تفسير البغوي إحياء التراث

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1)

ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: أَعَوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَقَرَأَ الثَّلَاثَ الْآيَاتِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الحشر وكل به سبعون أَلْفَ مَلَكٍ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ حَتَّى يُمْسِيَ، فَإِنْ مَاتَ فِي ذَلِكَ اليوم مات شهيدا، ومن قالها حِينَ يُمْسِي كَانَ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ» .
وَرَوَاهُ أَبُو عِيسَى عَنْ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلَانَ عَنْ أَبِي أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.

سُورَةُ الْمُمْتَحِنَةِ
مدنية [وهي ثلاث عشرة آية] [1]

[سورة الممتحنة (60) : آيَةً 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (1)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ، الْآيَةَ.
«2174» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [2] الْمَلِيحِيُّ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا قتيبة بن سعيد ثنا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ سمع عُبَيْدِ [3] اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ يَقُولُ سَمِعْتُ عَلِيَّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَالزُّبَيْرُ وَالْمِقْدَادُ فَقَالَ:
«انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوهُ مِنْهَا» ، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا تَتَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى أَتَيْنَا الرَّوْضَةَ فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ، فَقُلْنَا: أَخْرِجِي الْكِتَابَ فَقَالَتْ: مَا مَعِي كِتَابٌ فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ الكتاب أو
__________
- تنبيه: ذكره الألباني في الإرواء 342، وأعله بضعف خالد فقط، ولم يتنبه إلى نكارة معناه، واكتفى في «ضعيف الترمذي» 560 بقوله: ضعيف!!
2174- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- سفيان هو ابن عيينة.
- وهو في «صحيح البخاري» 4274 عن قتيبة بن سعيد بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 3007 و4890 ومسلم 2494 وأبو داود 2650 والترمذي 3305 والحميدي 49 وأحمد 1/ 79 وأبو يعلى 394 و398 وابن حبان 6499 والبيهقي 9/ 146 وفي «دلائل النبوة» 5/ 17 والبغوي في «شرح السنة» 2704 والواحدي في «الأسباب» 812 وفي «الوسيط» 4/ 281- 282 من طرق عن سفيان به.
(1) زيد في المطبوع.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) تصحف في المطبوع «عبد» .

(5/68)


لَتُلْقِيِنَّ الثِّيَابَ، قَالَ: فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا، فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا فِيهِ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى نَاسٍ بِمَكَّةَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا حَاطِبُ مَا هَذَا؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ، يَقُولُ: كُنْتُ حَلِيفًا وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهَمْ فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ قَرَابَتِي وَلَمْ أَفْعَلْهُ ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي وَلَا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكُمْ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ، فَقَالَ: «إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى مَنْ شَهِدَ بَدْرًا فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ» ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ السُّورَةَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ إِلَى قَوْلِهِ: سَواءَ السَّبِيلِ.
«2175» قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: نَزَلَتِ الْآيَةُ فِي حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ، وَذَلِكَ أَنَّ سَارَةَ مَوْلَاةَ أَبِي عَمْرِو بْنِ صَيْفِيِّ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ أَتَتِ الْمَدِينَةَ مِنْ مَكَّةَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَجَهَّزُ لِفَتْحِ مَكَّةَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمُسْلِمَةً جِئْتِ» ؟ قَالَتْ: لَا، قَالَ: «أَمُهَاجِرَةً جِئْتِ» ؟ قَالَتْ: لَا، قَالَ: «فَمَا جَاءَ بِكِ» ؟ قَالَتْ: كُنْتُمُ الْأَصْلَ وَالْعَشِيرَةَ وَالْمَوَالِيَ وَقَدْ ذَهَبَتْ مَوَالِيَّ وَقَدِ احْتَجْتُ حَاجَةً شَدِيدَةً فَقَدِمْتُ عَلَيْكُمْ لِتُعْطُونِي وَتَكْسُوَنِي وَتَحْمِلُونِي، فَقَالَ لَهَا: «وَأَيْنَ أَنْتِ مِنْ شُبَّانِ مَكَّةَ» ؟ وَكَانَتْ مُغَنِّيَةً نَائِحَةً، قَالَتْ: مَا طُلِبَ مِنِّي شَيْءٌ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، فَحَثَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُنِيَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ فَأَعْطَوْهَا نَفَقَةً وَكَسَوْهَا وَحَمَلُوهَا، فَأَتَاهَا حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ حَلِيفُ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، فَكَتَبَ مَعَهَا إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ [وَأَعْطَاهَا عَشْرَةَ دَنَانِيرَ وَكَسَاهَا بُرْدًا عَلَى أَنْ تُوصِلَ الْكِتَابَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ] [1] وَكَتَبَ فِي الْكِتَابِ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُكُمْ فَخُذُوا حِذْرَكُمْ، فَخَرَجَتْ سَارَةُ، وَنَزَلَ جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا فَعَلَ فَبَعَثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا وَعَمَّارًا وَالزُّبَيْرَ وَطَلْحَةَ وَالْمِقْدَادَ بْنَ الْأُسُودِ وَأَبَا مَرْثَدٍ فرسا، فقال فهم: «انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إلى المشركين، فخذوه مِنْهَا وَخَلُّوا سَبِيلَهَا، وَإِنْ لَمْ تَدْفَعْهُ إِلَيْكُمْ فَاضْرِبُوا عُنُقَهَا» ، قَالَ: فَخَرَجُوا حَتَّى أَدْرَكُوهَا فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ الَّذِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا لَهَا: أَيْنَ الْكِتَابُ فَحَلَفَتْ بِاللَّهِ ما معها [من] [2] كتاب ففتحوا متاعها [ونبشوها] [3] فَلَمْ يَجِدُوا مَعَهَا كِتَابًا، فَهَمُّوا بِالرُّجُوعِ، فَقَالَ [عَلِيٌّ] [4] رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَاللَّهِ مَا كَذَبْنَا وَلَا كَذَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَلَّ سَيْفَهُ فَقَالَ:
أَخْرِجِي الْكِتَابَ وَإِلَّا لِأُجَرِّدَنَّكِ وَلَأَضْرِبَنَّ عُنُقَكِ، فَلَمَّا رَأَتِ الْجِدَّ أَخْرَجَتْهُ مِنْ ذُؤَابَتِهَا، وَكَانَتْ قَدْ خَبَّأَتْهُ فِي شَعْرِهَا، فَخَلَّوْا سَبِيلَهَا وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهَا وَلَا لِمَا مَعَهَا، فَرَجَعُوا بِالْكِتَابِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حَاطِبٍ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: «هَلْ تَعْرِفُ الْكِتَابَ» ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَمَا حَمَلَكَ [5] عَلَى مَا صَنَعْتَ» ؟
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهِ مَا كَفَرْتُ مُنْذُ أَسْلَمْتُ وَلَا غَشَشْتُكَ مُنْذُ نَصَحْتُكَ، وَلَا أَحْبَبْتُهُمْ مُنْذُ فَارَقْتُهُمْ، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ إِلَّا وَلَهُ بِمَكَّةَ مِنْ يَمْنَعُ عَشِيرَتَهُ وَكُنْتُ غَرِيبًا فِيهِمْ، وَكَانَ أَهْلِي بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ، فَخَشِيتُ عَلَى أَهْلِي، فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ يُنْزِلُ بِهِمْ بَأْسَهُ، وَأَنَّ كِتَابِي لَا يُغْنِي عَنْهُمْ شَيْئًا، فَصَدَّقَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَذَرَهُ، فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَضْرِبْ عنق هذا
__________
2175- ذكره المصنف نقلا عن المفسرين، وكذا الواحدي في «أسباب النزول» 811 وما تقدم يغني عنه.
(1) سقط من المخطوط.
(2) سقط من المطبوع.
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) سقط من المطبوع.
(5) تصحف في المطبوع «هالك» . [.....]

(5/69)


إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2)

الْمُنَافِقِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا يُدْرِيكَ يَا عُمَرُ لَعَلَّ اللَّهَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ؟ فَقَالَ لَهُمُ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ» ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي شَأْنِ حَاطِبٍ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ.
تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ، قِيلَ: أَيِ الْمَوَدَّةَ، وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ كَقَوْلِهِ: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ [الْحَجِّ: 25] ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ أَخْبَارَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسِرَّهُ بِالْمَوَدَّةِ الَّتِي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ، وَقَدْ كَفَرُوا، الْوَاوُ لِلْحَالِ أَيْ وَحَالُهُمْ أَنَّهُمْ كَفَرُوا، بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ، يَعْنِي الْقُرْآنَ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ، مِنْ مَكَّةَ، أَنْ تُؤْمِنُوا، أَيْ لِأَنْ آمَنْتُمْ، كَأَنَّهُ قَالَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ لِإِيمَانِكُمْ، بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ، هَذَا شَرْطٌ جَوَابُهُ مُتَقَدِّمٌ وَهُوَ قَوْلُهُ: لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ، جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ، قَالَ مُقَاتِلٌ بِالنَّصِيحَةِ، وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ، مِنَ الْمَوَدَّةِ لِلْكُفَّارِ، وَما أَعْلَنْتُمْ، أَظْهَرْتُمْ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ، أَخْطَأَ طَرِيقَ الْهُدَى.

[سورة الممتحنة (60) : الآيات 2 الى 5]
إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2) لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (3) قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) رَبَّنا لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5)
إِنْ يَثْقَفُوكُمْ، يَظْفَرُوا بِكُمْ وَيَرَوْكُمْ، يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ، بِالضَّرْبِ وَالْقَتْلِ، وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ، بِالشَّتْمِ، وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ، كَمَا كَفَرُوا يَقُولُ: لَا تُنَاصِحُوهُمْ فَإِنَّهُمْ لَا يُنَاصِحُونَكُمْ وَلَا يُوَادُّونَكُمْ.
لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ، مَعْنَاهُ لَا يَدْعُوَنَّكُمْ وَلَا يَحْمَلَنَّكُمْ ذَوُو أَرْحَامِكُمْ وَقَرَابَاتُكُمْ وأولادكم التي بِمَكَّةَ إِلَى خِيَانَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ وَتَرْكِ مُنَاصَحَتِهِمْ وَمُوَالَاةِ أَعْدَائِهِمْ فَلَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ، وَلا أَوْلادُكُمْ، الَّذِينَ عَصَيْتُمُ اللَّهَ لِأَجْلِهِمْ، يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ، فَيُدْخِلُ أَهْلَ طَاعَتِهِ الْجَنَّةَ وَأَهْلَ مَعْصِيَتِهِ النَّارَ، قَرَأَ عَاصِمٌ وَيَعْقُوبُ يَفْصِلُ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الصَّادِ مُخَفَّفًا وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الصَّادِ مُشَدَّدًا، وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الصَّادِ مُشَدَّدًا، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الصَّادِ مُخَفَّفًا.
وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.
قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ، قُدْوَةٌ، حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ، مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ، من المشركين، إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ، جَمْعُ بَرِيءٍ، وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ، جَحَدْنَا وَأَنْكَرْنَا دِينَكُمْ، وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ، يَأْمُرُ حَاطِبًا وَالْمُؤْمِنِينَ بِالِاقْتِدَاءِ بِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَالَّذِينَ مَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي التَّبَرُّؤِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ، يَعْنِي لَكُمْ أُسْوَةٌ [حَسَنَةٌ] [1] فِي إِبْرَاهِيمَ وَأُمُورِهِ إِلَّا فِي اسْتِغْفَارِهِ لِأَبِيهِ الْمُشْرِكِ فَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ قَدْ قَالَ لِأَبِيهِ لِأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ، ثُمَّ تَبَرَّأَ مِنْهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي سورة التوبة،
__________
(1) زيد في المطبوع.

(5/70)


لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (6)

وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ، يَقُولُ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ: مَا أُغْنِي عَنْكَ وَلَا أَدْفَعُ عَنْكَ عَذَابَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتَهُ وَأَشْرَكْتَ بِهِ، رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، يَقُولُهُ إِبْرَاهِيمُ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنا لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، قَالَ الزَّجَّاجُ: لَا تُظْهِرْهُمْ عَلَيْنَا فَيَظُنُّوا أَنَّهُمْ عَلَى الْحَقِّ فيفتتنوا.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ لَا تُعَذِّبْنَا بِأَيْدِيهِمْ وَلَا بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِكَ فَيَقُولُونَ لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ عَلَى الْحَقِّ مَا أَصَابَهُمْ ذَلِكَ. وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.

[سورة الممتحنة (60) : الآيات 6 الى 8]
لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (6) عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7) لَا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)
لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ، أَيْ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ مَعَهُ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ، هَذَا بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ لَكُمْ وَبَيَانٌ أَنَّ هَذِهِ الْأُسْوَةَ لِمَنْ يَخَافُ اللَّهَ وَيَخَافُ عَذَابَ الْآخِرَةِ، وَمَنْ يَتَوَلَّ، يُعْرِضْ عَنِ الْإِيمَانِ وَيُوَالِ الْكُفَّارَ، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ، عَنْ خَلْقِهِ، الْحَمِيدُ، إِلَى [1] أَوْلِيَائِهِ، وَأَهْلِ طَاعَتِهِ. قَالَ مُقَاتِلٌ: فَلَمَّا أَمَرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِعَدَاوَةِ الْكُفَّارِ عَادَى الْمُؤْمِنُونَ أَقْرِبَاءَهُمُ الْمُشْرِكِينَ وَأَظْهَرُوا لَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَرَاءَةَ، وَيَعْلَمُ اللَّهُ شِدَّةَ وَجْدِ الْمُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ:
عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ، أَيْ مِنْ كُفَّارِ مَكَّةَ، مَوَدَّةً، فَفَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ بِأَنْ أَسْلَمَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فَصَارُوا لَهُمْ أَوْلِيَاءَ وَإِخْوَانًا وَخَالَطُوهُمْ وَنَاكَحُوهُمْ، وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، ثُمَّ رَخَّصَ اللَّهُ تَعَالَى فِي صِلَةِ الَّذِينَ لَمْ يُعَادُوا الْمُؤْمِنِينَ وَلَمْ يُقَاتِلُوهُمْ فَقَالَ:
لَا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ، أَيْ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنْ بِرِّ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ، وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ، تَعْدِلُوا فِيهِمْ بِالْإِحْسَانِ وَالْبِرِّ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي خُزَاعَةَ كَانُوا قَدْ صَالَحُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ لَا يُقَاتِلُوهُ وَلَا يُعِينُوا عَلَيْهِ أَحَدًا، فَرَخَّصَ اللَّهُ فِي بِرِّهِمْ.
«2176» وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: نَزَلَتْ فِي أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ وَذَلِكَ أَنَّ أُمَّهَا قُتَيْلَةَ بِنْتَ عَبْدِ الْعُزَّى قَدِمَتْ عَلَيْهَا الْمَدِينَةَ بِهَدَايَا ضِبَابًا وَأَقِطًا وَسَمْنًا وَهِيَ مُشْرِكَةٌ، فَقَالَتْ أَسْمَاءُ: لَا أَقْبَلُ مِنْكِ هَدِيَّةً وَلَا تَدْخُلِي عَلَيَّ بَيْتِي حَتَّى أَسْتَأْذِنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُدْخِلَهَا
__________
2176- صحيح دون ذكر نزول الآية.
- أخرجه ابن سعد في «الطبقات» 8/ 198 وأحمد 4/ 4 والطبراني في «الكبير» كما في «المجمع» 6750 والحاكم 2/ 485 والطبري 33952 و33953 والواحدي في «الأسباب» 813 مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزبير.
- صححه الحاكم، ووافقه الذهبي! مع أن في إسناده مصعب بن ثابت ضعفه أحمد وغيره، ووثقه ابن حبان.
- قلت: هو غير حجة بما ينفرد به، وقد تفرد بذكر نزول الآية.
- وذكره الهيثمي في «المجمع» 11411 وزاد نسبته للبزار وقال: وفيه مصعب بن ثابت وثقه ابن حبان، وضعفه جماعة، وبقية رجاله رجال الصحيح.
- وأصل الحديث في الصحيحين دون نزول الآية، وإنما ذكر الآية ابن عيينة من قوله، وهو الصواب.
(1) في المطبوع «فولى» وفي المخطوط «إن» .

(5/71)


إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)

مَنْزِلَهَا وَتَقْبَلَ هَدِيَّتَهَا وَتُكْرِمَهَا وَتُحْسُنَ إليها.
«2177» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثنا قتيبة ثنا حَاتِمٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ إِذْ عَاهَدُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُدَّتِهِمْ [مَعَ أَبِيهَا] فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي قَدِمَتْ عَلَيَّ وهي راغبة أفأصلها؟ قال: « [نعم] صِلِيهَا» [1] [2] .
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ [3] قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهَا لَا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ.
ثُمَّ ذَكَرَ الَّذِينَ نَهَاهُمْ عَنْ صِلَتِهِمْ فَقَالَ:

[سورة الممتحنة (60) : الآيات 9 الى 10]
إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10)
إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ، وَهُمْ مُشْرِكُو مَكَّةَ، أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ، الْآيَةَ.
«2178» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [4] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ مَرْوَانَ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ يُخْبِرَانِ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَا: لَمَّا كَاتَبَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو يَوْمئَذٍ كان فيما اشترط
__________
- وانظر «أحكام القرآن» 2083 لابن العربي بتخريجي.
2177- إسناده صحيح على شرط البخاري.
- قتيبة هو ابن سعيد، حاكم هو ابن وردان، عروة هو ابن الزبير.
- وهو في «صحيح البخاري» 3183 من طريق قتيبة بن سعيد بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 2620 ومسلم 1003 وأبو داود 1668 والطيالسي 1643 وأحمد 6/ 347 وابن حبان 452 من طرق عن هشام بن عروة به.
- وأخرجه أحمد 6/ 355 من طريق حماد بن سلمة عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أسماء به.
- وأخرجه البخاري 5978 والشافعي 1/ 100 والحميدي 318 وابن حبان 453 والبيهقي 4/ 191 من طرق عن سفيان عن هشام به.
2178- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- الليث هو ابن سعد، عقيل هو ابن خالد، ابن شهاب هو الزهري.
- وهو في «صحيح البخاري» 2711 و2712 و2713 عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ بِهَذَا الإسناد.
- وورد تخريجه باستيفاء فيما مضى.
(1) هذه الرواية عند البخاري برقم: 5978.
(2) سقط من المطبوع.
(3) سقط من المطبوع.
(4) زيادة عن المخطوط.

(5/72)


سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا أَحَدٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا، وَخَلَّيْتَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، فَكَرِهَ الْمُؤْمِنُونَ ذَلِكَ وَأَبِي سُهَيْلٌ إِلَّا ذَلِكَ فَكَاتَبَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ، فَرَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ أَبَا جَنْدَلٍ إِلَى أَبِيهِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَلَمْ يَأْتِهِ أَحَدٌ مِنَ الرِّجَالِ إِلَّا رَدَّهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا، وَجَاءَتِ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ، وَكَانَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ مِمَّنْ خَرَجَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ مُهَاجِرَةً وَهِيَ عَاتِقٌ، فَجَاءَ أَهْلُهَا يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرْجِعَهَا إِلَيْهِمْ فَلَمْ يُرْجِعْهَا إِلَيْهِمْ لِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِنَّ: إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ إِلَى وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ.
«2179» قَالَ عُرْوَةُ فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا، أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْتَحِنُهُنَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ إِلَى قَوْلِهِ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فَمَنْ أَقَرَّتْ بِهَذَا الشَّرْطِ مِنْهُنَّ قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ بَايَعْتُكِ [كَلَامًا يُكَلِّمُهَا بِهِ] [1] وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ فِي الْمُبَايَعَةِ مَا بَايَعَهُنَّ إِلَّا بِقَوْلِهِ.
«2180» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَمِرًا حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْحُدَيْبِيَةِ صَالَحَهُ مُشْرِكُو مَكَّةَ عَلَى أَنَّ مَنْ أَتَاهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ رَدَّهُ إِلَيْهِمْ وَمَنْ أَتَى أَهْلَ مَكَّةَ مِنْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم لم يردوه عليه وَكَتَبُوا بِذَلِكَ كِتَابًا وَخَتَمُوا عَلَيْهِ، فَجَاءَتْ سُبَيْعَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْأَسْلَمِيَّةُ مُسْلِمَةً بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْكِتَابِ، فَأَقْبَلَ زَوْجُهَا مُسَافِرٌ مِنْ بَنِي مخزوم- وقال مقاتل: صَيْفِيُّ بْنُ الرَّاهِبِ- فِي طَلَبِهَا، وَكَانَ كَافِرًا، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ رُدَّ عَلَيَّ امْرَأَتِي فَإِنَّكَ قَدْ شَرَطْتَ أَنْ تَرُدَّ عَلَيْنَا مَنْ أَتَاكَ مِنَّا وَهَذِهِ طَيَّةُ الْكِتَابِ لَمْ تَجِفَّ بَعْدُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ، مِنْ دَارِ الْكُفْرِ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، فَامْتَحِنُوهُنَّ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: امْتِحَانُهَا أَنْ تُسْتَحْلَفَ مَا خَرَجَتْ لبغض زوج [2] وَلَا عِشْقًا لِرَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَا رَغْبَةً عَنْ أَرْضٍ إِلَى أَرْضٍ وَلَا لِحَدَثٍ أَحْدَثَتْهُ وَلَا لِالْتِمَاسِ دُنْيَا، وَمَا خَرَجَتْ إِلَّا رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ وَحُبًّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، قَالَ: فَاسْتَحْلَفَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ فَحَلَفَتْ فَلَمْ يَرُدَّهَا، وَأَعْطَى زَوْجَهَا مَهْرَهَا وَمَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا، فَتَزَوَّجَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ يَرُدُّ مَنْ جَاءَهُ مِنَ الرِّجَالِ، وَيَحْبِسُ مَنْ جَاءَهُ مِنَ النِّسَاءِ بَعْدَ الِامْتِحَانِ وَيُعْطِي أَزْوَاجَهُنَّ مُهُورَهُنَّ [3] .
اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ أَيْ هَذَا الِامْتِحَانُ لَكُمْ والله أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ، فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ، مَا أَحَلَّ اللَّهُ مُؤْمِنَةً لِكَافِرٍ، وَآتُوهُمْ
، يَعْنِي أَزْوَاجَهُنَّ الْكُفَّارَ، مَا أَنْفَقُوا، عَلَيْهِنَّ يَعْنِي الْمَهْرَ الَّذِي دَفَعُوا إِلَيْهِنَّ، وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ، أَيْ مُهُورَهُنَّ، أَبَاحَ اللَّهُ نِكَاحَهُنَّ لِلْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ كَانَ لَهُنَّ أَزْوَاجٌ فِي دَارِ الْكُفْرِ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ فَرَّقَ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ
__________
2179- صحيح. أخرجه البخاري 5288 و4891 وابن ماجه 2875 والطبري 33960 عن عروة به.
2180- ذكره المصنف هاهنا عن ابن عباس معلقا.
- وكذا ذكره الواحدي في «أسباب النزول» 814 عن ابن عباس بدون إسناد، فهذا لا شيء، لخلوه عن الإسناد.
- وورد في «الإصابة» 4/ 524- 525: أن سبيعة بنت الحارث أول امرأة- أسلمت بعد صلح الحديبية إثر العقد وطي الكتاب، ولم تخف فنزلت آية الامتحان.
- وانظر «أحكام القرآن» 2084 فما بعده بتخريجي.
(1) زيد في المطبوع.
(2) في المطبوع «لبعض زوجها» . [.....]
(3) لم أره مسندا.

(5/73)


وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (11)

أَزْوَاجِهِنَّ الْكُفَّارِ، وَلا تُمْسِكُوا، قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ بِالتَّشْدِيدِ، وَالْآخَرُونَ بِالتَّخْفِيفِ مِنَ الْإِمْسَاكِ، بِعِصَمِ الْكَوافِرِ، وَالْعِصَمُ جُمْعُ الْعِصْمَةِ وَهِيَ مَا يُعْتَصَمُ بِهِ مِنَ الْعَقْدِ وَالنَّسَبِ، وَالْكَوَافِرُ جُمْعُ الْكَافِرَةِ، نَهَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ عَنِ الْمُقَامِ عَلَى نِكَاحِ الْمُشْرِكَاتِ، يَقُولُ مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ كَافِرَةٌ بِمَكَّةَ فَلَا يَعْتَدُّ بِهَا فَقَدِ انْقَطَعَتْ عِصْمَةُ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا.
«2181» قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ طَلَّقَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا لَهُ بِمَكَّةَ مُشْرِكَتَيْنِ قُرَيْبَةُ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَتَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَهُمَا عَلَى شِرْكِهِمَا بِمَكَّةَ، وَالْأُخْرَى أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ جَرْوَلٍ الْخُزَاعِيَةُ أُمِّ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَتَزَوَّجَهَا أَبُو جَهْمِ بْنُ حُذَافَةَ بْنِ غَانِمٍ وَهُمْا عَلَى شِرْكِهِمَا، وَكَانَتْ أَرْوَى بِنْتُ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ تَحْتَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ فَهَاجَرَ طَلْحَةُ وَهِيَ بِمَكَّةَ عَلَى دِينِ قَوْمِهَا، فَفَرَّقَ الْإِسْلَامُ بَيْنَهُمَا فَتَزَوَّجَهَا فِي الْإِسْلَامِ خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ.
«2182» قَالَ الشَّعْبِيُّ: وَكَانَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةٌ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ أَسْلَمَتْ وَلَحِقَتْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقَامَ أَبُو الْعَاصِ بِمَكَّةَ مُشْرِكًا ثُمَّ أَتَى الْمَدِينَةَ فَأَسْلَمَ فَرَدَّهَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم.
وَسْئَلُوا، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، مَا أَنْفَقْتُمْ، أَيْ إِنْ لَحِقَتِ امْرَأَةٌ مِنْكُمْ بِالْمُشْرِكِينَ مُرْتَدَّةً فَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ مِنَ الْمَهْرِ إِذَا مَنَعُوهَا مِمَّنْ تُزَوَّجَهَا منهم، وَلْيَسْئَلُوا، يعني المشركين الذين لحقت أزواجهنّ بِكُمْ مَا أَنْفَقُوا، مِنَ الْمَهْرِ مِمَّنْ تَزَوَجَهَا مِنْكُمْ، ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: لَوْلَا الْهُدْنَةُ وَالْعَهْدُ الَّذِي كَانَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ لَأَمْسَكَ النِّسَاءَ وَلِمَ يَرُدَّ الصَّدَاقَ، وَكَذَلِكَ كَانَ يَصْنَعُ بِمَنْ جَاءَهُ مِنَ الْمُسَلِّمَاتِ قَبْلَ الْعَهْدِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَقَرَّ الْمُؤْمِنُونَ بِحُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَدَّوْا مَا أُمِرُوا بِهِ مِنْ نَفَقَاتِ [الْمُشْرِكِينَ عَلَى نِسَائِهِمْ، وَأَبَى الْمُشْرِكُونَ أَنْ يُقِرُّوا بِحُكْمِ اللَّهِ فِيمَا أُمِرُوا مِنْ أَدَاءِ نَفَقَاتِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى نسائهم] [1] .

[سورة الممتحنة (60) : آية 11]
وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (11)
فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِنْ فاتَكُمْ، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ، فَلَحِقْنَ بِهِمْ مُرْتَدَّاتٍ، فَعاقَبْتُمْ.
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: مَعْنَاهُ غَنِمْتُمْ أَيْ غَزَوْتُمْ فَأَصَبْتُمْ مِنَ الْكُفَّارِ عُقْبَى وَهِيَ الْغَنِيمَةُ، وَقِيلَ ظَهَرْتُمْ وَكَانَتِ الْعَاقِبَةُ لَكُمْ، وَقِيلَ: أَصَبْتُمُوهُمْ فِي الْقِتَالِ بِعُقُوبَةٍ حَتَّى غَنِمْتُمْ، قَرَأَ حُمَيدُ الْأَعْرَجُ فَعَقَّبْتُمْ بِالتَّشْدِيدِ وَقَرَأَ الزُّهْرِيُّ فَعَقَبْتُمْ خَفِيفَةً بِغَيْرِ أَلْفٍ، وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ فَأَعْقَبْتُمْ أَيْ صَنَعْتُمْ بِهِمْ كَمَا صَنَعُوا بكم وكلها لغات
__________
2181- أخرجه الطبري 33981 من طريق محمد بن إسحاق قال: وقال الزهري: لما نزلت ... فذكره مرسلا.
- وعلقه البخاري 2733 عن عقيل عن الزهري: قال عروة فأخبرتني عائشة ... فذكره بنحوه، وليس فيه ذكر أروى، وطلحة. وقال ابن حجر في «فتح الباري» 5/ 351: تقدم موصولا بتمامه في أول الشروط.
- وأخرجه الطبري 33980 من طريق يونس عن ابن شهاب مرسلا، وليس فيه ذكر أروى وطلحة.
2182- ذكره هكذا تعليقا، وهو مرسل، وتقدم في أبحاث النكاح، وعقود المشركين.
(1) زيد في المطبوع.

(5/74)


يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12)

بِمَعْنًى وَاحِدٍ، يُقَالُ عَاقَبَ وَعَقَّبَ وَعَقَبَ وَأَعْقَبَ وَتَعَقَّبَ وَتَعَاقَبَ وَاعْتَقَبَ، إِذَا غَنِمَ، وَقِيلَ: التَّعْقِيبُ غَزْوَةٌ بَعْدَ غَزْوَةٍ، فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ، إِلَى الْكُفَّارِ مِنْكُمْ، مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا، عَلَيْهِنَّ مِنَ الْغَنَائِمِ الَّتِي صَارَتْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنْ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ. وَقِيلَ: فَعَاقَبْتُمُ الْمُرْتَدَّةَ بِالْقَتْلِ.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لِحِقَ بِالْمُشْرِكِينَ مِنْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ سِتُّ نِسْوَةٍ أُمُّ الْحَكَمِ بِنْتُ أبي سفيان كانت تَحْتَ عِيَاضِ بْنِ شَدَّادٍ الْفِهْرِيِّ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ أُخْتُ أُمِّ سَلَمَةَ كَانَتْ تَحْتَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَلَمَّا أَرَادَ عُمَرُ أَنْ يُهَاجِرَ أَبَتْ وَارْتَدَتْ، وَبَرْوَعُ بِنْتُ عُقْبَةَ كَانَتْ تَحْتَ شَمَّاسِ بْنِ عُثْمَانَ، وَعَزَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ نَضْلَةَ وتزوجها [1] عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدٍّ، وَهِنْدُ بِنْتُ أَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ كَانَتْ تَحْتَ هِشَامِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ، وَأُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ جَرْوَلٍ كَانَتْ تَحْتَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَكُلُّهُنَّ رَجَعْنَ عَنِ الْإِسْلَامِ، فَأَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم أزواجهم مُهُورَ نِسَائِهِمْ مِنَ الْغَنِيمَةِ. وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ، وَاخْتَلَفَ الْقَوْلُ فِي أَنَّ رَدَّ مَهْرِ مَنْ أَسْلَمَتْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ، كَانَ وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا وَأَصْلُهُ أَنَّ الصُّلْحَ هَلْ كَانَ وَقْعَ عَلَى رَدِّ النِّسَاءِ، فِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ وَقَعَ عَلَى رَدِّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا لِمَا رُوِّينَا «أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا أَحَدٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا» ثُمَّ صَارَ الْحُكْمُ فِي رَدِّ النِّسَاءِ مَنْسُوخًا بِقَوْلِهِ: فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ، فَعَلَى هَذَا كَانَ رَدُّ الْمَهْرِ وَاجِبًا.
وَالْقَوْلُ الْآخَرُ: أَنَّ الصُّلْحَ لَمْ يَقَعْ عَلَى رَدِّ النِّسَاءِ، لأنه يروى [2] عَلِيٍّ أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الرَّجُلَ لَا يُخْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْفِتْنَةِ فِي الرَّدِّ مَا يُخْشَى عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ إِصَابَةِ الْمُشْرِكِ إِيَّاهَا، وَأَنَّهُ لَا يُؤَمَنُ عَلَيْهَا الرِّدَّةُ إِذَا خُوِّفَتْ، وَأُكْرِهَتْ عَلَيْهَا لِضَعْفِ قَلْبِهَا [3] ، وَقِلَّةِ هِدَايَتِهَا إِلَى الْمَخْرَجِ مِنْهَا بِإِظْهَارِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ مَعَ التَّوْرِيَةِ، وَإِضْمَارِ الْإِيمَانِ، وَلَا يُخْشَى ذَلِكَ عَلَى الرَّجُلِ لِقُوَّتِهِ وَهِدَايَتِهِ إِلَى التَّقِيَّةِ، فَعَلَى هَذَا كَانَ رَدُّ الْمَهْرِ مَنْدُوبًا وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ الْيَوْمَ فِي رَدِّ الْمَالِ إِذَا شُرِطَ فِي مُعَاقَدَةِ الْكُفَّارِ.
فَقَالَ قَوْمٌ: لَا يَجِبُ وَزَعَمُوا أَنَّ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ، وَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ وَيُرَدُّ إِلَيْهِمْ ما أنفقوا.

[سورة الممتحنة (60) : آية 12]
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ، الْآيَةَ.
«2183» وَذَلِكَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ لَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْعَةِ الرِّجَالِ، وَهُوَ عَلَى الصَّفَا وَعُمَرُ بْنُ الخطاب
__________
2183- ذكره الواحدي في «الوسيط» 4/ 286- 287 هكذا بدون إسناد.
- وأخرجه الطبري 24012 من حديث ابن عباس بنحوه.
(1) تصحف في المطبوع «تزوجها» .
(2) في المطبوع «روي عن» .
(3) زيد في المطبوع «لقلة عقلها» .

(5/75)


أَسْفَلَ مِنْهُ، وَهُوَ يُبَايِعُ النِّسَاءَ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُبَلِّغُهُنَّ عَنْهُ، وَهِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ امْرَأَةُ أَبِي سُفْيَانَ مُتَنَقِّبَةٌ مُتَنَكِّرَةٌ مَعَ النِّسَاءِ خَوْفًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَعْرِفَهَا فَقَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُبَايِعْكُنَّ عَلى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً، فَرَفَعَتْ هِنْدٌ رَأْسَهَا وَقَالَتْ: وَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَأْخُذُ عَلَيْنَا أَمْرًا مَا رَأَيْنَاكَ أَخَذْتَهُ عَلَى الرِّجَالِ، وَبَايَعَ الرِّجَالَ يَوْمَئِذٍ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْجِهَادِ فَقَطْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَا يَسْرِقْنَ» ، فَقَالَتْ هِنْدٌ: إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَإِنِّي أَصَبْتُ مِنْ مَالِهِ هَنَاتٍ فَلَا أَدْرِي أَيَحِلُّ لِي أَمْ لَا؟ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانُ: مَا أَصَبْتِ مِنْ شَيْءٍ فِيمَا مَضَى وَفِيمَا غَبَرَ فَهُوَ لَكِ حَلَالٌ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَرَفَهَا، فَقَالَ لَهَا: «وَإِنَّكِ لَهِنْدُ بِنْتُ عَتْبَةَ» ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَاعْفُ عَمَّا سَلَفَ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ، فَقَالَ: وَلا يَزْنِينَ، فَقَالَتْ هِنْدٌ: أَوَ تَزْنِي الْحُرَّةُ؟ فَقَالَ: وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ، فَقَالَتْ هِنْدٌ: رَبَّيْنَاهُنَّ صِغَارًا وَقَتَلْتُمُوهُمْ كِبَارًا فَأَنْتُمْ وَهُمْ أَعْلَمُ، وَكَانَ ابْنُهَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ قَدْ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَضَحِكَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَتَّى اسْتَلْقَى، وَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ، وَهِيَ أَنْ تَقْذِفَ وَلَدًا عَلَى زَوْجِهَا لَيْسَ مِنْهُ، قَالَتْ هِنْدٌ: وَاللَّهِ إِنَّ الْبُهْتَانَ لَقَبِيحٌ وَمَا تَأْمُرُنَا إِلَّا بِالرُّشْدِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، فَقَالَ: وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ، قَالَتْ هِنْدٌ: مَا جَلَسْنَا مَجْلِسَنَا هَذَا وُفِي أَنْفُسِنَا أَنْ نَعْصِيَكَ فِي شَيْءٍ فَأَقَرَّ النِّسْوَةُ بِمَا أُخِذَ عَلَيْهِنَّ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ أَرَادَ وَأْدَ الْبَنَاتِ الَّذِي كَانَ يَفْعَلُهُ [1] أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، قَوْلُهُ: وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ: لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ نَهْيَهُنَّ عَنِ الزِّنَا لِأَنَّ النَّهْيَ عَنِ الزِّنَا قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، بَلِ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّ تَلْتَقِطَ مَوْلُودًا وَتَقُولَ لِزَوْجِهَا هَذَا وَلَدِي مِنْكَ، فَهُوَ الْبُهْتَانُ الْمُفْتَرَى بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ، لِأَنَّ الْوَلَدَ إِذَا وَضَعَتْهُ الْأُمُّ سَقَطَ بَيْنَ يَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا، قَوْلُهُ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ: أَيْ فِي كُلِّ أَمْرٍ وَافَقَ طَاعَةَ اللَّهِ. قَالَ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ فِي كُلِّ أَمْرٍ فِيهِ رُشْدُهُنَّ. وَقَالَ مجاهد: لا تخلوا الْمَرْأَةُ بِالرِّجَالِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالْكَلْبِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ: هُوَ النَّهْيُ عَنِ النَّوْحِ وَالدُّعَاءِ بِالْوَيْلِ وَتَمْزِيقِ الثَّوْبِ وَحَلْقِ الشَّعْرِ وَنَتْفِهِ وَخَمْشِ الْوَجْهِ، وَلَا تُحَدِّثُ الْمَرْأَةُ الرِّجَالَ إِلَّا ذَا مَحْرَمٍ، وَلَا تَخْلُو بِرَجُلٍ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ، وَلَا تُسَافِرُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ.
«2184» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا
__________
- وأخرج ابن سعد في «الطبقات» 8/ 6 طرفا منه عن الشعبي مرسلا.
- وقال الحافظ في «تخريج الكشاف» 4/ 520: وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق مقاتل بن حيان وفيه قول هند: ربيناهم صغارا وقتلتوهم كبارا، فضحك عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنه حتى استلقى اهـ.
- الخلاصة: لا يصح هذا الخبر بسياق المصنف، ولبعضه شواهد دون بعض.
- وانظر «الكشاف» 1164 و «الجامع لأحكام القرآن» 5909 بتخريجي.
2184- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- أبو معمر هو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أبي الحجاج، عبد الوارث هو ابن سعيد، أيوب هو ابن أبي تميمة.
- وهو في «صحيح البخاري» 4892 عن أبي معمر بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 7215 والطبراني 25/ (133) والبيهقي 4/ 62 من طريق عبد الوارث بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 936 ح 33 وأحمد 6/ 407 وابن أبي شيبة 3/ 389 والحاكم 1/ 383 وابن حبان 3145 والطبراني 25/ (133) والبيهقي 4/ 62 من طرق عن أبي معاوية عن عاصم عن حفصة به.
(1) في المطبوع «يفعل» .

(5/76)


مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا أَبُو معمر ثنا عبد الوارث ثنا أَيُّوبُ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: بَايَعْنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَ عَلَيْنَا أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً، وَنَهَانَا عَنِ النِّيَاحَةِ فَقَبَضَتِ امْرَأَةٌ يَدَهَا فَقَالَتْ:
أَسْعَدَتْنِي فُلَانَةٌ أُرِيدُ أَنْ أَجْزِيَهَا، فَمَا قَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا فَانْطَلَقَتْ وَرَجَعَتْ وَبَايَعَهَا.
«2185» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الثَّعْلَبِيُّ أَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الدينوري ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إسحاق ثنا أبو يعلى الموصلي ثنا هدبة]
بن خالد ثَنَا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ زَيْدًا حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا سَلَامٍ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا مَالِكٍ الْأَشْعَرِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخْرُ فِي الْأَحْسَابِ وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ وَالِاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ وَالنِّيَاحَةُ» . وَقَالَ: «النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا تَقُومُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ، وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ» .
«2186» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا عُمَرُ بن حفص ثنا أبي أنا الْأَعْمَشِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ» .
قَوْلُهُ: فَبايِعْهُنَّ، يَعْنِي إِذَا بَايَعْنَكَ فَبَايِعْهُنَّ، وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
«2187» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يوسف ثنا
__________
- وأخرجه النسائي 7/ 148- 149 وأحمد 6/ 408 والطبري 34020 من طرق عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أم عطية بنحوه.
2185- صحيح. أبو يعلى ثقة إمام، وقد توبع ومن دونه، ومن فوقه على شرط الصحيح.
- أبو يعلى هو أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى التميمي صاحب «المسند» ، زيد هو ابن سلّام بن أبي سلام، وأبو سلّام اسمه ممطور.
- وهو في «مسند أبي يعلى» 1577 عن هدبة بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 934 وأحمد 5/ 342- 343 وأحمد 5/ 342- 343 والبغوي في «شرح السنة» 1528 من طريق أبان بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد 5/ 343 والحاكم 1/ 383 من طريق أبي عامر عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يحيى بن أبي كثير به.
- وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
- وأخرجه عبد الرزاق 6686 وابن ماجه 1581 من طريق مَعْمَرٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كثير عن ابن معانق أو عن أبي معانق عن أبي مالك به.
2186- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- حفص هو ابن غياث، الأعمش هو سليمان بن مهران، مسروق هو ابن الأجدع.
- وهو في «شرح السنة» 1527 بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» 1298 عن عمر بن حفص بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 1297 و3520 ومسلم 103 وابن ماجه 1584 وأحمد 1/ 432 و456 و465 وابن حبان 3149 والبيهقي 4/ 63 و64 من طرق عن الأعمش به.
- وأخرجه البخاري 1294 والترمذي 999 والنسائي 4/ 20 وابن ماجه 1584 وأحمد 1/ 386 و442 وابن الجارود 516 والبيهقي 4/ 64 من طريق سفيان عن زبيد اليامي عن إبراهيم عن مسروق به. [.....]
2187- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- عبد الرزاق بن همام، معمر بن راشد، الزهري محمد بن مسلم، عروة بن الزبير.
(1) تصحف في المطبوع «هدية» .

(5/77)


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ (13)

مُحَمَّدُ بن إسماعيل حدثني محمود [بن غيلان] [1] ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَايِعُ النِّسَاءَ بِالْكَلَامِ بِهَذِهِ الْآيَةِ: لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً قَالَتْ: وَمَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَ امْرَأَةٍ إِلَّا امْرَأَةً يَمْلِكُهَا.
«2188» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ أَنَا مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حمدون أنا مكي بن عبدان ثنا عبد الرحمن بن بشر ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ سَمِعَ أُمَيْمَةَ بِنْتَ رُقَيَّةَ تَقُولُ:
بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نِسْوَةٍ، فَقَالَ لَنَا: «فِيمَا اسْتَطَعْتُنَّ وَأَطَقْتُنَّ» ، فَقُلْتُ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْحَمُ بِنَا مِنْ أَنْفُسِنَا، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بَايِعْنَا- قَالَ سُفْيَانُ يَعْنِي صَافِحْنَا- فَقَالَ: «إِنِّي لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ، إِنَّمَا قَوْلِي لِامْرَأَةٍ كَقَوْلِي لمائة امرأة» .

[سورة الممتحنة (60) : آية 13]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ (13)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَهَمُّ الْيَهُودُ وَذَلِكَ أَنَّ أُنَاسًا مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يُخْبِرُونَ الْيَهُودَ أَخْبَارَ الْمُسْلِمِينَ، يَتَوَصَّلُونَ إِلَيْهِمْ بِذَلِكَ فَيُصِيبُونَ مِنْ ثِمَارِهِمْ، فَنَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ، قَدْ يَئِسُوا، يَعْنِي هَؤُلَاءِ الْيَهُودَ، مِنَ الْآخِرَةِ، بِأَنْ يَكُونَ لَهُمْ فِيهَا ثَوَابٌ وَخَيْرٌ، كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ، أَيْ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ الَّذِينَ مَاتُوا وَصَارُوا فِي الْقُبُورِ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ حَظٌّ وَثَوَابٌ فِي الْآخِرَةِ. قَالَ مُجَاهِدٌ: الْكُفَّارُ حِينَ دَخَلُوا قُبُورَهُمْ أَيِسُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ:
يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ الَّذِينَ مَاتُوا فَعَايَنُوا الْآخِرَةَ. وَقِيلَ: كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ أَنْ يَرْجِعُوا إليهم.
__________
- وهو في «صحيح البخاري» 7214 عن محمود بهذا الإسناد.
- وانظر الحديث المتقدم برقم 2179.
2188- صحيح. مكي بن عبدان لم أجد له ترجمة، لكن توبع ومن دونه، ومن فوقه رجال الشيخين، فالحديث صحيح.
- وأخرجه الترمذي 1597 والنسائي 7/ 149 وابن ماجه 2874 وأحمد 6/ 357 من طرق عن سفيان بن عيينة به.
- وأخرجه مالك 2/ 982- 983 ومن طريقه أحمد 6/ 357 وابن حبان 4553 والطبراني 24/ (471) والبيهقي 8/ 46 عن محمد بن المنكدر به وأخرجه الحميدي 341 والطيالسي 2621 والحاكم 4/ 71 والطبراني 24/ (470 و472 و473 و475 و476) من طرق عن محمد بن المنكدر به.
- وانظر «أحكام القرآن» 2091 بتخريجي.
(1) زيادة عن المخطوط.

(5/78)


سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1)

سورة الصف
مدنية [وقال عطاء: مكية وهي أربع عشرة آية] [1]

[سورة الصف (61) : الآيات 1 الى 6]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ (3) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (4)
وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (5) وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6)
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) ،.
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ قَالُوا: لَوْ نَعْلَمُ أَيَّ الْأَعْمَالِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَعَمِلْنَاهُ وَلِبَذَلْنَا فِيهِ أَمْوَالَنَا وَأَنْفُسَنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا [الصف: 4] فَابْتُلُوا بِذَلِكَ يَوْمَ أُحُدٍ فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: لَمَّا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَوَابِ شُهَدَاءِ بَدْرٍ، قَالَتِ الصَّحَابَةُ: لَئِنْ لَقِينَا بَعْدَهُ قِتَالًا لِنُفْرِغَنَّ فِيهِ وُسْعَنَا، فَفَرُّوا يَوْمَ أُحُدٍ فَعَيَّرَهُمُ اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ: نَزَلَتْ فِي شَأْنِ الْقِتَالِ، كَانَ الرَّجُلُ يَقُولُ: قَاتَلْتُ وَلَمْ يُقَاتِلْ: وَطَعَنْتُ وَلَمْ يَطْعَنْ، وَضَرَبْتُ وَلَمْ يَضْرِبْ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يَعِدُونَ النَّصْرَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَهُمْ كَاذِبُونَ.
كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا، قوله: أَنْ تَقُولُوا في موضع رفع فَهُوَ كَقَوْلِكَ بِئْسَ رَجُلًا أَخُوكَ، وَمَعْنَى الْآيَةِ أَيْ عَظُمَ ذَلِكَ فِي الْمَقْتِ وَالْبُغْضِ عِنْدَ اللَّهِ أَيْ إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ بُغْضًا شَدِيدًا أَنْ تَقُولُوا، مَا لَا تَفْعَلُونَ، أي تَعِدُوا مِنْ أَنْفُسِكُمْ شَيْئًا ثُمَّ لم تفوا بِهِ.
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا، أَيْ يَصُفُّونَ أَنْفُسَهُمْ عِنْدَ الْقِتَالِ صَفًّا وَلَا يَزُولُونَ عَنْ أَمَاكِنِهِمْ كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ، قَدْ رُصَّ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ أَيْ أُلْزِقَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَأُحْكِمَ فَلَيْسَ فِيهِ فُرْجَةٌ وَلَا خلل. وقيل أحكم بالرصاص [2] .
وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ، مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي، وَذَلِكَ حِينَ رَمَوْهُ بِالْأُدْرَةِ، وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ، والرسول يعظم وَيُحْتَرَمُ، فَلَمَّا زاغُوا، عَدَلُوا عَنِ الحق،
__________
(1) زيد في المطبوع.
(2) في المخطوط وط «وقيل: كالرصاص» .

(5/79)


وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7)

أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ، أَمَالَهَا عَنِ الْحَقِّ، يَعْنِي أَنَّهُمْ لَمَّا تَرَكُوا الْحَقَّ بِإِيذَاءِ نَبِيِّهِمْ أَمَالَ اللَّهُ قُلُوبَهَمْ عَنِ الْحَقِّ، وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ، قَالَ الزَّجَّاجُ: يَعْنِي لَا يَهْدِي مَنْ سَبَقَ فِي عِلْمِهِ أَنَّهُ فَاسِقٌ.
وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ، وَالْأَلِفُ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْحَمْدِ، وَلَهُ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مُبَالَغَةٌ مِنَ الْفَاعِلِ أَيِ الْأَنْبِيَاءُ كُلُّهُمْ حَمَّادُونَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ أَكْثَرُ حَمْدًا لِلَّهِ مِنْ غَيْرِهِ [1] وَالثَّانِي أنه مبالغة من الْمَفْعُولِ أَيِ الْأَنْبِيَاءُ كُلُّهُمْ مَحْمُودُونَ لِمَا فِيهِمْ مِنَ الْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ وهو أكثر مُبَالَغَةً [2] وَأَجْمَعُ لِلْفَضَائِلِ وَالْمَحَاسِنِ الَّتِي يُحْمَدُ بِهَا فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ.

[سورة الصف (61) : الآيات 7 الى 14]
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11)
يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ (14)
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ.
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9) .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ، قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ تُنَجِّيكُمْ بِالتَّشْدِيدِ وَالْآخَرُونَ بِالتَّخْفِيفِ، مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ، نَزَلَ هَذَا حِينَ قَالُوا: لَوْ نَعْلَمُ أَيَّ الْأَعْمَالِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَعَمِلْنَاهُ، وَجَعَلَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ التِّجَارَةِ لأنهم يربحون فيها رِضَا اللَّهِ وَنَيْلَ جَنَّتِهِ وَالنَّجَاةَ مِنَ النَّارِ [ثُمَّ بَيَّنَ تِلْكَ التِّجَارَةَ] [3] فَقَالَ:
تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) .
وَأُخْرى تُحِبُّونَها، ولكم خصلة أخرى تحبونها فِي الْعَاجِلِ مَعَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَتِلْكَ الْخَصْلَةُ، نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: هُوَ النَّصْرُ عَلَى قُرَيْشٍ، وَفَتْحُ مَكَّةَ. وَقَالَ عَطَاءٌ: يُرِيدُ فَتْحَ فَارِسَ وَالرُّومِ. وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ، يَا مُحَمَّدُ بِالنَّصْرِ فِي الدُّنْيَا وَالْجَنَّةِ فِي الآخرة ثم حضهم على نصرة الدِّينِ وَجِهَادِ الْمُخَالِفِينَ.
فَقَالَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ، قَرَأَ أَهْلُ الْحِجَازِ وَأَبُو عَمْرٍو أَنْصَارًا بِالتَّنْوِينِ لِلَّهِ بِلَامِ الْإِضَافَةِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ أَنْصارَ اللَّهِ بالإضافة كقوله: نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ، كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ
__________
(1) في المطبوع «غير» .
(2) في المطبوع «مناقب» .
(3) سقط من المطبوع.

(5/80)


يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1)

، أَيِ انْصُرُوا دِينَ اللَّهِ مِثْلَ نُصْرَةِ الْحَوَارِيِّينَ لَمَّا قَالَ لَهُمْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ، أَيْ مَنْ يَنْصُرُنِي مَعَ اللَّهِ، قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي فِي زَمَنِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا رُفِعَ تَفَرَّقَ قَوْمُهُ ثَلَاثَ فِرَقٍ: فِرْقَةٌ قَالُوا كَانَ اللَّهَ فَارْتَفَعَ، وَفِرْقَةٌ قَالُوا: كَانَ ابْنَ اللَّهِ فَرَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ، وَفِرْقَةٌ قَالُوا كَانَ عَبْدَ اللَّهِ وَرَسُولَهُ فَرَفَعَهُ إِلَيْهِ وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ، وَاتَّبَعَ كُلَّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ، فَاقْتَتَلُوا فَظَهَرَتِ الْفِرْقَتَانِ الْكَافِرَتَانِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَظَهَرَتِ [الْفِرْقَةُ] [1] الْمُؤْمِنَةُ عَلَى الْكَافِرَةِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ، غالبين عالين.
وَرَوَى مُغِيرَةُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ فَأَصْبَحَتْ حُجَّةُ مِنْ آمَنَ بِعِيسَى ظَاهِرَةً بِتَصْدِيقِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عِيسَى كَلِمَةُ اللَّهِ وَرُوحُهُ.

سُورَةُ الْجُمُعَةِ
مَدَنِيَّةٌ [وهي إحدى عشرة آية] [2]

[سورة الجمعة (62) : الآيات 1 الى 3]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (2) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3)
يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ، يَعْنِي الْعَرَبَ كَانَتْ أُمَّةً أُمِّيَّةً لَا تَكْتُبُ وَلَا تَقْرَأُ رَسُولًا مِنْهُمْ، يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَسَبُهُ نَسَبُهُمْ، وَلِسَانُهُ لِسَانُهُمْ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي إِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ، أَيْ مَا كَانُوا قَبْلَ بِعْثَةِ الرَّسُولِ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ.
وَآخَرِينَ مِنْهُمْ، وَفِي آخَرِينَ وَجْهَانِ مِنَ الْإِعْرَابِ أَحَدُهُمَا الْخَفْضُ عَلَى الرَّدِّ إِلَى الْأُمِّيِّينَ مَجَازُهُ وَفِي آخَرِينَ وَالثَّانِي النَّصْبُ عَلَى الرَّدِّ إِلَى الْهَاءِ وَالْمِيمِ فِي قَوْلِهِ وَيُعَلِّمُهُمُ أَيْ وَيُعَّلِمُ آخَرِينَ مِنْهُمْ، أَيْ [مِنَ] [3] الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَدِينُونَ بِدِينِهِمْ، لِأَنَّهُمْ إِذَا أَسْلَمُوا صَارُوا مِنْهُمْ، فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ كُلَّهُمْ أُمَّةٌ واحدة.
واختلفوا الْعُلَمَاءُ فِيهِمْ فَقَالَ قَوْمٌ: هُمُ الْعَجَمُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَرِوَايَةُ لَيْثٍ عن مجاهد، والدليل عليه:
__________
(1) زيادة من المخطوط.
(2) زيد في المطبوع.
(3) زيادة عن المخطوط.

(5/81)


«2189» مَا أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بن عبد الله بن المعلم الطوسي بها ثَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يعقوب أنا أَبُو النَّضْرِ [1] مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بن يوسف ثنا الحسن [2] بْنُ سُفْيَانَ وَعَلِيُّ بْنُ طَيْفُورَ وَأَبُو الْعَبَّاسِ الثَّقَفِيُّ قَالُوا:
حَدَّثَنَا قتيبة ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ ثَوْرٍ عَنْ أَبِي الْغَيْثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ نزلت عليه سُورَةُ الْجُمُعَةِ، فَلَمَّا قَرَأَ: وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ قَالَ رَجُلٌ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَمْ يُرَاجِعْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى سَأَلَهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، قَالَ: وَفِينَا سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ؟ قَالَ: فَوَضَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى سَلْمَانَ، ثُمَّ قَالَ: «لَوْ كَانَ الْإِيمَانُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ مِنْ هَؤُلَاءِ» .
«2190» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ [3] أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ أَنَا إِسْحَاقُ الدَّبْرِيُّ ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أنا مَعْمَرٌ عَنْ جَعْفَرٍ الْجَزَرِيِّ [4] عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ كَانَ الدِّينُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَذَهَبَ إِلَيْهِ رَجُلٌ أَوْ قَالَ رِجَالٌ مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسَ حَتَّى يَتَنَاوَلُوهُ» .
وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَمُقَاتِلٌ: هُمُ التَّابِعُونَ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: هُمْ جَمِيعُ مَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ] [5] وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ. قَوْلُهُ: لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ، أَيْ لَمْ يُدْرِكُوهُمْ وَلَكِنَّهُمْ يَكُونُونَ بَعْدَهُمْ. وَقِيلَ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ أَيْ فِي الْفَضْلِ وَالسَّابِقَةِ لِأَنَّ التَّابِعِينَ لا يدركون شيئا [مما أدركه] [6] الصحابة. وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.
__________
- قتيبة هو ابن سعيد، عبد العزيز هو ابن محمد الدراوردي، احتج به مسلم، وروى له البخاري متابعة وتعليقا، ثور هو ابن يزيد، أبو الغيث هو سالم مولى ابن مطيع.
- وهو في «شرح السنة» 3893 بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 4898 ومسلم 2546 ح 231 والنسائي في «فضائل الصحابة» 173 وأحمد 2/ 417 وابن حبان 7308 من طرق عن عبد العزيز الدراوردي به.
- ورواية البخاري لعبد العزيز إنما هي متابعة، فقد تابعه سليمان بن بلال.
- وأخرجه البخاري 4897 والترمذي: 3310 و3933 من طرق ثور بن يزيد به.
- وأخرجه الترمذي 3261 وابن حبان 7123 والبيهقي في «الدلائل» 6/ 334 من طريق الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هريرة به. [.....]
2189- إسناده صحيح على شرط مسلم.
2190- صحيح. إسحاق الدبري ثقة، وقد توبع ومن دونه، ومن فوقه على شرط مسلم.
- إسحاق هو ابن إبراهيم، عبد الرزاق بن همام، معمر بن راشد، جعفر بن برقان.
- وهو في «شرح السنة» 3894 بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 2546 ح 230 وأحمد 2/ 308- 309 من طريق عبد الرزاق به.
- وأخرجه أحمد 2/ 296 و420 و422 وأبو نعيم في «الحلية» 6/ 64 من طرق عن عوف عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أبي هريرة به.
- وأخرجه ابن حبان 7309 من طريق يحيى بن أبي الحجاج عن عوف عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هريرة.
(1) في المطبوع «النصر» وهو خطأ.
(2) تصحف في المطبوع «الحسين» .
(3) تصحف في المطبوع «البزار» .
(4) تصحف في المطبوع «الجرزي» .
(5) سقط من المطبوع.
(6) سقط من المطبوع.

(5/82)


ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4)

[سورة الجمعة (62) : الآيات 4 الى 8]
ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4) مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (6) وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (7) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8)
ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ، يَعْنِي الْإِسْلَامَ وَالْهِدَايَةَ. وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ، أَيْ كُلِّفُوا الْقِيَامَ بِهَا وَالْعَمَلَ بِمَا فِيهَا، ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها، لَمْ يَعْمَلُوا بِمَا فِيهَا وَلَمْ يُؤَدُّوا حَقَّهَا، كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً، أَيْ كُتُبًا مِنْ الْعِلْمِ وَاحِدُهَا سِفْرٌ، قَالَ الْفَرَّاءُ: هِيَ الْكُتُبُ الْعِظَامُ يَعْنِي كَمَا أَنَّ الْحِمَارَ يَحْمِلُهَا وَلَا يَدْرِي مَا فِيهَا وَلَا يَنْتَفِعُ بِهَا، كَذَلِكَ اليهود يقرؤون التَّوْرَاةَ وَلَا يَنْتَفِعُونَ بِهَا لِأَنَّهُمْ خَالَفُوا مَا فِيهَا، بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِتَكْذِيبِ الْأَنْبِيَاءِ يَعْنِي: مَنْ سَبَقَ فِي عِلْمِهِ أَنَّهُ [لَا يُؤْمِنُ] [1] لَا يَهْدِيهِمْ.
قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ، مِنْ دُونِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ، فَادْعُوا بِالْمَوْتِ عَلَى أَنْفُسِكُمْ، إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ، أَنَّكُمْ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ فَإِنَّ الْمَوْتَ هُوَ الَّذِي يُوصِلُكُمْ إِلَيْهِ.
وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (7) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) .

[سورة الجمعة (62) : آية 9]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، أَيْ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ كَقَوْلِهِ:
أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ [فاطر: 40] أَيْ فِي الْأَرْضِ، وَأَرَادَ بِهَذَا النِّدَاءِ الْأَذَانَ عِنْدَ قُعُودِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ لِلْخُطْبَةِ.
«2191» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [2] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا
__________
2191- إسناده صحيح على شرط البخاري.
آدهم هو ابن أبي إياس، ابن أبي ذئب هو محمد بن عبد الرحمن.
- وهو في «شرح السنة» 1066 بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» 912 عن آدم بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 516 من طريق ابن أبي ذئب به.
- وأخرجه أبو داود 1087 والنسائي 3/ 100 وابن ماجه 1135 وأحمد 2/ 326 و327 من طرق عن الزهري به.
(1) سقط من المطبوع.
(2) زيادة عن المخطوط.

(5/83)


محمد بن إسماعيل ثنا آدم ثنا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: كَانَ النِّدَاءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوَّلُهُ إِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ وَكَثُرَ النَّاسُ زاد النداء الثالث [1] عَلَى الزَّوْرَاءِ.
قَرَأَ الْأَعْمَشُ: مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِسُكُونِ الْمِيمِ، وَقَرَأَ الْعَامَّةُ بِضَمِّهَا، وَاخْتَلَفُوا فِي تَسْمِيَةِ هَذَا الْيَوْمِ جُمُعَةً، مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَمَعَ فِيهِ خَلْقَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَقِيلَ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَغَ فيه مِنْ خَلْقِ الْأَشْيَاءِ فَاجْتَمَعَتْ فِيهِ المخلوقات. وقيل: لاجتماع الجماعات فيها. وَقِيلَ: لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِيهَا لِلصَّلَاةِ. وَقِيلَ: أَوَّلُ مَنْ سَمَّاهَا جُمُعَةً كَعْبُ بْنُ لُؤَيٍّ قَالَ أَبُو سَلَمَةَ [2] : أَوَّلُ مَنْ قَالَ أَمَّا بَعْدُ كَعْبُ بْنُ لُؤَيٍّ، وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ سَمَّى الْجُمُعَةَ جُمُعَةً، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: يَوْمُ الْعَرُوبَةِ.
وَعَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: جَمَعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، [قبل أن تنزل] [3] يوم الْجُمُعَةَ وَهُمَ الَّذِينَ سَمُّوهَا الْجُمُعَةَ. وَقَالُوا لِلْيَهُودِ يَوْمٌ يَجْتَمِعُونَ فِيهِ كُلَّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ، وَلِلنَّصَارَى يَوْمٌ، فَهَلُمَّ فَلْنَجْعَلْ يَوْمًا نَجْتَمِعُ فِيهِ، فَنَذْكُرُ اللَّهَ وَنُصَّلِي فِيهِ، فَقَالُوا: يَوْمُ السَّبْتِ لِلْيَهُودِ، وَيَوْمُ الْأَحَدِ لِلنَّصَارَى، فَاجْعَلُوهُ يَوْمَ الْعَرُوبَةِ، فَاجْتَمَعُوا إِلَى أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ وَذَكَّرَهُمْ فَسَمُّوهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ بَعْدُ.
وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ كَعْبٍ أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ تَرَحَّمَ لِأَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَقُلْتُ لَهُ: إِذَا سَمِعْتَ النِّدَاءَ تَرَحَّمْتَ لِأَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ بِنَا فِي هَزْمِ النَّبِيتِ مِنْ حَرَّةِ بَنِي بَيَاضَةَ فِي بَقِيعٍ يُقَالُ لَهُ: بَقِيعُ الْخَضِمَاتِ، قُلْتُ لَهُ: كَمْ كُنْتُمْ يَوْمئِذٍ؟ قَالَ:
أربعون.
«2192» وأما أول جُمُعَةٍ جَمَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَصْحَابِهِ [عَلَى مَا] [4] ذَكَرَ أَهْلُ السِّيَرِ: أَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ مُهَاجِرًا نَزَلَ قَبَاءً عَلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَذَلِكَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ حِينَ امْتَدَّ الضُّحَى، فَأَقَامَ بِقَبَاءٍ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالثُّلَاثَاءِ وَالْأَرْبِعَاءِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، وَأَسَّسَ مَسْجِدَهُمْ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَامِدًا الْمَدِينَةَ فَأَدْرَكَتْهُ صَلَاةُ الْجُمُعَةُ فِي بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ فِي بَطْنِ وَادٍ لهم، وقد اتخذوا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مَسْجِدًا فَجَمَعَ هناك وخطب.
قوله تَعَالَى: فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ، أَيْ فَامْضُوا إِلَيْهِ وَاعْمَلُوا لَهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنَ السَّعْيِ الْإِسْرَاعَ إنما المراد منه الْعَمَلُ وَالْفِعْلُ، كَمَا قَالَ: وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ [الْبَقَرَةِ: 205] ، وَقَالَ: إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4) [اللَّيْلِ: 4] ، وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقْرَأُ: فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود.
__________
2192- أخرجه البيهقي في «الدلائل» 2/ 512 عن محمد بن جعفر عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عبد الرحمن بن عويم قال: أخبرني بعض قومي. قال: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم.... فذكره بأتم منه، ولأصله شواهد.
(1) في المطبوع «الثاني» .
(2) تصحف في المطبوع «سلعة» . [.....]
(3) العبارة في المطبوع «وقيل إن ينزل يوم» .
(4) زيادة عن المخطوط.

(5/84)


وَقَالَ الْحَسَنُ: أَمَا وَاللَّهِ مَا هُوَ بِالسَّعْي عَلَى الْأَقْدَامِ وَلَقَدْ نُهُوا أَنْ يَأْتُوا الصَّلَاةَ إِلَّا وَعَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ، وَلَكِنْ بِالْقُلُوبِ والنية والخشوع. وعن قَتَادَةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ قال: السعي أَنْ تَسْعَى بِقَلْبِكَ وَعَمَلِكَ وَهُوَ الْمَشْيُ إِلَيْهَا، وَكَانَ يَتَأَوَّلُ قَوْلَهُ: فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ [الصَّافَّاتِ: 102] يَقُولُ فَلَمَّا مَشَى مَعَهُ.
«2193» أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ القاضي أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الحسن الحيري أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ [أَحْمَدَ بْنِ] [1] مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ، وَلَكِنِ ائْتُوهَا تَمْشُونَ وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ [2] ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فأتموا» .
قَوْلُهُ: إِلى ذِكْرِ اللَّهِ أَيْ الصَّلَاةِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ قَالَ هُوَ مَوْعِظَةُ الْإِمَامِ، وَذَرُوا الْبَيْعَ، يَعْنِي الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ لِأَنَّ اسْمَ الْبَيْعِ يَتَنَاوَلُهُمَا جَمِيعًا. وَإِنَّمَا يَحْرُمُ البيع والشراء عند
__________
2193- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- عبد الرزاق بن همام، معمر بن راشد، الزهري محمد بن مسلم، ابن المسيب هو سعيد.
- وهو في «شرح السنة» 442 بهذا الإسناد.
- وهو في «مصنف عبد الرزاق» 3404 عن معمر بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 328 وأحمد 2/ 270 وابن الجارود 306 من طريق عبد الرزاق به.
- وأخرجه مسلم 602 ح 151 والترمذي 329 والنسائي 2/ 114- 115 وأحمد 2/ 238 وابن أبي شيبة 2/ 358 والحميدي 935 وابن الجارود 305 والطحاوي في «المعاني» 1/ 396 وابن حبان 2145 والبيهقي 2/ 297 من طرق عن سفيان عن الزهري به.
- وأخرجه مسلم 602 ح 153 وأحمد 2/ 318 وأبو عوانة 1/ 413 و2/ 83 والبيهقي 2/ 295 و298 من طريق عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ همام عن أبي هريرة به، وهو في «المصنف» برقم: 3402.
- وأخرجه مسلم 602 ح 154 وأحمد 2/ 427 والطحاوي في «المعاني» 1/ 396 وأبو عوانة 2/ 83 والبيهقي 2/ 298 من طريق ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ به.
- وأخرجه أحمد 2/ 49 من طريق أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ به.
- وأخرجه مسلم 602 ح 152 والطحاوي 1/ 396 والبيهقي 2/ 298 والبغوي 443 من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة به.
- وأخرجه البخاري 636 و908 ومسلم 602 ح 151 وابن ماجه 775 والشافعي 1/ 145- 146 وأحمد 2/ 532 وأبو داود 572 وابن حبان 2146 والطحاوي 1/ 396 والبيهقي 2/ 297 من طرق عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة به.
- وأخرجه البخاري 908 ومسلم 602 والترمذي 327 وأحمد 2/ 239 و452 والبيهقي 2/ 297 من طرق عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة به.
- وأخرجه أبو داود 573 وأحمد 2/ 386 والطيالسي 2350 والطحاوي 1/ 396 من طريق سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة به.
- وأخرجه أحمد 2/ 282 و472 وابن أبي شيبة 2/ 358 وعبد الرزاق 3405 من طريق سعد بن إبراهيم عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة.
(1) سقط من المطبوع.
(2) زيد في المطبوع «والوقار» وليس في المخطوط و «شرح السنة» .

(5/85)


الْأَذَانِ الثَّانِي، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ عِنْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ حَرُمَ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ، ذلِكُمْ، الَّذِي ذَكَرْتُ مِنْ حُضُورِ الْجُمُعَةِ وَتَرْكِ الْبَيْعِ، خَيْرٌ لَكُمْ، مِنَ الْمُبَايَعَةِ، إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، مَصَالِحَ أَنْفُسِكُمْ، وَاعْلَمْ أَنَّ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ مِنْ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ فَتَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ جَمَعَ الْعَقْلَ وَالْبُلُوغَ وَالْحُرِّيَّةَ وَالذُّكُورَةَ وَالْإِقَامَةَ إِذَا لم يكن له عذر فمن تَرَكَهَا اسْتَحَقَّ الْوَعِيدَ وَأَمَّا الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ فَلَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمَا، لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ أَنْ يَلْزَمَهُمَا فروض [1] الْأَبْدَانِ لِنُقْصَانِ أَبْدَانِهِمَا، وَلَا جُمُعَةَ عَلَى النِّسَاءِ بِالِاتِّفَاقِ.
«2194» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ [بْنُ] [2] أَحْمَدَ الْخَلَّالُ أنا أبو العباس الأصم
__________
2194- متن صحيح بشواهده.
- إسناده ضعيف جدا، إبراهيم بن محمد هو الأسلمي متروك متهم، تفرد الشافعي بتوثيقه، ولم يتابع عليه، فقد كذبه جماعة، وقال الحافظ في «التقريب» : متروك اهـ.
- وشيخه مجهول، وشيخ محمد بن كعب لم يسم، ولم يذكر أنه من الصحابة لكن للحديث شواهد، فالمتن صحيح.
- وهو في «شرح السنة» 1051 بهذا الإسناد.
- وهو في «مسند الشافعي» 1/ 130 عن إبراهيم بن محمد بهذا الإسناد.
- وأخرجه البيهقي 3/ 172 من طريق الشافعي به.
- وله شاهد من حديث طارق بن شهاب:
- وأخرجه أبو داود 1067 والدارقطني 2/ 3 والبيهقي 3/ 172 والطبراني في «الأوسط» 5675.
- وقال أبو داود: طارق رأى النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يسمع منه شيئا.
- ونقل الزيلعي 2/ 199 عن النووي في «الخلاصة» قوله: وهذا غير قادح في صحته، فإنه مرسل صحابي، وهو حجة، والحديث على شرط الشيخين، وأقرّه الزيلعي.
- وأخرجه الحاكم 1/ 188 عن طارق عن أبي موسى مرفوعا، وصححه على شرطهما، وقال: قد احتجا بهريم بن سفيان. ووافقه الذهبي.
- وهريم قال عنه في «التقريب» : صدوق روى عنه الجماعة.
- وقال البيهقي 3/ 172- 173: ليس بمحفوظ ذكر أبي موسى.
- وقال الحافظ في «التلخيص» 2/ 65: صححه غير واحد، وفي الباب شواهد.
- وله شاهد آخر من حديث جابر:
- أخرجه الدارقطني 2/ 3، وفي إسناده ابن لهيعة، وهو ضعيف.
- ومن حديث أبي هريرة:
- أخرجه الطبراني في «الأوسط» 402 بزيادة «المسافر وأهل البادية» .
- قال الهيثمي في «المجمع» 2/ 170: وفيه إبراهيم بن حماد، ضعفه الدارقطني.
- ومن حديث أبي الدرداء:
- أخرجه الطبراني في «الكبير» كما في «المجمع» 2/ 170 وإسناده واه.
- قال الهيثمي: وفيه ضرار روى عن التابعين، وأظنه ابن عمرو الملطي، وهو ضعيف.
- وحديث تميم الداري:
- أخرجه البخاري في «تاريخه» 2/ 335 والطبراني كما في «نصب الراية» 2/ 199 والبيهقي 3/ 183 و184.
- وإسناده ضعيف، لضعف الحكم بن عمرو. قال عنه يحيى: ليس بشيء وفيه أيضا ضرار بن عمرو، وهو واه.
- الخلاصة: هو حديث صحيح بطرقه وشواهده.
(1) في المطبوع «فرض» .
(2) سقط من المطبوع.

(5/86)


أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَطْمِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا مِنْ بَنِي وَائِلٍ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ إِلَّا امْرَأَةً أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَمْلُوكًا» .
وَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا جُمُعَةَ عَلَى الْعَبِيدِ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ: تَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ الْمُخَارَجِ. وَلَا [تَجِبُ] [1] عَلَى الْمُسَافِرِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ. وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ: تَجِبُ عَلَى الْمُسَافِرِ إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ، وَكُلُّ مَنْ لَهُ عُذْرٌ مِنْ مَرِضٍ أَوْ تَعَهُّدِ مَرِيضٍ أَوْ خَوْفٍ، جَازَ لَهُ تَرْكُ الْجُمُعَةِ، وَكَذَلِكَ لَهُ تَرْكُهَا بِعُذْرِ الْمَطَرِ وَالْوَحْلِ.
«2195» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ [حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ] [2] حدثنا إسماعيل أخبرنا عبد الحميد [3] صاحب الزيادي ثنا عبد الله بن الحارث [ابن عم] [4] محمد بن سيرين [قال] [5] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ: إِذَا قُلْتَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولَ اللَّهِ فَلَا تَقُلْ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ قُلْ صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ، فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا، فَقَالَ: فَعَلَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي إِنَّ الْجُمُعَةَ عَزْمَةٌ وإني كرهت أن أخرجكم من بيوتكم فَتَمْشُوا فِي الطِّينِ وَالدَّحْضَ.
وَكُلُّ مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ حُضُورُ الْجُمُعَةِ، فَإِذَا حَضَرَ وَصَلَّى مَعَ الْإِمَامِ الْجُمُعَةَ سَقَطَ عَنْهُ فَرْضُ الظُّهْرِ، وَلَكِنْ لَا يَكْمُلُ بِهِ عَدَدُ الْجُمُعَةِ إِلَّا صَاحِبَ الْعُذْرِ، فَإِنَّهُ إِذَا حَضَرَ يَكْمُلُ بِهِ الْعَدَدُ.
«2196» أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بن أحمد بن حمويه
__________
2195- إسناده صحيح على شرط البخاري.
- مسدد هو ابن مسرهد، إسماعيل هو ابن علية.
- وهو في «صحيح البخاري» 901 بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 616 و668 ومسلم 699 وأبو داود 1066 وابن خزيمة 1865 والطحاوي في «المشكل» 6086 والبيهقي 3/ 185 و186 من طرق عن عبد الحميد به.
- وقرن في بعض الروايات أيوب السختياني، أو عاصم الأحول مع عبد الحميد.
- وأخرجه مسلم 699 ح 27 و29 وابن ماجه 939 وابن خزيمة 1864 من طرق عاصم الأحول ومسلم 699 ح 27 و30 من طريق أيوب السختياني كلاهما عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ به.
- قال مسلم: قال وهيب- ابن خالد-: لم يسمعه منه.
- يشير إلى أن أيوب لم يسمعه من عبد الله بن الحارث.
- وأخرجه أحمد 1/ 277 والطبراني 12872 من طريقين عن ابن عون عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ ابن عباس به، وإسناده منقطع بن سيرين وابن عباس.
- وأخرجه ابن ماجه 938 من طريق عباد بن منصور عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
2196- صحيح. يحيى بن حسان ثقة روى له الشيخان، ومن دونه توبعوا، وباقي الإسناد على شرط مسلم.
- أبو سلّام، اسمه ممطور، مشهور بكنيته.
- وهو في «شرح السنة» 1049 بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 865 من طريق أبي توبة عن معاوية بن سلّام به.
- وأخرجه النسائي 3/ 88 من طريق يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ الحضرمي بن لاحق عن زيد بن أبي سلّام عن الحكم بن ميناء
(1) سقط من المطبوع.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) تصحف في المطبوع «المجيد» .
(4) تصحف في المطبوع «ابن عمر» . [.....]
(5) زيادة عن المخطوط.

(5/87)


السَّرَخْسِيُّ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَمَانِينَ وثلاثمائة أنا عِيسَى بْنُ عُمَرَ بْنِ الْعَبَّاسِ السمرقندي [ثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمَيِّ السَّمَرْقَنْدِيِّ] [1] أنا يحيى بن حسان ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ سَلَّامٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَّامٍ يَقُولُ حَدَّثَنِي الْحَكَمُ بْنُ مِينَا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ وَأَبَا هُرَيْرَةَ أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول وَهُوَ عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ: «لَيَنْتَهِينَ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ» .
«2197» أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ [2] ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ ثَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ ثَنَا علي بن خشرم أنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عُبَيْدَةَ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الْجَعْدِ يَعْنِي الضمري [3] قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَرَكَ الجمعة ثلاثة مَرَّاتٍ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ» .
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي مَوْضِعِ إِقَامَةِ الْجُمُعَةِ وَفِي العدد الذي تنعقد بهم [4] الْجُمُعَةُ، وَفِي الْمَسَافَةِ الَّتِي يَجِبُ أَنْ يُؤْتَى مِنْهَا.
أَمَّا الْمَوْضِعُ فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ كُلَّ قَرْيَةٍ اجْتَمَعَ فِيهَا أَرْبَعُونَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ، بِأَنْ يَكُونُوا أَحْرَارًا عَاقِلِينَ بَالِغِينَ مُقِيمِينَ لَا يَظْعَنُونَ عَنْهَا شِتَاءً وَلَا صَيْفًا إلا ظعن حاجة، يجب عَلَيْهِمْ إِقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِيهَا، وَهُوَ قَوْلُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَقَالُوا: لَا تَنْعَقِدُ الْجُمُعَةُ بِأَقَلِّ مِنْ أَرْبَعِينَ رَجُلًا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ وَشَرَطَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَعَ عَدَدِ الْأَرْبَعِينَ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ وَالٍ، وَالْوَالِي غَيْرُ شَرْطٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ عَلِيٌّ: لَا جُمُعَةَ إِلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَنْعَقِدُ بِأَرْبَعَةٍ وَالْوَالِي شَرْطٌ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ: تَنْعَقِدُ بِثَلَاثَةٍ إِذَا كَانَ فِيهِمْ وَالٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَأَبُو ثَوْرٍ: تَنْعَقِدُ بِاثْنَيْنِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ. وَقَالَ رَبِيعَةُ: تَنْعَقِدُ بِاثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا، وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ إِقَامَتِهَا فِي الْقُرَى.
«2198» مَا أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا محمد بن يوسف ثنا
__________
أنه سمع ابن عباس وابن عمر يحدثان ...
- وأخرجه أحمد 1/ 239 و254 و335 وابن حبان 2785 من طرق عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عن أبي سلّام ممطور الأسود عن الحكم بن ميناء عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ ...
- وأخرجه ابن خزيمة 1855 من حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري.
2197- صحيح بشواهده.
- إسناده حسن لأجل محمد بن عمرو فإنه صدوق، وباقي الإسناد ثقات، وللحديث شواهد يصح بها.
- أبو الجعد، صحابي له هذا الحديث، قيل اسمه: أدرع، وقيل: عمرو، وقيل: جنادة.
- وهو في «شرح السنة» 1048 بهذا الإسناد.
- وهو في «سنن الترمذي» 500 عن علي بن خشرم بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو داود 1052 والنسائي 3/ 88 وأحمد 3/ 424 والدارمي 1/ 369 والحاكم 1/ 280 و3/ 624 وابن حبان 2786 وابن خزيمة 1857 و1858 والبيهقي 3/ 172 و247 من طرق عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ علقمة به.
- وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال الترمذي: حديث حسن.
- وله شواهد كثيرة، انظر «أحكام القرآن» لابن العربي 2114 بتخريجي.
2198- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
(1) سقط من المطبوع.
(2) تصحف في المطبوع «الخزاعي» .
(3) تصحف في المطبوع «العنميري» .
(4) في المطبوع «دب» .

(5/88)


مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا مُحَمَّدُ بن المثني أنا أبو عامر العقدي ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ أَبِي جمرة الضُّبَعِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ جُمُعَةٍ جُمِعَتْ بَعْدَ جُمُعَةٍ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مسجد عبد القيس بجواثا [1] مِنَ الْبَحْرَيْنِ.
وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ مُقِيمًا فِي قَرْيَةٍ لَا تُقَامُ فِيهَا الْجُمُعَةُ، أَوْ كَانَ مُقِيمًا فِي بَرِّيَّةٍ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَ يَبْلُغُهُمُ النِّدَاءُ مِنْ مَوْضِعِ الْجُمُعَةِ يَلْزَمُهُمْ حُضُورُ الْجُمُعَةِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَبْلُغُهُمُ النِّدَاءُ فَلَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَالشَّرْطُ أَنْ يَبْلُغَهُمْ نِدَاءُ مُؤَذِّنٍ جَهْوَرِيِّ الصَّوْتِ يُؤَذِّنُ [2] فِي وَقْتٍ تَكُونُ الْأَصْوَاتُ فِيهِ هَادِئَةً وَالرِّيَاحُ سَاكِنَةً، فكل قرية تكون من مَوْضِعِ الْجُمُعَةِ فِي الْقُرْبِ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ يَجِبُ عَلَى أَهْلِهَا حُضُورُ الْجُمُعَةِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: تَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ آوَاهُ الْمَبِيتُ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ:
تَجِبُ عَلَى مَنْ كَانَ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ. وَقَالَ رَبِيعَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ. وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ: عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا جُمُعَةَ عَلَى أَهْلِ السَّوَادِ قَرِيبَةً كَانَتِ الْقَرْيَةُ أَوْ بَعِيدَةً. وَكُلُّ مَنْ تَلْزَمُهُ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الزَّوَالِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ، وَجَوَّزَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ أَنْ يُسَافِرَ بَعْدَ الزَّوَالِ إِذَا كَانَ يُفَارِقُ الْبَلَدَ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، أَمَّا إِذَا سَافَرَ قَبْلَ الزَّوَالِ [أو] قبل طُلُوعِ الْفَجْرِ فَيَجُوزُ، غَيْرَ أَنَّهُ يكره أَنْ يَكُونَ سَفَرُهُ سَفَرَ طَاعَةٍ مِنْ حَجٍّ أَوْ غَزْوٍ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ إِذَا أَصْبَحَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ مُقِيمًا فَلَا يُسَافِرُ حَتَّى يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِهِ مَا.
«2199» أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجِرَاحِيُّ أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ أَنَا أبو عيسى ثنا أحمد بن
__________
- أبو عامر هو عبد الملك بن عمرو، أبو جمرة هو نصر بن عمران.
- وهو في «شرح السنة» 1050 بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» 892 عن محمد بن المثنى بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 4371 وأبو داود 1068 من طريق إبراهيم بن طهمان به.
2199- حديث ضعيف، والمتن غريب.
- إسناده ضعيف لضعف حجاج بن أرطاة، والحكم ثقة لكن ربما دلس، ولم يسمع من مقسم سوى خمسة أحاديث، ذكرها الحافظ في «التهذيب» 2/ 373، وليس هذا منها.
- وهو في «شرح السنة» 1052 بهذا الإسناد.
- وهو في «سنن الترمذي» 527 عن أحمد بن منيع بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد 1/ 256 مختصرا من طريق أبي خالد الأحمر، والبيهقي 3/ 187 من الحسن بن عياش كلاهما عن الحجاج به.
- قال البيهقي: وروا أيضا- حماد بن سلمة وأبو معاوية عن حجاج بن أرطأة، الحجاج ينفرد به.
- وله شاهد من حديث معاذ بن أنس:
- أخرجه أحمد 3/ 348 والطبراني في «الكبير» 20/ 190- 191 من طريق ابن لهيعة عن زبان عن سهل بن معاذ عن أبيه.
- وإسناده واه بمرة، ابن لهيعة وزبان وسهل ثلاثتهم ضعفاء.
- وأخرجه الطبراني في «الكبير» 20/ 191 من طريق رشدين عن زبان به. ورشدين واه ليس بشيء.
قال الهيثمي في «المجمع» 5/ 284: وفيه زبان بن فائد، وثقه أبو حاتم، وضعفه جماعة، وبقية رجاله ثقات.
(1) في المطبوع «بجؤاثى» .
(2) تصحف في المطبوع «مؤذن» .

(5/89)


منيع ثنا [أَبُو] [1] مُعَاوِيَةَ عَنِ الْحَجَّاجِ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فِي سَرِيَّةٍ فَوَافَقَ ذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَغَدَا أَصْحَابُهُ وَقَالَ: أَتَخَلَّفُ فَأُصْلِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَلْحَقُهُمْ، فَلَمَّا صَلَّى مَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَآهُ فَقَالَ: «مَا مَنَعَكَ أَنْ تَغْدُوَ مَعَ أَصْحَابِكِ» ؟ قَالَ: أَرَدْتُ أَنْ أُصَلِّيَ مَعَكَ ثُمَّ أَلْحَقَهُمْ، فَقَالَ: «لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَدْرَكْتَ فَضْلَ غَدْوَتِهِمْ» [2] .
وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَمِعَ رَجُلًا عَلَيْهِ هَيْئَةُ السَّفَرِ يَقُولُ: لَوْلَا أَنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ لَخَرَجْتُ، فَقَالَ عُمَرُ: اخْرُجْ فَإِنَّ الجمعة لا تحبس أحدا عَنْ سِفْرٍ.
وَقَدٍّ وَرَدَ أَخْبَارٌ فِي سُنَنِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَفَضْلِهِ مِنْهَا مَا.
«2200» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَقِيهُ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ إِلَى الطَّوْرِ فَلَقِيتُ كَعْبَ الْأَحْبَارِ فَجَلَسْتُ مَعَهُ فَحَدَّثَنِي عَنِ التَّوْرَاةِ وَحَدَّثْتُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ فِيمَا حَدَّثْتُهُ أَنْ قلت: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُهْبِطَ وَفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ، وَفِيهِ مَاتَ وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا وَهِيَ مُصِيخَةٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ حِينِ تُصْبِحُ حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ شَفَقًا مِنَ السَّاعَةِ إِلَّا الْجِنُّ وَالْإِنْسُ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ» ، قَالَ كَعْبٌ: ذَلِكَ فِي كل
__________
- بل سهل بن معاذ ضعفه ابن حبان وغيره، وتقدم الكلام على ذلك.
- الخلاصة: هو حديث ضعيف، والخبر غريب، وشاهده واه، لا يصلح شاهدا.
2200- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- أبو مصعب هو أحمد بن أبي بكر.
- وهو في «شرح السنة» 1045 بهذا الإسناد.
- وهو في «الموطأ» 1/ 108- 110 عن يزيد بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو داود 1046 والترمذي 491 وأحمد 2/ 486 والحاكم 1/ 278- 279 وابن حبان 2772 من طرق عن مالك به.
- وصححه الحاكم عن شرطهما، ووافقه الذهبي.
- وأخرجه عبد الرزاق 5583 من طريق الأعرج عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عن أبي هريرة.
- وأخرجه عبد الرزاق 5585 من طريق ابن جريج عن رجل عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هريرة.
- وأخرجه أحمد 2/ 504 والحاكم 1/ 279 و2/ 544 والبغوي 1046 من طريق أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
- وأخرجه مسلم 854 والترمذي 488 والنسائي 3/ 89- 90 وأحمد 2/ 401 و512 من طريق عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال: «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وفيه أدخل، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة» .
- وأخرجه أحمد 2/ 540 من طريق عبد الله بن فروخ عن أبي هريرة.
- وأخرجه أحمد 2/ 518- 519 من طريق سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ما طلعت الشمس، ولا غربت على يوم خير من يوم الجمعة هدانا الله له، وأضل الناس عنه، فالناس لنا فيه تبع هو لنا، ولليهود يوم السبت، وللنصارى يوم الأحد، إن فيه لساعة لا يوافقها مؤمن يصلي يسأل الله عزّ وجلّ شيئا إلا أعطاه» . [.....]
(1) سقط في المطبوع.
(2) في المخطوط «غزوتهم» .

(5/90)


سَنَةٍ يَوْمٌ، فَقُلْتُ: بَلْ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ، قَالَ: فَقَرَأَ كَعْبٌ التوراة قال: فصدق رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: ثُمَّ لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَّامٍ فَحَدَّثْتُهُ بِمَجْلِسِي مَعَ كَعْبِ الْأَحْبَارِ وَمَا حَدَّثْتُهُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ:
قَدْ عَلِمْتُ أَيَّةَ سَاعَةٍ هِيَ هِيَ آخَرُ سَاعَةٍ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَكَيْفَ تَكُونُ آخَرَ سَاعَةٍ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ؟ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي فيها» وَتِلْكَ سَاعَةٌ لَا يُصَلَّى فِيهَا؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ حَتَّى يُصَلِّيَهَا؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: بَلَى، قَالَ: فَهُوَ ذَاكَ.
«2201» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو إِسْحَاقُ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» .
«2202» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بن إسماعيل ثنا آدم ثنا ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدِ الْمَقْبُرِيِّ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَدِيعَةَ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ إِلَّا غُفِرَ له
__________
2201- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- أبو مصعب هو أحمد بن أبي بكر، مالك بن أنس، نافع مولى ابن عمر.
- وهو في «شرح السنة» 334 بهذا الإسناد.
- هو في «الموطأ» 1/ 102 عن مالك به.
- وأخرجه البخاري 877 والنسائي 3/ 93 وأحمد 2/ 64 والدارمي 1/ 361 والطحاوي في «المعاني» 1/ 115 من طريق مالك به.
- وأخرجه مسلم 844 وابن ماجه 1088 والحميدي 610 وابن أبي شيبة 2/ 93 و95 و96 وأحمد 2/ 3 و41 و42 و48 و75 و78 و245 والطحاوي 1/ 115 وابن خزيمة 1750 و751 وابن حبان 1224 والطبراني 13392 والبيهقي 1/ 297 من طرق عن نافع به.
- وأخرجه البخاري 894 و919 ومسلم 844 والترمذي 492 والشافعي 1/ 154 وعبد الرزاق 5290 و5291 والحميدي 608 وأحمد 2/ 9 و37 وابن الجارود 1223 وابن خزيمة 1749 والطحاوي 1/ 115 وابن حبان 1223 والبيهقي في «السنن» 1/ 193 و3/ 188 من طرق عن الزهري عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر عن أبيه.
- وأخرجه ابن أبي شيبة 1/ 93 وأحمد 2/ 53 و57 والطحاوي 1/ 115 من طرق عن أبي إسحاق عن يحيى بن وثاب عن ابن عمر به.
2202- إسناده صحيح على شرط البخاري.
- آدم هو ابن أبي إياس، ابن أبي ذئب هو محمد بن عبد الرحمن، سعيد هو ابن أبي سعيد المقبري.
- وهو في «شرح السنة» 1053 بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» 883 عن آدم بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 910 وأحمد 5/ 438 و440 والدارمي 1/ 362 وابن حبان 2776 من طرق عن ابن أبي ذئب به.
- وأخرجه ابن ماجه 1097 وأحمد 5/ 181 وابن خزيمة 1763 و1764 و1812 من طريق ابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبيه عن عبد الله بن وديعة عن أبي ذر مرفوعا بمثله.
- وأخرجه النسائي 3/ 104 وأحمد 5/ 440 من طريق إبراهيم عن علقمة بن قيس عن القرثع الضبي وكان من القرّاء الأولين عن سلمان بنحوه.
- ووثق رجاله ابن حجر في «فتح الباري» 2/ 371.

(5/91)


مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى» .
«2203» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ ثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ ثَنَا حميد بن زنجويه ثنا أحمد بن خالد ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَنْ أَبِي أمامة يعني ابن سَهْلَ بْنَ حَنِيفٍ حَدَّثَاهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاسْتَنَّ وَمَسَّ مِنْ طِيبٍ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَسْجِدَ، فَلَمْ يَتَخَطَّ رِقَابَ النَّاسِ ثُمَّ رَكَعَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَرْكَعَ، وَأَنْصَتَ إِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ كَانَتْ كَفَّارَةُ لما بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الَّتِي كَانَتْ قبلها» ، وقال أَبُو هُرَيْرَةَ: وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ:
مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها [الْأَنْعَامِ: 160] .
«2204» أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ عُمَرُ بن عبد العزيز الفاشاني أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ أنا أبو علي محمد ابن أحمد بن علي اللؤلؤي ثَنَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الأشعث ثنا محمد بن حاتم الجرجرائي ثنا ابن المبارك عن
__________
2203- صحيح، رجاله ثقات، لكن فيه عنعنة ابن إسحاق، وهو مدلس، وقد صرح بالتحديث عند ابن حبان وغيره، وقد توبع عند مسلم.
- وهو في «شرح السنة» 1056 بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو داود 343 وأحمد 3/ 81 وابن خزيمة 1762 والحاكم 1/ 283 وابن حبان 2778.
وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
- وأخرجه مسلم 857 وابن حبان 2780 والبغوي في «شرح السنة» 1054 من طريق سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أبيه عن أبي هريرة مرفوعا بنحوه.
- الخلاصة: هو حديث صحيح، والله أعلم.
2204- إسناد حسن، والمتن غريب.
- محمد بن حاتم ثقة، وقد توبع ومن دونه، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم سوى أبي الأشعث، تفرد عنه مسلم، وقد وثقه العجلي وابن حبان، ولم أجد من وثقه من المتقدمين الأثبات، فقد ذكره ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» 4/ 373 والبخاري في «التاريخ» 2/ 2/ 255 فلم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا، نعم روى عنه غير واحد من الثقات، فهو يقتضي توثيق الرجل، لكن لا يعني إتقانه مع عدم توثيق الأقدمين له يجعل حديثه ينحط عن درجة الصحيح، مع غرابة متنه.
- وهو في «شرح السنة» 1060 بهذا الإسناد.
- وهو في «سنن أبي داود» 345 عن محمد بن حاتم الجرجرائي بهذا الإسناد.
- وأخرجه ابن ماجه 1087 وأحمد 4/ 104 والحاكم 1/ 282 وابن حبان 2781 من طرق عن ابن المبارك به.
- وأخرجه الترمذي 496 والنسائي 3/ 95- 96 والدارمي 1/ 363 وابن خزيمة 1767 والحاكم 1/ 281- 282 والبغوي «شرح السنة» 1059 من طريق يحيى بن الحارث عن أبي الأشعث الصنعاني به.
- وأخرجه أحمد 4/ 104 والحاكم 1/ 281 وابن خزيمة 1758 من طريق عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن أبي الأشعث الصنعاني به.
- ولم يتابع أبو الأشعث عليه، والصحيح حديث مسلم برقم 857 وتقدم مع المتقدم، ولفظ مسلم «من اغتسل ... غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى، وزيادة ثلاثة أيام» أخرجه من طريق سهيل والأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة، وهذا إسناد كالشمس، وهذا اللفظ أشبه من الأول، فإن في الأول مبالغة، والله أعلم، ومما يدل على عدم شهرة أبي الأشعث بالرواية الاختلاف في اسمه، فقيل: شراحيل بن آده، وقيل: شراحيل بن شرحبيل، ويقال: شراحيل بن كليب، ويقال: شراحيل بن شراحيل، ويقال: شراحبيل بن شرحبيل.
- الخلاصة: المتن غريب، والحديث ليس في غاية الصحة بل هو حسن، والله تعالى أعلم.

(5/92)


فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)

الأوزاعي حدثنا حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ حَدَّثَنِي أَبُو الْأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيُّ حَدَّثَنِي أَوْسُ بْنُ أَوْسٍ الثَّقَفِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ واغتسل وبكر وَابْتَكَرَ وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ، وَدَنَا مِنَ الْإِمَامِ وَاسْتَمَعَ، وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا» .
«2205» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ أَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ كَانَ [1] عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ مَلَائِكَةٌ يَكْتُبُونَ النَّاسَ عَلَى مَنَازِلِهِمُ، الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ طُوِيَتِ الصُّحُفُ. وَاسْتَمَعُوا الْخُطْبَةَ وَالْمُهَجِّرُ إِلَى الصَّلَاةِ كَالْمُهْدِي بَدَنَةً، ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ كَالْمُهْدِي بَقَرَةً، ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ كَالْمُهْدِي شَاةً ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ كَالْمُهْدِي كَبْشًا حَتَّى ذَكَرَ الدجاجة والبيضة» .

[سورة الجمعة (62) : الآيات 10 الى 11]
فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ، أَيْ إِذَا فُرِغَ مِنَ الصَّلَاةِ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ لِلتِّجَارَةِ وَالتَّصَرُّفِ فِي حَوَائِجِكُمْ، وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ، يَعْنِي الرِّزْقَ وَهَذَا أَمْرُ إِبَاحَةٍ كَقَوْلِهِ:
وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا [الْمَائِدَةِ: 2] ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنْ شِئْتَ فَاخْرُجْ وَإِنْ شِئْتَ فَاقْعُدْ وَإِنْ شِئْتَ فَصَلِّ إِلَى الْعَصْرِ، وَقِيلَ: فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ لَيْسَ لِطَلَبِ الدُّنْيَا وَلَكِنْ لِعِيَادَةِ مَرِيضٍ وَحُضُورِ جِنَازَةٍ وَزِيَارَةِ أَخٍ فِي اللَّهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمَكْحُولٌ: وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ هُوَ طَلَبُ الْعِلْمِ. وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً الْآيَةَ.
«2206» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا محمد بن يوسف ثنا
__________
2205- صحيح، إسناده صحيح، الشافعي ثقة إمام، وقد توبع ومن دونه، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، سفيان هو ابن عيينة.
- وهو في «شرح السنة» 1056 بهذا الإسناد.
- هو في «مسند الشافعي» 1/ 131 عن سفيان بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 851 والنسائي 3/ 98 وابن ماجه 1092 وأحمد 2/ 239 من طرق عن سفيان به.
- وأخرجه البخاري 929 و3211 ومسلم 850 ح 24 والنسائي 2/ 116 و3/ 97- 98 وأحمد 2/ 259 و280 والدارمي 1/ 363 من طريق الزهري عن أبي عبد الله الأعز عن أبي هريرة بأتم منه- وأخرجه ابن حبان 2774 من طريق رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بأتم منه.
- وأخرجه البخاري 3211 والدارمي 1/ 362 من طريق أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
2206- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- خالد بن عبد الله هو الطحان الواسطي، حصين هو ابن عبد الرحمن السلمي، أبو سفيان هو طلحة بن نافع.
- وهو في «صحيح البخاري» 4899 عن حفص بن عمر بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 863 ح 37 من طريق خالد بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 936 و2064 و3308 ومسلم 863 وأبو يعلى 1888 والطبري 3436 و34144 والدارقطني.-
(1) في المطبوع «وقفت» .

(5/93)


محمد بن إسماعيل ثنا حفص بن عمر ثنا خالد بن عبد الله أنا حُصَيْنٌ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ وَعَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَقْبَلَتْ عِيرٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَنَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَثَارَ النَّاسُ إِلَّا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ: وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها.
وَيَحْتَجُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ يرى الْجُمُعَةِ بِاثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا وَلَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ أَنَّهُ أَقَامَ بِهِمُ الْجُمُعَةَ حَتَّى يَكُونَ حُجَّةً، لِاشْتِرَاطِ هَذَا الْعَدَدِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ الْكَلْبِيِّ: لَمْ يَبْقَ فِي الْمَسْجِدِ إِلَّا ثَمَانِيَةُ رَهْطٍ.
«2207» وَقَالَ الْحَسَنُ وَأَبُو مَالِكٍ: أَصَابَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ جُوعٌ وَغَلَاءُ سِعْرٍ فقدم دحية بن خليفة بِتِجَارَةِ زَيْتٍ مِنَ الشَّامِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يوم الجمعة، فلما رأوه قامو إِلَيْهِ بِالْبَقِيعِ خَشُوا أَنْ يُسْبَقُوا إِلَيْهِ، فَلَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا رَهْطٌ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ تَتَابَعْتُمْ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْكُمْ أَحَدٌ لَسَالَ بِكُمُ الْوَادِي نَارًا» .
«2208» وَقَالَ مُقَاتِلٌ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذْ قَدِمَ دَحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيُّ مِنَ الشَّامِ بِالتِّجَارَةِ، وَكَانَ إِذَا قَدِمَ لَمْ تَبْقَ بِالْمَدِينَةِ عَاتِقٌ إِلَّا أَتَتْهُ، وَكَانَ يَقْدَمُ إِذَا قَدِمَ بِكُلِّ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ دَقِيقٍ وَبُرٍّ وَغَيْرِهِ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ أَحْجَارِ الزَّيْتِ وَهُوَ مَكَانٌ فِي سُوقِ الْمَدِينَةِ ثُمَّ يَضْرِبُ بِالطَّبْلِ لِيُؤْذِنَ النَّاسَ بِقُدُومِهِ فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ النَّاسُ لِيَبْتَاعُوا مِنْهُ، فَقَدِمَ ذَاتَ جُمُعَةٍ وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّاسُ فَلَمْ يَبْقَ في المسجد إلا اثني عشرة رَجُلًا وَامْرَأَةٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَمْ بَقِيَ في المسجد» ؟
__________
2/ 5 والبيهقي 3/ 197 والواحدي في «أسباب النزول» 820 وابن بشكوال في «غوامض الأسماء» ص 851 من طرق عن حصين به.
- وأخرجه البخاري 4899 ومسلم 863 والترمذي 3308 والطبري 34143 والواحدي 819 من طرق عن حصين عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرِ به.
2207- عجزه ضعيف.
- أخرجه الطبري 34134 من طريق سفيان عن إسماعيل السدي عن أبي مالك مرسلا، وليس فيه اللفظ المرفوع.
- وأخرجه الطبري 34137 وعبد الرزاق في «التفسير» 3222 من طريق معمر عن الحسن مرسلا.
- وانظر الآتي.
2208- عجزه ضعيف، ذكره المصنف هاهنا عن مقاتل معلقا، وسنده إليه في أول الكتاب، ومقاتل ذو مناكير، وهو غير حجة.
- وأخرجه البيهقي في «الشعب» 6495 من طريق بكير بن معروف عن مقاتل بن حيان مرسلا.
- وأخرجه أبو داود في «المراسيل» 59 عن مقاتل عن حيان مرسلا بنحوه.
- ولعجزه شاهد من حديث جابر عند أبي يعلى 1979 وابن حيان 6877 وفي إسناده زكريا بن يحيى زحمويه ذكره ابن حيان في «الثقات» 8/ 253، وأورده ابن أبي حاتم في «العلل» 3/ 61 ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، فالرجل مجهول.
- وحديث جابر في هذا الشأن رواه الشيخان بغير هذا السياق، وليس فيه اللفظ المرفوع، فهذه زيادة منكرة، وتقدم حديث جابر برقم 2206.
- ويشهد لكون دحية الكلبي قدم بالتجارة ما أخرجه ابن بشكوال في «غوامض الأسماء» ص 852 والطبري 34135 من طريق سفيان عن السدي عن مرة مرسلا.
- وحديث ابن عباس عند البرار 2273، وفي إسناده عبد الله بن شبيب، وهو ضعيف كما في «المجمع» 7/ 134.
- الخلاصة: أصل الحديث يعتضد بشواهده دون اللفظ المرفوع، فإنه ضعيف لا يصح، وانظر «أحكام القرآن» 2122 بتخريجي.

(5/94)


فقالوا: اثني عَشَرَ رَجُلًا وَامْرَأَةٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْلَا هَؤُلَاءِ لَسُوِّمَتْ لَهُمُ الْحِجَارَةُ مِنَ السَّمَاءِ» ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ.
وَأَرَادَ بِاللَّهْوِ الطَّبْلَ. وَقِيلَ: كَانَتِ الْعِيرُ إِذَا قَدِمَتِ الْمَدِينَةَ اسْتَقْبَلُوهَا بِالطَّبْلِ وَالتَّصْفِيقِ. وَقَوْلُهُ:
انْفَضُّوا إِلَيْها رَدَّ الْكِنَايَةَ إِلَى التِّجَارَةِ لِأَنَّهَا أَهَمُّ.
«2209» وَقَالَ عَلْقَمَةُ: سُئِلَ عَبْدُ الله [1] : أَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا؟ قَالَ: أَمَا تَقْرَأُ وَتَرَكُوكَ قائِماً.
«2210» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ أنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ خُطْبَتَيْنِ قَائِمًا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجُلُوسٍ.
«2211» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَا مُحَمَّدُ بن عيسى ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شيبة أَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ سِمَاكِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُطْبَتَانِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا يَقْرَأُ القرآن ويذكر الناس.
__________
2209- صحيح. أخرجه ابن ماجه 8/ 110 وأبو يعلى 5034 من طريق إبراهيم عن علقمة به.
- قال ابن ماجه: غريب، لا يحدّث به، إلا ابن أبي شيبة وحده.
- قلت: ويكفي تفرد ابن أبي شيبة للاحتجاج بالحديث، فإنه ثقة ثبت متقن، روى له الأئمة.
- وقال البوصيري في «الزوائد» : إسناده صحيح، ورجاله ثقات.
- وللحديث شواهد كثيرة.
2210- صحيح بشواهده.
- إسناده ضعيف جدا، وعلته إبراهيم بن محمد الأسلمي، فإنه متروك متهم، لكن المتن محفوظ، له شواهد.
- محمد هو ابن علي بن الحسين.
- وهو في «شرح السنة» 1068 بهذا الإسناد.
- وهو في «مسند الشافعي» 1/ 144 عن إبراهيم بن محمد بهذا الإسناد.
- وله شاهد آخر من حديث ابن عمر أخرجه البخاري 920 و928 ومسلم 861 والترمذي 506 والبغوي في «شرح السنة» 1067.
- وله شاهد من حديث جابر بن سمرة، وهو الآتي. [.....]
2211- صحيح. إسناده صحيح على شرط مسلم.
- أبو بكر هو عبد الله بن محمد، أبو الأحوص هو سلّام بن سليم، سماك هو ابن حرب.
- وهو في «صحيح مسلم» 862 عن ابن أبي شيبة بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو داود 1094 والدارمي 1/ 366 وأحمد 5/ 94 من طرق عن أبي الأحوص به.
- وأخرجه مسلم 862 أبو داود 1093 و1095 و1101 والنسائي 3/ 110 وابن ماجه 1105 و1106 وأحمد 5/ 87 و88 و93 و98 و100 و102 و107 وعبد الرزاق 5256 وابن حبان 2801 و2803 والطيالسي 757 وأبو يعلى 7441 والبيهقي 3/ 197 من طرق عن سماك به بألفاظ متقاربة.
(1) زيد بن المطبوع «ابن عمر» وهو وهم.

(5/95)


«2212» وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: «كُنْتُ أُصَلِّي مَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَتْ صِلَاتُهُ قَصْدًا وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا» .
وَالْخُطْبَةُ فَرِيضَةٌ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةَ، وَيَجِبُ أَنْ يَخْطُبَ قَائِمًا خُطْبَتَيْنِ وَأَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْخُطْبَةِ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ وَيُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُوصِيَ بِتَقْوَى اللَّهِ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ [1] فَرْضٌ فِي الْخُطْبَتَيْنِ [2] جَمِيعًا، وَيَجِبُ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُولَى آية من القرآن [و] يدعو لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الثَّانِيَةِ فَلَوْ تَرَكَ وَاحِدَةً مِنْ هَذِهِ الْخَمْسِ لَا تَصِحُّ جَمْعَتُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِتَسْبِيحَةٍ أَوْ تَحْمِيدَةٍ أَوْ تَكْبِيرَةٍ أَجَزَأَهُ وَهَذَا الْقَدْرُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْخُطْبَةِ، وَهُوَ مَأْمُورٌ بِالْخُطْبَةِ.
«2213» أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بن محمد القاضي أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ بن محمد بن بامويه [3] أَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْبَصْرِيُّ بِمَكَّةَ ثنا الحسن بن الصباح الزعفراني ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ أَنَّ مَرْوَانَ اسْتَخْلَفَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَلَى الْمَدِينَةِ، فَصَلَّى بِهِمْ أَبُو هُرَيْرَةَ الْجُمُعَةَ فَقَرَأَ سُورَةَ الْجُمُعَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَفِي الثَّانِيَةِ: إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ [الْمُنَافِقُونَ: 1] فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فلما انصرف مَشَيْتُ إِلَى جَنْبِهِ فَقُلْتُ لَهُ: لَقَدْ قَرَأْتَ بِسُورَتَيْنِ سُمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقْرَأُ بِهِمَا فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهِمَا.
«2214» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مصعب عن مالك
__________
2212- إسناده صحيح على شرط مسلم كسابقه.
- وهو في «صحيح مسلم» 866 عن ابن أبي شيبة بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 507 والنسائي 3/ 191 وأحمد 5/ 94 وابن حبان 2802 والبغوي في «شرح السنة» 1072 من طرق عن أبي الأحوص به.
- وأخرجه مسلم 866 وأحمد 5/ 106 من طريقين عن سماك به.
- وأخرجه أحمد 5/ 107 من طريق تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ عَنْ جَابِرِ بن سمرة به.
- وأخرجه النسائي 3/ 110 من طريق سفيان عن سماك به بأتم منه.
- وأخرجه أحمد 5/ 99- 100 من طريق شريك عن سماك به بأتم منه.
2213- إسناده صحيح على شرط مسلم.
- محمد هو ابن علي بن الحسين.
- وهو في «شرح السنة» 1083 بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 877 وأبو داود 1124 والترمذي 519 وابن ماجه 1118 وأحمد 2/ 429- 430 وابن خزيمة 1843 وابن حبان 2806 من طرق عن جعفر بن محمد به.
2214- إسناده صحيح على شرط مسلم.
- أبو مصعب هو أحمد بن أبي بكر.
- وهو في «شرح السنة» 1084 بهذا الإسناد.
- وهو في «الموطأ» 1/ 111 عن ضمرة بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو داود 1123 والنسائي 3/ 112 وأحمد 4/ 270 و277 والدارمي 1/ 367 وابن حبان 2807 من طرق عن مالك به.
- وأخرجه مسلم 878 وابن ماجه 1119 وابن خزيمة 1845 من طريق سفيان بن عيينة عن ضمرة به.
(1) في المخطوط «الثلاث» .
(2) في المخطوط «الخطبة» .
(3) تصحف في المطبوع «مأمونة» .

(5/96)


عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ الْمَازِنِيِّ عَنْ عَبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ الضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ سَأَلَ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ: مَاذَا كَانَ يَقْرَأُ بِهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى إِثْرِ سُورَةِ الْجُمُعَةَ؟ فَقَالَ: كَانَ يَقْرَأُ بهل أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ.
«2215» أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ ثنا أبو عيسى ثنا قتيبة ثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ وَفِي الْجُمُعَةِ بسبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية.
وربما اجتمعا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَيَقْرَأُ بِهِمَا، وَلِجَوَازِ الْجُمُعَةِ خَمْسُ شَرَائِطَ: الْوَقْتُ: وَهُوَ وَقْتُ الظُّهْرِ مَا بَيْنَ زَوَالِ الشَّمْسِ إِلَى دُخُولِ وَقْتِ الْعَصْرِ، وَالْعَدَدُ، وَالْإِمَامُ، وَالْخُطْبَةُ، وَدَارُ الْإِقَامَةِ، فَإِذَا فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ هَذِهِ الْخَمْسَةِ يَجِبُ أَنْ يُصَلُّوهَا ظُهْرًا، وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَبْتَدِئَ الْخُطْبَةَ قَبْلَ اجْتِمَاعِ الْعَدَدِ، وَهُوَ عَدَدُ الْأَرْبَعِينَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، فَلَوِ اجْتَمَعُوا وَخَطَبَ بِهِمْ ثُمَّ انْفَضُّوا قَبْلَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ أَوِ انفض [1] وَاحِدٌ مِنَ الْعَدَدِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمُ الْجُمُعَةَ، بَلْ يُصَلِّيَ الظَّهْرَ وَلَوِ افْتَتَحَ بِهِمُ الصَّلَاةَ ثُمَّ انْفَضُّوا، فَأَصَحُّ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ، أَنَّ بَقَاءَ الْأَرْبَعِينَ شَرْطٌ إِلَى آخَرِ الصَّلَاةِ، كَمَا أَنَّ بَقَاءَ الْوَقْتِ شَرْطٌ إِلَى آخَرِ الصلاة، فلو انفضّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ الْإِمَامُ يَجِبُ عَلَى الْبَاقِينَ أَنْ يُصَلُّوهَا أَرْبَعًا، وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ إِنْ بَقِيَ مَعَهُ اثْنَانِ أَتَمَّهَا جُمُعَةً.
وَقِيلَ: إِنْ بَقِيَ مَعَهُ وَاحِدٌ أَتَمَّهَا جُمُعَةً، وَعِنْدَ الْمُزَنِيِّ إذا انفضوا بَعْدَ مَا صَلَّى الْإِمَامُ بِهِمْ رَكْعَةً أَتَمَّهَا جُمُعَةً، وَإِنْ بَقِيَ وَحْدَهُ فَإِنْ كَانَ فِي الرَّكْعَةِ الأولى أتمها أربعا وإن انفضّ مِنَ الْعَدَدِ وَاحِدٌ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْعَدَدِ الَّذِي يشترطه كَالْمَسْبُوقِ إِذَا أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً مِنَ الْجُمُعَةِ فَإِذَا سَلَّمَ الإمام أتمها جمعة فإن أَدْرَكَ أَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ أَتَمَّهَا أَرْبَعًا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ، أَيْ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الثَّوَابِ عَلَى الصَّلَاةِ وَالثَّبَاتِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ، وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ، لِأَنَّهُ مُوجِدُ الْأَرْزَاقِ فَإِيَّاهُ فاسألوا ومنه فاطلبوا [فهو موجود على الدوام لا يخيب من سأله لأنه أكرم الأكرمين] . [2]
__________
- وأخرجه ابن خزيمة 1846 من طريق ابن أبي أويس عن ضمرة به.
- وانظر الحديث الآتي.
2215- إسناده على شرط مسلم.
- قتيبة هو ابن سعيد، أبو عوانة هو وضاح اليشكري، مشهور بكنيته، وهو في «سنن الترمذي» 533 عن قتيبة بن سعيد بهذا الإسناد.
- وهو في «شرح السنة» 1086 بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 878 وأبو داود 1122 والترمذي 533 والنسائي 3/ 184 وابن حبان 2821 من طريق قتيبة بن سعيد بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد 4/ 273 من طريق عفان عن أبي عوانة به.
- وأخرجه النسائي 3/ 112 وابن الجارود 265 وأحمد 4/ 271 والبغوي في «شرح السنة» 1085 من طريق شعبة وابن ماجه 1281 وأحمد 4/ 276 والدارمي 1/ 368 و376 من طريق سفيان.
- كلاهما عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ المنتشر به.
- وأخرجه مسلم 878 وابن أبي شيبة 2/ 141- 142 وابن حبان 2822 من طريق جرير عن إبراهيم به.
(1) في المطبوع «انتقص» .
(2) سقط من المطبوع.

(5/97)