تفسير التستري إِذْ جَاءَ رَبَّهُ
بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا
تَعْبُدُونَ (85) أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ
(86) فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (87) فَنَظَرَ
نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89)
فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90) فَرَاغَ إِلَى
آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91) مَا لَكُمْ لَا
تَنْطِقُونَ (92) فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ
(93) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94) قَالَ
أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ
وَمَا تَعْمَلُونَ (96) قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا
فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا
فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98) وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ
إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ
الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101)
فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي
أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا
تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ
شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا
وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا
إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ
نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ
الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)
وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَى
إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110)
إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) وَبَشَّرْنَاهُ
بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112) وَبَارَكْنَا
عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ
وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (113) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى
مُوسَى وَهَارُونَ (114) وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ
الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115) وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ
الْغَالِبِينَ (116) وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ
الْمُسْتَبِينَ (117) وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ
الْمُسْتَقِيمَ (118) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرِينَ
(119) سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (120) إِنَّا كَذَلِكَ
نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (121) إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا
الْمُؤْمِنِينَ (122) وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ
(123) إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ (124)
أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (125)
اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (126)
فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (127) إِلَّا عِبَادَ
اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (128) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي
الْآخِرِينَ (129) سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ (130) إِنَّا
كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (131) إِنَّهُ مِنْ
عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (132) وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ
الْمُرْسَلِينَ (133) إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ
أَجْمَعِينَ (134) إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (135)
ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (136) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ
عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا
تَعْقِلُونَ (138) وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ
(139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140)
فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141) فَالْتَقَمَهُ
الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ
الْمُسَبِّحِينَ (143)
السورة التي يذكر فيها الصافات
[سورة الصافات (37) : آية 84]
إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84)
قوله تعالى: إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [84] أي
مستسلم مفوض إلى ربه بكل حال راجع لسره.
[سورة الصافات (37) : الآيات 88 الى 89]
فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ
(89)
قوله تعالى: فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقالَ
إِنِّي سَقِيمٌ [88- 89] قال: وحكي عن محمد بن سوار عن أبي
عمرو بن العلاء قال: معناه نظر إلى النبات، كقوله: وَالنَّجْمُ
وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ [الرحمن: 6] وأراد بالنجم ما لا ساق له
من النبات، وبالشجر ما له ساق.
[سورة الصافات (37) : آية 107]
وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)
قوله: وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ [107] قال: إبراهيم عليه
الصلاة والسلام لما أحب ولده بطبع البشرية تداركه من الله فضله
وعصمته حتى أمره بذبحه، إذ لم يكن المراد منه تحصيل الذبح،
وإنما كان المقصود تخليص السر من حب غيره بأبلغ الأسباب، فلما
خلص السر له ورجع عن عادة الطبع فداه بذبح عظيم.
قوله: إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ [106] قال: يعني
بلاء رحمة، ألا ترون كيف بعثه على الرضى. قال: وبلغنا أنه
مكتوب في الزبور: «ما قضيت على مؤمن قضاء أحَبَّه أو كرهه إلا
وهو خير له» . وحكي أن الله تعالى أوحى إلى إبراهيم صلوات الله
عليه: ما من أحد وسّعتُ إليه إلا أنقصت بقدره من آخرته، ولو
كنت أنت يا خليلي. وقال أبو يعقوب السوسي: جاءنا فقير ونحن
بأرجَّان وسهل بن عبد الله يومئذ بها، فقال: إنكم أهل العناية
فقد نزلت بي محنة، فقال له سهل: في ديوان المحنة وقعت منذ
تعرضت لهذا الأمر، فما هي؟ قال: فتح لي شيء من الدنيا فاستأثرت
به في غير ذوي محرم ففقدت إيماني وحالي. فقال سهل: ما تقول في
هذا يا أبا يعقوب؟ فقلت: محنته بحاله أعظم من محنته بإيمانه.
فقال لي سهل: مثلك يقول هذا يا أبا يعقوب «1» ؟ وسئل سهل عن
الحال فقال: حال الذكر من العلم السكون، وحال الذكر من العقل
الطمأنينة، وحال التقوى من الإسلام الحدود، ومن الإيمان
الطمأنينة. وقال: إذا كان للعبد حال فدخل عليه البلوى، فإن طلب
الفرج بحال دون تلك الحال فهو منه حدث. قيل: وكيف ذلك؟
قال: مثل أن يكون جائعاً فيطلب الشبع، لأن درجة الجائع أعلى.
[سورة الصافات (37) : آية 143]
فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143)
قوله: فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ [143] قال:
يعني من القائمين بحقوق الله تعالى قبل البلاء، والله سبحانه
وتعالى أعلم.
__________
(1) اللمع لابن السراج ص 193.
(1/131)
ص وَالْقُرْآنِ ذِي
الذِّكْرِ (1) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ
(2) كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا
وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3) وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ
مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4)
أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ
عُجَابٌ (5) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا
وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ
(6) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ
هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (7) أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ
مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا
يَذُوقُوا عَذَابِ (8) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ
رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (9) أَمْ لَهُمْ مُلْكُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا
فِي الْأَسْبَابِ (10) جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ
الْأَحْزَابِ (11) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ
وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ (12) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ
وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ (13) إِنْ
كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ (14) وَمَا
يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ
فَوَاقٍ (15) وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا
قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ (16) اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ
وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ
(17) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ
بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (18) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً
كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (19) وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ
الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ (20) وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ
الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا
عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ
خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا
بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ
الصِّرَاطِ (22) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ
نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا
وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ
بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ
الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا
هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ
رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24) فَغَفَرْنَا لَهُ
ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (25)
يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ
فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ
الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ
يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا
نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26) وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ
وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ
الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ
النَّارِ (27) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ
الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28) كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ
إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ
أُولُو الْأَلْبَابِ (29) وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ
نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ
بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31) فَقَالَ إِنِّي
أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى
تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ
مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33) وَلَقَدْ فَتَنَّا
سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ
أَنَابَ (34) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا
يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ
(35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً
حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ
وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ
(38) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ
حِسَابٍ (39) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ
(40) وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي
مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ
بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42)
وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً
مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ
ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ
صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44) وَاذْكُرْ
عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي
الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45) إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ
بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46)
السورة التي يذكر فيها ص
[سورة ص (38) : آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1)
قوله تعالى: ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ [1] قال: ذي الشأن
الشافي والوعظ الكافي.
[سورة ص (38) : آية 6]
وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى
آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ (6)
قوله: أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ [6] قال: هو
الصبر المذموم الذي وبخ الله به الكفار. وقد سمعته يقول: الصبر
على أربع مقامات: صبر على الطاعة، وصبر على الألم، وصبر على
التألم، وصبر مذموم وهو الإقامة على المخالفة.
[سورة ص (38) : آية 20]
وَشَدَدْنا مُلْكَهُ وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ
الْخِطابِ (20)
قوله: وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ [20] قال:
إنما أعطاه الله ذلك حين سأله أن يرفع منزلته على منزلة
إسماعيل وإسحاق، فقال: لست هناك يا داود، ولكني أجعل لك مقاماً
من الحكمة، وفاصلة، وهي: «أما بعد» . وهو أول من قال ذلك،
وبعده قس بن ساعدة «1» .
وقد قيل: فصل الإيمان لخطاب البيان.
قوله: وَشَدَدْنا مُلْكَهُ [20] قال: أي بالعدل وبالوزراء
الصالحين يدلونه على الخير، كما قال الرسول صلّى الله عليه
وسلّم: «إن الله تعالى إذا أراد بوالٍ خيراً جعل له وزيراً
صدوقاً إن نسي ذكره وإن ذكر أعانه» .
[سورة ص (38) : آية 24]
قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ
وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى
بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ
وَقَلِيلٌ ما هُمْ وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ
فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ (24)
قوله: وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ [24] قال: الإِنابة هي الرجوع
من الغفلة إلى الذكر، مع انكسار القلب وانتظار المقت.
[سورة ص (38) : آية 26]
يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ
فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى
فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ
عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا
يَوْمَ الْحِسابِ (26)
قوله: وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ
اللَّهِ [26] قال: أي ظلمة الهوى تستر أنوار ذهن النفس والروح
وفهم العقل وفطنة القلب، كما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم:
«إن الهوى والشهوة يغلبان العقل والعلم» «2» والبيان لسابق
القدرة من الله تعالى.
[سورة ص (38) : آية 32]
فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي
حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ (32)
قوله: إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي
[32] قال: عن صلاة العصر وحدها.
[سورة ص (38) : آية 35]
قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنْبَغِي
لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35)
قوله: قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي
لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي [35] قال: ألهم الله تعالى سليمان أن
يسأله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، ليقصم به الجبابرة والكفرة،
والذين يخالفون ربهم ويدعون لأنفسهم قدرة من الجن والإنس، فوقع
السؤال من سليمان عليه السلام على اختيار الله له، لا على
اختياره لنفسه.
[سورة ص (38) : آية 46]
إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46)
قوله: إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ [46]
قال: أخلص إبراهيم وإسماعيل وإسحاق عن ذكر الدنيا بذكره خالصة،
لا لمال جزاء، ولا شاهدوا فيه أنفسهم، بل ذكروه به له، وليس من
ذكر الله بالله كمن ذكر الله بذكر الله، والله سبحانه وتعالى
أعلم.
__________
(1) قس بن ساعدة بن عمرو بن عدي الإيادي ( ... - نحو 23 ق. هـ)
: أحد حكماء العرب، ومن كبار خطبائهم في الجاهلية. كان أسقف
نجران. أدركه النبي صلى الله عليه وسلّم قبل النبوة. (الأعلام
5/ 196) .
(2) تقدم الحديث في تفسير سورة البقرة، وهو من قول الحارث بن
أسد في الحلية 10/ 88، وسيعاد في تفسير الآية الرابعة من سورة
الشمس.
(1/132)
إِنْ تَكْفُرُوا
فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ
الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ
وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ
فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ
بِذَاتِ الصُّدُورِ (7) وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ
دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ
نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ
قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ
قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ
النَّارِ (8) أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا
وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ
قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا
يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)
قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ
لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ
وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ
أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ
أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ
لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) قُلْ إِنِّي
أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13)
قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا
مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ
خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15) لَهُمْ مِنْ
فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ
ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ
فَاتَّقُونِ (16) وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ
يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى
فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ
فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ
اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18) أَفَمَنْ
حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ
فِي النَّارِ (19) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ
لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ
تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ
الْمِيعَادَ (20) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ
السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ
يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ
فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي
ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (21) أَفَمَنْ شَرَحَ
اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ
رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ
اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22) اللَّهُ نَزَّلَ
أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ
تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ
ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ
ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ
يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23) أَفَمَنْ
يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (24)
كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ
مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (25) فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ
الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ
أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (26) وَلَقَدْ ضَرَبْنَا
لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ
يَتَذَكَّرُونَ (27) قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ
لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا
فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ
هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ
أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (29) إِنَّكَ مَيِّتٌ
وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31) فَمَنْ
أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ
إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ
(32) وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ
هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ
رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (34) لِيُكَفِّرَ
اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ
أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (35)
أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ
بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ
مِنْ هَادٍ (36) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ
مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ (37)
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ
لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ
دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ
كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ
مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ
يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38) قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا
عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39)
مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ
مُقِيمٌ (40) إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ
لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ
ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ
بِوَكِيلٍ (41) اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ
مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ
الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى
إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ
يَتَفَكَّرُونَ (42) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ
شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا
وَلَا يَعْقِلُونَ (43)
السورة التي يذكر فيها الزمر
[سورة الزمر (39) : آية 7]
إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى
لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا
تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ
مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (7)
قوله تعالى: وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ [7] قال: أول
الشكر الطاعة، وآخره رؤية الجنة.
[سورة الزمر (39) : آية 9]
أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً
يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ
يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ
إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (9)
قوله: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ
لاَ يَعْلَمُونَ [9] قال: العلم الكتاب والاقتداء، لا الخواطر
المذمومة، وكل علم لا يطلبه العبد من موضع الاقتداء صار وبالاً
عليه لأنه يدّعي به.
[سورة الزمر (39) : آية 11]
قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ
الدِّينَ (11)
قوله: قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً
لَهُ الدِّينَ [11] قال: الإخلاص الإجابة، فمن لم يكن له
الإجابة فلا إخلاص له. وقال: نظر الأكياس في الإخلاص فلم يجدوا
شيئاً غير هذا، وهو أن تكون حركاته وسكناته في سره وعلانيته
لله عزَّ وجلَّ وحده، لا يمازجه هوى ولا نفس.
[سورة الزمر (39) : آية 17]
وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها
وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرى فَبَشِّرْ عِبادِ
(17)
قوله: وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ [17] قال: الطاغوت
الدنيا، وأصلها الجهل، وفرعها المآكل والمشارب، وزينتها
التفاخر، وثمرتها المعاصي، وميزانها القسوة والعقوبة.
[سورة الزمر (39) : آية 38]
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ
لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ
دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ
كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ
مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ
يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38)
قوله: إِنْ أَرادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ
ضُرِّهِ [38] قال: يعني إن نزع الله عني العصمة عن المخالفات
أو المعرفة على الموفقات، هل يقدر أحد أن يوصلها إلي، أَوْ
أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ [38] أي بالصبر على ما نهى عنه، والمعونة
على ما أمر به، والاتكال عليه في الخاتمة.
وقال: الرحمة العافية في الدين والدنيا والآخرة، وهو التولي من
البداية إلى النهاية.
[سورة الزمر (39) : الآيات 41 الى 43]
إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ
فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ
عَلَيْها وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (41) اللَّهُ
يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ
فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ
وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذلِكَ
لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ
دُونِ اللَّهِ شُفَعاءَ قُلْ أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ
شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ (43)
قوله: إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ لِلنَّاسِ
بِالْحَقِّ [41] يعني أنزله لهم ليهتدوا بالحق إلى الحق،
ويستضيؤوا بأنواره.
قوله: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها
وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها [42] قال: إذا توفى الله
الأنفس أخرج الروح النوري من لطيف نفس الطبع الكثيف. والتوفي
في كتاب الله على ثلاثة أوجه: أحدها الموت، والآخر النوم،
والثالث الرفع. فالموت ما ذكرنا، والنوم قوله: وَالَّتِي لَمْ
تَمُتْ فِي مَنامِها [42] يعني يتوفى التي لم تمت في منامها،
وقال: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ [الأنعام:
60] يعني النوم، والرفع بعيسى عليه السلام: إِنِّي
مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ [آل عمران: 55]
(1/133)
وَإِذَا ذُكِرَ
اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا
يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ
دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45) قُلِ اللَّهُمَّ
فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ
وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا
كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46) وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ
ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ
لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ
(47) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ
مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (48) فَإِذَا مَسَّ
الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ
نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ
هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (49)
قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى
عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (50) فَأَصَابَهُمْ
سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ
سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ
بِمُعْجِزِينَ (51) أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ
يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي
ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) قُلْ يَا عِبَادِيَ
الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ
رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا
إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى
رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ
الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54)
فإنه إذا مات فينزع عنه لطيف نفس الروح
النوري من لطيف نفس الطبع الكثيف الذي به يعقل الأشياء ويرى
الرؤيا في الملكوت، وإذا نام نزع عنه لطيف نفس الطبع الكثيف لا
لطيف نفس الروح النوري، فيستفيق النائم نفساً لطيفاً، وهو من
لطيف نفس الروح الذي إذا زايله لم تكن له حركة، وكان ميتاً.
ولنفس طبع الكثيف لطيفة، ولنفس الروح لطيفة، فحياة لطيف نفس
الطبع بنور لطيف نفس الروح، وحياة روح لطيف نفس الروح بالذكر،
كما قال: أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران:
169] أي يرزقون الذكر بما نالوا من لطيف نفس النوري، وحياة
الطبع الكثيف بالأكل والشرب والتمتع، فمن لم يحسن الإصلاح بين
هذين الضدين، أعني نفس الطبع ونفس الروح حتى يكون عيشهما
جميعاً بالذكر والسعي بالذكر، فليس بعارف في الحقيقة. وقال عمر
بن واصل: وكان المبرد «1» النحوي يقول: الروح والنفس شيئان
متصلان لا يقوم أحدهما بدون الآخر. قال: فذكرت ذلك لسهل، فقال:
أخطأ، إن الروح يقوم بلطفه في ذاته بغير نفس الطبع الكثيف، ألا
ترى أن الله تعالى خاطب الكل من الذر بنفس روح وفهم عقل وفطنة
قلب وعلم لطيف بلا حضور طبع كثيف.
قوله: أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعاءَ [43] قال:
أم اتخذوا طريق البدعة في الدين قربة في الدين إلى الله، على
أن ينفعهم ذلك.
[سورة الزمر (39) : آية 45]
وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ
الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ
الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45)
قوله: وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ
الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ [45] جحدت قلوبهم
مواهب الله عندها.
[سورة الزمر (39) : الآيات 53 الى 54]
قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لاَ
تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)
وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ
أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (54)
قوله: قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى
أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [53] قال:
أمهل الله تعالى عباده تفضلاً منه إلى آخر نفس، فقال لهم: «لا
تقنطوا من رحمتي فلو رجعتم إلي في آخر نفسٍ قبلتكم» . قال:
وهذه أبلغ آية في الإشفاق من الله تعالى إلى عباده، لعلمه بأنه
ما حرمهم ما تفضل به على غيرهم، فرحمهم حتى أدخلهم في عين
الكرم بالذكر القديم لهم.
وقد حكي عن جبريل عليه الصلاة والسلام أنه سمع إبراهيم عليه
الصلاة والسلام يقول: يا كريم العفو. فقال له جبريل عليه
السلام: يا إبراهيم، أتدري ما كرم عفوه؟ قال: لا يا جبريل.
قال: إذا عفا عن سيئة جعلها حسنة «2» . ثم قال سهل: اشهدوا علي
أني من ديني أن لا أتبرأ من فساق أمة محمد صلّى الله عليه
وسلّم وفجارهم وقاتلهم وزانيهم وسارقهم، فإن الله تعالى لا
يُدْرَك غاية كرمه وفضله وإحسانه بأمة محمد صلّى الله عليه
وسلّم خاصة.
__________
(1) المبرد: محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الأزدي (210- 286 هـ)
: إمام العربية ببغداد في زمانه، وأحد أئمة الأدب والأخبار.
(الأعلام 7/ 144) .
(2) شعب الإيمان 5/ 389 (رقم 7043) وقوت القلوب 1/ 334، 376.
(1/134)
أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ
يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ
كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ
اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ
تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً
فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ
آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ
الْكَافِرِينَ (59) وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ
كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي
جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60) وَيُنَجِّي اللَّهُ
الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ
وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (61) اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ
وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62) لَهُ مَقَالِيدُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ
اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (63) قُلْ أَفَغَيْرَ
اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64)
وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ
لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ
الشَّاكِرِينَ (66) وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ
وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ
فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا
مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ
قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68) وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ
رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ
وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا
يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ
وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70) وَسِيقَ الَّذِينَ
كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا
فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ
يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ
رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا
بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى
الْكَافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ
خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72)
وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ
زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا
وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ
فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ
الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ
نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ
الْعَامِلِينَ (74)
قوله: وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ
وَأَسْلِمُوا لَهُ [54] يعني: ارجعوا له بالدعاء والتضرع
والمسألة وَأَسْلِمُوا لَهُ [54] يعني: فوضوا الأمور كلها
إليه.
[سورة الزمر (39) : آية 56]
أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى مَا فَرَّطْتُ فِي
جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56)
قوله: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى مَا فَرَّطْتُ فِي
جَنْبِ اللَّهِ [56] قال: يعني اشتغلت بعاجل الدنيا ولذة الهوى
ومتابعة النفس، وضيعت في جنب الله، يعني في ذات الله القصد
إليه، والاعتماد عليه بترك مراعاة حقوقه وملازمة خدمته.
[سورة الزمر (39) : آية 63]
لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا
بِآياتِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (63)
قوله تعالى: لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [63] بيده
مفاتيح القلوب، يوفق من يشاء لطاعته وخدمته بالإخلاص، ويصرف من
يشاء عن بابه.
[سورة الزمر (39) : الآيات 67 الى 69]
وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً
قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ
بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ
فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ
أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ (68) وَأَشْرَقَتِ
الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَوُضِعَ الْكِتابُ وَجِيءَ
بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ
وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (69)
قوله: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [67] أي ما عرفوه
حق معرفته في الأصل والفرع.
قوله: فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ
[68] قال: باطن الآية أن الملائكة إنَّما يؤمرون بالإمساك عن
الذكر لا بالنفخة ولا بنزع عزرائيل، لأن الله أحياهم بذكره،
كما أحيا بني آدم بأنفاسهم، قال الله تعالى: يُسَبِّحُونَ
اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لاَ يَفْتُرُونَ [الأنبياء: 20] فإذا
أمسك الذكر عنهم ماتوا.
قوله: وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها [69] قال: قلوب
المؤمنين يوم القيامة تشرق بتوحيد سيدهم، والاقتداء بسنة نبيهم
صلّى الله عليه وسلّم.
[سورة الزمر (39) : آية 74]
وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ
وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ
نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (74)
قوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ [74] قال:
إن الحمد منهم في الجنة ليس على جهة التعبد، إذ التعبد قد رفع
عنهم، كما رفع خوف الكسب والقطع، وبقي خوف الإجلال والتعظيم
لله عزَّ وجلَّ، وإنما الحمد منهم لذة لنفس الطبع ونفس الروح
والعقل، والله سبحانه وتعالى أعلم.
(1/135)
|