تفسير البغوي
إحياء التراث يَا أَيُّهَا
النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي
مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1)
حَالٍ إِلَى حَالٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ: فِي
كُلِّ أَرْضٍ مِنْ أُرْضِهِ وَسَمَاءٍ مِنْ سَمَائِهِ خَلْقٌ
مِنْ خَلْقِهِ وَأَمْرٌ مِنْ أَمْرِهِ وَقَضَاءٌ مِنْ
قَضَائِهِ. لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً،
فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ.
سورة التحريم
مدنية [وهي اثنتا عشرة آية] [1]
[سورة التحريم (66) : آيَةً 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ
لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ
(1)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ
لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ
(1) ، وَسَبَبُ نُزُولِهَا مَا.
«2235» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِد [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ
بن إسماعيل ثنا عبيد الله بن إسماعيل ثنا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ
هُشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يُحِبُّ الحلواء والعسل وكان إذا صلى العصر دخل
عَلَى نِسَائِهِ فَيَدْنُو مِنْهُنَّ فَدَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ
فَاحْتَبَسَ عِنْدَهَا أَكْثَرَ مِمَّا كَانَ يَحْتَبِسُ
فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ، فَقِيلَ لِي: أَهَدَتْ لَهَا
امْرَأَةٌ مِنْ قَوْمِهَا عُكَّةَ عَسَلٍ فَسَقَتْ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا شَرْبَةً
فَقُلْتُ أَمَا وَاللَّهِ لَنَحْتَالَنَّ لَهُ فَذَكَرْتُ
ذَلِكَ لِسَوْدَةَ، وَقُلْتُ إِذَا دَخَلَ عَلَيْكِ فَإِنَّهُ
سَيَدْنُو مِنْكِ فَقُولِي لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَلْتَ
مَغَافِيرَ [2] فَإِنَّهُ سَيَقُولُ لَا فَقُولِي لَهُ: مَا
هَذِهِ الرِّيحُ، وَكَانَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ
الرِّيحُ فَإِنَّهُ سَيَقُولُ سَقَتْنِي حَفْصَةُ شَرْبَةَ
عَسَلٍ، فَقُولِي لَهُ جرست نحلة العرفط [3] ، سأقول ذَلِكَ
وَقَوْلِيهِ أَنْتِ يَا صَفِيَّةُ، فلما دخل على سودة قالت
سَوْدَةُ: وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَقَدْ
كِدْتُ أَنْ أَبَادِيهِ بِالَّذِي قُلْتِ لِي وَإِنَّهُ
لَعَلَى الْبَابِ فَرَقًا مِنْكِ، فَلَمَّا دَنَا رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ أَكَلْتَ مَغَافِيرَ، قَالَ: «لَا» قالت:
فَمَا بَالُ هَذِهِ الرِّيحِ قَالَ: «سَقَتْنِي حَفْصَةُ
شَرْبَةَ عَسَلٍ» قَالَتْ: جرست نحله العرفط، سأقول ذَلِكَ
وَقَوْلِيهِ أَنْتِ يَا صَفِيَّةُ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيَّ
قُلْتُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَدَخَلَ عَلَى صَفِيَّةَ فقالت
مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ قَالَتْ لَهُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَّا أَسْقِيكَ مِنْهُ قَالَ: «لا حاجة
لي به» قالت تَقُولُ سَوْدَةُ: سُبْحَانَ اللَّهِ لَقَدْ
حَرَمْنَاهُ، قَالَتْ:
قُلْتُ لَهَا اسْكُتِي.
__________
2235- إسناده صحيح على شرط البخاري، فقد تفرد عن عبيد الله،
ويقال: عبيد.
- أبو أسامة هو حماد بن أسامة، هشام هو ابن عروة بن الزبير.
- وهو في «صحيح البخاري» 6972 عن عبيد الله بن إسماعيل بهذا
الإسناد.
- وأخرجه مسلم 1474 ح 21 وأبو داود 3715 وأبو يعلى 4896 من طرق
عن أبي أسامة به.
- وأخرجه الواحدي في «الأسباب» 832 من طريق علي بن مسهر عن
هشام بن عروة به.
(1) زيد في المطبوع.
(2) بقلة أو صمغة فيها حلاوة، واحدها: مغفور.
(3) جرست: أكلت، العرفط: نبت له ريح كريح الخمر.
(5/115)
«2236» وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ
[بْنُ أَحْمَدَ] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ
[بْنِ] [1] الصَّبَّاحِ ثنا الْحَجَّاجُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ
قَالَ: زَعْمَ عَطَاءٌ أَنَّهُ سَمِعَ عَبِيدَ بْنَ عُمَيْرٍ
يَقُولُ سُمِعَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها تقول: أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْكُثُ
عِنْدَ زينب بنت جحش فيشرب عِنْدَهَا عَسَلًا فَتَوَاصَيْتُ
[2] أَنَا وَحَفْصَةُ أَنَّ أَيَّتَنَا دَخَلَ عَلَيْهَا
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْتَقُلْ
إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ، أَكَلْتَ مَغَافِيرَ،
فَدَخَلَ عَلَى إِحْدَاهُمَا فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ:
«لَا بَأْسَ شَرِبْتُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ
وَلَنْ أَعُودَ لَهُ» فَنَزَلَتْ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ
لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ
أَزْواجِكَ إِلَى قَوْلِهِ: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ
لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ. وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى
بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً لِقَوْلِهِ: بَلْ شَرِبْتُ
عَسَلًا.
«2237» وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ موسى أنا هِشَامُ
بْنُ يُوسُفَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ بِإِسْنَادِهِ
وَقَالَ قَالَ: «لَا وَلَكِنْ كُنْتُ أَشْرَبُ عَسَلًا عِنْدَ
زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ فَلَنْ أَعُودَ لَهُ، وَقَدْ حَلَفْتُ
فلا تخبري بهذا أحدا» يبتغي بذلك مرضات أَزْوَاجِهِ.
«2238» وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ بَيْنَ نِسَائِهِ،
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ حَفْصَةَ اسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زِيَارَةِ أَبِيهَا
فَأَذِنَ لَهَا، فَلَمَّا خَرَجَتْ أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جَارِيَتِهِ
مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةِ فَأَدْخَلَهَا بَيْتَ حَفْصَةَ،
فَوَقَعَ عَلَيْهَا فَلَمَّا رَجَعَتْ حَفْصَةُ وَجَدَتِ
الْبَابَ مُغْلَقًا، فَجَلَسَتْ عِنْدَ الْبَابِ فَخَرَجَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَجْهُهُ
يَقْطُرُ عَرَقًا، وَحَفْصَةُ تَبْكِي فَقَالَ: «مَا
يُبْكِيكِ؟» فَقَالَتْ: إِنَّمَا أَذِنْتَ لِي مِنْ أَجْلِ
هَذَا أَدْخَلْتَ أَمَتَكَ بَيْتِي ثُمَّ وَقَعْتَ عَلَيْهَا
فِي يَوْمِي وَعَلَى فِرَاشِي أَمَا رَأَيْتَ لِي حُرْمَةً
وَحَقًّا، مَا كُنْتَ تَصْنَعُ هَذَا بِامْرَأَةٍ مِنْهُنَّ،
فَقَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أَلَيْسَتْ هِيَ جَارِيَتِي أَحَلَّهَا اللَّهُ لِي اسْكُتِي
فَهِيَ حَرَامٌ عليّ ألتمس بذلك رضاك، فلا تخبري بذلك امرأة
__________
2236- إسناده صحيح على شرط البخاري، حيث تفرد عن الحسن
البخاري. ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
- حجاج هو ابن محمد، ابن جريج، هو عبد الملك بن عبد العزيز،
عطاء هو ابن أبي رباح.
- وهو في «شرح السنة» 2351 بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» 5267 عن الحسن بن محمد بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 6691 ومسلم 1474 وأبو داود 3714 والنسائي 6/
151 و7/ 13 و71 وأحمد 6/ 221 من طرق عن الحجاج به.
- وأخرجه البخاري 4912 من طريق هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنِ
ابْنِ جريج به. [.....]
2237- إسناده صحيح على شرط البخاري، حيث تفرد البخاري عن هشام
بن يوسف، وباقي الإسناد على شرط الشيخين.
- وهو في «صحيح البخاري» 4912 عن إبراهيم بن موسى بهذا
الإسناد.
2238- ورد من وجوه متعددة بألفاظ متقاربة، وهو صحيح بشواهده.
- أخرجه الواحدي 831 من طريق عبد الله بن شبيب قال: حدثنا
إسحاق بن محمد حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قال:
حدثني أبو النَّضِرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الله عن علي
بن عباس عن ابن عباس عن عمر قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى الله عليه وسلم بأم ولده مارية.... فذكره بنحوه.
- وفي إسناده عبد الله بن شبيب، وهو ضعيف.
- وأخرجه الطبري 3497 من طريق مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ
الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الله عن ابن
عباس قَالَ: قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه:
من المرأتان؟ قال: عائشة وحفصة، وكان بدء الحديث في شأن أم
إبراهيم القبطية.... فذكره بنحوه، وإسناده ضعيف، فيه عنعنة ابن
إسحاق.
- وله شواهد كثيرة موصولة ومرسلة، وهي مستوفاة في «أحكام
القرآن» 2156 بتخريجي.
(1) سقط من المطبوع.
(2) في المطبوع «فتواطيت» .
(5/116)
قَدْ فَرَضَ اللَّهُ
لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ
الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2)
مِنْهُنَّ» فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَعَتْ حَفْصَةُ
الْجِدَارَ الَّذِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ عَائِشَةَ فَقَالَتْ:
أَلَّا أُبَشِّرُكِ إِنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ حَرَّمَ عَلَيْهِ أَمَتَهُ مارية، وقد
أراحنا الله مِنْهَا وَأَخْبَرَتْ عَائِشَةَ بِمَا رَأَتْ
وَكَانَتَا مُتَصَافِيَتَيْنِ مُتَظَاهِرَتَيْنِ عَلَى سَائِرِ
أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَغَضِبَتْ عَائِشَةُ فَلَمْ تَزَلْ بِنَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى حَلَفَ أَنْ لَا
يَقْرَبَهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا
النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ يَعْنِي
العسل ومارية تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ
رَحِيمٌ وَأَمْرَهُ أَنْ يُكَفِّرَ يَمِينَهُ وَيُرَاجِعَ
أَمَتَهُ، فقال:
[سورة التحريم (66) : الآيات 2 الى 3]
قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَاللَّهُ
مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2) وَإِذْ أَسَرَّ
النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا
نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ
بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ
قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ
الْخَبِيرُ (3)
قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ، أَيْ
بَيَّنَ وَأَوجَبَ أَنْ تُكَفِّرُوهَا إِذَا حَنِثْتُمْ وَهِيَ
مَا ذَكَرَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ [89] وَاللَّهُ
مَوْلاكُمْ، وليكم ونصاركم، وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ.
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي لَفْظِ التَّحْرِيمِ،
فَقَالَ قَوْمٌ: لَيْسَ هُوَ بِيَمِينٍ فَإِنْ قَالَ
لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ حَرَّمْتُكِ فَإِنَّ
نَوَى بِهِ طَلَاقًا فَهُوَ طَلَاقٌ، وَإِنَّ نَوَى بِهِ
ظِهَارًا فَظِهَارٌ، وَإِنْ نَوَى تَحْرِيمَ ذَاتِهَا أَوْ
أَطْلَقَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ بِنَفْسِ
اللَّفْظِ، وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ لِجَارِيَتِهِ فَإِنَّ نَوَى
عِتْقًا عُتِقَتْ، وَإِنْ نَوَى تَحْرِيمَ ذَاتِهَا أَوْ
أَطْلَقَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ اليمين، فإن قَالَ لِطَعَامٍ
حَرَّمْتُهُ عَلَى نَفْسِي فَلَا شَيْءِ عَلَيْهِ، وَهَذَا
قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ،
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ يَمِينٌ، فَإِنْ قَالَ
ذَلِكَ لِزَوْجَتِهِ أَوْ جَارِيَتِهِ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ
الْكَفَّارَةُ مَا لَمْ يَقْرَبْهَا، كَمَا لَوْ حَلَفَ أَنْ
لَا يَطَأَهَا وَإِنْ حَرَّمَ طَعَامًا فَهُوَ كَمَا لَوْ
حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَهُ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ مَا
لَمْ يَأْكُلْ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعَائِشَةَ،
وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ.
«2239» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا معاذ بن فضالة ثنا هُشَامٌ عَنْ
يَحْيَى عَنِ ابْنِ حَكِيمٍ وَهُوَ يَعْلَى بْنُ حَكِيمٍ عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا قَالَ فِي الْحَرَامِ يُكَفِّرُ، وَقَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ
حَسَنَةٌ [الْأَحْزَابِ: 21] .
وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً،
وَهُوَ تَحْرِيمُ فَتَاتِهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَقَوْلُهُ
لِحَفْصَةَ: «لَا تُخْبِرِي بِذَلِكَ أَحَدًا» وَقَالَ سَعِيدِ
بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَسَرَّ أَمْرَ
الْخِلَافَةِ بَعْدَهُ فَحَدَّثَتْ بِهِ حَفْصَةُ. قَالَ
الْكَلْبِيُّ:
أَسَرَّ إِلَيْهَا أَنَّ أَبَاكِ وَأَبَا عَائِشَةَ يَكُونَانِ
خَلِيفَتَيْنِ عَلَى أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي. وَقَالَ مَيْمُونُ
بْنُ مهران: أسر إليها أَنَّ أَبَا بَكْرٍ خَلِيفَتِي مِنْ
بَعْدِي. فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ، أَخْبَرَتْ بِهِ حَفْصَةُ
عَائِشَةَ، وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، أَيْ أَطْلَعَ
اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ عَلَى أَنَّهَا أَنْبَأَتْ بِهِ،
عَرَّفَ بَعْضَهُ، قرأ [أبو] [1] عَبْدُ الرَّحْمَنِ
السُّلَمِيُّ وَالْكِسَائِيُّ عَرَفَ بِتَخْفِيفِ الرَّاءِ
أَيْ عَرَفَ بَعْضَ الْفِعْلِ الَّذِي فَعَلَتْهُ مِنْ
إِفْشَاءِ سِرِّهِ، أَيْ غَضِبَ مِنْ ذَلِكَ عليها وجازاها به،
__________
2239- إسناده صحيح على شرط البخاري، فقد تفرد عن معاذ.
- هشام هو ابن عبد الله، يَحْيَى هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ.
- وهو في «شرح السنة» 2350 بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» 4911 عن معاذ بن فضالة بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 5266 ومسلم 1473 من طريقين عن يحيى بن كثير
به.
(1) سقط من المطبوع.
(5/117)
مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ لِمَنْ أَسَاءَ
إِلَيْهِ لِأَعْرِفَنَّ لَكَ مَا فَعَلْتَ، أَيْ
لِأُجَازِيَنَّكَ عَلَيْهِ، وَجَازَاهَا بِهِ عَلَيْهِ بِأَنْ
طَلَّقَهَا.
«2240» فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ قَالَ: لَوْ كَانَ فِي
آلِ الْخَطَّابِ خَيْرٌ لَمَا طَلَّقَكِ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ جِبْرِيلُ
وَأَمَرَهُ بمراجعتها فاعتزل رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ شَهْرًا وَقَعَدَ فِي مَشْرُبَةِ
أُمِّ إِبْرَاهِيمَ مَارِيَةَ، حَتَّى نَزَلَتْ آيَةُ
التَّخْيِيرِ.
«2241» وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: لَمْ يُطَلِّقْ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَفْصَةَ
وَإِنَّمَا هَمَّ بِطَلَاقِهَا فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ
السَّلَامُ، وَقَالَ: لَا تُطَلِّقْهَا فَإِنَّهَا صَوَّامَةٌ
قَوَّامَةٌ وَإِنَّهَا من جملة نِسَائِكَ فِي الْجَنَّةِ،
فَلَمْ يُطَلِّقْهَا.
وَقَرَأَ: الْآخَرُونَ عَرَّفَ بِالتَّشْدِيدِ أَيْ عَرَّفَ
حَفْصَةَ بَعْدَ ذَلِكَ الْحَدِيثَ، أَيْ أَخْبَرَهَا بِبَعْضِ
الْقَوْلِ الَّذِي كَانَ مِنْهَا، وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ،
يَعْنِي لَمْ يُعَرِّفْهَا إِيَّاهُ، وَلَمْ يُخْبِرْهَا بِهِ.
قَالَ الْحَسَنُ: مَا اسْتَقْصَى كَرِيمٌ قَطُّ، قَالَ اللَّهُ
تَعَالَى: عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ.
__________
2240- لم أقف عليه بهذا السياق. وأخرج أبو يعلى 172 والبزار
1502 و1503 والطبراني في «الكبير» 23/ 189 والطحاوي في
«المشكل» 4613 من حديث ابن عمر قال: «دخل عمر على حفصة، وهي
تبكي فقال لها: ما يبكيك، لعل رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلم طلقك، إنه قد كان طلقك مرة، ثم راجعك من أجلي،
ولله لأن كان طلقك مرة أخرى لا كلمتك أبدا» .
- وانظر ما بعده.
2241- أصل الحديث صحيح، لكن قول مقاتل «لم يطلقها» باطل، لم
يتابع عليه.
- ذكره المصنف هاهنا عن مقاتل بن حيان معلقا، وسنده إليه في
أول الكتاب، وهذا واه بمرة، ليس بشيء، وقد خولف مقاتل.
- فأخرج الحاكم 4/ 15 وابن سعد في «الطبقات» 8/ 84 والدارمي
2265 والطحاوي في «المشكل» 4615 من حديث أَنَسٍ «أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم طلق حفصة تطليقة، فأتاه
جبريل فقال: يا محمد طلقت حفصة تطليقة، وهي صوامة قوامة وهي
زوجتك في الدنيا وفي الجنة» .
- وأخرج الطحاوي 1614 من طريق موسى بن علي عن أبيه عن عقبة بن
عامر «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق حفصة، فأتاه جبريل
فقال: راجعها فإنها صوّامة قوّامة» .
- وأخرج الطبراني 17 (804) نحوه من حديث عقبة بلفظ «أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم طلق حفصة، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب،
فوضع التراب على رأسه، وقال: ما يعبأ الله بك يا ابن الخطاب
بعدها، فنزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم
فقال: إن الله يأمرك أن تراجع حفصة رحمة لعمر» .
- قال الهيثمي في «المجمع» 4/ 334: وفيه عمرو بن صالح الحضرمي،
ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات.
- وأخرج الحاكم 4/ 15 (6753) وابن سعد 8/ 67 والطبراني 18/
(934) عن قيس بن زيد «أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة
بنت عمر فدخل عليها خالاها قدامة وعثمان ابنا مظعون فبكت
وقالت: والله ما طلقني عن شبع، وجاء النبي صلى الله عليه وسلم
فقال: قال لي جبريل عليه السلام: راجع حفصة، فإنها صوّامة
قوامة، وإنها زوجتك في الجنة» .
- وسكت عليه الحاكم، وكذا الذهبي، وكذا الحافظ في «تخريج
الكشاف» 4/ 563 ورجاله ثقات غير قيس بن زيد فهو تابعي صغير
مجهول- وأن عثمان بن مظعون توفي قبل أحد، وقبل أن يتزوج النبي
صلى الله عليه وسلم حفصة.
- وأخرج أبو داود 2283 والنسائي 6/ 213 وابن ماجه 2016
والدارمي 2264 وأبو يعلى 174 والحاكم 2/ 197 وابن حبان 4275
والطحاوي في «المشكل» 4611 والبيهقي 7/ 321- 322 من طرق عن
يحيى بن زكريا عن ابن أبي داود عن صالح بن صالح عن سلمة بن
كهيل عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب رضي الله
عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ثم راجعها» .
- الخلاصة: قول مقاتل «لم يطلقها» باطل، ليس بشيء، والصحيح أنه
طلقها كما في الروايات المذكورة، وهو خبر حسن صحيح بطرقه
وشواهده لكن بالألفاظ التي أوردتها، وانظر «أحكام القرآن» 2138
بتخريجي.
(5/118)
إِنْ تَتُوبَا إِلَى
اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا
عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ
وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ
ظَهِيرٌ (4)
«2242» وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَأَى الْكَرَاهِيَةَ فِي
وَجْهِ حَفْصَةَ أَرَادَ أَنْ يَتَرَاضَاهَا فَأَسَرَّ
إِلَيْهَا شَيْئَيْنِ: تَحْرِيمَ الْأَمَةِ عَلَى نَفْسِهِ
وَتَبْشِيرَهَا بِأَنَّ الْخِلَافَةَ بَعْدَهُ فِي أَبِي
بَكْرٍ وَفِي أَبِيهَا عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهما،
وَأَطْلَعَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ عَلَيْهِ، عرف حَفْصَةَ
وَأَخْبَرَهَا بِبَعْضِ مَا أَخْبَرَتْ بِهِ عَائِشَةُ وَهُوَ
تَحْرِيمُ الْأَمَةِ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ يَعْنِي ذِكْرَ
الْخِلَافَةِ، كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنْ يَنْتَشِرَ ذَلِكَ فِي النَّاسِ، فَلَمَّا
نَبَّأَها بِهِ، أي أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلم حَفْصَةَ بِمَا أَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ،
قالَتْ، حَفْصَةُ، مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا، أَيْ مَنْ
أَخْبَرَكَ بِأَنِّي أَفْشَيْتُ السِّرَّ؟ قالَ نَبَّأَنِيَ
الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ.
[سورة التحريم (66) : آية 4]
إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ
تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ
وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ
(4)
إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ، أَيْ مِنَ التَّعَاوُنِ عَلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِيذَاءِ
يُخَاطِبُ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ، فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما،
أَيْ زَاغَتْ وَمَالَتْ عَنِ الْحَقِّ وَاسْتَوْجَبْتُمَا
التَّوْبَةَ. قَالَ ابْنُ زيد: مالت قلوبكما بِأَنْ سَرَّهُمَا
مَا كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِنَ اجْتِنَابِ جَارِيَتِهِ.
«2243» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَنَا شُعَيْبٌ
[عَنِ] [1] الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ
عَبْدِ الله بن أبي ثور أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ
قَالَ: لَمْ أَزَلْ حَرِيصًا عَلَى أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ بْنَ
الْخَطَّابِ عَنِ الْمَرْأَتَيْنِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّتَيْنِ قَالَ اللَّهُ
تَعَالَى لَهُمَا: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ
قُلُوبُكُما، حتى حج فحججت مَعَهُ وَعَدَلَ وَعَدَلْتُ مَعَهُ
بِإِدَاوَةٍ
__________
2242- لا أصل له.
- أخرجه ابن سعد 8/ 149- 150 عن ابن عباس بنحوه، وفيه الواقدي،
وهو متروك.
- وأخرج الدارقطني 4/ 153 والطبراني في «الكبير» 12640 من حديث
ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وجل: وَإِذْ أَسَرَّ
النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً قال: اطلعت حفصة
عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم مع أم إبراهيم
عليه السلام فقال: «لا تخبري عائشة» ، وقال لها: «إن أباك
وأباها سيملكان، أو سيليان بعدي، فلا تخبري عائشة» فانطلقت
حفصة فأخبرت عائشة....» .
- وفي إسناده الكلبي، وهو كذاب.
- وورد من حديث علي، أخرجه ابن عدي 3/ 436، وكرره عن ابن عباس
ومدارهما على سيف بن عمر، وهو متروك متهم، وبه أعله ابن عدي.
- والصواب أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لم
يخبر على من سيخلفه، وإنما هناك أمارات على أنه أبو بكر، والله
أعلم.
- الخلاصة: هذا خبر باطل لا أصل له، والصحيح في ذلك ما رواه
الشيخان من وجوه شربه عليه السلام العسل عند زينب، وكذا يليه
في الصحة خبر مارية المتقدم برقم 2238.
- وانظر «الكشاف» 1207 و «فتح القدير» 2551 و «الجامع لأحكام
القرآن» 6036 بتخريجي والله الموفق.
2243- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- أبو اليمان هو الحكم بن نافع، شعيب هو ابن أبي حمزة، الزهري
هو محمد بن مسلم.
- وهو في «شرح السنة» 3965 بهذا الإسناد مختصرا.
- وهو في «صحيح البخاري» 5191 عن أبي اليمان بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 2468 ومسلم 1479 ح 34 و35 والترمذي 3318
وأحمد 1/ 33 و34 مختصرا وابن حبان 4268 والبيهقي 7/ 37- 38 من
طريق الزهري به.
- وانظر ما تقدم عند آية: 28 من سورة الأحزاب.
(1) زيادة عن المخطوط.
(5/119)
فتبَّرَّزَ ثُمَّ جَاءَ، فَسَكَبْتُ عَلَى
يديه من الإداوة، فَتَوَضَأَ فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ مَنِ الْمَرْأَتَانِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللتان قال الله عزّ وجلّ
لَهُمَا: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ
قُلُوبُكُما؟ فقال: وا عجبا لَكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ هَمَا
عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ. ثُمَّ اسْتَقْبَلَ عُمَرُ الْحَدِيثَ
يَسُوقُهُ فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ أَنَا وَجَارٌ لِي مِنَ
الْأَنْصَارِ فِي بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ وَهِيَ مِنْ
عَوَالِي الْمَدِينَةِ، وَكُنَّا نَتَنَاوَبُ النُّزُولَ عَلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَنْزِلُ
يَوْمًا وأنزل يوما فإذا نزلت حدثته بِمَا حَدَثَ مِنْ خَبَرِ،
ذَلِكَ اليوم من الأمر أَوْ غَيْرِهِ وَإِذَا نَزَلَ فَعَلَ
مِثْلَ ذَلِكَ، وَكُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ
النِّسَاءَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى الْأَنْصَارِ إِذَا هُمْ
قَوْمٌ تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ، فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا
يَأْخُذْنَ مِنْ أدب نساء الأنصار فصحت عَلَيَّ امْرَأَتِي
فَرَاجَعَتْنِي فَأَنْكَرْتُ أَنْ تُرَاجِعَنِي، فَقَالَتْ:
وَلِمَ تُنْكِرُ أَنْ أراجعك فو الله أَنَّ أَزْوَاجَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِيُرَاجِعْنَهُ، وَإِنَّ إِحْدَاهُنَّ لِتَهْجُرُهُ الْيَوْمَ
حَتَّى اللَّيْلِ. فَأَفْزَعَنِي فقلت خابت من فعلت منهن
بعظيم، ثم جمعت علي ثيابي فدخلت على حفصة، فقلت: أَيْ حَفْصَةُ
أَتُغَاضِبُ إِحْدَاكُنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الْيَوْمَ حتى الليل؟ فقالت: نَعَمْ، فَقُلْتُ:
خِبْتِ [1] وَخَسِرْتِ أَفَتَأْمَنِينَ أَنْ يَغْضَبَ اللَّهُ
تَعَالَى لِغَضَبِ رسوله فتهلكي لا تستكثري عَلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تُرَاجِعِيهِ فِي
شَيْءٍ، وَلَا تَهْجُرِيهِ وَسَلِينِي مَا بَدَا لَكِ، وَلَا
يَغُرَّنَّكِ أَنْ كَانَتْ جارتك هي أَوْضَأَ مِنْكِ وَأَحَبَّ
إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ
عَائِشَةَ، قَالَ عُمَرُ: وَكُنَّا تَحَدَّثْنَا أَنَّ
غَسَّانَ تُنْعِلُ [2] الْخَيْلَ لِتَغْزُوَنَا فَنَزَلَ
صَاحِبِي [الْأَنْصَارِيُّ] [3] يَوْمَ نَوْبَتِهِ، فَرَجَعَ
[إِلَيْنَا] [4] عِشَاءً فَضَرَبَ بَابِي ضَرْبًا شَدِيدًا
وَقَالَ:
أَثَمَّ هُوَ، فَفَزِعْتُ فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ: قَدْ
حَدَثَ الْيَوْمَ أَمْرٌ عَظِيمٌ؟ فَقُلْتُ: ما هو أجاءت
غَسَّانُ؟ قَالَ: لَا بَلْ أَعْظَمُ منه وأطول طَلَّقَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ،
فَقُلْتُ: قَدْ خَابَتْ حَفْصَةُ وَخَسِرَتْ كُنْتُ أَظُنُّ
أَنَّ هَذَا يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ، فَجَمَعْتُ علي ثيابي فصليت
صلاة الفجر مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم
مشربة له فَاعْتَزَلَ فِيهَا فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ
فَإِذَا هِيَ تَبْكِي، فَقُلْتُ: مَا يبكيك أولم أَكُنْ
حَذَّرْتُكِ؟ أَطَلَّقَكُنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ:
لَا أَدْرِي هَا هُوَ ذَا [مُعْتَزِلٌ] [5] في المشربة، فخرجت
فجئت الْمِنْبَرِ فَإِذَا حَوْلَهُ رَهْطٌ يَبْكِي بَعْضُهُمْ،
فَجَلَسْتُ مَعَهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ،
فَجِئْتُ الْمَشْرُبَةَ الَّتِي فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ لِغُلَامٍ لَهُ أَسْوَدَ:
اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ، فَدَخَلَ فَكَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيَّ فَقَالَ:
قَدْ كَلَّمْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَذَكَرْتُكَ لَهُ فَصَمَتَ، فَانْصَرَفْتُ حَتَّى جَلَسْتُ
مَعَ الرَّهْطِ الَّذِينَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، ثُمَّ غَلَبَنِي
مَا أجد فجئت فقلت للغلام: استأذن لعمر، فدخل ثُمَّ رَجَعَ
إِلَيَّ فَقَالَ: قَدْ ذَكَرْتُكَ لَهُ فَصَمَتَ، فَرَجَعْتُ
فَجَلَسْتُ مَعَ الرَّهْطِ الَّذِينَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ،
ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ فَجِئْتُ الْغُلَامَ فَقُلْتُ:
اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ، فَاسْتَأْذَنَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيَّ
فَقَالَ: قَدْ ذَكَّرْتُكَ لَهُ فَصَمَتَ، فَلَمَّا وَلَّيْتُ
منصرفا فإذا الْغُلَامُ يَدْعُونِي، فَقَالَ: قَدْ أَذِنَ لَكَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلْتُ
عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَإِذَا هُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى رِمَالِ حَصِيرٍ لَيْسَ
بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِرَاشٌ، قَدْ أَثَّرَ الرِّمَالُ
بِجَنْبِهِ مُتَّكِئًا عَلَى وِسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا
لِيفٌ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ قُلْتُ وَأَنَا قَائِمٌ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ أَطَلَّقْتَ نِسَاءَكَ؟ فَرَفَعَ إِلَيَّ
بَصَرَهُ فَقَالَ: لَا، فَقُلْتُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ
قُلْتُ وَأَنَا قَائِمٌ: أَسْتَأْنِسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ
لَوْ رَأَيْتَنِي، وَكُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ
النِّسَاءَ فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ إِذَا قَوْمٌ
تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ لَوْ رَأَيْتَنِي، وَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَقُلْتُ
لَهَا لَا يَغُرَّنَّكَ أَنْ كَانَتْ جَارَتُكِ أوضأ منك وأحب
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يُرِيدُ عَائِشَةَ، فَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبَسُّمَةً أُخْرَى، فَجَلَسْتُ حِينَ
رَأَيْتُهُ يتبسم فرفعت بصري في بيته فو الله مَا رَأَيْتُ
فِيهِ شَيْئًا يَرُدُّ الْبَصَرَ غَيْرَ أَهَبَةٍ ثَلَاثَةٍ،
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ تعالى
فَلْيُوَسِّعْ عَلَى أُمَّتِكَ فَإِنَّ فَارِسَ والروم قد وسع
__________
(1) تصحف في المطبوع «خابت» .
(2) تصحف في المطبوع «تبعث» .
(3) زيادة عن المخطوط وصحيح البخاري. [.....]
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) زيادة عن المخطوط.
(5/120)
عَلَيْهِمْ وَأُعْطُوا مِنَ الدُّنْيَا
وَهُمْ لا يعبدون الله تعالى، فَجَلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ: «أَوْ
فِي هَذَا أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ إِنَّ أُولَئِكَ
قَوْمٌ عُجِّلُوا طَيِّبَاتِهِمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا» ،
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَغْفِرْ لِي فَاعْتَزَلَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ
مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ حِينَ أَفْشَتْهُ حَفْصَةُ
إِلَى عَائِشَةَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ يقول:
مَا أَنَا بِدَاخِلٍ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا مِنْ شِدَّةِ
مَوْجِدَتِهِ عَلَيْهِنَّ حِينَ عاتبه الله تعالى، فلما مضت
تسعا وَعِشْرُونَ لَيْلَةً، دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا فَبَدَأَ بِهَا، فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ كُنْتَ أَقْسَمْتَ أَنْ لا تدخل
علينا شهرا فإنما أَصْبَحْتَ مِنْ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً
أعدها عدا؟ فقال: الشهر تسعا وَعِشْرُونَ، وَكَانَ ذَلِكَ
الشَّهْرُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً. قَالَتْ عَائِشَةُ:
ثُمَّ أنزل الله آية التَّخْيِيرَ فَبَدَأَ بِي أَوَّلَ
امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ، فَاخْتَرْتُهُ ثُمَّ خَيَّرَ
نِسَاءَهُ كُلَّهُنَّ فَقُلْنَ مِثْلَ مَا قَالَتْ عَائِشَةُ.
«2244» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَنَا شُعَيْبٌ عَنِ
الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَهَا حِينَ أَمَرَهُ اللَّهُ
تعالى أَنْ يُخَيِّرَ أَزْوَاجَهُ فَبَدَأَ بِي رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
«إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا فَلَا عَلَيْكِ أَنْ لَا
تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ» وَقَدْ عَلِمَ
أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا يأمراني بفراقه، ثُمَّ قَالَ:
إِنَّ اللَّهَ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ
لِأَزْواجِكَ [الأحزاب: 28 و59] إِلَى تَمَامِ الْآيَتَيْنِ،
فَقُلْتُ: أَوَ فِي هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ فَإِنِّي
أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ.
«2245» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ أَنَا
عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ أنا محمد بن عيسى ثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ ثَنَا مُسْلِمُ
بْنُ الْحَجَّاجِ حدثني زهير بن حرب ثنا عمر بْنُ يُونُسَ
الْحَنَفِيُّ ثَنَا عِكْرِمَةُ بن عمار عن سماك أبي [1]
زُمَيْلٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ حَدَّثَنِي
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: لَمَّا اعْتَزَلَ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ وَذَكَرَ
الْحَدِيثَ. وَقَالَ: دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ مَا يَشُقُّ عَلَيْكَ مِنْ شَأْنِ النِّسَاءِ فَإِنْ
كُنْتَ طَلَّقْتَهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مَعَكَ وَمَلَائِكَتَهُ
وَجِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ وَأَنَا وَأَبُو بَكْرٍ
وَالْمُؤْمِنُونَ مَعَكَ. وَقَلَّمَا تَكَلَّمْتُ وَأَحْمَدُ
اللَّهَ تَعَالَى بِكَلَامٍ إِلَّا رجوت أن يكون اللَّهَ
يُصَدِّقُ قَوْلِي الَّذِي أَقُولُ، وَنَزَلَتْ هَذِهِ
الْآيَةُ: عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ
أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ [التحريم: 5] .
وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ
وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ
ذلِكَ ظَهِيرٌ. قَوْلُهُ: وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ، أَيْ
تَتَظَاهَرَا وَتَتَعَاوَنَا عَلَى أَذَى النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَرَأَ أَهْلُ الكوفة بتخفيف
الظاء، والآخرون
__________
2244- إسناده صحيح على شرطهما، وانظر ما قبله.
- وهو في «شرح السنة» 2347 بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» 4785 عن أبي اليمان بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 1475 من طريق يونس بن يزيد عن الزهري به.
2245- إسناده على شرط مسلم.
- سماك هو ابن الوليد.
- وهو في «صحيح مُسْلِمٌ» 1479 عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ بهذا
الإسناد.
- وأخرجه أبو يعلى 164 من طريق عكرمة بن عمار به.
- وانظر ما تقدم في سورة الأحزاب عند آية: 29.
(1) تصحف في المطبوع «بن» .
(5/121)
عَسَى رَبُّهُ إِنْ
طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ
مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ
سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا (5)
بِتَشْدِيدِهَا، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ
مَوْلاهُ، أي وليه وناصره قوله: وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ
الْمُؤْمِنِينَ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيِّ بْنِ
كَعْبٍ: وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هم المخلصون الذين
ليسوا بمنافقين. قوله: وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ،
قَالَ مُقَاتِلٌ: بَعْدَ اللَّهِ وَجِبْرِيلَ وَصَالِحُ
المؤمنين ظَهِيرٌ، أي: أعوان النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا مِنَ الْوَاحِدِ الَّذِي يُؤَدِّي
عَنِ الْجَمْعِ، كَقَوْلِهِ: وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً
[النساء: 69] .
[سورة التحريم (66) : آية 5]
عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً
خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ
عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً (5)
عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ، أَيْ وَاجِبٌ مِنَ اللَّهِ
إِنْ طَلَّقَكُنَّ رَسُولُهُ، أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً
خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ، خَاضِعَاتٍ لِلَّهِ
بِالطَّاعَةِ، مُؤْمِناتٍ، مُصَدِّقَاتٍ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ،
قانِتاتٍ، طَائِعَاتٍ، وَقِيلَ:
دَاعِيَاتٍ وَقِيلَ مُصَلِّيَاتٍ، تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ،
صَائِمَاتٍ، وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: مُهَاجِرَاتٍ
وَقِيلَ:
يَسِحْنَ مَعَهُ حَيْثُ مَا سَاحَ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً،
وَهَذَا فِي الْإِخْبَارِ عَنِ الْقُدْرَةِ لَا عَنِ الْكَوْنِ
لِأَنَّهُ قَالَ: إِنْ طَلَّقَكُنَّ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا
يُطَلِّقُهُنَّ وَهَذَا كَقَوْلِهِ: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا
يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا
أَمْثالَكُمْ [محمد: 38] ، وهذا إخبار عن القدرة لأن [ليس] [1]
في الوجود أمة هي [2] خَيْرٌ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى
الله عليه وسلم.
[سورة التحريم (66) : الآيات 6 الى 9]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ
وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ
عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا
أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6) يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما
تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (7) يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً
عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ
وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ
يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا
مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ
يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا
إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8) يَا أَيُّهَا
النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ
عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (9)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا
أَنْفُسَكُمْ، قَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَيْ
بِالِانْتِهَاءِ عَمَّا نَهَاكُمُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ
وَالْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ، وَأَهْلِيكُمْ نَارًا، يَعْنِي
مُرُوهُمْ بِالْخَيْرِ وَانْهُوهُمْ عَنِ الشَّرِّ،
وَعَلِّمُوهُمْ وَأَدِّبُوهُمْ تَقُوهُمْ بِذَلِكَ نَارًا،
وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ،
يَعْنِي خَزَنَةَ النَّارِ، غِلاظٌ، فِظَاظٌ عَلَى أَهْلِ
النَّارِ، شِدادٌ، أَقْوِيَاءُ يَدْفَعُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ
بِالدَّفْعَةِ الْوَاحِدَةِ سَبْعِينَ أَلْفًا فِي النَّارِ
وَهُمُ الزَّبَانِيَةُ لَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ فِيهِمُ
الرَّحْمَةَ، لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ
وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ
إِنَّما تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (7) يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً،
قَرَأَ الْحَسَنُ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ نَصُوحاً
بِضَمِّ النُّونِ، وَقَرَأَ الْعَامَّةُ بِفَتْحِهَا أَيْ
تَوْبَةً ذَاتَ نُصْحٍ تَنْصَحُ صَاحِبَهَا بِتَرْكِ الْعَوْدِ
إِلَى مَا تاب منه.
واختلفوا في معناه قَالَ عُمَرُ وَأُبَيٌّ وَمُعَاذٌ:
التَّوْبَةُ النَّصُوحُ أَنْ يَتُوبَ ثُمَّ لَا يَعُودَ إِلَى
الذَّنْبِ، كَمَا لَا
__________
(1) سقط من المطبوع.
(2) في المطبوع «هم» .
(5/122)
ضَرَبَ اللَّهُ
مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ
لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ
فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ
شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10)
يَعُودُ اللَّبَنُ إِلَى الضَّرْعِ. قَالَ
الْحَسَنُ: هِيَ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ نَادِمًا عَلَى مَا
مَضَى مُجْمِعًا عَلَى أَلَّا يَعُودَ فِيهِ. قَالَ
الْكَلْبِيُّ أَنْ يَسْتَغْفِرَ بِاللِّسَانِ وَيَنْدَمَ
بِالْقَلْبِ وَيُمْسِكَ بِالْبَدَنِ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ
الْمُسَيَّبِ: تَوْبَةً تَنْصَحُونَ بِهَا أَنْفُسَكُمْ قَالَ
الْقُرَظِيُّ: يَجْمَعُهَا أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ
الِاسْتِغْفَارُ بِاللِّسَانِ وَالْإِقْلَاعُ [1]
بِالْأَبْدَانِ وَإِضْمَارُ تَرْكِ الْعَوْدِ بِالْجَنَانِ
وَمُهَاجَرَةُ سَيِّئِ الْإِخْوَانِ. عَسى رَبُّكُمْ أَنْ
يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي
اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ، أَيْ لَا
يُعَذِّبُهُمُ اللَّهُ بِدُخُولِ النَّارِ، نُورُهُمْ يَسْعى
بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ، عَلَى الصِّرَاطِ،
يَقُولُونَ، إِذْ طَفِئَ نُورُ الْمُنَافِقِينَ، رَبَّنا
أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ.
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ
وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ
الْمَصِيرُ (9) ، ثُمَّ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلصَّالِحِينَ
والصالحات من النساء.
[سورة التحريم (66) : الآيات 10 الى 12]
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ
وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا
صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ
اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ
(10) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ
فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي
الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي
مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ
عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ
رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ
مِنَ الْقانِتِينَ (12)
فَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ
كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ، واسمها واعلة، وَامْرَأَتَ لُوطٍ،
وَاسْمُهَا وَاهِلَةُ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: وَالِعَةُ
وَوَالِهَةُ، كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا
صالِحَيْنِ، وَهُمْا نُوحٌ وَلُوطٌ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ،
فَخانَتاهُما، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا بَغَتِ امْرَأَةُ
نَبِيٍّ قَطُّ وَإِنَّمَا كَانَتْ خِيَانَتُهُمَا أَنَّهُمَا
كَانَتَا عَلَى غَيْرِ دِينِهِمَا، فَكَانَتِ امْرَأَةُ نُوحٍ
تَقُولُ لِلنَّاسِ: إِنَّهُ مَجْنُونٌ وَإِذَا آمَنَ بِهِ
أَحَدٌ أَخْبَرَتْ بِهِ الْجَبَابِرَةَ، وَأَمَّا امْرَأَةُ
لُوطٍ فَإِنَّهَا كَانَتْ تَدُلُّ [2] قَوْمَهُ عَلَى
أَضْيَافِهِ إِذَا نَزَلَ بِهِ ضَيْفٌ بِاللَّيْلِ أَوْقَدَتِ
النَّارَ، وَإِذَا نَزَلَ بِالنَّهَارِ دَخَّنَتْ لِيَعْلَمَ
قَوْمُهُ أَنَّهُ نَزَلَ بِهِ ضَيْفٌ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ:
أَسَرَّتَا النِّفَاقَ وَأَظْهَرَتَا الْإِيمَانَ، فَلَمْ
يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً لَمْ يَدْفَعَا
عَنْهُمَا مَعَ نُبُوَّتِهِمَا عَذَابَ اللَّهِ، وَقِيلَ
ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ، قَطَعَ اللَّهُ
بِهَذِهِ الْآيَةِ طَمَعَ كُلِّ مَنْ يَرْكَبُ الْمَعْصِيَةَ
أَنْ يَنْفَعَهُ صلاح غيره، ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ مَعْصِيَةَ
غَيْرِهِ لَا تَضُرُّهُ إِذَا كَانَ مُطِيعًا.
فَقَالَ: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا
امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ، وَهِيَ آسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ، قَالَ
الْمُفَسِّرُونَ: لَمَّا غَلَبَ مُوسَى السَّحَرَةَ آمَنَتِ
امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ وَلَمَّا تَبَيَّنَ لِفِرْعَوْنَ
إِسْلَامُهَا أَوْتَدَ يَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا بِأَرْبَعَةِ
أَوْتَادٍ وَأَلْقَاهَا فِي الشَّمْسِ. قَالَ سَلْمَانُ:
كَانَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ تُعَذَّبُ بِالشَّمْسِ فَإِذَا
انْصَرَفُوا عنها ظلتها الْمَلَائِكَةُ إِذْ قالَتْ رَبِّ
ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ، فَكَشْفَ اللَّهُ
لَهَا عَنْ بَيْتِهَا فِي الْجَنَّةِ حَتَّى رَأَتْهُ وَفِي
الْقِصَّةِ أَنَّ فِرْعَوْنَ أَمَرَ بِصَخْرَةٍ عَظِيمَةٍ
لِتُلْقَى عَلَيْهَا، فَلَمَّا أَتَوْهَا بِالصَّخْرَةِ
قَالَتْ: رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ
فَأَبْصَرَتْ بَيْتَهَا فِي الْجَنَّةِ مِنْ دُرَّةٍ
بَيْضَاءَ، وَانْتُزِعَ رُوحُهَا فَأُلْقِيَتِ الصَّخْرَةُ
عَلَى جَسَدٍ لَا رُوحَ فِيهِ، وَلَمْ تَجِدْ أَلَمًا. وَقَالَ
الْحَسَنُ وَابْنُ كَيْسَانَ: رَفَعَ اللَّهُ امْرَأَةَ
فِرْعَوْنَ إِلَى الْجَنَّةِ فَهِيَ فِيهَا تَأْكُلُ
وَتَشْرَبُ. وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ، قَالَ
مُقَاتِلٌ وَعَمَلِهِ يَعْنِي الشِّرْكَ. وَقَالَ أَبُو
صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَعَمَلِهِ، قَالَ: جِمَاعُهُ.
وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ
، الْكَافِرِينَ.
__________
(1) تصحف في المطبوع «الأقلام» .
(2) زيد في المطبوع «على» .
(5/123)
تَبَارَكَ الَّذِي
بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)
وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي
أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ، أَيْ فِي جَيْبِ
دِرْعِهَا، وَلِذَلِكَ ذَكَرَ الْكِنَايَةَ، مِنْ رُوحِنا
وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها، يَعْنِي الشَّرَائِعَ الَّتِي
شَرَعَهَا اللَّهُ لِلْعِبَادِ بِكَلِمَاتِهِ الْمُنَزَّلَةِ،
وَكُتُبِهِ، قَرَأَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ وَحَفْصٌ وَكُتُبِهِ
عَلَى الْجَمْعِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ وَكِتَابِهِ عَلَى
التَّوْحِيدِ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْكَثْرَةُ أَيْضًا. وأراد
الكتب الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى
وَدَاودَ وَعِيسَى عَلَيْهِمُ السَّلَامُ. وَكانَتْ مِنَ
الْقانِتِينَ، أَيْ مِنَ الْقَوْمِ الْقَانِتِينَ
الْمُطِيعِينَ لِرَبِّهَا وَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ مِنَ
الْقَانِتَاتِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: مِنَ الْقَانِتِينَ أَيْ مِنَ
الْمَصَلِّينَ وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِالْقَانِتِينَ
رَهْطَهَا وَعَشِيرَتَهَا فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ صَلَاحٍ
مُطِيعِينَ لِلَّهِ.
«2246» وَرُوِّينَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: «حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ:
مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ
وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فرعون» .
سورة الملك
مكية [وهي ثلاثون آية] [1]
[سورة الملك (67) : الآيات 1 الى 2]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ
لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ
الْغَفُورُ (2)
ارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ
، قَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
يُرِيدُ الْمَوْتَ فِي الدُّنْيَا وَالْحَيَاةَ فِي
الْآخِرَةِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: أَرَادَ مَوْتَ الْإِنْسَانِ
وَحَيَاتَهُ فِي الدُّنْيَا، جَعَلَ اللَّهُ الدُّنْيَا دَارَ
حَيَاةٍ وَفَنَاءٍ، وَجَعْلَ الْآخِرَةَ دَارَ جَزَاءٍ
وَبَقَاءٍ. قِيلَ: إِنَّمَا قَدَّمَ الْمَوْتَ لِأَنَّهُ إِلَى
الْقَهْرِ أَقْرَبُ. وَقِيلَ قَدَّمَهُ لِأَنَّهُ أَقْدَمُ
لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ فِي الِابْتِدَاءِ كَانَتْ فِي حُكْمِ
الْمَوْتِ كَالنُّطْفَةِ وَالتُّرَابِ ونحوهما، ثم طرأت
عَلَيْهَا الْحَيَاةُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: خَلَقَ
الْمَوْتَ عَلَى صُورَةِ كَبْشٍ أملح لا يمر شيء وَلَا يَجِدُ
رِيحَهُ شَيْءٌ إِلَّا مَاتَ وَخَلَقَ الْحَيَاةَ عَلَى
صُورَةِ فَرَسٍ بَلْقَاءَ أُنْثَى وَهِيَ الَّتِي كَانَ
جِبْرِيلُ وَالْأَنْبِيَاءُ يَرْكَبُونَهَا لَا تَمُرُّ
بِشَيْءٍ وَلَا يَجِدُ رِيحَهَا بشيء إِلَّا حَيِيَ، وَهِيَ
الَّتِي أَخَذَ السَّامِرِيُّ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِهَا
فَأَلْقَى عَلَى الْعِجْلِ فَحَيِيَ لِيَبْلُوَكُمْ، فِيمَا
بَيْنَ الْحَيَاةِ إِلَى الْمَوْتِ، أَيُّكُمْ أَحْسَنُ
عَمَلًا.
«2247» رُوِيَ عَنِ ابْنِ عمر مرفوعا وأحسن عَمَلًا: أَحْسَنُ
عَقْلًا، وَأَوْرَعُ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ، وَأَسْرَعُ فِي
طَاعَةِ الله» . وقال الفضيل بْنُ عِيَاضٍ: أَحْسَنُ عَمَلًا
أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ. وَقَالَ: الْعَمَلُ لَا يُقْبَلُ حتى
يكون
__________
2246- تقدم في سورة آل عمران عند آية: 32.
2247- باطل. أخرجه الطبري 18003 والحارث بن
(1) زيد في المطبوع.
(5/124)
الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ
سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ
تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3)
خالصا صوابا فالخالص إذا كان الله
وَالصَّوَابُ إِذَا كَانَ عَلَى السُّنَّةِ. وَقَالَ
الْحَسَنُ: أَيُّكُمْ أَزْهَدُ فِي الدُّنْيَا وَأَتْرَكُ
لَهَا. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: لم تقع الْبَلْوَى عَلَى أَيٍّ
إِلَّا وَبَيْنَهُمَا إِضْمَارٌ كَمَا تَقُولُ بَلَوْتُكُمْ
لِأَنْظُرَ أَيُّكُمْ أَطْوَعُ وَمِثْلُهُ سَلْهُمْ أَيُّهُمْ
بِذلِكَ زَعِيمٌ [الْقَلَمِ: 40] أَيْ سَلْهُمْ وَانْظُرْ
أَيَّهُمْ، فَ «أَيُّ» رُفِعَ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَأَحْسَنُ
خَبَرُهُ، وَهُوَ الْعَزِيزُ، فِي انْتِقَامِهِ مِمَّنْ
عَصَاهُ، الْغَفُورُ، لمن تاب إليه.
[سورة الملك (67) : الآيات 3 الى 8]
الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً مَا تَرى فِي خَلْقِ
الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ
فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ
إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ (4) وَلَقَدْ
زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها
رُجُوماً لِلشَّياطِينِ وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ
(5) وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ
وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها
شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ (7)
تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها
فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8)
الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً، طَبَقًا عَلَى طَبَقٍ
بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، مَا تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ
تَفاوُتٍ، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ مِنْ تَفَوُّتٍ
بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ بِلَا أَلِفٍ، وَقَرَأَ الْأَخَرُونَ
بِتَخْفِيفِ الْوَاوِ وَأَلِفٍ قَبْلَهَا، وَهُمَا لُغَتَانِ
كالتحمل والتحامل والتظهر والتظاهر، وَمَعْنَاهُ: مَا تَرَى
يَا ابْنَ آدَمَ فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنَ اعْوِجَاجٍ
وَاخْتِلَافٍ وَتَنَاقُضٍ، بَلْ هِيَ مُسْتَقِيمَةٌ
مُسْتَوِيَةٌ وَأَصْلُهُ مِنَ الْفَوْتِ وَهُوَ أَنْ يَفُوتَ
بَعْضُهَا بَعْضًا لِقِلَّةِ اسْتِوَائِهَا، فَارْجِعِ
الْبَصَرَ، كَرِّرِ النَّظَرَ، مَعْنَاهُ: انْظُرْ ثُمَّ
ارْجِعْ، هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ، شُقُوقٍ وَصُدُوعٍ.
ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ
مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، يَنْقَلِبْ، يَنْصَرِفْ وَيَرْجِعْ
إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً، صَاغِرًا ذَلِيلًا مُبْعَدًا لَمْ
يَرَ مَا يَهْوَى، وَهُوَ حَسِيرٌ، كَلِيلٌ مُنْقَطِعٌ لَمْ
يُدْرِكْ مَا طَلَبَ. وَرُوِيَ عَنْ كَعْبٍ أَنَّهُ قَالَ:
السَّمَاءُ الدُّنْيَا مَوْجٌ مَكْفُوفٌ، وَالثَّانِيَةُ
مَرْمَرَةٌ بَيْضَاءُ، وَالثَّالِثَةُ حَدِيدٌ، وَالرَّابِعَةُ
صَفْرَاءُ، وَقَالَ نُحَاسٌ، وَالْخَامِسَةُ فِضَّةٌ،
وَالسَّادِسَةُ ذَهَبٌ، وَالسَّابِعَةُ ياقوتة حمراء، ومن
السَّمَاءِ السَّابِعَةِ إِلَى الْحُجُبِ السَّبْعَةِ صَحَارِي
[مِنْ] [1] نُورٍ.
وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ، أَرَادَ
الْأَدْنَى مِنَ الْأَرْضِ وَهِيَ التي يراها الناس. وقوله
بِمَصابِيحَ أَيِ الْكَوَاكِبَ، وَاحِدُهَا مِصْبَاحٌ، وَهُوَ
السِّرَاجُ سُمِّيَ الْكَوْكَبُ مِصْبَاحًا لِإِضَاءَتِهِ،
وَجَعَلْناها رُجُوماً، مَرَامِيَ، لِلشَّياطِينِ، إِذَا
اسْتَرَقُوا السَّمْعَ، وَأَعْتَدْنا لَهُمْ، فِي الْآخِرَةِ،
عَذابَ السَّعِيرِ، النَّارَ الْمُوقَدَةَ.
وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ
الْمَصِيرُ (6) إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً،
وَهُوَ أَوَّلُ نَهِيقِ الْحِمَارِ وَذَلِكَ أَقْبَحُ
الْأَصْوَاتِ، وَهِيَ تَفُورُ، تَغْلِي بِهِمْ كَغَلْيِ
الْمِرْجَلِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: تَفُورُ بِهِمْ كَمَا يَفُورُ
الْمَاءُ الْكَثِيرُ بالحب القليل.
__________
أبي أسامة كما في «تخريج الكشاف» 2/ 380 من حديث ابن عمر،
وأعله الحافظ ابن حجر بداود بن المحبر، وقال: داود ساقط، وذكر
الذهبي داود هذا في «الميزان» 2/ 20 ونقل عن الدارقطني قوله
«كتاب العقل» وصنعه ميسرة بن عبد ربه، ثم سرقه داود، فركبه على
أسانيد اهـ ملخصا، وهذا الحديث يذكر العقل، فهو من ذاك الكتاب
المصنوع، وانظر «الكشاف» 524 بتخريجي.
(1) زيادة عن المطبوع. [.....]
(5/125)
قَالُوا بَلَى قَدْ
جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ
مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9)
تَكادُ تَمَيَّزُ، تتقطع، مِنَ الْغَيْظِ،
مِنْ تَغِيُّظِهَا عَلَيْهِمْ، قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ:
تَكَادُ تَنْشَقُّ غَيْظًا عَلَى الْكُفَّارِ، كُلَّما
أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ، جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ، سَأَلَهُمْ
خَزَنَتُها، سُؤَالَ تَوْبِيخٍ، أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ،
رسول ينذركم.
[سورة الملك (67) : الآيات 9 الى 16]
قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا مَا
نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ
كَبِيرٍ (9) وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا
كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا
بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ (11) إِنَّ
الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ
وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا
بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (13)
أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)
هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي
مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)
أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ
الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ (16)
قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا،
لِلرُّسُلِ، مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ
إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ.
وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ، مِنَ الرُّسُلِ ما جاؤونا
بِهِ، أَوْ نَعْقِلُ، مِنْهُمْ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَوْ
كُنَّا نَسْمَعُ الْهُدَى أَوْ نَعْقِلُهُ فَنَعْمَلُ بِهِ.
مَا كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ، قَالَ الزَّجَّاجُ: لَوْ
كُنَّا نَسْمَعُ سَمْعَ مَنْ يَعِي وَيَتَفَكَّرُ أَوْ
نَعْقِلُ عَقْلَ مَنْ يُمَيِّزُ وَيَنْظُرُ ما كنا في [1]
أَهْلِ النَّارِ.
فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً، بُعْدًا، لِأَصْحابِ
السَّعِيرِ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَالْكِسَائِيُّ فَسُحْقاً
بِضَمِّ الْحَاءِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِسُكُونِهَا، وَهُمَا
لُغَتَانِ مِثْلُ الرُّعُبِ وَالرُّعْبِ وَالسُّحُتِ
وَالسُّحْتِ.
إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ
مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ
اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (13) ،
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي الْمُشْرِكِينَ كَانُوا
يَنَالُونَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَيُخْبِرُهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِمَا
قَالُوا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَسِرُّوا قَوْلَكُمْ
كَيْ لَا يَسْمَعَ إِلَهُ مُحَمَّدٍ.
فَقَالَ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ،
أَلَّا يَعْلَمُ مَا فِي الصُّدُورِ مَنْ خَلَقَهَا، وَهُوَ
اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ، لَطِيفٌ عِلْمُهُ فِي الْقُلُوبِ
الْخَبِيرُ بِمَا فِيهَا مِنَ السر وَالْوَسْوَسَةِ. وَقِيلَ:
مَنْ يَرْجِعُ إِلَى الْمَخْلُوقِ، أَيْ أَلَّا يَعْلَمَ
اللَّهُ مَخْلُوقَهُ.
هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا، سَهْلًا لَا
يَمْتَنِعُ الْمَشْيُ فِيهَا بِالْحُزُونَةِ، فَامْشُوا فِي
مَناكِبِها، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ: فِي
جِبَالِهَا. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: فِي آكَامِهَا. وَقَالَ
مُجَاهِدٌ: فِي طُرُقِهَا وَفِجَاجِهَا. قَالَ الْحَسَنُ: فِي
سُبُلِهَا. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: فِي أَطْرَافِهَا. وَقَالَ
مُقَاتِلٌ: فِي نَوَاحِيهَا. قَالَ الْفَرَّاءُ: فِي
جَوَانِبِهَا.
وَالْأَصْلُ فِي الْكَلِمَةِ الْجَانِبُ، وَمِنْهُ مَنْكِبُ
الرَّجُلِ، وَالرِّيحُ النَّكْبَاءُ وَتَنَكَّبَ فُلَانٌ. أَيْ
جَانَبَ وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ، مِمَّا خَلَقَهُ رِزْقًا
لَكُمْ فِي الْأَرْضِ، وَإِلَيْهِ النُّشُورُ، أَيْ وَإِلَيْهِ
تُبْعَثُونَ مِنْ قُبُورِكُمْ.
ثُمَّ خَوَّفَ الْكُفَّارَ فَقَالَ: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي
السَّماءِ، قَالَ ابن عباس: أي عقاب [2] مَنْ فِي السَّمَاءِ
إِنْ عَصَيْتُمُوهُ، أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا
هِيَ تَمُورُ، قَالَ الْحَسَنُ: تَتَحَرَّكُ بِأَهْلِهَا.
وَقِيلَ: تَهْوِي بِهِمْ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ
تَعَالَى يُحَرِّكُ الْأَرْضَ عِنْدَ الْخَسْفِ بِهِمْ حَتَّى
تُلْقِيَهُمْ إلى أسفل [والأرض] [3] تعلو عليهم وتمر
__________
(1) في المطبوع «من» .
(2) في المطبوع «عذاب» .
(3) زيادة عن المخطوط.
(5/126)
أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ
فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا
فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17)
فوقهم. يقال: مار يمور إذا جاء وذهب.
[سورة الملك (67) : الآيات 17 الى 27]
أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ
حاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17) وَلَقَدْ كَذَّبَ
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (18)
أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ
وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمنُ إِنَّهُ
بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19) أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ
لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ إِنِ الْكافِرُونَ
إِلاَّ فِي غُرُورٍ (20) أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ
إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ
(21)
أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ
يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (22) قُلْ هُوَ
الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ
وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ (23) قُلْ هُوَ
الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)
وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ
(25) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّما أَنَا
نَذِيرٌ مُبِينٌ (26)
فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ
كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (27)
أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ
حاصِباً، رِيحًا ذَاتَ حِجَارَةٍ كَمَا فَعَلَ بِقَوْمِ لُوطٍ.
فَسَتَعْلَمُونَ، فِي الْآخِرَةِ وَعِنْدَ الْمَوْتِ، كَيْفَ
نَذِيرِ، أَيْ إِنْذَارِي إِذَا عَايَنْتُمُ الْعَذَابَ.
وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، يَعْنِي كُفَّارَ
الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ، فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ، أَيْ
إِنْكَارِي عَلَيْهِمْ بِالْعَذَابِ.
أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ،
تَصُفُّ أَجْنِحَتَهَا فِي الْهَوَاءِ، وَيَقْبِضْنَ، أجنحتهن
بَعْدَ الْبَسْطِ، مَا يُمْسِكُهُنَّ، فِي حَالِ الْقَبْضِ
وَالْبَسْطِ أَنْ يَسْقُطْنَ، إِلَّا الرَّحْمنُ إِنَّهُ
بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ.
أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ، اسْتِفْهَامُ
إِنْكَارٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ مَنَعَةٌ لَكُمْ،
يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ، يَمْنَعُكُمْ مِنْ
عَذَابِهِ وَيَدْفَعُ عَنْكُمْ مَا أَرَادَ بِكُمْ. إِنِ
الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ، أَيْ فِي غُرُورٍ مِنَ
الشَّيْطَانِ يَغُرُّهُمْ بِأَنَّ الْعَذَابَ لَا يَنْزِلُ
بِهِمْ.
أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ،
أَيْ مِنَ الَّذِي يَرْزُقُكُمُ الْمَطَرَ إِنْ أَمْسَكَ
اللَّهُ عَنْكُمْ، بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ، تمادوا فِي
الضَّلَالِ، وَنُفُورٍ، تَبَاعُدٍ مِنَ الْحَقِّ. [وَقَالَ
مُجَاهِدٌ: كُفُورٍ] .
ثُمَّ ضَرَبَ مَثَلًا فَقَالَ: أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى
وَجْهِهِ، رَاكِبًا رَأْسَهُ في الضلالة والجهالة أعمى العين
والقلب لَا يُبْصِرُ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا وَهُوَ
الْكَافِرُ. قَالَ قَتَادَةُ: أَكَبَّ عَلَى الْمَعَاصِي فِي
الدُّنْيَا فَحَشَرَهُ اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ، أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا، مُعْتَدِلًا
يُبْصِرُ الطَّرِيقَ وَهُوَ، عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ، وَهُوَ
الْمُؤْمِنُ [1] . قَالَ قَتَادَةُ: يَمْشِي يَوْمَ
الْقِيَامَةِ سَوِيًّا.
قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ
وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (23)
، قَالَ مُقَاتِلٌ: يَعْنِي أَنَّهُمْ لَا يَشْكُرُونَ رَبَّ
هَذِهِ النِّعَمِ.
قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ
تُحْشَرُونَ (24) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ
كُنْتُمْ صادِقِينَ (25) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ
اللَّهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (26) فَلَمَّا
رَأَوْهُ، يَعْنِي الْعَذَابَ فِي الْآخِرَةِ عَلَى قَوْلِ
أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ:
يَعْنِي الْعَذَابَ بِبَدْرٍ، زُلْفَةً، أَيْ قَرِيبًا وَهُوَ
اسْمٌ يُوصَفُ بِهِ الْمَصْدَرُ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ
والمؤنث والواحد والاثنان والجمع، سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ
كَفَرُوا، اسْوَدَّتْ وعلتها الكآبة، فالمعنى قبحت وجوههم
بالسواد
__________
(1) في المطبوع «مؤمن» .
(5/127)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ
إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا
فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (28)
يُقَالُ سَاءَ الشَّيْءُ يَسُوءُ فَهُوَ
سيئ إذا قبح، وسيئ يُسَاءُ إِذَا قُبِّحَ، وَقِيلَ لَهَا أي
قال لَهُمُ الْخَزَنَةُ، هذَا، أَيْ هَذَا الْعَذَابُ، الَّذِي
كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ، تفتعلون، من الدعاء [أي: تدعون
تتمنون أن يُعَجَّلُ لَكُمْ] [1] ، وَقَرَأَ يَعْقُوبُ
تَدْعُونَ بِالتَّخْفِيفِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ قَتَادَةَ
وَمَعْنَاهُمَا واحد مثل تذكرون وتذكرون.
[سورة الملك (67) : الآيات 28 الى 30]
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ
أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ
أَلِيمٍ (28) قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ
تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ
(29) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ
يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ (30)
قُلْ، يَا مُحَمَّدُ لِمُشْرِكِي مَكَّةَ الَّذِينَ
يَتَمَنَّوْنَ هَلَاكَكَ، أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ
اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ، مِنَ المؤمنين، أَوْ رَحِمَنا، فأبقانا
إلى منتهى آجَالنَا، فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ
أَلِيمٍ، فَإِنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ لَا مَحَالَةَ. وَقِيلَ:
مَعْنَاهُ أَرَأَيْتُمْ إن أهلكني الله فيعذبني ومن معي أو
رحمنا فيغفر لَنَا، فَنَحْنُ مَعَ إِيمَانِنَا خَائِفُونَ أَنْ
يُهْلِكَنَا بِذُنُوبِنَا لِأَنَّ حُكْمَهُ نافذ فينا فمن يجير
الكافرين، فَمَنْ يُجِيرُكُمْ وَيَمْنَعُكُمْ مِنْ عَذَابِهِ
وَأَنْتُمْ كَافِرُونَ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ
عَبَّاسٍ.
قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ، الَّذِي نَعْبُدُهُ، آمَنَّا بِهِ
وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ، قَرَأَ الْكِسَائِيُّ
بِالْيَاءِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ. مَنْ هُوَ فِي
ضَلالٍ مُبِينٍ، أَيْ سَتَعْلَمُونَ عِنْدَ مُعَايَنَةِ
الْعَذَابِ مَنِ الضَّالُّ [مِنَّا] [2] نَحْنُ أَمْ أَنْتُمْ.
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً، أي
غَائِرًا ذَاهِبًا فِي الْأَرْضِ لَا تَنَالُهُ الْأَيْدِي
وَالدِّلَاءُ. قَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ: يَعْنِي مَاءَ
زَمْزَمٍ، فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ، ظَاهِرٍ تَرَاهُ
الْعُيُونُ وَتَنَالُهُ الْأَيْدِي وَالدِّلَاءُ. وَقَالَ
عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مَعِينٍ أَيْ جَارٍ.
«2247» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو
إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ أخبرني الحسن الفارسي ثنا أَبُو
عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يزيد ثنا أبو يحيى البزاز ثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى ثَنَا أبو داود ثنا عِمْرَانُ عَنْ
قَتَادَةَ عَنْ عَبَّاسٍ [3] الجشمي عن
__________
2247- صحيح بطرقه وشواهده.
- إسناده لين، عمران هو ابن داور، فيه لين، لكن توبع، وعباس
الجشمي، مقبول أي حيث يتابع، وقد توبع على هذا المتن.
- أبو داود هو سليمان بن داود، قتادة هو ابن دعامة، عباس قيل
اسم أبيه: عبد الله.
- وأخرجه الحاكم 2/ 497 من طريق أبي داود الطيالسي بهذا
الإسناد.
- وصححه، ووافقه الذهبي.
- وأخرجه أبو داود 1400 والترمذي 2891 والنسائي في «عمل اليوم
والليلة» 710 وابن ماجه 3786 وأحمد 2/ 299 و321 وابن حبان 787
والحاكم 1/ 565 من طرق عن شعبة به بلفظ «إن سورة من القرآن-
ثلاثون آية- تستغفر لصاحبها حتى يغفر له تَبارَكَ الَّذِي
بِيَدِهِ الْمُلْكُ.
- وله شاهد من حديث أنس أخرجه الطبراني في «الأوسط» 3667 و
«الصغير» 490 وقال الهيثمي في «المجمع» 7/ 127: ورجاله رجال
الصحيح.
- وله شاهد آخر من حديث ابن عباس أخرجه الترمذي 2890 وفي
إسناده يحيى بن عمرو بن مالك، النكري، وهو ضعيف.
- وله شاهد موقوف عن ابن مسعود، أخرجه عبد الرزاق 6025 وإسناده
حسن، وكرره 6024 بإسناد صحيح. وله حكم الرفع.
(1) العبارة في المطبوع «أي أن تدعوه وتتمنوه أنه يجعله لكم»
والمثبت عن المخطوطتين وط.
(2) زيادة عن المخطوطتين.
(3) تصحف في المخطوط «أ» «عياش» .
(5/128)
ن وَالْقَلَمِ وَمَا
يَسْطُرُونَ (1)
أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ سُورَةً مِنْ
كِتَابِ اللَّهِ مَا هِيَ إِلَّا ثَلَاثُونَ آيَةً شفعت لرجل
فأخرجته يوم القيامة [من النار] [1] وَأَدْخَلَتْهُ
الْجَنَّةَ، وَهِيَ سُورَةُ تَبَارَكَ» .
سورة القلم
مكية [وهي اثنتان وخمسون آية] [2]
[سورة القلم (68) : الآيات 1 الى 4]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ
رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ
مَمْنُونٍ (3) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)
ن اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ الْحُوتُ
الَّذِي عَلَى ظَهْرِهِ الْأَرْضُ. وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ
وَمُقَاتِلٍ وَالسُّدِّيِّ وَالْكَلْبِيِّ. وَرَوَى أَبُو
ظَبْيَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَوَّلَ مَا خَلَقَ
اللَّهُ الْقَلَمُ، فَجَرَى بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ، ثُمَّ خَلَقَ النُّونَ [3] فَبَسَطَ الْأَرْضَ
عَلَى ظَهْرِهِ فَتَحَرَّكَ النُّونُ فَمَادَتِ الْأَرْضُ،
فَأُثْبِتَتْ بِالْجِبَالِ وَإِنَّ الْجِبَالَ لَتَفْخَرُ
عَلَى الْأَرْضِ، ثُمَّ قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ن وَالْقَلَمِ
وَما يَسْطُرُونَ (1) . وَاخْتَلَفُوا فِي اسمه، فقال الكلبي
ومقاتل: بهموت. وَقَالَ الْوَاقِدَيُّ: لُيُوثَا. وَقَالَ
كَعْبٌ: لوثيا. وعن علي: اسمه بلهوث. قالت الرُّوَاةُ: لَمَّا
خَلَقَ اللَّهُ الْأَرْضَ وَفَتْقَهَا بَعَثَ مِنْ تَحْتِ
الْعَرْشِ مَلَكًا فَهَبَطَ إِلَى الْأَرْضِ حَتَّى دَخَلَ
تَحْتَ الْأَرْضِينَ السَّبْعَ [فَوَضَعَهَا عَلَى عَاتِقِهِ
إِحْدَى يَدَيْهِ بِالْمُشْرِقِ الأخرى بِالْمَغْرِبِ
بَاسِطَتَيْنِ قَابِضَتَيْنِ عَلَى الْأَرْضِينَ السَّبْعَ]
[4] ، حَتَّى ضَبَطَهَا فَلَمْ يَكُنْ لِقَدَمَيْهِ مَوْضِعُ
قَرَارٍ، فَأَهْبَطَ اللَّهُ عليه مِنَ الْفِرْدَوْسِ ثَوْرًا
لَهُ أَرْبَعُونَ أَلْفَ قَرْنٍ وَأَرْبَعُونَ أَلْفَ
قَائِمَةٍ، وَجُعِلَ قَرَارُ قَدَمَيِ الْمَلِكِ عَلَى
سَنَامِهِ، فَلَمْ تَسْتَقِرَّ قَدَمَاهُ فَأَخَذَ اللَّهُ
يَاقُوتَةً خَضْرَاءَ مِنْ أَعْلَى دَرَجَةٍ فِي الْفِرْدَوْسِ
غِلَظُهَا مَسِيرَةُ خَمْسمِائَةِ عَامٍ فَوَضَعَهَا بَيْنَ
سَنَامِ الثَّوْرِ إِلَى أُذُنِهِ فَاسْتَقَرَّتْ عَلَيْهَا
قَدَمَاهُ، وَقُرُونُ ذَلِكَ الثَّوْرِ خَارِجَةُ مِنْ
أَقْطَارِ الْأَرْضِ، وَمَنْخِرَاهُ فِي الْبَحْرِ فَهُوَ
يَتَنَفَّسُ كُلَّ يَوْمٍ نَفَسًا فَإِذَا تَنَفَّسَ مَدَّ
الْبَحْرُ وأزبد وَإِذَا رَدَّ نَفَسَهُ جَزَرَ الْبَحْرُ
فَلَمْ يَكُنْ لِقَوَائِمِ الثَّوْرِ مَوْضِعَ قَرَارٍ،
فَخَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى صَخْرَةً كغلظ سبع سموات وَسَبْعِ
أَرْضِينَ فَاسْتَقَرَّتْ قَوَائِمُ الثَّوْرِ عَلَيْهَا
وَهِيَ الصَّخْرَةُ الَّتِي قَالَ لقمان لابنه:
فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ [لقمان: 16] وَلَمْ يَكُنْ لِلصَّخْرَةِ
مُسْتَقَرٌّ، فَخَلَقَ اللَّهُ نُونًا وَهُوَ الْحُوتُ [5]
الْعَظِيمُ، فَوَضْعَ الصَّخْرَةَ عَلَى ظَهْرِهِ وَسَائِرُ
جَسَدِهِ خَالٍ وَالْحُوتُ عَلَى الْبَحْرِ، وَالْبَحْرُ عَلَى
مَتْنِ الرِّيحِ، وَالرِّيحُ على القدرة.
قيل: فَكُلُّ الدُّنْيَا كُلُّهَا بِمَا عَلَيْهَا حرفان قال
لها الجبار: كَوْنِي فَكَانَتْ. [قَالَ] [6] كَعْبُ
الْأَحْبَارِ: إن إبليس
__________
(1) زيادة عن المخطوط، وط.
(2) زيد في المطبوع.
(3) هذه الآثار من الإسرائيليات.
(4) سقط من المخطوط.
(5) في المطبوع «الحموت» .
(6) زيادة عن المخطوط. [.....]
(5/129)
تَغَلْغَلَ إِلَى الْحُوتِ الَّذِي عَلَى
ظَهْرِهِ الْأَرْضُ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ:
أَتَدْرِي مَا عَلَى ظَهْرِكَ يا لوثيا مِنَ الْأُمَمِ
وَالدَّوَابِّ وَالشَّجَرِ وَالْجِبَالِ لَوْ نَفَضْتَهُمْ
أَلْقَيْتَهُمْ عَنْ ظَهْرِكَ، فهم لوثيا أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ
فَبَعَثَ اللَّهُ دَابَّةً فَدَخَلَتْ مَنْخِرِهِ فَوَصَلَتْ
إِلَى دِمَاغِهِ فَعَجَّ الْحُوتُ إِلَى اللَّهِ منها فأذن لها
فخرجت. قال كعب: فو الذي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ لِيَنْظُرُ
إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ إِنْ هَمَّ بِشَيْءٍ من ذلك
عادت إلى ذلك كما كانت [1] . وقال بعضهم: إن نُونٌ آخَرُ
حُرُوفِ الرَّحْمَنِ، وَهِيَ رِوَايَةُ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ:
النُّونُ الدَّوَاةُ. وَقِيلَ:
[هُوَ قَسَمٌ أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ. وَقِيلَ: فَاتِحَةُ
السُّورَةِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: افْتِتَاحُ اسْمِهِ نُورٌ
وَنَاصِرٌ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ] [2] أقسم الله
بنصرته المؤمنين. وَالْقَلَمِ، هُوَ الَّذِي كَتَبَ اللَّهُ
بِهِ الذِّكْرَ وَهُوَ قَلَمٌ مِنْ نُورٍ طُولُهُ مَا بَيْنَ
السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ.
وَيُقَالُ: أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهِ الْقَلَمَ وَنَظَرَ
إِلَيْهِ فَانْشَقَّ نصفين، ثم قال [له] [3] : اجْرِ بِمَا
هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَجَرَى عَلَى
اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ بِذَلِكَ. وَما يَسْطُرُونَ،
يَكْتُبُونَ أَيْ مَا تَكْتُبُ الْمَلَائِكَةُ الْحَفَظَةُ
مِنْ أَعْمَالِ بَنِي آدَمَ.
مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ، بنبوة رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ، هذا
جَوَابٌ لِقَوْلِهِمْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ
الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ [الْحِجْرِ: 6] فَأَقْسَمَ
اللَّهُ بِالنُّونِ وَالْقَلَمِ وَمَا يَكْتُبُ مِنَ
الْأَعْمَالِ فَقَالَ: فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ،
بِنُبُوَّةِ رَبّكِ بِمَجْنُونٍ، هذا جواب القسم أَيْ: إِنَّكَ
لَا تَكُونُ مَجْنُونًا وَقَدْ أَنْعَمَ اللَّهَ عَلَيْكَ
بِالنُّبُوَّةِ وَالْحِكْمَةِ.
وَقِيلَ: بِعِصْمَةِ رَبِّكَ. وَقِيلَ: هُوَ كَمَا يُقَالُ مَا
أَنْتَ بِمَجْنُونٍ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ:
مَا أَنْتَ بِمَجْنُونٍ وَالنِّعْمَةُ لِرَبِّكَ،
كَقَوْلِهِمْ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَيْ
وَالْحَمْدُ لَكَ.
وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) ، أَيْ مَنْقُوصٍ
وَلَا مَقْطُوعٍ بِصَبْرِكِ عَلَى افْتِرَائِهِمْ عَلَيْكَ.
وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ
وَمُجَاهِدٌ: دِينٌ عَظِيمٌ لَا دِينَ أَحَبُّ إِلَيَّ وَلَا
أَرْضَى عِنْدِي مِنْهُ، وَهُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ. وَقَالَ
الْحَسَنُ: هُوَ آدَابُ الْقُرْآنِ.
«2248» سُئِلَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ خُلُقِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ:
كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ. وَقَالَ قَتَادَةُ:
هُوَ مَا كَانَ يَأْتَمِرُ بِهِ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ
وَيَنْتَهِي عَنْهُ مِنْ نَهْيِ اللَّهِ، وَالْمَعْنَى إِنَّكَ
لعلى الْخُلُقِ الَّذِي أَمَرَكَ اللَّهُ بِهِ فِي الْقُرْآنِ.
وَقِيلَ: سَمَّى اللَّهُ خُلُقَهُ عَظِيمًا لِأَنَّهُ
امْتَثَلَ تَأْدِيبَ اللَّهِ إِيَّاهُ بِقَوْلِهِ: خُذِ
الْعَفْوَ [الأعراف: 199] الآية.
«2249» وَرُوِّينَا عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي
لِتَمَامِ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَتَمَامِ مَحَاسِنِ
الْأَفْعَالِ» .
«2250» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثنا
__________
2248- صحيح. أخرجه مسلم 746 وأبو داود 1342 والنسائي 3/ 199-
200 وأحمد 6/ 53 والبيهقي 2/ 499 من طريق قَتَادَةَ عَنْ
زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عن سعد بن هشام بن عامر عن عائشة
مطوّلا.
- وأخرجه أبو يعلى 4862 وأحمد 6/ 97 و235 من طريق الحسن عَنْ
سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عائشة مطوّلا.
- وانظر الحديث الآتي في سورة المزمل عند آية: 4.
2249- تقدم في سورة الأعراف عند الآية: 199.
2250- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- يوسف هو ابن أبي إسحاق، أبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله.
(1) هذا الخبر من إسرائيليات كعب الأحبار.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) زيادة عن المخطوط.
(5/130)
محمد بن إسماعيل ثنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ
أَبُو عَبْدِ الله ثنا إسحاق بن منصور ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ
يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعَتُ
الْبَرَاءَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا وَأَحْسَنَهُمْ
خُلُقًا لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَلَا بِالْقَصِيرِ.
«2251» أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ
الْجَوْزَجَانِيُّ أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ
أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ أَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ
كُلَيْبٍ الشَّاشِيُّ ثَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ ثَنَا
قتيبة بن سعيد ثنا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ
عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: خَدَمْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ
سِنِينَ فَمَا قَالَ لِي أُفٍّ قَطُّ ما قَالَ لِشَيْءٍ
صَنَعْتُهُ لِمَ صَنَعْتَهُ، وَلَا لِشَيْءٍ تَرَكْتُهُ [لِمَ
تَرَكْتَهُ] [1] ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خلقا وما مَسَسْتُ
خَزًّا قَطُّ وَلَا حَرِيرًا وَلَا شَيْئًا كَانَ أَلْيَنَ
مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَلَا شَمَمْتُ مِسْكًا وَلَا عِطْرًا كَانَ
أَطْيَبَ مِنْ عَرَقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
«2252» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الصَّالِحِيُّ أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى
الصَّيْرَفِيُّ أَنَا [أَبُو] [2] عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى البرتيّ ثنا محمد بن كثير ثَنَا
سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ
عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: إِنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ
يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا وَكَانَ يَقُولُ: «خياركم
أحاسنكم أخلاقا» .
__________
- وهو في «شرح السنة» 3557 بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» 3549 عن أحمد بن سعيد بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 2337 ح 93 وابن حبان 6285 من طريق أبي كريب عن
إسحاق بن منصور به.
- وأخرجه البيهقي في «الدلائل» 1/ 250 من طريق أبي غسان عن
إبراهيم بن يوسف به.
2251- إسناده صحيح، رجاله رجال البخاري ومسلم سوى جعفر، تفرد
عليه مسلم.
- ثابت هو ابن أسلم البناني.
- وهو في «شرح السنة» 3558 بهذا الإسناد.
- وهو في «سنن الترمذي» 201 وفي «الشمائل» 338 عن قتيبة بن
سعيد بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 2309 والبخاري في «الأدب المفرد» 277 وأحمد 3/
174 وأبو الشيخ في «أخلاق النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ» 33 من طرق عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ثابت به.
- وأخرجه أبو داود 4774 والبخاري في «الأدب المفرد» 277 وأحمد
3/ 195 و265 وابن المبارك في «الزهد» 616 وابن حبان 2894 وعبد
الرزاق 17946 من طرق عن ثابت به.
2252- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- سفيان هو ابن سعيد، الأعمش هو سليمان بن مهران، أبو وائل، هو
شقيق بن سلمة، مسروق هو ابن الأجدع.
- وهو في «شرح السنة» 3560 بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري في «الأدب المفرد» 271 وابن حبان 477 و6442
من طريق محمد بن كثير بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 2321 وابن أبي شيبة 8/ 514 وأحمد 2/ 161 و193
والبيهقي 10/ 192 من طريق أبي معاوية ووكيع عن الأعمش به.
- وأخرجه البخاري 3559 و3759 و6029 و6035 والترمذي 1975 وأحمد
2/ 189 وأحمد 2/ 189 والطيالسي 2246 وأبو الشيخ في «أخلاق
النبي صلى الله عليه وسلم» 56 من طرق عن الأعمش به.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيادة عن المخطوط.
(5/131)
«2253» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ
مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ أَنَا أَبُو العباس الأصم ثنا مُحَمَّدُ
بْنُ هِشَامِ بْنِ مُلَاسٍ ثنا مروان الفزاري ثنا حُمِيدٌ
الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ امْرَأَةً عَرَضَتْ لِرَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَرِيقٍ مِنْ
طُرُقِ الْمَدِينَةِ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ لِي
إِلَيْكَ حَاجَةً فَقَالَ: يَا أُمَّ فُلَانٍ اجْلِسِي فِي
أَيِّ سِكَكِ الْمَدِينَةِ شِئْتِ أَجْلِسْ إِلَيْكِ، قَالَ:
فَفَعَلَتْ فَقَعَدَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله
عليه وسلم، حتى قضت حاجتها.
«2254» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ قال: قال محمد بن عيسى ثنا هشيم [1] أنا
حميد الطويل ثنا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: إِنْ كَانَتِ
الْأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَتَنْطَلِقُ به حيث شاءت.
«2255» وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
أَبِي شُرَيْحٍ أَنَا أبو القاسم
__________
2253- صحيح. إسناده حسن، محمد بن هشام، صدوق، وقد توبع ومن
دونه، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
- مروان هو ابن معاوية، حميد هو ابن أبي حميد.
- وهو في «شرح السنة» 3566 بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو داود 4818 والترمذي في «الشمائل» 324 من طريق
حميد به.
- وأخرجه مسلم 2326 وأبو داود 4819 وأحمد 3/ 285 وأبو يعلى
3518 وأحمد 3/ 285 وابن حبان 4527 وأبو الشيخ 26 والبيهقي في
«الدلائل» 1/ 331- 332 من طرق عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ
عَنْ ثابت به.
- ويشهد له ما بعده.
2254- صحيح. إسناده ضعيف لانقطاعه، حيث علقه البخاري عن محمد
بن عيسى، ولم يحتج به في الأصول، لكن وصله أحمد كما سيأتي، وله
طريق أخرى.
- هشيم هو ابن بشير، حميد هو ابن أبي حميد.
- وهو في «صحيح البخاري» 6072 عن محمد بن عيسى بهذا الإسناد
معلقا.
- ووصله أحمد 3/ 98 عن هشيم بهذا الإسناد، وإسناده على شرطهما.
- وأخرجه أَحْمَدَ 3/ 174 و215- 216 وابن ماجه 4177 وأبو يعلى
3982 وأبو الشيخ 27 من طرق عن شعبة عن علي بن زيد عن أنس به
وإسناده ضعيف، لضعف علي بن زيد، لكن يصلح للمتابعة.
- قال الحافظ في «الفتح» 10/ 490: إنما عدل البخاري عن تخريجه
عن أحمد بن حنبل لتصريح حميد في رواية محمد بن عيسى
بالتحديث.... والبخاري يخرج لحميد ما صرح فيه بالتحديث، ولم
يصرح عنده. ويشهد له ما قبله.
2255- ضعيف سوى ذكر المصافحة، فلها وجوه أخرى تحسن بها، والله
أعلم.
- إسناده ضعيف جدا، عمران بن زيد غير قوي، وزيد العمي هو ابن
الحواري، ضعيف، ليس بشيء، وهو منقطع لم يسمعه زيد من أنس بدليل
الرواية الآتية عن زيد عن معاوية بن قرة عن أنس.
- وقال أبو حاتم: زيد العمي عن أنس مرسلة. وقال ابن حبان: يروي
عن أنس أشياء موضوعة، لا أصول لها.
- وهو في «شرح السنة» 3574 بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 2490 من طريق ابن المبارك والبيهقي في
«الدلائل» 1/ 320 من طريق أبي نعيم كلاهما عن عمران ابن زيد
به.
- وأخرجه ابن ماجه 3716 من طريق رجل من أهل الكوفة عن زيد
العمي به.
- وأخرجه أبو الشيخ 58 من طريق ابن المبارك عن عمران عن زيد
العمي عن معاوية بن قرة عن أنس به، وهذا موصول، وعلته زيد،
فإنه واه.
- وقال البوصيري في «الزوائد» مدار الحديث على زيد العمي، وهو
ضعيف. [.....]
(1) تصحف في المطبوع «هشام» .
(5/132)
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ
الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ
أَخْبَرَنَا عِمْرَانُ بْنُ زيد [1] التغلبي عن زيد
[الْعَمِّيِّ] عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا صَافَحَ
الرَّجُلَ لَمْ يَنْزِعْ يَدَهُ مِنْ يَدِهِ حَتَّى يَكُونَ
هُوَ الَّذِي يَنَزِعُ يَدَهُ، وَلَا يَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنْ
وَجْهِهِ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنْ
وَجْهِهِ، وَلَمْ يُرَ مُقَدِّمًا رُكْبَتَيْهِ بَيْنَ يَدَيْ
جَلِيسٍ لَهُ.
«2256» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله بن عبد الصمد أنا أبو القاسم
الخزاعي أنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ ثَنَا أَبُو عيسى ثنا
هارون بن إسحاق الهمداني ثنا عبدة عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ
عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَا ضَرَبَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ شَيْئًا
قَطُّ إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَا
ضَرَبَ خَادِمًا وَلَا امْرَأَةً.
«2257» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إسماعيل أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي
مَالِكٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [وَعَلَيْهِ] [2]
بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ فَأَدْرَكَهُ
أَعْرَابِيٌّ فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً،
حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَثَّرَتْ بِهَا
حَاشِيَةُ الْبُرْدِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ، ثُمَّ قَالَ:
يَا مُحَمَّدُ مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ،
فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ثُمَّ ضَحِكَ ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بعطاء.
«2258» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ سَمْعَانَ أَنَا أبو جعفر
__________
- وأخرجه أبو الشيخ 19 من طريق أبي جعفر الرازي عن أبي درهم عن
يونس بن عبيد عن مولى لآل أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ
بأتم منه.
- وإسناده ضعيف فيه «أبو درهم» و «مولى آل أنس» مجهولان، وفيه
أيضا «أبو جعفر الرازي» وهو سيىء الحفظ، لذا ضعفه غير واحد.
- وأخرجه أبو الشيخ 29 من طريق أبي قطن عَنْ مُبَارَكِ بْنِ
فَضَالَةَ عَنِ ثابت عن أنس مختصرا وفي إسناده، مبارك، وهو
صدوق مدلس، وقد عنعن فالإسناد ضعيف، وليس فيه سوى الفقرة
الأولى.
- الخلاصة: الحديث ضعيف لكن صدره له شواهد يحسن بها، انظر:
«الصحيحة» 2485.
2256- صحيح. إسناده حسن، هارون صدوق، وقد توبع ومن دونه، ومن
فوقه رجال البخاري ومسلم.
- عبدة هو ابن سليمان، عروة هو ابن الزبير، ابن أخت أم
المؤمنين عائشة.
- وهو في «شرح السنة» 3561 بهذا الإسناد.
- وهو في «الشمائل للترمذي» 341 عن هارون بن إسحاق بهذا
الإسناد.
- وأخرجه مسلم 2338 ح 79 وأحمد 6/ 31 و32 و281 والدارمي 2/ 147
وابن حبان 488 وأبو الشيخ 45 و46 والبيهقي 10/ 192 من طرق عن
هشام بن عروة به.
- وأخرجه البخاري 3560 و6126 وأبو داود 4786 ومالك 3/ 95 و96
وأحمد 6/ 115 و116 و181 و182 و262 وابن حبان 6444 والبيهقي 7/
41 من طرق عن الزهري.
2257- إسناده على شرط البخاري، وإسماعيل هو الأويسي فيه كلام،
لكن توبع.
- وهو في «شرح السنة» 3564 بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» 5809 عن إسماعيل بن عبد الله بهذا
الإسناد.
- وأخرجه أبو الشيخ 64 والبيهقي في «الدلائل» 1/ 318 من طريق
مالك به.
- وأخرجه البخاري 3149 و6088 ومسلم 1057 وابن ماجه 1553 وأحمد
3/ 153 و210 وابن حبان 6375 من طريق إسحاق بن عبد الله به.
2258- صحيح. إسناده لين، رجاله ثقات مشاهير سوى يعلى، فإنه
مقبول، لكن توبع، وللحديث شواهد.
(1) تصحف في المطبوع «يزيد» .
(2) زيادة عن المخطوط.
(5/133)
مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ
الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ ثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زنجويه ثنا
علي بن المديني ثِنا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ
دِينَارٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ
مُمَلَّكٍ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ تُحَدِّثُ عَنْ أَبِي
الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ أَثْقَلَ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي مِيزَانِ
الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُلُقٌ حَسَنٌ، وَإِنَّ
اللَّهَ تَعَالَى يُبْغِضُ الْفَاحِشَ البذيء» .
«2259» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ أنا أبو
جعفر الرَّيَّانِيُّ ثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ ثنا أبو
نعيم ثنا دَاوُدُ بْنُ يَزِيدَ الْأَوْدِيُّ سَمِعْتُ أَبِي
يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ:
«أَتُدْرُونَ مَا أَكْثَرُ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ؟»
قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «فَإِنَّ
أَكْثَرَ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ الْأَجْوَفَانِ:
الْفَرْجُ وَالْفَمُ. أَتُدْرُونَ مَا أَكْثَرُ مَا يُدْخِلُ
النَّاسَ الْجَنَّةَ» ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أعلم،
قال: «إن أَكْثَرُ مَا يَدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ تَقْوَى
اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ» .
«2260» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الصَّالِحِيُّ أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ موسى
الصيرفي ثنا أبو العباس الأصم
__________
- علي هو ابن عبد الله المديني، ابن عيينة هو سفيان، أم
الدرداء اسمها هجيمة بنت حيي.
- وهو في «شرح السنة» 3390 بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 2002 وعبد الرزاق 20157 وأحمد 6/ 451 والبزار
1975 وابن حبان 5693 من طرق عن سفيان بن عيينة به.
- وأخرجه أبو داود 4799 والبخاري في «الأدب المفرد» 270 وابن
أبي شيبة 8/ 516 وابن حبان 481 وأحمد 6/ 446 و448 من طرق عن
شعبة عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ عن عطاء الكيخاراني
عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ عَنْ أَبِي الدرداء مرفوعا بنحوه.
- وهذا إسناد علي.
- وأخرجه الترمذي 2003 من طريق مطرف وأحمد 6/ 442 من طريق
الحسن بن مسلم كلاهما عن عطاء بالإسناد السابق.
- ولصدره شواهد، وكذا لعجزه شواهد.
- وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
- الخلاصة: هو حديث صحيح.
2259- حسن.
- إسناده ضعيف، داود ضعيف الحديث، وأبوه مقبول، وقد توبع داود،
وللحديث شواهد.
- أبو نعيم هو الفضل بن دكين، يزيد هو ابن عبد الرحمن الأودي.
- وهو في «شرح السنة» 3391 بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد 2/ 291 و392 من طريق المسعودي و2/ 442 من طريق
محمد بن عبيد كلاهما عن داود بن يزيد عن أبيه به.
- وأخرجه الترمذي 2004 والحاكم 4/ 324 وابن حبان 476 من طريق
عبد الله بن إدريس بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي عن أبيه عن
جده.
- وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال الترمذي: حديث صحيح غريب.
- وأخرجه ابن ماجه 4246 والبغوي 3392 من طريقين عن ابن إدريس
قال: سمعت أبي وعمي يذكران عن جدي.
- وفي الباب أحاديث، فهو حسن إن شاء الله، والله أعلم.
2260- حسن صحيح.
- إسناده ضعيف. رجاله ثقات لكنه معلول، عمرو، وإن روى له
الشيخان فإنه لين الحديث، ضعفه غير واحد، وشيخه المطلب ثقة
لكنه كثير الإرسال والتدليس، وقد عنعن هاهنا، وقد نفى أبو حاتم
سماعه من عائشة، وقال أبو زرعة: نرجو أن يكون سمع منها.
- لكن للحديث شواهد.
(5/134)
فَسَتُبْصِرُ
وَيُبْصِرُونَ (5)
ثنا مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عبد الحكم أنا أبيّ [و]]
شعيب قالا ثنا اللَّيْثُ عَنْ ابْنِ الْهَادِّ [2] عَنْ
عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو عَنْ [3] الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ
الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ قَائِمِ
اللَّيْلِ وَصَائِمِ النَّهَارِ» .
[سورة القلم (68) : الآيات 5 الى 6]
فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (6)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5) ،
فَسَتُرَى يَا مُحَمَّدُ وَيَرَوْنَ يَعْنِي أَهْلَ مَكَّةَ
إِذَا نَزَلَ بهم العذاب.
بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (6) ، قِيلَ مَعْنَاهُ بِأَيِّكُمُ
الْمَجْنُونُ فالمفتون مَفْعُولٌ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ، كَمَا
يُقَالُ مَا بِفُلَانٍ مَجْلُودٌ وَمَعْقُولٌ، أَيْ جَلَادَةٌ
وَعَقْلٌ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الضَّحَّاكِ وَرِوَايَةُ
الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
وَقِيلَ: الْبَاءُ بِمَعْنَى فِي، مَجَازُهُ: فَسَتُبْصِرُ
وَيُبْصِرُونَ فِي أَيِّ الفريقين المجنون في فريقك أو في
فريقهم.
وقيل: بأيكم المفتون وهو الشيطان الَّذِي فُتِنَ بِالْجُنُونِ،
وَهَذَا قَوْلُ مجاهد. وقال آخرون: الباء فيه زَائِدَةٌ
مَعْنَاهُ: أَيُّكُمُ الْمَفْتُونُ؟ أَيِ الْمَجْنُونُ الَّذِي
فُتِنَ بِالْجُنُونِ، وَهَذَا قول قتادة.
[سورة القلم (68) : الآيات 7 الى 10]
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ
وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (7) فَلا تُطِعِ
الْمُكَذِّبِينَ (8) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9)
وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ (10)
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ
وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (7) فَلا تُطِعِ
الْمُكَذِّبِينَ (8) ، يَعْنِي مُشْرِكِي مَكَّةَ فَإِنَّهُمْ
كَانُوا يَدْعُونَهُ إِلَى دِينِ آبَائِهِ فَنَهَاهُ أَنْ
يطيعهم.
__________
- شعيب بن الليث بن سعد، ابن الهاد هو يزيد.
- وهو في «شرح السنة» 3394 بهذا الإسناد.
- وأخرجه الحاكم 1/ 60 عن أبي العباس محمد بن يعقوب عن العباس
بن محمد الدوري عن أبي النضر عن الليث بن سعد به.
- وأخرجه أبو داود 4798 وأحمد 6/ 94 و90 و133 و187 وابن حبان
480 والبغوي 3395 من طرق عن عمرو ابن أبي عمرو به.
- وصححه الحاكم على شرطهما! ووافقه الذهبي! - وله شاهد من حديث
أبي هريرة:
- أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» 284 والحاكم 1/ 60 من
طريقين عنه.
- وصححه الحاكم على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.
- وورد من وجه آخر عن عطاء الكيرخاني عن أبي هريرة، وتقدم في
الذي قبله.
- وله شاهد آخر مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو:
- أخرجه أحمد 2/ 220 وإسناده حسن في الشواهد. وفيه ابن لهيعة،
وقد اختلط لكن الراوي عنه عبد الله ابن المبارك، قد روى عنه
قبل الاختلاط.
- الخلاصة: هو حديث حسن صحيح بطرقه وشواهده.
(1) سقط من المطبوع.
(2) تصحف في المطبوع «أبي المهاد» .
(3) زيد في المطبوع «عبد» . [.....]
(5/135)
هَمَّازٍ مَشَّاءٍ
بِنَمِيمٍ (11)
وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9) ،
قَالَ الضحاك: لو تكفر فيكفرون. وقال الْكَلْبِيُّ: لَوْ
تَلِينُ لَهُمْ فَيَلِينُونَ لَكَ. قَالَ الْحَسَنُ: لَوْ
تُصَانِعُهُمْ في دينك فيصانعون فِي دِينِهِمْ. قَالَ زَيْدُ
بْنُ أَسْلَمَ: لَوْ تُنَافِقُ وَتُرَائِي فَيُنَافِقُونَ
ويراؤون. قال ابن قتيبة: أرادوا على أَنْ تَعْبُدَ آلِهَتَهُمْ
مُدَّةً وَيَعْبُدُونَ اللَّهَ مُدَّةً.
وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ، كَثِيرِ الْحَلِفِ بِالْبَاطِلِ.
قَالَ مُقَاتِلٌ: يَعْنِي الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ.
وَقِيلَ:
الْأُسُودُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ: وَقَالَ عطاء: الأخنس بن
شريق. قوله: مَهِينٍ، ضَعِيفٍ حَقِيرٍ. قِيلَ: هُوَ فَعِيلٌ
مِنَ الْمَهَانَةِ وَهِيَ قِلَّةُ الرَّأْي وَالتَّمْيِيزِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَذَّابٌ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ
الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِنَّمَا يَكْذِبُ
لِمَهَانَةِ نفسه عليه.
[سورة القلم (68) : الآيات 11 الى 15]
هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ
مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ (13) أَنْ
كانَ ذَا مالٍ وَبَنِينَ (14) إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا
قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15)
هَمَّازٍ، مُغْتَابٍ يَأْكُلُ لُحُومَ النَّاسِ بالطعن
والغيبة. وقال الْحَسَنُ هُوَ الَّذِي يَغْمِزُ بِأَخِيهِ في
المجلس، كقوله هُمَزَةٍ [الهمزة: 1] مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ،
قَتَّاتٍ يَسْعَى بِالنَّمِيمَةِ بَيْنَ النَّاسِ لِيُفْسِدَ
بَيْنَهُمْ.
مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ، بِخَيْلٍ بِالْمَالِ قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ أَيْ لِلْإِسْلَامِ يَمْنَعُ
وَلَدَهُ وَعَشِيرَتَهُ عَنِ الْإِسْلَامِ، يَقُولُ: لَئِنْ
دَخَلَ وَاحِدٌ مِنْكُمْ فِي دِينِ مُحَمَّدٍ لَا أَنْفَعُهُ
بِشَيْءٍ أَبَدًا. مُعْتَدٍ، ظَلُومٍ يَتَعَدَّى الْحَقَّ،
أَثِيمٍ، فَاجِرٍ.
عُتُلٍّ، الْعُتُلُّ: الْغَلِيظُ الْجَافِي. وَقَالَ
الْحَسَنُ: هُوَ الْفَاحِشُ الْخُلُقِ السَّيِّئُ الْخُلُقِ.
قَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ الشَّدِيدُ الْخُصُومَةِ فِي
الْبَاطِلِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هُوَ الشَّدِيدُ فِي
كَفْرِهِ، وَكُلُّ شَدِيدٍ عِنْدَ الْعَرَبِ عُتُلٌّ،
وَأَصْلُهُ مِنَ الْعُتُلِ وَهُوَ الدَّفْعُ بِالْعُنْفِ.
قَالَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ: الْعُتُلُّ الْأَكُولُ
الشَّرُوبُ القوي الشديد لَا يَزِنُ فِي الْمِيزَانِ
شَعِيرَةً، يَدْفَعُ الْمَلَكُ مِنْ أُولَئِكَ سَبْعِينَ
أَلْفًا فِي النَّارِ دَفْعَةً وَاحِدَةً. بَعْدَ ذلِكَ، أَيْ
مَعَ ذَلِكَ يُرِيدُ مَعَ مَا وَصَفْنَاهُ بِهِ زَنِيمٍ،
وَهُوَ الدَّعِيُّ الْمُلْصَقُ بِالْقَوْمِ، وَلَيْسَ
مِنْهُمْ، قَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ مَعَ
هَذَا هُوَ دَعِيٌّ فِي قُرَيْشٍ وَلَيْسَ مِنْهُمْ. قَالَ
مُرَّةُ الْهَمْدَانِيُّ: إِنَّمَا ادَّعَاهُ أَبُوهُ بَعْدَ
ثَمَانِي عَشْرَةَ سَنَةً. وَقِيلَ:
الزَّنِيمُ الَّذِي لَهُ زَنَمَةٌ كَزَنَمَةِ الشَّاةِ.
وَرَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي
هَذِهِ الْآيَةِ نُعِتَ فَلَمْ يُعْرَفْ حَتَّى قِيلَ زَنِيمٌ
فَعُرِفَ، وَكَانَتْ لَهُ زَنَمَةً فِي عُنُقِهِ يُعْرَفُ
بِهَا. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
قَالَ:
[كان] يُعْرَفُ بِالشَّرِّ كَمَا تُعْرَفُ الشَّاةُ
بِزَنَمَتِهَا. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: لَا نَعْلَمُ أَنَّ
اللَّهَ وَصَفَ أَحَدًا وَلَا ذَكَرَ مِنْ عُيُوبِهِ مَا
ذَكَرَ مِنْ عُيُوبِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَأَلْحَقَ
بِهِ عَارًا لَا يُفَارِقُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
«2261» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ سَمْعَانَ الْوَاعِظُ حَدَّثَنِي
__________
2261- صحيح، عبد الله بن الوليد صدوق، وقد توبع ومن دونه، ومن
فوقه رجال البخاري ومسلم.
- سفيان هو ابن عيينة.
- وهو في «شرح السنة» 3487 بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 4918 و6071 ومسلم 2853 ح 47 والترمذي 2605
وابن ماجه 4116 وأحمد 4/ 306 من طرق عن سفيان به.
- وأخرجه البخاري 6657 ومسلم 2853 ح 46 والطيالسي 1238 وأبو
يعلى 1477 وابن حبان 5679 والبيهقي 10/ 194 من طرق عن شعبة عن
معبد بن خالد به.
(5/136)
سَنَسِمُهُ عَلَى
الْخُرْطُومِ (16)
أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ زَنْجَوَيْهِ بْنِ
محمد ثنا علي بن الحسن الهلالي [1] ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
الْوَلِيدِ الْعَدَنِيُّ [2] عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنِي
مَعْبَدُ بْنُ خَالِدٍ الْقَيْسِيُّ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ
وَهْبٍ الْخُزَاعِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ
الْجَنَّةِ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى
اللَّهِ لَأَبَرَّهُ، أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النار كل
عتل جواظ متكبر» .
أَنْ كانَ ذَا مالٍ وَبَنِينَ (14) ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ
وَابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَأَبُو بَكْرٍ وَيَعْقُوبُ أَإِنْ
بِالِاسْتِفْهَامِ، ثُمَّ حَمْزَةُ وَأَبُو بَكْرٍ
يُخَفِّفَانِ الْهَمْزَتَيْنِ بِلَا مَدٍّ، وَيَمُدُّ
الْهَمْزَةَ الْأُولَى أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ عَامِرٍ
وَيَعْقُوبُ، وَيُلَيْنُونَ الثَّانِيَةَ، وَقَرَأَ
الْآخَرُونَ بِلَا اسْتِفْهَامٍ عَلَى الْخَبَرِ، فَمَنْ
قَرَأَ بِالِاسْتِفْهَامِ فَمَعْنَاهُ: أَلَإِنْ كَانَ ذَا
مَالٍ وَبَنِينَ.
إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ
(15) ، أَيْ: جَعَلَ مُجَازَاةَ النِّعَمِ الَّتِي خُوِّلَهَا
مِنَ الْبَنِينَ وَالْمَالِ الْكُفْرَ بِآيَاتِنَا. وَقِيلَ:
مَعْنَاهُ أَلَإِنْ كان ذا مال وبنين يطغيه [3] . وَمَنْ
قَرَأَ عَلَى الْخَبَرِ فَمَعْنَاهُ: لَا تُطِعْ كُلَّ
حَلَّافٍ مَهِينٍ لِأَنَّ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ، أَيْ لَا
تُطِعْهُ لِمَالِهِ وَبَنِيهِ، إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا
قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15) .
[سورة القلم (68) : الآيات 16 الى 20]
سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (16) إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما
بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها
مُصْبِحِينَ (17) وَلا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطافَ عَلَيْها
طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ
كَالصَّرِيمِ (20)
ثُمَّ أَوْعَدَهُ فَقَالَ: سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (16)
، والخرطوم الْأَنْفُ. قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَمُجَاهِدٌ:
أَيْ نُسَوِّدُ وَجْهَهُ فَنَجْعَلُ لَهُ عَلَمًا فِي
الْآخِرَةِ يُعْرَفُ بِهِ وَهُوَ سَوَادُ الْوَجْهِ. قَالَ
الْفَرَّاءُ: خَصَّ الْخُرْطُومَ بِالسِّمَةِ فَإِنَّهُ فِي
مَذْهَبِ الْوَجْهِ لِأَنَّ بَعْضَ الشَّيْءِ يُعَبِّرُ بِهِ
عَنْ كُلِّهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَنَخْطِمُهُ
بِالسَّيْفِ، وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ. وَقَالَ
قَتَادَةُ: سَنُلْحِقُ بِهِ شَيْئًا لَا يُفَارِقُهُ. قَالَ
الْقُتَيْبِيُّ: تَقُولُ الْعَرَبُ للرجل يسب [4] الرَّجُلَ
سَبَّةً قَبِيحَةً! قَدْ وَسَمَهُ مَيْسَمَ سُوءٍ، يُرِيدُ
أَلْصَقَ بِهِ عَارًا لَا يُفَارِقُهُ، كَمَا أَنَّ السمة لا
تنمحي وَلَا يَعْفُو أَثَرُهَا، وَقَدْ أَلْحَقَ اللَّهُ بِمَا
ذَكَرَ مِنْ عُيُوبِهِ عَارًا لَا يُفَارِقُهُ فِي الدُّنْيَا
وَالْآخِرَةِ، كَالْوَسْمِ عَلَى الْخُرْطُومِ. وَقَالَ
الضَّحَّاكُ وَالْكِسَائِيُّ: سَنَكْوِيهِ عَلَى وَجْهِهِ.
إِنَّا بَلَوْناهُمْ، يَعْنِي اخْتَبَرْنَا أَهْلَ مَكَّةَ
بِالْقَحْطِ وَالْجُوعِ، كَما بَلَوْنا، ابْتَلَيْنَا،
أَصْحابَ الْجَنَّةِ.
رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي
صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ:
إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ،
قَالَ: كَانَ بُسْتَانٌ بِالْيَمَنِ يُقَالُ لَهُ الضِّرْوَانُ
دُونَ صَنْعَاءَ بِفَرْسَخَيْنِ يَطَؤُهُ أَهْلُ الطَّرِيقِ
كَانَ غَرَسَهُ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ وَكَانَ
لِرَجُلٍ فَمَاتَ فَوَرِثَهُ ثَلَاثَةُ بَنِينَ لَهُ وَكَانَ
يَكُونُ لِلْمَسَاكِينِ إِذَا صَرَمُوا نَخْلَهُمْ كُلُّ
شَيْءٍ تَعَدَّاهُ المنجل [فلم يجزه] [5] فإذا طَرَحَ مِنْ
فَوْقِ النَّخْلِ إِلَى البساط فكل شيء يسقط عن [6] الْبِسَاطِ
فَهُوَ أَيْضًا لِلْمَسَاكِينِ، وَإِذَا حَصَدُوا زَرْعَهُمْ
فَكُلُّ شَيْءٍ تَعَدَّاهُ المنجل فهو للمساكين، وإذا داسوا
كَانَ لَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ يَنْتَثِرُ أَيْضًا، فَلَمَّا مَاتَ
الْأَبُ وَوَرِثَهُ هَؤُلَاءِ الْإِخْوَةُ عَنْ أَبِيهِمْ،
فَقَالُوا: وَاللَّهِ إِنَّ الْمَالَ لَقَلِيلٌ وَإِنَّ
الْعَيَّالَ لَكَثِيرٌ، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا الأمر يفعل إذا
كَانَ الْمَالُ كَثِيرًا وَالْعِيَالُ قَلِيلًا فأما إذ قَلَّ
الْمَالُ وَكَثُرَ الْعِيَالُ فَإِنَّا لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ
نَفْعَلَ هَذَا، فَتَحَالَفُوا بَيْنَهُمْ يَوْمًا
لَيَغْدُوُنَّ غَدْوَةً قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ
فَلْيَصْرِمُنَّ نَخْلَهُمْ ولم يستثنوا، يعني لَمْ يَقُولُوا:
إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَغَدَا الْقَوْمُ بِسُدْفَةٍ مِنَ
اللَّيْلِ إِلَى جَنَّتِهِمْ لِيَصْرِمُوهَا قَبْلَ أَنْ يخرج
__________
(1) تصحف في المطبوع «الحسين الهمداني» .
(2) في المطبوع «العوفي» وهو خطأ.
(3) في المطبوع «تطيعه» .
(4) في المطبوع «سب» .
(5) سقط من المطبوع.
(6) تصحف في المطبوع «على» .
(5/137)
فَتَنَادَوْا
مُصْبِحِينَ (21)
الْمَسَاكِينُ، فَرَأَوْهَا مُسَوَّدَةً
وَقَدْ طَافَ عَلَيْهَا مِنَ اللَّيْلِ طَائِفٌ مِنَ
الْعَذَابِ فَأَحْرَقَهَا فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ فَذَلِكَ
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِذْ أَقْسَمُوا، حلفوا،
لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ. [ليجذنّها و] [1] ليقطعن
ثَمَرَهَا إِذَا أَصْبَحُوا قَبْلَ أَنْ يعلم المساكين، وَلا
يَسْتَثْنُونَ (18) ، لا يَقُولُونَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ، عَذَابٌ، مِنْ رَبِّكَ، لَيْلًا وَلَا
يَكُونُ الطَّائِفُ إِلَّا بِاللَّيْلِ وَكَانَ ذَلِكَ
الطَّائِفُ نَارًا نَزَلَتْ مِنَ السَّمَاءِ فَأَحْرَقَتْهَا،
وَهُمْ نائِمُونَ.
فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) ، كَاللَّيْلِ الْمُظْلِمِ
الأسود. وقال الْحَسَنُ: أَيْ صَرَمَ مِنْهَا الْخَيْرَ
فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ كَالصُّبْحِ
الصَّرِيمِ مِنَ اللَّيْلِ وَأَصْلُ الصَّرِيمِ الْمَصْرُومُ،
مِثْلَ قَتِيلٍ وَمَقْتُولٍ وَكُلُّ شَيْءٍ قُطِعَ فَهُوَ
صَرِيمٌ فَاللَّيْلُ صَرِيمٌ وَالصُّبْحُ صَرِيمٌ، لِأَنَّ
كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْصَرِمُ عَنْ صَاحِبِهِ. وَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ: كَالرَّمَادِ الأسود بلغة خزيمة.
[سورة القلم (68) : الآيات 21 الى 31]
فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ
إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ
يَتَخافَتُونَ (23) أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ
عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ
(25)
فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ
مَحْرُومُونَ (27) قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ
لَوْلا تُسَبِّحُونَ (28) قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا
كُنَّا ظالِمِينَ (29) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ
يَتَلاوَمُونَ (30)
قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ (31)
فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ (21) ، نَادَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا
لَمَّا أَصْبَحُوا.
أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ يَعْنِي الثِّمَارَ وَالزُّرُوعَ
وَالْأَعْنَابَ، إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ، قَاطِعِينَ
لِلنَّخْلِ.
فَانْطَلَقُوا، مَشَوْا إِلَيْهَا، وَهُمْ يَتَخافَتُونَ،
يَتَسَارُّونَ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ سِرًّا.
أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24)
وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ، الْحَرْدُ فِي اللُّغَةِ يَكُونُ
بِمَعْنَى الْقَصْدِ وَالْمَنْعِ وَالْغَضَبِ، قَالَ الْحَسَنُ
وَقَتَادَةُ وَأَبُو الْعَالِيَةِ: عَلَى جِدٍّ وَجَهْدٍ.
وَقَالَ الْقُرَظِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ: عَلَى أَمْرٍ
مجتمع قَدْ أَسَّسُوهُ بَيْنَهُمْ، وَهَذَا عَلَى مَعْنَى
الْقَصْدِ لِأَنَّ الْقَاصِدَ إِلَى الشَّيْءِ جَادٌّ مُجْمِعٌ
عَلَى الْأَمْرِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْقُتَيْبيُّ:
غَدَوْا من بيتهم عَلَى مَنْعِ الْمَسَاكِينِ، يُقَالُ:
حَارَدَتِ السَّنَةُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مَطَرٌ،
وَحَارَدَتِ النَّاقَةُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا لَبَنٌ.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَسُفْيَانُ: عَلَى حَنَقٍ وَغَضَبٍ مِنَ
المساكين. وعن ابن عباس: عَلَى قُدْرَةٍ، قادِرِينَ، عِنْدَ
أَنْفُسِهِمْ عَلَى جَنَّتِهِمْ وَثِمَارِهَا لَا يَحُولُ
بَيْنَهَا وَبَيْنَهُمْ أَحَدٌ.
فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) ، أَيْ
لَمَّا رَأَوْا الْجَنَّةَ مُحْتَرِقَةً قَالُوا: إِنَّا
لَمُخْطِئُونَ الطَّرِيقَ أَضْلَلْنَا مَكَانَ جَنَّتِنَا
لَيْسَتْ هَذِهِ بِجَنَّتِنَا.
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27) ،
حُرِمْنَا خَيْرَهَا ونفعها لمنعنا الْمَسَاكِينَ وَتَرْكِنَا
الِاسْتِثْنَاءَ.
قالَ أَوْسَطُهُمْ، أَعْدَلُهُمْ وَأَعْقَلُهُمْ
وَأَفْضَلُهُمْ، أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ،
هَلَّا تُسْتَثْنُونَ، أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ تَرْكَ
الِاسْتِثْنَاءِ فِي قَوْلِهِمْ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ،
وَسَمَّى الِاسْتِثْنَاءَ تَسْبِيحًا لِأَنَّهُ تَعْظِيمٌ
لِلَّهِ وَإِقْرَارٌ بِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى
شَيْءٍ إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ. وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ: كَانَ
اسْتِثْنَاؤُهُمْ سُبْحَانَ اللَّهِ، وَقِيلَ: هَلَّا تسبحون
الله وتقولوا سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَشْكُرُونَهُ عَلَى مَا
أَعْطَاكُمْ. وَقِيلَ: هَلَّا تَسْتَغْفِرُونَهُ مِنْ فعلكم.
قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا، نَزَّهُوهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ
ظَالِمًا فِيمَا فَعَلَ وَأَقَرُّوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ
بِالظُّلْمِ فَقَالُوا: إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ، بِمَنْعِنَا
الْمَسَاكِينَ.
__________
(1) سقط من المطبوع.
(5/138)
عَسَى رَبُّنَا أَنْ
يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا
رَاغِبُونَ (32)
فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ
يَتَلاوَمُونَ (30) ، يَلُومُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي
مَنْعِ الْمَسَاكِينِ حُقُوقَهُمْ وَنَادَوْا عَلَى
أَنْفُسِهِمْ بالويل.
قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ (31) ، فِي
مَنْعِنَا حَقَّ الْفُقَرَاءِ. وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ:
طَغَيْنَا نِعَمَ اللَّهِ فَلَمْ نَشْكُرْهَا وَلَمْ
نَصْنَعْ مَا صَنَعَ آبَاؤُنَا من قبل.
[سورة القلم (68) : الآيات 32 الى 42]
عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى
رَبِّنا راغِبُونَ (32) كَذلِكَ الْعَذابُ وَلَعَذابُ
الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (33) إِنَّ
لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (34)
أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا
لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)
أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (37) إِنَّ لَكُمْ
فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ (38) أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ
عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ
لَما تَحْكُمُونَ (39) سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ
(40) أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ
إِنْ كانُوا صادِقِينَ (41)
يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ
فَلا يَسْتَطِيعُونَ (42)
ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا: عَسى
رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى
رَبِّنا راغِبُونَ (32) ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مَسْعُودٍ: بَلَغَنِي أَنَّ الْقَوْمَ أَخْلَصُوا وَعَرَفَ
اللَّهُ مِنْهُمُ الصِّدْقَ فَأَبْدَلَهُمْ بِهَا جَنَّةً
يُقَالُ لَهَا: الْحَيَوَانُ، فِيهَا عِنَبٌ يَحْمِلُ
الْبَغْلُ مِنْهُ عُنْقُودًا واحدا.
كَذلِكَ الْعَذابُ، أَيْ كَفِعْلِنَا بِهِمْ نَفْعَلُ
بِمَنْ تَعَدَّى حُدُودَنَا وَخَالَفَ أَمْرَنَا،
وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ.
ثُمَّ أَخْبَرَ بِمَا عِنْدَهُ لِلْمُتَّقِينَ فَقَالَ:
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ
النَّعِيمِ (34) ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّا نُعْطَى
فِي الْآخِرَةِ أَفْضَلَ مِمَّا تُعْطَوْنَ فَقَالَ
اللَّهُ تَكْذِيبًا لَهُمْ.
أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا
لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) أَمْ لَكُمْ كِتابٌ،
نَزَلَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فِيهِ، فِي هَذَا الْكِتَابِ،
تَدْرُسُونَ، تَقْرَءُونَ.
إِنَّ لَكُمْ فِيهِ، فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ، لَما
تَخَيَّرُونَ، تَخْتَارُونَ وَتَشْتَهُونَ.
أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ، عُهُودٌ وَمَوَاثِيقٌ، عَلَيْنا
بالِغَةٌ، مُؤَكَّدَةٌ عَاهَدْنَاكُمْ عَلَيْهَا،
فَاسْتَوْثَقْتُمْ بِهَا مِنَّا فلا تنقطع، إِلى يَوْمِ
الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ، كسر إِنَّ لدخول اللام في الخبر
ذَلِكَ الْعَهْدِ، لَما تَحْكُمُونَ لِأَنْفُسِكُمْ مِنَ
الْخَيْرِ وَالْكَرَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ.
ثُمَّ قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ (40) ،
كفيل أي: أيهم يكفل لَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ
مَا لِلْمُسْلِمِينَ.
أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ، أي عندهم شركاء الله أَرْبَابٌ
تَفْعَلُ هَذَا. وَقِيلَ: شُهَدَاءُ يشهدون لهم يصدق مَا
يَدَّعُونَهُ. فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا
صادِقِينَ.
يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ، قِيلَ: يَوْمَ ظَرْفٌ
لِقَوْلِهِ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ أَيْ
فَلْيَأْتُوا بِهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِتَنْفَعَهُمْ
وَتَشْفَعَ لَهُمْ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ قِيلَ: عَنْ
أَمْرٍ فَظِيعٍ شَدِيدٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ
أَشَدُّ سَاعَةٍ فِي الْقِيَامَةِ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ
جُبَيْرٍ: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ: عَنْ شِدَّةِ
الْأَمْرِ [1] . وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: تَقُولُ
الْعَرَبُ لِلرَّجُلِ إِذَا وَقَعَ فِي أَمْرٍ عَظِيمٍ
يَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى الْجِدِّ وَمُقَاسَاةِ الشِّدَّةِ
شَمَّرَ عَنْ سَاقِهِ، وَيُقَالُ: إِذَا اشْتَدَّ
الْأَمْرُ فِي الْحَرْبِ كشفت الحرب عن ساق.
__________
(1) الصواب في ذلك ما جاء في الحديث الصحيح الآتي برقم
2263.
(5/139)
«2262» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ
عَبْدِ الْقَاهِرِ أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ
ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ أَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ ثَنَا
مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي سُوِيدُ بْنُ
سَعِيدٍ حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ زَيْدِ
بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ
أُنَاسًا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى
رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ هَلْ
تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ بِالظَّهِيرَةِ
صَحْوًا لَيْسَ مَعَهَا سَحَابٌ؟ وَهَلْ تُضَارُّونَ فِي
رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ صَحْوًا لَيْسَ
فِيهَا سَحَابٌ؟ قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:
مَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
إِلَّا كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا، إِذَا
كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ لِتَتْبَعْ
كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ
كَانَ يعبد غير الله من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون فِي
النَّارِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا مَنْ كَانَ
يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ وَغَيرُ أَهْلِ
الْكِتَابِ فَتُدْعَى الْيَهُودُ فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا
كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: كنا نعبد عزيرا ابْنَ
اللَّهِ فَيُقَالُ كَذَبْتُمْ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ
صَاحِبَةٍ وَلَا وَلَدٍ، فَمَاذَا تَبْغُونَ؟ فَقَالُوا:
عَطِشْنَا يَا رَبَّنَا فَاسْقِنَا فَيُشَارُ إِلَيْهِمْ
أَلَّا تَرِدُونَ فَيُحْشَرُونَ إِلَى النَّارِ كَأَنَّهَا
سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَيَتَسَاقَطُونَ فِي
النَّارِ، ثُمَّ تُدْعَى النَّصَارَى فَيُقَالُ لَهُمْ:
مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ، قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ
الْمَسِيحَ ابن الله فيقال لهم كَذَبْتُمْ مَا اتَّخَذَ
اللَّهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلَا وَلَدٍ، فَيُقَالُ لَهُمْ؟
مَاذَا تَبْغُونَ؟ فَيَقُولُونَ: عَطِشْنَا يَا رَبَّنَا
فَاسْقِنَا فَيُشَارُ إِلَيْهِمْ أَلَّا تَرِدُونَ
فَيُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ كَأَنَّهَا سَرَابٌ
يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَيَتَسَاقَطُونَ فِي
النَّارِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا مَنْ كَانَ
يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ أَتَاهُمْ رَبُّ
الْعَالَمِينَ فِي أَدْنَى صُورَةٍ مِنَ الَّتِي رَأَوْهُ
فِيهَا، قَالَ: فَمَاذَا تَنْتَظِرُونَ لِتَتْبَعْ كُلُّ
أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ، قَالُوا يَا رَبَّنَا
فَارَقْنَا النَّاسَ فِي الدُّنْيَا أَفْقَرَ مَا كُنَّا
إِلَيْهِمْ وَلَمْ نُصَاحِبْهُمْ فَيَقُولُ أَنَا
رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ نُعَوِّذُ بِاللَّهِ مِنْكَ لَا
نُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا
حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ لِيَكَادُ أَنْ يَنْقَلِبَ
فَيَقُولُ هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ
تُعَرِّفُونَهُ بِهَا، فَيَقُولُونَ: نَعَمْ فَيَكْشِفُ
عَنْ سَاقٍ فَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلَّهِ
مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ إِلَّا أَذِنَ اللَّهُ لَهُ
بِالسُّجُودِ، فَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ نِفَاقًا
وَرِيَاءً إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ ظَهْرَهُ طَبَقَةً
وَاحِدَةً كُلَّمَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ خَرَّ على قفاه
ثم يرفعون رؤوسهم وَقَدْ تَحَوَّلَ فِي الصُّورَةِ الَّتِي
رَأَوْهُ [1] فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ فَقَالَ: أَنَا
رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ أَنْتَ رَبُّنَا، ثُمَّ يُضْرَبُ
الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ،
وَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ، قِيلَ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ وما الجسر؟ قال: دحضى مَزِلَّةٌ فِيهِ
خَطَاطِيفُ وَكَلَالِيبُ وَحَسَكَةٌ يَكُونُ بِنَجْدٍ
فِيهَا شُوَيْكَةٌ يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانُ فَيَمُرُّ
الْمُؤْمِنُونَ كَطَرْفِ الْعَيْنِ وَكَالْبَرْقِ
وَكَالرِّيحِ وَكَالطَّيْرِ وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ
وَالرِّكَابِ فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ وَمَخْدُوشٌ مرسل ومكدوس
[2] فِي نَارِ جَهَنَّمَ.
حَتَّى إِذَا خلص المؤمنون من النار فو الذي نَفْسِي
بِيَدِهِ مَا مِنْ أَحَدٍ منكم بأشد مناشدة لِلَّهِ فِي
اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ فِي النَّارِ،
يَقُولُونَ: رَبَّنَا كانوا يصرمون معنا ويصلون
__________
2262- صحيح. إسناده ضعيف لضعف سويد بن سعيد، وهو صدوق في
نفسه لكن عمي فصار يتلقن ما ليس من حديثه، لذا ضعفه غير
واحد، لكن تابعه غير واحد.
- وهو في «صحيح مسلم» 183 عن سويد بن سعيد بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 4919 و7439 واللالكائي في «أصول
الاعتقاد» 818 وابن حبان 7377 والآجري في «الشريعة» 613
مختصرا والبيهقي في «الأسماء والصفات» 745 من طرق عَنِ
اللَّيْثِ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
أَبِي هِلَالٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ به.
- وأخرجه البخاري 4581 والترمذي 2598 والنسائي 8/ 112
وأحمد 3/ 16 وعبد الرزاق 20857 وابن أبي عاصم 457 و458
وابن خزيمة في «التوحيد» ص 172 و173 من طرق عن زيد بن أسلم
به.
- وأخرج البغوي في «شرح السنة» 4245 من طريق عَبْدِ
الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ زيد بن أسلم به عجزه فقط
«إذا خلص المؤمنون ... » إلخ.
(1) تصحف في المطبوع «رواه» .
(2) في المطبوع «ومكردس» .
(5/140)
وَيَحُجُّونَ، فَيُقَالُ لَهُمْ:
أَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ فَتُحَرَّمُ صُوَرُهُمْ عَلَى
النَّارِ فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا قَدْ أَخَذَتِ
النَّارُ إِلَى نِصْفِ سَاقِهِ وَإِلَى رُكْبَتَيْهِ،
ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا مَا بَقِيَ فِيهَا أَحَدٌ
مِمَّنْ أَمَرْتَنَا بِهِ، فَيَقُولُ: ارْجِعُوا فَمَنْ
وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ
فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا، ثُمَّ
يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا أَحَدًا مِمَّنْ
أَمَرْتَنَا بِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: ارْجِعُوا فَمَنْ
وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ مِنْ
خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا،
ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا مِمَّنْ
أَمَرْتَنَا بِهِ أَحَدًا، ثُمَّ يَقُولُ: ارْجِعُوا
فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ
خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا،
ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا أَحَدًا
فِيهِ خَيْرٌ ممن أمرتنا به، كان أَبُو سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ يَقُولُ: إِنْ لم تصدقوني بهذا الحديث
فاقرؤوا إِنْ شِئْتُمْ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ
مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها
وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً (40)
[النِّسَاءِ: 40] ، فَيَقُولُ اللَّهُ: شَفَعَتِ
الْمَلَائِكَةُ وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ وَشَفَعَ
الْمُؤْمِنُونَ وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ
الرَّاحِمِينَ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ
فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ
قَدْ عَادُوا حُمَمًا فَيُلْقِيهِمْ فِي نَهْرٍ فِي
أَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ نَهْرُ الْحَيَاةِ،
فَيَخْرُجُونَ كَمَا تَخْرُجُ الْحَبَّةُ فِي حَمِيلِ
السَّيْلِ أَلَّا تُرُونَهَا تَكُونُ إِلَى الْحَجَرِ أَوْ
إِلَى [الشَّجَرِ] [1] ما يكون إِلَى الشَّمْسِ أُصَيْفِرُ
وَأُخَيْضِرُ، وَمَا يَكُونُ مِنْهَا إِلَى الظِّلِّ
يَكُونُ أَبْيَضَ، قَالَ: فَيَخْرُجُونَ كَاللُّؤْلُؤِ فِي
رِقَابِهِمُ الْخَوَاتِيمُ يَعْرِفُهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ
هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ اللَّهِ مِنَ النَّارِ الَّذِينَ
أَدْخَلَهُمُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ
عَمِلُوهُ وَلَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ، ثُمَّ يَقُولُ:
«ادْخُلُوا الْجَنَّةَ فَمَا رَأَيْتُمُوهُ فَهُوَ لَكُمْ
فَيَقُولُونَ رَبَّنَا: أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ
أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ، فَيَقُولُ: لَكُمْ عِنْدِي
أَفْضَلُ مِنْ هَذَا فَيَقُولُونَ: يَا رَبَّنَا أَيُّ
شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا؟ فَيَقُولُ رِضَائِي فَلَا
أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا» .
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ هَذَا الْحَدِيثَ
عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ عَنِ اللَّيْثِ عَنْ خَالِدِ
بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ زَيْدِ
بْنِ أَسْلَمَ بِهَذَا الْمَعْنَى.
«2263» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [2]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثنا آدم ثنا اللَّيْثِ عَنْ
خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ
عَنْ زَيْدِ [3] بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَكْشِفُ رَبُّنَا عَنْ سَاقِهِ
فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ وَيَبْقَى
مَنْ كَانَ يَسْجُدُ فِي الدُّنْيَا رِيَاءً وَسُمْعَةً
فَيَذْهَبُ لِيَسْجُدَ فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا
وَاحِدًا» .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ
فَلا يَسْتَطِيعُونَ، يَعْنِي الكفار والمنافقون، تَصِيرُ
أَصْلَابُهُمْ كَصَيَاصِيِّ الْبَقَرِ فَلَا يستطيعون
السجود.
__________
2263- إسناده صحيح على شرط البخاري حيث تفرد عن آدم دون
مسلم، وقد توبع، ومن فوقه، رجال البخاري ومسلم.
- آدم هو ابن أبي إياس، الليث هو ابن سعد.
- وهو في «شرح السنة» 4221 بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» 4919 عن آدم بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 7439 ابن حبان 7377 والبيهقي في «الأسماء
والصفات» 745.
- وأخرجه مسلم 183 من طريق حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ
زَيْدِ بن أسلم به مطوّلا.
- وأخرجه أحمد 3/ 16- 17 من طريق عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
إِسْحَاقَ عَنِ زيد بن أسلم به مطوّلا.
- وأخرجه ابن خزيمة في «التوحيد» ص 173 من طريق هشام بن
سعد عن زيد به.
- وقد ورد في أثناء الحديث المتقدم.
(1) زيادة عن المخطوط. [.....]
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) تصحف في المطبوع «يزيد» .
(5/141)
خَاشِعَةً
أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا
يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (43)
[سورة القلم (68) : آية 43]
خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا
يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ (43)
خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ المؤمنين يرفعون
رؤوسهم مِنَ السُّجُودِ وَوُجُوهُهُمْ أَشَدُّ بَيَاضًا
مِنَ الثَّلْجِ، وَتَسْوَدُّ وُجُوهُ الْكَافِرِينَ
والمنافقين، تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ، يغشاهم ذلة
النَّدَامَةِ وَالْحَسْرَةِ، وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ
إِلَى السُّجُودِ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ:
يَعْنِي إِلَى الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ بِالْأَذَانِ
وَالْإِقَامَةِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: كانوا
يسمعون حي على الصلاة حَيَّ عَلَى الْفَلَّاحِ فَلَا
يُجِيبُونَ، وَهُمْ سالِمُونَ، أَصِحَّاءُ فَلَا
يَأْتُونَهُ، قَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: وَاللَّهِ مَا
نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ إِلَّا عَنِ الذين يتخلفون عن
الجماعات.
[سورة القلم (68) : الآيات 44 الى 51]
فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ
سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44)
وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45) أَمْ
تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ
(46) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (47)
فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ
إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48)
لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ
بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (49) فَاجْتَباهُ رَبُّهُ
فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (50) وَإِنْ يَكادُ
الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا
سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51)
فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ، أَيْ
فَدَعْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ بِالْقُرْآنِ، وَخَلِّ
بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ. قَالَ الزَّجَّاجُ:
مَعْنَاهُ لَا تَشْغَلْ قَلْبَكَ بِهِ وَكِلْهُ إلي فإني
أكفيك أمره، سَنَسْتَدْرِجُهُمْ، سَنَأْخُذُهُمْ
بِالْعَذَابِ، مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ، فَعُذِّبُوا
يَوْمَ بَدْرٍ.
وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45) ، أَمْ
تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ
(46) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (47)
فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ، اصْبِرْ عَلَى أَذَاهُمْ
لِقَضَاءِ رَبِّكَ، وَلا تَكُنْ، فِي الضَّجَرِ
وَالْعَجَلَةِ، كَصاحِبِ الْحُوتِ، وَهُوَ يُونُسُ بْنُ
مَتَّى، إِذْ نادى، ربه وهو فِي بَطْنِ الْحُوتِ، وَهُوَ
مَكْظُومٌ، مملوء غما.
لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ، أَدْرَكَتْهُ نِعْمَةٌ مِنْ
رَبِّهِ، حِينَ رَحِمَهُ وَتَابَ عَلَيْهِ، لَنُبِذَ
بِالْعَراءِ، لَطُرِحَ بِالْفَضَاءِ مِنْ بَطْنِ الْحُوتِ،
وَهُوَ مَذْمُومٌ، يُذَمُّ ويلام بالذنب.
فَاجْتَباهُ رَبُّهُ، اصْطَفَاهُ، فَجَعَلَهُ مِنَ
الصَّالِحِينَ (50) وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا
لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّ
الْكُفَّارَ أَرَادُوا أَنْ يُصِيبُوا رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَيْنِ فَنَظَرَ
إِلَيْهِ قَوْمٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَقَالُوا مَا رَأَيْنَا
مِثْلَهُ وَلَا مِثْلَ حُجَجِهِ. وَقِيلَ: كَانَتِ
الْعَيْنُ فِي بَنِي أَسَدٍ حَتَّى كَانَتِ النَّاقَةُ
وَالْبَقَرَةُ السَّمِينَةُ تَمُرُّ بِأَحَدِهِمْ
فَيُعَايِنُهَا ثُمَّ يَقُولُ يَا جَارِيَةُ خُذِي
الْمِكْتَلَ وَالدَّرَاهِمَ فَأْتِينَا بِشَيْءٍ مِنْ
لَحْمِ هَذِهِ فَمَا تَبْرَحُ حَتَّى تَقَعَ بِالْمَوْتِ،
فَتُنْحَرَ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ:
كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ يمكث لا يأكل [ولا يشرب] [1]
يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ يَرْفَعُ جَانِبَ
خِبَائِهِ فَتَمُرُّ بِهِ الْإِبِلُ فَيَقُولُ لَمْ أَرَ
كَالْيَوْمِ إِبِلًا وَلَا غَنَمًا أَحْسَنَ مِنْ هَذِهِ،
فَمَا تَذْهَبُ إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى تَسْقُطَ مِنْهَا
طَائِفَةٌ وَعِدَّةٌ، فَسَأَلَ الْكَفَّارُ هَذَا
الرَّجُلَ أَنْ يُصِيبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَيْنِ وَيَفْعَلَ بِهِ مِثْلَ
ذَلِكَ، فَعَصَمَ اللَّهُ نَبِيَّهُ وَأَنْزَلَ:
وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ
بِأَبْصارِهِمْ، أَيْ وَيَكَادُ، وَدَخَلَتِ اللَّامُ فِي
لَيُزْلِقُونَكَ لِمَكَانِ إِنَّ، وَقَرَأَ أَهْلُ
الْمَدِينَةِ لَيُزْلِقُونَكَ بِفَتْحِ الْيَاءِ،
وَالْآخَرُونَ بِضَمِّهَا، وَهُمَا لُغَتَانِ، يُقَالُ:
زَلَقَهُ يَزلُقُهُ زَلَقًا وَأَزْلَقَهُ يُزْلِقُهُ
إِزْلَاقًا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَعْنَاهُ ينفذونك،
يقال: زَلِقَ السَّهْمُ إِذَا أُنَفِذَ، قَالَ
السُّدِّيُّ: يُصِيبُونَكَ بِعُيُونِهِمْ.
قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: يُعِينُونَكَ [2] .
وَقِيلَ: يُزِيلُونَكَ. وقال الكلبي: يصدعونك. وَقِيلَ:
يَصْرِفُونَكَ عَمًّا أَنْتَ عَلَيْهِ مِنْ تَبْلِيغِ
الرِّسَالَةِ. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: لَيْسَ يُرِيدُ
أَنَّهُمْ يُصِيبُونَكَ بِأَعْيُنِهِمْ كَمَا يُصِيبُ
الْعَائِنُ بِعَيْنِهِ ما
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) في المخطوط «ب» «وحده» «يعيبونك» .
(5/142)
وَمَا هُوَ إِلَّا
ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (52)
يُعْجِبُهُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهُمْ
يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ إِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ نَظَرًا
شَدِيدًا بِالْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ، يَكَادُ
يُسْقِطُكَ.
وَقَالَ الزَّجَّاجُ: يَعْنِي مِنْ شِدَّةِ عداوتهم يكادون
ينظرهم نَظَرَ الْبَغْضَاءِ أَنْ يَصْرَعُوكَ، وَهَذَا
مستعمل في الكلام يَقُولُ الْقَائِلُ: نَظَرَ إِلَيَّ
نَظَرًا يَكَادُ يَصْرَعُنِي، وَنَظَرًا يَكَادُ
يَأْكُلُنِي، يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْمَعْنَى
أَنَّهُ قَرَنَ هَذَا النَّظَرَ بِسَمَاعِ الْقُرْآنِ.
وَهُوَ قَوْلُهُ: لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ، وَهْمْ
كَانُوا يَكْرَهُونَ ذَلِكَ أَشَدَّ الْكَرَاهِيَةِ
فَيُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ بِالْبَغْضَاءِ،
وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ، أَيْ يَنْسُبُونَهُ
إِلَى الْجُنُونِ إِذَا سَمِعُوهُ يقرأ القرآن.
[سورة القلم (68) : آية 52]
وَما هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (52)
فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَما هُوَ، يَعْنِي الْقُرْآنَ،
إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
مَوْعِظَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ.
قَالَ الْحَسَنُ: دَوَاءُ إِصَابَةِ الْعَيْنِ أَنْ
يَقْرَأَ الْإِنْسَانُ هَذِهِ الْآيَةَ.
«2264» أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ
الْمَنِيعِيُّ أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ ثَنَا أَبُو بَكْرٍ
مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ أَنَا أَحْمَدُ
بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا
مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَا أَبُو
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الْعَيْنُ حَقٌّ» وَنَهَى عَنِ
الْوَشْمِ.
«2265» أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ
بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي ثَنَا السَّيِّدُ أَبُو
الْحَسَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ داود
الْعَلَوِيُّ، أَنَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنِ
حَمْدَوَيْهِ بْنِ سَهْلٍ الْمَرْوَزِيُّ ثنا محمود بن آدم
المروزي ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ
دِينَارٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ
رَفَاعَةَ الزُّرَقِيِّ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ
قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ بَنِي جَعْفَرٍ
تُصِيبُهُمُ الْعَيْنُ أَفَأَسْتَرْقِي لَهُمْ؟ قَالَ:
«نَعَمْ فَلَوْ كَانَ شَيْءٌ يَسْبِقُ الْقَضَاءَ
لَسَبَقَتْهُ الْعَيْنُ» .
__________
2264- إسناده صحيح، أحمد بن يوسف ثقة روى له مسلم، ومن
فوقه رجال البخاري ومسلم.
- وهو في «شرح السنة» 3083 بهذا الإسناد.
- وهو في «المصنف» 19778 عن معمر بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 5740 و5944 وأحمد 2/ 319 ومسلم 2187 وابن
حبان 5503 من طرق عن عبد الرزاق به.
- وانظر ما تقدم في سورة يوسف عند آية: 67.
2265- المرفوع صحيح.
- إسناده لا بأس به، رجاله ثقات مشاهير غير عروة بن عامر
وثقه ابن حبان، وقال الحافظ: مختلف في صحبته.
- قلت: لا يصح، فروايته عن عبيد، وهو ولد فِي عَهْدِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، وليس له إدراك لذا
عده غير واحد في عداد التابعين، وقد وثقه العجلي.
- فالإسناد لين، لكن المرفوع صحيح بشاهده الآتي.
- وهو في «شرح السنة» 3136 بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 2059 وابن ماجه 3510 وأحمد 6/ 438 من
طريق سفيان بن عيينة به.
- وقال الترمذي: وهذا حديث حسن صحيح.
- وله شاهد من حديث ابن عباس:
- أخرجه مسلم 2188 والترمذي 2062 وابن أبي شيبة 8/ 59 وابن
حبان 6107 و6108 والطبراني 10905 والطحاوي في «المشكل»
2892 والبيهقي 9/ 351 من طريقين عن وهيب عن ابن طاووس عن
أبيه عنه.
- الخلاصة: المرفوع صحيح بشاهده، وفي الباب أحاديث.
(5/143)
|