تفسير التستري لَهُ مُعَقِّبَاتٌ
مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ
أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ
حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ
اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ
دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ
خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12)
وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ
خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ
يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ
الْمِحَالِ (13)
السورة التي يذكر فيها الرعد
[سورة الرعد (13) : الآيات 11 الى 13]
لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ
يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ
ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا
أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما
لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ (11) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ
الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ
(12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ
خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ
وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ (13)
قوله تعالى: لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ
خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ [11] يعني ملائكة
الليل والنهار يعقب بعضهم بعضاً يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ
اللَّهِ [11] مقاديره على عبده من خير وشر، ويشهدون له
بالوفاء، وعليه بالجفاء يوم القيامة.
قوله تعالى: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً
وَطَمَعاً [12] قال: روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال:
الرعد ملك، وهو الذي تسمعون صوته، والبرق سوط من نور يزجر به
الملك السحاب «1» ، وكذا قال مجاهد «2» . وعن علي بن أبي طالب
رضي الله عنه أنه قال: البرق مخاريق الملائكة، والرعد صوت ملك
«3» . وقال قتادة: الرعد صوت السحاب.
قوله تعالى: وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ
مِنْ خِيفَتِهِ [13] فأفرد الملائكة ذكراً.
وقال عكرمة «4» : الرعد ملك موكل بسحاب يسوقه، كما يسوق راعي
الإبل إبله. وحكى كعب «5» عن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول
الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إن الله ينشئ السحاب فينطق
بأحسن النطق ويضحك بأحسن الضحك فمنطقه الرعد ومضحكه البرق» «6»
قاله أبو بكر
__________
(1) سنن البيهقي الكبرى: باب ما جاء في الرعد، 3/ 363 (رقم
7267) .
(2) في المصدر السابق (أن مجاهدا كان يقول: الرعد ملك، والبرق
أجنحة الملك، يسقن السحاب) وفي التاريخ الكبير 2/ 104 أنه قال:
(البرق مخاريق من نار) . [.....]
(3) في المصدر السابق أنه قال: (الرعد ملك، والبرق مخراق من
حديد) .
(4) عكرمة بن عبد الله البربري المدني، مولى ابن عباس (25- 105
هـ) : تابعي، كان من أعلم الناس بالتفسير والمغازي. روى عنه
زهاء ثلاثمائة رجل. (الحلية 3/ 326) .
(5) كعب بن ماتع بن ذي هجن الحميري ( ... - 32 هـ) : تابعي.
كان في الجاهلية من كبار علماء اليهود في اليمن، وأسلم في زمن
أبي بكر. أخذ عنه الصحابة وغيرهم كثيرا من أخبار الأمم
الغابرة، وأخذ هو من الكتاب والسنة عن الصحابة. (الحلية 5/
364، 6/ 3) .
(6) مسند أحمد 5/ 435 والفردوس بمأثور الخطاب 5/ 265 (رقم
8139) .
(1/84)
الَّذِينَ آمَنُوا
وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ
اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (29)
كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ
قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا
إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي
لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ
مَتَابِ (30) وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ
أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى
بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ
آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا
وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا
قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى
يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ
الْمِيعَادَ (31) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ
فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ
كَانَ عِقَابِ (32) أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ
بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ
أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ
بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا
مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ
فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33) لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ
اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (34) مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ
الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا
دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا
وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (35) وَالَّذِينَ
آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ
وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا
أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ
أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ (36) وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ
حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ
بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ
وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ (37) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ
قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا
كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ
اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (38) يَمْحُو اللَّهُ مَا
يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39) وَإِنْ
مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ
نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا
الْحِسَابُ (40) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ
نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا
مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (41) وَقَدْ
مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ
جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ
الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42) وَيَقُولُ الَّذِينَ
كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا
بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43)
فقلت له: ما تقول أنت؟ وكان في يوم وابل
وصوت رعد شديد، فقال: هذا خبر رضا الله عزَّ وجلَّ، فكيف خبر
غضبه، نعوذ بالله من غضبه.
[سورة الرعد (13) : آية 28]
الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ
أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)
قوله تعالى: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ
[28] قال: الذكر من العلم السكون، والذكر من العقل الطمأنينة.
قيل: وكيف ذاك؟ قال: إذا كان العبد في طاعة الله فهو الذاكر،
فإذا خطر بباله شيء فهو القاطع، وإذا كان في فعل نفسه فحضر
بقلبه ما يدله على الذكر والطاعة فهو موضع العقل. ثم قال: كل
من ادعى الذكر فهو على وجهين: قوم لم يفارقهم خوف الله عزَّ
وجلَّ، مع ما وجدوا في قلوبهم من الحب والنشاط، فهم على حقيقة
من الذكر، وهم لله والآخرة والعلم والسنة. وقوم ادعوا النشاط
والفرح والسرور في جميع الأحوال، فهم للعدو والدنيا والجهل
والبدعة، وهم شر الخلق.
[سورة الرعد (13) : آية 36]
وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ
إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ
إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ
إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ (36)
قوله تعالى: قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا
أُشْرِكَ بِهِ [36] سئل سهل: متى يصح للعبد مقام العبودية؟
قال: إذا ترك تدبيره ورضي بتدبير الله تعالى فيه.
[سورة الرعد (13) : آية 39]
يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ
الْكِتابِ (39)
قوله تعالى: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشاءُ وَيُثْبِتُ
وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ [39] قال: يمحو الله ما يشاء من
الأسباب، ويثبت الأقدار، وعنده أم الكتاب. قال: القضاء المبرم
الذي لا زيادة فيه ولا نقصان.
[سورة الرعد (13) : آية 43]
وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفى
بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ
عِلْمُ الْكِتابِ (43)
قوله: وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ [43] قال سهل: الكتاب
عزيز، وعلم الكتاب أعز، والعمل به أعز، والعمل عزيز، والإخلاص
في العمل أعز، والإخلاص عزيز، والمشاهدة في الإخلاص أعز،
والمرافقة عزيزة، والأنس في المرافقة أعز، والأنس عزيز، وآداب
محل الأنس أعز، والله سبحانه وتعالى أعلم.
(1/85)
وَإِذْ تَأَذَّنَ
رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ
كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7) وَقَالَ مُوسَى إِنْ
تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ
اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (8) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ
وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ
جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا
أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا
بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا
تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9) قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي
اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ
لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى
أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ
مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ
آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (10) قَالَتْ لَهُمْ
رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ
اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا
كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ
اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11)
وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا
سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى
اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12) وَقَالَ
الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ
أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى
إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13)
وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ
خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (14) وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ
كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15) مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ
وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16) يَتَجَرَّعُهُ وَلَا
يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ
وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (17)
مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ
كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا
يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ
الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (18) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ
يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (19) وَمَا ذَلِكَ
عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (20) وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا
فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا
لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ
اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ
لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا
مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ (21) وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا
قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ
وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ
مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي
فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا
بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ
بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ (22) وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا
سَلَامٌ (23) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا
كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ
وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ
حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ
لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ
خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ
الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26)
السورة التي يذكر فيها إبراهيم عليه السلام
[سورة إبراهيم (14) : آية 7]
وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ
لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ
(7)
قوله تعالى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ [7] قال: شكر
العلم العمل، وشكر العمل زيادة العلم، فهو أبداً في هذا، وهذه
حاله. وقال: الشكر أن تريد المزيد، وإلا شكر مطعون.
قال: وحقيقة العجز الاعتراف به. وقد حكي أن داود عليه السلام
قال: يا رب كيف أشكرك، وشكري إياك تجديد مِنّة منك عليّ؟ قال
الله تعالى: الآن شكرتني «1» .
[سورة إبراهيم (14) : آية 11]
قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ
مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ
عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلاَّ
بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ
الْمُؤْمِنُونَ (11)
قوله تعالى: وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ [11]
يعني بتلاوة كتابه والفهم فيه.
[سورة إبراهيم (14) : آية 19]
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ
بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ
جَدِيدٍ (19)
قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّماواتِ
وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ [19] قال: خلق الأشياء كلها بقدرته،
وزينها بعلمه، وحكمها بحكمته فالناظر من الخلق إلى الخالق تبين
له عجائب الخلقة، والناظر من الخالق إلى الخلق يكشف له عن آثار
قدرته وأنوار حكمته وبليغ صنعته.
[سورة إبراهيم (14) : الآيات 25 الى 26]
تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ
اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ
(25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ
اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ (26)
قوله تعالى: تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها
[25] قال: كان ابن المسيب يقول:
الحين ستة أشهر، وقد سأله رجل فقال: إني حلفت أن لا تدخل
امرأتي على أهلها حيناً، فما الحين؟ قال سعيد: الحين من حين أن
تطلع النخلة إلى أن ترطب، ومن أن ترطب إلى أن تطلع.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: كل حين أراد به غدوة وعشية «2»
، وهو على طريق سهل بن عبد الله، فإنه قال: هذا مثل ضربه الله
لأهل المعرفة في الله عليهم من إقامة فروضه بالليل والنهار.
وسئل سهل عن معنى قوله: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ
مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها
ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ [24] قال: حكي عن ابن عباس
رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلّم خرج على أصحابه
وهم يذكرون الشجرة الطيبة فقال: «ذلك المؤمن أصله في الأرض
وفرعه في السماء» ، يعني عمله مرفوع إلى السماء مقبول. فهذا
مثل ضربه الله للمؤمن والكافر فقال:
__________
(1) الحلية 6/ 56 وشعب الإيمان 4/ 101 (رقم 4/ 44- 4415) وجامع
العلوم والحكم 1/ 244.
(2) في تفسير ابن كثير 2/ 550: (تؤتي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ،
قيل: غدوة وعشيا، وقيل: كل شهر، وقيل: كل شهرين، وقيل: كل ستة
أشهر، وقيل: كل سبعة أشهر، وقيل: كل سنة) . وفي عمدة الحفاظ 1/
476:
(قيل: معناه ساعة، وقيل: أربعون سنة) .
(1/86)
وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ
مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا
تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)
كَلِمَةً طَيِّبَةً [24] يعني كلمة الإخلاص
كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ [24] يعني النخلة أَصْلُها ثابِتٌ
وَفَرْعُها فِي السَّماءِ [24] يعني أغصانها مرفوعة إلى
السماء، فكذلك أصل عمل المؤمن كلمة التوحيد، وهو أصل ثابت،
وفرعه وهو عمله مرفوع إلى السماء مقبول، إلا أن فيه خللاً
وإحداثاً، ولكن لا يزول أصل عمله، وهو كلمة التوحيد، كما أن
الرياح تزعزع أغصان النخلة، ولا يزول أصلها، وشبه عمل الكافر
كشجرة خبيثة فقال: وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ [26] يعني شجرة
الحنظل أخبث ما فوق الأرض ليس لها أصل في الأرض، كذلك الكفر
والنفاق ليس له في الآخرة من ثبات، وليس في خزائن الله أكبر من
التوحيد.
وسئل عن تفسير: لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ [محمد: 19] فقال: لا
نافع ولا دافع إلا الله تعالى.
وسئل عن الإسلام والإيمان والإحسان، فقال: الإسلام حكم،
والإيمان وصل، والإحسان ثواب ولهذا الثواب ثواب. فالإسلام
الإقرار وهو الظاهر، والإيمان هو الغيب، والإحسان هو التعبد.
وربما قال: الإيمان يقين. وسئل عن شرائع الإسلام فقال: قال
العلماء فيه فأكثروا، ولكن هي كلمتان: ما آتاكُمُ الرَّسُولُ
فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر: 7] ثم
قال: هي كلمة واحدة: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ
اللَّهَ [النساء: 80] .
[سورة إبراهيم (14) : آية 34]
وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا
نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ
كَفَّارٌ (34)
قوله تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوها
[34] بأن جعل السفير فيما بينكم وبينه الأعلى والواسطة الكبرى.
(1/87)
|