تفسير البغوي
إحياء التراث إِذَا وَقَعَتِ
الْوَاقِعَةُ (1)
سورة الواقعة
مكية وهي ست وتسعون آية
[سورة الواقعة (56) : الآيات 1 الى 8]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ
(2) خافِضَةٌ رافِعَةٌ (3) إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4)
وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا (5) فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا
(6) وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً (7) فَأَصْحابُ
الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (8)
إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (1) ، إِذَا قَامَتِ الْقِيَامَةُ.
وَقِيلَ: إِذَا نَزَلَتْ صَيْحَةُ الْقِيَامَةِ، وَهِيَ
النَّفْخَةُ الْأَخِيرَةُ.
لَيْسَ لِوَقْعَتِها، لِمَجِيئِهَا، كاذِبَةٌ، كَذِبٌ،
كَقَوْلِهِ: لَا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً (11) [الْغَاشِيَةِ:
11] ، أي لغو يَعْنِي أَنَّهَا تَقَعُ صِدْقًا وَحَقًّا.
والكاذبة اسْمٌ كَالْعَافِيَةِ وَالنَّازِلَةِ.
خافِضَةٌ رافِعَةٌ (3) ، تَخْفِضُ أَقْوَامًا إِلَى النَّارِ
وَتَرْفَعُ آخَرِينَ إِلَى الْجَنَّةِ. وَقَالَ عَطَاءٌ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ:
تَخْفِضُ أَقْوَامًا كَانُوا فِي الدُّنْيَا مُرْتَفِعِينَ
وَتَرْفَعُ أَقْوَامًا كَانُوا فِي الدُّنْيَا
مُسْتَضْعَفِينَ.
إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) ، حُرِّكَتْ وَزُلْزِلَتْ
زِلْزَالًا، قَالَ الْكَلْبِيُّ: إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَوْحَى
إِلَيْهَا اضْطَرَبَتْ فَرَقًا. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ:
تُرَجُّ كَمَا يُرَجُّ الصَّبِيُّ فِي الْمَهْدِ حَتَّى
يَنْهَدِمَ كُلُّ بِنَاءٍ عَلَيْهَا وَيَنْكَسِرَ كُلُّ مَا
عَلَيْهَا مِنَ الْجِبَالِ وَغَيْرِهَا. وَأَصْلُ الرَّجِّ فِي
اللُّغَةِ التَّحْرِيكُ، يُقَالُ: رَجَجْتُهُ فَارْتَجَّ.
وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا (5) ، قَالَ عَطَاءٌ وَمُقَاتِلٌ
ومجاهد: فتتت فَتًّا فَصَارَتْ كَالدَّقِيقِ الْمَبْسُوسِ
وَهُوَ الْمَبْلُولُ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ
وَالسُّدِّيُّ: كُسِرَتْ كَسْرًا وَقَالَ الْكَلْبِيُّ:
سُيِّرَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ تَسْيِيرًا.
وقال الْحَسَنُ: قُلِعَتْ مِنْ أَصْلِهَا فَذَهَبَتْ،
نَظِيرُهَا: فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً [طه: 105] قَالَ
ابْنُ كَيْسَانَ:
جُعِلَتْ كَثِيبًا مَهِيلًا بَعْدَ أَنْ كَانَتْ شَامِخَةً
طَوِيلَةً.
فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا (6) ، غُبَارًا مُتَفَرِّقًا
كَالَّذِي يُرَى فِي شُعَاعِ الشَّمْسِ إِذَا دَخَلَ
الْكُوَّةَ وَهُوَ الْهَبَاءُ [1] .
وَكُنْتُمْ أَزْواجاً، أَصْنَافًا، ثَلاثَةً.
ثُمَّ فَسَّرَهَا فَقَالَ: فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ، هُمُ
الَّذِينَ يُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ إِلَى الْجَنَّةِ،
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُمُ الَّذِينَ كَانُوا عَلَى يَمِينِ
آدَمَ حِينَ أُخْرِجَتِ الذُّرِّيَّةُ مِنْ صُلْبِهِ، وَقَالَ
اللَّهُ لَهُمْ: هَؤُلَاءِ فِي الْجَنَّةِ وَلَا أُبَالِي.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هُمُ الَّذِينَ يُعْطَوْنَ كُتُبَهُمْ
بِأَيْمَانِهِمْ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَالرَّبِيعُ: هُمُ
الَّذِينَ كَانُوا مَيَامِينَ مُبَارَكِينَ عَلَى
أَنْفُسِهِمْ، وَكَانَتْ أَعْمَارُهُمْ [2] فِي طَاعَةِ
اللَّهِ وَهُمُ التَّابِعُونَ بِإِحْسَانٍ، ثُمَّ عَجَّبَ
نَبِيَّهُ صَلَّى الله عليه وسلم،
__________
(1) في المخطوط (أ) «الغبار» والمثبت عن المخطوط (ب) .
(2) في المخطوط (أ) «أعمالهم» ، والمثبت عن المخطوط (ب)
والمطبوع.
(5/5)
وَأَصْحَابُ
الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9)
فَقَالَ: مَا أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ،
وَهَذَا كَمَا يُقَالُ: زَيْدٌ مَا زَيْدٌ يراد زيد شديد.
[سورة الواقعة (56) : الآيات 9 الى 16]
وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ (9)
وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ
(11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ
(13)
وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14) عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15)
مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ (16)
وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ (9) ،
يَعْنِي أَصْحَابَ الشِّمَالِ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْيَدَ
الْيُسْرَى الشُّؤْمَى، وَمِنْهُ يُسَمَّى الشَّامُ
وَالْيَمَنُ لِأَنَّ الْيَمَنَ عَنْ يَمِينِ الْكَعْبَةِ
وَالشَّامُ عَنْ شِمَالِهَا، وَهُمُ الَّذِينَ يُؤْخَذُ بِهِمْ
ذَاتَ الشِّمَالِ إِلَى النَّارِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُمُ الَّذِينَ كَانُوا عَلَى شِمَالِ
آدَمَ عِنْدَ إِخْرَاجِ الذُّرِّيَّةِ وَقَالَ اللَّهُ لَهُمْ:
هَؤُلَاءِ فِي النَّارِ وَلَا أُبَالِي، وَقَالَ الضَّحَّاكُ:
هُمُ الَّذِينَ يُؤْتَوْنَ كُتُبَهُمْ بِشِمَالِهِمْ. وَقَالَ
الْحَسَنُ: هُمُ الْمَشَائِيمُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَكَانَتْ
أَعْمَارُهُمْ فِي الْمَعَاصِي.
وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
السَّابِقُونَ إِلَى الْهِجْرَةِ هُمُ السَّابِقُونَ فِي
الْآخِرَةِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: السَّابِقُونَ إِلَى
الْإِسْلَامِ. قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: هُمُ الَّذِينَ صَلَّوا
إِلَى الْقِبْلَتَيْنِ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ: وَالسَّابِقُونَ
الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ
[التَّوْبَةِ: 100] ، قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ:
السَّابِقُونَ إِلَى إِجَابَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدُّنْيَا هُمُ السَّابِقُونَ إِلَى
الْجَنَّةِ فِي الْعُقْبَى. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: إلى إجابة
الأنبياء صلوات الله عليهم بِالْإِيمَانِ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى
عَنْهُ: إِلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ:
إِلَى الْجِهَادِ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُمُ الْمُسَارِعُونَ إِلَى
التَّوْبَةِ وَإِلَى أَعْمَالِ الْبِرِّ. قَالَ اللَّهُ
تَعَالَى: سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ
[الْحَدِيدِ: 21] ، وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ
[آلِ عِمْرَانَ: 133] ثُمَّ أَثْنَى عَلَيْهِمْ فَقَالَ:
أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ
(61) [المؤمنون: 61] ، وقال ابْنُ كَيْسَانَ: وَالسَّابِقُونَ
إِلَى كُلِّ مَا دَعَا اللَّهُ إِلَيْهِ.
وَرُوِيَ عَنْ كَعْبٍ قَالَ: هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ
الْمُتَوَّجُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَقِيلَ: هُمْ
أَوَّلُهُمْ رَوَاحًا إِلَى الْمَسْجِدِ وأولهم خروجا [فِي
الْجِهَادِ] [1] فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَقَالَ الْقُرَظِيُّ:
إِلَى كُلِّ خَيْرٍ.
أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) ، مِنَ اللَّهِ.
فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13)
، أَيْ مِنَ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ مِنْ لَدُنْ آدَمَ
عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى زَمَانِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلم، والثلة: الجماعة غَيْرُ مَحْصُورَةِ الْعَدَدِ.
وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14) ، يَعْنِي مِنْ هَذِهِ
الْأُمَّةِ، قال الزجاج [هم] [2] الَّذِينَ عَايَنُوا جَمِيعَ
النَّبِيِّينَ مِنْ لَدُنْ آدَمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ وَصَدَّقُوهُمْ، أَكْثَرُ مِمَّنْ عَايَنَ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) ، مَنْسُوجَةٍ كَمَا تُوَضَنُ
حِلَقُ الدِّرْعِ فَيُدْخَلُ بَعْضُهَا فِي بعض. قال المفسرون:
هي مرمولة [3] مَنْسُوجَةٌ بِالذَّهَبِ وَالْجَوَاهِرِ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: مَوْضُونَةٌ مَصْفُوفَةٌ.
مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ (16) ، لَا يَنْظُرُ
بَعْضُهُمْ فِي قَفَا بعض.
[سورة الواقعة (56) : الآيات 17 الى 23]
يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوابٍ
وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لَا يُصَدَّعُونَ
عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ (19) وَفاكِهَةٍ مِمَّا
يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21)
وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23)
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) في المطبوع «موصولة» والمثبت عن المخطوط.
(5/6)
جَزَاءً بِمَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ (24)
يَطُوفُ عَلَيْهِمْ، لِلْخِدْمَةِ،
وِلْدانٌ، غِلْمَانٌ، مُخَلَّدُونَ، لَا يَمُوتُونَ وَلَا
يَهْرَمُونَ وَلَا يَتَغَيَّرُونَ.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: تَقُولُ الْعَرَبُ لِمَنْ كَبِرَ وَلَمْ
يَشْمَطْ [1] إِنَّهُ مُخَلَّدٌ. قَالَ ابْنُ كَيْسَانَ:
يَعْنِي وِلْدَانًا لَا يُحَوَّلُونَ مِنْ حَالَةٍ إِلَى
حَالَةٍ.
قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مُقَرَّطُونَ يُقَالُ خَلَّدَ
جَارِيَتَهُ إِذَا حَلَّاهَا بِالْخِلْدِ، وَهُوَ الْقِرْطُ.
قَالَ الْحَسَنُ: هُمْ أَوْلَادُ أَهْلِ الدُّنْيَا لَمْ
تَكُنْ لَهُمْ حَسَنَاتٌ فَيُثَابُوا عَلَيْهَا وَلَا
سَيِّئَاتٌ فَيُعَاقَبُوا عَلَيْهَا لِأَنَّ الْجَنَّةَ لَا
ولادة فيها فهم خدم أَهْلِ الْجَنَّةِ.
بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ، فَالْأَكْوَابُ جَمْعُ كُوبٍ وَهِيَ
الْأَقْدَاحُ الْمُسْتَدِيرَةُ الْأَفْوَاهِ لَا آذَانَ لَهَا
وَلَا عرى، والأباريق [جمع إبريق] وَهِيَ ذَوَاتُ
الْخَرَاطِيمِ سُمِّيَتْ أَبَارِيقَ لِبَرِيقِ لَوْنِهَا مِنَ
الصَّفَاءِ. وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ، خَمْرٍ جَارِيَةٍ.
لَا يُصَدَّعُونَ عَنْها، لا تصدع رؤوسهم من شربها، وَلا
يُنْزِفُونَ [لا يذهب عقولهم] [2] أَيْ لَا يَسْكَرُونَ هَذَا
إِذَا قُرِئَ بِفَتْحِ الزَّايِ وَمَنْ كَسَرَ فَمَعْنَاهُ لَا
يَنْفَدُ شَرَابُهُمْ.
وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) ، يَخْتَارُونَ مَا
يَشْتَهُونَ يُقَالُ تَخَيَّرْتُ الشَّيْءَ إِذَا أَخَذْتُ
خَيْرَهُ.
وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) ، قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: يَخْطُرُ عَلَى قَلْبِهِ لَحْمُ الطَّيْرِ فَيَصِيرُ
مُمَثَّلًا بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى مَا اشْتَهَى، وَيُقَالُ:
إِنَّهُ يَقَعُ عَلَى صَحْفَةِ الرَّجُلِ فَيَأْكُلُ مِنْهُ
مَا يَشْتَهِي ثُمَّ يَطِيرُ فَيَذْهَبُ.
وَحُورٌ عِينٌ (22) ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَحَمْزَةُ
وَالْكِسَائِيُّ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَالنُّونِ، أَيْ وَبِحُورٍ
عِينٍ أَتْبَعَهُ قَوْلَهُ:
«بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ- وَفَاكِهَةٍ- وَلَحْمِ طَيْرٍ» فِي
الْإِعْرَابِ وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي الْمَعْنَى لِأَنَّ
الْحُورَ لَا يُطَافُ بِهِنَّ.
كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
إِذَا مَا الْغَانِيَاتُ بَرَزْنَ يَوْمًا ... وَزَجَّجْنَ
الْحَوَاجِبَ وَالْعُيُونَا
وَالْعَيْنُ لَا تُزَجَّجُ وَإِنَّمَا تُكَحَّلُ وَمِثْلُهُ
كَثِيرٌ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَيُكْرَمُونَ بِفَاكِهَةٍ
وَلَحْمِ طَيْرٍ وَحُورٍ عِينٍ.
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْعِ أَيْ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ
حُورٌ عِينٌ.
وَقَالَ الْأَخْفَشُ: رُفِعَ عَلَى مَعْنَى لَهُمْ حُورٌ عِينٌ
ورجاء فِي تَفْسِيرِهِ حُورٌ عِينٌ بِيضٌ ضِخَامُ الْعُيُونِ.
كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) ، الْمَخْزُونِ فِي
الصَّدَفِ لَمْ تَمَسَّهُ الْأَيْدِي.
وَيُرْوَى أَنَّهُ يَسْطَعُ نُورٌ فِي الْجَنَّةِ قَالُوا
وَمَا هَذَا قَالُوا ضَوْءُ ثَغْرِ حَوْرَاءَ ضَحِكَتْ فِي
وَجْهِ زَوْجِهَا.
وَيُرْوَى: أَنَّ الحوراء إذا مشت ليسمع تَقْدِيسُ
الْخَلَاخِلِ مِنْ سَاقَيْهَا وَتَمْجِيدُ الْأَسْوِرَةِ مِنْ
سَاعِدَيْهَا، وَإِنَّ عِقْدَ الْيَاقُوتِ لَيَضْحَكُ مِنْ
نَحْرِهَا، وَفِي رِجْلَيْهَا نَعْلَانِ مِنْ ذَهَبٍ
شِرَاكُهُمَا من لؤلؤ يصران بالتسبيح.
[سورة الواقعة (56) : الآيات 24 الى 31]
جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (24) لَا يَسْمَعُونَ فِيها
لَغْواً وَلا تَأْثِيماً (25) إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً
(26) وَأَصْحابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحابُ الْيَمِينِ (27) فِي
سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28)
وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) وَماءٍ
مَسْكُوبٍ (31)
جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (24) .
لَا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً (25) إِلَّا
قِيلًا، أَيْ قَوْلًا: سَلاماً سَلاماً، نَصَبَهُمَا
اتِّبَاعًا لِقَوْلِهِ قِيلًا أَيْ يَسْمَعُونَ قِيلًا
سَلَامًا سَلَامًا. قَالَ عَطَاءٌ: يُحَيِّي بَعْضُهُمْ
بَعْضًا بِالسَّلَامِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَصْحَابَ الْيَمِينِ وعجب
من
__________
(1) في المطبوع «ولمن شمط» والمثبت عن المخطوط.
(2) زيادة عن المخطوط.
(5/7)
وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ
(32)
شَأْنِهِمْ فَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ:
وَأَصْحابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحابُ الْيَمِينِ (27) فِي
سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) ، لَا شَوْكَ فِيهِ كَأَنَّهُ خُضِدَ
شَوْكُهُ أَيْ قُطِعَ وَنُزِعَ مِنْهُ، هَذَا قَوْلُ ابْنِ
عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: لَا يَعْقِرُ
الْأَيْدِيَ. قَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: هُوَ الَّذِي لَا أَذًى
فِيهِ. قال: وليس شيء من ثمرة الْجَنَّةِ فِي غُلُفٍ كَمَا
يَكُونُ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْبَاقِلَّاءِ وَغَيْرِهِ بَلْ
كُلُّهَا مَأْكُولٌ وَمَشْرُوبٌ وَمَشْمُومٌ وَمَنْظُورٌ
إِلَيْهِ. قَالَ الضَّحَّاكُ وَمُجَاهِدٌ: هُوَ الْمُوَقَرُ
حِمْلًا. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ:
ثِمَارُهَا أَعْظَمُ مِنَ الْقِلَالِ. قَالَ أَبُو
الْعَالِيَةِ وَالضَّحَّاكُ: ونظر الْمُسْلِمُونَ إِلَى وَجٍّ
وَهُوَ وَادٍ مُخْصِبٌ بِالطَّائِفِ فَأَعْجَبَهُمْ سِدْرُهَا،
وَقَالُوا: يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ هَذَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ
هَذِهِ الْآيَةَ.
وَطَلْحٍ، أَيْ مَوْزٍ وَاحِدَتُهَا طَلْحَةٌ، عَنْ أَكْثَرِ
الْمُفَسِّرِينَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: لَيْسَ هو بالموز ولكنه
شجر لها ظِلٌّ بَارِدٌ طَيِّبٌ. قَالَ الْفَرَّاءُ وَأَبُو
عُبَيْدَةَ: الطَّلْحُ عِنْدَ الْعَرَبِ شَجَرٌ عِظَامٌ لَهَا
شَوْكٌ. وَرَوَى مَجَالِدٌ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ:
قَرَأَ رَجُلٌ عِنْدَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَطَلْحٍ
مَنْضُودٍ (29) ، فَقَالَ: وَمَا شَأْنُ الطَّلْحِ إِنَّمَا
هُوَ «طَلْعٌ مَنْضُودٌ» ثُمَّ قَرَأَ طَلْعُها هَضِيمٌ
[الشعراء: 148] ، قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّهَا
فِي الْمُصْحَفِ بِالْحَاءِ أَفَلَا تَحَوِّلُهَا؟ فَقَالَ:
إِنَّ الْقُرْآنَ لَا يُهَاجُ اليوم ولا يحول.
والمنضود الْمُتَرَاكِمُ الَّذِي قَدْ نُضِّدَ بِالْحَمْلِ
مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ، لَيْسَتْ لَهُ سُوقٌ بَارِزَةٌ.
قَالَ مَسْرُوقٌ: أَشْجَارُ الْجَنَّةِ مِنْ عُرُوقِهَا إِلَى
أفنانها ثَمَرٌ كُلُّهُ.
وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) ، دَائِمٌ لَا تَنْسَخُهُ الشَّمْسُ
وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِلشَّيْءِ الَّذِي لَا يَنْقَطِعُ
مَمْدُودٌ.
«2102» أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ
الْمَنِيعِيُّ أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بن
الحسين القطان ثَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ
السُّلَمِيُّ ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ
هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: ثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا
مِائَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا» .
وَرَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَظِلٍّ
مَمْدُودٍ (30) قَالَ: شَجَرَةٌ في الجنة على ساق [1] يَخْرُجُ
إِلَيْهَا أَهْلُ الْجَنَّةِ فَيَتَحَدَّثُونَ فِي أَصْلِهَا
وَيَشْتَهِي بَعْضُهُمْ لَهْوَ الدُّنْيَا فَيُرْسِلُ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ عليها ريحا من الجنة فتتحرك تِلْكَ الشَّجَرَةَ
بِكُلِّ لَهْوٍ فِي الدُّنْيَا.
وَماءٍ مَسْكُوبٍ (31) ، مَصْبُوبٍ يَجْرِي دَائِمًا فِي
غَيْرِ أُخْدُودٍ لَا ينقطع.
[سورة الواقعة (56) : الآيات 32 الى 36]
وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ
(33) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34) إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ
إِنْشاءً (35) فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً (36)
وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ
(33) ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا تَنْقَطِعُ إِذَا جنيت ولا
تمتنع من
__________
2102- إسناده صحيح، أحمد بن يوسف خرج له مسلم، وقد توبع هو ومن
دونه، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
- عبد الرزاق هو ابن همام، معمر بن راشد.
- وهو في «شرح السنة» 4266 بهذا الإسناد.
- وهو في «مصنف عبد الرزاق» 20876 عن معمر به.
- وأخرجه ابن حبان 7412 من طريق عبد الرزاق به.
- وأخرجه عبد الرزاق في «التفسير» 3130 من طريق مَعْمَرٌ عَنْ
قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ مرفوعا.
- وقد تقدم في سورة الرعد عند آية: 29 من طريق ابن المبارك،
فانظره.
(1) زيد في المطبوع «العرش» .
(5/8)
أَحَدٍ أَرَادَ أَخْذَهَا.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا مَقْطُوعَةٍ بِالْأَزْمَانِ وَلَا
مَمْنُوعَةٍ بِالْأَثْمَانِ، كَمَا يَنْقَطِعُ أَكْثَرُ
ثِمَارِ الدُّنْيَا إِذَا جَاءَ الشِّتَاءُ، وَلَا يُتَوَصَّلُ
إِلَيْهَا إِلَّا بِالثَّمَنِ. وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ:
يَعْنِي لَا يُحْظَرُ عَلَيْهَا كَمَا يُحْظَرُ عَلَى
بَسَاتِينِ الدُّنْيَا.
«2103» وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «مَا قُطِعَتْ ثَمَرَةٌ مِنْ
ثِمَارِ الْجَنَّةِ إِلَّا أَبْدَلَ اللَّهُ مَكَانَهَا
ضِعْفَيْنِ» .
وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34) ، قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ: وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34) عَلَى الْأَسِرَّةِ.
وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: بَعْضُهَا فَوْقَ
بَعْضٍ فَهِيَ مَرْفُوعَةٌ عَالِيَةٌ.
«2104» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو
إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ أَخْبَرَنِي ابْنُ فَنَجْوَيْهِ ثنا
ابن حبيش [1] ثنا أبو عبد الرحمن النسائي ثنا أبو كريب ثنا
رِشْدِينِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ
دَرَّاجٍ أَبِي السَّمْحِ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَا: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
قَوْلِهِ تَعَالَى: وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34) قَالَ:
«إِنَّ ارْتِفَاعَهَا لَكَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ،
وَإِنَّ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لِمَسِيرَةُ
خَمْسِمِائَةِ عَامٍ» .
وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْفُرُشِ النِّسَاءَ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي
الْمَرْأَةَ فِرَاشًا وَلِبَاسًا عَلَى الِاسْتِعَارَةِ،
مَرْفُوعَةٍ رُفِعْنَ بِالْجَمَالِ وَالْفَضْلِ عَلَى نِسَاءِ
الدُّنْيَا دَلِيلُ هَذَا التَّأْوِيلِ قَوْلُهُ فِي عَقِبِهِ:
إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً (35) ، خَلَقْنَاهُنَّ
خَلْقًا جَدِيدًا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي
الْآدَمِيَّاتِ الْعُجْزَ الشُّمْطَ، يَقُولُ خَلَقْنَاهُنَّ
بَعْدَ الْهَرَمِ خَلْقًا آخَرَ.
فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً (36) عَذَارَى.
«2105» أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ
عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ عن
__________
2103- تقدم في سورة الزخرف عند آية: 72- 73.
2104- ضعيف. إسناده ضعيف جدا، وله علتان: رشد بن سعد واه،
ودراج عن أبي الهيثم ضعيف، وقد توبع رشدين، فانحصرت العلة في
دراج.
- دراج هو ابن سمعان، أبو الهيثم هو سليمان بن عمرو.
- وورد بذكر أبي سعيد دون أبي هريرة:
- أخرجه الترمذي 2540 والطبري 33390 من طريق أبي كريب بهذا
الإسناد.
- وأخرجه أبو الشيخ في «العظمة» 595 من طريق محرز بن عون عن
رشدين به.
- وأخرجه الطبري 33391 وابن حبان 7405 وأبو الشيخ في «العظمة»
274 والبيهقي في «البعث» 342 من طرق عن ابن وَهْبٍ عَنْ
عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ به.
- وأخرجه أحمد 3/ 75 وأبو يعلى 1395 وأبو نعيم في «صفة الجنة»
357 من طريقين عن ابن لهيعة به.
- قال الترمذي: هذا حديث غريب.
الخلاصة: هو حديث ضعيف مداره على رواية دراج عن أبي الهيثم،
وهي ضعيفة. [.....]
2105- ضعيف بهذا اللفظ وذكر الآية.
- إسناده ضعيف جدا، وله علل ثلاث: الأولى الإرسال، والثانية:
مبارك بن فضالة غير قوي، والثالثة: مراسيل الحسن واهية لأنه
كان يحدث عن كل أحد.
- وهو في «الأنوار» 320 بهذا الإسناد.
- وهو في «شمائل الترمذي» 240 عن عبد حميد بهذا الإسناد.
- وأخرجه البيهقي في «البعث» 382 من طريق مبارك بن فضالة به.
(1) في المخطوط (ب) «حنش» والمثبت عن المخطوط (أ) وط.
(5/9)
الهيثم بن كليب الشاشي أَنَا أَبُو عِيسَى
التِّرْمِذِيُّ أَنَا عبد بن حميد أنا مصعب بن المقدام أنا
الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: أَتَتْ
عَجُوزٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ
يُدْخِلَنِي الْجَنَّةَ، فَقَالَ: «يَا أَمَّ فُلَانٍ إِنَّ
الْجَنَّةَ لَا يَدْخُلُهَا عَجُوزٌ» ، قَالَ: فَوَلَّتْ
تَبْكِي، قَالَ: «أَخْبِرُوهَا أَنَّهَا لَا تَدْخُلُهَا
وَهِيَ عَجُوزٌ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: إِنَّا
أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً (35) فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً (36)
» .
«2106» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ
بْنِ إِبْرَاهِيمَ الثَّعْلَبِيُّ أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ
عَبْدُ الله بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْخَطِيبِ أَنَا أَبُو
سَعِيدٍ عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدِ بن منصور أَنَا أَبُو بَكْرٍ
مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْحَارِثِ الْوَاسِطِيُّ
بِبَغْدَادَ أنا خَلَّادُ [1] بْنُ يَحْيَى بْنِ صَفْوَانَ
السلمي ثنا سفيان الثوري [عن موسى بن عبيدة] [2]
__________
- وله شاهد من حديث عائشة.
أخرجه الطبراني في «الأوسط» 5541 وأبو نعيم في «صفة الجنة» 391
من طريق مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شيبة عن ابن طارق
عن مسعدة بن اليسع عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عن قتادة
عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ عائشة.
- واسم ابن طارق عند الطبراني «أحمد» أما عند أبي نعيم «محمد»
.
- قال الهيثمي في «المجمع» 10/ 419: وفيه مسعدة بن اليسع، وهو
ضعيف.
- قلت: بل هو ضعيف جدا. قال الذهبي في «الميزان» 4/ 98: هالك،
كذبه أبو داود، وقال أحمد: فرقنا حديثه منذ دهر.
- وأخرجه أبو نعيم في «أخبار أصبهان» 2/ 142 والبيهقي في
«البعث» 379 وأبو الشيخ في «أخلاق النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» 186 من طريق لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ
عَنْ مجاهد عن عائشة.
- وليث ضعيف.
وذكر ابن حجر في «تخريج الكشاف» 4/ 462 هذه الطرق وقال: وكلها
ضعيفة.
- وله شاهد من حديث أنس.
- أخرجه ابن الجوزي في «الوفاء» كما في «تخريج الإحياء» 3/
129.
- قال العراقي: وأسنده ابن الجوزي من حديث أنس بسند ضعيف.
- الخلاصة: لا يصح هذا الحديث بهذا اللفظ مع ذكر الآية الكريمة
على أنه مرفوع، والله أعلم.
2106- ضعيف. إسناده ضعيف جدا، موسى بن عبيدة واه، ويزيد منكر
الحديث، وله شواهد واهية لا تقوم بها حجة.
- سفيان هو ابن سعيد.
- وأخرجه الطبري 33394 وأبو نعيم في «صفة الجنة» 390 والبيهقي
في «البعث» 380 من طرق عن سفيان الثوري بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 3296 والطبري 33396 و33397 وأبو نعيم 390 من
طرق عن موسى بن عبيدة به.
- قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث
موسى بن عبيدة ويزيد بن أبان وهما يضعفان في الحديث.
- وورد من حديث أم سلمة، أخرجه الطبري 33402 وإسناده واه، فيه
سليمان بن أبي كريمة ضعفه غير واحد، والحسن لم يسمع من أم
سلمة.
- وأخرجه الطبراني في «الأوسط» 3165 عن الحسن عن أمه عن أم
سلمة، وفيه سليمان أيضا، وهو ضعيف كما تقدم.
- وانظر «الكشاف» 1122.
(1) في المخطوط (ب) «خالد» والمثبت عن المخطوط (أ) وط.
(2) زيادة عن «تفسير الطبري» .
(5/10)
عُرُبًا أَتْرَابًا
(37)
عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبَانَ عَنْ أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً (35)
، قَالَ: «عجائزكنّ [1] في الدنيا عمشا رمصا فَجَعَلْناهُنَّ
أَبْكاراً (36) » .
وَقَالَ الْمُسَيَّبُ بْنُ شَرِيكٍ: هُنَّ عَجَائِزُ
الدُّنْيَا أَنْشَأَهُنَّ اللَّهُ تَعَالَى خَلْقًا جَدِيدًا
كُلَّمَا أَتَاهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ وَجَدُوهُنَّ أَبْكَارًا.
وَذَكَرَ الْمُسَيَّبُ عَنْ غَيْرِهِ أَنَّهُنَّ فُضِّلْنَ
عَلَى الْحُورِ الْعِينِ بِصَلَاتِهِنَّ فِي الدُّنْيَا.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ وَغَيْرُهُ: هُنَّ الْحُورُ الْعِينُ
أَنْشَأَهُنَّ اللَّهُ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِنَّ وِلَادَةٌ
فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا عَذَارَى وليس هناك وجع.
[سورة الواقعة (56) : الآيات 37 الى 40]
عُرُباً أَتْراباً (37) لِأَصْحابِ الْيَمِينِ (38) ثُلَّةٌ
مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (40)
عُرُباً قَرَأَ حَمْزَةُ وَإِسْمَاعِيلُ عَنْ نَافِعٍ وَأَبُو
بَكْرٍ: عُرُباً سَاكِنَةُ الرَّاءِ الْبَاقُونَ بِضَمِّهَا
وَهِيَ جَمْعُ عَرُوبٍ أَيْ عَوَاشِقَ مُتَحَبِّبَاتٍ إِلَى
أَزْوَاجِهِنَّ. قَالَهُ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ
وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. وَهِيَ رِوَايَةُ الْوَالِبِيِّ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ عَنْهُ: مَلِقَةٌ [2] .
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: غَنِجَةٌ. وَقَالَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ
عن أبيه:
عربا حسان [3] الْكَلَامِ. أَتْراباً، مُسْتَوِيَاتٍ فِي
السِّنِّ عَلَى سِنٍّ وَاحِدٍ.
«2107» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو
إِسْحَاقَ الثعلبي أخبرني ابن فنجويه ثنا ابن شيبة أنا يَزِيدُ
بْنُ هَارُونَ عَنْ حَمَّادِ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ
زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ جُرْدًا مُرْدًا
بِيضًا جِعَادًا مُكَحَّلِينَ أَبْنَاءَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ،
عَلَى خَلْقِ آدَمَ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي سَبْعَةِ
أَذْرُعٍ» .
«2108» أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بن
أحمد الحارثي أنا محمد بن
__________
2107- أصل الحديث محفوظ، له شواهد.
- إسناده ضعيف لضعف عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، وباقي
الإسناد على شرط الصحيح.
- وهو في مصنف «ابن أبي شيبة» 7/ 33995 عن يزيد بن هارون بهذا
الإسناد.
- وأخرجه أحمد 2/ 295 و415 والطبراني في «الصغير» 808 و
«الأوسط» 5418 وابن عدي في «الكامل» .
- وابن أبي داود في «البعث» 64 وأبو نعيم في «صفة الجنة» 255
وأبو الشيخ في «العظمة» 596 والبيهقي في «البعث» 463 و464 من
طرق عن حماد بن سلمة به.
- وأصله في الصحيح، انظر الحديث المتقدم في سورة البقرة عند
آية: 25.
- وله شاهد من حديث أنس: أخرجه الطبراني في «الصغير» 1164 وأبو
نعيم في «صفة الجنة» بإثر 255 والبيهقي في «البعث» 462 من طريق
عمر بن عبد الواحد عن الأوزاعي عن ابن رباب عن أنس.
- وانظر: «الكشاف» 1124 بتخريجي.
2108- ضعيف.
- إسناده ضعيف جدا. رشدين واه، ودراج ضعيف في روايته عن أبي
الهيثم، وتوبع رشدين، فانحصرت العلة في دراج.
- دراج هو ابن السمح، أبو الهيثم هو سليمان بن عمرو.
- وهو في «شرح السنة» 4277 بهذا الإسناد.
(1) في المطبوع «كنا» وهو تصحيف.
(2) في المخطوط (ب) «ملقاة» .
(3) في المطبوع والمخطوط (أ) «حسنات» والمثبت عن المخطوط (ب) .
(5/11)
يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ أَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بن محمود ثنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ الْخَلَّالُ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
الْمُبَارَكِ عَنْ رِشْدِينِ [1] بْنِ سَعْدٍ حَدَّثَنِي
عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ دَرَّاجٍ أَبِي السَّمْحِ عَنْ
أَبِي الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ الَّذِي لَهُ ثَمَانُونَ أَلْفَ
خَادِمٍ وَاثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ زَوْجَةً، وَتُنْصَبُ لَهُ
قُبَّةٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ وَزَبَرْجَدٍ وَيَاقُوتٍ كَمَا بَيْنَ
الْجَابِيَةِ إِلَى صَنْعَاءَ» .
«2109» وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَنْظُرُ إِلَى وَجْهِهِ فِي
خَدِّهَا أَصْفَى مِنَ الْمِرْآةِ، وَإِنَّ أَدْنَى لُؤْلُؤَةٍ
عَلَيْهَا تُضِيءُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ،
وَإِنَّهُ لَيَكُونُ عَلَيْهَا سَبْعُونَ ثَوْبًا يَنْفُذُهَا
بَصَرُهُ حَتَّى يَرَى مُخَّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ» .
«2110» وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ
مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ يردون أبناء [ثلاث و] [2]
ثَلَاثِينَ سَنَةً فِي الْجَنَّةِ لَا يَزِيدُونَ عَلَيْهَا
أَبَدًا، وَكَذَلِكَ أَهْلُ النَّارِ» .
«2111» وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ عَلَيْهِمُ التِّيجَانَ،
إِنَّ أَدْنَى لؤلؤة فيها لتضيء مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ
وَالْمَغْرِبِ» .
__________
- وَهُوَ في «الزهد» 422 «زيادات نعيم بن حماد» عن رشدين بن
سعد بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 2562 من طريق ابن المبارك به.
- وأخرجه ابن أبي داود في «البعث» 78 وابن حبان 7401 من طريق
ابن وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ به.
- وأخرجه أحمد 3/ 76 وأبو يعلى 1404 من طريق حسن بن موسى عن
ابن لهيعة عن دراج به.
2109- ضعيف.
إسناده ضعيف جدا كسابقه، لكن توبع فيه رشدين، فهو ضعيف فحسب،
والله أعلم.
- وهو في «شرح السنة» 4277 بهذا الإسناد.
- وهو في «الزهد» 236 و258 «زيادات نعيم بن حماد» عن رشدين بن
سعد بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 2562 من طريق ابن المبارك به.
- وأخرجه ابن أبي داود في «البعث» 81 والحاكم 2/ 75 وابن حبان
7397 والبيهقي في «البعث» 339 من طريق ابن وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو
بْنِ الْحَارِثِ.
- وأخرجه أحمد 3/ 275 وأبو يعلى 1386 من طريق حسن بن موسى عن
ابن لهيعة عن دراج به.
- وصححه الحاكم، وتعقبه الذهبي بقوله: دراج صاحب عجائب.
- وقال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إلا من
حديث رشدين.
- وحسن إسناده الهيثمي في «المجمع» 10/ 419؟!!
2110- ضعيف وانظر ما تقدم.
- وهو في «شرح السنة» 4277 بهذا الإسناد.
- وهو في «الزهد» 422 «زيادات نعيم بن حماد» عن رشدين بن سعد
بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 2562 من ابن المبارك بهذا الإسناد.
- أخرجه ابن أبي داود في «البعث» 80 والمقدسي في «صفة الجنة»
3/ 79 وأبو نعيم في «صفة الجنة» 259 من طريق ابن وهب عن عمرو
بن الحارث به.
- وأخرجه أبو يعلى 4105 من طريق الحسن بن موسى عن ابن لهيعة عن
دراج به، وفيه «ستين» بدل «ثلاثين» . [.....]
2111- هذه الرواية هي عجز الحديث المتقدم برقم: 2109، وهي
ضعيفة.
(1) في المطبوع «رشد» وهو تصحيف.
(2) زيادة عن المخطوط.
(5/12)
«2112» أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ أَنَا أَبُو طَاهِرٍ
الْحَارِثِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يعقوب أَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ الْخَلَّالُ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلِيمٍ [1] عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ
عَتَّابٍ الْعَبْدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ
الزّمّاني عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَدْنَى أَهْلِ
الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً وَمَا مِنْهُمْ دان [2]- لَمَنْ يَغْدُو
عَلَيْهِ وَيَرُوحُ عَشَرَةُ آلَافِ خَادِمٍ، مَعَ كُلِّ
وَاحِدٍ مِنْهُمْ طَرِيفَةٌ [3] لَيْسَتْ مَعَ صَاحِبِهِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: لِأَصْحابِ الْيَمِينِ (38) ، يُرِيدُ
أَنْشَأْنَاهُنَّ لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ.
ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) ، مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَ هَذِهِ الْأُمَّةِ.
وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (40) ، مِنْ مُؤْمِنِي هَذِهِ
الْأُمَّةِ، هَذَا قَوْلُ عَطَاءٍ وَمُقَاتِلٍ.
«2113» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو
إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ أَخْبَرَنِي الْحُسَيْنُ بن محمد
العدل ثنا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدقاق ثنا
محمد بن عبد العزيز ثنا عيسى بن المساور ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ
مُسْلِمٍ ثَنَا عِيسَى بْنُ مُوسَى عَنْ عُرْوَةَ بْنِ
رُوَيْمٍ قَالَ: لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ
ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ
(40) بَكَى عُمَرُ رَضِيَ الله عنه، فقال: يَا نَبِيَّ اللَّهِ
آمَنَّا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَصَدَقْنَاهُ وَمَنْ يَنْجُو مِنَّا قَلِيلٌ؟ فَأَنْزَلَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ثُلَّةٌ
__________
2112- موقوف ضعيف. وورد مرفوعا، وهو ضعيف، والوقف أشبه.
- إسناده ضعيف، محمد بن سليم غير قوي، والحجاج مجهول، وثقه ابن
حبان على قاعدته.
- وهو في «شرح السنة» 4278 بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو نعيم في «صفة الجنة» 442 من طريق الحسين بن الحسن
الأنصاري عن ابن عون عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أبي
هريرة مرفوعا، وفي الإسناد إلى حسين من لا يعرف.
- وله شاهد من حديث أنس: أخرجه الطبراني في «الأوسط» 7670 من
طريق الحسن بن كثير عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ نصر بن
يحيى عن أبيه عن أنس قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ أسفل أهل الجنة
أجمعين درجة من يقوم على رأسه عشرة آلاف خادم بيد كل واحد مهم
صحيفتان....» وإسناده ضعيف، فيه الحسن، قال عنه الذهبي: لا
يعرف، وفيه نصر بن يحيى مجهول أيضا.
- قال الهيثمي في «المجمع» 10/ 401: ورجاله ثقات.
- وأخرجه ابن المبارك في «الزهد» 1530 من طريق الهيثم عن صالح
المدني عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ عَنْ أَنَسِ به، وإسناده
واه، يزيد الرقاشي روى مناكير كثيرة عن أنس.
- الخلاصة: ورد مرفوعا وموقوفا، وكلاهما ضعيف، والموقوف أشبه،
والله أعلم.
2113- ضعيف جدا.
- رجاله ثقات، لكن مراسيل عروة بن رويم واهية، وهو بهذا اللفظ
منكر جدا، شبه موضوع.
- وأخرجه ابن أبي حاتم كما في «أسباب النزول» للسيوطي 1064 عن
عروة بن رويم مرسلا.
- وأخرجه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» كما في «أسباب النزول»
1063 من طريق عروة بن رويم عن جابر بن عبد الله بنحوه.
- وهو واه، عروة عن جابر منقطع.
- وذكر الواحدي في «أسباب النزول» 781 عن عروة بن رويم بدون
إسناد.
(1) في المطبوع «سليمان» والمثبت عن المخطوط و «شرح السنة» .
(2) في المطبوع والمخطوط (أ) «دنيء» والمثبت عن «شرح السنة»
والمخطوط (ب) .
(3) في المخطوط (ب) «طريقة» وفي «صفة الجنة» لأبي نعيم «طرفة»
.
(5/13)
مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ
الْآخِرِينَ (40) ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ فَقَالَ: «قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ فِيمَا قُلْتَ» ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ: رَضِينَا عَنْ رَبِّنَا وَتَصْدِيقِ نَبِيُّنَا،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«مِنْ آدَمَ إِلَيْنَا ثُلَّةٌ، وَمِنِّي إِلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ ثُلَّةٌ، وَلَا يَسْتَتِمُّهَا إِلَّا سُودَانُ
مِنْ رُعَاةِ الْإِبِلِ مِمَّنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ» .
«2114» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثنا مسدّد ثنا حَصِينُ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ
حَصِينِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ: «عُرِضَتْ
عَلَيَّ الْأُمَمُ فَجَعَلَ يَمُرُّ النَّبِيُّ وَمَعَهُ
الرَّجُلُ وَالنَّبِيُّ وَمَعَهُ الرَّجُلَانِ وَالنَّبِيُّ
مَعَهُ الرَّهْطُ وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ،
وَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الْأُفُقَ فَرَجَوْتُ أَنْ
يَكُونُوا أُمَّتِي، فَقِيلَ هَذَا مُوسَى فِي قَوْمِهِ، ثُمَّ
قِيلَ لِي: انْظُرْ فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ
الْأُفُقَ فَقِيلَ لِي: انْظُرْ هَكَذَا وَهَكَذَا فَرَأَيْتُ
سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الْأُفُقَ، فَقِيلَ: هَؤُلَاءِ
أَمَتُّكَ وَمَعَ هَؤُلَاءِ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ
الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، فَتَفَرَّقُ النَّاسُ وَلَمْ
يُبَيِّنْ لَهُمْ فَتَذَاكَرَ أَصْحَابُ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: أَمَّا نَحْنُ
فَوُلِدْنَا فِي الشِّرْكِ وَلَكُنَّا آمَنَّا بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ هُمْ أَبْنَاؤُنَا فَبَلَغَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «هُمُ
الَّذِينَ لَا يَتَطَيَّرُونَ وَلَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا
يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» ، فَقَامَ
عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ فَقَالَ: أَمِنْهُمْ أَنَا يَا
رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ:
أَمِنْهُمْ أَنَا؟ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ:
«قَدْ سَبَقَكَ بِهَا عَكَّاشَةُ» .
«2115» وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «عُرِضَتْ
عَلَيَّ الْأَنْبِيَاءُ اللَّيْلَةَ بِأَتْبَاعِهَا حَتَّى
__________
2114- إسناده صحيح على شرط البخاري.
- مسدد هو ابن مسرهد.
- وهو في «شرح السنة» 4217 بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» 5752 عن مسدد بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 3410 من طريق مسدد به مختصرا.
- وأخرجه البخاري 6541 ومسلم 220 ح 374 وأحمد 1/ 271 وابن حبان
6430 وابن مندة 982 من طرق عن هشيم عن حصين بن عبد الله به.
- وأخرجه البخاري 5705 ومسلم 220 ح 375 والترمذي 446 وابن مندة
983 و984 من طريق عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ به.
2115- حسن. أخرجه عبد الرزاق 19519 ومن طريقه أحمد 1/ 401 عَنْ
مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ
حُصَيْنٍ عن ابن مسعود.
- ورجاله ثقات، لكن فيه عنعنة الحسن، وهو مدلس، ونفى أبو حاتم
سماعه من عمران، لكن توبع.
- وأخرجه أحمد 1/ 420 وأبو يعلى 5339 والطبري 33441 من طريق
قتادة بالإسناد المذكور.
- أخرجه أبو يعلى 5340 من طريق حماد بن سلمة عَنْ عَاصِمِ بْنِ
بَهْدَلَةَ عَنْ زر بن حبيش عن ابن مسعود وسنده حسن.
لكن هو بنحو سياق الحديث المتقدم عن ابن عباس.
- وأخرجه ابن حبان 6431 والطبراني 9768 والبزار 3538 من طريق
محمد بن المثنى عن ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سَعِيدٍ بْنِ
أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عن الحسن والعلاء بن زياد عن
عمران بن حصين عن ابن مسعود، والعلاء سمع من عمران، فالإسناد
حسن.
- وأخرجه الطبري 33441 من طريق سعيد بن أبي عروبة بالإسناد
السابق.
- وذكره الهيثمي في «المجمع» 10/ 405 وقال: رواه أحمد بأسانيد
والبزار أتم منه والطبراني وأبو يعلى باختصار كبير، وأحد
أسانيد أحمد والبزار رجاله رجال الصحيح.
(5/14)
أَتَى عَلَيَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ
في كبكبة من بَنِي إِسْرَائِيلَ فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ [1]
أَعْجَبُونِي، فقلت: أي رب [من] [2] هَؤُلَاءِ؟ قِيلَ: هَذَا
أَخُوكَ مُوسَى ومعه بنو إِسْرَائِيلَ، قُلْتُ: رَبِّ فَأَيْنَ
أُمَّتِي؟ قِيلَ: انْظُرْ عَنْ يَمِينِكَ فَإِذَا ظِرَابُ [3]
مَكَّةَ قَدْ سُدَّتْ بِوُجُوهِ الرِّجَالِ، قِيلَ: هَؤُلَاءِ
أَمَتُّكَ أَرَضِيتَ؟ قُلْتُ رَبِّ رَضِيتُ رَبِّ رَضِيتُ،
قِيلَ:
انْظُرْ عَنْ يَسَارِكَ فَإِذَا الْأُفُقُ قَدْ سُدَّ
بِوُجُوهِ الرِّجَالِ، قِيلَ: هَؤُلَاءِ أَمَتُّكَ أَرَضِيتَ؟
قُلْتُ: رَبِّ رَضِيتُ، فَقِيلَ:
إِنَّ مَعَ هَؤُلَاءِ سَبْعِينَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ
الْجَنَّةَ لا حساب عليهم [4] ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ
تَكُونُوا مِنَ السَّبْعِينَ فَكُونُوا وَإِنْ عَجَزْتُمْ
وَقَصَّرْتُمْ فَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الظِّرَابِ وَإِنْ
عَجَزْتُمْ فَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْأُفُقِ فَإِنِّي قَدْ
رَأَيْتُ ثَمَّ أُنَاسًا يَتَهَاوَشُونَ كَثِيرًا» .
«2116» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا محمد بن بشار ثنا غندر ثَنَا شُعْبَةُ
عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ قَالَ:
كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي قُبَّةٍ فَقَالَ «أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا
رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قُلْنَا نَعَمْ، قَالَ:
أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا ثُلْثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟
قُلْنَا: نَعَمْ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ
إِنِّي لِأَرْجُوَ أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ،
وَذَلِكَ أَنَّ الْجَنَّةَ لَا يَدْخُلُهَا إِلَّا نَفْسٌ
مؤمنة، وَمَا أَنْتُمْ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ إِلَّا
كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الْأَسْوَدِ
أَوْ كَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ
الْأَحْمَرِ» .
وَذَهَبَ جماعة إلى أن الثلثين جَمِيعًا مِنْ هَذِهِ
الْأُمَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَالِيَةِ وَمُجَاهِدٍ
وَعَطَاءِ بن أبي رياح وَالضَّحَّاكِ، قَالُوا: ثُلَّةٌ مِنَ
الْأَوَّلِينَ (13) مِنْ سَابِقِي هَذِهِ الْأُمَّةِ وَثُلَّةٌ
مِنَ الْآخِرِينَ من هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ.
«2117» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو
إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ أَخْبَرَنِي الْحُسَيْنُ بن محمد
الدينوري ثنا أحمد بن
__________
2116- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- غندر هو محمد بن جعفر، شعبة هو ابن الحجاج، أبو إسحق هو عمرو
بن عبد الله.
- وهو في «صحيح البخاري» 6528 عن محمد بن بشار بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 221 ح 377 والترمذي 2547 وابن ماجه 4283
والطيالسي 324 وأحمد 1/ 386 و437 وأبو عوانة 1/ 87- 88
والطحاوي في «المشكل» 361 و362 وابن مندة في «الإيمان» 985
وأبو نعيم في «الحلية» 4/ 152 وفي «صفة الجنة» 64 من طرق عن
شعبة به.
- وأخرجه البخاري 6642 ومسلم 221 وأحمد 1/ 445 والطحاوي 360
و364 وأبو يعلى 5386 وأبو عوانة 1/ 88 وابن مندة 986 وابن حبان
7245 و7458 من طرق عن أبي إسحاق السبيعي به.
2117- ضعيف. إسناده ضعيف جدا، أبان متروك، لكن له شاهد أمثل
إسنادا منه.
- سفيان هو ابن سعيد الثوري.
- وأخرجه ابن عدي في «الكامل» 1/ 387 من طريق محمد بن الفضل
بهذا الإسناد.
- وأخرجه الطبري 33445 والواحدي في «الوسيط» 4/ 235 من طريقين
عن سفيان به.
- وقال الحافظ في «تخريج الكشاف» 4/ 458: وفيه أبان بن أبي
عياش متروك، ورواه إسحاق والطبراني من حديث أبي بكرة مرفوعا
وموقوفا، والموقوف أولى بالصواب، وعلي بن زيد ضعيف.
- وانظر «مجمع الزوائد» 7/ 119.
(1) في المطبوع «رأيته» والمثبت عن المخطوط.
(2) زيادة عن المخطوط. [.....]
(3) الظراب: الجبال الصغيرة.
(4) في المطبوع «لهم» والمثبت عن «المخطوط» .
(5/15)
وَأَصْحَابُ
الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41)
إسحاق السني [1] أنا أَبُو خَلِيفَةَ
الْفَضْلُ بْنُ الْحُبَابِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنَا
سُفْيَانُ عَنْ أَبَانَ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ عَنِ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ثُلَّةٌ
مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (40)
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«هُمَا جَمِيعًا من أمتي» .
[سورة الواقعة (56) : الآيات 41 الى 56]
وَأَصْحابُ الشِّمالِ مَا أَصْحابُ الشِّمالِ (41) فِي سَمُومٍ
وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لَا بارِدٍ وَلا
كَرِيمٍ (44) إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ (45)
وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (46) وَكانُوا
يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا
لَمَبْعُوثُونَ (47) أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ (48) قُلْ
إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلى
مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (50)
ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51)
لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمالِؤُنَ مِنْهَا
الْبُطُونَ (53) فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54)
فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55)
هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (56)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَصْحابُ الشِّمالِ مَا أَصْحابُ
الشِّمالِ (41) فِي سَمُومٍ، رِيحٍ حَارَّةٍ وَحَمِيمٍ، مَاءٍ
حَارٍّ.
وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) ، دُخَانٍ شَدِيدِ السَّوَادِ،
تَقُولُ الْعَرَبُ: أَسْوَدُ يَحْمُومٌ إِذَا كَانَ شَدِيدَ
السَّوَادِ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: النَّارُ سَوْدَاءُ
وَأَهْلُهَا سُودٌ، وَكُلُّ شَيْءٍ فِيهَا أَسْوَدُ. وَقَالَ
ابْنُ كَيْسَانَ: الْيَحْمُومُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ النَّارِ.
لَا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ (44) ، قَالَ قَتَادَةُ، لَا بَارِدَ
الْمَنْزِلِ وَلَا كَرِيمَ الْمَنْظَرِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ
الْمُسَيَّبِ: وَلَا كَرِيمَ وَلَا حَسَنَ، نَظِيرُهُ مِنْ
كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ [الشعراء: 7، لقمان: 10] . وَقَالَ
مُقَاتِلٌ: طَيِّبٌ.
إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ، يَعْنِي فِي الدُّنْيَا،
مُتْرَفِينَ، مُنَعَّمِينَ [2] .
وَكانُوا يُصِرُّونَ، يُقِيمُونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ،
عَلَى الذَّنْبِ الْكَبِيرِ وَهُوَ الشِّرْكُ. وَقَالَ
الشَّعْبِيُّ: الْحِنْثِ الْعَظِيمِ الْيَمِينِ الْغَمُوسِ.
وَمَعْنَى هَذَا: أَنَّهُمْ كَانُوا يَحْلِفُونَ أَنَّهُمْ لَا
يُبْعَثُونَ وَكَذَبُوا فِي ذَلِكَ.
وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً
أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (47) ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ
وَنَافِعُ [والكسائي] [3] ويعقوب أَإِذا مُسْتَفْهِمًا إِنَّا
بِتَرْكِهِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ [4] بِالِاسْتِفْهَامِ
فِيهِمَا.
أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ
وَالْآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ
ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ
لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ فَمالِؤُنَ مِنْهَا
الْبُطُونَ فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ فَشارِبُونَ
شُرْبَ الْهِيمِ قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَعَاصِمٌ
وَحَمْزَةُ شُرْبَ بِضَمِّ الشِّينِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ
بِفَتْحِهَا وَهُمَا لُغَتَانِ فَالْفَتْحُ عَلَى الْمَصْدَرِ
وَالضَّمُّ اسْمٌ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ كَالضَّعْفِ والضّعف
والْهِيمِ الْإِبِلُ الْعِطَاشُ، قَالَ عِكْرِمَةُ
وَقَتَادَةُ: الْهُيَامُ دَاءٌ يُصِيبُ الْإِبِلَ لَا تُرْوَى
مَعَهُ وَلَا تَزَالُ تَشْرَبُ حَتَّى تَهْلَكَ. يُقَالُ:
جَمَلٌ أَهْيَمُ، وَنَاقَةٌ هَيْمَاءُ، وَالْإِبِلُ هِيمٌ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَابْنُ عُيَيْنَةَ: الْهِيمُ الْأَرْضُ
السَّهْلَةُ ذَاتُ الرَّمْلِ.
هَذَا نُزُلُهُمْ، يَعْنِي مَا ذُكِرَ مِنَ الزَّقُّومِ
وَالْحَمِيمِ، أَيْ رِزْقُهُمْ وَغِذَاؤُهُمْ وَمَا أعدلهم،
يَوْمَ الدِّينِ، يَوْمَ يُجَازَوْنَ بِأَعْمَالِهِمْ ثُمَّ
احْتَجَّ عَلَيْهِمْ فِي الْبَعْثِ.
__________
- وانظر «الكشاف» 1120 و «فتح القدير» 2430 و2431 بتخريجي.
(1) في المطبوع «الضبي» والمثبت عن المخطوط.
(2) في المخطوط (ب) «متنعمين» .
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) في المخطوط (ب) «الباقون» .
(5/16)
نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ
فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ (57)
[سورة الواقعة (56) : الآيات 57 الى 65]
نَحْنُ خَلَقْناكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ (57)
أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ
أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ (59) نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ
الْمَوْتَ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلى أَنْ
نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا
تَعْلَمُونَ (61)
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْلا
تَذَكَّرُونَ (62) أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63)
أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ
نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65)
بِقَوْلِهِ: نَحْنُ خَلَقْناكُمْ، قَالَ مُقَاتِلٌ
خَلَقْنَاكُمْ وَلَمْ تَكُونُوا شَيْئًا وَأَنْتُمْ تعلمون
ذلك، فَلَوْلا فَهَلَّا تُصَدِّقُونَ، بِالْبَعْثِ.
أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) ، ما تَصُبُّونَ فِي
الْأَرْحَامِ مِنَ النُّطَفِ.
أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ، يعني أأنتم تخلقون [1] مَا
تُمْنُونَ بَشَرًا. أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ (59) نَحْنُ
قَدَّرْنا، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ بِتَخْفِيفِ الدَّالِ
وَالْبَاقُونَ بِتَشْدِيدِهَا وَهُمَا لُغَتَانِ بَيْنَكُمُ
الْمَوْتَ، قَالَ مُقَاتِلٌ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْلُغُ
الْهَرَمَ وَمِنْكُمْ مَنْ يَمُوتُ صَبِيًّا وَشَابًّا.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: تَقْدِيرُهُ إِنَّهُ جَعَلَ أَهْلَ
السَّمَاءِ وَأَهْلَ الْأَرْضِ فِيهِ سَوَاءً فَعَلَى هَذَا
يَكُونُ مَعْنَى قَدَّرْنَا قَضَيْنَا. وَما نَحْنُ
بِمَسْبُوقِينَ، بِمَغْلُوبِينَ عَاجِزِينَ عَنْ إِهْلَاكِكُمْ
وَإِبْدَالِكُمْ بِأَمْثَالِكُمْ.
فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: عَلى أَنْ نُبَدِّلَ
أَمْثالَكُمْ
، يَعْنِي نَأْتِي بِخَلْقٍ مِثْلِكُمْ بَدَلًا مِنْكُمُ،
وَنُنْشِئَكُمْ
، نَخْلُقُكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ
، مِنَ الصُّوَرِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: فِي أَيِّ خَلْقٍ شِئْنَا.
وَقَالَ الْحَسَنُ: أَيْ نُبَدِّلَ صِفَاتَكُمْ فَنَجْعَلَكُمْ
قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ كَمَا فَعَلْنَا بِمَنْ كَانَ
قَبْلَكُمْ، يَعْنِي إِنْ أَرَدْنَا أَنْ نَفْعَلَ ذَلِكَ مَا
فَاتَنَا ذَلِكَ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: فيما لَا تَعْلَمُونَ
يَعْنِي فِي حَوَاصِلِ طَيْرٍ سُودٍ تَكُونُ بِبَرَهُوتَ
كَأَنَّهَا الْخَطَاطِيفُ وبَرَهُوتُ وَادٍ بِالْيَمَنِ [2] .
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى، الْخِلْقَةَ
الْأُولَى ولم تكونوا شيئا. فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ، أَنِّي
قَادِرٌ عَلَى إِعَادَتِكُمْ كَمَا قَدَرْتُ عَلَى
إِبْدَائِكُمْ. [3]
أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) ، يَعْنِي تُثِيرُونَ
مِنَ الْأَرْضِ وَتُلْقُونَ فِيهَا مِنَ الْبَذْرِ.
أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ، تُنْبِتُونَهُ، أَمْ نَحْنُ
الزَّارِعُونَ، الْمُنْبِتُونَ.
لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً، قَالَ عَطَاءٌ تِبْنًا لَا
قَمْحَ فِيهِ، وَقِيلَ: هَشِيمًا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي
مَطْعَمٍ وَغِذَاءٍ فَظَلْتُمْ، وَأَصْلُهُ فَظَلَلْتُمْ،
حُذِفَتْ إِحْدَى اللَّامَيْنِ تَخْفِيفًا. تَفَكَّهُونَ،
تَتَعَجَّبُونَ بِمَا نَزَلَ بِكُمْ فِي زَرْعِكُمْ، وَهُوَ
قَوْلُ عَطَاءٍ وَالْكَلْبِيِّ وَمُقَاتِلٍ: وَقِيلَ:
تَنْدَمُونَ عَلَى نَفَقَاتِكُمْ، وَهُوَ قَوْلُ يَمَانٍ،
نَظِيرُهُ:
فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى مَا أَنْفَقَ فِيها
[الْكَهْفِ: 42] ، وَقَالَ الْحَسَنُ: تَنْدَمُونَ عَلَى مَا
سَلَفَ مِنْكُمْ مِنَ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي أَوْجَبَتْ تِلْكَ
الْعُقُوبَةَ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: تتلاومون. قال ابْنُ
كَيْسَانَ: تَحْزَنُونَ. قَالَ الْكِسَائِيُّ: هُوَ تَلَهُّفٌ
عَلَى مَا فَاتَ وَهُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ، تَقُولُ الْعَرَبُ:
تفكهت أي تنعمت وتفكهت أي حزنت.
[سورة الواقعة (56) : الآيات 66 الى 73]
إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67)
أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ
أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ
(69) لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ
(70)
أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) أَأَنْتُمْ
أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ (72)
نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ (73)
__________
(1) في المطبوع «تخلقونه» والمثبت عن المخطوط.
(2) في المطبوع «بالمين» .
(3) في المطبوع «أعدائكم» والمثبت عن المخطوط.
(5/17)
إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66) ، قَرَأَ أَبُو
بَكْرٍ عن عاصم اانا بهمزتين وقرأ الآخرون [إنا] [1] عَلَى
الْخَبَرِ، وَمَجَازُ الْآيَةِ فَظَلْتُمْ تفكهون وتقولون إنا
لمغرومون. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ لَمُولَعٌ [2]
بِنَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وُقُتَادَةُ: مُعَذَّبُونَ،
وَالْغَرَامُ الْعَذَابُ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَابْنُ
كَيْسَانَ: غَرِمْنَا أَمْوَالَنَا وَصَارَ مَا أَنْفَقْنَا
غُرْمًا عَلَيْنَا، وَالْمُغْرَمُ [3] الَّذِي ذَهَبَ مَالُهُ
بِغَيْرِ عِوَضٍ.
وَهُوَ قوله: بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67) ، مَحْدُودُونَ
مَمْنُوعُونَ أَيْ حُرِمْنَا مَا كُنَّا نَطْلُبُهُ مِنَ
الرِّيعِ فِي الزَّرْعِ.
أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ
أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ، السَّحَابِ وَاحِدَتُهَا
مُزْنَةٌ، أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69) لَوْ نَشاءُ
جَعَلْناهُ أُجاجاً، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ شَدِيدُ
الْمُلُوحَةِ، قَالَ الْحَسَنُ: مُرًّا. فَلَوْلا تَشْكُرُونَ.
أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) ، تَقْدَحُونَ
وَتَسْتَخْرِجُونَ مِنْ زَنْدِكُمْ.
أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها، الَّتِي تُقْدَحُ مِنْهَا
النَّارُ وَهِيَ الْمَرْخُ وَالْعِفَارُ، أَمْ نَحْنُ
الْمُنْشِؤُنَ نَحْنُ جَعَلْناها، يَعْنِي نَارَ الدُّنْيَا
تَذْكِرَةً، لِلنَّارِ الْكُبْرَى إِذَا رَآهَا الرَّائِي
ذَكَرَ جَهَنَّمَ، قَالَهُ عِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ
وَمُقَاتِلٌ. وَقَالَ عَطَاءٌ: مَوْعِظَةٌ يَتَّعِظُ بِهَا
الْمُؤْمِنُ.
«2118» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بن محمد السرخسي
أنا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ الفقيه ثنا أَبُو
إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ
أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ
الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «نَارُ بَنِي آدَمَ
الَّتِي يُوقِدُونَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ
جَهَنَّمَ» ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ كَانَتْ
لِكَافِيَةً، قَالَ: «فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا
بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا» .
وَمَتاعاً، بلغة ومنفعة، لِلْمُقْوِينَ، المسافرين والمقوي
النازل في الأرض والقيّ والقواء هُوَ الْقَفْرُ الْخَالِيَةُ
الْبَعِيدَةُ مِنَ الْعُمْرَانِ يُقَالُ أَقْوَتِ الدَّارُ
إِذَا خَلَتْ مِنْ سُكَّانِهَا وَالْمَعْنَى أَنَّهُ
يَنْتَفِعُ بِهَا أَهْلُ الْبَوَادِي وَالْأَسْفَارِ، فَإِنَّ
مَنْفَعَتَهُمْ بِهَا أَكْثَرُ مِنْ مَنْفَعَةِ الْمُقِيمِ
وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يُوقِدُونَهَا لَيْلًا لِتَهْرَبَ مِنْهُمَ
السِّبَاعُ وَيَهْتَدِيَ بها الضال [4] وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ
الْمَنَافِعِ، هَذَا قول أكثر المفسرين.
__________
2118- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- أبو مصعب هو أحمد بن أبي بكر، مالك هو ابن أنس، أبو الزناد
هو عبد الله بن ذكوان، الأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز.
- وهو في «شرح السنة» 4294 بهذا الإسناد.
- وأخرجه ابن حبان 7462 من طريق أبي مُصْعَبٍ أَحْمَدُ بْنُ
أَبِي بَكْرٍ بهذا الإسناد.
- وهو في «الموطأ» 9942 عن أبي الزناد به.
- وأخرجه البخاري 3265 والبيهقي في «البعث» 497 من طريق مالك
به.
- وأخرجه مسلم 2843 والبيهقي 497 والآجري في «الشريعة» من
طريقين عن أبي الزناد به.
- وأخرجه مسلم 2843 وعبد الرزاق 20897 وأحمد 2/ 313 وابن
المبارك في «الزهد» 308 برواية نعيم بن حماد والترمذي 2589 من
طريق معمر عن همام عن أبي هريرة به.
- وأخرجه أحمد 2/ 467 وهناد في «الزهد» 236 من طريقين عَنْ
حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ
أَبِي هريرة.
- وأخرجه الدارمي 2/ 340 من طريق الهجري عن ابن عياض عن أبي
هريرة.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) في المطبوع «لموقع» والمثبت عن المخطوط.
(3) في المخطوط (ب) : «الغرم» . [.....]
(4) في المطبوع «الضلال» والمثبت عن المخطوط.
(5/18)
فَسَبِّحْ بِاسْمِ
رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74)
وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ:
لِلْمُقْوِينَ يَعْنِي لِلْمُسْتَمْتِعِينَ بِهَا مِنَ
النَّاسِ أَجْمَعِينَ الْمُسَافِرِينَ وَالْحَاضِرِينَ
يَسْتَضِيئُونَ بِهَا فِي الظُّلْمَةِ وَيَصْطَلُونَ مِنَ
الْبَرْدِ، وَيَنْتَفِعُونَ بِهَا فِي الطَّبْخِ وَالْخَبْزِ.
قَالَ الْحَسَنُ: بُلْغَةٌ لِلْمُسَافِرِينَ يَتَبَلَّغُونَ
بِهَا إِلَى أَسْفَارِهِمْ يَحْمِلُونَهَا فِي الْخِرَقِ
وَالْجَوَالِيقِ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: لِلْجَائِعِينَ
تَقُولُ الْعَرَبُ أَقْوَيْتُ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا أَيْ مَا
أَكَلْتُ شَيْئًا. قَالَ قُطْرُبُ: الْمُقْوِي مِنَ
الْأَضْدَادِ يُقَالُ لِلْفَقِيرِ مُقْوٍ لِخُلُوِّهِ مِنَ
الْمَالِ، وَيُقَالُ لِلْغَنِيِّ: مُقْوٍ لِقُوَّتِهِ عَلَى
مَا يُرِيدُ، يُقَالُ: أَقْوَى الرَّجُلُ إِذَا قَوِيَتْ
دَوَابُّهُ وَكَثُرَ مَالُهُ، وَصَارَ إِلَى حَالَةِ
الْقُوَّةِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ فِيهَا مَتَاعًا
لِلْأَغْنِيَاءِ وَالْفُقَرَاءِ جَمِيعًا لَا غِنًى لِأَحَدٍ
عنها.
[سورة الواقعة (56) : الآيات 74 الى 79]
فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74) فَلا أُقْسِمُ
بِمَواقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ
تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي
كِتابٍ مَكْنُونٍ (78)
لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (79)
فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74) .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ
(75) ، قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: مَعْنَاهُ أقسم ولا
صِلَةٌ، وَكَانَ عِيسَى بْنُ عُمَرَ يَقْرَأُ: «فَلَأُقْسِمُ»
، عَلَى التَّحْقِيقِ. وَقِيلَ: قَوْلُهُ فَلا رَدٌّ لِمَا
قَالَهُ الْكُفَّارُ فِي الْقُرْآنِ إِنَّهُ سِحْرٌ وَشِعْرٌ
وَكَهَانَةٌ، مَعْنَاهُ لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا يَقُولُونَ
ثُمَّ اسْتَأْنَفَ الْقَسَمَ، فَقَالَ أُقْسِمُ بِمَواقِعِ
النُّجُومِ.
قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ «بِمَوْقِعِ» عَلَى
التَّوْحِيدِ. وَقَرَأَ الْآخَرُونَ «بِمَوَاقِعِ» عَلَى
الْجَمْعِ [1] . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَرَادَ نُجُومَ القرآن
فإنه كان نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَفَرِّقًا نُجُومًا. وَقَالَ جَمَاعَةٌ
مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: أَرَادَ مَغَارِبَ النُّجُومِ
وَمَسَاقِطَهَا. وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ أَرَادَ
مَنَازِلَهَا. وَقَالَ الْحَسَنُ: أَرَادَ انْكِدَارَهَا
وَانْتِثَارَهَا [2] يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ،
يَعْنِي هَذَا الْكِتَابَ وَهُوَ مَوْضِعُ الْقَسَمِ.
لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ، عَزِيزٌ مَكْرَمٌ لِأَنَّهُ كَلَامُ
اللَّهِ. قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَعَانِي: الْكَرِيمُ الَّذِي
مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُعْطِيَ الْخَيْرَ الْكَثِيرَ.
فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ (78) ، مَصُونٍ عِنْدَ اللَّهِ فِي
اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مَحْفُوظٌ مِنَ الشَّيَاطِينِ.
لَا يَمَسُّهُ، أَيْ ذَلِكَ الْكِتَابَ الْمَكْنُونَ، إِلَّا
الْمُطَهَّرُونَ، وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ الْمَوْصُوفُونَ
بِالطَّهَارَةِ يُرْوَى هَذَا عَنْ أَنَسٍ وَهُوَ قَوْلُ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَبِي الْعَالِيَةِ، وَقَتَادَةَ
وَابْنِ زيد: أنهم الملائكة.
وروى حيان عَنِ الْكَلْبِيِّ قَالَ هُمُ السَّفَرَةُ
الْكِرَامُ الْبَرَرَةُ وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ فضيل [3]
عَنْهُ لَا يَقْرَؤُهُ إِلَّا الْمُوَحِّدُونَ [4] . قَالَ
عِكْرِمَةُ: وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَنْهَى أَنْ يُمَكَّنَ
الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ. قَالَ
الْفَرَّاءُ: لَا يَجِدُ طَعْمَهُ وَنَفْعَهُ إِلَّا مَنْ
آمَنَ بِهِ. وَقَالَ قَوْمٌ: مَعْنَاهُ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا
الْمُطَهَّرُونَ مِنَ الْأَحْدَاثِ وَالْجَنَابَاتِ. وَظَاهِرُ
الْآيَةِ نَفْيٌ وَمَعْنَاهَا نَهْيٌ، قَالُوا: لَا يَجُوزُ
لِلْجُنُبِ وَلَا لِلْحَائِضِ وَلَا الْمُحْدِثِ حَمْلُ
الْمُصْحَفِ وَلَا مَسُّهُ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ
وَسَالِمٍ وَالْقَاسِمِ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَبِهِ
قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَقَالَ الْحَكَمُ وَحَمَّادُ
وَأَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ لِلْمُحْدِثِ والجنب حمل المصحف
ومسه بغلاف، والأول قول أكثر الفقهاء.
__________
(1) في المطبوع «الجميع» والمثبت عن المخطوط.
(2) في المخطوط (ب) «انتشارها» .
(3) في المطبوع «الفضل» والمثبت عن المخطوط.
(4) في المطبوع «الموحدون» والمثبت عن المخطوط.
(5/19)
تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ
الْعَالَمِينَ (80)
«2119» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ
السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو
إِسْحَاقُ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمْرِو
بْنِ حُزْمٍ (أَنْ لَا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إِلَّا طَاهِرٌ) .
وَالْمُرَادُ بِالْقُرْآنِ الْمُصْحَفُ، سَمَّاهُ قُرْآنًا
عَلَى قرب الجواز وَالِاتِّسَاعِ.
«2120» كَمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى
أَرْضِ الْعَدُوِّ» .
وَأَرَادَ بِهِ الْمُصْحَفَ.
[سورة الواقعة (56) : الآيات 80 الى 84]
تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (80) أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ
أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ
تُكَذِّبُونَ (82) فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83)
وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84)
__________
2119- حسن صحيح بطرقه وشواهده.
- رجاله ثقات مشاهير، إلا أنه مرسل، لكن له شواهد.
- وهو في «شرح السنة» 275 بهذا الإسناد.
- وهو في «الموطأ» 1/ 199 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بكر
مرسلا.
- قال ابن عبد البر: لا خلاف عن مالك في إرسال هذا الحديث، وقد
روى مسندا من وجه صالح، وهو كتاب مشهور عند أهل السّير معروف
عند أهل العلم معرفة يستغنى بها في شهرتها عن الإسناد.
- وأخرجه عبد الرزاق في «التفسير» 3150 من طريق عبيد الله
ومحمد ابني أبي بكر بن حزم عن أبيهما أن النبي كتب كتابا فيه:
... فذكره، وهذا مرسل أيضا.
- وأخرجه الواحدي في «الوسيط» 4/ 240 من طريق عَبْدِ
الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
بَكْرٍ عن أبيه: ...
فذكره.
- وله شاهد من حديث ابن عمر.
- أخرجه الدارقطني 1/ 121 والطبراني في «الصغير» 1162 والبيهقي
1/ 88 وإسناده ضعيف، فيه سليمان بن موسى الأشدق، وثقه قوم
وضعفه آخرون، وفيه عنعنة ابن جريج، وهو مدلس.
- وقال الهيثمي: ورجاله موثقون «المجمع» 1/ 276.
- وله شاهد من حديث حكيم بن حزام:
- أخرجه الطبراني في «الكبير» 8724 و «الأوسط» 3325 والحاكم 3/
485.
- وصححه ووافقه الذهبي! مع أن في إسناده مطر الوراق، وهو ضعيف،
وكذا الراوي عنه سويد أبو حاتم، ضعفه النسائي، وابن معين في
رواية، ووثقه في رواية، وقال أبو زرعة: ليس بالقوي حديثه حديث
أهل الصدق.
- وقال الحافظ ابن حجر في «تلخيص الحبير» 1/ 48 بعد أن ذكر هذا
الحديث: وفي إسناده سويد أبو حاتم، وهو ضعيف، وحسّن الحازمي
إسناده.
- وله شاهد من حديث المغيرة بن شعبة:
- أخرجه الطبراني في «الكبير» 9/ (8339) .
قال الهيثمي في «المجمع» 1/ 277: وفيه إسماعيل بن رافع، ضعفه
يحيى بن معين والنسائي، وقال البخاري: ثقة مقارب الحديث.
- الخلاصة: هو حديث حسن صحيح بمجموع طرقه وشواهده.
2120- صحيح. أخرجه البخاري 2990 ومسلم 1869 وأبو داود 2610
وابن ماجة 2879 و2880 وأحمد 2/ 7 و10 و55 و63 وعبد الرزاق 9410
والطيالسي 1855 وابن الجارود 1064 وابن حبان 4715 والبغوي في
«شرح السنة» 1233 والبيهقي 9/ 108 من طرق عن نافع عن ابن عمر
مرفوعا.
(5/20)
تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (80) ،
أَيِ الْقُرْآنُ مُنَّزَّلٌ مِنْ عِنْدِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
سُمِّيَ الْمُنَّزَّلُ تَنْزِيلًا عَلَى اتِّسَاعِ اللُّغَةِ
كَمَا يُقَالُ لِلْمَقْدُورِ قَدْرٌ وَلِلْمَخْلُوقِ خَلْقٌ.
أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ، يَعْنِي الْقُرْآنَ أَنْتُمْ، يَا
أَهْلَ مَكَّةَ، مُدْهِنُونَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مكذبون.
قال مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: كَافِرُونَ نَظِيرُهُ: وَدُّوا
لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9) [الْقَلَمِ: 9] ،
وَالْمُدْهِنُّ وَالْمُدَاهِنُ الْكَذَّابُ وَالْمُنَافِقُ،
وَهُوَ مِنَ الْإِدْهَانِ وَهُوَ الْجَرْيُ فِي الْبَاطِنِ
عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ، هَذَا أَصْلُهُ ثُمَّ قِيلَ
لِلْمُكَذِّبِ مُدْهِنٌ وَإِنْ صَرَّحَ بِالتَّكْذِيبِ
وَالْكُفْرِ.
وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ، حَظَّكُمْ وَنَصِيبَكُمْ مِنَ
الْقُرْآنِ، أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ، قَالَ الْحَسَنُ فِي
هَذِهِ الْآيَةِ:
خَسِرَ عَبْدٌ لَا يَكُونُ حَظُّهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ
إِلَّا التَّكْذِيبَ بِهِ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ
الْمُفَسِّرِينَ: مَعْنَاهُ وَتَجْعَلُونَ شُكْرَكُمْ
أَنَّكُمْ تَكْذِبُونَ. وَقَالَ الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ:
إِنَّ مِنْ لُغَةِ أَزِدِ شنؤة مَا رَزَقَ فُلَانٌ بِمَعْنَى
مَا شَكَرَ وَهَذَا فِي الِاسْتِسْقَاءِ بِالْأَنْوَاءِ
وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: إِذَا مُطِرُوا
مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَلَا يَرَوْنَ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ
اللَّهِ تَعَالَى، فَقِيلَ لَهُمْ: أَتُجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ
أَيْ شُكْرَكُمْ بِمَا رُزِقْتُمْ يَعْنِي شكر زرقكم التكذيب،
فحذف المضاف وأقيم الْمُضَافَ إِلَيْهِ مَقَامَهُ.
«2121» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا
زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ
أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ
كَيْسَانَ عَنِ عَبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ
الْجُهَنِيِّ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ
بِالْحُدَيْبِيَةِ فِي [1] أَثَرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ
اللَّيْلِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ
فَقَالَ:
«هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا: اللَّهُ
وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ
بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ
اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي، وَكَافِرٌ
بالكوكب، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا
وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي ومؤمن بالكوكب» .
«2122» وَرَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَادَ: فَنَزَلَتْ هَذِهِ
الْآيَةُ فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (75) إِلَى
قَوْلِهِ: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ
(82) .
«2123» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ أَنَا
عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى
الْجُلُودِيُّ أنا
__________
2121- تقدم في سورة الفرقان عند آية: 50.
2122- صحيح. أخرجه مسلم 73 ح 127 والطبراني في «الكبير» 12/
198 والواحدي في «أسباب النزول» 782 من طريق النضر بن محمد عن
عكرمة بن عمار عن أبي زميل قال حدثني ابن عباس قال: مطر الناس
عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «أصبح من الناس شاكر، ومنهم كافر. قالوا هذه رحمة
وضعها الله تعالى، وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا فنزلة هذه
الآيات ... » .
2123- إسناده صحيح على شرط مسلم.
- أبو يونس هو سليم بن جبير، مولى أبي هريرة.
- وهو في «صحيح مسلم» بإثر 72 عن محمد بن مسلمة المرادي بهذا
الإسناد.
- وأخرجه مسلم 72 والنسائي 3/ 64 وفي «عمل اليوم والليلة» 923
وأحمد 2/ 362 والواحدي في «الوسيط» 4/ 241 وفي «أسباب النزول»
4/ 240- 241 والبيهقي 3/ 358 من طريق عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
وَهْبٍ عَنْ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أبي
هريرة بنحوه.
- وأخرجه أحمد 2/ 368 من طريق يونس بالإسناد السابق.
(1) في المطبوع «على» والمثبت عن المخطوط.
(5/21)
وَنَحْنُ أَقْرَبُ
إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (85)
إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
سُفْيَانَ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ
بن سلمة المرادي ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ عمرو بن
الحارث أن أبا يُونُسَ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ
قَالَ: «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ بَرَكَةٍ
إِلَّا أَصْبَحَ فَرِيقٌ مِنَ النَّاسِ بِهَا كَافِرِينَ،
يُنْزِلُ اللَّهُ تَعَالَى الْغَيْثَ فَيَقُولُونَ: مُطِرْنَا
بِكَوْكَبِ كذا وكذا» .
قوله عزّ وجلّ: فَلَوْلا، فَهَلَّا، إِذا بَلَغَتِ
الْحُلْقُومَ، أَيْ بَلَغَتِ النَّفْسُ الْحُلْقُومَ عِنْدَ
الْمَوْتِ.
وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) ، يُرِيدُ وَأَنْتُمْ
يَا أَهْلَ الْمَيِّتِ تَنْظُرُونَ إِلَيْهِ مَتَى تَخْرُجُ
نَفْسُهُ. وَقِيلَ: مَعْنَى قَوْلِهِ تَنْظُرُونَ أَيْ إِلَى
أَمْرِي وَسُلْطَانِي لَا يُمْكِنُكُمُ الدَّفْعُ وَلَا تملكون
شيئا.
[سورة الواقعة (56) : الآيات 85 الى 92]
وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ
(85) فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86)
تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (87) فَأَمَّا إِنْ
كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ
نَعِيمٍ (89)
وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلامٌ
لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ
الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92)
وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ، بِالْعِلْمِ
وَالْقُدْرَةِ وَالرُّؤْيَةِ. وَقِيلَ: وَرُسُلُنَا الَّذِينَ
يَقْبِضُونَ رُوحَهُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ، وَلكِنْ لَا
تُبْصِرُونَ، الَّذِينَ حَضَرُوهُ.
فَلَوْلا، فَهَلَّا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ،
مَمْلُوكِينَ، وَقَالَ أَكْثَرُهُمْ، مُحَاسَبِينَ
وَمَجْزِيِّينَ.
تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (87) ، أَيْ تَرُدُّونَ
نَفْسَ هَذَا الْمَيِّتِ إِلَى جسده بعد ما بَلَّغَتِ
الْحُلْقُومَ فَأَجَابَ عَنْ قَوْلِهِ: فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ
الْحُلْقُومَ (83) ، وَعَنْ قَوْلِهِ فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ
غَيْرَ مَدِينِينَ (86) بِجَوَابٍ وَاحِدٍ، وَمِثْلُهُ
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي
هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ
[الْبَقَرَةِ: 38] أُجِيبَا بِجَوَابٍ وَاحِدٍ، مَعْنَاهُ إِنْ
كَانَ الْأَمْرُ كَمَا تَقُولُونَ أَنَّهُ لَا بَعْثَ وَلَا
حِسَابَ وَلَا إِلَهَ يُجَازِي فَهَلَّا تَرُدُّونَ نَفْسَ
مَنْ يَعِزُّ عَلَيْكُمْ إِذَا بلغت الحلقوم، وإذ لَمْ
يُمْكِنُكُمْ ذَلِكَ فَاعْلَمُوا أَنَّ الْأَمْرَ إِلَى
غَيْرِكُمْ وَهُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَآمَنُوا بِهِ،
ثُمَّ ذَكَرَ [1] طَبَقَاتِ الْخَلْقِ عِنْدَ الْمَوْتِ
وَبَيَّنَ دَرَجَاتِهِمْ فَقَالَ.
فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) ، وَهُمُ
السَّابِقُونَ.
فَرَوْحٌ قَرَأَ يَعْقُوبُ فَرَوْحٌ، بِضَمِّ الرَّاءِ
وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا فَمَنْ قَرَأَ بِالضَّمِّ، قَالَ
الْحَسَنُ مَعْنَاهُ:
تَخْرُجُ رُوحُهُ فِي الرَّيْحَانِ، وَقَالَ قَتَادَةُ:
الرُّوحُ الرَّحْمَةُ أَيْ لَهُ الرَّحْمَةُ، وَقِيلَ:
مَعْنَاهُ فَحَيَاةٌ وَبَقَاءٌ لَهُمْ.
وَمَنْ قَرَأَ بِالْفَتْحِ مَعْنَاهُ فَلَهُ رَوْحٌ وَهُوَ
الرَّاحَةُ، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ
جُبَيْرٍ: فَرَحٌ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: مَغْفِرَةٌ
وَرَحْمَةٌ. وَرَيْحانٌ، اسْتِرَاحَةٌ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ
وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: رِزْقٌ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: هُوَ
الرِّزْقُ بِلِسَانِ حِمْيَرَ، يُقَالُ خَرَجْتُ أَطْلُبُ
رَيْحَانَ اللَّهِ أَيْ رِزْقَ اللَّهِ. وَقَالَ آخَرُونَ:
هُوَ الرَّيْحَانُ الَّذِي يُشَمُّ قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ:
لَا يُفَارِقُ أَحَدٌ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ الدُّنْيَا حَتَّى
يُؤْتَى بِغُصْنٍ مِنْ رَيْحَانِ الْجَنَّةِ فَيَشُمُّهُ ثُمَّ
تُقْبَضُ رُوحُهُ.
وَجَنَّةُ نَعِيمٍ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْوَرَّاقُ: الرَّوْحُ
النَّجَاةُ من النار والريحان دُخُولُ دَارِ الْقَرَارِ.
وَأَمَّا إِنْ كانَ الْمُتَوَفَّى، مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ
فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (91) ، أَيْ سَلَامَةٌ
لَكَ يَا مُحَمَّدُ مِنْهُمْ فَلَا تَهْتَمَّ لَهُمْ
فَإِنَّهُمْ سَلِمُوا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ أَنَّكَ تَرَى
فِيهِمْ مَا تُحِبُّ مِنَ السَّلَامَةِ. قَالَ مُقَاتِلٌ: هُوَ
أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ
وَيَقْبَلُ حَسَنَاتِهِمْ.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ وغيره: فسلام لَكَ أَنَّهُمْ مِنْ
أَصْحَابِ الْيَمِينِ، أو يقال لصاحب اليمين: سلام لك إنك
__________
(1) في المطبوع «تذكر» والمثبت عن المخطوط.
(5/22)
فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ
(93)
مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ وَأَلْفَيْتُ
إِنْ كان الرّجل يَقُولُ إِنِّي مُسَافِرٌ عَنْ قَلِيلٍ: فتقول
لَهُ: أَنْتَ مُصَدَّقٌ مُسَافِرٌ عَنْ قَلِيلٍ، وَقِيلَ:
فَسَلَامٌ لَكَ أَيْ عَلَيْكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ.
وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ، بِالْبَعْثِ،
الضَّالِّينَ، عَنِ الْهُدَى وَهُمْ أَصْحَابُ المشأمة.
[سورة الواقعة (56) : الآيات 93 الى 96]
فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ
هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ
الْعَظِيمِ (96)
فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) ، فالذي يعدلهم حَمِيمُ جَهَنَّمَ.
وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) ، وَإِدْخَالُ نَارٍ عَظِيمَةٌ.
إِنَّ هَذَا، يَعْنِي مَا ذَكَرَ مِنْ قِصَّةِ
الْمُحْتَضِرِينَ، لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ، أَيِ الْحَقُّ
الْيَقِينُ أَضَافَهُ إِلَى نَفْسِهِ.
فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74) ، قِيلَ: فَصَلِّ
بِذِكْرِ رَبِّكَ وَأَمْرِهِ، وَقِيلَ: الْبَاءُ زائدة ومعناه
[1] فَسُبَحِ اسْمَ رَبِّكَ الْعَظِيمِ.
«2124» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشُّرَيْحِيُّ
أَنَا أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ
الثَّعْلَبِيُّ أَنَا ابْنُ فَنْجَوَيْهِ أَنَا ابن شيبة ثنا
حمزة بن محمد الكاتب ثنا نعيم بن حماد ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مُوسَى بْنِ أَيُّوبَ الْغَافِقِيِ
عَنْ عَمِّهِ وَهُوَ إِيَاسُ بْنُ عَامِرٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ
عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَبِّحْ بِاسْمِ
رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74) ، قَالَ: اجْعَلُوهَا فِي
رُكُوعِكُمْ، وَلَمَّا نَزَلَتْ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ
الْأَعْلَى (1) [الْأَعْلَى: 1] قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ» .
«2125» أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ أنا أبو
مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ
الْمَحْبُوبِيُّ ثَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ
__________
2124- إسناده ضعيف. نعيم بن حماد غير قوي، وموسى بن أيوب مختلف
فيه، فقد وثقه ابن معين في رواية، وابن حبان، وضعفه ابن معين
في رواية أخرى، فقذ ذكره العقيلي في «الضعفاء» ونقل عن ابن
معين قوله: منكر الحديث، وكذا قال الساجي كما في «التهذيب» ،
وعمه إياس بن عامر وثقه ابن حبان والعجلي، ولم يرو عنه سوى
موسى، فهو مجهول، وقد ذكره ابن أبي حاتم من غير جرح أو تعديل،
وقال الذهبي: ليس بمعروف.
- وأخرجه أبو داود 869 وابن ماجه 887 والطيالسي 1000 وابن
خزيمة 601 و670 وابن حبان 1898 والحاكم 1/ 225 من طرق عن ابن
المبارك به.
- وأخرجه أحمد 4/ 155 والدارمي 1/ 299 والطحاوي في «المعاني»
1/ 235 والطبراني 17/ (889) وابن خزيمة 600 و670 والحاكم 1/
225 و2/ 477 والبيهقي 2/ 86 من طريق عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
يَزِيدَ الْمُقْرِئُ عن موسى بن أيوب به.
- صححه الحاكم، وتعقبه الذهبي في الرواية الأولى بقوله: إياس
ليس بمعروف.
- الخلاصة: إسناده ضعيف لا يحتج بمثله، ثم إن السورة مكية، وقد
وقع عند الحاكم وغيره «لما نزلت.. قال لنا» وهذا منكر،
فالسورتان مكيتان، وعقبة أسلّم بعد الهجرة بزمن.
- ومما يدل على جهالة إياس هو أن أبا داود ذكره 870 من طريق
الليث عن أيوب بن موسى أبو موسى بن أيوب عن رجلّ من قومه عن
عقبة به وأتم. وهذا يدل على جهالة إياس، والليث مقدم في
الرواية على المقرئ وابن المبارك فإنه إمام مصر بلا نزاع، وهو
أسن منهما، وأعرف بحديث موسى بن أيوب. والله أعلم.
2125- إسناده صحيح على شرط مسلّم، أبو داود هو سليمان بن داود،
شعبة بن الحجاج، الأعمش سليمان بن مهران.
- وهو في «شرح السنة» 623 بهذا الإسناد.
- وهو في «سنن الترمذي» 262 عن أبي داود الطيالسي بهذا
الإسناد. [.....]
(1) في المطبوع «أي» والمثبت عن المخطوط.
(5/23)
ثنا محمود بن غيلان ثنا أبو داود قال أنا
شُعْبَةُ عَنِ الْأَعْمَشِ قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ
عُبَيْدَةَ يُحَدِّثُ عَنْ الْمُسْتَوْرِدِ عَنْ صِلَةَ بْنِ
زُفَرَ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ:
«سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ وَفِي سُجُودِهِ سُبْحَانَ
رُبِّيَ الْأَعْلَى، وَمَا أَتَى عَلَى آيَةِ رَحْمَةٍ إِلَّا
وَقَفَ وَسَأَلَ، وَمَا أَتَى عَلَى آيَةِ عَذَابٍ إِلَّا
وَقَفَ وَتَعَوَّذَ» .
«2126» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا قُتَيْبَةُ بن سعيد ثنا محمد بن فضيل
أنا عُمَارَةُ بْنُ الْقَعْقَاعِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي
الْمِيزَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ
اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ» .
«2127» أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ
الْجُلَّفْرِيُّ حَدَّثَنِي أَبُو الْقَاسِمِ تَمَّامُ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِّيُّ بدمشق ثنا عَلِيُّ
بْنُ الْحُسَيْنِ الْبَزَّازُ [1] وَأَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ
بْنِ حَذْلَمٍ [2] وَابْنُ رَاشِدٍ قَالُوا أَخْبَرَنَا
بَكَّارُ بْنُ قتيبة ثنا
__________
- وهو في «مسند الطيالسي» 415 عن شعبة بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو داود 871 وأحمد 5/ 382 والدارمي 1/ 299 وابن
خزيمة 603 والطحاوي في «المعاني» 1/ 235 من طرق عن شعبة به.
- وأخرجه مسلّم 772 والنسائي 2/ 190 و225- 226 وأحمد 5/ 384
وابن خزيمة 603 و669 وأبو عوانة 2/ 168 وابن حبان 1897 من طرق
عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ الأعمش عن سعد بن عبيدة
به.
- وأخرجه ابن أبي شيبة 1/ 248 والدارقطني 1/ 334 وابن خزيمة 4/
6 و668 من طريق مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبي
ليلى والطحاوي 1/ 235 من طريق مجالد كلاهما عن الشعبي عن صلة
به.
- ابن أبي ليلى، ومجالد كلاهما ضعيف.
- وأخرجه ابن ماجه 888 من وجه آخر من حديث حذيفة وفي إسناده
ابن لهيعة، وهو ضعيف وأبي الأزهر، وهو مجهول.
2126- تقدم في سورة الروم عند آية: 18.
2127- حسن. إسناده ضعيف. رجاله ثقات، لكن فيه عنعنة أبي
الزبير، وهو مدلس، ومع ذلك للحديث شواهد، فهو حسن إن شاء الله.
- حجاج هو ابن ميسرة أبو عثمان، أبو الزبير هو محمد بن مسلّم
بن تدرس.
- وهو في «شرح السنة» 1258 بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 3464 وابن أبي شيبة 10/ 290 وابن حبان 826
وأبو يعلى 2233 من طريق روح بن عبادة بهذا الإسناد.
- وأخرجه النسائي في «عمل اليوم والليلة» 827 والحاكم 1/ 501
و502 من طريق حماد بن سلمة عن حجاج الصواف به.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث
أبي الزبير عن جابر.
- وله شاهد من حديث أبي هريرة، أخرجه الحاكم 1/ 512 وصححه
الحاكم، ووافقه الذهبي، وإسناده غير قوي لأجلّ سنان بن سعد.
- وله شاهد من حديث معاذ بن أنس، أخرجه أحمد 3/ 440 وسنده
ضعيف.
- الخلاصة: هو حديث حسن بشواهده، والله أعلم.
(1) في المخطوط «البزار» والمثبت عن «شرح السنة» .
(2) في المطبوع «حكيم» والمثبت عن المخطوط و «شرح السنة» .
(5/24)
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا
فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
(1)
روح بن عبادة ثنا حَجَّاجُ الصَّوَّافُ [1]
عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَالَ
سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ غُرِسَتْ لَهُ
نَخْلَةً فِي الْجَنَّةَ» .
«2128» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أحمد] المليحي قال
أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النعيمي أَنَا أَبُو
مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ ثَنَا
أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ
الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ ثَنَا حُمَيْدُ بن زنجويه ثَنَا
يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى أنا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي
السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى أَنَّ شُجَاعًا حَدَّثَهُ عَنْ أبي
ظبية [2] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
«مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْوَاقِعَةِ كُلَّ لَيْلَةٍ لم تصبه
فاقه أبدا» [قال] [3] وكان أبو ظبية لَا يَدَعُهَا أَبَدًا.
سُورَةُ الْحَدِيدِ
مدنية وهي تسع وعشرون آية
[سورة الحديد (57) : الآيات 1 الى 5]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ
وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ (2) هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ
وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3) هُوَ الَّذِي
خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ
اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ
وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما
يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ
بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4)
لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ
الْأُمُورُ (5)
__________
2128- متن منكر بإسناد ضعيف، والوقف أشبه.
- إسناده ضعيف، شجاع وأبو ظبية مجهولان.
- وأخرجه البيهقي في «الشعب» 2498 من طريق خالد بن خداش عن عبد
الله بن وهيب به.
- وأخرجه أبو عبيد في «فضائل القرآن» ص 138 وابن البيهقي في
«الشعب» 2499 وابن السني 680 وابن الجوزي في «العلل» 151 من
طرق عن السري بن يحيى بهذا الإسناد، ووقع عند أبي عبيد «عن أبي
شجاع» بدل «شجاع» وسقط «شجاع» من إسناد ابن السني.
- قال الذهبي في «تلخيص الواهيات» : شجاع لا يدرى من هو اه
نقله ابن عراق في «تنزيه الشريعة» 1/ 301.
- وقال ابن الجوزي: قال أحمد بن حنبل: هذا حديث منكر، وشجاع
والسري لا أعرفهما.
- قلت: السري وثقه الجماعة وأحمد، فلا يصح ذكر السري عن أحمد،
والصواب ما نقله ابن حجر في «الكشاف» 4/ 471 عن أحمد قوله: هذا
حديث منكر. وشجاع لا أعرفه اهـ.
- ولعل صواب العبارة عن أحمد: هذا حديث منكر، وشجاع وأبو ظبية
لا أعرفهما، لأن كلا منهما مجهول.
- وأخرجه البيهقي في «الشعب» 2497 من طريق السري عن شجاع عن
أبي فاطمة أن عثمان بن عفان عاد ابن مسعود في مرضه ... فذكره.
- وأبو فاطمة هذا مجهول، والظاهر أن شجاعا قلبه.
- الخلاصة: الإسناد ضعيف، والمتن منكر، قد أنكره الإمام أحمد
وغيره.
- وانظر «الكشاف» 1130 و «الجامع لأحكام القرآن» 5774 بتخريجي.
(1) في المطبوع «الصرّاف» والمثبت عن المخطوط و «شرح السنة» .
(2) في المطبوع «أبي طيبة» والمثبت عن المخطوط وكتب التراجم.
(3) زيادة عن المخطوط.
(5/25)
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ
وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) لَهُ مُلْكُ
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ (2) هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ
وَالْباطِنُ، يَعْنِي هُوَ الْأَوَّلُ قَبْلَ كُلِّ شيء بلا
ابتداء بل كَانَ هُوَ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ موجودا والآخر
بَعْدَ فَنَاءِ كُلِّ شَيْءٍ بِلَا انْتِهَاءٍ، تَفْنَى
الْأَشْيَاءُ وَيَبْقَى هُوَ والظاهر الْغَالِبُ الْعَالِي
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، والباطن الْعَالِمُ بِكُلِّ شَيْءٍ، هَذَا
مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ يَمَانٌ: هو الأول
القديم والآخر الرحيم، والظاهر الحليم، والباطن الْعَلِيمُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: هُوَ الْأَوَّلُ بِبِرِّهِ إِذْ
عَرَّفَكَ تَوْحِيدَهُ وَالْآخِرُ بِجُودِهِ إِذْ عَرَّفَكَ
التَّوْبَةَ عَلَى مَا جَنَيْتَ، وَالظَّاهِرُ بِتَوْفِيقِهِ
إِذْ وَفَّقَكَ لِلسُّجُودِ لَهُ، وَالْبَاطِنُ بِسَتْرِهِ إذا
عَصَيْتَهُ فَسَتَرَ عَلَيْكَ. وَقَالَ الْجُنَيْدُ: هُوَ
الْأَوَّلُ بِشَرْحِ الْقُلُوبِ، وَالْآخِرُ بِغُفْرَانِ
الذُّنُوبِ، وَالظَّاهِرُ بِكَشْفِ الْكُرُوبِ، وَالْبَاطِنُ
بِعِلْمِ الْغُيُوبِ. وَسَأَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى
عَنْهُ كَعْبًا عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ: مَعْنَاهَا
إِنَّ عِلْمَهُ بِالْأَوَّلِ كَعِلْمِهِ بِالْآخَرِ،
وَعِلْمَهُ بِالظَّاهِرِ كَعِلْمِهِ بِالْبَاطِنِ. وَهُوَ
بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.
«2129» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ أَنَا
عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنِ عِيسَى
الْجُلُودِيُّ ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
سُفْيَانَ ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي
زُهَيْرُ بن حرب ثنا جَرِيرٌ عَنْ سُهَيْلٍ قَالَ: كَانَ أَبُو
صَالِحٍ يَأْمُرُنَا إِذَا أَرَادَ أَحَدُنَا أَنْ يَنَامَ
أَنْ يَضْطَجِعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ يَقُولُ:
«اللهم رب السموات وَرَبَّ الْأَرْضِ [وَرَبَّ الْعَرْشِ
الْعَظِيمِ رَبَّنَا] [1] وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ فَالِقَ الحب
والنوى [و] منزل التوراة والإنجيل والفرقان [2] أَعَوذُ بِكَ
مِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي شَرٍّ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ،
أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْآخِرُ
فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ
فَوْقَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ،
اقْضِ عَنِّي الدَّيْنَ وَاغْنِنِي مِنَ الْفَقْرِ» وَكَانَ
يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ
أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ
فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما
__________
2129- حسن صحيح. إسناده قوي، رجاله رجال البخاري ومسلم غير
سهيل بن أبي صالح، فقد تفرد عنه مسلّم، وفيه كلام ينحط حديثه
عن درجة الصحيح جزما إلى درجة الجودة، وهذا لكونه من روايته عن
أبيه، وإلا فحديثه حسبه الحسن.
- جرير هو ابن عبد الحميد.
- وهو في «صحيح مسلّم» 2713 عن أبي خيثمة زهير بن حرب بهذا
الإسناد.
- وأخرجه ابن حبان 5537 من طريق أبي خيثمة به.
- وأخرجه النسائي في «عمل اليوم والليلة» 790 وابن السني 720
من طريق إسحاق بن راهوية عن جرير به.
- وأخرجه مسلّم 2713 ح 62 والترمذي 2400 من خالد الطحان عَنْ
سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
كَانَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم يأمرنا
إذا أخذنا مضاجعنا ... فذكره.
- وأخرجه أبو داود 5051 وابن ماجه 3873 وابن أبي شيبة 10/ 251
وأحمد 2/ 382 و536 من طرق عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عن
أبي هريرة مرفوعا.
(1) زيادة عن المخطوط و «صحيح البخاري» .
(2) في المطبوع «القرآن» والمثبت عن المخطوط و «صحيح البخاري»
.
(5/26)
يُولِجُ اللَّيْلَ فِي
النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ
بِذَاتِ الصُّدُورِ (6)
يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ
فِيها وَهُوَ مَعَكُمْ، بالعلم، أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ
بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.
لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ
الْأُمُورُ (5) .
[سورة الحديد (57) : الآيات 6 الى 10]
يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي
اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (6) آمِنُوا
بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ
مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ
وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7) وَما لَكُمْ لَا
تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا
بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ
مُؤْمِنِينَ (8) هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ
بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ
وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (9) وَما لَكُمْ
أَلاَّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ
مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً
مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلاًّ
وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
(10)
يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي
اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (6) آمِنُوا
بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، يُخَاطِبُ كُفَّارَ مَكَّةَ،
وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ،
مُمَلَّكِينَ فِيهِ يَعْنِي الْمَالَ الَّذِي كَانَ بِيَدِ
غَيْرِهِمْ فَأَهْلَكَهُمْ وَأَعْطَاهُ قُرَيْشًا فَكَانُوا
فِي ذَلِكَ الْمَالِ خُلَفَاءَ عَمَّنْ مَضَوْا. فَالَّذِينَ
آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ.
وَما لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ
يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ
مِيثاقَكُمْ، قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو أَخَذَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ
وَكَسْرِ الْخَاءِ مِيثاقَكُمْ بِرَفْعِ الْقَافِ عَلَى مَا
لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ
الْهَمْزَةِ والخاء ونصب القاف، أَيْ: أَخَذَ اللَّهُ
مِيثَاقَكُمْ حِينَ أَخْرَجَكُمْ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ عَلَيْهِ
السَّلَامُ، بِأَنَّ اللَّهَ رَبُّكُمْ لَا إله لكم سواه، قال
مُجَاهِدٌ: وَقِيلَ: أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ بِإِقَامَةِ
الْحُجَجِ وَالدَّلَائِلِ الَّتِي تَدْعُو إِلَى مُتَابَعَةِ
الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. إِنْ كُنْتُمْ
مُؤْمِنِينَ يَوْمًا، فَالْآنَ أَحْرَى الْأَوْقَاتِ أَنْ
تُؤْمِنُوا لِقِيَامِ الْحُجَجِ وَالْإِعْلَامِ بِبَعْثَةِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُزُولِ
الْقُرْآنِ.
هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ، مُحَمَّدٌ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، آياتٍ بَيِّناتٍ، يَعْنِي
الْقُرْآنَ، لِيُخْرِجَكُمْ، اللَّهُ بِالْقُرْآنِ، مِنَ
الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ، وَقِيلَ: لِيُخْرِجَكُمُ
الرَّسُولُ بِالدَّعْوَةِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ
أَيْ مِنْ ظُلُمَاتِ الشِّرْكِ إِلَى نُورِ الْإِيمَانِ،
وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ.
وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ
مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، يَقُولُ: أَيُّ شَيْءٍ
لَكُمْ فِي تَرْكِ الْإِنْفَاقِ فِيمَا يُقَرِّبُ مِنَ اللَّهِ
وَأَنْتُمْ مَيِّتُونَ تَارِكُونَ أَمْوَالَكُمْ، ثُمَّ
بَيَّنَ فَضْلَ من سبق بالإنفاق [فيما يقرب] [1] فِي سَبِيلِ
اللَّهِ وَبِالْجِهَادِ فَقَالَ: لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ
أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ، يَعْنِي فَتْحَ مَكَّةَ فِي
قَوْلِ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: هُوَ
صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ، وَقاتَلَ، يَقُولُ لَا يَسْتَوِي فِي
الْفَضْلِ مَنْ أَنْفَقَ مَالَهُ وَقَاتَلَ الْعَدُوَّ مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ
فَتْحِ مَكَّةَ مَعَ مَنْ أَنْفَقَ وَقَاتَلَ بَعْدَهُ،
أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ
بَعْدُ وَقاتَلُوا.
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ فَضِيلٍ عَنِ الْكَلْبِيِّ [2] أَنَّ
هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ الصَّدِّيقِ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ وَأَوَّلُ
مَنْ أَنْفَقَ مَالَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَقَالَ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ إِسْلَامَهُ
بِسَيْفِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَبُو بَكْرٍ.
__________
(1) زيادة عن المخطوط (ب) . [.....]
(2) في المخطوط (ب) «الكعبي» والمثبت عن المخطوط (أ) وط.
(5/27)
مَنْ ذَا الَّذِي
يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ
أَجْرٌ كَرِيمٌ (11)
«2130» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ [الشُّرَيْحِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ
أَحْمَدُ بْنُ محمد] [1] الثَّعْلَبِيُّ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ حامد بن محمد أنا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَيُّوبَ
أنا محمد بن يونس ثنا العلاء بن عمرو الشيباني ثنا أبو إسحاق
الفزاري ثنا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ آدَمَ بْنِ عَلِيٍّ
عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ أَبُو بَكْرٍ
الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَعَلَيْهِ عَبَاءَةٌ قَدْ
خَلَّهَا فِي صَدْرِهِ بِخِلَالٍ، فَنَزَلَ عَلَيْهِ جبريل
فقال: ما لي أَرَى أَبَا بَكْرٍ عَلَيْهِ عَبَاءَةٌ قَدْ
خَلَّهَا فِي صَدْرِهِ بِخِلَالٍ؟ فَقَالَ: «أَنْفَقَ مَالَهُ
عَلَيَّ قَبْلَ الْفَتْحِ» قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ
وَجَلَّ يَقُولُ: اقْرَأْ عَلَيْهِ السَّلَامَ وَقُلْ لَهُ
أَرَاضٍ أَنْتِ عَنِّي فِي فَقْرِكَ هَذَا أَمْ سَاخِطٌ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقْرَأُ
عَلَيْكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ لَكَ: أَرَاضٍ أَنْتِ فِي
فَقْرِكَ هَذَا أَمْ سَاخِطٌ» ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ:
أَأَسْخَطُ عَلَى رَبِّي إِنِّي عَنْ رَبِّي رَاضٍ إِنِّي عَنْ
رَبِّي رَاضٍ.
وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى، أَيْ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ
وَعَدَهُمُ اللَّهُ الْجَنَّةَ. قَالَ عَطَاءٌ: دَرَجَاتُ
الْجَنَّةِ تَتَفَاضَلُ، فالذين أنفقوا [من] [2] قَبْلَ
الْفَتْحِ فِي أَفْضَلِهَا. وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ «وَكُلٌّ»
بِالرَّفْعِ، وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ.
[سورة الحديد (57) : الآيات 11 الى 13]
مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً
فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (11) يَوْمَ تَرَى
الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ
أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ
هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ
وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ
مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا
نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ
الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ (13)
مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً
فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (11) يَوْمَ تَرَى
الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ، يَعْنِي
عَلَى الصِّرَاطِ، بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ،
يَعْنِي عَنْ أَيْمَانِهِمْ. قَالَ بَعْضُهُمْ: أَرَادَ
جَمِيعَ جَوَانِبِهِمْ فَعَبَّرَ بِالْبَعْضِ عَنِ الْكُلِّ
وَذَلِكَ دَلِيلُهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ.
«2131» وَقَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ من يضيء نوره» .
[يعني: على الصراط] [3] ، مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى عَدَنِ
أَبْيَنَ وَصَنْعَاءَ وَدُونَ ذَلِكَ، حَتَّى إِنَّ من
المؤمنين من لا
__________
2130- باطل. إسناده ساقط. فيه محمد بن يونس، وهو الكديمي،
متروك متهم، وشيخه العلاء متروك أيضا.
- قال ابن حبان: يروى عن أبي إسحاق العجائب، لا يجوز الاحتجاج
به بحال. وقد توبع الكديمي عند ابن حبان والواحدي وعلة الحديث
العلاء.
- أبو إسحاق هو إبراهيم بن محمد بن الحارث.
- وأخرجه ابن حبان في «المجروحين» 2/ 185 والواحدي في «الوسيط»
4/ 246 من طريق عمر بن حفص الشيبان عن العلاء بن عمرو بهذا
الإسناد.
- وذكره ابن كثير في «التفسير» عند هذه الآية من طريق البغوي
وقال: هذا الحديث ضعيف الإسناد من هذا الوجه.
- كذا قال رحمه الله، بل إسناده واه بمرة، وقال الذهبي في
«الميزان» 3/ 103: هذا كذب، وهو كما قال الذهبي رحمه الله، فإن
المتن منكر جدا، ومما يدل على وضعه، هو أنه ساقه بإسناد على
شرط البخاري.
2131- ضعيف أخرجه الطبري 33614 عن قتادة مرسلا، ومع إرساله هو
بصيغة التمريض.
- وقد أخرجه الطبري 33616 عن ابن مسعود موقوفا، وهو أصح. لكن
الآية شاهد بذلك، والله أعلم.
(1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) ما بين المعقوفتين زيد في المطبوع، وهذه الزيادة ليست في
المخطوط ولا في «تفسير الطبري» 33614.
(5/28)
يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ
نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ
أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ
الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ
بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14)
يُضِيءُ نُورُهُ إِلَّا مَوْضِعَ
قَدَمَيْهِ» [1] .
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا: يُؤْتَوْنَ نُورَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ
فَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْتَى نُورَهُ كَالنَّخْلَةِ، وَمِنْهُمْ
مَنْ يُؤْتَى نُورَهُ كَالرَّجُلِ الْقَائِمِ: وَأَدْنَاهُمْ
نُورًا مَنْ نُورُهُ أَعْلَى إِبْهَامِهِ فَيُطْفَأُ مَرَّةً
وَيَقِدُ مَرَّةً.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَمُقَاتِلٌ: يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ
أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ كُتُبُهُمْ يُرِيدُ أَنَّ
كُتُبَهُمُ الَّتِي أُعْطُوهَا بِأَيْمَانِهِمْ وَنُورِهِمْ
بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، وَتَقُولُ لَهُمُ الْمَلَائِكَةُ:
بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ.
يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ
آمَنُوا انْظُرُونا، قَرَأَ الْأَعْمَشُ وَحَمْزَةُ:
أَنْظِرُونَا بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الظَّاءِ يَعْنِي
أَمْهِلُونَا. وَقِيلَ: انْتَظِرُونَا. وَقَرَأَ الْآخَرُونَ
بِحَذْفِ الْأَلْفِ فِي الْوَصْلِ وَضَمِّهَا فِي
الِابْتِدَاءِ وَضَمِّ الظَّاءِ، تَقُولُ الْعَرَبُ:
انْظُرْنِي وَأَنْظِرْنِي يَعْنِي انْتَظِرْنِي. نَقْتَبِسْ
مِنْ نُورِكُمْ، نَسْتَضِيءُ مِنْ نُورِكُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ
اللَّهَ تَعَالَى يُعْطِي الْمُؤْمِنِينَ نُورًا عَلَى قَدْرِ
أَعْمَالِهِمْ يَمْشُونَ بِهِ عَلَى الصِّرَاطِ، وَيُعْطِي
الْمُنَافِقِينَ أَيْضًا نُورًا خَدِيعَةً لَهُمْ، وَهُوَ
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَهُوَ خادِعُهُمْ
[النساء: 142] ، فبينما هُمْ يَمْشُونَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ
عليهم ريحا وظلمة فأطفأ [2] نُورَ الْمُنَافِقِينَ، فَذَلِكَ
قَوْلُهُ: يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ
آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ
وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا
[التَّحْرِيمِ: 8] مَخَافَةَ أَنْ يُسْلَبُوا نُورَهُمْ كَمَا
سُلِبَ نُورُ الْمُنَافِقِينَ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: بَلْ
يَسْتَضِيءُ الْمُنَافِقُونَ بِنُورِ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا
يُعْطَوْنَ النُّورَ فَإِذَا سَبَقَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ
وَبَقُوا فِي الظُّلْمَةِ قَالُوا لِلْمُؤْمِنِينَ انْظُرُونَا
نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ، قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ، قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ: يَقُولُ لَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ، وَقَالَ
قَتَادَةُ: تَقُولُ لَهُمُ الْمَلَائِكَةُ ارْجِعُوا
وَرَاءَكُمْ مِنْ حَيْثُ جِئْتُمْ، فَالْتَمِسُوا نُوراً،
فَاطْلُبُوا هُنَاكَ لِأَنْفُسِكُمْ نُورًا فَإِنَّهُ لَا
سَبِيلَ لَكُمْ إِلَى الِاقْتِبَاسِ مِنْ نُورِنَا،
فَيَرْجِعُونَ فِي طَلَبِ النُّورِ فَلَا يَجِدُونَ شَيْئًا
فَيَنْصَرِفُونَ إِلَيْهِمْ لِيَلْقُوهُمْ فَيُمَيَّزُ
بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ قَوْلُهُ:
فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ، أي سور، والباء صِلَةٌ يَعْنِي
بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ، وَهُوَ حَائِطٌ
بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، لَهُ أَيْ لِذَلِكَ السُّورِ،
بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ، أَيْ فِي بَاطِنِ ذَلِكَ
السُّورِ الرَّحْمَةُ وَهِيَ الْجَنَّةُ، وَظاهِرُهُ، أَيْ
خَارِجَ ذَلِكَ السُّورِ، مِنْ قِبَلِهِ، أَيْ مِنْ قِبَلِ
ذَلِكَ الظَّاهِرِ، الْعَذابُ، وَهُوَ النار.
[سورة الحديد (57) : الآيات 14 الى 15]
يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى
وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ
وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ
اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14) فَالْيَوْمَ
لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا
مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (15)
يُنادُونَهُمْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمرو [3] قَالَ:
إِنَّ السُّورَ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي
الْقُرْآنِ فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ هُوَ سُورُ
بَيْتِ الْمَقْدِسِ الشَّرْقِيُّ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ
وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ العذاب، وادي جهنم.
وقال ابن شُرَيْحٌ: كَانَ كَعْبٌ يَقُولُ: فِي الْبَابِ
الَّذِي يُسَمَّى بَابَ الرَّحْمَةِ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ
إِنَّهُ الْبَابُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:
فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ الْآيَةَ،
يُنَادُونَهُمْ يَعْنِي: يُنَادِي [4] الْمُنَافِقُونَ
الْمُؤْمِنِينَ مِنْ وَرَاءِ السُّورِ حِينَ حُجِزَ [5]
بَيْنَهُمْ بِالسُّورِ وَبَقُوا فِي الظُّلْمَةِ: أَلَمْ
نَكُنْ مَعَكُمْ فِي الدُّنْيَا نُصَلِّي وَنَصُومُ؟ قالُوا
بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ، أَهْلَكْتُمُوهَا
بِالنِّفَاقِ وَالْكُفْرِ وَاسْتَعْمَلْتُمُوهَا فِي
الْمَعَاصِي وَالشَّهَوَاتِ، وكلها فتنة،
__________
(1) - وفي المخطوط (ب) «من يضيء نوره ما بين عدن وصنعاء ... »
.
(2) في المطبوع «فأطفأت» والمثبت عن المخطوط.
(3) في المطبوع «عبد الله بن عمر» والمثبت عن المخطوط.
(4) في المطبوع «ينادون» والمثبت عن المخطوط.
(5) في المطبوع «حجب» والمثبت عن المخطوط.
(5/29)
أَلَمْ يَأْنِ
لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ
اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا
كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ
عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ
فَاسِقُونَ (16)
وَتَرَبَّصْتُمْ، بِالْإِيمَانِ
وَالتَّوْبَةِ. قَالَ مُقَاتِلٌ: وتربصتم بِمُحَمَّدٍ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقُلْتُمْ يُوشِكُ أَنْ يَمُوتَ
فَنَسْتَرِيحُ مِنْهُ، وَارْتَبْتُمْ، شَكَكْتُمْ فِي
نُبُوَّتِهِ وَفِيمَا أَوْعَدَكُمْ بِهِ. وَغَرَّتْكُمُ
الْأَمانِيُّ، الْأَبَاطِيلُ وَمَا كُنْتُمْ تَتَمَنَّوْنَ
مِنْ نِزُولِ الدَّوَائِرِ بِالْمُؤْمِنِينَ حَتَّى جاءَ
أَمْرُ اللَّهِ، يَعْنِي الْمَوْتَ، وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ
الْغَرُورُ، يَعْنِي الشَّيْطَانَ، قَالَ قَتَادَةُ: مَا
زَالُوا عَلَى خُدْعَةٍ مِنَ الشَّيْطَانِ حَتَّى قَذَفَهُمُ
اللَّهُ فِي النَّارِ.
فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ، قَرَأَ أَبُو
جَعْفَرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَيَعْقُوبُ تُؤْخَذُ بِالتَّاءِ،
وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ، فِدْيَةٌ بَدَلٌ وَعِوَضٌ
بِأَنْ تَفْدُوا]
أَنْفُسَكُمْ مِنَ الْعَذَابِ، وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا،
يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ، مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ،
صَاحِبُكُمْ وَأَوْلَى بِكُمْ لِمَا أَسْلَفْتُمْ مِنَ
الذُّنُوبِ، وَبِئْسَ الْمَصِيرُ.
[سورة الحديد (57) : الآيات 16 الى 18]
أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ
لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا
كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ
الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ
(16) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ
مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ
تَعْقِلُونَ (17) إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ
وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعَفُ لَهُمْ
وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (18)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا
أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ [الحديد: 16] ،
قَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ:
نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ،
وَذَلِكَ أَنَّهُمْ سَأَلُوا سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ ذَاتَ
يَوْمٍ فَقَالُوا حَدِّثْنَا عَنِ التَّوْرَاةِ فَإِنَّ فِيهَا
الْعَجَائِبَ، فَنَزَلَتْ: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ
الْقَصَصِ [يُوسُفَ: 3] ، فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْقُرْآنَ
أَحْسَنُ قَصَصًا مِنْ غَيْرِهِ فَكَفُّوا عَنْ سُؤَالِ
سَلْمَانَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ عَادُوا فَسَأَلُوا
سَلْمَانَ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ فَنَزَلَ: اللَّهُ نَزَّلَ
أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً [الزُّمَرِ: 23] ،
فَكَفُّوا عَنْ سُؤَالِهِ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ عَادُوا
فَقَالُوا: حَدِّثْنَا عَنِ التَّوْرَاةِ فَإِنَّ فِيهَا
الْعَجَائِبَ فَنَزَلَتْ هذه الآية [2] . فعلى هذا تأويل
قَوْلُهُ: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ
قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ، يَعْنِي فِي الْعَلَانِيَةِ
وَبِاللِّسَانِ.
وَقَالَ الآخرون: نَزَلَتْ فِي الْمُؤْمِنِينَ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: مَا كَانَ بَيْنَ
إِسْلَامِنَا وَبَيْنَ أَنْ عَاتَبْنَا اللَّهُ بِهَذِهِ
الْآيَةِ: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ
قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ، إِلَّا أَرْبَعُ سِنِينَ. [3]
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ اللَّهَ اسْتَبْطَأَ قُلُوبَ
الْمُؤْمِنِينَ فَعَاتَبَهُمْ عَلَى رَأْسِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ
سَنَةً مِنْ نِزُولِ الْقُرْآنِ.
فَقَالَ: أَلَمْ يَأْنِ، أَلَمْ يَحِنْ لِلَّذِينِ آمَنُوا
أَنْ تخشع [قلوبهم] ترق وتلين وتخضع [4] لِذِكْرِ اللَّهِ،
وَما نَزَلَ، قَرَأَ نَافِعٌ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ
بِتَخْفِيفِ الزَّايِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِتَشْدِيدِهَا،
مِنَ الْحَقِّ، وَهُوَ الْقُرْآنُ، وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ، وَهُمُ الْيَهُودُ
وَالنَّصَارَى، فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ، الزَّمَانُ
بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَنْبِيَائِهِمْ، فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ،
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَالُوا إِلَى الدُّنْيَا وَأَعْرَضُوا
عَنْ مواعظ الله،
__________
(1) في المطبوع «نفذوا» والمثبت عن المخطوط.
(2) ذكره تعليقا عنهما، والكلبي متروك كذاب، ومقاتل إن كان ابن
سليمان، فهو كذاب أيضا، وإن كان ابن حيان فذو مناكير، والخبر
منكر جدا، أمارة الوضع لائحة عليه.
(3) هذا الأثر، أخرجه مسلم 3027 عن ابن مسعود قوله. [.....]
(4) زيد في المطبوع «قلوبهم» .
(5/30)
وَالَّذِينَ آمَنُوا
بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ
وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ
وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا
أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (19)
وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ
يَنْهَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَكُونُوا فِي صُحْبَةِ [1]
الْقُرْآنِ كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ قَسَتْ
قُلُوبُهُمْ لَمَّا طَالَ عَلَيْهِمُ الدَّهْرُ. رُوِيَ أَنَّ
أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ بُعِثَ إِلَى قُرَّاءِ أَهْلِ
الْبَصْرَةِ فَدَخْلَ عَلَيْهِ ثَلَاثمِائَةُ رَجُلٍ قد قرؤوا
الْقُرْآنَ فَقَالَ لَهُمْ: أَنْتُمْ خِيَارُ أَهْلِ
الْبَصْرَةِ وَقُرَّاؤُهُمْ فَاتْلُوهُ وَلَا يطولن عليكم
الأمد فتقسوا قُلُوبُكُمْ كَمَا قَسَتْ قُلُوبُ مَنْ كَانَ
قَبْلَكُمْ [2] . وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ، يَعْنِي
الَّذِينَ تَرَكُوا الْإِيمَانَ بِعِيسَى ومحمد عليهما الصلاة
والسلام.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ
الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ
لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (17) إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ
وَالْمُصَّدِّقاتِ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ
عَاصِمٍ بِتَخْفِيفِ الصَّادِ فِيهِمَا مِنَ التَّصْدِيقِ أَيِ
الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ
بِتَشْدِيدِهِمَا أَيِ الْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ
أُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الصَّادِ، وَأَقْرَضُوا اللَّهَ
قَرْضاً حَسَناً، بِالصَّدَقَةِ وَالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: يُضاعَفُ لَهُمْ، ذَلِكَ الْقَرْضُ
وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ، ثواب حسن وهو الجنة.
[سورة الحديد (57) : الآيات 19 الى 20]
وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ
الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ
أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا
بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (19) اعْلَمُوا
أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ
وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ
وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ
ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً
وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ
وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ
الْغُرُورِ (20)
وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ
الصِّدِّيقُونَ، وَالصِّدِّيقُ الْكَثِيرُ الصِّدْقَ، قَالَ
مُجَاهِدٌ: كُلُّ مَنْ آمَنَ بالله ورسله فَهُوَ صِدِّيقٌ
وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ.
قَالَ الضَّحَّاكُ: هُمْ ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ مِنْ هَذِهِ
الْأُمَّةِ سَبَقُوا أَهْلَ الْأَرْضِ فِي زَمَانِهِمْ إِلَى
الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ وَعَلِيٌّ وَزَيْدٌ وَعُثْمَانُ
وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَسَعْدٌ وَحَمْزَةُ، وَتَاسِعُهُمْ
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى
عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ أَلْحَقَهُ اللَّهُ بِهِمْ لِمَا
عَرَفَ مِنْ صِدْقِ نِيَّتِهِ.
وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ، اخْتَلَفُوا فِي نَظْمِ
هَذِهِ الْآيَةِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هِيَ مُتَّصِلَةٌ بِمَا
قبلها والواو وَاوُ النَّسَقِ، وَأَرَادَ بِالشُّهَدَاءِ
الْمُؤْمِنِينَ المخلصين. وقال الضحاك: هم الذين سميناهم. وقال
مُجَاهِدٌ: كُلُّ مُؤْمِنٍ صِدِّيقٌ شَهِيدٌ، وَتلَا هَذِهِ
الْآيَةَ. وَقَالَ قَوْمٌ: تَمَّ الْكَلَامُ عِنْدَ قَوْلِهِ:
هُمُ الصِّدِّيقُونَ ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ:
وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ، [قالوا] [3] والواو وَاوُ
الِاسْتِئْنَافِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَسْرُوقٍ
وَجَمَاعَةٍ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيهِمْ فَقَالَ قَوْمٌ هُمُ
الْأَنْبِيَاءُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ عَلَى الْأُمَمِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عباس وهو قَوْلُ
مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ. وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ:
هُمُ الَّذِينَ اسْتُشْهِدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ. لَهُمْ
أَجْرُهُمْ، بِمَا عَمِلُوا مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ،
وَنُورُهُمْ، عَلَى الصِّرَاطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا
وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ
الدُّنْيا، أَيْ أَنَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، وَ (مَا) صِلَةٌ
أَيْ إن الحياة في هذه
__________
(1) في المطبوع «صحة» والمثبت عن المخطوط.
(2) تقدم هذا الأثر.
(3) زيادة عن المخطوط.
(5/31)
سَابِقُوا إِلَى
مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ
السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا
بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ
يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)
الدَّارِ، لَعِبٌ، بَاطِلٌ لَا حَاصِلَ
لَهُ، وَلَهْوٌ، فَرَحٌ ثُمَّ يَنْقَضِي، وَزِينَةٌ، منظر
يتزينون بِهِ، وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ، يَفْخَرُ بِهِ
بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ.
وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ، أَيْ مُبَاهَاةٌ
بِكَثْرَةِ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ، ثُمَّ ضَرَبَ لَهَا
مَثَلًا فَقَالَ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ، أَيِ
الزُّرَّاعَ، نَباتُهُ، مَا نَبَتَ مِنْ ذَلِكَ الْغَيْثِ،
ثُمَّ يَهِيجُ، يَيْبَسُ، فَتَراهُ مُصْفَرًّا، بَعْدَ
خُضْرَتِهِ وَنَضْرَتِهِ، ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً، يَتَحَطَّمُ
وَيَتَكَسَّرُ بَعْدَ يُبْسِهِ وَيَفْنَى، وَفِي الْآخِرَةِ
عَذابٌ شَدِيدٌ، قَالَ مقاتل: لأعداء الله، ثُمَّ يَكُونُ
حُطاماً، يَتَحَطَّمُ وَيَتَكَسَّرُ بَعْدَ يُبْسِهِ
وَيَفْنَى، وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ، قَالَ مُقَاتِلٌ:
لِأَعْدَاءِ اللَّهِ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ،
لِأَوْلِيَائِهِ وَأَهْلِ طَاعَتِهِ.
وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ، قَالَ
سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مَتَاعُ الْغُرُورِ لِمَنْ يَشْتَغِلُ
فِيهَا بِطَلَبِ الْآخِرَةِ وَمَنِ اشْتَغَلَ بِطَلَبِهَا
فَلَهُ مَتَاعُ بِلَاغٍ إِلَى مَا هُوَ خَيْرٌ منه.
[سورة الحديد (57) : الآيات 21 الى 25]
سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها
كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا
بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ
يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) مَا أَصابَ
مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ
فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى
اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى مَا فاتَكُمْ
وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ
مُخْتالٍ فَخُورٍ (23) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ
النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ
الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (24) لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا
بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ
لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ
فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ
اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ
قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)
سابِقُوا، سَارَعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ
عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ، لَوْ وُصِلَ
بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ
وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ
وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ، فَبَيَّنَ أَنَّ أَحَدًا
لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا بِفَضْلِ اللَّهِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَا أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي
الْأَرْضِ، يعني: [من] [1] قَحْطَ الْمَطَرِ وَقِلَّةَ
النَّبَاتِ وَنَقْصَ الثِّمَارِ، وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ،
يَعْنِي الْأَمْرَاضَ وَفَقْدَ الْأَوْلَادِ، إِلَّا فِي
كِتابٍ، يَعْنِي اللَّوْحَ الْمَحْفُوظَ، مِنْ قَبْلِ أَنْ
نَبْرَأَها، مِنْ قَبْلِ أن نخلق الأرض والأنفس. وقال ابْنُ
عَبَّاسٍ: مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَ الْمُصِيبَةَ.
وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: يَعْنِي النَّسَمَةَ، إِنَّ ذلِكَ
عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ، أَيْ إِثْبَاتَ ذَلِكَ عَلَى
كَثْرَتِهِ هَيِّنٌ عَلَى اللَّهِ عزّ وجلّ.
لِكَيْلا تَأْسَوْا، تَحْزَنُوا، عَلى مَا فاتَكُمْ، مِنَ
الدُّنْيَا، وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ [تبطروا بِمَا
آتَاكُمْ] [2] ، قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو بِقَصْرِ الْأَلْفِ
لِقَوْلِهِ فاتَكُمْ فَجَعَلَ الْفِعْلَ لَهُ، وَقَرَأَ
الْآخَرُونَ آتاكُمْ بِمَدِّ الْأَلِفِ، أَيْ: أَعْطَاكُمْ.
قَالَ عِكْرِمَةُ: لَيْسَ أَحَدٌ إِلَّا وَهُوَ يَفْرَحُ
وَيَحْزَنُ وَلَكِنِ اجْعَلُوا الْفَرَحَ شُكْرًا وَالْحُزْنَ
صَبْرًا. وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ، مُتَكَبِّرٍ
بِمَا أُوتِيَ مِنَ الدُّنْيَا، فَخُورٍ، يَفْخَرُ بِهِ عَلَى
النَّاسِ.
قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّادِقُ: يا ابن آدم مالك
تَأْسَفُ عَلَى مَفْقُودٍ لَا يَرُدُّهُ إليك الفوت، ومالك
تَفْرَحُ بِمَوْجُودٍ لَا يَتْرُكُهُ فِي يَدِكَ الْمَوْتُ.
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ، قِيلَ: هُوَ فِي مَحَلِّ الْخَفْضِ
عَلَى نَعْتِ الْمُخْتَالِ. وَقِيلَ: هُوَ رَفْعٌ
بِالِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ فِيمَا بَعْدَهُ. وَيَأْمُرُونَ
النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ، أَيْ يُعْرِضْ عَنِ
الْإِيمَانِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ، قرأ
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيادة عن المخطوط.
(5/32)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا
نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا
النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ
مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (26)
أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ: فَإِنَّ
اللَّهَ الْغَنِيُّ، بِإِسْقَاطِ هُوَ وَكَذَلِكَ هُوَ في
مصاحفهم.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا
بِالْبَيِّناتِ، بِالْآيَاتِ وَالْحُجَجِ، وَأَنْزَلْنا
مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ، يَعْنِي الْعَدْلَ. وَقَالَ
مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ: هُوَ مَا يُوزَنُ بِهِ أَيْ
وَوَضَعْنَا الْمِيزَانَ كَمَا قَالَ: وَالسَّماءَ رَفَعَها
[الرحمن: 7] بأن وضع وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ
بِالْقِسْطِ، لِيَتَعَامَلُوا بَيْنَهُمْ بِالْعَدْلِ،
وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ.
«2132» رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ يَرْفَعُهُ: إِنَّ اللَّهَ
أَنْزَلَ أَرْبَعَ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ
الْحَدِيدَ وَالنَّارَ وَالْمَاءَ وَالْمِلْحَ، وَقَالَ أَهْلُ
الْمَعَانِي مَعْنَى قوله: وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ،
أَنْشَأْنَا وَأَحْدَثْنَا، أَيْ أَخْرَجَ لَهُمُ الْحَدِيدَ
مِنَ الْمَعَادِنِ وَعَلَّمَهُمْ صَنَعْتَهُ بِوَحْيهِ.
وَقَالَ قُطْرُبٌ: هَذَا مِنَ النَّزْلِ كَمَا يُقَالُ
أَنْزَلَ الْأَمِيرُ عَلَى فُلَانٍ نَزْلًا حَسَنًا فَمَعْنَى
الْآيَةِ أَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ نَزْلًا لَهُمْ. وَمِثْلُهُ
قَوْلُهُ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ
أَزْواجٍ [الزُّمَرِ: 6] . فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ، قُوَّةٌ
شَدِيدَةٌ يَعْنِي السِّلَاحَ لِلْحَرْبِ.
قَالَ مُجَاهِدٌ: فِيهِ جُنَّةٌ وَسِلَاحٌ يَعْنِي آلَةُ
[الدَّفْعِ] [1] وَآلَةُ الضَّرْبِ، وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ،
مِمَّا يَنْتَفِعُونَ بِهِ فِي مَصَالِحِهِمْ كَالسِّكِّينِ
وَالْفَأْسِ وَالْإِبْرَةِ وَنَحْوِهَا إِذْ هُوَ آلَةٌ
لِكُلِّ صَنْعَةٍ، وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ، أَيْ أَرْسَلْنَا
رُسُلَنَا وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ
لِيَتَعَامَلَ النَّاسُ بِالْحَقِّ وَالْعَدْلِ وَلِيَعْلَمَ
اللَّهُ وَلِيَرَى اللَّهُ، مَنْ يَنْصُرُهُ، أَيْ دِينَهُ.
وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ، أَيْ قَامَ بِنُصْرَةِ الدِّينِ
وَلَمْ يَرَ اللَّهَ وَلَا الْآخِرَةَ وَإِنَّمَا يُحْمَدُ
وَيُثَابُ مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ بِالْغَيْبِ. إِنَّ اللَّهَ
قَوِيٌّ عَزِيزٌ، قَوِيٌّ فِي أمره عزيز في ملكه،
[سورة الحديد (57) : الآيات 26 الى 27]
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي
ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ
وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (26) ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى
آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ
وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ
اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها
مَا كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ
فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا
مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (27)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي
ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ
وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (26) ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى
آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ
وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ
اتَّبَعُوهُ، عَلَى دِينِهِ، رَأْفَةً، وَهِيَ أَشَدُّ
الرِّقَّةِ، وَرَحْمَةً، كَانُوا مُتَوَادِّينَ بَعْضُهُمْ
لِبَعْضٍ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي وَصْفِ أَصْحَابِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رُحَماءُ
بَيْنَهُمْ، وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها [الفتح: 29] ، مِنْ
قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ وَلَيْسَ هَذَا بِعَطْفٍ عَلَى مَا
قَبْلَهُ وَانْتِصَابُهُ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ كَأَنَّهُ قَالَ:
وَابْتَدَعُوا رهبانية أي جاؤوا بِهَا مِنْ قِبَلِ
أَنْفُسِهِمْ، مَا كَتَبْناها، أَيْ مَا فَرَضْنَاهَا،
عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ، يَعْنِي
وَلَكِنَّهُمُ ابْتَغَوْا رِضْوَانَ اللَّهِ بِتِلْكَ
الرَّهْبَانِيَّةِ وَتِلْكَ الرَّهْبَانِيَّةُ مَا حَمَّلُوا
أَنْفُسَهَمْ مِنَ الْمَشَاقِّ فِي الِامْتِنَاعِ مِنَ
الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَلْبَسِ وَالنِّكَاحِ
وَالتَّعَبُّدِ فِي الْجِبَالِ، فَما رَعَوْها حَقَّ
رِعايَتِها، أَيْ لَمْ يَرْعَوْا الرَّهْبَانِيَّةَ حَقَّ
رِعَايَتِهَا بَلْ ضَيَّعُوهَا وَكَفَرُوا بِدِينِ عِيسَى
فَتَهَوَّدُوا وَتَنَصَّرُوا وَدَخَلُوا فِي دِينِ مُلُوكِهِمْ
وَتَرَكُوا التَّرَهُّبَ [2] ، وَأَقَامَ مِنْهُمْ أُنَاسٌ
عَلَى دِينِ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حَتَّى
أَدْرَكُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَآمَنُوا بِهِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَآتَيْنَا
الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ، وَهُمُ الَّذِينَ
ثَبَتُوا عَلَيْهَا وَهُمْ أَهْلُ الرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ،
وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ، وَهُمُ الَّذِينَ
__________
2132- لم أقف على ذكره الزمخشري في «الكشاف» 4/ 383 فقال
الحافظ: أخرجه الثعلبي، وفي إسناده من لا أعرفه.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) في المطبوع «الترهيب» والمثبت عن المخطوط.
(5/33)
تَرَكُوا الرَّهْبَانِيَّةَ وَكَفَرُوا
بِدِينِ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
«2133» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو
إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ أَنْبَأَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
حامد أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ المزني ثنا مُحَمَّدِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سليمان ثنا شيبان بن فروخ ثنا
الصَّعْقُ بْنُ حَزْنٍ [1] عَنْ عَقِيلٍ الْجَعْدِيِّ عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ سُوِيدِ بْنِ غَفْلَةَ عَنِ ابْنِ
مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: دَخَلْتُ
عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ: «يَا ابْنَ مَسْعُودٍ اخْتَلَفَ مَنْ كَانَ
قَبْلَكُمْ عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً نَجَا
مِنْهَا ثَلَاثٌ وَهَلَكَ سَائِرُهُنَّ فِرْقَةٌ آزَتِ [2]
الْمُلُوكَ وَقَاتَلُوهُمْ عَلَى دِينِ عِيسَى عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَأَخَذُوهُمْ وَقَتَلُوهُمْ
وَفُرْقَةٌ لَمْ تكن لهم طاقة بمؤزّاة [3] الْمُلُوكِ وَلَا
بِأَنْ يُقِيمُوا بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ يَدْعُونَهُمْ إِلَى
دِينِ اللَّهِ وَدِينِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَسَاحُوا
فِي الْبِلَادِ وَتَرَهَّبُوا، وَهُمُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ: وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها مَا
كَتَبْناها عَلَيْهِمْ فقال النبي: مَنْ آمَنَ بِي
وَصَدَّقَنِي وَاتَّبَعَنِي فَقَدْ رَعَاهَا حَقَّ
رِعَايَتِهَا، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِي فَأُولَئِكَ هُمُ
الْهَالِكُونَ» .
«2134» وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ: كُنْتُ رَدِيفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ فَقَالَ لِي: «يَا ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ
أَتُدْرِي [4] مِنْ أَيْنَ اتَّخَذَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ
الرَّهْبَانِيَّةَ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ،
قَالَ: ظَهَرَتْ عَلَيْهِمُ الْجَبَابِرَةُ بَعْدَ عِيسَى
عَلَيْهِ السَّلَامُ يَعْمَلُونَ بِالْمَعَاصِي فَغَضِبَ
أَهْلُ الْإِيمَانِ فَقَاتَلُوهُمْ فَهُزِمَ أَهْلُ
الْإِيمَانِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَلَمْ يبق
__________
2133- ضعيف جدا، وعلته عقيل بن يحيى الجعدي.
- قال الذهبي في «الميزان» 3/ 88: قال البخاري: منكر الحديث.
- قلت: وقاعدة البخاري: كل من قلت عنه منكر الحديث، فلا يحل
الرواية عنه.
- وله علة ثانية، وهي عنعنة أبي إسحق.
- أبو إسحق هو عمرو بن عبد الله.
- وأخرجه الطبراني 10531 من طريق محمد بن عبد الله الحضرمي عن
شيبان بن فروخ بهذا الإسناد.
- وأخرجه الحاكم 2/ 480 والطبراني 10531 من طريق عبد الرحمن بن
المبارك عن الصعق بن حزن به.
- وأخرجه الطبري 33677 من طريق داود بن المحبر عن الصعق بن حزن
به، وداود متروك.
- وأخرجه الواحدي في «الوسيط» 4/ 254 من طريق الحسن بن سفيان
عن شيبان به.
- وأخرجه الطبراني 10357 وابن أبي حاتم كما في «تفسير ابن
كثير» عند هذه الآية من طريقين عن بكير بن معروف عن مقاتل بن
حيان عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عن أبيه عن جدّه
ابن مسعود.
- وهذا إسناد واه، ليس بشيء، بكير هو معروف، قال الذهبي عنه في
«الميزان» 1/ 350: وثقه بعضهم، وقال ابن المبارك: ارم به.
- وفيه مقاتل بن حيان، وهو وإن وثقه غير واحد، فقد روى مناكير،
وقال ابن خزيمة: لا أحتج به. وفيه أيضا عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود، عامة ما يرويه عن أبيه مرسل.
- وقال الهيثمي في «المجمع» 7/ 260- 261 رواه الطبراني
بإسنادين ورجال أحدهما رجال الصحيح غير بكير بن معروف وثقه
أحمد وغيره، وفيه ضعف.
- الخلاصة: هو حديث ضعيف جدا كونه مرفوعا، والأشبه فيه الوقف،
والله أعلم. وانظر «أحكام القرآن» 2043 لابن العربي بتخريجي.
2134- تقدم مع ما قبله، وهو ضعيف جدا.
(1) في المطبوع «حرب» والمثبت عن المخطوط وكتب التراجم.
(2) في المطبوع وفي «مستدرك الحاكم» «وارث» وفي المخطوط «أذت»
والمثبت عن ط.
(3) في المطبوع «بموازة والمثبت عن ط والمخطوط. [.....]
(4) في المطبوع «هل تدري» والمثبت عن المخطوط.
(5/34)
مِنْهُمْ إِلَّا الْقَلِيلُ، فَقَالُوا:
إِنْ ظَهَرْنَا لِهَؤُلَاءِ أَفْنَوْنَا وَلَمْ يَبْقَ للدين
أحد يدعو إليه، فَقَالُوا: تَعَالَوْا نَتَفَرَّقْ فِي
الْأَرْضِ إِلَى أَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ النَّبِيَّ الَّذِي
وَعَدَنَا بِهِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، يَعْنُونَ
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَفَرَّقُوا
فِي غِيرَانِ الْجِبَالِ، وَأَحْدَثُوا رَهْبَانِيَّةً
فَمِنْهُمْ مَنْ تَمَسَّكَ بِدِينِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ،
ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها
الْآيَةَ، فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ يَعْنِي مَنْ
ثَبَتُوا عَلَيْهَا أَجْرَهُمْ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ
أَتُدْرِي مَا رَهْبَانِيَّةُ أُمَّتِي» ؟
قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «الْهِجْرَةُ
وَالْجِهَادُ وَالصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَالْحَجُّ
وَالْعُمْرَةُ وَالتَّكْبِيرُ عَلَى التِّلَاعِ» [1] .
وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ رَهْبَانِيَّةً
وَرَهْبَانِيَّةُ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ» .
«2135» وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
رَضِيَ اللَّهُ عنهما قال: كانت ملوك بني إسرائيل بَعْدَ
عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بَدَّلُوا التوراة والإنجيل، وكان
فيهم مؤمنون يقرؤون التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ
وَيَدْعُونَهُمْ إِلَى دِينِ الله فقيل لملوكهم لو جمعتهم
هؤلاء الذين [تشيعوا] [2] شَقُّوا عَلَيْكُمْ
فَقَتَلْتُمُوهُمْ أَوْ دَخَلُوا فيما نحن فيه، فجمعهم ملكهم
وَعُرِضَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلَ أَوْ يَتْرُكُوا قِرَاءَةَ
التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ إِلَّا مَا بَدَّلُوا مِنْهَا،
فَقَالُوا: نَحْنُ نَكْفِيكُمْ أَنْفُسَنَا فَقَالَتْ
طَائِفَةٌ ابْنُوا لَنَا أُسْطُوَانَةً، ثُمَّ ارْفَعُونَا
إِلَيْهَا ثُمَّ أَعْطَوْنَا شَيْئًا نَرْفَعُ بِهِ طَعَامَنَا
وَشَرَابَنَا، وَلَا نَرِدُ عَلَيْكُمْ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ:
دَعُونَا نَسِيحُ فِي الْأَرْضِ وَنَهِيمُ وَنَشْرَبُ كَمَا
يَشْرَبُ الْوَحْشُ، فَإِنْ قَدَرْتُمْ عَلَيْنَا بِأَرْضٍ
فَاقْتُلُونَا، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: ابْنُوا لَنَا دَوْرًا
فِي الْفَيَافِي نَحْتَفِرُ الْآبَارَ وَنَحْتَرِثُ الْبُقُولَ
فَلَا نَرِدُ عَلَيْكُمْ وَلَا نَمُرُّ بِكُمْ، فَفَعَلُوا
بِهِمْ ذَلِكَ فَمَضَى أُولَئِكَ عَلَى مِنْهَاجِ عِيسَى
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَخَلَفَ قَوْمٌ مِنْ
بَعْدِهِمْ مِمَّنْ قَدْ غَيَّرَ الْكِتَابَ، فَجَعَلَ
الرَّجُلُ يَقُولُ نَكُونُ فِي مَكَانِ فُلَانٍ فَنَتَعَبَّدُ
كَمَا تَعَبَّدَ فُلَانٌ وَنَسِيحُ كَمَا سَاحَ فُلَانٌ
وَنَتَّخِذُ دَوْرًا كَمَا اتَّخَذَ فُلَانٌ وَهُمْ عَلَى
شِرْكِهِمْ لَا عِلْمَ لَهُمْ بِإِيمَانِ الَّذِينَ اقْتَدَوْا
بِهِمْ فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَرَهْبانِيَّةً
ابْتَدَعُوها أَيِ ابْتَدَعَهَا هَؤُلَاءِ الصَّالِحُونَ فَمَا
رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا، يعني الآخرين الذين جاؤوا مِنْ
بَعْدِهِمْ، فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ
أَجْرَهُمْ، يَعْنِي الَّذِينَ ابْتَدَعُوهَا ابْتِغَاءَ
رِضْوَانِ اللَّهِ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ [هم] الذين
جاؤوا مِنْ بَعْدِهِمْ، قَالَ: فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ
إِلَّا قَلِيلٌ حتى هبط [3] رَجُلٌ مِنْ صَوْمَعَتِهِ وَجَاءَ
سَيَّاحٌ مِنْ سِيَاحَتِهِ وَصَاحِبُ دَيْرٍ مِنْ ديره وآمنوا
به.
__________
2135- حسن. وأخرجه أحمد 3/ 266 والواحدي في «الوسيط» 4/ 256
وأبو يعلى 4204 من طريق ابن المبارك عن سُفْيَانُ عَنْ زَيْدٍ
الْعَمِّيِّ عَنْ أبي إياس عن أنس به.
- وإسناده ضعيف.
- قال الهيثمي في «المجمع» 5/ 278: رواه أبو يعلى وأحمد إلا
أنه قال: «لكل نبي رهبانية ... » وفيه زيد العمي وثقه أحمد
وغيره، وضعفه أبو زرعة وغيره، وبقية رجاله رجال الصحيح.
- وله شاهد من حديث أبي أمامة، أخرجه أبو داود 2486 وفيه
القاسم بن عبد الرحمن ضعفه غير واحد.
- وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري أخرجه أحمد 3/ 82 من طريق
إسماعيل بن عياش عن الحجاج بن مروان الكلاعي وعقيل بن مدرك
السلمي عن أبي سعيد الخدري.
- وأخرجه أبو يعلى 1000 من طريق يعقوب القمي عن ليث عَنْ
مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري.
- وإسناده ضعيف، لضعف ليث بن أبي سليم.
- وللحديث شواهد، فهو حسن إن شاء الله، والله أعلم.
- وانظر: «فتح القدير» 2460 للشوكاني بتخريجي.
(1) في المخطوط «القلاع» .
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) في المطبوع «انحط» والمثبت عن المخطوط.
(5/35)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ
يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ
نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ
رَحِيمٌ (28)
[سورة الحديد (57) : الآيات 28 الى 29]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا
بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ
لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ
غَفُورٌ رَحِيمٌ (28) لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ
أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ
الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو
الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)
فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ، الْخِطَابُ لِأَهْلِ الْكِتَابَيْنِ
مِنَ الْيَهُودِ والنصارى، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
بِمُوسَى وَعِيسَى اتَّقَوْا اللَّهَ فِي مُحَمَّدٍ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ، مُحَمَّدٍ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ،
نَصِيبَيْنِ، مِنْ رَحْمَتِهِ، يَعْنِي يُؤْتِكُمْ أَجْرَيْنِ
لِإِيمَانِكُمْ بِعِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ،
وَالْإِنْجِيلِ وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَالْقُرْآنِ، وَقَالَ قَوْمٌ: انْقَطَعَ الْكَلَامُ
عند قوله وَرَحْمَةً ثم قال: وَرَهْبَانِيَّةٌ ابْتَدَعُوهَا
وَذَلِكَ أَنَّهُمْ تَرَكُوا الْحَقَّ فَأَكَلُوا الْخِنْزِيرَ
وَشَرِبُوا الْخَمْرَ وَتَرَكُوا الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ مِنَ
الْجَنَابَةِ وَالْخِتَانَ، فَمَا رَعَوْهَا يَعْنِي
الطَّاعَةَ وَالْمِلَّةَ حَقَّ رِعايَتِها كِنَايَةً عَنْ
غَيْرِ مَذْكُورٍ فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ
أَجْرَهُمْ، وَهُمْ أَهْلُ الرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ
وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ، وَهُمُ الَّذِينَ ابْتَدَعُوا
الرَّهْبَانِيَّةَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مُجَاهِدٌ، مَعْنَى
قَوْلِهِ: إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ عَلَى هَذَا
التَّأْوِيلِ ما أمرناهم وما كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا
ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ، وَمَا أَمَرْنَاهُمْ
بِالتَّرَهُّبِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اتَّقُوا اللَّهَ أي يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بِمُوسَى
وَعِيسَى اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ
نَصِيبَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ.
«2136» وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «ثَلَاثَةٌ
يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ: رَجُلٌ كَانَتْ لَهُ
جَارِيَةٌ فأدبها فأحسن أدبها [1] ثُمَّ أَعْتَقَهَا
وَتَزَوَّجَهَا، وَرَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ
بِكِتَابِهِ وَآمَنَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَعَبَدٌ أَحْسَنَ عِبَادَةَ اللَّهِ وَنُصْحَ
سَيِّدَهُ» وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ، قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُقَاتِلٌ: يَعْنِي عَلَى الصِّرَاطِ، كَمَا
قَالَ: نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ [التَّحْرِيمِ: 8]
وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ
النُّورَ هُوَ الْقُرْآنُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ الْهُدَى
وَالْبَيَانُ، أَيْ يَجْعَلْ لَكُمْ سَبِيلًا وَاضِحًا فِي
الدِّينِ تَهْتَدُونَ بِهِ.
وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، وَقِيلَ: لَمَّا
سَمِعَ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ قَوْلَهُ
عَزَّ وَجَلَّ: أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ
[الْقَصَصِ: 54] قَالُوا لِلْمُسْلِمِينَ: أَمَّا مَنْ آمَنَ
مِنَّا بِكِتَابِكُمْ فَلَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ
لِإِيمَانِهِ بِكِتَابِكُمْ وَبِكِتَابِنَا وَأَمَّا مَنْ لَمْ
يُؤْمِنْ مِنَّا فَلَهُ أَجْرٌ كَأُجُورِكُمْ فَمَا فَضْلُكُمْ
عَلَيْنَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ
يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ فجعل [2] لهم الأجر [3]
إِذَا آمَنُوا بِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَزَادَهُمُ النُّورَ وَالْمَغْفِرَةَ.
ثُمَّ قَالَ: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ، قَالَ
قَتَادَةُ: حَسَدَ الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا مِنْ أَهْلِ
الْكِتَابِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ
تَعَالَى: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ قَالَ
مُجَاهِدٌ: قَالَتِ الْيَهُودُ يُوشِكُ أَنْ يَخْرُجَ مِنَّا
نَبِيٌّ يَقْطَعُ الْأَيْدِيَ وَالْأَرْجُلَ، فَلَمَّا خَرَجَ
مِنَ الْعَرَبِ كَفَرُوا بِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:
لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَيْ لِيَعْلَمَ وَ (لَا)
صِلَةٌ، أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ،
أَيْ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا أَنَّهُمْ لَا
أَجْرَ لَهُمْ وَلَا نَصِيبَ لَهُمْ فِي فَضْلِ اللَّهِ،
وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ
وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.
__________
2136- تقدم في سورة القصص عند آية: 54.
(1) في المطبوع «تأديبها» والمثبت عن المخطوط.
(2) في المطبوع «فيجعل» عن المخطوط.
(3) في المطبوع «الأجرين» والمثبت عن المخطوط.
(5/36)
«2137» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ
[بْنُ أَحْمَدَ] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثنا قتيبة بن سعيد ثنا اللَّيْثُ
عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّمَا أَجَلُكُمْ فِي
أَجَلِ مَنْ خَلَا مِنَ الْأُمَمِ كَمَا بَيْنَ صَلَاةِ
الْعَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ وَإِنَّمَا مَثَلُكُمْ
وَمَثَلُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَرَجُلٍ اسْتَعْمَلَ
عُمَّالًا فَقَالَ مَنْ يَعْمَلُ لِي إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ
عَلَى قيراط قِيرَاطٍ، فَعَمِلَتِ الْيَهُودُ إِلَى نِصْفِ
النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ، ثُمَّ قَالَ مَنْ
يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ
عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ، فَعَمِلَتِ النَّصَارَى مِنْ نِصْفِ
النَّهَارِ إِلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ،
ثُمَّ قَالَ مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى
مَغْرِبِ الشَّمْسِ عَلَى قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ، أَلَا
فَأَنْتُمُ الَّذِينَ تَعْمَلُونَ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ
إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ أَلَا لَكُمُ الْأَجْرُ مَرَّتَيْنِ،
فَغَضِبَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى: وَقَالُوا: نَحْنُ
أَكْثَرُ عَمَلًا وَأَقَلُّ عَطَاءً؟ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
«هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ شَيْئًا» ؟ قَالُوا:
لا قال: «فإنه فضلي أعطيته مَنْ شِئْتُ» .
«2138» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ العلاء [1] ثنا
أبو أسامة عن بريد [2] عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«مَثَلُ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَمَثَلِ
رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ قوما يعملون له عملا [يوما] [3] إِلَى
اللَّيْلِ عَلَى أَجْرٍ مَعْلُومٍ فَعَمِلُوا إِلَى نِصْفِ
النَّهَارِ، فَقَالُوا لَا حَاجَةَ لَنَا إِلَى أَجْرِكَ
الَّذِي شَرَطْتَ لَنَا وَمَا عَمِلْنَاهُ بَاطِلٌ، فَقَالَ
لَهُمْ لَا تَفْعَلُوا أَكْمِلُوا بَقِيَةَ عَمَلِكُمْ
وَخُذُوا أَجْرَكُمْ كاملا، فأبوا وتركوا واستأجر [4] آخَرِينَ
بَعْدَهُمْ، فَقَالَ أَكْمِلُوا بَقِيَّةَ يَوْمِكُمْ هَذَا،
وَلَكُمُ الَّذِي شَرَطْتُ لَهُمْ مِنَ الْأَجْرِ فَعَمِلُوا
حَتَّى إِذَا كَانَ حِينَ صَلَاةِ [5] الْعَصْرِ قَالُوا مَا
عَمِلْنَا بَاطِلٌ وَلَكَ الْأَجْرُ الَّذِي جَعَلْتَ لَنَا
فِيهِ، فَقَالَ أَكْمِلُوا بَقِيَّةَ عَمَلِكُمْ فَإِنَّمَا
بَقِيَ مِنَ النَّهَارِ شَيْءٌ يَسِيرٌ، فأبوا
__________
2137- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- الليث هو ابن سعد، نافع مولى ابن عمر.
- وهو في «شرح السنة» 3912.
- وهو في «صحيح البخاري» 3459 عن قتيبة بن سعيد بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 2268 وأحمد 2/ 6 والرامهرمزي في «الأمثال» ص
59 والبيهقي 6/ 118 من طريقين عن نافع به.
- وأخرجه البخاري وأحمد 2/ 111 من طريق سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ به.
- وأخرجه البخاري 2269 والترمذي 2871 من طريق مالك عن ابن
دينار عن ابن عمر به.
- وأخرجه ابن حبان 6639 و7217 من طريق إسماعيل بن جعفر عن ابن
دينار عن ابن عمر به.
- وأخرجه البخاري 557 و7467 و7533 والطيالسي 1820 والبيهقي 8/
118- 119 من طرق عن الزهري عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بن عمر عن أبيه.
2138- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- أبو أسامة هو حماد بن أسامة، بريد هو ابن عبد الله بن أَبِي
بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الأشعري.
- وهو في «شرح السنة» 3913 بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» 8/ 55 عن محمد بن العلاء بهذا
الإسناد.
- وأخرجه البخاري 2271 وابن حبان 7218 والبيهقي 6/ 119 من طريق
محمد بن العلاء بهذا الإسناد.
- وأخرجه البيهقي 6/ 119 من طرق عن أبي أسامة حماد بن أسامة
به.
(1) في المطبوع «العلماء» والمثبت عن المخطوط و «شرح السنة» .
(2) في المطبوع «يزيد» والمثبت عن «شرح السنة» .
(3) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة» . [.....]
(4) زيد في المطبوع «قوما» .
(5) في المطبوع «الصلاة» والمثبت عن المخطوط.
(5/37)
|