تفسير الجلالين = 7 سورة الأعراف
بسم الله الرحمن الرحيم
(1/192)
المص (1)
{المص} اللَّه أَعْلَم بِمُرَادِهِ
بِذَلِكَ
(1/192)
كِتَابٌ أُنْزِلَ
إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ
بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)
هَذَا {كِتَاب أُنْزِلَ إلَيْك} خِطَاب
لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {فَلَا يَكُنْ
فِي صَدْرك حَرَج} ضِيق {مِنْهُ} أَنْ تُبَلِّغهُ مَخَافَة
أَنْ تُكَذَّب {لِتُنْذِر} مُتَعَلِّق بِأُنْزِلَ أَيْ
لِلْإِنْذَارِ {بِهِ وَذِكْرَى} تَذْكِرَة {لِلْمُؤْمِنِينَ}
بِهِ
(1/192)
اتَّبِعُوا مَا
أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ
دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3)
قُلْ لَهُمْ {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ
إلَيْكُمْ مِنْ رَبّكُمْ} أَيْ الْقُرْآن {وَلَا تَتَّبِعُوا}
تَتَّخِذُوا {مِنْ دُونه} أَيْ اللَّه أَيْ غَيْره
{أَوْلِيَاء} تُطِيعُونَهُمْ فِي مَعْصِيَته تَعَالَى
{قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} بِالتَّاءِ وَالْيَاء
تَتَّعِظُونَ وَفِيهِ إدْغَام التَّاء فِي الْأَصْل فِي
الذَّال وَفِي قِرَاءَة بِسُكُونِهَا وَمَا زَائِدَة لتأكيد
القلة
(1/193)
وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ
أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ
قَائِلُونَ (4)
{وَكَمْ} خَبَرِيَّة مَفْعُول {مِنْ
قَرْيَة} أُرِيدَ أَهْلهَا {أَهْلَكْنَاهَا} أَرَدْنَا
إهْلَاكهَا {فَجَاءَهَا بَأْسنَا} عَذَابنَا {بَيَاتًا}
لَيْلًا {أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} نَائِمُونَ بِالظَّهِيرَةِ
وَالْقَيْلُولَة اسْتِرَاحَة نِصْف النَّهَار وَإِنْ لَمْ
يَكُنْ مَعَهَا نَوْم أَيْ مَرَّة جَاءَهَا لَيْلًا وَمَرَّة
جَاءَهَا نهارا
(1/193)
فَمَا كَانَ
دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا
إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (5)
{فما كان دعواهم} قولهم {إذ جاءهم بأسنا
إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين}
(1/193)
فَلَنَسْأَلَنَّ
الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ
(6)
{فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ
إلَيْهِمْ} أَيْ الْأُمَم عَنْ إجَابَتهمْ الرُّسُل وَعَمَلهمْ
فِيمَا بَلَغَهُمْ {وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} عَنْ
الْإِبْلَاغ
(1/193)
فَلَنَقُصَّنَّ
عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7)
{فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ}
لَنُخْبِرَنَّهُمْ عَنْ عِلْم بِمَا فَعَلُوهُ {وَمَا كُنَّا
غَائِبِينَ} عَنْ إبْلَاغ الرُّسُل وَالْأُمَم الْخَالِيَة
فِيمَا عَمِلُوا
(1/193)
وَالْوَزْنُ
يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ
هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8)
{وَالْوَزْن} لِلْأَعْمَالِ أَوْ
لِصَحَائِفِهَا بِمِيزَانٍ لَهُ لِسَان وَكَفَّتَانِ كَمَا
وَرَدَ فِي حَدِيث كَائِن {يَوْمئِذٍ} أَيْ يَوْم السُّؤَال
الْمَذْكُور وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {الْحَقّ} الْعَدْل
صِفَة الْوَزْن {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينه} بِالْحَسَنَاتِ
{فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ}
الْفَائِزُونَ
(1/193)
وَمَنْ خَفَّتْ
مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ
بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9)
{وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينه}
بِالسَّيِّئَاتِ {فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسهمْ}
بِتَصْيِيرِهَا إلَى النَّار {بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا
يظلمون} يجحدون
1 -
(1/193)
وَلَقَدْ
مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا
مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (10)
{وَلَقَدْ مَكَّنَاكُمْ} يَا بَنِي آدَم
{فِي الْأَرْض وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِش} بِالْيَاءِ
أَسْبَابًا تَعِيشُونَ بِهَا جَمْع مَعِيشَة {قَلِيلًا مَا}
لِتَأْكِيدِ الْقِلَّة {تَشْكُرُونَ} عَلَى ذَلِك
(1/193)
1 -
(1/194)
وَلَقَدْ
خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا
لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا
إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11)
{وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ} أَيْ أَبَاكُمْ
آدَم {ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} أَيْ صَوَّرْنَاهُ وَأَنْتُمْ فِي
ظَهْره {ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اُسْجُدُوا لِآدَم}
سُجُود تَحِيَّة بِالِانْحِنَاءِ {فَسَجَدُوا إلَّا إبْلِيس}
أَبَا الْجِنّ كَانَ بَيْن الْمَلَائِكَة {لم يكن من الساجدين}
1 -
(1/194)
قَالَ مَا مَنَعَكَ
أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ
خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12)
{قال} تعالى {ما منعك أ} {لا} زائدة {تسجد
إذ} حين {أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين}
1 -
(1/194)
قَالَ فَاهْبِطْ
مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ
إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13)
{قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا} أَيْ مِنْ
الْجَنَّة وَقِيلَ مِنْ السَّمَاوَات {فَمَا يَكُون} يَنْبَغِي
{لَك أَنْ تَتَكَبَّر فِيهَا فَاخْرُجْ} مِنْهَا {إنَّك مِنْ
الصَّاغِرِينَ} الذليلين
1 -
(1/194)
قَالَ أَنْظِرْنِي
إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14)
{قَالَ أَنْظِرْنِي} أَخِّرْنِي {إلَى
يَوْم يُبْعَثُونَ} أَيْ الناس
1 -
(1/194)
قَالَ إِنَّكَ مِنَ
الْمُنْظَرِينَ (15)
{قَالَ إنَّك مِنْ الْمُنْظَرِينَ} وَفِي
آيَة أُخْرَى {إلَى يَوْم الْوَقْت الْمَعْلُوم} أَيْ يَوْم
النَّفْخَة الأولى
1 -
(1/194)
قَالَ فَبِمَا
أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ
(16)
{قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتنِي} أَيْ
بِإِغْوَائِك لِي وَالْبَاء لِلْقَسَمِ وَجَوَابه
{لَأَقْعُدَنّ لَهُمْ} أَيْ لِبَنِي آدَم {صِرَاطك
الْمُسْتَقِيم} أَيْ عَلَى الطَّرِيق الْمُوصِل إلَيْك
1 -
(1/194)
ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ
مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ
أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ
شَاكِرِينَ (17)
{ثُمَّ لَآتِيَنهمْ مِنْ بَيْن أَيْدِيهمْ
وَمِنْ خَلْفهمْ وَعَنْ أَيْمَانهمْ وَعَنْ شَمَائِلهمْ} أَيْ
مِنْ كُلّ جهة فأمنعهم عن سلوكه قال بن عَبَّاس وَلَا
يَسْتَطِيع أَنْ يَأْتِي مِنْ فَوْقهمْ لِئَلَّا يَحُول بَيْن
الْعَبْد وَبَيْن رَحْمَة اللَّه تَعَالَى {وَلَا تَجِد
أَكْثَرهمْ شَاكِرِينَ} مُؤْمِنِينَ
1 -
(1/194)
قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا
مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ
جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18)
{قَالَ اُخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا}
بِالْهَمْزَةِ مُعَيَّبًا أَوْ مَمْقُوتًا {مَدْحُورًا}
مُبْعَدًا عَنْ الرَّحْمَة {لَمَنْ تَبِعَك مِنْهُمْ} مِنْ
النَّاس وَاللَّام لِلِابْتِدَاءِ أَوْ مُوَطِّئَة لِلْقَسَمِ
وَهُوَ {لَأَمْلَأَن جَهَنَّم مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ} أَيْ
مِنْك بِذُرِّيَّتِك وَمِنْ النَّاس وَفِيهِ تَغْلِيب
الْحَاضِر عَلَى الْغَائِب وَفِي الْجُمْلَة مَعْنَى جَزَاء
مِنْ الشَّرْطِيَّة أَيْ مَنْ تَبِعَك أُعَذِّبهُ
(1/194)
1 -
(1/195)
وَيَا آدَمُ اسْكُنْ
أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا
وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ
الظَّالِمِينَ (19)
{و} قَالَ {يَا آدَم اُسْكُنْ أَنْتَ}
تَأْكِيد لِلضَّمِيرِ فِي اُسْكُنْ لِيَعْطِف عَلَيْهِ
{وَزَوْجك} حَوَّاء بِالْمَدِّ {الْجَنَّة فَكُلَا مِنْ حَيْثُ
شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة} بِالْأَكْلِ
مِنْهَا وَهِيَ الْحِنْطَة {فتكونا من الظالمين}
2 -
(1/195)
فَوَسْوَسَ لَهُمَا
الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ
سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ
الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا
مِنَ الْخَالِدِينَ (20)
{فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَان} إبْلِيس
{لِيُبْدِيَ} يُظْهِر {لَهُمَا ما ووري} فَوُعِلَ مِنْ
الْمُوَارَاة {عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتهمَا وَقَالَ مَا
نَهَاكُمَا رَبّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَة إلَّا} كَرَاهَة
{أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ} وَقُرِئَ بِكَسْرِ اللَّام {أَوْ
تَكُونَا مِنْ الْخَالِدِينَ} أَيْ وَذَلِكَ لَازِم عَنْ
الْأَكْل مِنْهَا كَمَا فِي آيَة أُخْرَى {هَلْ أَدُلّك عَلَى
شَجَرَة الْخُلْد وَمُلْك لَا يبلى}
2 -
(1/195)
وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي
لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21)
{وَقَاسَمَهُمَا} أَيْ أَقْسَمَ لَهُمَا
بِاَللَّهِ {إنِّي لَكُمَا لَمِنْ النَّاصِحِينَ} فِي ذَلِكَ
2 -
(1/195)
فَدَلَّاهُمَا
بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا
سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ
الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ
تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ
لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22)
{فَدَلَّاهُمَا} حَطَّهُمَا عَنْ
مَنْزِلَتهمَا {بِغُرُور} مِنْهُ {فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَة}
أَيْ أَكَلَا مِنْهَا {بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتهمَا} أَيْ ظَهَرَ
لِكُلٍّ مِنْهُمَا قُبُله وَقُبُل الْآخَر وَدُبُره وَسُمِّيَ
كُلّ مِنْهُمَا سَوْأَة لِأَنَّ انْكِشَافه يَسُوء صَاحِبه
{وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ} أَخَذَا يُلْزِقَانِ {عَلَيْهِمَا
مِنْ وَرَق الْجَنَّة} لِيَسْتَتِرَا بِهِ {وَنَادَاهُمَا
رَبّهمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَة
وَأَقُلْ لَكُمَا إنَّ الشَّيْطَان لَكُمَا عَدُوّ مُبِين}
بَيِّن الْعَدَاوَة وَالِاسْتِفْهَام لِلتَّقْرِيرِ
2 -
(1/195)
قَالَا رَبَّنَا
ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا
وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)
{قالا ربنا ظلمنا أنفسنا} بمعصيتنا {وإن لم
تغفر لنا وترحمنا لنكوننا من الخاسرين}
2 -
(1/195)
قَالَ اهْبِطُوا
بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ
مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24)
{قَالَ اهْبِطُوا} أَيْ آدَم وَحَوَّاء
بِمَا اشْتَمَلْتُمَا عَلَيْهِ مِنْ ذُرِّيَّتكُمَا
{بَعْضكُمْ}
بَعْض الذُّرِّيَّة {لِبَعْضٍ عَدُوّ} مِنْ ظُلْم بَعْضهمْ
بَعْضًا {وَلَكُمْ فِي الْأَرْض مُسْتَقَرّ} أَيْ مَكَان
اسْتِقْرَار {وَمَتَاع} تَمَتُّع {إلَى حِين} تَنْقَضِي فِيهِ
آجَالكُمْ
2 -
(1/195)
قَالَ فِيهَا
تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (25)
{قَالَ فِيهَا} أَيْ الْأَرْض {تَحْيَوْنَ
وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ} بِالْبَعْثِ
بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَالْمَفْعُول
(1/195)
2 -
(1/196)
يَا بَنِي آدَمَ قَدْ
أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ
وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ
آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26)
{يَا بَنِي آدَم قَدْ أَنَزَلْنَا
عَلَيْكُمْ لِبَاسًا} أَيْ خَلَقْنَاهُ لَكُمْ {يُوَارِي}
يَسْتُر {سَوْآتكُمْ وَرِيشًا} وَهُوَ مَا يُتَجَمَّل بِهِ
مِنْ الثِّيَاب {وَلِبَاس التَّقْوَى} الْعَمَل الصَّالِح
وَالسَّمْت الْحَسَن بِالنَّصْبِ عُطِفَ عَلَى لِبَاسًا
وَالرَّفْع مُبْتَدَأ خَبَره جُمْلَة {ذَلِكَ خَيْر ذَلِكَ
مِنْ آيَات اللَّه} دَلَائِل قُدْرَته {لَعَلَّهُمْ
يَذَّكَّرُونَ} فَيُؤْمِنُونَ فِيهِ الْتِفَات عَنْ الْخِطَاب
2 -
(1/196)
يَا بَنِي آدَمَ لَا
يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ
مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا
لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ
وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا
الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27)
{يَا بَنِي آدَم لَا يَفْتِنَنكُمْ}
يُضِلَّنكُمْ {الشَّيْطَان} أَيْ لَا تَتَّبِعُوهُ
فَتُفْتَنُوا {كَمَا أَخَرَجَ أَبَوَيْكُمْ} بِفِتْنَتِهِ
{مِنْ الْجَنَّة يَنْزِع} حَال {عَنْهُمَا لِبَاسهمَا
لِيُرِيَهُمَا سَوْآتهمَا إنَّهُ} أَيْ الشَّيْطَان {يَرَاكُمْ
هُوَ وقبيله} جنوده {من حيث لا ترونهم} للطافة أَجْسَادهمْ
أَوْ عَدَم أَلْوَانهمْ {إنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِين أولياء}
أعوانا وقرناء {للذين لا يؤمنون}
2 -
(1/196)
وَإِذَا فَعَلُوا
فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ
أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ
بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا
تَعْلَمُونَ (28)
{وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَة} كَالشِّرْكِ
وَطَوَافهمْ بِالْبَيْتِ عُرَاة قَائِلِينَ لَا نَطُوف فِي
ثِيَاب عَصَيْنَا اللَّه فِيهَا فَنُهُوا عَنْهَا {قَالُوا
وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا} فَاقْتَدَيْنَا بِهِمْ
{وَاَللَّه أَمَرَنَا بِهَا} أَيْضًا {قُلْ} لَهُمْ {إنَّ
اللَّه لَا يَأْمُر بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّه
مَا لَا تَعْلَمُونَ} أَنَّهُ قَالَهُ استفهام إنكار
2 -
(1/196)
قُلْ أَمَرَ رَبِّي
بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ
وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ
تَعُودُونَ (29)
{قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ}
بِالْعَدْلِ {وَأَقِيمُوا} مَعْطُوف عَلَى مَعْنَى بِالْقِسْطِ
أَيْ قَالَ أَقْسِطُوا وَأَقِيمُوا أَوْ قَبْله فَاقْبَلُوا
مُقَدَّرًا {وُجُوهكُمْ} لِلَّهِ {عِنْد كُلّ مَسْجِد} أَيْ
أَخْلِصُوا لَهُ سُجُودكُمْ {وَادْعُوهُ} اُعْبُدُوهُ
{مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين} مِنْ الشِّرْك {كَمَا بَدَأَكُمْ}
خَلَقَكُمْ وَلَمْ تَكُونُوا شَيْئًا {تَعُودُونَ} أَيْ
يُعِيدكُمْ أَحْيَاء يَوْم الْقِيَامَة
3 -
(1/196)
فَرِيقًا هَدَى
وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ
اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ
وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30)
{فَرِيقًا} مِنْكُمْ {هَدَى وَفَرِيقًا
حَقَّ عَلَيْهِمْ الضَّلَالَة إنَّهُمْ اتَّخَذُوا
الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِنْ دُون اللَّه} أي غيره {ويحسبون
أنهم مهتدون
(1/196)
3 -
(1/197)
يَا بَنِي آدَمَ
خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا
وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ
الْمُسْرِفِينَ (31)
{يَا بَنِي آدَم خُذُوا زِينَتكُمْ} مَا
يَسْتُر عَوْرَتكُمْ {عِنْد كُلّ مَسْجِد} عِنْد الصَّلَاة
وَالطَّوَاف {وكلوا واشربوا} ما شئتم {ولا تسرفوا إنه لا يحب
المسرفين}
3 -
(1/197)
قُلْ مَنْ حَرَّمَ
زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ
مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ
الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32)
{قُلْ} إنْكَارًا عَلَيْهِمْ {مَنْ حَرَّمَ
زِينَة اللَّه الَّتِي أَخَرَجَ لِعِبَادِهِ} مِنْ اللِّبَاس
{وَالطَّيِّبَات} الْمُسْتَلَذَّات {مِنْ الرِّزْق قُلْ هِيَ
لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا}
بِالِاسْتِحْقَاقِ وَإِنْ شَارَكَهُمْ فِيهَا غَيْرهمْ
{خَالِصَة} خَاصَّة بِهِمْ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْب حَال {يَوْم
الْقِيَامَة كَذَلِكَ نُفَصِّل الْآيَات} نُبَيِّنهَا مِثْل
ذَلِكَ التَّفْصِيل {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} يَتَدَبَّرُونَ
فَإِنَّهُمْ الْمُنْتَفِعُونَ بِهَا
3 -
(1/197)
قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ
رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ
وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا
بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ
تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)
{قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِش}
الْكَبَائِر كَالزِّنَا {مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ}
أَيْ جَهْرهَا وَسِرّهَا {وَالْإِثْم} الْمَعْصِيَة
{وَالْبَغْي} عَلَى النَّاس {بِغَيْرِ الْحَقّ} وَهُوَ
الظُّلْم {وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّل
بِهِ} بِإِشْرَاكِهِ {سُلْطَانًا} حُجَّة {وَأَنْ تَقُولُوا
عَلَى اللَّه مَا لَا تَعْلَمُونَ} مِنْ تَحْرِيم مَا لَمْ
يُحَرِّم وَغَيْره
3 -
(1/197)
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ
أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً
وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34)
{وَلِكُلِّ أُمَّة أَجَل} مُدَّة {فَإِذَا
جَاءَ أَجَلهمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ} عَنْهُ {سَاعَة وَلَا
يَسْتَقْدِمُونَ} عَلَيْهِ
3 -
(1/197)
يَا بَنِي آدَمَ
إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ
آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ
وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (35)
{يَا بَنِي آدَم إمَّا} فِيهِ إدْغَام نُون
إنْ الشَّرْطِيَّة فِي مَا الْمَزِيدَة {يَأْتِيَنكُمْ رُسُل
مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنْ اتَّقَى}
الشِّرْك {وَأَصْلَحَ} عَمَله {فَلَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا
هُمْ يَحْزَنُونَ} فِي الْآخِرَة
3 -
(1/197)
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا
بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ
النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (36)
{وَاَلَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا
وَاسْتَكْبَرُوا} تَكَبَّرُوا {عَنْهَا} فَلَمْ يؤمنوا بها
{أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون
(1/197)
3 -
(1/198)
فَمَنْ أَظْلَمُ
مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ
بِآيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ
حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا
أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا
ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ
كَانُوا كَافِرِينَ (37)
{فَمَنْ} أَيْ لَا أَحَد {أَظْلَم مِمَّنْ
افْتَرَى عَلَى اللَّه كَذِبًا} بِنِسْبَةِ الشَّرِيك
وَالْوَلَد إلَيْهِ {أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ} الْقُرْآن
{أُولَئِكَ يَنَالهُمْ} يُصِيبهُمْ {نَصِيبهمْ} حَظّهمْ {مِنْ
الْكِتَاب} مِمَّا كُتِبَ لَهُمْ فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ
مِنْ الرِّزْق وَالْأَجَل وَغَيْر ذَلِكَ {حَتَّى إذَا
جَاءَتْهُمْ رُسُلنَا} أَيْ الْمَلَائِكَة {يَتَوَفَّوْنَهُمْ
قَالُوا} لَهُمْ تَبْكِيتًا {أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ}
تَعْبُدُونَ {مِنْ دُون اللَّه قَالُوا ضَلُّوا} غَابُوا
{عَنَّا} فَلَمْ نَرَهُمْ {وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسهمْ} عند
الموت {أنهم كانوا كافرين}
3 -
(1/198)
قَالَ ادْخُلُوا فِي
أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ
فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا
حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ
لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ
عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ
لَا تَعْلَمُونَ (38)
{قَالَ} تَعَالَى لَهُمْ يَوْم الْقِيَامَة
{اُدْخُلُوا فِي} جُمْلَة {أُمَم قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلكُمْ
مِنْ الْجِنّ وَالْإِنْس فِي النَّار} مُتَعَلِّق بِادْخُلُوا
{كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّة} النَّار {لَعَنَتْ أُخْتهَا}
الَّتِي قَبْلهَا لِضَلَالِهَا بِهَا {حَتَّى إذَا
ادَّارَكُوا} تَلَاحَقُوا {فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ
أُخْرَاهُمْ} وَهُمْ الْأَتْبَاع {لِأُولَاهُمْ} أَيْ
لِأَجِلَّائِهِمْ وَهُمْ الْمَتْبُوعُونَ {رَبّنَا هَؤُلَاءِ
أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عذابا ضعفا} مضاعفا {من النار قَالَ}
تَعَالَى {لِكُلٍّ} مِنْكُمْ وَمِنْهُمْ {ضِعْف} عَذَاب مضاعف
{وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ} بِالْيَاءِ وَالتَّاء مَا لِكُلِّ
فريق
3 -
(1/198)
وَقَالَتْ أُولَاهُمْ
لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ
فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (39)
{وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا
كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْل} لِأَنَّكُمْ لَمْ
تَكْفُرُوا بِسَبَبِنَا فَنَحْنُ وأنتم سواء قال تعالى لهم
{فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون}
4 -
(1/198)
إِنَّ الَّذِينَ
كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ
لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ
حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ
نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40)
{إنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا
وَاسْتَكْبَرُوا} تَكَبَّرُوا {عَنْهَا} فَلَمْ يُؤْمِنُوا
بِهَا {لَا تُفَتَّح لَهُمْ أَبْوَاب السَّمَاء} إذَا عُرِجَ
بِأَرْوَاحِهِمْ إلَيْهَا بَعْد الْمَوْت فَيُهْبَط بِهَا إلَى
سِجِّين بِخِلَافِ الْمُؤْمِن فَتُفَتَّح لَهُ وَيُصْعَد
بِرُوحِهِ إلَى السَّمَاء السَّابِعَة كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيث
{وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّة حَتَّى يَلِج} يَدْخُل {الْجَمَل
فِي سَمِّ الْخِيَاط} ثُقْب الْإِبْرَة وَهُوَ غَيْر مُمْكِن
فَكَذَا دُخُولهمْ {وَكَذَلِكَ} الجزاء {نجزي المجرمين} بالكفر
4 -
(1/198)
لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ
مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي
الظَّالِمِينَ (41)
{لَهُمْ مِنْ جَهَنَّم مِهَاد} فِرَاش
{وَمِنْ فَوْقهمْ غَوَاشٍ} أَغْطِيَة مِنْ النَّار جَمْع
غَاشِيَة وَتَنْوِينه عوض من الياء المحذوفة {وكذلك نجزي
الظالمين
(1/198)
4 -
(1/199)
وَالَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا
وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا
خَالِدُونَ (42)
{والذين آمنوا وعملوا الصالحات} مبتدأ
وقوله {لَا نُكَلِّف نَفْسًا إلَّا وُسْعهَا} طَاقَتهَا مِنْ
الْعَمَل اعْتِرَاض بَيْنه وَبَيْن خَبَره وَهُوَ {أُولَئِكَ
أصحاب الجنة هم فيها خالدون}
4 -
(1/199)
وَنَزَعْنَا مَا فِي
صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ
وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا
كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ
جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ
الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)
{ونزعنا ما في صدورهم من غل} حقد كَانَ
بَيْنهمْ فِي الدُّنْيَا {تَجْرِي مِنْ تَحْتهمْ} تَحْت
قُصُورهمْ {الْأَنْهَار وَقَالُوا} عِنْد الِاسْتِقْرَار فِي
مَنَازِلهمْ {الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا}
الْعَمَل الَّذِي هَذَا جَزَاؤُهُ {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ
لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّه} حَذَفَ جَوَاب لَوْلَا
لِدَلَالَةِ مَا قَبْله عَلَيْهِ {لَقَدْ جَاءَتْ رُسُل
رَبّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ} مُخَفَّفَة أَيْ أَنَّهُ
أَوْ مفسرة في المواضع الخمسة {تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم
تعملون}
4 -
(1/199)
وَنَادَى أَصْحَابُ
الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا
وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ
رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ
بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44)
{وَنَادَى أَصْحَاب الْجَنَّة أَصْحَاب
النَّار} تَقْرِيرًا أَوْ تَبْكِيتًا {أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا
وَعَدَنَا رَبّنَا} من الثواب {حقا فهل وجدتم ما وعد} كم
{رَبّكُمْ} مِنْ الْعَذَاب {حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ
مُؤَذِّن} نَادَى مُنَادٍ {بَيْنهمْ} بَيْن الْفَرِيقَيْنِ
أَسْمَعهُمْ {أن لعنة الله على الظالمين}
4 -
(1/199)
الَّذِينَ يَصُدُّونَ
عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ
بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ (45)
{الَّذِينَ يَصُدُّونَ} النَّاس {عَنْ
سَبِيل اللَّه} دِينه {ويبغونها} أي يطلبون السبيل {عوجا}
معوجة {وهم بالآخرة كافرون}
4 -
(1/199)
وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ
وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ
وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ
يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46)
{وَبَيْنهمَا} أَيْ أَصْحَاب الْجَنَّة
وَالنَّار {حِجَاب} حَاجِز قِيلَ هُوَ سُور الْأَعْرَاف
{وَعَلَى الْأَعْرَاف} وَهُوَ سُور الْجَنَّة {رِجَال}
اسْتَوَتْ حَسَنَاتهمْ وَسَيِّئَاتهمْ كَمَا فِي الْحَدِيث
{يُعْرَفُونَ كُلًّا} مِنْ أَهْل الْجَنَّة وَالنَّار
{بِسِيمَاهُمْ} بِعَلَامَتِهِمْ وَهِيَ بَيَاض الْوُجُوه
لِلْمُؤْمِنِينَ وَسَوَادهَا لِلْكَافِرِينَ لِرُؤْيَتِهِمْ
لَهُمْ إذْ مَوْضِعهمْ عَالٍ {ونادوا أصحاب الجنة أن سلام
عليكم} قال تعالى {لَمْ يَدْخُلُوهَا} أَيْ أَصْحَاب
الْأَعْرَاف الْجَنَّة {وَهُمْ يَطْمَعُونَ} فِي دُخُولهَا
قَالَ الْحَسَن لَمْ يُطْمِعهُمْ إلَّا لِكَرَامَةٍ يُرِيدهَا
بِهِمْ وَرَوَى الْحَاكِم عَنْ حُذَيْفَة قَالَ بَيْنَمَا هُمْ
كَذَلِكَ إذْ طَلَعَ عَلَيْهِمْ رَبّك فَقَالَ قُومُوا
اُدْخُلُوا الْجَنَّة فَقَدْ غفرت لكم
(1/199)
4 -
(1/200)
وَإِذَا صُرِفَتْ
أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا
لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47)
{وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارهمْ} أَيْ
أَصْحَاب الْأَعْرَاف {تِلْقَاء} جِهَة {أَصْحَاب النَّار
قَالُوا رَبّنَا لَا تَجْعَلنَا} في النار {مع القوم الظالمين}
4 -
(1/200)
وَنَادَى أَصْحَابُ
الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا
مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ
تَسْتَكْبِرُونَ (48)
{وَنَادَى أَصْحَاب الْأَعْرَاف رِجَالًا}
مِنْ أَصْحَاب النَّار {يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا
مَا أَغْنَى عَنْكُمْ} مِنْ النَّار {جَمْعكُمْ} الْمَال أَوْ
كَثْرَتكُمْ {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ} أَيْ
وَاسْتِكْبَاركُمْ عَنْ الْإِيمَان وَيَقُولُونَ لَهُمْ
مُشِيرِينَ إلَى ضُعَفَاء الْمُسْلِمِينَ
4 -
(1/200)
أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ
أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا
الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ
(49)
{أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقَسَمْتُمْ لَا
يَنَالهُمْ اللَّه بِرَحْمَةٍ} قَدْ قِيلَ لَهُمْ {اُدْخُلُوا
الْجَنَّة لَا خَوْف عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ}
وَقُرِئَ أُدْخِلُوا بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَدَخَلُوا
فَجُمْلَة النَّفْي حَال أَيْ مَقُولًا لهم ذلك
5 -
(1/200)
وَنَادَى أَصْحَابُ
النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ
الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ
اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50)
{وَنَادَى أَصْحَاب النَّار أَصْحَاب
الْجَنَّة أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنْ الْمَاء أَوْ مِمَّا
رَزَقَكُمْ اللَّه} مِنْ الطَّعَام {قَالُوا إنَّ اللَّه
حَرَّمَهُمَا} مَنَعَهُمَا {على الكافرين}
5 -
(1/200)
الَّذِينَ اتَّخَذُوا
دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ
الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ
يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51)
{الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينهمْ لَهْوًا
وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمْ الْحَيَاة الدُّنْيَا فَالْيَوْم
نَنْسَاهُمْ} نَتْرُكهُمْ فِي النَّار {كَمَا نَسُوا لِقَاء
يَوْمهمْ هَذَا} بِتَرْكِهِمْ الْعَمَل لَهُ {وَمَا كَانُوا
بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} أَيْ وَكَمَا جَحَدُوا
5 -
(1/200)
وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ
بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً
لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52)
{وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ} أَيْ أَهْل مَكَّة
{بِكِتَابٍ} قُرْآن {فَصَّلْنَاهُ} بَيَّنَّاهُ بِالْأَخْبَارِ
وَالْوَعْد وَالْوَعِيد {عَلَى عِلْم} حَال أَيْ عَالِمِينَ
بِمَا فَصَّلَ فِيهِ {هُدًى} حَال مِنْ الْهَاء {وَرَحْمَة
لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} بِهِ
(1/200)
5 -
(1/201)
هَلْ يَنْظُرُونَ
إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ
الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا
بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا
أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ
خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا
يَفْتَرُونَ (53)
{هَلْ يَنْظُرُونَ} مَا يَنْتَظِرُونَ
{إلَّا تَأْوِيله} عَاقِبَة مَا فِيهِ {يَوْم يَأْتِي
تَأْوِيله} هُوَ يَوْم الْقِيَامَة {يَقُول الَّذِينَ نَسَوْهُ
مِنْ قَبْل} تَرَكُوا الْإِيمَان بِهِ {قَدْ جَاءَتْ رُسُل
رَبّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاء فَيَشْفَعُوا
لَنَا أَوْ} هَلْ {نُرَدّ} إلَى الدُّنْيَا {فَنَعْمَل غَيْر
الَّذِي كُنَّا نَعْمَل} نُوَحِّد اللَّه وَنَتْرُك الشِّرْك
فَيُقَال لهم لا قال تعالى {قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسهمْ} إذْ
صَارُوا إلَى الْهَلَاك {وَضَلَّ} ذَهَبَ {عَنْهُمْ مَا
كَانُوا يَفْتَرُونَ} مِنْ دعوى الشريك
5 -
(1/201)
إِنَّ رَبَّكُمُ
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ
أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ
النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ
وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ
وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)
{إنَّ رَبّكُمْ اللَّه الَّذِي خَلَقَ
السَّمَاوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام} مِنْ أَيَّام
الدُّنْيَا أَيْ فِي قَدْرهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ
شَمْس وَلَوْ شَاءَ خَلَقَهُنَّ فِي لَمْحَة وَالْعُدُول
عَنْهُ لِتَعْلِيمِ خَلْقه التَّثَبُّت {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى
الْعَرْش} هُوَ فِي اللُّغَة سَرِير الْمُلْك اسْتِوَاء يَلِيق
بِهِ {يُغْشِي اللَّيْل النَّهَار} مُخَفَّفًا وَمُشَدَّدًا
أَيْ يُغَطِّي كُلًّا مِنْهُمَا بِالْآخَرِ {يَطْلُبهُ}
يَطْلُب كُلّ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ طَلَبًا {حَثِيثًا}
سَرِيعًا {وَالشَّمْس وَالْقَمَر وَالنُّجُوم} بِالنَّصْبِ
عَطْفًا عَلَى السَّمَاوَات وَالرَّفْع مُبْتَدَأ خَبَره
{مُسَخَّرَات} مُذَلَّلَات {بِأَمْرِهِ} بِقُدْرَتِهِ {أَلَا
لَهُ الْخَلْق} جَمِيعًا {وَالْأَمْر} كُلّه {تَبَارَكَ}
تَعَاظَمَ {اللَّه رَبّ} مالك {العالمين}
5 -
(1/201)
ادْعُوا رَبَّكُمْ
تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ
(55)
{اُدْعُوا رَبّكُمْ تَضَرُّعًا} حَال
تَذَلُّلًا {وَخُفْيَة} سِرًّا {إنَّهُ لَا يُحِبّ
الْمُعْتَدِينَ} فِي الدُّعَاء بِالتَّشَدُّقِ ورفع الصوت
5 -
(1/201)
وَلَا تُفْسِدُوا فِي
الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا
إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)
{وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْض}
بِالشِّرْكِ وَالْمَعَاصِي {بَعْد إصْلَاحهَا} بِبَعْثِ
الرُّسُل {وَادْعُوهُ خَوْفًا} مِنْ عِقَابه {وَطَمَعًا} فِي
رَحْمَته {إنَّ رَحْمَة اللَّه قَرِيب مِنْ الْمُحْسِنِينَ}
الْمُطِيعِينَ وَتَذْكِير قَرِيب الْمُخْبَر بِهِ عن رحمته
لِإِضَافَتِهَا إلَى اللَّه
(1/201)
5 -
(1/202)
وَهُوَ الَّذِي
يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى
إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ
فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ
الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ
تَذَكَّرُونَ (57)
{وَهُوَ الَّذِي يُرْسِل الرِّيَاح بُشْرًا
بَيْن يَدَيْ رَحْمَته} أَيْ مُتَفَرِّقَة قُدَّام الْمَطَر
وَفِي قِرَاءَة بِسُكُونِ الشِّين تَخْفِيفًا وَفِي أُخْرَى
بِسُكُونِهَا وَفَتْح النُّون مَصْدَرًا وَفِي أُخْرَى
بِسُكُونِهَا وَضَمّ الْمُوَحَّدَة بَدَل النُّون أَيْ
مُبَشِّرًا وَمُفْرَد الْأُولَى نُشُور كَرَسُولٍ
وَالْأَخِيرَة بَشِير {حَتَّى إذَا أَقَلَّتْ} حَمَلَتْ
الرِّيَاح {سَحَابًا ثِقَالًا} بِالْمَطَرِ {سُقْنَاهُ} أَيْ
السَّحَاب وَفِيهِ الْتِفَات عَنْ الْغَيْبَة {لِبَلَدٍ
مَيِّت} لَا نَبَات بِهِ أَيْ لِإِحْيَائِهَا {فَأَنْزَلْنَا
بِهِ} بِالْبَلَدِ {الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ} بِالْمَاءِ
{مِنْ كُلّ الثَّمَرَات كَذَلِكَ} الْإِخْرَاج {نُخْرِج
الْمَوْتَى} مِنْ قُبُورهمْ بِالْإِحْيَاءِ {لَعَلَّكُمْ
تَذَكَّرُونَ} فَتُؤْمِنُونَ
5 -
(1/202)
وَالْبَلَدُ
الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي
خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ
الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58)
{وَالْبَلَد الطَّيِّب} الْعَذْب التُّرَاب
{يَخْرُج نَبَاته} حَسَنًا {بِإِذْنِ رَبّه} هَذَا مَثَل
لِلْمُؤْمِنِ يَسْمَع الْمَوْعِظَة فَيَنْتَفِع بِهَا
{وَاَلَّذِي خَبُثَ} تُرَابه {لَا يَخْرُج} نَبَاته {إلَّا
نَكِدًا} عَسِرًا بِمَشَقَّةٍ وَهَذَا مَثَل لِلْكَافِرِ
{كَذَلِكَ} كَمَا بَيَّنَّا مَا ذُكِرَ {نُصَرِّف} نُبَيِّن
{الْآيَات لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ} اللَّه فَيُؤْمِنُونَ
5 -
(1/202)
لَقَدْ أَرْسَلْنَا
نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ
مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ
عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59)
{لَقَدْ} جَوَاب قَسَم مَحْذُوف
{أَرْسَلْنَا نُوحًا إلَى قَوْمه فَقَالَ يَا قَوْم اُعْبُدُوا
اللَّه مَا لَكُمْ مِنْ إلَه غَيْره} بِالْجَرِّ صِفَة
لِإِلَهٍ وَالرَّفْع بَدَل مِنْ مَحِلّه {إنِّي أَخَاف
عَلَيْكُمْ} إنْ عَبَّدْتُمْ غَيْره {عَذَاب يَوْم عَظِيم}
هُوَ يَوْم الْقِيَامَة
6 -
(1/202)
قَالَ الْمَلَأُ مِنْ
قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (60)
{قَالَ الْمَلَأ} الْأَشْرَاف {مِنْ قَوْمه
إنَّا لَنَرَاك فِي ضَلَال مُبِين} بَيِّن
6 -
(1/202)
قَالَ يَا قَوْمِ
لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ
الْعَالَمِينَ (61)
{قَالَ يَا قَوْم لَيْسَ بِي ضَلَالَة}
هِيَ أَعَمّ مِنْ الضَّلَال فَنَفْيهَا أَبْلَغ مِنْ نَفِيه
{ولكني رسول من رب العالمين}
6 -
(1/202)
أُبَلِّغُكُمْ
رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ
مَا لَا تَعْلَمُونَ (62)
{أُبَلِّغكُمْ} بِالتَّخْفِيفِ
وَالتَّشْدِيد {رِسَالَات رَبِّي وَأَنْصَح} أُرِيد الخير {لكم
وأعلم من الله ما لا تعلمون}
6 -
(1/202)
أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ
جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ
لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (63)
{أَ} كَذَّبْتُمْ {وَعَجِبْتُمْ أَنْ
جَاءَكُمْ ذِكْر} مَوْعِظَة {مِنْ رَبّكُمْ عَلَى} لِسَان
{رَجُل مِنْكُمْ لِيُنْذِركُمْ} الْعَذَاب إنْ لَمْ تُؤْمِنُوا
{وَلِتَتَّقُوا} اللَّه {وَلَعَلَّكُمْ ترحمون} بها
6 -
(1/202)
فَكَذَّبُوهُ
فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ
وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ
كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ (64)
{فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ
وَاَلَّذِينَ مَعَهُ} مِنْ الْغَرَق {فِي الْفُلْك}
السَّفِينَة {وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا}
بِالطُّوفَانِ {إنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ} عَنْ
الْحَقّ
(1/202)
6 -
(1/203)
وَإِلَى عَادٍ
أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا
لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (65)
{و} أَرْسَلْنَا {إلَى عَادٍ} الْأُولَى
{أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْم اُعْبُدُوا اللَّه}
وَحِّدُوهُ {مَا لَكُمْ مِنْ إلَه غَيْره أَفَلَا تَتَّقُونَ}
تَخَافُونَهُ فتؤمنون
6 -
(1/203)
قَالَ الْمَلَأُ
الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي
سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66)
{قَالَ الْمَلَأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ
قَوْمه إنَّا لَنَرَاك فِي سَفَاهَة} جَهَالَة {وَإِنَّا
لِنَظُنّك مِنْ الكاذبين} في رسالتك
6 -
(1/203)
قَالَ يَا قَوْمِ
لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ
الْعَالَمِينَ (67)
{قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب
العالمين}
6 -
(1/203)
أُبَلِّغُكُمْ
رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68)
{أُبَلِّغكُمْ رِسَالَات رَبِّي وَأَنَا
لَكُمْ نَاصِح أَمِين} مأمون على الرسالة
6 -
(1/203)
أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ
جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ
لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ
بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً
فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69)
{أو عجبتم أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْر مِنْ
رَبّكُمْ عَلَى} لِسَان {رَجُل مِنْكُمْ لِيُنْذِركُمْ
وَاذْكُرُوا إذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء} فِي الْأَرْض {مِنْ
بَعْد قَوْم نُوح وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْق بَسْطَة} قُوَّة
وَطُولًا وَكَانَ طَوِيلهمْ مِائَة ذِرَاع وَقَصِيرهمْ
سِتِّينَ {فَاذْكُرُوا آلَاء اللَّه} نِعَمه {لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ} تَفُوزُونَ
7 -
(1/203)
قَالُوا أَجِئْتَنَا
لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ
آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ
الصَّادِقِينَ (70)
{قَالُوا أَجِئْتنَا لِنَعْبُد اللَّه
وَحْده وَنَذَرَ} نَتْرُك {مَا كَانَ يَعْبُد آبَاؤُنَا
فَأْتِنَا بِمَا تَعِدنَا} بِهِ مِنْ الْعَذَاب {إنْ كُنْت
مِنْ الصَّادِقِينَ} في قولك
7 -
(1/203)
قَالَ قَدْ وَقَعَ
عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي
فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا
نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي
مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (71)
{قَالَ قَدْ وَقَعَ} وَجَبَ {عَلَيْكُمْ
مِنْ رَبّكُمْ رِجْس} عَذَاب {وَغَضَب أَتُجَادِلُونَنِي فِي
أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا} أي سميتم بها {أنتم وآباؤكم}
أَصْنَامًا تَعْبُدُونَهَا {مَا نَزَلَ اللَّه بِهَا} أَيْ
بِعِبَادَتِهَا {مِنْ سُلْطَان} حُجَّة وَبُرْهَان
{فَانْتَظِرُوا} الْعَذَاب {إنِّي مَعَكُمْ مِنْ
الْمُنْتَظِرِينَ} ذَلِكُمْ بِتَكْذِيبِكُمْ لِي فَأَرْسَلْت
عَلَيْهِمْ الرِّيح الْعَقِيم
7 -
(1/203)
فَأَنْجَيْنَاهُ
وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ
الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ
(72)
{فَأَنْجَيْنَاهُ} أَيْ هُودًا
{وَاَلَّذِينَ مَعَهُ} مِنْ الْمُؤْمِنِينَ {بِرَحْمَةٍ مِنَّا
وَقَطَعْنَا دَابِر} الْقَوْم {الَّذِينَ كَذَّبُوا
بِآيَاتِنَا} أَيْ اسْتَأْصَلْنَاهُمْ {وَمَا كَانُوا
مُؤْمِنِينَ} عَطْف على كذبوا
(1/203)
7 -
(1/204)
وَإِلَى ثَمُودَ
أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا
لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ
رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا
تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ
فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73)
{و} أَرْسَلْنَا {إلَى ثَمُود} بِتَرْكِ
الصَّرْف مُرَادًا بِهِ الْقَبِيلَة {أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ
يَا قَوْم اُعْبُدُوا اللَّه مَا لَكُمْ مِنْ إلَه غَيْره قَدْ
جَاءَتْكُمْ بَيِّنَة} مُعْجِزَة {مِنْ رَبّكُمْ} عَلَى
صِدْقِي {هَذِهِ نَاقَة اللَّه لَكُمْ آيَة} حَال عَامِلهَا
مَعْنَى الْإِشَارَة وَكَانُوا سَأَلُوهُ أَنْ يُخْرِجهَا
لَهُمْ مِنْ صَخْرَة عَيَّنُوهَا {فَذَرُوهَا تَأْكُل فِي
أَرْض اللَّه وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ} بِعَقْرٍ أَوْ ضرب
{فيأخذكم عذاب أليم}
7 -
(1/204)
وَاذْكُرُوا إِذْ
جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي
الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا
وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ
وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74)
{وَاذْكُرُوا إذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء} فِي
الْأَرْض {مِنْ بَعْد عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ} أَسْكَنَكُمْ {فِي
الْأَرْض تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولهَا قُصُورًا}
تَسْكُنُونَهَا فِي الصَّيْف {وَتَنْحِتُونَ الْجِبَال
بُيُوتًا} تَسْكُنُونَهَا فِي الشِّتَاء وَنَصَبَهُ عَلَى
الحال المقدرة {فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين}
7 -
(1/204)
قَالَ الْمَلَأُ
الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ
اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ
صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ
بِهِ مُؤْمِنُونَ (75)
{قَالَ الْمَلَأ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا
مِنْ قَوْمه} تَكَبَّرُوا عَنْ الْإِيمَان بِهِ {لِلَّذِينَ
اُسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ} أَيْ مِنْ قَوْمه بَدَل
مِمَّا قَبْله بِإِعَادَةِ الْجَار {أَتَعْلَمُونَ أَنَّ
صَالِحًا مُرْسَل مِنْ ربه} إليكم {قالوا} نعم {إنا بما أرسل
به مؤمنون}
7 -
(1/204)
قَالَ الَّذِينَ
اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ
(76)
{قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به
كافرون}
7 -
(1/204)
فَعَقَرُوا النَّاقَةَ
وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ
ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ
(77)
وَكَانَتْ النَّاقَة لَهَا يَوْم فِي
الْمَاء وَلَهُمْ يَوْم فَمَلُّوا ذَلِكَ {فَعَقَرُوا
النَّاقَة} عَقَرَهَا قَدَّار بِأَمْرِهِمْ بِأَنْ قَتَلَهَا
بِالسَّيْفِ {وَعَتَوْا عَنْ أَمْر رَبّهمْ وَقَالُوا يَا
صَالِح ائْتِنَا بِمَا تَعِدنَا} به من العذاب على قتلها {إن
كنت من المرسلين}
7 -
(1/204)
فَأَخَذَتْهُمُ
الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78)
{فَأَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَة} الزَّلْزَلَة
الشَّدِيدَة مِنْ الْأَرْض وَالصَّيْحَة مِنْ السَّمَاء
{فَأَصْبَحُوا فِي دَارهمْ جَاثِمِينَ} بَارِكِينِ عَلَى
الرُّكَب ميتين
7 -
(1/204)
فَتَوَلَّى عَنْهُمْ
وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي
وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79)
{فتولى} أعرض صالح {عنهم وقال يا قوم لقد
أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين
(1/204)
8 -
(1/205)
وَلُوطًا إِذْ قَالَ
لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا
مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80)
{و} اُذْكُرْ {لُوطًا} وَيُبَدَّل مِنْهُ
{إذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَة} أَيْ أَدْبَار
الرِّجَال {مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَد مِنْ
الْعَالَمِينَ} الْإِنْس والجن
8 -
(1/205)
إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ
الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ
قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81)
{أئنكم} بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَتَيْنِ
وَتَسْهِيل الثَّانِيَة وَإِدْخَال الْأَلِف بَيْنهمَا عَلَى
الْوَجْهَيْنِ وَفِي قِرَاءَة إنَّكُمْ {لَتَأْتُونَ الرِّجَال
شَهْوَة مِنْ دُون النِّسَاء بَلْ أَنْتُمْ قَوْم مُسْرِفُونَ}
مُتَجَاوِزُونَ الْحَلَال إلَى الْحَرَام
8 -
(1/205)
وَمَا كَانَ جَوَابَ
قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ
إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82)
{وَمَا كَانَ جَوَاب قَوْمه إلَّا أَنْ
قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ} أَيْ لُوطًا وَأَتْبَاعه {مِنْ
قَرْيَتكُمْ إنَّهُمْ أُنَاس يَتَطَهَّرُونَ} مِنْ أَدْبَار
الرِّجَال
8 -
(1/205)
فَأَنْجَيْنَاهُ
وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ
(83)
{فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْله إلَّا امْرَأَته
كَانَتْ مِنْ الْغَابِرِينَ} الْبَاقِينَ فِي الْعَذَاب
8 -
(1/205)
وَأَمْطَرْنَا
عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ
الْمُجْرِمِينَ (84)
{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا} هُوَ
حِجَارَة السِّجِّيل فَأَهْلَكَتْهُمْ {فانظر كيف كان عاقبة
المجرمين}
8 -
(1/205)
وَإِلَى مَدْيَنَ
أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا
لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ
رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا
تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي
الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ
كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85)
{و} أَرْسَلْنَا {إلَى مَدْيَن أَخَاهُمْ
شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْم اُعْبُدُوا اللَّه مَا لَكُمْ مِنْ
إلَه غَيْره قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَة} مُعْجِزَة {مِنْ
رَبّكُمْ} عَلَى صِدْقِي {فَأَوْفُوا} أَتِمُّوا {الْكَيْل
وَالْمِيزَان وَلَا تَبْخَسُوا} تُنْقِصُوا {النَّاس
أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْض} بِالْكُفْرِ
وَالْمَعَاصِي {بَعْد إصْلَاحهَا} بِبَعْثِ الرُّسُل
{ذَلِكُمْ} الْمَذْكُور {خَيْر لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ
مُؤْمِنِينَ} مُرِيدِي الْإِيمَان فَبَادِرُوا إلَيْهِ
8 -
(1/205)
وَلَا تَقْعُدُوا
بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ
مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ
كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ
عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86)
{وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاط} طَرِيق
{تُوعِدُونَ} تُخَوِّفُونَ النَّاس بِأَخْذِ ثِيَابهمْ أَوْ
الْمَكْس مِنْهُمْ {وَتَصُدُّونَ} تَصْرِفُونَ {عَنْ سَبِيل
اللَّه} دِينه {مَنْ آمَنَ بِهِ} بِتَوَعُّدِكُمْ إيَّاهُ
بِالْقَتْلِ {وَتَبْغُونَهَا} تَطْلُبُونَ الطَّرِيق {عِوَجًا}
مُعْوَجَّة {وَاذْكُرُوا إذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ
وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَة الْمُفْسِدِينَ} قَبْلكُمْ
بِتَكْذِيبِ رُسُلهمْ أَيْ آخِر أَمْرهمْ مِنْ الْهَلَاك
(1/205)
8 -
(1/206)
وَإِنْ كَانَ
طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ
وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ
اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (87)
{وَإِنْ كَانَ طَائِفَة مِنْكُمْ آمَنُوا
بِاَلَّذِي أُرْسِلْت بِهِ وَطَائِفَة لَمْ يُؤْمِنُوا} بِهِ
{فَاصْبِرُوا} انْتَظِرُوا {حَتَّى يَحْكُم اللَّه بَيْننَا}
وَبَيْنكُمْ بِإِنْجَاءِ الْمُحِقّ وَإِهْلَاك الْمُبْطِل
{وَهُوَ خَيْر الْحَاكِمِينَ} أَعْدَلهمْ
8 -
(1/206)
قَالَ الْمَلَأُ
الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا
شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ
لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ
(88)
{قَالَ الْمَلَأ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا
مِنْ قَوْمه} عَنْ الْإِيمَان {لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْب
وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مَعَك مِنْ قَرْيَتنَا أَوْ
لَتَعُودُنَّ} تَرْجِعُنَّ {فِي مِلَّتنَا} دِيننَا
وَغَلَّبُوا فِي الْخِطَاب الْجَمْع عَلَى الْوَاحِد لِأَنَّ
شُعَيْبًا لَمْ يَكُنْ فِي مِلَّتهمْ قَطّ وعلى نحوه أجاب {قال
أ} نعود فيها {ولو كُنَّا كَارِهِينَ} لَهَا اسْتِفْهَام
إنْكَار
8 -
(1/206)
قَدِ افْتَرَيْنَا
عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ
إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ
نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ
رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا
رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ
وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89)
{قَدْ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّه كَذِبًا
إنْ عُدْنَا في ملتكم بعد إذ نجانا الله مِنْهَا وَمَا يَكُون}
يَنْبَغِي {لَنَا أَنْ نَعُود فِيهَا إلَّا أَنْ يَشَاء اللَّه
رَبّنَا} ذَلِكَ فَيَخْذُلنَا {وَسِعَ رَبّنَا كُلّ شَيْء
عِلْمًا} أَيْ وَسِعَ عِلْمه كُلّ شَيْء وَمِنْهُ حَالِي
وَحَالكُمْ {عَلَى اللَّه تَوَكَّلْنَا رَبّنَا افْتَحْ}
اُحْكُمْ {بَيْننَا وَبَيْن قَوْمنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ
خَيْر الْفَاتِحِينَ} الْحَاكِمِينَ
9 -
(1/206)
وَقَالَ الْمَلَأُ
الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ
شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (90)
{وَقَالَ الْمَلَأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ
قَوْمه} أَيْ قال بعضهم لبعض {لئن} لام قسم {اتبعتم شعيبا إنكم
إذا لخاسرون}
9 -
(1/206)
فَأَخَذَتْهُمُ
الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (91)
{فَأَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَة} الزَّلْزَلَة
الشَّدِيدَة {فَأَصْبَحُوا فِي دَارهمْ جَاثِمِينَ} بَارِكِينِ
عَلَى الرُّكَب مَيِّتِينَ
9 -
(1/206)
الَّذِينَ كَذَّبُوا
شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا
شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ (92)
{الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا} مُبْتَدَأ
خَبَره {كَأَنْ} مُخَفَّفَة وَاسْمهَا مَحْذُوف أَيْ
كَأَنَّهُمْ {لَمْ يَغْنَوْا} يُقِيمُوا {فِيهَا} فِي
دِيَارهمْ {الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمْ
الْخَاسِرِينَ} التَّأْكِيد بِإِعَادَةِ الْمَوْصُول وَغَيْره
لِلرَّدِّ عَلَيْهِمْ فِي قَوْلهمْ السَّابِق
9 -
(1/206)
فَتَوَلَّى عَنْهُمْ
وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي
وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ (93)
{فَتَوَلَّى} أَعَرَضَ {عَنْهُمْ وَقَالَ
يَا قَوْم لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَات رَبِّي وَنَصَحْت
لَكُمْ} فَلَمْ تُؤْمِنُوا {فكيف آسى} أحزن {على قوم كافرين}
اسْتِفْهَام بِمَعْنَى النَّفْي
(1/206)
9 -
(1/207)
وَمَا أَرْسَلْنَا فِي
قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا
بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94)
{وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَة مِنْ
نَبِيّ} فَكَذَّبُوهُ {إلا أخذنا} عاقبنا {أهلها بالبأساء}
بشدة الْفَقْر {وَالضَّرَّاء} الْمَرَض {لَعَلَّهُمْ
يَضَّرَّعُونَ} يَتَذَلَّلُونَ فَيُؤْمِنُونَ
9 -
(1/207)
ثُمَّ بَدَّلْنَا
مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا
قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ
فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (95)
{ثُمَّ بَدَّلْنَا} أَعْطَيْنَاهُمْ
{مَكَان السَّيِّئَة} الْعَذَاب {الْحَسَنَة} الْغِنَى
وَالصِّحَّة {حَتَّى عَفَوْا} كَثُرُوا {وَقَالُوا} كُفْرًا
لِلنِّعْمَةِ {قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاء وَالسَّرَّاء}
كَمَا مَسَّنَا وَهَذِهِ عَادَة الدَّهْر وَلَيْسَتْ
بِعُقُوبَةٍ مِنْ الله فكونوا على ما أنتم عليه قال تعالى
{فَأَخَذْنَاهُمْ} بِالْعَذَابِ {بَغْتَة} فَجْأَة {وَهُمْ لَا
يَشْعُرُونَ} بِوَقْتِ مَجِيئِهِ قَبْله
9 -
(1/207)
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ
الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ
بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا
فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)
{وَلَوْ أَنَّ أَهْل الْقُرَى}
الْمُكَذِّبِينَ {آمَنُوا} بِاَللَّهِ وَرُسُلهمْ
{وَاتَّقَوْا} الْكُفْر وَالْمَعَاصِي {لَفَتَحْنَا}
بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد {عَلَيْهِمْ بَرَكَات مِنْ
السَّمَاء} بِالْمَطَرِ {وَالْأَرْض} بِالنَّبَاتِ {ولكن
كذبوا} الرسل {فأخذناهم} عاقبناهم {بما كانوا يكسبون}
9 -
(1/207)
أَفَأَمِنَ أَهْلُ
الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ
نَائِمُونَ (97)
{أَفَأَمِنَ أَهْل الْقُرَى}
الْمُكَذِّبُونَ {أَنْ يَأْتِيهِمْ بَأْسنَا} عَذَابنَا
{بَيَاتًا} لَيْلًا {وَهُمْ نَائِمُونَ} غَافِلُونَ عَنْهُ
9 -
(1/207)
أَوَأَمِنَ أَهْلُ
الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ
يَلْعَبُونَ (98)
{أو أمن أَهْل الْقُرَى أَنْ يَأْتِيهِمْ
بَأْسنَا ضُحًى} نَهَارًا {وهم يلعبون}
9 -
(1/207)
أَفَأَمِنُوا مَكْرَ
اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ
الْخَاسِرُونَ (99)
{أَفَأَمِنُوا مَكْر اللَّه} اسْتِدْرَاجه
إيَّاهُمْ بِالنِّعْمَةِ وَأَخْذهمْ بغتة {فلا يأمن مكر الله
إلا القوم الخاسرون}
10 -
(1/207)
أَوَلَمْ يَهْدِ
لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ
لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى
قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (100)
{أو لم يَهْدِ} يَتَبَيَّن {لِلَّذِينَ
يَرِثُونَ الْأَرْض} بِالسُّكْنَى {مِنْ بعد} هلاك {أهلها أن}
فاعل مُخَفَّفَة وَاسْمهَا مَحْذُوف أَيْ أَنَّهُ {لَوْ نَشَاء
أَصَبْنَاهُمْ} بِالْعَذَابِ {بِذُنُوبِهِمْ} كَمَا أَصَبْنَا
مَنْ قَبْلهمْ وَالْهَمْزَة فِي الْمَوَاضِع الْأَرْبَعَة
لِلتَّوْبِيخِ وَالْفَاء وَالْوَاو الدَّاخِلَة عَلَيْهِمَا
لِلْعَطْفِ وَفِي قِرَاءَة بِسُكُونِ الْوَاو في الموضع الأول
عطفا بأو {و} نحن {نطبع} نَخْتِم {عَلَى قُلُوبهمْ فَهُمْ لَا
يَسْمَعُونَ} الْمَوْعِظَة سماع تدبر
(1/207)
10 -
(1/208)
تِلْكَ الْقُرَى
نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ
رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا
كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى
قُلُوبِ الْكَافِرِينَ (101)
{تِلْكَ الْقُرَى} الَّتِي مَرَّ ذِكْرهَا
{نَقُصّ عَلَيْك} يَا مُحَمَّد {مِنْ أَنْبَائِهَا} أَخْبَار
أَهْلهَا {وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلهمْ بِالْبَيِّنَاتِ}
الْمُعْجِزَات الظَّاهِرَات {فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا}
عِنْد مَجِيئِهِمْ {بِمَا كَذَّبُوا} كَفَرُوا بِهِ {مِنْ
قَبْل} قَبْل مَجِيئِهِمْ بَلْ اسْتَمَرُّوا عَلَى الكفر
{كذلك} الطبع {يطبع الله على قلوب الكافرين}
10 -
(1/208)
وَمَا وَجَدْنَا
لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ
لَفَاسِقِينَ (102)
{وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ} أَيْ
النَّاس {مِنْ عَهْد} أَيْ وَفَاء بِعَهْدِهِمْ يَوْم أُخِذَ
الْمِيثَاق {وَإِنْ} مخففة {وجدنا أكثرهم لفاسقين}
10 -
(1/208)
ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ
بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ
فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ
الْمُفْسِدِينَ (103)
{ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدهمْ} أَيْ
الرُّسُل الْمَذْكُورِينَ {موسى بآياتنا} التسع {إلى فرعون
وملإه} قَوْمه {فَظَلَمُوا} كَفَرُوا {بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ
كَانَ عَاقِبَة الْمُفْسِدِينَ} بِالْكُفْرِ مِنْ إهْلَاكهمْ
10 -
(1/208)
وَقَالَ مُوسَى يَا
فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (104)
{وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْن إنِّي
رَسُول مِنْ رب العالمين} إليك فكذبه فقال أنا
10 -
(1/208)
حَقِيقٌ عَلَى أَنْ
لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ
بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي
إِسْرَائِيلَ (105)
{حَقِيق} جَدِير {عَلَى أَنْ} أَيْ بِأَنْ
{لَا أَقُول عَلَى اللَّه إلَّا الْحَقّ} وَفِي قِرَاءَة
بِتَشْدِيدِ الْيَاء فَحَقِيق مُبْتَدَأ خَبَره أَنْ وَمَا
بَعْده {قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبّكُمْ فَأَرْسِلْ
مَعِي} إلَى الشَّام {بَنِي إسْرَائِيل} وَكَانَ
اسْتَعْبَدَهُمْ
10 -
(1/208)
قَالَ إِنْ كُنْتَ
جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ
(106)
{قَالَ} فِرْعَوْن لَهُ {إنْ كُنْت جِئْت
بِآيَةٍ} عَلَى دَعْوَاك {فَأْتِ بِهَا إنْ كُنْت مِنْ
الصادقين} فيها
10 -
(1/208)
فَأَلْقَى عَصَاهُ
فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (107)
{فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَان
مُبِين} حَيَّة عظيمة
10 -
(1/208)
وَنَزَعَ يَدَهُ
فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108)
{وَنَزَعَ يَده} أَخْرَجَهَا مِنْ جَيْبه
{فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء} ذَات شُعَاع {لِلنَّاظِرِينَ} خِلَاف
مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْأُدْمَة
10 -
(1/208)
قَالَ الْمَلَأُ مِنْ
قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109)
{قَالَ الْمَلَأ مِنْ قَوْم فِرْعَوْن إنَّ
هَذَا لَسَاحِر عَلِيم} فَائِق فِي عِلْم السِّحْر وَفِي
الشُّعَرَاء أَنَّهُ مِنْ قَوْل فِرْعَوْن نَفْسه
فَكَأَنَّهُمْ قالوه معه على سبيل التشاور
(1/208)
11 -
(1/209)
يُرِيدُ أَنْ
يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110)
{يريد ان يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون}
11 -
(1/209)
قَالُوا أَرْجِهْ
وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111)
{قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ} أَخِّرْ
أَمْرهمَا {وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِن حَاشِرِينَ} جَامِعِينَ
11 -
(1/209)
يَأْتُوكَ بِكُلِّ
سَاحِرٍ عَلِيمٍ (112)
{يَأْتُوك بِكُلِّ سَاحِر} وَفِي قِرَاءَة
سَحَّار {عَلِيم} يَفْضُل مُوسَى فِي عِلْم السِّحْر
فَجَمَعُوا
11 -
(1/209)
وَجَاءَ السَّحَرَةُ
فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ
الْغَالِبِينَ (113)
{وجاء السحرة فرعون قالوا أئن} بِتَحْقِيقِ
الْهَمْزَتَيْنِ وَتَسْهِيل الثَّانِيَة وَإِدْخَال أَلِف
بَيْنهمَا على الوجهين {لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين}
11 -
(1/209)
قَالَ نَعَمْ
وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114)
{قال نعم وإنكم لمن المقربين}
11 -
(1/209)
قَالُوا يَا مُوسَى
إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ
الْمُلْقِينَ (115)
{قَالُوا يَا مُوسَى إمَّا أَنْ تُلْقِي}
عَصَاك {وَإِمَّا أَنْ نَكُون نَحْنُ الْمُلْقِينَ} مَا
مَعَنَا
11 -
(1/209)
قَالَ أَلْقُوا
فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ
وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116)
{قَالَ أَلْقُوا} أَمْر لِلْإِذْنِ
بِتَقْدِيمِ إلْقَائِهِمْ تَوَصُّلًا بِهِ إلَى إظْهَار
الْحَقّ {فَلَمَّا أَلْقَوْا} حِبَالهمْ وَعِصِيّهمْ {سَحَرُوا
أَعْيُن النَّاس} صَرَفُوهَا عَنْ حَقِيقَة إدْرَاكهَا
{وَاسْتَرْهَبُوهُمْ} خَوَّفُوهُمْ حَيْثُ خَيَّلُوهَا حَيَّات
تَسْعَى {وجاءوا بسحر عظيم}
11 -
(1/209)
وَأَوْحَيْنَا إِلَى
مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا
يَأْفِكُونَ (117)
{وَأَوْحَيْنَا إلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ
عَصَاك فَإِذَا هِيَ تَلْقَف} بِحَذْفِ إحْدَى التَّاءَيْنِ
فِي الْأَصْل تَبْتَلِع {مَا يَأْفِكُونَ} يُقَلِّبُونَ
بِتَمْوِيهِهِمْ
11 -
(1/209)
فَوَقَعَ الْحَقُّ
وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118)
{فَوَقَعَ الْحَقّ} ثَبَتَ وَظَهَرَ
{وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} مِنْ السِّحْر
11 -
(1/209)
فَغُلِبُوا هُنَالِكَ
وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119)
{فَغَلَبُوا} أَيْ فِرْعَوْن وَقَوْمه
{هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ} صاروا ذليلين
12 -
(1/209)
وَأُلْقِيَ
السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120)
{وألقي السحرة ساجدين}
12 -
(1/209)
قَالُوا آمَنَّا
بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121)
{قالوا آمنا برب العالمين}
12 -
(1/209)
رَبِّ مُوسَى
وَهَارُونَ (122)
{رَبّ مُوسَى وَهَارُونَ} لِعِلْمِهِمْ
بِأَنَّ مَا شَاهَدُوهُ مِنْ الْعَصَا لَا يَتَأَتَّى
بِالسِّحْرِ
(1/209)
12 -
(1/210)
قَالَ فِرْعَوْنُ
آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ
مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا
أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123)
{قال فرعون أأمنتم} بِتَحْقِيقِ
الْهَمْزَتَيْنِ وَإِبْدَال الثَّانِيَة أَلِفًا {بِهِ}
بِمُوسَى {قَبْل أَنْ آذَنَ} أَنَا {لَكُمْ إنْ هَذَا} الَّذِي
صَنَعْتُمُوهُ {لَمَكْر مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَة
لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلهَا فَسَوْف تَعْلَمُونَ} مَا
يَنَالكُمْ مِنِّي
12 -
(1/210)
لَأُقَطِّعَنَّ
أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ
لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124)
{لَأُقَطِّعَن أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلكُمْ
مِنْ خِلَاف} أَيْ يَد كل واحد اليمنى ورجله اليسرى {ثم
لأصلبنكم أجمعين}
12 -
(1/210)
قَالُوا إِنَّا إِلَى
رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (125)
{قَالُوا إنَّا إلَى رَبّنَا} بَعْد
مَوْتنَا بِأَيِّ وَجْه كَانَ {مُنْقَلِبُونَ} رَاجِعُونَ فِي
الْآخِرَة
12 -
(1/210)
وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا
إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا
رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ
(126)
{وَمَا تَنْقِم} تُنْكِر {مِنَّا إلَّا
أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبّنَا
أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا} عِنْد فِعْل مَا تَوَعَّدْنَا
بِهِ لِئَلَّا نرجع كفارا {وتوفنا مسلمين}
12 -
(1/210)
وَقَالَ الْمَلَأُ
مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ
لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ
سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا
فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127)
{وَقَالَ الْمَلَأ مِنْ قَوْم فِرْعَوْن}
لَهُ {أَتَذَرُ} تَتْرُك {مُوسَى وَقَوْمه لِيُفْسِدُوا فِي
الْأَرْض} بِالدُّعَاءِ إلَى مُخَالَفَتك {وَيَذَرك وَآلِهَتك}
وَكَانَ صَنَعَ لَهُمْ أَصْنَامًا صِغَارًا يَعْبُدُونَهَا
وَقَالَ أَنَا رَبّكُمْ وَرَبّهَا وَلِذَا قَالَ أَنَا
رَبّكُمْ الْأَعْلَى {قَالَ سَنُقَتِّلُ} بِالتَّشْدِيدِ
وَالتَّخْفِيف {أَبْنَاءَهُمْ} الْمَوْلُودِينَ {وَنَسْتَحْيي}
نَسْتَبْقِي {نِسَاءَهُمْ} كَفِعْلِنَا بِهِمْ مِنْ قَبْل
{وَإِنَّا فَوْقهمْ قَاهِرُونَ} قَادِرُونَ فَفَعَلُوا بِهِمْ
ذَلِكَ فَشَكَا بَنُو إسْرَائِيل
12 -
(1/210)
قَالَ مُوسَى
لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ
الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ
وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128)
{قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا
بِاَللَّهِ وَاصْبِرُوا} عَلَى أَذَاهُمْ {إنَّ الْأَرْض
لِلَّهِ يُورِثهَا} يُعْطِيهَا {مَنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده
وَالْعَاقِبَة} الْمَحْمُودَة {لِلْمُتَّقِينَ} اللَّه
12 -
(1/210)
قَالُوا أُوذِينَا
مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا
قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ
وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ
تَعْمَلُونَ (129)
{قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْل أَنْ
تَأْتِينَا وَمِنْ بَعْد مَا جِئْتنَا قَالَ عَسَى رَبّكُمْ
أَنْ يُهْلِك عَدُوّكُمْ وَيَسْتَخْلِفكُمْ فِي الْأَرْض
فَيَنْظُر كَيْفَ تعملون} فيها
(1/210)
13 -
(1/211)
وَلَقَدْ أَخَذْنَا
آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ
لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130)
{وَلَقَدْ أَخَذْنَا آل فِرْعَوْن
بِالسِّنِينَ} بِالْقَحْطِ {وَنَقْص مِنْ الثَّمَرَات
لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} يَتَّعِظُونَ فَيُؤْمِنُونَ
13 -
(1/211)
فَإِذَا جَاءَتْهُمُ
الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ
يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا
طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا
يَعْلَمُونَ (131)
{فَإِذَا جَاءَتْهُمْ الْحَسَنَة} الْخِصْب
وَالْغِنَى {قَالُوا لَنَا هَذِهِ} أَيْ نَسْتَحِقّهَا وَلَمْ
يَشْكُرُوا عَلَيْهَا {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَة} جَدْب
وَبَلَاء {يَطَّيَّرُوا} يَتَشَاءَمُوا {بِمُوسَى وَمَنْ
مَعَهُ} مِنْ الْمُؤْمِنِينَ {أَلَا إنَّمَا طَائِرهمْ}
شُؤْمهمْ {عِنْد اللَّه} يَأْتِيهِمْ بِهِ {وَلَكِنَّ
أَكْثَرهمْ لَا يَعْلَمُونَ} أَنَّ مَا يُصِيبهُمْ مِنْ عِنْده
13 -
(1/211)
وَقَالُوا مَهْمَا
تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ
لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132)
{وَقَالُوا} لِمُوسَى {مَهْمَا تَأْتِنَا
بِهِ مِنْ آيَة لِتَسْحَرنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَك
بِمُؤْمِنِينَ} فَدَعَا عليهم
13 -
(1/211)
فَأَرْسَلْنَا
عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ
وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا
وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (133)
{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ الطُّوفَان}
وَهُوَ مَاء دَخَلَ بُيُوتهمْ وَوَصَلَ إلَى حُلُوق
الْجَالِسِينَ سَبْعَة أَيَّام {وَالْجَرَاد} فَأَكَلَ
زَرْعهمْ وَثِمَارهمْ كَذَلِكَ {وَالْقُمّل} السُّوس أَوْ
نَوْع مِنْ الْقُرَاد فَتَتَبَّعَ مَا تَرَكَهُ الْجَرَاد
{وَالضَّفَادِع} فَمَلَأَتْ بُيُوتهمْ وَطَعَامهمْ {وَالدَّم}
فِي مِيَاههمْ {آيَات مُفَصَّلَات} مُبَيِّنَات
{فَاسْتَكْبَرُوا} عَنْ الْإِيمَان بِهَا {وكانوا قوما مجرمين}
13 -
(1/211)
وَلَمَّا وَقَعَ
عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ
بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ
لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ
(134)
{وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمْ الرِّجْز}
الْعَذَاب {قَالُوا يَا مُوسَى اُدْعُ لَنَا رَبّك بِمَا
عَهِدَ عِنْدك} مِنْ كَشْف الْعَذَاب عَنَّا إِنْ آمَنَّا
{لَئِنْ} لام قسم {كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني
إسرائيل}
13 -
(1/211)
فَلَمَّا كَشَفْنَا
عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ
يَنْكُثُونَ (135)
{فَلَمَّا كَشَفْنَا} بِدُعَاءِ مُوسَى
{عَنْهُمْ الرِّجْز إلَى أَجَل هُمْ بَالِغُوهُ إذَا هُمْ
يَنْكُثُونَ} يَنْقُضُونَ عَهْدهمْ وَيُصِرُّونَ عَلَى
كُفْرهمْ
13 -
(1/211)
فَانْتَقَمْنَا
مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ
كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (136)
{فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ
فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمّ} الْبَحْر الْمِلْح
{بِأَنَّهُمْ} بِسَبَبِ أَنَّهُمْ {كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا
وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} لَا يَتَدَبَّرُونَهَا
(1/211)
13 -
(1/212)
وَأَوْرَثْنَا
الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ
الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ
كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا
صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ
وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137)
{وَأَوْرَثْنَا الْقَوْم الَّذِينَ كَانُوا
يُسْتَضْعَفُونَ} بِالِاسْتِعْبَادِ وَهُمْ بَنُو إسْرَائِيل
{مَشَارِق الْأَرْض وَمَغَارِبهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا}
بِالْمَاءِ وَالشَّجَر صِفَة لِلْأَرْضِ وَهِيَ الشَّام
{وَتَمَّتْ كَلِمَة رَبّك الْحُسْنَى} وَهِيَ قَوْله تَعَالَى
{وَنُرِيد أَنْ نَمُنّ عَلَى الَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي
الْأَرْض} إلَخْ {عَلَى بَنِي إسْرَائِيل بِمَا صَبَرُوا}
عَلَى أَذَى عَدُوّهُمْ {وَدَمَّرْنَا} أَهَلَكْنَا {مَا كَانَ
يَصْنَع فِرْعَوْن وَقَوْمه} مِنْ الْعِمَارَة {وَمَا كَانُوا
يَعْرِشُونَ} بِكَسْرِ الرَّاء وَضَمّهَا يَرْفَعُونَ مِنْ
الْبُنْيَان
13 -
(1/212)
وَجَاوَزْنَا بِبَنِي
إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ
عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا
إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ
تَجْهَلُونَ (138)
{وَجَاوَزْنَا} عَبَرْنَا {بِبَنِي
إسْرَائِيل الْبَحْر فَأَتَوْا} فَمَرُّوا {عَلَى قَوْم
يَعْكُفُونَ} بِضَمِّ الْكَاف وَكَسْرهَا {عَلَى أَصْنَام
لَهُمْ} يُقِيمُونَ عَلَى عِبَادَتهَا {قَالُوا يَا مُوسَى
اجْعَلْ لَنَا إلَهًا} صَنَمًا نَعْبُدهُ {كَمَا لَهُمْ آلِهَة
قَالَ إنَّكُمْ قَوْم تَجْهَلُونَ} حَيْثُ قَابَلْتُمْ نِعْمَة
اللَّه عَلَيْكُمْ بِمَا قُلْتُمُوهُ
13 -
(1/212)
إِنَّ هَؤُلَاءِ
مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
(139)
{إن هؤلاء متبر} هالك {ما هم فيه وباطل ما
كانوا يعملون}
14 -
(1/212)
قَالَ أَغَيْرَ
اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى
الْعَالَمِينَ (140)
{قَالَ أَغَيْر اللَّه أَبْغِيكُمْ إلَهًا}
مَعْبُودًا وَأَصْله أَبْغِي لَكُمْ {وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى
الْعَالَمِينَ} فِي زَمَانكُمْ بِمَا ذَكَرَهُ في قوله
14 -
(1/212)
وَإِذْ
أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ
الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ
نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ
(141)
{وَ} اُذْكُرُوا {إذْ أَنْجَيْنَاكُمْ}
وَفِي قِرَاءَة أَنَجَاكُمْ {مِنْ آل فِرْعَوْن
يَسُومُونَكُمْ} يُكَلِّفُونَكُمْ وَيُذِيقُونَكُمْ {سُوء
العذاب} أشده وهو {يقتلون أبناءكم ويستحيون} يستبقون {نساءكم
وَفِي ذَلِكُمْ} الْإِنْجَاء أَوْ الْعَذَاب {بَلَاء} إنْعَام
أَوْ ابْتِلَاء {مِنْ رَبّكُمْ عَظِيم} أَفَلَا تَتَّعِظُونَ
فَتَنْتَهُوا عَمَّا قُلْتُمْ
(1/212)
14 -
(1/213)
وَوَاعَدْنَا مُوسَى
ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ
مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى
لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا
تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142)
{وَوَاعَدْنَا} بِأَلِفٍ وَدُونهَا {مُوسَى
ثَلَاثِينَ لَيْلَة} نُكَلِّمهُ عِنْد انْتِهَائِهَا بِأَنْ
يَصُومهَا وَهِيَ ذُو الْقَعْدَة فَصَامَهَا فَلَمَّا تَمَّتْ
أَنْكَرَ خُلُوف فَمه فَاسْتَاك فَأَمَرَهُ اللَّه بِعَشَرَةٍ
أُخْرَى لِيُكَلِّمهُ بِخُلُوفِ فَمه كما قال تعالى
{وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ} مِنْ ذِي الْحِجَّة {فَتَمَّ
مِيقَات رَبّه} وَقْت وَعْده بِكَلَامِهِ إيَّاهُ
{أَرْبَعِينَ} حَال {لَيْلَة} تَمْيِيز {وَقَالَ مُوسَى
لِأَخِيهِ هَارُونَ} عِنْد ذَهَابه إلَى الْجَبَل
لِلْمُنَاجَاةِ {اُخْلُفْنِي} كُنْ خَلِيفَتِي {فِي قَوْمِي
وَأَصْلِحْ} أَمْرهمْ {وَلَا تَتَّبِع سَبِيل الْمُفْسِدِينَ}
بِمُوَافَقَتِهِمْ عَلَى الْمَعَاصِي
14 -
(1/213)
وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى
لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي
أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى
الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي
فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ
مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ
إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)
{وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا}
أَيْ لِلْوَقْتِ الَّذِي وَعَدْنَاهُ بِالْكَلَامِ فِيهِ
{وَكَلَّمَهُ رَبّه} بِلَا وَاسِطَة كَلَامًا سَمِعَهُ مِنْ
كُلّ جِهَة {قَالَ رَبّ أَرِنِي} نَفْسك {أَنْظُر إلَيْك قَالَ
لَنْ تَرَانِي} أَيْ لَا تَقْدِر عَلَى رُؤْيَتِي
وَالتَّعْبِير بِهِ دُون لَنْ أَرَى يُفِيد إمْكَان رُؤْيَته
تَعَالَى {وَلَكِنْ اُنْظُرْ إلَى الْجَبَل} الَّذِي هُوَ
أَقْوَى مِنْك {فَإِنْ اسْتَقَرَّ} ثَبَتَ {مَكَانه فَسَوْف
تَرَانِي} أَيْ تَثْبُت لِرُؤْيَتِي وَإِلَّا فَلَا طَاقَة لَك
{فَلَمَّا تَجَلَّى رَبّه} أَيْ ظَهَرَ مِنْ نُوره قَدْر نِصْف
أُنْمُلَة الْخِنْصَر كَمَا فِي حَدِيث صَحَّحَهُ الْحَاكِم
{لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} بِالْقَصْرِ وَالْمَدّ أَيْ
مَدْكُوكًا مُسْتَوِيًا بِالْأَرْضِ {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا}
مَغْشِيًّا عَلَيْهِ لِهَوْلِ مَا رَأَى {فَلَمَّا أَفَاقَ
قَالَ سُبْحَانك} تَنْزِيهًا لَك {تُبْت إلَيْك} مِنْ سُؤَال
مَا لَمْ أُؤْمَر بِهِ {وَأَنَا أَوَّل الْمُؤْمِنِينَ} فِي
زَمَانِي
14 -
(1/213)
قَالَ يَا مُوسَى
إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي
وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ
(144)
{قَالَ} تَعَالَى لَهُ {يَا مُوسَى إنِّي
اصْطَفَيْتُك} اخْتَرْتُك {عَلَى النَّاس} أَهْل زَمَانك
{بِرِسَالَاتِي} بِالْجَمْعِ وَالْإِفْرَاد {وَبِكَلَامِي}
أَيْ تَكْلِيمِي إيَّاكَ {فَخُذْ مَا آتيك} مِنْ الْفَضْل
{وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ} لِأَنْعُمِي
(1/213)
14 -
(1/214)
وَكَتَبْنَا لَهُ فِي
الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا
لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ
يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ
(145)
{وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاح} أَيْ
أَلْوَاح التَّوْرَاة وَكَانَتْ مِنْ سِدْر الْجَنَّة أَوْ
زَبَرْجَد أَوْ زُمُرُّد سَبْعَة أَوْ عَشَرَة {مِنْ كُلّ
شَيْء} يَحْتَاج إلَيْهِ فِي الدِّين {مَوْعِظَة وَتَفْصِيلًا}
تَبْيِينًا {لِكُلِّ شَيْء} بَدَل مِنْ الْجَار وَالْمَجْرُور
قَبْله {فَخُذْهَا} قَبْله قُلْنَا مُقَدَّرًا {بِقُوَّةٍ}
بِجِدٍّ وَاجْتِهَاد {وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأريكم دَار
الْفَاسِقِينَ} فِرْعَوْن وَأَتْبَاعه وَهِيَ مِصْر
لِتَعْتَبِرُوا بهم
14 -
(1/214)
سَأَصْرِفُ عَنْ
آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ
الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا
وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا
وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ
بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا
غَافِلِينَ (146)
{سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي} دَلَائِل
قُدْرَتِي مِنْ الْمَصْنُوعَات وَغَيْرهَا {الَّذِينَ
يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْض بِغَيْرِ الْحَقّ} بِأَنْ
أَخْذَلهمْ فَلَا يَتَكَبَّرُونَ فِيهَا {وَإِنْ يَرَوْا كُلّ
آيَة لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيل} طَرِيق
{الرُّشْد} الْهُدَى الَّذِي جَاءَ مِنْ عِنْد اللَّه {لَا
يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا} يَسْلُكُوهُ {وَإِنْ يَرَوْا سَبِيل
الْغَيّ} الضَّلَال {يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ} الصَّرْف
{بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا
غَافِلِينَ} تقدم مثله
14 -
(1/214)
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا
بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ
يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (147)
{وَاَلَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا
وَلِقَاء الْآخِرَة} الْبَعْث وَغَيْره {حَبِطَتْ} بَطَلَتْ
{أَعْمَالهمْ} مَا عَمِلُوهُ فِي الدُّنْيَا مِنْ خَيْر
كَصِلَةِ رَحِم وَصَدَقَة فَلَا ثَوَاب لَهُمْ لِعَدِمِ شَرْطه
{هَلْ} مَا {يُجْزَوْنَ إلَّا} جَزَاء {مَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ} مِنْ التَّكْذِيب وَالْمَعَاصِي
(1/214)
14 -
(1/215)
وَاتَّخَذَ قَوْمُ
مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ
خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا
يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ (148)
{وَاِتَّخَذَ قَوْم مُوسَى مِنْ بَعْده}
أَيْ بَعْد ذَهَابه إلَى الْمُنَاجَاة {مِنْ حُلِيّهمْ}
الَّذِي اسْتَعَارُوهُ مِنْ قَوْم فِرْعَوْن بِعَلَّةِ عُرْس
فَبَقِيَ عِنْدهمْ {عِجْلًا} صَاغَهُ لَهُمْ مِنْهُ
السَّامِرِيّ {جَسَدًا} بُدِّلَ لَحْمًا وَدَمًا {لَهُ خُوَار}
أَيْ صَوْت يُسْمَع انْقَلَبَ كَذَلِكَ بِوَضْعِ التُّرَاب
الَّذِي أَخَذَهُ مِنْ حَافِر فَرَس جِبْرِيل فِي فَمه فَإِنَّ
أَثَره الْحَيَاة فِيمَا يُوضَع فِيهِ وَمَفْعُول اتَّخَذَ
الثَّانِي مَحْذُوف أَيْ إلَهًا {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا
يُكَلِّمهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا} فَكَيْفَ يُتَّخَذ
إلَهًا {اتَّخَذُوهُ} إلَهًا {وَكَانُوا ظَالِمِينَ}
بِاِتِّخَاذِهِ
14 -
(1/215)
وَلَمَّا سُقِطَ فِي
أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ
لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ (149)
{وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهمْ} أَيْ
نَدِمُوا عَلَى عِبَادَته {وَرَأَوْا} عَلِمُوا {أَنَّهُمْ
قَدْ ضَلُّوا} بِهَا وَذَلِكَ بَعْد رُجُوع مُوسَى {قَالُوا
لَئِنْ لَمْ يَرْحَمنَا رَبّنَا وَيَغْفِر لَنَا} بِالْيَاءِ
وَالتَّاء فِيهِمَا {لنكونن من الخاسرين}
15 -
(1/215)
وَلَمَّا رَجَعَ
مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا
خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ
وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ
إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي
وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ
وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150)
{وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إلَى قَوْمه
غَضْبَان} مِنْ جِهَتهمْ {أَسِفًا} شَدِيد الْحُزْن {قَالَ
بِئْسَمَا} أَيْ بئس خلافة {خلفتموني} ها {مِنْ بَعْدِي}
خِلَافَتكُمْ هَذِهِ حَيْثُ أَشْرَكْتُمْ {أَعَجِلْتُمْ أَمْر
رَبّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاح} أَلْوَاح التَّوْرَاة غَضَبًا
لِرَبِّهِ فَتَكَسَّرَتْ {وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ} أَيْ
بِشَعْرِهِ بِيَمِينِهِ وَلِحْيَته بِشِمَالِهِ {يَجُرّهُ
إلَيْهِ} غَضَبًا {قَالَ} يا {بن أُمّ} بِكَسْرِ الْمِيم
وَفَتْحهَا أَرَادَ أُمِّي وَذِكْرهَا أَعْطَف لِقَلْبِهِ
{إنَّ الْقَوْم اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا} قَارَبُوا
{يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِت} تُفْرِح {بِي الْأَعْدَاء}
بِإِهَانَتِك إيَّايَ {وَلَا تَجْعَلنِي مَعَ الْقَوْم
الظَّالِمِينَ} بِعِبَادَةِ الْعِجْل فِي الْمُؤَاخَذَة
15 -
(1/215)
قَالَ رَبِّ اغْفِرْ
لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ
الرَّاحِمِينَ (151)
{قَالَ رَبّ اغْفِرْ لِي} مَا صَنَعْت
بِأَخِي {وَلِأَخِي} أُشْرِكهُ فِي الدُّعَاء إرْضَاء لَهُ
وَدَفْعًا للشماتة به {وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين}
قال تعالى
15 -
(1/215)
إِنَّ الَّذِينَ
اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ
وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي
الْمُفْتَرِينَ (152)
{إنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْل}
إلَهًا {سَيَنَالُهُمْ غَضَب} عَذَاب {مِنْ رَبّهمْ وَذِلَّة
فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} فَعُذِّبُوا بِالْأَمْرِ بِقَتْلِ
أَنْفُسهمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّة إلَى يَوْم
الْقِيَامَة {وَكَذَلِكَ} كَمَا جَزَيْنَاهُمْ {نَجْزِي
الْمُفْتَرِينَ} عَلَى اللَّه بِالْإِشْرَاكِ وَغَيْره
15 -
(1/215)
وَالَّذِينَ عَمِلُوا
السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ
رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153)
{وَاَلَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَات ثُمَّ
تَابُوا} رَجَعُوا عَنْهَا {مِنْ بَعْدهَا وَآمَنُوا}
بِاَللَّهِ {إنَّ رَبّك مِنْ بَعْدهَا} أَيْ التَّوْبَة
{لَغَفُور} لَهُمْ {رَحِيم} بِهِمْ
(1/215)
15 -
(1/216)
وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ
مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى
وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154)
{وَلَمَّا سَكَتَ} سَكَنَ {عَنْ مُوسَى
الْغَضَب أَخَذَ الْأَلْوَاح} الَّتِي أَلْقَاهَا {وَفِي
نُسْخَتهَا} أَيْ مَا نُسِخَ فِيهَا أَيْ كُتِبَ {هُدًى} مِنْ
الضَّلَالَة {وَرَحْمَة لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ
يَرْهَبُونَ} يَخَافُونَ وَأَدْخَلَ اللَّام عَلَى الْمَفْعُول
لِتَقَدُّمِهِ
15 -
(1/216)
وَاخْتَارَ مُوسَى
قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا
أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ
أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا
فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ
تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ
وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ
الْغَافِرِينَ (155)
{وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمه} أَيْ مِنْ
قَوْمه {سَبْعِينَ رَجُلًا} مِمَّنْ لَمْ يَعْبُدُوا الْعِجْل
بِأَمْرِهِ تَعَالَى {لِمِيقَاتِنَا} أَيْ لِلْوَقْتِ الَّذِي
وَعَدْنَاهُ بِإِتْيَانِهِمْ فِيهِ لِيَعْتَذِرُوا مِنْ
عِبَادَة أَصْحَابهمْ الْعِجْل فَخَرَجَ بِهِمْ {فلما أخذتهم
الرجفة} الزلزلة الشديدة قال بن عَبَّاس لِأَنَّهُمْ لَمْ
يُزَايِلُوا قَوْمهمْ حِين عَبَدُوا الْعِجْل قَالَ وَهُمْ
غَيْر الَّذِينَ سَأَلُوا الرُّؤْيَة وَأَخَذَتْهُمْ
الصَّاعِقَة {قَالَ} مُوسَى {رَبّ لَوْ شِئْت أهلكتهم من قبل}
أي قبل خروجي يهم ليعاين بنو إسرائيل ذلك ولا يتهموني {وإياي
أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا} اسْتِفْهَام
اسْتِعْطَاف أَيْ لَا تُعَذِّبنَا بِذَنْبِ غَيْرنَا {إنْ} مَا
{هِيَ} أَيْ الْفِتْنَة الَّتِي وَقَعَ فِيهَا السُّفَهَاء
{إلَّا فِتْنَتك} ابْتِلَاؤُك {تُضِلّ بِهَا مَنْ تَشَاء}
إضْلَاله {وَتَهْدِي مَنْ تَشَاء} هِدَايَته {أَنْتَ
وَلِيّنَا} متولي أمورنا {فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير
الغافرين}
15 -
(1/216)
وَاكْتُبْ لَنَا فِي
هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا
إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ
وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ
يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ
بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156)
{وَاكْتُبْ} أَوْجِبْ {لَنَا فِي هَذِهِ
الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة} حَسَنَة {إنَّا هُدْنَا}
تُبْنَا {إلَيْك قَالَ} تَعَالَى {عَذَابِي أُصِيب بِهِ مَنْ
أَشَاء} تَعْذِيبه {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ} عَمَّتْ {كُلّ
شَيْء} فِي الدنيا {فسأكتبها} في الآخرة {للذين يتقون ويؤتون
الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون
(1/216)
15 -
(1/217)
الَّذِينَ
يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي
يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ
وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ
عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ
عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ
وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ
آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ
الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)
{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُول
النَّبِيّ الْأُمِّيّ} مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ {الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ فِي
التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل} بِاسْمِهِ وَصِفَته {يَأْمُرهُمْ
بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنْكَر وَيُحِلّ لَهُمْ
الطَّيِّبَات} مِمَّا حَرَّمَ فِي شَرْعهمْ {وَيُحَرِّم
عَلَيْهِمْ الْخَبَائِث} مِنْ الْمَيْتَة وَنَحْوهَا {وَيَضَع
عَنْهُمْ إصْرهمْ} ثِقَلهمْ {وَالْأَغْلَال} الشدائد {التي
كانت عليهم} كقتل النفس من التوبة وقطع أثر النجاسة {فالذين
آمنوا به} منهم {وعزروه} ووقروه {ونصروه واتبعوا النور الذي
أنزل معه} أي القرآن {أولئك هم المفلحون}
15 -
(1/217)
قُلْ يَا أَيُّهَا
النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي
لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ
الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ
وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)
{قُلْ} خِطَاب لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {يأيها النَّاس إنِّي رَسُول اللَّه
إلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي له ملك السماوات وَالْأَرْض لَا
إلَه إلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيت فَآمِنُوا بِاَللَّهِ
وَرَسُوله النَّبِيّ الْأُمِّيّ الَّذِي يُؤْمِن بِاَللَّهِ
وَكَلِمَاته} الْقُرْآن {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ
تَهْتَدُونَ} تَرْشُدُونَ
15 -
(1/217)
وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى
أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (159)
{وَمِنْ قَوْم مُوسَى أُمَّة} جَمَاعَة
{يَهْدُونَ} النَّاس {بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} فِي
الْحُكْم
16 -
(1/217)
وَقَطَّعْنَاهُمُ
اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى
مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ
الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا
قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا
عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ
وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا
ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (160)
{وَقَطَّعْنَاهُمْ} فَرَّقْنَا بَنِي
إسْرَائِيل {اثْنَتَيْ عَشْرَة} حَال {أَسْبَاطًا} بَدَل
مِنْهُ أَيْ قَبَائِل {أُمَمًا} بَدَل مِمَّا قَبْله
{وَأَوْحَيْنَا إلَى مُوسَى إذْ اسْتَسْقَاهُ قَوْمه} فِي
التِّيه {أَنْ اضْرِبْ بِعَصَاك الْحَجَر} فَضَرَبَهُ
{فَانْبَجَسَتْ} انْفَجَرَتْ {مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَة
عَيْنًا} بِعَدَدِ الْأَسْبَاط {قَدْ عَلِمَ كُلّ أُنَاس}
سَبْط مِنْهُمْ {مَشْرَبهمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمْ
الْغَمَام} فِي التِّيه مِنْ حَرّ الشَّمْس {وَأَنْزَلْنَا
عَلَيْهِمْ الْمَنّ وَالسَّلْوَى} هُمَا الترنجبين وَالطَّيْر
السُّمَانَى بِتَخْفِيفِ الْمِيم وَالْقَصْر وقلنا لهم {كلوا
من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون
(1/217)
16 -
(1/218)
وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ
اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ
شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا
نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ
(161)
{و} اذْكُرْ {إذْ قِيلَ لَهُمْ اُسْكُنُوا
هَذِهِ الْقَرْيَة} بَيْت الْمَقْدِس {وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ
شِئْتُمْ وَقُولُوا} أَمْرنَا {حِطَّة وَادْخُلُوا الْبَاب}
أَيْ بَاب الْقَرْيَة {سُجَّدًا} سُجُود انْحِنَاء {نَغْفِر}
بِالنُّونِ وَالتَّاء مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ {لَكُمْ
خَطِيئَاتكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} بِالطَّاعَةِ
ثَوَابًا
16 -
(1/218)
فَبَدَّلَ الَّذِينَ
ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ
فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا
كَانُوا يَظْلِمُونَ (162)
{فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ
قَوْلًا غَيْر الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} فَقَالُوا حَبَّة فِي
شَعْرَة وَدَخَلُوا يَزْحَفُونَ عَلَى أَسْتَاههمْ
{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا} عَذَابًا {من السماء بما
كانوا يظلمون}
16 -
(1/218)
وَاسْأَلْهُمْ عَنِ
الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ
يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ
سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ
كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163)
{وَاسْأَلْهُمْ} يَا مُحَمَّد تَوْبِيخًا
{عَنْ الْقَرْيَة الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَة الْبَحْر}
مُجَاوِرَة بَحْر الْقُلْزُم وَهِيَ أَيْلَة مَا وَقَعَ
بِأَهْلِهَا {إذْ يَعْدُونَ} يَعْتَدُونَ {فِي السَّبْت}
بِصَيْدِ السَّمَك الْمَأْمُورِينَ بِتَرْكِهِ فِيهِ {إذْ}
ظَرْف لِيَعْدُونَ {تَأْتِيهِمْ حِيتَانهمْ يَوْم سَبْتهمْ
شُرَّعًا} ظَاهِرَة عَلَى الْمَاء {وَيَوْم لَا يَسْبِتُونَ}
لَا يُعَظِّمُونَ السَّبْت أَيْ سَائِر الْأَيَّام {لَا
تَأْتِيهِمْ} ابْتِلَاء مِنْ اللَّه {كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ
بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} وَلَمَّا صَادُوا السَّمَك
افْتَرَقَتْ الْقَرْيَة أَثَلَاثًا ثُلُث صَادُوا مَعَهُمْ
وَثُلُث نَهَوْهُمْ وَثُلُث أَمْسَكُوا عَنْ الصَّيْد
وَالنَّهْي
16 -
(1/218)
وَإِذْ قَالَتْ
أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ
أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً
إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164)
{وَإِذْ} عَطْف عَلَى إذْ قَبْله {قَالَتْ
أُمَّة مِنْهُمْ} لِمَ تَصُدّ وَلَمْ تُنْهَ لِمَنْ نَهَى
{لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّه مُهْلِكهمْ أَوْ مُعَذِّبهمْ
عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا} مَوْعِظَتنَا {مَعْذِرَة}
نَعْتَذِر بِهَا {إلَى رَبّكُمْ} لِئَلَّا نُنْسَب إلَى
تَقْصِير فِي تَرْك النَّهْي {وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}
الصَّيْد
16 -
(1/218)
فَلَمَّا نَسُوا مَا
ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ
السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ
بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165)
{فَلَمَّا نَسُوا} تَرَكُوا {مَا
ذُكِّرُوا} وُعِظُوا {بِهِ} فَلَمْ يَرْجِعُوا {أَنْجَيْنَا
الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوء وَأَخَذْنَا الَّذِينَ
ظَلَمُوا} بِالِاعْتِدَاءِ {بِعَذَابٍ بَئِيس} شَدِيد {بما
كانوا يفسقون
(1/218)
16 -
(1/219)
فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ
مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ
(166)
{فَلَمَّا عَتَوْا} تَكَبَّرُوا {عَنْ}
تَرْك {مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَة
خَاسِئِينَ} صَاغِرِينَ فكانوها وهذا تفصيل لما قبله قال بن
عَبَّاس مَا أَدْرِي مَا فَعَلَ بِالْفِرْقَةِ السَّاكِتَة
وَقَالَ عِكْرِمَة لَمْ تُهْلَك لِأَنَّهَا كَرِهَتْ مَا
فَعَلُوهُ وَقَالَتْ لِمَ تَعِظُونَ إلَخْ وَرَوَى الْحَاكِم
عن بن عَبَّاس أَنَّهُ رَجَعَ إلَيْهِ وَأَعْجَبَهُ
16 -
(1/219)
وَإِذْ تَأَذَّنَ
رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ
الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167)
{وَإِذْ تَأَذَّنَ} أَعْلَمَ {رَبّك
لَيَبْعَثَن عَلَيْهِمْ} أَيْ الْيَهُود {إلَى يَوْم
الْقِيَامَة مَنْ يَسُومهُمْ سُوء الْعَذَاب} بِالذُّلِّ
وَأَخْذ الْجِزْيَة فَبَعَثَ عَلَيْهِمْ سُلَيْمَان وَبَعْده
بُخْتَنَصَّرَ فَقَتَلَهُمْ وَسَبَاهُمْ وَضَرَبَ عَلَيْهِمْ
الْجِزْيَة فَكَانُوا يُؤَدُّونَهَا إلَى الْمَجُوس إلَى أَنْ
بَعَثَ نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَضَرَبَهَا عَلَيْهِمْ {إنَّ رَبّك لَسَرِيع الْعِقَاب}
لِمَنْ عَصَاهُ {وَإِنَّهُ لَغَفُور} لِأَهْلِ طَاعَته
{رَحِيم} بِهِمْ
16 -
(1/219)
وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي
الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ
ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ
لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168)
{وَقَطَّعْنَاهُمْ} فَرَّقْنَاهُمْ {فِي
الْأَرْض أُمَمًا} فِرَقًا {مِنْهُمْ الصَّالِحُونَ
وَمِنْهُمْ} نَاس {دُون ذَلِكَ} الْكُفَّار وَالْفَاسِقُونَ
{وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ} بِالنِّعَمِ
{وَالسَّيِّئَات} النِّقَم {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} عن فسقهم
16 -
(1/219)
فَخَلَفَ مِنْ
بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ
هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ
يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ
عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى
اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ
الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ
(169)
{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدهمْ خَلْف وَرِثُوا
الْكِتَاب} التَّوْرَاة عَنْ آبَائِهِمْ {يَأْخُذُونَ عَرَضَ
هَذَا الْأَدْنَى} أَيْ حُطَام هَذَا الشَّيْء الدَّنِيء أَيْ
الدُّنْيَا مِنْ حَلَال وَحَرَام {وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ
لَنَا} مَا فَعَلْنَاهُ {وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَض مِثْله
يَأْخُذُوهُ} الْجُمْلَة حَال أَيْ يَرْجُونَ الْمَغْفِرَة
وَهُمْ عَائِدُونَ إلَى مَا فَعَلُوهُ مُصِرُّونَ عَلَيْهِ
وَلَيْسَ فِي التَّوْرَاة وَعْد الْمَغْفِرَة مَعَ الْإِصْرَار
{أَلَمْ يُؤْخَذ} اسْتِفْهَام تَقْرِير {عَلَيْهِمْ مِيثَاق
الْكِتَاب} الْإِضَافَة بِمَعْنَى فِي {أَنْ لَا يَقُولُوا
عَلَى اللَّه إلَّا الْحَقّ وَدَرَسُوا} عطف على يؤخذ قرأوا
{مَا فِيهِ} فَلِمَ كَذَبُوا عَلَيْهِ بِنِسْبَةِ الْمَغْفِرَة
إلَيْهِ مَعَ الْإِصْرَار {وَالدَّار الْآخِرَة خَيْر
لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} الْحَرَام {أَفَلَا يَعْقِلُونَ}
بِالْيَاءِ وَالتَّاء أَنَّهَا خَيْر فَيُؤْثِرُونَهَا عَلَى
الدُّنْيَا
(1/219)
17 -
(1/220)
وَالَّذِينَ
يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا
نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170)
{وَاَلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ}
بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف {بِالْكِتَابِ} مِنْهُمْ
{وَأَقَامُوا الصَّلَاة} كَعَبْدِ اللَّه بْن سَلَام
وَأَصْحَابه {إنَّا لَا نُضِيع أَجْر الْمُصْلِحِينَ}
الْجُمْلَة خَبَر الَّذِينَ وَفِيهِ وَضَعَ الظَّاهِر مَوْضِع
الْمُضْمَر أَيْ أَجْرهمْ
17 -
(1/220)
وَإِذْ نَتَقْنَا
الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ
وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا
مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171)
{وَ} اُذْكُرْ {إذْ نَتَقْنَا الْجَبَل}
رَفَعْنَاهُ مِنْ أَصْله {فَوْقهمْ كَأَنَّهُ ظُلَّة
وَظَنُّوا} أَيْقَنُوا {أَنَّهُ وَاقِع بِهِمْ} سَاقِط
عَلَيْهِمْ بِوَعْدِ اللَّه إيَّاهُمْ بِوُقُوعِهِ إنْ لَمْ
يَقْبَلُوا أَحْكَام التَّوْرَاة وَكَانُوا أَبَوْهَا
لِثَقَلِهَا فَقَبِلُوا وَقُلْنَا لَهُمْ {خُذُوا مَا
آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ} بِجِدٍّ وَاجْتِهَاد {وَاذْكُرُوا مَا
فِيهِ} بالعمل به {لعلكم تتقون}
17 -
(1/220)
وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ
مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ
وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ
قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ
إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172)
{وَ} اذْكُرْ {إِذْ} حِين {أَخَذَ رَبّك
مِنْ بَنِي آدَم مِنْ ظُهُورهمْ} بَدَل اشْتِمَال مِمَّا قبله
بإعادة الجار {ذرياتهم} بِأَنْ أَخْرَجَ بَعْضهمْ مِنْ صُلْب
بَعْض مِنْ صُلْب آدَم نَسْلًا بَعْد نَسْل كَنَحْوِ مَا
يَتَوَالَدُونَ كَالذَّرِّ بِنُعْمَانَ يَوْم عَرَفَة وَنَصَبَ
لَهُمْ دَلَائِل عَلَى رُبُوبِيَّته وَرَكَّبَ فِيهِمْ عَقْلًا
{وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسهمْ} قَالَ {أَلَسْت بِرَبِّكُمْ
قَالُوا بَلَى} أنت ربنا {شهدنا} بذلك والإشهاد ل {أَنْ} لَا
{يَقُولُوا} بِالْيَاءِ وَالتَّاء فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَيْ
الْكُفَّار {يَوْم الْقِيَامَة إنَّا كُنَّا عَنْ هذا} التوحيد
{غافلين} لا نعرفه
17 -
(1/220)
أَوْ تَقُولُوا
إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً
مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ
(173)
{أو يقولوا إنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا
مِنْ قَبْل} أَيْ قَبْلنَا {وَكُنَّا ذُرِّيَّة مِنْ بَعْدهمْ}
فَاقْتَدَيْنَا بِهِمْ {أَفَتُهْلِكنَا} تُعَذِّبنَا {بِمَا
فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ} مِنْ آبَائِنَا بِتَأْسِيسِ الشِّرْك
الْمَعْنَى لَا يُمْكِنهُمْ الِاحْتِجَاج بِذَلِكَ مَعَ
إشْهَادهمْ عَلَى أَنْفُسهمْ بِالتَّوْحِيدِ وَالتَّذْكِير
بِهِ عَلَى لِسَان صَاحِب الْمُعْجِزَة قَائِم مَقَام ذِكْره
فِي النفوس
17 -
(1/220)
وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ
الْآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174)
{وَكَذَلِكَ نُفَصِّل الْآيَات}
نُبَيِّنهَا مِثْل مَا بَيَّنَّا الْمِيثَاق لِيَتَدَبَّرُوهَا
{وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} عَنْ كُفْرهمْ
(1/220)
17 -
(1/221)
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ
نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا
فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175)
{وَاتْلُ} يَا مُحَمَّد {عَلَيْهِمْ} أَيْ
الْيَهُود {نَبَأ} خَبَر {الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتنَا
فَانْسَلَخَ مِنْهَا} خَرَجَ بِكُفْرِهِ كَمَا تَخْرُج
الْحَيَّة مِنْ جِلْدهَا وَهُوَ بلعم بْن بَاعُورَاءَ مِنْ
عُلَمَاء بَنِي إسْرَائِيل سُئِلَ أَنْ يَدْعُو عَلَى مُوسَى
وَأُهْدِيَ إلَيْهِ شَيْء فَدَعَا فَانْقَلَبَ عَلَيْهِ
وَانْدَلَعَ لِسَانه عَلَى صدره {فأتبعه الشيطان} فأدركه فصار
قرينه {فكان من الغاوين}
17 -
(1/221)
وَلَوْ شِئْنَا
لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ
وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ
تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ
مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ
الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176)
{وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ} إلَى
مَنَازِل الْعُلَمَاء {بِهَا} بِأَنْ نُوَفِّقهُ لِلْعَمَلِ
{وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ} سَكَنَ {إلَى الْأَرْض} أَيْ
الدُّنْيَا وَمَالَ إلَيْهَا {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} فِي
دُعَائِهِ إلَيْهَا فَوَضَعْنَاهُ {فَمَثَله} صِفَته {كَمَثَلِ
الْكَلْب إنْ تَحْمِل عَلَيْهِ}
بِالطَّرْدِ وَالزَّجْر {يَلْهَث} يَدْلَع لِسَانه {أَوْ} إنْ
{تَتْرُكهُ يَلْهَث} وَلَيْسَ غَيْره مِنْ الْحَيَوَان
كَذَلِكَ وَجُمْلَتَا الشَّرْط حَال أَيْ لَاهِثًا ذَلِيلًا
بِكُلِّ حَال وَالْقَصْد التَّشْبِيه فِي الْوَضْع وَالْخِسَّة
بِقَرِينَةِ الْفَاء الْمُشْعِرَة بِتَرْتِيبِ مَا بَعْدهَا
عَلَى مَا قَبْلهَا مِنْ الْمَيْل إلَى الدُّنْيَا وَاتِّبَاع
الْهَوَى وَبِقَرِينَةِ قَوْله {ذَلِكَ} الْمَثَل {مَثَل
الْقَوْم الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَص}
عَلَى الْيَهُود {لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} يَتَدَبَّرُونَ
فِيهَا فيؤمنون
17 -
(1/221)
سَاءَ مَثَلًا
الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ
كَانُوا يَظْلِمُونَ (177)
{سَاءَ} بِئْسَ {مَثَلًا الْقَوْم} أَيْ
مَثَل الْقَوْم {الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسهمْ
كَانُوا يَظْلِمُونَ} بِالتَّكْذِيبِ
17 -
(1/221)
مَنْ يَهْدِ اللَّهُ
فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ
الْخَاسِرُونَ (178)
{من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فأولئك
هم الخاسرون}
17 -
(1/221)
وَلَقَدْ ذَرَأْنَا
لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ
قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا
يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا
أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ
الْغَافِلُونَ (179)
{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا} خَلَقْنَا
{لِجَهَنَّم كَثِيرًا مِنْ الْجِنّ وَالْإِنْس لَهُمْ قُلُوب
لَا يَفْقُهُونَ بِهَا} الْحَقّ {وَلَهُمْ أَعْيُن لَا
يُبْصِرُونَ بِهَا} دَلَائِل قُدْرَة اللَّه بَصَر اعْتِبَار
{وَلَهُمْ آذَان لَا يَسْمَعُونَ بِهَا} الْآيَات
وَالْمَوَاعِظ سَمَاع تَدَبُّر وَاتِّعَاظ {أُولَئِكَ
كَالْأَنْعَامِ} فِي عَدَم الْفِقْه وَالْبَصَر وَالِاسْتِمَاع
{بَلْ هُمْ أَضَلّ} مِنْ الْأَنْعَام لِأَنَّهَا تَطْلُب
مَنَافِعهَا وَتَهْرُب مِنْ مَضَارّهَا وَهَؤُلَاءِ
يَقْدَمُونَ عَلَى النَّار معاندة {أولئك هم الغافلون
(1/221)
18 -
(1/222)
وَلِلَّهِ
الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ
يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ (180)
{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى}
التِّسْعَة وَالتِّسْعُونَ الْوَارِد بِهَا الْحَدِيث
وَالْحُسْنَى مُؤَنَّث الْأَحْسَن {فَادْعُوهُ} سَمُّوهُ
{بِهَا وَذَرُوا} اُتْرُكُوا {الَّذِينَ يُلْحِدُونَ} مِنْ
أَلْحَدَ وَلَحَدَ يَمِيلُونَ عَنْ الْحَقّ {فِي أَسْمَائِهِ}
حَيْثُ اشْتَقُّوا منها أسماء لآلهتهم كاللات مِنْ اللَّه
وَالْعُزَّى مِنْ الْعَزِيز وَمَنَاة مِنْ الْمَنَّان
{سَيُجْزَوْنَ} فِي الْآخِرَة جَزَاء {مَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ} وَهَذَا قَبْل الْأَمْر بِالْقِتَالِ
18 -
(1/222)
وَمِمَّنْ خَلَقْنَا
أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181)
{وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّة يَهْدُونَ
بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} هُمْ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِي حَدِيثٍ
18 -
(1/222)
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا
بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ
(182)
{وَاَلَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا}
الْقُرْآن مِنْ أَهْل مَكَّة {سنستدرجهم} نأخذهم قليلا قليلا
{من حيث لا يعلمون}
18 -
(1/222)
وَأُمْلِي لَهُمْ
إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183)
{وَأُمْلِي لَهُمْ} أَمْهِلْهُمْ {إنَّ
كَيْدِي مَتِين} شَدِيد لا يطاق
18 -
(1/222)
أَوَلَمْ
يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ
إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (184)
{أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا} فَيَعْلَمُوا
{مَا بِصَاحِبِهِمْ} مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ {مِنْ جِنَّة} جُنُون {إنْ} مَا {هُوَ إلَّا نَذِير
مُبِين} بَيِّن الْإِنْذَار
18 -
(1/222)
أَوَلَمْ يَنْظُرُوا
فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ
مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ
أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185)
{أولم ينظروا في ملكوت} ملك {السماوات
وَالْأَرْض وَ} فِي {مَا خَلَقَ اللَّه مِنْ شَيْء} بَيَان
لِمَا فَيَسْتَدِلُّوا بِهِ عَلَى قُدْرَة صَانِعه
وَوَحْدَانِيّته {و} فِي {أَنْ} أَيْ أَنَّهُ {عَسَى أَنْ
يَكُون قَدْ اقْتَرَبَ} قَرُبَ {أَجَلهمْ} فَيَمُوتُوا
كُفَّارًا فَيَصِيرُوا إلَى النَّار فَيُبَادِرُوا إلَى
الإيمان {فبأي حديث بعده} أي القرآن {يؤمنون}
18 -
(1/222)
مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ
فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ
يَعْمَهُونَ (186)
{مَنْ يَضْلِلْ اللَّه فَلَا هَادِي لَهُ
وَيَذَرهُمْ} بِالْيَاءِ وَالنُّون مَعَ الرَّفْع
اسْتِئْنَافًا وَالْجَزْم عَطْفًا عَلَى مَحَلّ مَا بَعْد
الْفَاء {فِي طُغْيَانهمْ يَعْمَهُونَ} يَتَرَدَّدُونَ
تَحَيُّرًا
18 -
(1/222)
يَسْأَلُونَكَ عَنِ
السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا
عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ
ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ
إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ
إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ
النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187)
{يَسْأَلُونَك} أَيْ أَهْل مَكَّة {عَنْ
السَّاعَة} الْقِيَامَة {أَيَّانَ} مَتَى {مُرْسَاهَا قُلْ}
لَهُمْ {إنَّمَا عِلْمهَا} مَتَى تَكُون {عِنْد رَبِّي لَا
يُجَلِّيهَا} يُظْهِرهَا {لِوَقْتِهَا} اللَّام بِمَعْنَى فِي
{إلَّا هُوَ ثَقُلَتْ} عَظُمَتْ {فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض}
عَلَى أَهْلهَا لِهَوْلِهَا {لَا تَأْتِيكُمْ إلَّا بَغْتَة}
فَجْأَة {يَسْأَلُونَك كَأَنَّك حَفِيّ} مُبَالِغ فِي
السُّؤَال {عَنْهَا} حَتَّى عَلِمْتَهَا {قُلْ إنَّمَا
عِلْمهَا عِنْد اللَّه} تَأْكِيد {وَلَكِنَّ أَكْثَر النَّاس
لَا يَعْلَمُونَ} أَنَّ عِلْمهَا عِنْده تعالى
(1/222)
18 -
(1/223)
قُلْ لَا أَمْلِكُ
لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ
وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ
الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ
وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)
{قُلْ لَا أَمْلِك لِنَفْسِي نَفْعًا}
أَجْلُبهُ {وَلَا ضَرًّا} أَدُفَعه {إلَّا مَا شَاءَ اللَّه
وَلَوْ كُنْت أَعْلَم الْغَيْب} مَا غَابَ عَنِّي
{لَاسْتَكْثَرْت مِنْ الْخَيْر وَمَا مَسَّنِيَ السُّوء} مِنْ
فَقْر وَغَيْره لِاحْتِرَازِي عَنْهُ بِاجْتِنَابِ الْمَضَارّ
{إنْ} مَا {أَنَا إلَّا نَذِير} بِالنَّارِ لِلْكَافِرِينَ
{وَبَشِير} بِالْجَنَّةِ {لقوم يؤمنون}
18 -
(1/223)
هُوَ الَّذِي
خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا
لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا
خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ
رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ
الشَّاكِرِينَ (189)
{هُوَ} أَيْ اللَّه {الَّذِي خَلَقَكُمْ
مِنْ نَفْس وَاحِدَة} أَيْ آدَم {وَجَعَلَ} خَلَقَ {مِنْهَا
زَوْجهَا} حَوَّاء {لِيَسْكُن إلَيْهَا} وَيَأْلَفهَا
{فَلَمَّا تَغَشَّاهَا} جَامَعَهَا {حَمَلَتْ حَمْلًا
خَفِيفًا} هُوَ النُّطْفَة {فَمَرَّتْ بِهِ} ذَهَبَتْ
وَجَاءَتْ لِخَفَّتِهِ {فَلَمَّا أَثْقَلَتْ} بِكِبَرِ
الْوَلَد فِي بَطْنهَا وَأَشْفَقَا أَنْ يَكُون بَهِيمَة
{دَعَوْا اللَّه رَبّهمَا لَئِنْ آتَيْتنَا} وَلَدًا
{صَالِحًا} سَوِيًّا {لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ} لَك
عَلَيْهِ
19 -
(1/223)
فَلَمَّا آتَاهُمَا
صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى
اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190)
{فَلَمَّا آتَاهُمَا} وَلَدًا {صَالِحًا
جَعَلَا لَهُ شُرَكَاء} وَفِي قِرَاءَة بِكَسْرِ الشِّين
وَالتَّنْوِين أَيْ شَرِيكًا {فِيمَا آتَاهُمَا}
بِتَسْمِيَتِهِ عَبْد الْحَارِث وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُون
عَبْدًا إلَّا لِلَّهِ وَلَيْسَ بِإِشْرَاكٍ فِي
الْعُبُودِيَّة لِعِصْمَةِ آدَم وَرَوَى سَمُرَة عَنْ
النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَمَّا
وَلَدَتْ حَوَّاء طَافَ بِهَا إبْلِيس وَكَانَ لَا يَعِيش
لَهَا وَلَد فَقَالَ سَمِّيهِ عَبْد الْحَارِث فَإِنَّهُ
يَعِيش فَسَمَّتْهُ فَعَاشَ فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ وَحْي
الشَّيْطَان وَأَمْره رَوَاهُ الْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح
وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَسَن غَرِيب {فَتَعَالَى اللَّه
عَمَّا يُشْرِكُونَ} أَيْ أَهْل مَكَّة بِهِ مِنْ الْأَصْنَام
وَالْجُمْلَة مُسَبِّبَة عَطْف عَلَى خَلَقَكُمْ وَمَا
بَيْنهمَا اعتراض
19 -
(1/223)
أَيُشْرِكُونَ مَا لَا
يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191)
{أيشركون} به في العبادة {ما لا يخلق شيئا
وهم يخلقون
(1/223)
19 -
(1/224)
وَلَا يَسْتَطِيعُونَ
لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192)
{وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ} أَيْ
لِعَابِدِيهِمْ {نَصْرًا وَلَا أَنْفُسهمْ يَنْصُرُونَ}
بِمَنْعِهَا مِمَّنْ أَرَادَ بِهِمْ سُوءًا مِنْ كَسْر أَوْ
غَيْره وَالِاسْتِفْهَام لِلتَّوْبِيخِ
19 -
(1/224)
وَإِنْ تَدْعُوهُمْ
إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ
أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ (193)
{وَإِنْ تَدْعُوهُمْ} أَيْ الْأَصْنَام
{إلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ} بِالتَّخْفِيفِ
وَالتَّشْدِيد {سَوَاء عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ} إلَيْهِ
{أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} عَنْ دُعَائِهِمْ لَا يَتَّبِعُوهُ
لعدم سماعهم
19 -
(1/224)
إِنَّ الَّذِينَ
تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ
فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ
صَادِقِينَ (194)
{إنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ} تَعْبُدُونَ
{مِنْ دُون اللَّه عِبَاد} مَمْلُوكَة {أَمْثَالكُمْ
فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ} دُعَاءَكُمْ {إنْ
كُنْتُمْ صَادِقِينَ} فِي أَنَّهَا آلِهَة ثُمَّ بين غاية
عجزهم وفضل عابديهم عليهم فقال
19 -
(1/224)
أَلَهُمْ أَرْجُلٌ
يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ
لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ
يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ
فَلَا تُنْظِرُونِ (195)
{ألهم أرجل يمشون بها أم} بل أ {لهم أيد}
جمع يد {يبطشون بها أم} بل أ {لهم آذان يسمعون بها}
اسْتِفْهَام إنْكَارِيّ أَيْ لَيْسَ لَهُمْ شَيْء مِنْ ذَلِكَ
مِمَّا هُوَ لَكُمْ فَكَيْفَ تَعْبُدُونَهُمْ وَأَنْتُمْ
أَتَمّ حَالًا مِنْهُمْ {قُلْ} لَهُمْ يَا مُحَمَّد {ادعوا
شركاءكم} إلى هلاكي {ثم كيدون فلا تنظرون} تمهلون فإني لا
أبالي بكم
19 -
(1/224)
إِنَّ وَلِيِّيَ
اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى
الصَّالِحِينَ (196)
{إن وليي اللَّه} مُتَوَلِّي أُمُورِي
{الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَاب} الْقُرْآن {وهو يتولى الصالحين}
19 -
(1/224)
وَالَّذِينَ تَدْعُونَ
مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا
أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197)
{وَاَلَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونه لَا
يَسْتَطِيعُونَ نَصْركُمْ وَلَا أَنْفُسهمْ يَنْصُرُونَ}
فَكَيْفَ أُبَالِي بِهِمْ
19 -
(1/224)
وَإِنْ تَدْعُوهُمْ
إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ
أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ (193)
{وَإِنْ تَدْعُوهُمْ} أَيْ الْأَصْنَام
{إلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ} أَيْ الْأَصْنَام
يَا مُحَمَّد {يَنْظُرُونَ إليك} أي يقابلونك كالناظر {وهم لا
يبصرون
(1/224)
19 -
(1/225)
خُذِ الْعَفْوَ
وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)
{خُذْ الْعَفْو} الْيُسْر مِنْ أَخْلَاق
النَّاس وَلَا تَبْحَث عَنْهَا {وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ}
بِالْمَعْرُوفِ {وَأَعْرِض عَنْ الْجَاهِلِينَ} فَلَا
تَقَابُلهمْ بِسَفَهِهِمْ
20 -
(1/225)
وَإِمَّا
يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ
إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200)
{وَإِمَّا} فِيهِ إدْغَام نُون إنْ
الشَّرْطِيَّة فِي مَا الْمَزِيدَة {يَنْزِغَنك مِنْ
الشَّيْطَان نَزْغ} أَيْ إنْ يَصْرِفك عَمَّا أَمَرْت بِهِ
صَارِف {فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ} جَوَاب الشَّرْط وَجَوَاب
الْأَمْر مَحْذُوف أَيْ يَدْفَعهُ عَنْك {إنَّهُ سَمِيع}
لِلْقَوْلِ {عَلِيم} بِالْفِعْلِ
20 -
(1/225)
إِنَّ الَّذِينَ
اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ
تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201)
{إنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إذَا مَسَّهُمْ}
أَصَابَهُمْ {طَيْف} وَفِي قِرَاءَة طَائِف أَيْ شَيْء أَلَمَّ
بِهِمْ {مِنْ الشَّيْطَان تَذَكَّرُوا} عِقَاب اللَّه
وَثَوَابه {فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} الْحَقّ مِنْ غَيْره
فَيَرْجِعُونَ
20 -
(1/225)
وَإِخْوَانُهُمْ
يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ (202)
{وَإِخْوَانهمْ} أَيْ إخْوَان الشَّيَاطِين
مِنْ الْكُفَّار {يُمِدُّونَهُمْ} أَيْ الشَّيَاطِين {فِي
الْغَيّ ثُمَّ} هُمْ {لَا يُقْصِرُونَ} يَكُفُّونَ عَنْهُ
بِالتَّبَصُّرِ كَمَا تَبَصَّرَ الْمُتَّقُونَ
20 -
(1/225)
وَإِذَا لَمْ
تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ
إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا
بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ
يُؤْمِنُونَ (203)
{وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ} أَيْ أَهْل
مَكَّة {بِآيَةٍ} مِمَّا اقْتَرَحُوا {قَالُوا لَوْلَا} هَلَّا
{اجْتَبَيْتهَا} أَنْشَأْتهَا مِنْ قِبَل نَفْسك {قُلْ} لَهُمْ
{إنَّمَا أَتَّبِع مَا يُوحَى إلَيَّ مِنْ رَبِّي} وَلَيْسَ
لِي أَنْ آتِي مِنْ عِنْد نَفْسِي بِشَيْءٍ {هَذَا} القرآن
{بصائر} حجج {من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون
(1/225)
20 -
(1/226)
وَإِذَا قُرِئَ
الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ
تُرْحَمُونَ (204)
{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآن فَاسْتَمِعُوا
لَهُ وَأَنْصِتُوا} عَنْ الْكَلَام {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}
نَزَلَتْ فِي تَرْك الْكَلَام فِي الْخُطْبَة وَعَبَّرَ
عَنْهَا بِالْقُرْآنِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ وَقِيلَ فِي
قِرَاءَة الْقُرْآن مُطْلَقًا
20 -
(1/226)
وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي
نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ
الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ
الْغَافِلِينَ (205)
{وَاذْكُرْ رَبّك فِي نَفْسك} أَيْ سِرًّا
{تَضَرُّعًا} تَذَلُّلًا {وَخِيفَة} خَوْفًا مِنْهُ {و} فَوْق
السِّرّ {دُون الْجَهْر مِنْ الْقَوْل} أَيْ قَصْدًا بَيْنهمَا
{بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال} أَوَائِل النَّهَار وَأَوَاخِره
{وَلَا تَكُنْ مِنْ الْغَافِلِينَ} عَنْ ذِكْر اللَّه
20 -
(1/226)
إِنَّ الَّذِينَ
عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ
وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206)
{إنَّ الَّذِينَ عِنْد رَبّك} أَيْ الْمَلَائِكَة {لَا
يَسْتَكْبِرُونَ} يَتَكَبَّرُونَ {عَنْ عِبَادَته
وَيُسَبِّحُونَهُ} يُنَزِّهُونَهُ عَمَّا لَا يَلِيق بِهِ
{وَلَهُ يَسْجُدُونَ} أَيْ يَخُصُّونَهُ بالخضوع والعبادة
فكونوا مثلهم |