُبَّعًا لِكَثْرَةِ أَتْبَاعِهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ
يُسَمَّى تُبَّعًا لِأَنَّهُ يَتْبَعُ صَاحِبَهُ، وَكَانَ هذا
الملك يَعْبُدُ النَّارَ فَأَسْلَمَ وَدَعَا قَوْمَهُ إِلَى
الْإِسْلَامِ وَهُمْ حِمْيَرُ، فَكَذَّبُوهُ.
وَكَانَ مِنْ خَبَرِهِ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ
وَغَيْرُهُ، وَذَكَرَ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالُوا:
كان تبع الآخر وهو أبو كرب أسعد بن مليك [يكرب] [1] حِينَ
أَقْبَلَ مِنَ الْمَشْرِقِ وَجَعَلَ طَرِيقَهُ عَلَى
الْمَدِينَةِ، وَقَدْ كَانَ حِينَ مَرَّ بِهَا خَلَفَ بَيْنَ
أَظْهُرِهِمِ ابْنًا لَهُ فُقِتَلَ غَيْلَةً، فقدمها وهو مجمع
على خرابها وَاسْتِئْصَالِ أَهْلِهَا، فَجَمْعَ لَهُ هَذَا
الْحَيُّ مِنَ الْأَنْصَارِ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ
أَمْرِهِ، فَخَرَجُوا لِقِتَالِهِ وَكَانَ الْأَنْصَارُ
يُقَاتِلُونَهُ بِالنَّهَارِ وَيُقِرُّونَهُ بِاللَّيْلِ،
فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ وَقَالَ: إِنَّ هؤلاء لكرام فبينما هو
كذلك إِذْ جَاءَهُ حَبْرَانِ اسْمُهُمَا: كَعْبٌ وَأَسَدٌ مِنْ
أَحْبَارِ بَنِي قُرَيْظَةَ، عَالِمَانِ وَكَانَا ابْنَيْ
عَمٍّ، حِينَ سَمِعَا مَا يُرِيدُ مِنْ إِهْلَاكِ الْمَدِينَةِ
وَأَهْلِهَا، فَقَالَا لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ لَا تَفْعَلْ
فَإِنَّكَ إِنْ أَبَيْتَ إِلَّا مَا تُرِيدُ حِيلَ بَيْنَكَ
وَبَيْنَهَا وَلَمْ نَأْمَنْ عَلَيْكَ عَاجِلَ الْعُقُوبَةِ.
فَإِنَّهَا مَهَاجِرُ نَبِيٍّ يَخْرُجُ مِنْ هَذَا الْحَيِّ
مِنْ قُرَيْشٍ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ مَوْلِدُهُ مَكَّةُ، وَهَذِهِ
دَارُ هِجْرَتِهِ وَمَنْزِلُكَ الَّذِي أَنْتَ بِهِ يَكُونُ
بِهِ مِنَ الْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ أَمْرٌ كَبِيرٌ فِي
أَصْحَابِهِ، وَفِي عَدُوِّهِمْ.
قَالَ تُبَّعٌ: مَنْ يُقَاتِلُهُ وَهُوَ نَبِيٌّ؟ قَالَا:
يَسِيرُ إِلَيْهِ قَوْمُهُ فَيُقْتَلُونَ [2] هَاهُنَا،
فَتَنَاهَى لِقَوْلِهِمَا عَمَّا كَانَ يُرِيدُ
بِالْمَدِينَةِ، ثُمَّ إِنَّهُمَا دَعَوَاهُ إِلَى دِينِهِمَا
فَأَجَابَهُمَا وَاتَّبَعَهُمَا عَلَى دِينِهِمَا
وَأَكْرَمَهُمَا وَانْصَرَفَ عَنِ الْمَدِينَةِ، وَخَرَجَ
بِهِمَا وَنَفَرٍ مِنَ الْيَهُودِ عَامِدِينَ إِلَى الْيَمَنِ،
فَأَتَاهُ فِي الطَّرِيقِ نَفَرٌ مِنْ هُذَيْلٍ وَقَالُوا
إِنَّا نَدُلُّكَ عَلَى بَيْتٍ فِيهِ كَنْزٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ
وَزَبَرْجَدٍ وَفِضَّةٍ، قَالَ: أَيُّ بَيْتٍ؟ قَالُوا: بَيْتٌ
بِمَكَّةَ وَإِنَّمَا تُرِيدُ هُذَيْلٌ هَلَاكَهُ لِأَنَّهُمْ
عَرَفُوا أَنَّهُ لَمْ يُرِدْهُ أَحَدٌ قَطُّ بِسُوءٍ إِلَّا
هَلَكَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلْأَحْبَارِ، فَقَالُوا: مَا
نَعْلَمُ لله في الأرض بيت غَيْرَ هَذَا الْبَيْتِ،
فَاتَّخِذْهُ مَسْجِدًا وَانْسُكْ عِنْدَهُ وَانْحَرْ
وَاحْلِقْ رَأْسَكَ، وَمَا أَرَادَ الْقَوْمُ إِلَّا هَلَاكَكَ
لِأَنَّهُ مَا نَاوَأَهُمْ أَحَدٌ قَطُّ إِلَّا هَلَكَ،
فَأَكْرِمْهُ وَاصْنَعْ عِنْدَهُ مَا يَصْنَعُ أَهْلُهُ،
فَلَمَّا قَالُوا لَهُ ذَلِكَ أَخَذَ النَّفَرَ مِنْ هُذَيْلٍ
فَقَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ
ثُمَّ صَلَبَهُمْ، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ نَزَلَ الشِّعْبَ
شِعْبَ الْبَطَائِحِ، وَكَسَا الْبَيْتَ الْوَصَائِلَ، وَهُوَ
أَوَّلُ مَنْ كَسَا الْبَيْتَ، وَنَحَرَ بِالشِّعْبِ سِتَّةَ
آلَافِ بَدَنَةً، وَأَقَامَ بِهِ [سِتَّةَ] [3] أَيَّامٍ
وَطَافَ بِهِ وَحَلَقَ وَانْصَرَفَ.
فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْيَمَنِ لِيَدْخُلَهَا حَالَتْ حِمْيَرُ
بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَهُ، قَالُوا: لَا تَدْخُلْ عَلَيْنَا
وَقَدْ فَارَقْتَ دِينَنَا، فَدَعَاهُمْ إِلَى دِينِهِ وَقَالَ
إِنَّهُ دِينٌ خَيْرٌ مِنْ دِينِكُمْ، قَالُوا: فَحَاكِمْنَا
إِلَى النَّارِ.
وَكَانَتْ بِالْيَمَنِ نَارٌ فِي أَسْفَلِ جَبَلٍ
يَتَحَاكَمُونَ إِلَيْهَا فِيمَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ،
فَتَأْكُلُ الظَّالِمَ وَلَا تَضُرُّ الْمَظْلُومَ، فَقَالَ
تُبَّعٌ: أَنْصَفْتُمْ، فَخَرَجَ الْقَوْمُ بِأَوْثَانِهِمْ
وَمَا يَتَقَرَّبُونَ بِهِ فِي دِينِهِمْ وَخَرَجَ
الْحَبْرَانِ بِمَصَاحِفِهِمَا فِي أَعْنَاقِهِمَا حَتَّى
قَعَدُوا لِلنَّارِ عِنْدَ مَخْرَجِهَا الَّذِي تَخْرُجُ
مِنْهُ، فَخَرَجَتِ النَّارُ فَأَقْبَلَتْ حَتَّى
غَشِيَتْهُمْ، فَأَكَلَتِ الْأَوْثَانَ وَمَا قَرَّبُوا
مَعَهَا، وَمَنْ حَمَلَ ذَلِكَ مِنْ رِجَالِ حِمْيَرَ.
وَخَرَجَ الْحَبْرَانِ بِمَصَاحِفِهِمَا فِي أَعْنَاقِهِمَا،
يَتْلُوَانِ التَّوْرَاةَ تَعْرَقُ جِبَاهُهُمَا لَمْ
تَضُرَّهُمَا، وَنَكَصَتِ النَّارُ
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) في المخطوط (ب) «فيقتتلون» .
(3) زيادة عن المخطوط (ب) .
(4/179)
حَتَّى رَجَعَتْ إِلَى مَخْرَجِهَا الَّذِي
خَرَجَتْ مِنْهُ فَأَصْفَقَتْ عِنْدَ ذَلِكَ حِمْيَرُ عَلَى
دِينِهِمَا، فَمِنْ هُنَالِكَ كَانَ أَصْلُ الْيَهُودِيَّةِ
فِي الْيَمَنِ.
وَذَكَرَ أَبُو حَاتِمٍ عَنِ الرَّقَاشِيِّ [1] قَالَ: كَانَ
أَبُو كَرِبٍ أَسْعَدُ الْحِمْيَرِيُّ مِنَ التَّبَابِعَةِ
آمِنَ بِالنَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ بِسَبْعِمِائَةِ سَنَةٍ.
وَذُكِرَ [لَنَا] [2] أَنَّ كَعْبًا كَانَ يَقُولُ: ذَمَّ
اللَّهُ قَوْمَهُ وَلَمْ يَذُمَّهُ.
وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: لَا تَسُبُّوا تُبَّعًا
فَإِنَّهُ كَانَ رَجُلًا صَالِحًا.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ الَّذِي كَسَا الْبَيْتَ.
«1904» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو
إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ أَنَا أَبُو عَبْدِ الله بن فنجويه
الدينوري ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَالِكٍ الْقَطِيعِيُّ ثنا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حنبل ثنا أبي ثنا حسن [3]
بن موسى ثنا ابن [حدثنا] لهيعة [حدثنا] أبو زرعة ابن عَمْرِو
بْنِ جَرِيرٍ [4] عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا
تَسُبُّوا تُبَّعًا فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ» .
«1905» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو
إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ أخبرني ابن فنجويه ثنا ابن شيبة ثنا
محمد بن
__________
1904- صدره حسن. وعجزه ضعيف.
- إسناده ضعيف جدا، ابن لهيعة ضعيف، وعمرو متروك، ولصدره شواهد
يحسن بها، والله أعلم.
- ابن لهيعة هو عبد الله.
- وهو في «مسند أحمد» 5/ 340 عن حسن بن موسى بهذا الإسناد.
- وأخرجه الطبراني 6013 من طريق سعيد بن أبي مريم وعبد الله بن
يوسف عن ابن لهيعة به.
- وقال الهيثمي في «المجمع» 13028: فيه عمرو بن جابر، وهو كذاب
اهـ.
- وقال الحافظ في «تخريج الكشاف» 4/ 279: فيه ابن لهيعة عن
عمرو بن جابر، وهما ضعيفان؟! والصواب أن عمرو ابن جابر متروك،
وقال أحمد: بلغني أنه كان يكذب، راجع «الميزان» 3/ 250.
- وله شاهد من حديث ابن عباس أخرجه الطبراني في «الكبير» 11790
وفي «الأوسط» 1441 وإسناده ضعيف، فيه مؤمل بن إسماعيل، وثقه
قوم، وضعفه آخرون، وقال البخاري: منكر الحديث.
وفيه أيضا سماك بن حرب عن عكرمة، وسماك ضعيف بخاصة في روايته
عن عكرمة.
- وورد عند الطبري 31143 عن قتادة قال: ذكر لنا أن تبعا....»
ولم يرفعه.
- وورد النهي عن سبه دون لفظ «فإنه أسلم» .
أخرجه عبد الرزاق في «التفسير» 2822 عن عطاء مرسلا.
- وورد من مرسل وهب بن منبه أخرجه عبد الرزاق 2821.
- فالنهي عن سبه لعله يتأيد بطرقه وشواهده، ومنها الآتي. لكن
لفظ «قد أسلم» لا يصح، والله أعلم، ومع ذلك أورده الألباني كله
في «صحيح الجامع» 7319 و «الصحيحة» 2423؟! وانظر «الكشاف»
1017. [.....]
1905- صحيح. أزهر صدوق، وقد توبع ومن دونه، ومن فوقه رجال
البخاري ومسلم.
- عبد الرزاق بن همام، معمر بن راشد، ابن أبي ذئب محمد بن عبد
الرحمن، المقبري هو سعيد بن أبي سعيد.
وأخرجه أبو داود 4674 من طريق عبد الرزاق بهذا الإسناد. لكن
بلفظ: «ما أدري أتبع لعين هو أم لا، وما أدري أعزير نبي هو أم
لا؟» .-
(1) في المخطوط (أ) والمخطوط (ب) : (الرياشي) .
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) في المطبوع «حسين» وهو تصحيف والتصويب عن المخطوط و «شرح
السنة» .
(4) في المطبوع «عمر بن جرير» والمثبت عن «شرح السنة» وكتب
التراجم.
(4/180)
علي بن سالم الهمداني ثنا أَبُو
الْأَزْهَرِ أَحْمَدُ بْنُ الْأَزْهَرِ النيسابوري ثَنَا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ
عَنْ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا
أَدْرِي تُبَّعٌ نَبِيًّا كَانَ [1] أَوْ غَيْرَ نَبِيٍّ» .
وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، مِنَ الْأُمَمِ الْكَافِرَةِ،
أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ.
وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما
لاعِبِينَ (38) مَا خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ، قِيلَ:
يَعْنِي لِلْحَقِّ وَهُوَ الثَّوَابِ عَلَى الطَّاعَةِ
وَالْعِقَابِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ. وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا
يَعْلَمُونَ.
إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ، يَوْمَ يَفْصِلُ الرَّحْمَنُ بَيْنَ
الْعِبَادِ، مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ، يُوَافِي يَوْمَ
الْقِيَامَةِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ.
يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً، لَا
يَنْفَعُ قَرِيبٌ قَرِيبَهُ وَلَا يَدْفَعُ عَنْهُ شَيْئًا،
وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ، لَا يُمْنَعُونَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ.
إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ، يُرِيدُ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُ
يَشْفَعُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ، فِي
انْتِقَامِهِ مِنْ أَعْدَائِهِ، الرَّحِيمُ، بِالْمُؤْمِنِينَ.
إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43) طَعامُ الْأَثِيمِ (44) ،
أَيْ ذِي الْإِثْمِ، وهو أبو جهل.
كَالْمُهْلِ، هو دردي الزيت أسود [2] ، يَغْلِي فِي
الْبُطُونِ، قَرَأَ ابْنُ كثير وحفص يَغْلِي بالياء، جعلا
الْفِعْلَ لِلْمُهْلِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّاءِ
لِتَأْنِيثِ الشَّجَرَةِ، فِي الْبُطُونِ، أَيْ بُطُونِ
الْكُفَّارِ، كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46) ، كَالْمَاءِ الْحَارِّ
إِذَا اشْتَدَّ غَلَيَانُهُ.
«1906» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أنا أبو بكر العبدوسي أَنَا أَبُو بَكْرٍ
مُحَمَّدُ بْنُ حمدون بن خالد بن بريدة [3] ثنا سليمان بن يوسف
ثنا وهب بن جرير ثنا شُعْبَةُ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ
عن عبد الله بن
__________
- وأخرجه الحاكم 1/ 36 من طرق عن عبد الرزاق به، وصححه على
شرطهما، ووافقه الذهبي.
- وأخرجه الحاكم 2/ 450 من طريق آخر عن ابن أبي ذئب به، بلفظ
أبي داود، لكن عنده «ذو القرنين» بدل «عزير» .
- وصححه الحاكم على شرطهما، ووافقه الذهبي، وكذا الألباني في
«الصحيحة» 2217 والصواب على شرط البخاري فقط، فإن في إسناده
آدم بن أبي إياس لم يرو له مسلم.
1906- إسناده ضعيف، وعلته عنعنة الأعمش عند الجميع، وهو مدلس،
ولم يسمعه من مجاهد.
- قال الحافظ في «تهذيب التهذيب» 4/ 197: قال يعقوب بن شيبة:
قلت لعلي المديني: كم سمع الأعمش من مجاهد؟
قال لا يثبت منها إلّا ما قال سمعت، هي نحو عشرة أحاديث، وإنما
أحاديث مجاهد عنده عن أبي يحيى القتات، وقال عبد الله بن أحمد
عن أبيه في أحاديث الأعمش عن مجاهد، قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ
عَيَّاشٍ عنه: حدثنيه ليث عن مجاهد.
- قلت: وليث هو ابن أبي سليم، وهو ضعيف.
- شعبة هو ابن الحجاج، الأعمش هو سليمان بن مهران.
وصححه الحاكم على شرطهما! ووافقه الذهبي! - وأخرجه ابن أبي
شيبة 13/ 161 وأحمد 1/ 338 والبيهقي 544 من طريق الأعمش عن أبي
يحيى عن مجاهد به موقوفا، وهو الصحيح.
- أبو يحيى هذا لين الحديث، ومع ذلك حديثه أصح من المرفوع.
- الخلاصة: المرفوع ضعيف، والصحيح موقوف.
(1) في المطبوع «أكان نبيا» والمثبت عن ط والمخطوط.
(2) في المطبوع «الأسود» والمثبت عن المخطوط.
(3) في المطبوع والمخطوط (أ) «يزيد» وفي المخطوط (ب) «زيد»
والمثبت عن «شرح السنة» .
(4/181)
خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ
إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (47)
عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّهَا النَّاسُ
اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ، فَلَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنَ
الزَّقُّومِ قُطِرَتْ عَلَى الْأَرْضِ لَأَمَرَّتْ عَلَى
أَهْلِ الدُّنْيَا مَعِيشَتَهُمْ، فَكَيْفَ بِمَنْ تَكُونُ
طَعَامَهُ وَلَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ غيره» .
[سورة الدخان (44) : الآيات 47 الى 56]
خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ
صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ (48) ذُقْ
إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49) إِنَّ هَذَا مَا
كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (50) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي
مَقامٍ أَمِينٍ (51)
فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ
وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ (53) كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ
بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ
(55) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ
الْأُولى وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (56)
قَوْلُهُ تَعَالَى: خُذُوهُ، أَيْ يُقَالُ لِلزَّبَانِيَةِ
خُذُوهُ يَعْنِي الْأَثِيمَ، فَاعْتِلُوهُ، قَرَأَ أَهْلُ
الْكُوفَةِ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو عَمْرٍو بِكَسْرِ
التَّاءِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِضَمِّهَا، وَهُمَا
لُغَتَانِ، أَيِ ادْفَعُوهُ وَسُوقُوهُ، يُقَالُ: عَتَلَهُ
يَعْتِلُهُ عَتْلًا إِذَا سَاقَهُ بِالْعُنْفِ وَالدَّفْعِ
وَالْجَذْبِ، إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ، وَسَطِهِ.
ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ (48) ،
قَالَ مُقَاتِلٌ: إِنْ خَازِنَ النَّارِ يَضْرِبُهُ عَلَى
رَأْسِهِ فَيَنْقُبُ [1] رَأْسَهُ عَنْ دِمَاغِهِ، ثُمَّ
يَصُبُّ فِيهِ مَاءً حَمِيمًا قَدِ انْتَهَى حَرُّهُ.
ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: ذُقْ، هَذَا الْعَذَابَ، إِنَّكَ، قَرَأَ
الْكِسَائِيُّ أَنَّكَ بِفَتْحِ الْأَلِفِ، أَيْ لِأَنَّكَ
كُنْتَ تَقُولُ أَنَا الْعَزِيزُ الكريم، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ
بِكَسْرِهَا عَلَى الِابْتِدَاءِ، أَنْتَ الْعَزِيزُ
الْكَرِيمُ، عِنْدَ قَوْمِكَ بِزَعْمِكَ، وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا
جَهْلٍ كَانَ يَقُولُ: أَنَا أَعَزُّ أَهْلِ الوادي وأكرمهم،
فتقول له هذا اللفظ خزنة النار على طريق الاستخفاف [2]
وَالتَّوْبِيخِ.
إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (50) ، تَشُكُّونَ
فِيهِ وَلَا تُؤْمِنُونَ بِهِ ثُمَّ ذَكَرَ مُسْتَقَرَّ
الْمُتَّقِينَ، فَقَالَ:
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ (51) ، قَرَأَ أَهْلُ
الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ: فِي مَقامٍ بِضَمِّ الْمِيمِ عَلَى
الْمَصْدَرِ، أَيْ فِي إِقَامَةٍ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ
بِفَتْحِ الْمِيمِ، أَيْ فِي مَجْلِسٍ أَمِينٍ، أَمِنُوا فِيهِ
مِنَ الْغَيْرِ أَيْ مِنَ الْمَوْتِ وَمِنَ الْخُرُوجِ مِنْهُ.
فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ
وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ (53) كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ،
أَيْ كَمَا أَكْرَمْنَاهُمْ بِمَا وَصَفْنَا مِنَ الْجَنَّاتِ
وَالْعُيُونِ وَاللِّبَاسِ كَذَلِكَ أَكْرَمْنَاهُمْ بِأَنْ
زَوَّجْنَاهُمْ، بِحُورٍ عِينٍ، أَيْ قَرَنَّاهُمْ بِهِنَّ
لَيْسَ مَنْ عَقْدِ التَّزْوِيجِ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ:
زَوَّجْتُهُ بِامْرَأَةٍ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: جَعَلْنَاهُمْ أَزْوَاجًا لهن كما
يزوّج النعل بالنعل [3] ، أي جعلناهم اثنين اثنين، والحور
هُنَّ النِّسَاءُ النَّقِيَّاتُ الْبَيَاضِ.
قَالَ مُجَاهِدٌ: يَحَارُ فِيهِنَّ الطَّرْفُ مِنْ
بَيَاضِهِنَّ وَصَفَاءِ لَوْنِهِنَّ.
وَقَالَ أَبُو عبيدة: الخور هُنَّ شَدِيدَاتُ بَيَاضِ
الْأَعْيُنِ الشَّدِيدَاتُ سوادها، واحدها حور، والمرأة حوراء،
والعين جَمْعُ الْعَيْنَاءِ وَهِيَ عَظِيمَةُ الْعَيْنَيْنِ.
يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ، اشْتَهَوْهَا، آمِنِينَ، من
نفارها وَمِنْ مَضَرَّتِهَا. وَقَالَ قَتَادَةُ: آمَنِينَ
__________
(1) في المخطوط (ب) «فيثقب» والمثبت عن ط والمطبوع والمخطوط
(أ) .
(2) في المطبوع «الاستهزاء» والمثبت عن المخطوط.
(3) في المخطوط (ب) «البعل بالبعل» والمثبت عن المخطوط (أ) وط.
(4/182)
فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ
ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (57)
مِنَ الْمَوْتِ وَالْأَوْصَابِ
وَالشَّيَاطِينِ.
لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى،
أي سوى الموتة الأولى الَّتِي ذَاقُوهَا فِي الدُّنْيَا،
وَبَعْدَهَا وضع: إِلَّا موضع سوى بعد، وَهَذَا كَقَوْلِهِ
تَعَالَى: وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ
النِّساءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ [النِّسَاءِ: 22] ، أَيْ
سِوَى مَا قَدْ سَلَفَ، وَبَعْدَ مَا قَدْ سَلَفَ، وَقِيلَ:
إِنَّمَا اسْتَثْنَى الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَهِيَ فِي
الدُّنْيَا مِنْ مَوْتٍ فِي الْجَنَّةِ لِأَنَّ السُّعَدَاءَ
حِينَ يَمُوتُونَ يصيرون بلطف [الله تعالى] [1] إِلَى
أَسْبَابِ الْجَنَّةِ، يَلْقَوْنَ الرُّوحَ وَالرَّيْحَانَ
وَيَرَوْنَ مَنَازِلَهُمْ فِي الْجَنَّةِ، فَكَانَ مَوْتُهُمْ
فِي الدُّنْيَا كَأَنَّهُمْ في الجنة لاتصالهم بأسبابهم
ومشاهدتهم إيّاهم. وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ.
[سورة الدخان (44) : الآيات 57 الى 59]
فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (57)
فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ
(58) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (59)
فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ، أَيْ فَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ فَضْلًا
مِنْهُ، ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ.
فَإِنَّما يَسَّرْناهُ، سَهَّلْنَا الْقُرْآنَ كِنَايَةً عَنْ
غَيْرِ مذكور، بِلِسانِكَ، عَلَى لِسَانِكَ، لَعَلَّهُمْ
يَتَذَكَّرُونَ، يَتَّعِظُونَ.
فَارْتَقِبْ، فَانْتَظِرِ النَّصْرَ مِنْ رَبِّكَ. وَقِيلَ:
فَانْتَظِرْ لَهُمُ الْعَذَابَ. إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ،
مُنْتَظِرُونَ قَهْرَكَ بِزَعْمِهِمْ.
«1907» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو
إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ أَخْبَرَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ فنجويه
ثنا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى ثنا أَبُو عِيسَى
مُوسَى بْنُ عَلِيٍّ الختلي ثنا أبو هاشم [2] الرفاعي ثنا زيد
بن الحباب ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي خَثْعَمَ
عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَرَأَ حم الدُّخَانِ فِي لَيْلَةٍ
أَصْبَحَ يَسْتَغْفِرُ لَهُ سبعون ألف ملك» .
__________
1907- باطل. إسناده ضعيف جدا، مداره على عمر بن عبد الله متروك
الحديث، وضعفه الترمذي جدا بقوله: قال البخاري:
منكر الحديث. واتهمه ابن حبان بوضع الحديث.
- أبو سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف.
- وأخرجه الترمذي 2888 والبيهقي في «الشعب» 2475 وابن الجوزي
في «الموضوعات» 1/ 248 من طرق عن زيد بن الحباب بهذا الإسناد.
- وأخرجه ابن عدي 5/ 65 من طريق عمر بن يونس عن عُمَرُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبي خثعم به.
- قال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلّا من
هذا الوجه، وعمر بن أبي خثعم يضعّف. قال البخاري: وهو منكر
الحديث.
- وقال ابن حبان، يصنع الحديث.
- وحكم ابن الجوزي وبوضع الحديث وهو كما قال لما فيه من
مبالغة، وانظر «الكشاف» 1019 و «تفسير القرطبي» 5459 بتخريجي.
[.....]
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) في المخطوط (ب) «هشام» .
(4/183)
حم (1)
سورة الجاثية
مكية إلّا آية 14 فمدنية وهي سبع وثلاثون آية نزلت بعد الدخان
[سورة الجاثية (45) : الآيات 1 الى 11]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ
الْحَكِيمِ (2) إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ
لِلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ
دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4)
وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ
السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ
مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
(5) تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ
فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ (6)
وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آياتِ اللَّهِ
تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ
يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (8) وَإِذا عَلِمَ
مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ
عَذابٌ مُهِينٌ (9)
مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا
شَيْئاً وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ
وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (10) هَذَا هُدىً وَالَّذِينَ
كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ
(11)
حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ
الْحَكِيمِ (2) إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ
لِلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ
دابَّةٍ آياتٌ، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ
آيَاتٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ بِكَسْرِ التَّاءِ
فِيهِمَا رَدًّا عَلَى قَوْلِهِ: لَآياتٍ وَهُوَ فِي مَوْضِعِ
النَّصْبِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِرَفْعِهِمَا عَلَى
الِاسْتِئْنَافِ عَلَى أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ إِنَّ لِي
عَلَيْكَ مَالًا وَعَلَى أَخِيكَ مَالٌ، يَنْصِبُونَ الثَّانِي
وَيَرْفَعُونَهُ، لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ، أَنَّهُ لَا إِلَهَ
غَيْرُهُ.
وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ
السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ، يَعْنِي الْغَيْثَ الَّذِي هُوَ سَبَبُ
أَرْزَاقِ الْعِبَادِ، فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ
مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ.
تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ، يُرِيدُ
هَذَا الَّذِي قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ
نَقُصُّهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ، فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ
اللَّهِ، بَعْدَ كِتَابِ اللَّهِ، وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ،
قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو
بَكْرٍ وَيَعْقُوبُ: تُؤْمِنُونَ بِالتَّاءِ عَلَى مَعْنَى
قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ تُؤْمِنُونَ،
وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ.
وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) ، كَذَّابٍ صَاحِبِ
إِثْمٍ يَعْنِي النَّضِرَ بْنَ الْحَارِثِ.
يَسْمَعُ آياتِ اللَّهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ
مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ
وَقْراً [لقمان: 7] فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ وَإِذا
عَلِمَ مِنْ آياتِنا: قَالَ مُقَاتِلٌ: مِنَ الْقُرْآنِ،
شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ،
وَذُكِرَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ رَدًّا إِلَى كُلِّ فِي قَوْلِهِ:
لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ.
مِنْ وَرائِهِمْ، أَمَامَهُمْ، جَهَنَّمُ، يَعْنِي أَنَّهُمْ
في الدنيا يمتعون [1] بِأَمْوَالِهِمْ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ
النَّارُ يَدْخُلُونَهَا، وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا،
مِنَ الْأَمْوَالِ، شَيْئاً وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ
اللَّهِ أَوْلِياءَ، وَلَا مَا عَبَدُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ
مِنَ الْآلِهَةِ، وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ.
__________
(1) في المطبوع «ممتعون» والمثبت عن المخطوط (ب) .
(4/184)
اللَّهُ الَّذِي
سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ
بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ
تَشْكُرُونَ (12)
هَذَا، يَعْنِي هَذَا الْقُرْآنَ، هُدىً،
بَيَانٌ مِنَ الضَّلَالَةِ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ
رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ.
[سورة الجاثية (45) : الآيات 12 الى 17]
اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ
الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ
وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي
السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي
ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13) قُلْ لِلَّذِينَ
آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ
لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (14) مَنْ عَمِلَ
صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ثُمَّ إِلى
رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15) وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي
إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ
وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى
الْعالَمِينَ (16)
وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا
إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ
إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما
كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17)
اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ
الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ
وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي
السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ، وَمَعْنَى تَسْخِيرِهَا
أَنَّهُ خَلَقَهَا لِمَنَافِعِنَا فَهُوَ مُسَخَّرٌ لَنَا مِنْ
حَيْثُ إِنَّا نَنْتَفِعُ بِهِ، جَمِيعاً مِنْهُ، فَلَا
تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: جَمِيعًا مِنْهُ كُلُّ ذَلِكَ رَحْمَةً
مِنْهُ. قَالَ الزَّجَّاجُ: كُلُّ ذَلِكَ تَفَضُّلٌ مِنْهُ
وَإِحْسَانٌ. إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ
يَتَفَكَّرُونَ.
قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ
أَيَّامَ اللَّهِ، أَيْ لَا يَخَافُونَ من وَقَائِعَ اللَّهِ
وَلَا يُبَالُونَ نِقْمَتَهُ.
«1908» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي عُمَرَ
بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَذَلِكَ
أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي غِفَارٍ شَتْمَهُ بِمَكَّةَ فَهَمَّ
عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنْ يَبْطِشَ بِهِ،
فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْفُوَ
عَنْهُ.
وَقَالَ الْقُرَظِيُّ وَالسُّدِّيُّ: نَزَلَتْ [1] فِي أُنَاسٍ
مِنْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَنْ أَهْلِ مَكَّةَ كَانُوا فِي أَذًى شَدِيدٍ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْمَرُوا بِالْقِتَالِ،
فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ ثُمَّ
نَسَخَتْهَا آيَةُ الْقِتَالِ.
لِيَجْزِيَ قَوْماً، قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ
وَالْكِسَائِيُّ لِنَجْزِيَ بِالنُّونِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ
بِالْيَاءِ، أَيْ لِيَجْزِيَ اللَّهُ، وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ
لِيَجْزِيَ بِضَمِّ الْيَاءِ الْأُولَى جزم [2] الثَّانِيَةِ
وَفَتْحِ الزَّايِ، قَالَ أَبُو عمرو: وهو
__________
1908- أثر ابن عباس ذكره المصنف هاهنا تعليقا، وله في أول
الكتاب أسانيد متعددة عن ابن عباس، وأكثرها واه بمرة، وتفرد
المصنف به دليل وهنه أو بطلانه حيث لم أجده عند غيره، ولا ذكره
السيوطي في «الدر» ولا ابن كثير في «التفسير» .
- وأثر مقاتل، إسناده إليه أول الكتاب، وهو مرسل، ومقاتل إن
كان ابن حبان فقد روى مناكير، وإن كان ابن سليمان، فهو كذاب.
- وأثر القرظي، فسنده إليه أول الكتاب، ومع إرساله هو من طريق
أبي معشر وهو ضعيف.
- وأثر السدي ساقه هاهنا تعليقا كسابقه، وإسناده إليه أول
الكتاب.
وأخرج الطبري 31185 بسند فيه مجاهيل عن ابن عباس نحوه.
- الخلاصة: كون السورة نزلت في عمر، واه بمرة، والقول الثاني
أقرب للصواب، وإن لم يصح بوجه من الوجوه، والله أعلم.
(1) في المطبوع «نزل» والمثبت عن ط والمخطوط.
(2) في المطبوع «سكون» والمثبت عن المخطوط.
(4/185)
ثُمَّ جَعَلْنَاكَ
عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ
أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18)
لَحْنٌ. قَالَ الْكِسَائِيُّ: مَعْنَاهُ
لِيَجْزِيَ الْجَزَاءَ قَوْمًا، بِما كانُوا يَكْسِبُونَ.
مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها
ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15) وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي
إِسْرائِيلَ الْكِتابَ، التَّوْرَاةُ، وَالْحُكْمَ
وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ،
الْحَلَالَاتِ يَعْنِي الْمَنَّ وَالسَّلْوَى، وَفَضَّلْناهُمْ
عَلَى الْعالَمِينَ، أَيْ عَالَمِي زَمَانِهِمْ، قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الْعَالَمِينَ فِي
زَمَانِهِمْ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ وَلَا أَحَبَّ إِلَيْهِ
مِنْهُمْ.
وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ، يَعْنِي الْعِلْمَ
بِمَبْعَثِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا
بَيَّنَ لَهُمْ مِنْ أَمْرِهِ، فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ
بَعْدِ مَا جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ
رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا
فِيهِ يَخْتَلِفُونَ.
[سورة الجاثية (45) : الآيات 18 الى 22]
ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها
وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (18)
إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ
الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ
الْمُتَّقِينَ (19) هَذَا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً
وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ
اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ
وَمَماتُهُمْ ساءَ مَا يَحْكُمُونَ (21) وَخَلَقَ اللَّهُ
السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ
بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (22)
ثُمَّ جَعَلْناكَ، يَا مُحَمَّدُ عَلى شَرِيعَةٍ، سُنَّةٍ
وَطَرِيقَةٍ بَعْدَ مُوسَى، مِنَ الْأَمْرِ، مِنَ الدِّينِ،
فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لَا
يَعْلَمُونَ، يَعْنِي مُرَادَ الْكَافِرِينَ، وَذَلِكَ
أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ لَهُ ارْجِعْ إِلَى دِينِ
آبَائِكِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَفْضَلَ مِنْكَ.
فَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ
اللَّهِ شَيْئاً، لَنْ يَدْفَعُوا عَنْكَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ
شَيْئًا إِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ، وَإِنَّ الظَّالِمِينَ
بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ
الْمُتَّقِينَ.
هذا، يعني القرآن، بَصائِرُ، مَعَالِمُ، لِلنَّاسِ، فِي
الْحُدُودِ وَالْأَحْكَامِ يُبْصِرُونَ بِهَا، وَهُدىً
وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ.
أَمْ حَسِبَ
، بَلْ حَسِبَ، الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ
، اكْتَسَبُوا الْمَعَاصِيَ وَالْكُفْرَ أَنْ نَجْعَلَهُمْ
كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ
، نَزَلَتْ فِي نَفَرٍ مِنْ مُشْرِكِي مَكَّةَ، قَالُوا
لِلْمُؤْمِنِينَ: لَئِنْ كَانَ مَا تَقُولُونَ حَقًّا
لَنُفَضَّلَنَّ عَلَيْكُمْ فِي الْآخِرَةِ كَمَا فُضِّلْنَا
عَلَيْكُمْ فِي الدُّنْيَا.
سَواءً مَحْياهُمْ
قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ وَيَعْقُوبُ سَواءً
بِالنَّصْبِ أَيْ نَجْعَلُهُمْ سَوَاءً، يَعْنِي أَحَسِبُوا
أَنَّ حَيَاةَ الْكَافِرِينَ وَمَماتُهُمْ
كَحَيَاةِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَوْتِهِمْ سَوَاءً كَلَّا،
وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ
وَالْخَبَرِ أَيْ مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَوَاءٌ
فَالضَّمِيرُ فِيهِمَا يَرْجِعُ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ
وَالْكَافِرِينَ جَمِيعًا، مَعْنَاهُ الْمُؤْمِنُ مُؤْمِنٌ
مَحْيَاهُ وَمَمَاتَهُ أَيْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
وَالْكَافِرُ كَافِرٌ محياه ومماته فِي الدُّنْيَا
وَالْآخِرَةِ، ساءَ مَا يَحْكُمُونَ
، بِئْسَ مَا يَقْضُونَ، قَالَ مَسْرُوقٌ: قَالَ لِي رَجُلٌ
مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ: هَذَا مَقَامُ أَخِيكَ تَمِيمٍ
الدَّارِيِّ، لَقَدْ رَأَيْتُهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ حَتَّى
أَصْبَحَ أَوْ كَادَ أَنْ يُصْبِحَ يَقْرَأُ آيَةً مِنْ كتاب
الله يرددها يَرْكَعُ بِهَا وَيَسْجُدُ وَيَبْكِي: أَمْ حَسِبَ
الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ
كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ
الآية.
[سورة الجاثية (45) : آية 23]
أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ
اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ
وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ
اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (23)
(4/186)
وَقَالُوا مَا هِيَ
إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا
يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ
عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (24)
أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ
هَواهُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: معناه
ذَلِكَ الْكَافِرُ اتَّخَذَ دِينَهُ مَا يَهْوَاهُ، فَلَا
يَهْوَى شَيْئًا إِلَّا رَكِبَهُ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ
بِاللَّهِ وَلَا يَخَافُهُ، وَلَا يُحَرِّمُ مَا حرم الله.
وقال الآخرون: مَعْنَاهُ اتَّخَذَ مَعْبُودَهُ هَوَاهُ
فَيَعْبُدُ مَا تَهْوَاهُ نَفْسُهُ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ
جُبَيْرٍ: كَانَتِ الْعَرَبُ يَعْبُدُونَ الْحِجَارَةَ
وَالذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، فَإِذَا وَجَدُوا شَيْئًا أَحْسَنَ
مِنَ الْأَوَّلِ رَمَوْهُ وكسروه، وَعَبَدُوا الْآخَرَ. قَالَ
الشِّعْبِيُّ: إِنَّمَا سُمِّيَ الْهَوَى لِأَنَّهُ يَهْوِي
بِصَاحِبِهِ فِي النَّارِ. وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ،
مِنْهُ بِعَاقِبَةِ أَمْرِهِ وَقِيلَ عَلَى مَا سَبَقَ فِي
عِلْمِهِ أَنَّهُ ضَالٌّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُ، وَخَتَمَ،
طَبَعَ، عَلى سَمْعِهِ فَلَمْ يَسْمَعِ الْهُدَى، وَقَلْبِهِ،
فَلَمْ يَعْقِلِ الْهُدَى، وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً،
قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ غَشْوَةً بِفَتْحِ الْغَيْنِ
وَسُكُونِ الشِّينِ، وَالْبَاقُونَ غِشَاوَةً ظُلْمَةً فَهُوَ
لَا يُبْصِرُ الْهُدَى، فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ،
أَيْ فَمَنْ يَهْدِيهِ بَعْدَ أَنْ أضله الله، أَفَلا
تَذَكَّرُونَ.
[سورة الجاثية (45) : الآيات 24 الى 27]
وَقالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ
وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ وَما لَهُمْ
بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (24) وَإِذا
تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ مَا كانَ حُجَّتَهُمْ
إِلاَّ أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ
(25) قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ
يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ
وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (26) وَلِلَّهِ
مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ
يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (27)
وَقالُوا، يَعْنِي مُنْكِرِي الْبَعْثِ، مَا هِيَ إِلَّا
حَياتُنَا الدُّنْيا، أَيْ مَا الْحَيَاةُ إِلَّا حَيَاتُنَا
الدُّنْيَا، نَمُوتُ وَنَحْيا، أَيْ يَمُوتُ الْآبَاءُ
وَيَحْيَا الْأَبْنَاءُ، وَقَالَ الزُّجَاجُ: يَعْنِي نَمُوتُ
وَنَحْيَا، فَالْوَاوُ لِلِاجْتِمَاعِ، وَما يُهْلِكُنا إِلَّا
الدَّهْرُ، أَيْ وَمَا يُفْنِينَا إِلَّا مَرُّ الزَّمَانِ
وَطُولُ الْعُمْرِ وَاخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ. وَما
لَهُمْ بِذلِكَ، أي الَّذِي قَالُوهُ، مِنْ عِلْمٍ، أَيْ لم
يقولوه عن عِلْمٍ، إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ.
«1909» أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ
الْمَنِيعِيُّ أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ
مُحَمَّشٌ الزِّيَادِيُّ أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ
الحسين القطان ثَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ
السُّلَمِيُّ ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ
هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ ثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَقُلِ ابْنُ
آدَمَ يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ، فَإِنِّي أَنَا الدَّهْرُ،
أُرْسِلُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، فَإِذَا شِئْتُ
قَبْضَتُهُمَا» .
«1910» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أحمد
الطاهري ثنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرحمن
البزاز أنا
__________
1909- إسناده صحيح، أحمد السلمي خرج له مسلم، وقد توبع ومن
دونه، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
- عبد الرزاق بن همام، معمر بن راشد.
- وهو في «شرح السنة» 3281 بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد 2/ 318 والبيهقي في «الأسماء والصفات» 305 من
طريق عبد الرزاق به.
- وأخرجه البخاري 4826 و7491 ومسلم 2246 ح 1 وأبو داود 5274
والحميدي 1096 وأحمد 2/ 238 والطبري 31207 وابن حبان 5715
والبيهقي 3/ 365 والبغوي 3282 من طرق عَنْ سُفْيَانَ بْنِ
عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ
عن أبي هريرة به.
- وأخرجه مسلم 2246 ح 3 وعبد الرزاق 20938 وأحمد 2/ 2075 من
طريق مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنِ المسيب عن أبي
هريرة به.
- وأخرجه الطبري 31211 من طريق معمر عن قتادة عن الزهري عن أبي
هريرة به.
1910- صحيح. إسحق ثقة، وقد توبع ومن دونه، ومن فوقه رجال
البخاري ومسلم.
- عبد الرزاق بن همام، معمر بن راشد، أيوب هو ابن أبي تميمة،
ابن سيرين هو محمد.
(4/187)
وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ
جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ
تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28)
مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ
أَنَا إسحاق بن إبراهيم الدَّبْرِيُّ ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ
أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ [عَنْ] [1] ابْنِ سِيرِينَ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَسُبُّ
أَحَدُكُمُ الدَّهْرَ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ، وَلَا
يَقُولَنَّ لِلْعِنَبِ الْكَرْمُ، فَإِنَّ الْكَرْمَ هُوَ
الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ» .
وَمَعْنَى الْحَدِيثِ: أَنَّ الْعَرَبَ كَانَ مِنْ شَأْنِهِمْ
ذَمُّ الدَّهْرِ، وَسَبِّهِ عِنْدَ النَّوَازِلِ، لِأَنَّهُمْ
كَانُوا يَنْسُبُونَ إِلَيْهِ مَا يُصِيبُهُمْ مِنَ
الْمَصَائِبِ وَالْمَكَارِهِ، فَيَقُولُونَ: أَصَابَتْهُمْ
قَوَارِعُ الدَّهْرِ، وَأَبَادَهُمُ الدَّهْرِ.
كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ: وَما يُهْلِكُنا
إِلَّا الدَّهْرُ فَإِذَا أَضَافُوا إِلَى الدَّهْرِ مَا
نَالَهُمْ مِنَ الشدائد سبو فاعلها، وكان مَرْجِعُ سَبِّهِمْ
إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، إِذْ هُوَ الْفَاعِلُ فِي
الْحَقِيقَةِ لِلْأُمُورِ الَّتِي يُضِيفُونَهَا إِلَى
الدَّهْرِ، فَنُهُوا عَنْ سَبِّ الدَّهْرِ.
وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ مَا كانَ
حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ
كُنْتُمْ صادِقِينَ (25) قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ
يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ، أَيْ
لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَا رَيْبَ فِيهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ
النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ
وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ
الْمُبْطِلُونَ (27) ، يَعْنِي الْكَافِرِينَ الَّذِينَ هُمْ
أَصْحَابُ الْأَبَاطِيلِ، يَظْهَرُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ
خُسْرَانُهُمْ بِأَنْ يَصِيرُوا إلى النار.
[سورة الجاثية (45) : الآيات 28 الى 32]
وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى
كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28)
هَذَا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا
نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29) فَأَمَّا
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ
رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ
(30) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي
تُتْلى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْماً
مُجْرِمِينَ (31) وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ
وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا
السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلاَّ ظَنًّا وَما نَحْنُ
بِمُسْتَيْقِنِينَ (32)
وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً، بَارِكَةً عَلَى الرُّكَبِ
وَهِيَ جِلْسَةُ الْمُخَاصِمِ بَيْنَ يَدَيِ الْحَاكِمِ
يَنْتَظِرُ الْقَضَاءَ من الله.
قَالَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ: إِنَّ فِي الْقِيَامَةِ
سَاعَةٌ هِيَ عَشْرُ سِنِينَ يَخِرُّ النَّاسُ فِيهَا جُثَاةً
عَلَى رُكَبِهِمْ حَتَّى إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ
يُنَادِي رَبَّهُ لَا أَسْأَلُكَ إِلَّا نَفْسِي. كُلُّ
أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا
، الَّذِي فِيهِ أَعْمَالُهَا، وَقَرَأَ يعقوب كُلَّ أُمَّةٍ
بالنصب، وَيُقَالُ لَهُمُ، الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ
تَعْمَلُونَ.
هَذَا كِتابُنا، يَعْنِي دِيوَانَ الْحَفَظَةِ، يَنْطِقُ
عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ، يَشْهَدُ عَلَيْكُمْ ببيان شاف، كأنه
[2] يَنْطِقُ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْكِتَابِ اللَّوْحُ
الْمَحْفُوظُ. إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ
تَعْمَلُونَ.
هَذَا كِتابُنا، يَعْنِي دِيوَانَ الْحَفَظَةِ، يَنْطِقُ
عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ، يَشْهَدُ عَلَيْكُمْ ببيان شاف، كأنه
يَنْطِقُ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْكِتَابِ اللَّوْحُ
الْمَحْفُوظُ. إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ
تَعْمَلُونَ، أَيْ نَأْمُرُ الْمَلَائِكَةَ بِنَسْخِ
أَعْمَالِكُمْ، أَيْ بِكَتْبِهَا وَإِثْبَاتِهَا عليكم. وقيل:
تستنسخ أَيْ نَأْخُذُ نُسْخَتَهُ [3] وَذَلِكَ أَنَّ الملكين
يرفعان عمل
__________
- وهو في «شرح السنة» 3281 بهذا الإسناد.
- وهو في «مصنف عبد الرزاق» 20937 عن معمر به.
- وأخرجه مسلم 2247 وأحمد 2/ 272 من طريق عبد الرزاق به.
- وأخرجه مسلم 2246 ح 5 والبيهقي 3/ 365 من طريق هشام عن ابن
سيرين به دون عجزه «ولا يقولن للعنب ... » .
(1) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة» .
(2) في المطبوع «فكأنه» والمثبت عن المخطوط.
(3) في المطبوع «نسخة» والمثبت عن المخطوط.
(4/188)
وَبَدَا لَهُمْ
سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ
يَسْتَهْزِئُونَ (33)
الإنسان فبثبت اللَّهُ مِنْهُ مَا كَانَ
لَهُ فِيهِ ثَوَابٌ أَوْ عِقَابٌ، وَيَطْرَحُ مِنْهُ اللَّغْوَ
نَحْوَ قَوْلِهِمْ هَلُمَّ وَاذْهَبْ، وَقِيلَ:
الِاسْتِنْسَاخُ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ تَنْسَخُ
الْمَلَائِكَةُ كُلَّ عَامٍ مَا يَكُونُ [مِنْ] [1] أَعْمَالِ
بَنِي آدَمَ، وَالِاسْتِنْسَاخُ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ
أَصْلٍ، فَيُنْسَخُ كِتَابٌ مِنْ كتاب. وقال الضحاك: يستنسخ
[2] أي يثبت. وقال السدي:
تكتب. وقال الحسن: تحفظ.
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ
فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ
الْمُبِينُ (30) ، الظَّفْرُ الظَّاهِرُ.
وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا، يُقَالُ لَهُمْ، أَفَلَمْ تَكُنْ
آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ
قَوْماً مُجْرِمِينَ، مُتَكَبِّرِينَ كَافِرِينَ.
وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا
رَيْبَ فِيها، قَرَأَ حَمْزَةُ: «وَالسَّاعَةَ» نَصَبَ عطفا
[3] عَلَى الْوَعْدِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالرَّفْعِ عَلَى
الِابْتِدَاءِ قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ
نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا، أَيْ مَا نَعْلَمُ ذَلِكَ إِلَّا
حَدْسًا [4] وَتَوَهُّمًا. وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ،
أنها كائنة.
[سورة الجاثية (45) : الآيات 33 الى 37]
وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ مَا عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ مَا
كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (33) وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ
كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْواكُمُ النَّارُ
وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (34) ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ
اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ
الدُّنْيا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ
يُسْتَعْتَبُونَ (35) فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ
وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ (36) وَلَهُ
الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ (37)
وَبَدا لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ، سَيِّئاتُ مَا عَمِلُوا، فِي
الدُّنْيَا أَيْ جَزَاؤُهَا وَحاقَ بِهِمْ مَا كانُوا بِهِ
يَسْتَهْزِؤُنَ.
وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ، نَتْرُكُكُمْ فِي النَّارِ،
كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا، تَرَكْتُمُ
الْإِيمَانَ وَالْعَمَلَ لِلِقَاءِ هَذَا الْيَوْمِ،
وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ ذلِكُمْ
بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ
الْحَياةُ الدُّنْيا، حَتَّى قُلْتُمْ:
لَا بَعْثَ وَلَا حِسَابَ، فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ
مِنْها، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِفَتْحِ الْيَاءِ
وَضَمِّ الرَّاءِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِضَمِّ الْيَاءِ
وَفَتْحِ الرَّاءِ، وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ، لَا يُطْلَبُ
مِنْهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ، لِأَنَّهُ
لَا يَقْبَلُ ذَلِكَ الْيَوْمَ عُذْرًا وَلَا تَوْبَةَ.
فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ
رَبِّ الْعالَمِينَ (36) وَلَهُ الْكِبْرِياءُ، الْعَظْمَةُ،
فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.
«1911» أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ
مُحَمَّدٍ الْقَاضِي حَدَّثَنَا السيد أبو الحسين]
محمد بن الحسين
__________
1911- صحيح. إسناده ضعيف، إبراهيم بن طهمان سمع من عطاء بعد
الاختلاط، لكن تابعه غير واحد، ومنهم سفيان، وقد سمع من عطاء
قبل الاختلاط، وللحديث طرق أخرى.
- وهو في «شرح السنة» 3486 بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو داود 4090 والطيالسي 2387 وابن حبان 328 و5671 من
طريق حماد بن سلمة.
- وأخرجه أبو داود 4090 وابن ماجه 4174 من طريق أبي الأحوص.
- وأخرجه الطيالسي 2387 وابن أبي شيبة 9/ 89 من طريق ابن
فضيل.-
(1) في المطبوع «أعمال من» والمثبت عن المخطوط. [.....]
(2) في المطبوع «تستنسخ» والمثبت عن المخطوط.
(3) في المطبوع «عطفها» والمثبت عن المخطوط.
(4) في المخطوط (ب) «حدثا» .
(5) في المطبوع «الحسن» والمثبت عن «شرح السنة» والمخطوط (ب) .
(4/189)
|