تفسير الجلالين = 9 سُورَة التَّوْبَة
مَدَنِيَّة إلَّا الْآيَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ
فَمَكِّيَّتَانِ وَآيَاتهَا 129 نَزَلَتْ بَعْد الْمَائِدَة
وَلَمْ تُكْتَب فِيهَا الْبَسْمَلَة لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُر بِذَلِكَ كَمَا يُؤْخَذ مِنْ
حَدِيث رَوَاهُ الْحَاكِم وَأَخْرَجَ فِي مَعْنَاهُ عَنْ
عَلِيّ أَنَّ الْبَسْمَلَة أَمَان وَهِيَ نَزَلَتْ لِرَفْعِ
الْأَمْن بِالسَّيْفِ وَعَنْ حُذَيْفَة إنَّكُمْ تُسَمُّونَهَا
سُورَة التَّوْبَة وَهِيَ سُورَة الْعَذَاب وَرَوَى
الْبُخَارِيّ عَنْ الْبَرَاء أَنَّهَا آخِر سُورَة نَزَلَتْ
(1/239)
بَرَاءَةٌ مِنَ
اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ (1)
هَذِهِ {بَرَاءَة مِنْ اللَّه وَرَسُوله}
وَاصِلَة {إلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ}
عَهْدًا مُطْلَقًا أَوْ دُون أَرْبَعَة أَشْهُر أَوْ فَوْقهَا
وَنَصّ الْعَهْد بِمَا يُذْكَر فِي قَوْله
(1/240)
فَسِيحُوا فِي
الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ
مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (2)
{فَسِيحُوا} سِيرُوا آمِنِينَ أَيّهَا
الْمُشْرِكُونَ {فِي الْأَرْض أَرْبَعَة أَشْهُر} أَوَّلهَا
شَوَّال بِدَلِيلِ مَا سَيَأْتِي وَلَا أَمَان لَكُمْ بَعْدهَا
{وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْر مُعْجِزِي اللَّه} أَيْ فَائِتِي
عَذَابه {وَأَنَّ اللَّه مُخْزِي الْكَافِرِينَ} مُذِلّهمْ فِي
الدُّنْيَا بِالْقَتْلِ وَالْأُخْرَى بالنار
(1/240)
وَأَذَانٌ مِنَ
اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ
الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ
تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ
وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3)
{وَأَذَان} إعْلَام {مِنْ اللَّه وَرَسُوله
إلَى النَّاس يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر} يَوْم النَّحْر
{أَنَّ} أَيْ بِأَنَّ {اللَّه بَرِيء مِنْ الْمُشْرِكِينَ}
وَعُهُودهمْ {وَرَسُوله} بَرِيء أَيْضًا وَقَدْ بَعَثَ
النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا مِنْ
السَّنَة وَهِيَ سَنَة تسع فأذن يوم النحربمنى بِهَذِهِ
الْآيَات وَأَنْ لَا يَحُجّ بَعْد الْعَام مُشْرِك وَلَا
يَطُوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان رَوَاهُ الْبُخَارِيّ {فَإِنْ
تُبْتُمْ} مِنْ الْكُفْر {فَهُوَ خَيْر لَكُمْ وَإِنْ
تَوَلَّيْتُمْ} عَنْ الْإِيمَان {فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْر
مُعْجِزِي اللَّه وَبَشِّرْ} أَخْبِرْ {الَّذِينَ كَفَرُوا
بِعَذَابٍ أَلِيم} مُؤْلِم وَهُوَ الْقَتْل وَالْأَسْر فِي
الدُّنْيَا وَالنَّار فِي الْآخِرَة
(1/240)
إِلَّا الَّذِينَ
عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ
شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا
إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ
يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4)
{إلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنْ
الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا} مِنْ شُرُوط
الْعَهْد {وَلَمْ يُظَاهِرُوا} يُعَاوِنُوا {عَلَيْكُمْ
أَحَدًا} مِنْ الْكُفَّار {فَأَتِمُّوا إلَيْهِمْ عَهْدهمْ
إلَى} انْقِضَاء {مُدَّتهمْ} الَّتِي عَاهَدْتُمْ عَلَيْهَا
{إنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُتَّقِينَ} بِإِتْمَامِ الْعُهُود
(1/240)
فَإِذَا انْسَلَخَ
الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ
وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا
لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ
وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ
غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)
{فَإِذَا انْسَلَخَ} خَرَجَ {الْأَشْهُر
الْحُرُم} وَهِيَ آخِر مُدَّة التَّأْجِيل {فَاقْتُلُوا
الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} فِي حِلّ أَوْ حَرَم
{وَخُذُوهُمْ} بِالْأَسْرِ {وَاحْصُرُوهُمْ} فِي الْقِلَاع
وَالْحُصُون حَتَّى يُضْطَرُّوا إلَى الْقَتْل أَوْ
الْإِسْلَام {وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلّ مَرْصَد} طَرِيق
يَسْلُكُونَهُ ونصب كل على نزع الخافظ {فَإِنْ تَابُوا} مِنْ
الْكُفْر {وَأَقَامُوا الصَّلَاة وَآتَوْا الزَّكَاة فَخَلُّوا
سَبِيلهمْ} وَلَا تَتَعَرَّضُوا لَهُمْ {إنَّ اللَّه غَفُور
رَحِيم} لِمَنْ تَابَ
(1/240)
وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ
كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ
بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6)
{وَإِنْ أَحَد مِنْ الْمُشْرِكِينَ}
مَرْفُوع بِفِعْلٍ يُفَسِّرهُ {اسْتَجَارَك} اسْتَأْمَنَك مِنْ
الْقَتْل {فَأَجِرْهُ} أَمِّنْهُ {حَتَّى يَسْمَع كَلَام
اللَّه} الْقُرْآن {ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنه} وَهُوَ دَار
قَوْمه إنْ لَمْ يُؤْمِن لِيَنْظُر فِي أَمْره {ذَلِكَ}
الْمَذْكُور {بِأَنَّهُمْ قَوْم لَا يَعْلَمُونَ} دِين اللَّه
فَلَا بُدّ لَهُمْ مِنْ سَمَاع الْقُرْآن لِيَعْلَمُوا
(1/241)
كَيْفَ يَكُونُ
لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ
إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ
اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7)
{كَيْفَ} أَيْ لَا {يَكُون لِلْمُشْرِكِينَ
عَهْد عِنْد اللَّه وَعِنْد رَسُوله} وَهُمْ كَافِرُونَ
بِاَللَّهِ وَرَسُوله غَادِرُونَ {إلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ
عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام} يَوْم الْحُدَيْبِيَة وَهُمْ
قُرَيْش الْمُسْتَثْنَوْنَ مِنْ قَبْل {فَمَا اسْتَقَامُوا
لَكُمْ} أَقَامُوا عَلَى الْعَهْد وَلَمْ ينقضوه {فاستقيموا
لهم} على الوفاء به وما شرطية {إن الله يحب المتقين} وَقَدْ
اسْتَقَامَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى
عَهْدهمْ حَتَّى نَقَضُوا بِإِعَانَةِ بَنِي بَكْر على خزاعة
(1/241)
كَيْفَ وَإِنْ
يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا
ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ
وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8)
{كَيْفَ} يَكُون لَهُمْ عَهْد {وَإِنْ
يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ} يظفروا بكم {لَا يَرْقُبُوا} يُرَاعُوا
{فِيكُمْ إلًّا} قَرَابَة {وَلَا ذمة} عهدا بل يؤذوكم ما
استطاعوا وجملة الشرط حال {يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ}
بِكَلَامِهِمْ الْحَسَن {وَتَأْبَى قُلُوبهمْ} الْوَفَاء بِهِ
{وَأَكْثَرهمْ فَاسِقُونَ} نَاقِضُونِ لِلْعَهْدِ
(1/241)
اشْتَرَوْا بِآيَاتِ
اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ
سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9)
{اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّه} الْقُرْآن
{ثَمَنًا قَلِيلًا} مِنْ الدُّنْيَا أَيْ تَرَكُوا اتِّبَاعهَا
لِلشَّهَوَاتِ وَالْهَوَى {فَصَدُّوا عَنْ سَبِيله} دِينه
{إنَّهُمْ سَاءَ} بِئْسَ {مَا كانوا يعملون} هـ عملهم هذا
1 -
(1/241)
لَا يَرْقُبُونَ فِي
مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ
الْمُعْتَدُونَ (10)
{لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة وأولئك هم
المعتدون}
1 -
(1/241)
فَإِنْ تَابُوا
وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ
فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11)
{فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاة
وَآتَوْا الزَّكَاة فَإِخْوَانكُمْ} أَيْ فَهُمْ إخْوَانكُمْ
{فِي الدِّين وَنُفَصِّل} نُبَيِّن {الْآيَات لِقَوْمٍ
يَعْلَمُونَ} يَتَدَبَّرُونَ
(1/241)
1 -
(1/242)
وَإِنْ نَكَثُوا
أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي
دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا
أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12)
{وَإِنْ نَكَثُوا} نَقَضُوا {أَيْمَانهمْ}
مَوَاثِيقهمْ {مِنْ بَعْد عَهْدهمْ وَطَعَنُوا فِي دِينكُمْ}
عَابُوهُ {فَقَاتِلُوا أَئِمَّة الْكُفْر} رُؤَسَاءَهُ فِيهِ
وَضْع الظَّاهِر مَوْضِع الْمُضْمَر {إنَّهُمْ لَا أَيْمَان}
عُهُود {لَهُمْ} وَفِي قِرَاءَة بِالْكَسْرِ {لَعَلَّهُمْ
يَنْتَهُونَ} عَنْ الْكُفْر
1 -
(1/242)
أَلَا تُقَاتِلُونَ
قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ
الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ
أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ
كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13)
{أَلَا} لِلتَّحْضِيضِ {تُقَاتِلُونَ
قَوْمًا نَكَثُوا} نَقَضُوا {أَيْمَانهمْ} عُهُودهمْ
{وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُول} مِنْ مَكَّة لَمَّا تشاوروا
فيه بدار الندوة {وهم بدؤوكم} بِالْقِتَالِ {أَوَّل مَرَّة}
حَيْثُ قَاتَلُوا خُزَاعَة حُلَفَاءَكُمْ مَعَ بَنِي بَكْر
فَمَا يَمْنَعكُمْ أَنْ تُقَاتِلُوهُمْ {أَتَخْشَوْنَهُمْ}
أَتَخَافُونَهُمْ {فَاَللَّه أَحَقّ أَنْ تَخْشَوْهُ} فِي ترك
قتالهم {إن كنتم مؤمنين}
1 -
(1/242)
قَاتِلُوهُمْ
يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ
وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ
مُؤْمِنِينَ (14)
{قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبهُمْ اللَّه}
يَقْتُلهُمْ {بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ} يُذِلّهُمْ
بِالْأَسْرِ وَالْقَهْر {وَيَنْصُركُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ
صُدُور قَوْم مُؤْمِنِينَ} بِمَا فَعَلَ بِهِمْ هُمْ بَنُو
خُزَاعَة
1 -
(1/242)
وَيُذْهِبْ غَيْظَ
قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ
عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15)
{وَيُذْهِب غَيْظ قُلُوبهمْ} كَرْبهَا
{وَيَتُوب اللَّه عَلَى مَنْ يَشَاء} بِالرُّجُوعِ إلَى
الْإِسْلَام كَأَبِي سُفْيَان {والله عليم حكيم}
1 -
(1/242)
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ
تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا
مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا
رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ
بِمَا تَعْمَلُونَ (16)
{أَمْ} بِمَعْنَى هَمْزَة الْإِنْكَار
{حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا} لَمْ {يَعْلَم اللَّه}
عِلْم ظُهُور {الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ} بِإِخْلَاصٍ
{وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُون اللَّه وَلَا رَسُوله وَلَا
الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَة} بِطَانَة وَأَوْلِيَاء الْمَعْنَى
وَلَمْ يَظْهَر الْمُخْلِصُونَ وَهُمْ الْمَوْصُوفُونَ بما ذكر
من غيرهم {والله خبير بما تعملون}
1 -
(1/242)
مَا كَانَ
لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ
عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ
أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17)
{مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ
يَعْمُرُوا مَسَاجِد اللَّه} بِالْإِفْرَادِ وَالْجَمْع
بِدُخُولِهِ وَالْقُعُود فِيهِ {شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسهمْ
بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ} بَطَلَتْ {أَعْمَالهمْ}
لِعَدَمِ شرطها {وفي النار هم خالدون}
1 -
(1/242)
إِنَّمَا يَعْمُرُ
مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا
اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ
(18)
{إنَّمَا يَعْمُر مَسَاجِد اللَّه مَنْ
آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر وَأَقَامَ الصَّلَاة
وَآتَى الزَّكَاة وَلَمْ يخش} أحدا {إلا الله فعسى أولئك أن
يكونوا من المهتدين
(1/242)
1 -
(1/243)
أَجَعَلْتُمْ
سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا
يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19)
{أَجَعَلْتُمْ سِقَايَة الْحَاجّ
وَعِمَارَة الْمَسْجِد الْحَرَام} أَيْ أَهْل ذَلِكَ {كَمَنْ
آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر وَجَاهَدَ فِي سَبِيل
اللَّه لَا يَسْتَوُونَ عِنْد اللَّه} فِي الْفَضْل {وَاَللَّه
لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ} الْكَافِرِينَ نَزَلَتْ
رَدًّا عَلَى مَنْ قَالَ ذَلِكَ وَهُوَ الْعَبَّاس أَوْ غَيْره
2 -
(1/243)
الَّذِينَ آمَنُوا
وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ
وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ
هُمُ الْفَائِزُونَ (20)
{الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا
وَجَاهَدُوا فِي سَبِيل اللَّه بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهمْ
أَعْظَم دَرَجَة} رُتْبَة {عِنْد اللَّه} مِنْ غَيْرهمْ
{وَأُولَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ} الظَّافِرُونَ بِالْخَيْرِ
2 -
(1/243)
يُبَشِّرُهُمْ
رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ
فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21)
{يُبَشِّرهُمْ رَبّهمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ
وَرِضْوَان وَجَنَّات لَهُمْ فِيهَا نَعِيم مُقِيم} دَائِم
2 -
(1/243)
خَالِدِينَ فِيهَا
أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22)
{خالدين} حال مقدرة {فيها أبدا إن الله
عنده أجر عظيم}
2 -
(1/243)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ
أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ
وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
(23)
وَنَزَلَ فِيمَنْ تَرَكَ الْهِجْرَة
لِأَجْلِ أَهْله وَتِجَارَته {يأيها الَّذِينَ آمَنُوا لَا
تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانكُمْ أَوْلِيَاء إن استحبوا}
اختاروا {الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم
الظالمون}
2 -
(1/243)
قُلْ إِنْ كَانَ
آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ
وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ
تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ
إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ
فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ
لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)
{قُلْ إنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ
وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانكُمْ وَأَزْوَاجكُمْ
وَعَشِيرَتكُمْ} أَقْرِبَاؤُكُمْ وَفِي قِرَاءَة عَشِيرَاتكُمْ
{وَأَمْوَال اقْتَرَفْتُمُوهَا} اكتسبتموها {وتجارة تخشون
كسادها} عدم نفاذها {وَمَسَاكِن تَرْضَوْنَهَا أَحَبّ
إلَيْكُمْ مِنْ اللَّه وَرَسُوله وَجِهَاد فِي سَبِيله}
فَقَعَدْتُمْ لِأَجْلِهِ عَنْ الْهِجْرَة وَالْجِهَاد
{فَتَرَبَّصُوا} انْتَظِرُوا {حَتَّى يَأْتِيَ اللَّه
بِأَمْرِهِ} تهديد لهم {والله لا يهدي القوم الفاسقين
(1/243)
2 -
(1/244)
لَقَدْ نَصَرَكُمُ
اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ
أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا
وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ
وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25)
{لَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّه فِي مَوَاطِن}
لِلْحَرْبِ {كَثِيرَة} كبدر وقريظة والنضير {و} واذكر {يَوْم
حُنَيْن} وَادٍ بَيْن مَكَّة وَالطَّائِف أَيْ يَوْم
قِتَالكُمْ فِيهِ هَوَازِن وَذَلِك فِي شَوَّال سَنَة ثَمَان
{إذْ} بَدَل مِنْ يَوْم {أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتكُمْ}
فَقُلْتُمْ لَنْ نُغْلَب الْيَوْم مِنْ قِلَّة وَكَانُوا
اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا وَالْكُفَّار أَرْبَعَة آلَاف {فَلَمْ
تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمْ الْأَرْض بِمَا
رَحُبَتْ} مَا مَصْدَرِيَّة أَيْ مَعَ رَحْبهَا أَيْ سِعَتهَا
فَلَمْ تَجِدُوا مَكَانًا تَطْمَئِنُّونَ إلَيْهِ لِشِدَّةِ
مَا لَحِقَكُمْ مِنْ الْخَوْف {ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ}
مُنْهَزِمِينَ وَثَبَتَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَى بَغْلَته الْبَيْضَاء وَلَيْسَ مَعَهُ غَيْر
الْعَبَّاس وَأَبُو سُفْيَان آخِذ بِرِكَابِهِ
2 -
(1/244)
ثُمَّ أَنْزَلَ
اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ
وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ
كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (26)
{ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّه سَكِينَته}
طُمَأْنِينَته {عَلَى رَسُوله وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ}
فَرَدُّوا إلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَمَّا نَادَاهُمْ الْعَبَّاس بِإِذْنِهِ وَقَاتَلُوا
{وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} مَلَائِكَة {وَعَذَّبَ
الَّذِينَ كفروا} بالقتل والأسر {وذلك جزاء الكافرين}
2 -
(1/244)
ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ
مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ
رَحِيمٌ (27)
{ثُمَّ يَتُوب اللَّه مِنْ بَعْد ذَلِكَ
عَلَى من يشاء} منهم بالإسلام {والله غفور رحيم}
2 -
(1/244)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا
يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا
وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ
فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28)
{يأيها الَّذِينَ آمَنُوا إنَّمَا
الْمُشْرِكُونَ نَجَس} قَذَر لِخُبْثِ بَاطِنهمْ {فَلَا
يَقْرَبُوا الْمَسْجِد الْحَرَام} أَيْ لَا يَدْخُلُوا
الْحَرَم {بَعْد عَامهمْ هَذَا} عَام تِسْع مِنْ الْهِجْرَة
{وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَة} فَقْرًا بِانْقِطَاعِ تِجَارَتهمْ
عَنْكُمْ {فَسَوْفَ يُغْنِيكُمْ اللَّه مِنْ فَضْله إن شاء}
وقد أغناهم بالفتوح والجزية {إن الله عليم حكيم}
2 -
(1/244)
قَاتِلُوا الَّذِينَ
لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا
يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا
يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ
حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)
{قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ
بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِر} وَإِلَّا لَآمَنُوا
بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَلَا
يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّه وَرَسُوله} كَالْخَمْرِ
{وَلَا يَدِينُونَ دِين الْحَقّ} الثَّابِت النَّاسِخ
لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَدْيَان وَهُوَ دِين الْإِسْلَام {مِنْ}
بَيَان لِلَّذِينَ {الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب} أَيْ
الْيَهُود وَالنَّصَارَى {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَة}
الْخَرَاج الْمَضْرُوب عَلَيْهِمْ كُلّ عَام {عَنْ يَد} حَال
أَيْ مُنْقَادِينَ أَوْ بِأَيْدِيهِمْ لَا يُوَكَّلُونَ بِهَا
{وَهُمْ صَاغِرُونَ} أَذِلَّاء مُنْقَادُونَ لِحُكْمِ
الْإِسْلَام
3 -
(1/244)
وَقَالَتِ الْيَهُودُ
عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ
ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ
قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ
أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30)
{وقالت اليهود عزير بن الله وقالت النصارى
المسيح} عيسى {بن اللَّه ذَلِكَ قَوْلهمْ بِأَفْوَاهِهِمْ} لَا
مُسْتَنِد لَهُمْ عَلَيْهِ بَلْ {يُضَاهِئُونَ} يُشَابِهُونَ
بِهِ {قَوْل الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْل} مِنْ آبَائِهِمْ
تَقْلِيدًا لَهُمْ {قَاتَلَهُمْ} لَعَنَهُمْ {اللَّه أَنَّى}
كَيْفَ {يُؤْفَكُونَ} يُصْرَفُونَ عَنْ الْحَقّ مَعَ قِيَام
الدَّلِيل
(1/244)
3 -
(1/245)
اتَّخَذُوا
أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ
وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا
لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)
{اتَّخَذُوا أَحْبَارهمْ} عُلَمَاء
الْيَهُود {وَرُهْبَانهمْ} عُبَّاد النَّصَارَى {أَرْبَابًا
مِنْ دُون اللَّه} حَيْثُ اتَّبَعُوهُمْ فِي تَحْلِيل مَا
حَرَّمَ اللَّه وَتَحْرِيم مَا أَحَلَّ الله {والمسيح بن
مَرْيَم وَمَا أُمِرُوا} فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل {إلَّا
لِيَعْبُدُوا} أَيْ بِأَنْ يَعْبُدُوا {إلَهًا وَاحِدًا لَا
إله إلا هو سبحانه} تنزيها له {عما يشركون}
3 -
(1/245)
يُرِيدُونَ أَنْ
يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ
إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32)
{يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُور اللَّه}
شَرْعه وَبَرَاهِينه {بِأَفْوَاهِهِمْ} بِأَقْوَالِهِمْ فِيهِ
{وَيَأْبَى اللَّه إلَّا أَنْ يُتِمّ} يُظْهِر {نُوره وَلَوْ
كَرِهَ الْكَافِرُونَ} ذَلِكَ
3 -
(1/245)
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ
رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى
الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)
{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُوله}
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {بِالْهُدَى
وَدِين الْحَقّ لِيُظْهِرهُ} يُعْلِيه {عَلَى الدِّين كُلّه}
جَمِيع الْأَدْيَان الْمُخَالِفَة لَهُ {وَلَوْ كَرِهَ
المشركون} ذلك
3 -
(1/245)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ
وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ
وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ
الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ
اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34)
{يأيها الَّذِينَ آمَنُوا إنَّ كَثِيرًا
مِنْ الْأَحْبَار وَالرُّهْبَان لَيَأْكُلُونَ} يَأْخُذُونَ
{أَمْوَال النَّاس بِالْبَاطِلِ} كَالرِّشَا فِي الْحُكْم
{وَيَصُدُّونَ} النَّاس {عَنْ سَبِيل اللَّه} دِينه
{وَاَلَّذِينَ} مُبْتَدَأ {يَكْنِزُونَ الذَّهَب وَالْفِضَّة
وَلَا يُنْفِقُونَهَا} أَيْ الْكُنُوز {فِي سَبِيل اللَّه}
أَيْ لَا يؤدون منها حقه من الزكاة والخير {فَبَشِّرْهُمْ}
أَخْبِرْهُمْ {بِعَذَابٍ أَلِيم} مُؤْلِم
3 -
(1/245)
يَوْمَ يُحْمَى
عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ
وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ
لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)
{يَوْم يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَار
جَهَنَّم فَتُكْوَى} تُحْرَق {بِهَا جِبَاههمْ وَجُنُوبهمْ
وَظُهُورهمْ} وَتُوَسِّع جُلُودهمْ حَتَّى تُوضَع عَلَيْهَا
كُلّهَا وَيُقَال لَهُمْ {هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ
فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} أي جزاءه
3 -
(1/245)
إِنَّ عِدَّةَ
الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ
اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا
أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا
تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ
كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ
اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36)
{إنَّ عِدَّة الشُّهُور} الْمُعْتَدّ بِهَا
لِلسَّنَةِ {عِنْد اللَّه اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَاب
اللَّه} اللَّوْح الْمَحْفُوظ {يَوْم خَلَقَ السَّمَاوَات
وَالْأَرْض مِنْهَا} أَيْ الشُّهُور {أَرْبَعَة حُرُم}
مُحَرَّمَة ذُو الْقَعْدَة وَذُو الْحِجَّة وَالْمُحَرَّم
وَرَجَب {ذَلِكَ} أَيْ تَحْرِيمهَا {الدِّين الْقَيِّم}
الْمُسْتَقِيم {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ} أَيْ الْأَشْهُر
الْحُرُم {أَنْفُسكُمْ} بِالْمَعَاصِي فَإِنَّهَا فِيهَا
أَعْظَم وِزْرًا وَقِيلَ فِي الْأَشْهُر كُلّهَا {وَقَاتِلُوا
الْمُشْرِكِينَ كَافَّة} جَمِيعًا فِي كُلّ الشُّهُور {كَمَا
يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّة وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه مَعَ
الْمُتَّقِينَ} بِالْعَوْنِ وَالنَّصْر
(1/245)
3 -
(1/246)
إِنَّمَا النَّسِيءُ
زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا
يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا
عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ
زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي
الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37)
{إنَّمَا النَّسِيء} أَيْ التَّأْخِير
لِحُرْمَةِ شَهْر إلَى آخَر كَمَا كَانَتْ الْجَاهِلِيَّة
تَفْعَلهُ مِنْ تَأْخِير حُرْمَة الْمُحَرَّم إذَا هَلَّ
وَهُمْ فِي الْقِتَال إلَى صَفَر {زِيَادَة فِي الْكُفْر}
لِكُفْرِهِمْ بِحُكْمِ اللَّه فِيهِ {يُضَلّ} بِضَمِّ الْيَاء
وَفَتْحهَا {بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ} أَيْ
النَّسِيء {عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا}
يُوَافِقُوا بِتَحْلِيلِ شَهْر وَتَحْرِيم آخَر بَدَله
{عِدَّة} عَدَد {مَا حَرَّمَ اللَّه} مِنْ الْأَشْهُر فَلَا
يَزِيدُوا عَلَى تَحْرِيم أَرْبَعَة وَلَا يَنْقُصُوا وَلَا
يَنْظُرُوا إلَى أَعْيَانهَا {فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّه
زُيِّنَ لَهُمْ سُوء أَعْمَالهمْ} فَظَنُّوهُ حسنا {والله لا
يهدي القوم الكافرين}
3 -
(1/246)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا
فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ
أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا
مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ
(38)
وَنَزَلَ لَمَّا دَعَا النَّبِيّ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاس إلَى غَزْوَة تَبُوك
وَكَانُوا فِي عسرة وشدة حر فشق عليهم {يأيها الَّذِينَ
آمَنُوا مَا لَكُمْ إذَا قِيلَ لَكُمْ انْفِرُوا فِي سَبِيل
اللَّه اثَّاقَلْتُمْ} بِإِدْغَامِ التَّاء فِي الْأَصْل فِي
الْمُثَلَّثَة وَاجْتِلَاب هَمْزَة الْوَصْل أَيْ
تَبَاطَأْتُمْ وَمِلْتُمْ عَنْ الْجِهَاد {إلَى الْأَرْض}
والقعود فيها والاستفهام للتوبيخ {أرضيتم بالحياة الدنيا}
ولذاتها {مِنْ الْآخِرَة} أَيْ بَدَل نَعِيمهَا {فَمَا مَتَاع
الْحَيَاة الدُّنْيَا فِي} جَنْب مَتَاع {الْآخِرَة إلَّا
قليل} حقير
3 -
(1/246)
إِلَّا تَنْفِرُوا
يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا
غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)
{إلَّا} بِإِدْغَامِ لَا فِي نُون إنْ
الشَّرْطِيَّة فِي الْمَوْضِعَيْنِ {تَنْفِرُوا} تَخْرُجُوا
مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْجِهَادِ
{يُعَذِّبكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} مُؤْلِمًا {وَيَسْتَبْدِل
قَوْمًا غَيْركُمْ} أَيْ يَأْتِ بِهِمْ بَدَلكُمْ {وَلَا
تَضُرُّوهُ} أَيْ اللَّه أَوْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {شَيْئًا} بِتَرْكِ نَصْره فَإِنَّ اللَّه
نَاصِر دِينه {وَاَللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير} وَمِنْهُ
نَصْر دِينه وَنَبِيّه
(1/246)
4 -
(1/247)
إِلَّا تَنْصُرُوهُ
فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا
ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ
لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ
اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ
تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى
وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
(40)
{إلَّا تَنْصُرُوهُ} أَيْ النَّبِيّ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّه إذْ} حِين
{أَخْرَجَهُ الذين كفروا} من مكة أي ألجؤوه إلَى الْخُرُوج
لَمَّا أَرَادُوا قَتْله أَوْ حَبْسه أَوْ نَفْيه بِدَارِ
النَّدْوَة {ثَانِي اثْنَيْنِ} حَال أَيْ أَحَد اثْنَيْنِ
وَالْآخَر أَبُو بَكْر الْمَعْنَى نَصَرَهُ اللَّه فِي مِثْل
تِلْكَ الْحَالَة فَلَا يَخْذُلهُ فِي غَيْرهَا {إذْ} بَدَل
مِنْ إذْ قَبْله {هُمَا فِي الْغَار} نَقْب فِي جَبَل ثَوْر
{إذْ} بَدَل ثَانٍ {يَقُول لِصَاحِبِهِ} أَبِي بَكْر وَقَدْ
قَالَ لَهُ لَمَّا رَأَى أَقْدَام الْمُشْرِكِينَ لَوْ نَظَرَ
أَحَدهمْ تَحْت قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا {لَا تَحْزَن إنَّ
اللَّه مَعَنَا} بِنَصْرِهِ {فَأَنْزَلَ اللَّه سَكِينَته}
طُمَأْنِينَته {عَلَيْهِ} قِيلَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ عَلَى أَبِي بَكْر {وَأَيَّدَهُ}
أَيْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {بِجُنُودٍ
لَمْ تَرَوْهَا} مَلَائِكَة فِي الْغَار وَمَوَاطِن قِتَاله
{وَجَعَلَ كَلِمَة الَّذِينَ كَفَرُوا} أَيْ دَعْوَة الشِّرْك
{السُّفْلَى} الْمَغْلُوبَة {وَكَلِمَة اللَّه} أَيْ كَلِمَة
الشَّهَادَة {هِيَ الْعُلْيَا} الظَّاهِرَة الْغَالِبَة
{وَاَللَّه عَزِيز} فِي مُلْكه {حَكِيم} فِي صُنْعه
4 -
(1/247)
انْفِرُوا خِفَافًا
وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ
تَعْلَمُونَ (41)
{انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} نَشَاطًا
وَغَيْر نَشَاط وَقِيلَ أَقْوِيَاء وَضُعَفَاء أَوْ أَغْنِيَاء
وَفُقَرَاء وَهِيَ مَنْسُوخَة بِآيَةِ {لَيْسَ عَلَى
الضُّعَفَاء} {وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسكُمْ فِي
سَبِيل اللَّه ذَلِكُمْ خَيْر لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ
تَعْلَمُونَ} أَنَّهُ خَيْر لَكُمْ فَلَا تَثَّاقَلُوا
4 -
(1/247)
لَوْ كَانَ عَرَضًا
قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ
عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ
اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42)
ونزل في المنافقين الذين تخلفوا {لو كان}
ما دعوتهم إليه {عَرَضًا} مَتَاعًا مِنْ الدُّنْيَا {قَرِيبًا}
سَهْل الْمَأْخَذ {وَسَفَرًا قَاصِدًا} وَسَطًا {لَاتَّبَعُوك}
طَلَبًا لِلْغَنِيمَةِ {وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمْ
الشُّقَّة} الْمَسَافَة فَتَخَلَّفُوا {وَسَيَحْلِفُونَ
بِاَللَّهِ} إذَا رَجَعْتُمْ إلَيْهِمْ {لَوْ اسْتَطَعْنَا}
الْخُرُوج {لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسهمْ}
بِالْحَلِفِ الْكَاذِب {وَاَللَّه يَعْلَم إنَّهُمْ
لَكَاذِبُونَ} فِي قَوْلهمْ ذَلِكَ
4 -
(1/247)
عَفَا اللَّهُ عَنْكَ
لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ
صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43)
وَكَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَذَّنَ لِجَمَاعَةٍ فِي التَّخَلُّف بِاجْتِهَادٍ مِنْهُ
فَنَزَلَ عِتَابًا لَهُ وَقَدَّمَ الْعَفْو تَطْمِينًا
لِقَلْبِهِ {عَفَا اللَّه عَنْك لِمَ أَذِنْت لَهُمْ} فِي
التَّخَلُّف وَهَلَّا تَرَكْتهمْ {حَتَّى يَتَبَيَّن لَك
الَّذِينَ صَدَقُوا} فِي الْعُذْر {وَتَعْلَم الْكَاذِبِينَ}
فِيهِ
4 -
(1/247)
لَا يَسْتَأْذِنُكَ
الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ
يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ
بِالْمُتَّقِينَ (44)
{لَا يَسْتَأْذِنك الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ
بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر} فِي التَّخَلُّف عَنْ {أَنْ
يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهمْ والله عليم بالمتقين
(1/247)
4 -
(1/248)
إِنَّمَا
يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي
رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45)
{إنَّمَا يَسْتَأْذِنك} فِي التَّخَلُّف
{الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر
وَارْتَابَتْ} شَكَّتْ {قُلُوبهمْ} فِي الدِّين {فَهُمْ فِي
رَيْبهمْ يَتَرَدَّدُونَ} يَتَحَيَّرُونَ
4 -
(1/248)
وَلَوْ أَرَادُوا
الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ
انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ
الْقَاعِدِينَ (46)
{وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوج} مَعَك
{لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّة} أُهْبَة مِنْ الْآلَة وَالزَّاد
{وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّه انْبِعَاثهمْ} أَيْ لَمْ يُرِدْ
خُرُوجهمْ {فَثَبَّطَهُمْ} كَسَّلَهُمْ {وَقِيلَ} لَهُمْ
{اُقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} الْمَرْضَى وَالنِّسَاء
وَالصِّبْيَان أَيْ قَدَّرَ اللَّه تَعَالَى ذَلِكَ
4 -
(1/248)
لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ
مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ
يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ
وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47)
{لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ
إلَّا خَبَالًا} فسادا بِتَخْذِيلِ الْمُؤْمِنِينَ
{وَلَأَوْضَعُوا خِلَالكُمْ} أَيْ أَسْرَعُوا بَيْنكُمْ
بِالْمَشْيِ بِالنَّمِيمَةِ {يَبْغُونَكُمْ} يَطْلُبُونَ
لَكُمْ {الْفِتْنَة} بِإِلْقَاءِ الْعَدَاوَة {وَفِيكُمْ
سَمَّاعُونَ لَهُمْ} مَا يَقُولُونَ سَمَاع قبول {والله عليم
بالظالمين}
4 -
(1/248)
لَقَدِ ابْتَغَوُا
الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى
جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ
(48)
{لَقَدْ ابْتَغَوْا} لَك {الْفِتْنَة مِنْ
قَبْل} أَوَّل مَا قَدِمْت الْمَدِينَة {وَقَلَبُوا لَك
الْأُمُور} أَيْ أَجَالُوا الْفِكْر فِي كَيْدك وَإِبْطَال
دِينك {حَتَّى جَاءَ الْحَقّ} النَّصْر {وَظَهَرَ} عَزَّ
{أَمْر اللَّه} دِينه {وَهُمْ كَارِهُونَ} لَهُ فَدَخَلُوا
فِيهِ ظَاهِرًا
4 -
(1/248)
وَمِنْهُمْ مَنْ
يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ
سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (49)
{وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُول ائْذَنْ لِي} فِي
التَّخَلُّف {وَلَا تَفْتِنِّي} وَهُوَ الْجَدّ بْن قَيْس
قَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ
لَك فِي جَلَّاد بَنِي الْأَصْفَر فَقَالَ إنِّي مُغْرَم
بِالنِّسَاءِ وَأَخْشَى إنْ رَأَيْت نِسَاء بَنِي الأصفر أن لا
أصبر عنهن فأفتتن قال تعالى {أَلَا فِي الْفِتْنَة سَقَطُوا}
بِالتَّخَلُّفِ وَقُرِئَ سَقَطَ {وَإِنَّ جَهَنَّم لَمُحِيطَة
بِالْكَافِرِينَ} لَا مَحِيص لَهُمْ عنها
5 -
(1/248)
إِنْ تُصِبْكَ
حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ
أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ
فَرِحُونَ (50)
{إن تصبك حسنة} كنصر وغنيمة {تسؤهم وَإِنْ
تُصِبْك مُصِيبَة} شِدَّة {يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرنَا}
بِالْحَزْمِ حِين تَخَلَّفْنَا {مِنْ قَبْل} قَبْل هَذِهِ
الْمَعْصِيَة {وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ} بِمَا
أَصَابَك
5 -
(1/248)
قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا
إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى
اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)
{قُلْ} لَهُمْ {لَنْ يُصِيبنَا إلَّا مَا
كَتَبَ اللَّه لَنَا} إصَابَته {هُوَ مَوْلَانَا} نَاصِرنَا
وَمُتَوَلِّي أمورنا {وعلى الله فليتوكل المؤمنون
(1/248)
5 -
(1/249)
قُلْ هَلْ
تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ
نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ
عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ
مُتَرَبِّصُونَ (52)
{قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ} فِيهِ حَذْف
إحْدَى التَّاءَيْنِ مِنْ الْأَصْل أَيْ تَنْتَظِرُونَ أَنْ
يَقَع {بِنَا إلَّا إحْدَى} الْعَاقِبَتَيْنِ
{الْحُسْنَيَيْنِ} تَثْنِيَة حُسْنَى تَأْنِيث أَحْسَن
النَّصْر أَوْ الشَّهَادَة {وَنَحْنُ نَتَرَبَّص} نَنْتَظِر
{بِكُمْ أَنْ يُصِيبكُمْ اللَّه بِعَذَابٍ مِنْ عِنْده}
بِقَارِعَةٍ مِنْ السَّمَاء {أَوْ بِأَيْدِينَا} بِأَنْ
يُؤْذِن لَنَا فِي قِتَالكُمْ {فَتَرَبَّصُوا}
بِنَا ذَلِكَ {إنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ} عَاقِبَتكُمْ
5 -
(1/249)
قُلْ أَنْفِقُوا
طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ
كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ (53)
{قُلْ أَنْفِقُوا} فِي طَاعَة اللَّه
{طَوْعًا أَوْ كرها لن يتقبل منكم} ما أنفقتموه {إنكم كنتم
قوما فاسقين} وَالْأَمْر هُنَا بِمَعْنَى الْخَبَر
5 -
(1/249)
وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ
تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا
بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا
وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ
(54)
{وما منعهم أن تقبل} بالياء والتاء {منهم
نفقاتهم إلا أنهم} فَاعِل وَأَنْ تُقْبَل مَفْعُول {كَفَرُوا
بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاة إلَّا
وَهُمْ كُسَالَى} مُتَثَاقِلُونَ {وَلَا يُنْفِقُونَ إلَّا
وَهُمْ كَارِهُونَ} النَّفَقَة لِأَنَّهُمْ يعدونها مغرما
5 -
(1/249)
فَلَا تُعْجِبْكَ
أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ
لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ
أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55)
{فَلَا تُعْجِبك أَمْوَالهمْ وَلَا
أَوْلَادهمْ} أَيْ لَا تَسْتَحْسِن نِعَمنَا عَلَيْهِمْ فَهِيَ
اسْتِدْرَاج {إنَّمَا يُرِيد اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ} أَيْ أَنْ
يُعَذِّبهُمْ {بِهَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} بِمَا
يَلْقَوْنَ فِي جَمْعهَا مِنْ الْمَشَقَّة وَفِيهَا مِنْ
الْمَصَائِب {وَتَزْهَق} تَخْرُج {أَنْفُسهمْ وَهُمْ
كَافِرُونَ} فَيُعَذِّبهُمْ فِي الْآخِرَة أَشَدّ الْعَذَاب
5 -
(1/249)
وَيَحْلِفُونَ
بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ
وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56)
{وَيَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ إنَّهُمْ
لِمِنْكُمْ} أَيْ مُؤْمِنُونَ {وَمَا هُمْ مِنْكُمْ
وَلَكِنَّهُمْ قَوْم يَفْرُقُونَ} يَخَافُونَ أَنْ تَفْعَلُوا
بِهِمْ كَالْمُشْرِكِينَ فَيَحْلِفُونَ تَقِيَّة
5 -
(1/249)
لَوْ يَجِدُونَ
مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ
وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57)
{لو يجدون ملجأ} يلجأون إلَيْهِ {أَوْ
مَغَارَات} سَرَادِيب {أَوْ مُدَّخَلًا} مَوْضِعًا
يَدْخُلُونَهُ {لَوَلَّوْا إلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ}
يُسْرِعُونَ فِي دُخُوله وَالِانْصِرَاف عَنْكُمْ إسْرَاعًا
لَا يَرُدّهُ شَيْء كالفرس الجموح
5 -
(1/249)
وَمِنْهُمْ مَنْ
يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا
وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58)
{ومنهم من يلمزك} يعيبك {في} قسم {الصدقات
فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون
(1/249)
5 -
(1/250)
وَلَوْ أَنَّهُمْ
رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا
اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ
إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ (59)
{وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمْ
اللَّه وَرَسُوله} مِنْ الْغَنَائِم وَنَحْوهَا {وَقَالُوا
حَسْبنَا} كَافِينَا {اللَّه سَيُؤْتِينَا اللَّه مِنْ فَضْله
وَرَسُوله} مِنْ غَنِيمَة أُخْرَى مَا يَكْفِينَا {إنَّا إلَى
اللَّه رَاغِبُونَ} أَنْ يُغْنِينَا وَجَوَاب لَوْ لَكَانَ
خَيْرًا لَهُمْ
6 -
(1/250)
إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ
لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا
وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ
وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ
فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)
{إنَّمَا الصَّدَقَات} الزَّكَوَات
مَصْرُوفَة {لِلْفُقَرَاءِ} الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يَقَع
مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتهمْ {وَالْمَسَاكِين} الَّذِينَ لَا
يَجِدُونَ مَا يَكْفِيهِمْ {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} أَيْ
الصَّدَقَات مِنْ جَابٍ وَقَاسِم وَكَاتِب وَحَاشِر
{وَالْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ} لِيُسْلِمُوا أَوْ يَثْبُت
إسْلَامهمْ أَوْ يَسْلَم نُظَرَاؤُهُمْ أَوْ يَذُبُّوا عَنْ
الْمُسْلِمِينَ أَقْسَام الْأَوَّل وَالْأَخِير لَا
يُعْطِيَانِ الْيَوْم عِنْد الشَّافِعِيّ رَضِيَ اللَّه
تَعَالَى عَنْهُ لِعَزِّ الْإِسْلَام بِخِلَافِ الْآخَرَيْنِ
فَيُعْطِيَانِ عَلَى الْأَصَحّ {وَفِي} فَكّ {الرِّقَاب} أَيْ
الْمُكَاتَبِينَ {وَالْغَارِمِينَ} أَهْل الدِّين إنْ
اسْتَدَانُوا لِغَيْرِ مَعْصِيَة أَوْ تَابُوا وَلَيْسَ لَهُمْ
وَفَاء أَوْ لِإِصْلَاحِ ذَات الْبَيْن وَلَوْ أَغْنِيَاء
{وَفِي سَبِيل اللَّه} أَيْ الْقَائِمِينَ بِالْجِهَادِ
مِمَّنْ لَا فيء لهم ولو أغنياء {وبن السَّبِيل} الْمُنْقَطِع
فِي سَفَره {فَرِيضَة} نُصِبَ بِفِعْلِهِ الْمُقَدَّر {مِنْ
اللَّه وَاَللَّه عَلِيم} بِخَلْقِهِ {حَكِيم} فِي صُنْعه
فَلَا يَجُوز صَرْفهَا لِغَيْرِ هَؤُلَاءِ ولا مانع صِنْف
مِنْهُمْ إذَا وُجِدَ فَيَقْسِمهَا الْإِمَام عَلَيْهِمْ عَلَى
السَّوَاء وَلَهُ تَفْضِيل بَعْض آحَاد الصِّنْف عَلَى بَعْض
وَأَفَادَتْ اللَّام وُجُوب اسْتِغْرَاق أَفْرَاده لَكِنْ لَا
يَجِب عَلَى صَاحِب الْمَال إذَا قَسَمَ لِعُسْرِهِ بَلْ
يَكْفِي إعْطَاء ثَلَاثَة مِنْ كُلّ صِنْف وَلَا يَكْفِي
دُونهَا كَمَا أَفَادَتْهُ صِيغَة الْجَمْع وَبَيَّنَتْ
السُّنَّة أَنَّ شَرْط الْمُعْطَى مِنْهَا الْإِسْلَام وَأَنْ
لَا يَكُون هَاشِمِيًّا وَلَا مطلبيا
(1/250)
6 -
(1/251)
وَمِنْهُمُ الَّذِينَ
يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ
خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ
وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ
رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61)
{وَمِنْهُمْ} أَيْ الْمُنَافِقِينَ
{الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيّ} بِعَيْبِهِ وَبِنَقْلِ
حَدِيثه {وَيَقُولُونَ} إذَا نُهُوا عَنْ ذَلِكَ لِئَلَّا
يُبَلِّغهُ {هُوَ أُذُن} أَيْ يَسْمَع كُلّ قَيْل وَيَقْبَلهُ
فَإِذَا حَلَفْنَا لَهُ أَنَّا لَمْ نَقُلْ صَدَّقْنَا {قُلْ}
هُوَ {أُذُن} مُسْتَمِع {خَيْر لَكُمْ} لَا مُسْتَمِع شَرّ
{يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَيُؤْمِن} يُصَدِّق {لِلْمُؤْمِنِينَ}
فِيمَا أَخْبَرُوهُ بِهِ لَا لِغَيْرِهِمْ وَاللَّام زَائِدَة
لِلْفَرَقِ بَيْن إيمَان التَّسْلِيم وَغَيْره {وَرَحْمَة}
بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى أُذُن وَالْجَرّ عَطْفًا على خير
{للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم}
6 -
(1/251)
يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ
لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ
يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62)
{يَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ لَكُمْ} أَيّهَا
الْمُؤْمِنُونَ فِيمَا بَلَغَكُمْ عَنْهُمْ مِنْ أَذَى
الرَّسُول أَنَّهُمْ مَا أَتَوْهُ {لِيُرْضُوكُمْ وَاَللَّه
وَرَسُوله أَحَقّ أَنْ يُرْضُوهُ} بِالطَّاعَةِ {إن كانوا
مؤمنين} حقا وَتَوْحِيد الضَّمِير لِتَلَازُمِ الرِّضَاءَيْنِ
أَوْ خَبَر اللَّه ورسوله محذوف
6 -
(1/251)
أَلَمْ يَعْلَمُوا
أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ
نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ
(63)
{أَلَمْ يَعْلَمُوا} بِ {أَنَّهُ} أَيْ
الشَّأْن {مَنْ يُحَادِدْ} يُشَاقِقْ {اللَّه وَرَسُوله
فَإِنَّ لَهُ نَار جهنم} جزاء {خالدا فيها ذلك الخزي العظيم}
6 -
(1/251)
يَحْذَرُ
الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ
تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ
اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64)
{يحذر} يخاق {المُنَافِقُونَ أَنْ
تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ} أَيْ الْمُؤْمِنِينَ {سُورَة
تُنَبِّئهُمْ بِمَا فِي قُلُوبهمْ} مِنْ النِّفَاق وَهُمْ مَعَ
ذَلِكَ يَسْتَهْزِئُونَ {قُلْ اسْتَهْزِئُوا} أَمْر تَهْدِيد
{إنَّ اللَّه مُخْرِج} مُظْهِر {مَا تَحْذَرُونَ} إخْرَاجه من
نفاقكم
6 -
(1/251)
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ
لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ
أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ
(65)
{وَلَئِنْ} لَام قَسَم {سَأَلْتهمْ} عَنْ
اسْتِهْزَائِهِمْ بِك وَالْقُرْآن وَهُمْ سَائِرُونَ مَعَك
إلَى تَبُوك {لَيَقُولُنَّ} مُعْتَذِرِينَ {إنَّمَا كُنَّا
نَخُوض وَنَلْعَب} فِي الْحَدِيث لِنَقْطَع بِهِ الطَّرِيق
وَلَمْ نَقْصِد ذَلِكَ {قُلْ} لهم {أبالله وآياته ورسوله كنتم
تستهزئون}
6 -
(1/251)
لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ
كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ
مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ
(66)
{لَا تَعْتَذِرُوا} عَنْهُ {قَدْ
كَفَرْتُمْ بَعْد إيمَانكُمْ} أَيْ ظَهَرَ كُفْركُمْ بَعْد
إظْهَار الْإِيمَان {إنْ يُعْفَ} بِالْيَاءِ مَبْنِيًّا
لِلْمَفْعُولِ وَالنُّون مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ {عَنْ
طَائِفَة مِنْكُمْ} بِإِخْلَاصِهَا وَتَوْبَتهَا كَجَحْشِ بْن
حمير {تعذب} بِالتَّاءِ وَالنُّون {طَائِفَة بِأَنَّهُمْ
كَانُوا مُجْرِمِينَ} مُصِرِّينَ عَلَى النِّفَاق
وَالِاسْتِهْزَاء
(1/251)
6 -
(1/252)
الْمُنَافِقُونَ
وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ
بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ
أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ
الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67)
{الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَات
بَعْضهمْ مِنْ بَعْض} أَيْ مُتَشَابِهُونَ فِي الدِّين
كَأَبْعَاضِ الشَّيْء الْوَاحِد {يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ}
الْكُفْر وَالْمَعَاصِي {وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوف}
الْإِيمَان وَالطَّاعَة {وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيهمْ} عَنْ
الْإِنْفَاق فِي الطَّاعَة {نَسُوا اللَّه} تَرَكُوا طَاعَته
{فَنَسِيَهُمْ} تَرَكَهُمْ مِنْ لُطْفه {إن المنافقين هم
الفاسقون}
6 -
(1/252)
وَعَدَ اللَّهُ
الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ
جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ
اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68)
{وَعَدَ اللَّه الْمُنَافِقِينَ
وَالْمُنَافِقَات وَالْكُفَّار نَار جَهَنَّم خَالِدِينَ
فِيهَا هِيَ حَسْبهمْ} جَزَاء وَعِقَابًا {وَلَعَنَهُمْ
اللَّه} أَبْعَدهمْ عَنْ رَحْمَته {وَلَهُمْ عَذَاب مُقِيم}
دائم
6 -
(1/252)
كَالَّذِينَ مِنْ
قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ
أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ
فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ
مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا
أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (69)
أَنْتُمْ أَيّهَا الْمُنَافِقُونَ
{كَاَلَّذِينَ مِنْ قَبْلكُمْ كَانُوا أَشَدّ مِنْكُمْ قُوَّة
وَأَكْثَر أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا}
تَمَتَّعُوا {بِخَلَاقِهِمْ} نَصِيبهمْ مِنْ الدُّنْيَا
{فَاسْتَمْتَعْتُمْ} أَيّهَا الْمُنَافِقُونَ {بِخَلَاقِكُمْ
كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلكُمْ بِخَلَاقِهِمْ
وَخُضْتُمْ} فِي الْبَاطِل وَالطَّعْن فِي النَّبِيّ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {كَاَلَّذِي خَاضُوا} أَيْ خوضهم
{أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون}
7 -
(1/252)
أَلَمْ يَأْتِهِمْ
نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ
وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ
وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ
فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا
أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70)
{أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأ} خَبَر
{الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ قوم نوح وعاد} قوم هود {وثمود} قوم
صَالِح {وَقَوْم إبْرَاهِيم وَأَصْحَاب مَدْيَن} قَوْم شُعَيْب
{وَالْمُؤْتَفِكَات} قُرَى قَوْم لُوط أَيْ أَهْلهَا
{أَتَتْهُمْ رُسُلهمْ بِالْبَيِّنَاتِ} بِالْمُعْجِزَاتِ
فَكَذَبُوهُمْ فَأُهْلِكُوا {فَمَا كَانَ اللَّه
لِيَظْلِمهُمْ} بِأَنْ يُعَذِّبهُمْ بِغَيْرِ ذَنْب {وَلَكِنْ
كَانُوا أَنْفُسهمْ يَظْلِمُونَ} بِارْتِكَابِ الذَّنْب
7 -
(1/252)
وَالْمُؤْمِنُونَ
وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ
الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ
عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)
{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَات
بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَر وَيُقِيمُونَ الصَّلَاة
وَيُؤْتُونَ الزَّكَاة وَيُطِيعُونَ اللَّه وَرَسُوله
أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّه أَنَّ اللَّه عَزِيز} لَا
يُعْجِزهُ شَيْء عَنْ إنْجَاز وَعْده وَوَعِيده {حَكِيم} لَا
يَضَع شَيْئًا إلَّا في محله
7 -
(1/252)
وَعَدَ اللَّهُ
الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ
تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ
طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ
أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)
{وَعَدَ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِنَات جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار
خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِن طَيِّبَة فِي جَنَّات عَدْن}
إقَامَة {وَرِضْوَان مِنْ اللَّه أَكْبَر} أعظم من ذلك كله
{ذلك هو الفوز العظيم
(1/252)
7 -
(1/253)
يَا أَيُّهَا
النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ
عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73)
{يأيها النَّبِيّ جَاهِد الْكُفَّار}
بِالسَّيْفِ {وَالْمُنَافِقِينَ} بِاللِّسَانِ وَالْحُجَّة
{وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} بِالِانْتِهَارِ وَالْمَقْت
{وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّم وَبِئْسَ الْمَصِير} الْمَرْجِع هِيَ
7 -
(1/253)
يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ
مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا
بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا
نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ
فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ
يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي
الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ
وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (74)
{يَحْلِفُونَ} أَيْ الْمُنَافِقُونَ
{بِاَللَّهِ مَا قَالُوا} مَا بَلَغَك عَنْهُمْ مِنْ السَّبّ
{وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَة الْكُفْر وَكَفَرُوا بَعْد
إسْلَامهمْ} أَظْهَرُوا الْكُفْر بَعْد إظْهَار الْإِسْلَام
{وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا} مِنْ الْفَتْك بِالنَّبِيِّ
لَيْلَة الْعَقَبَة عِنْد عَوْده مِنْ تَبُوك وَهُمْ بَضْعَة
عَشَرَ رَجُلًا فَضَرَبَ عَمَّار بْن يَاسِر وُجُوه
الرَّوَاحِل لَمَّا غَشُوهُ فَرُدُّوا {وَمَا نَقَمُوا}
أَنْكَرُوا {إلَّا أَنْ أَغْنَاهُمْ اللَّه وَرَسُوله مِنْ
فَضْله} بِالْغَنَائِمِ بَعْد شِدَّة حَاجَتهمْ الْمَعْنَى
لَمْ يَنَلْهُمْ مِنْهُ إلَّا هَذَا وَلَيْسَ مِمَّا يَنْقِم
{فَإِنْ يَتُوبُوا} عَنْ النِّفَاق وَيُؤْمِنُوا بِك {يَكُ
خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا} عَنْ الإيمان {يعذبهم
عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا} بِالْقَتْلِ {وَالْآخِرَة}
بِالنَّارِ {وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْض مِنْ وَلِيّ}
يَحْفَظهُمْ مِنْهُ {وَلَا نَصِير} يَمْنَعهُمْ
7 -
(1/253)
وَمِنْهُمْ مَنْ
عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ
وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75)
{وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّه لَئِنْ
آتَانَا مِنْ فَضْله لَنَصَّدَّقَنَّ} فِيهِ إدْغَام التَّاء
فِي الْأَصْل فِي الصَّاد {وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ}
وَهُوَ ثَعْلَبَة بْن حَاطِب سَأَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدْعُو لَهُ أَنْ يَرْزُقهُ اللَّه
مالا ويؤدي منه إلى كُلّ ذِي حَقّ حَقّه فَدَعَا لَهُ
فَوَسَّعَ عَلَيْهِ فَانْقَطَعَ عَنْ الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة
وَمَنَعَ الزَّكَاة كما قال تعالى
7 -
(1/253)
فَلَمَّا آتَاهُمْ
مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ
(76)
{فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْله بَخِلُوا
بِهِ وَتَوَلَّوْا} عن طاعة الله {وهم معرضون
(1/253)
7 -
(1/254)
فَأَعْقَبَهُمْ
نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا
أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ
(77)
{فَأَعْقَبَهُمْ} أَيْ فَصَيَّرَ
عَاقِبَتهمْ {نِفَاقًا} ثَابِتًا {فِي قُلُوبهمْ إلَى يَوْم
يَلْقَوْنَهُ} أَيْ اللَّه وَهُوَ يوم القيامة {بما أخلفوا
الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون} فيه فَجَاءَ بَعْد ذَلِكَ
إلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزَكَاتِهِ
فَقَالَ إنَّ اللَّه مَنَعَنِي أَنْ أَقْبَلَ مِنْك فَجَعَلَ
يَحْثُو التُّرَاب عَلَى رأسه ثم جاء بها إلَى أَبِي بَكْر
فَلَمْ يَقْبَلهَا ثُمَّ إلَى عُمَر فَلَمْ يَقْبَلهَا ثُمَّ
إلَى عُثْمَان فَلَمْ يَقْبَلهَا وَمَاتَ فِي زَمَانه
7 -
(1/254)
أَلَمْ يَعْلَمُوا
أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ
اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (78)
{أَلَمْ يَعْلَمُوا} أَيْ الْمُنَافِقُونَ
{أَنَّ اللَّه يَعْلَم سِرّهمْ} مَا أَسَرُّوهُ فِي أَنْفُسهمْ
{وَنَجْوَاهُمْ} مَا تَنَاجَوْا بِهِ بَيْنهمْ {وَأَنَّ اللَّه
عَلَّام الْغُيُوب} مَا غَابَ عَنْ الْعِيَان وَلَمَّا
نَزَلَتْ آيَة الصَّدَقَة جَاءَ رَجُل فَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ
كَثِير فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ مُرَاءٍ وَجَاءَ رَجُل
فَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ فَقَالُوا إنَّ اللَّه غَنِيّ عَنْ
صَدَقَة هَذَا فَنَزَلَ
7 -
(1/254)
الَّذِينَ يَلْمِزُونَ
الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ
وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ
مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
(79)
{الَّذِينَ} مُبْتَدَأ {يَلْمِزُونَ}
يَعِيبُونَ {الْمُطَّوِّعِينَ} الْمُتَنَفِّلِينَ {مِنْ
الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَات وَاَلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ
إلَّا جُهْدهمْ} طَاقَتهمْ فَيَأْتُونَ بِهِ {فَيَسْخَرُونَ
مِنْهُمْ} وَالْخَبَر {سخر الله منهم} جازاهم على سخريتهم
{ولهم عذاب أليم}
8 -
(1/254)
اسْتَغْفِرْ لَهُمْ
أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ
سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ
بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا
يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80)
{اسْتَغْفِرْ} يَا مُحَمَّد {لَهُمْ أَوْ
لَا تَسْتَغْفِر لَهُمْ} تَخْيِير لَهُ فِي الِاسْتِغْفَار
وَتَرْكه قَالَ صلى الله عليه وسلم إني خيرت اخترت يَعْنِي
الِاسْتِغْفَار رَوَاهُ الْبُخَارِيّ {إنْ تَسْتَغْفِر لَهُمْ
سَبْعِينَ مَرَّة فَلَنْ يَغْفِر اللَّه لَهُمْ} قِيلَ
الْمُرَاد بِالسَّبْعِينَ الْمُبَالَغَة فِي كَثْرَة
الِاسْتِغْفَار وَفِي الْبُخَارِيّ حَدِيث لَوْ أَعْلَم أَنِّي
لَوْ زِدْت عَلَى السَّبْعِينَ غُفِرَ لَزِدْت عَلَيْهَا
وَقِيلَ الْمُرَاد العدد المخصوص لحديثه أيضا وسأزيد على
السبعين فبين لَهُ حَسْم الْمَغْفِرَة بِآيَةِ {سَوَاء
عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْت لهم أم لم تستغفر لهم} ذلك بأنهم
كفروا بالله ورسوله والله لا يهدي القوم الفاسقين
(1/254)
8 -
(1/255)
فَرِحَ
الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ
وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ
قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ
(81)
{فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ} عَنْ تَبُوك
{بِمَقْعَدِهِمْ} أَيْ بِقُعُودِهِمْ {خِلَاف} أَيْ بَعْد
{رَسُول اللَّه وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ
وَأَنْفُسهمْ فِي سَبِيل اللَّه وَقَالُوا} أَيْ قَالَ
بَعْضهمْ لِبَعْضٍ {لَا تَنْفِرُوا} تَخْرُجُوا إلَى الْجِهَاد
{فِي الْحَرّ قُلْ نَار جَهَنَّم أَشَدّ حَرًّا} مِنْ تَبُوك
فَالْأَوْلَى أَنْ يَتَّقُوهَا بِتَرْكِ التَّخَلُّف {لَوْ
كَانُوا يَفْقَهُونَ} يَعْلَمُونَ ذَلِكَ مَا تَخَلَّفُوا
8 -
(1/255)
فَلْيَضْحَكُوا
قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا
يَكْسِبُونَ (82)
{فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا} فِي الدُّنْيَا
{وَلْيَبْكُوا} فِي الْآخِرَة {كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون}
خَبَر عَنْ حَالهمْ بِصِيغَةِ الْأَمْر
8 -
(1/255)
فَإِنْ رَجَعَكَ
اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ
لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ
تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ
أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ (83)
{فَإِنْ رَجَعَك} رَدَّك {اللَّه} مِنْ
تَبُوك {إلَى طَائِفَة مِنْهُمْ} مِمَّنْ تَخَلَّفَ
بِالْمَدِينَةِ مِنْ الْمُنَافِقِينَ {فَاسْتَأْذَنُوك
لِلْخُرُوجِ} مَعَك إلَى غَزْوَة أُخْرَى {فَقُلْ} لَهُمْ
{لَنْ تَخْرُجُوا مَعِي أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِي
عَدُوًّا إنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّل مَرَّة
فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ} الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ
الْغَزْو مِنْ النِّسَاء وَالصِّبْيَان وَغَيْرهمْ
8 -
(1/255)
وَلَا تُصَلِّ عَلَى
أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ
إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ
فَاسِقُونَ (84)
وَلَمَّا صَلَّى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بن أُبَيٍّ نَزَلَ {وَلَا تُصَلِّ
عَلَى أَحَد مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى
قَبْره} لِدَفْنٍ أَوْ زِيَارَة {إنَّهُمْ كَفَرُوا بِاَللَّهِ
وَرَسُوله وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} كَافِرُونَ
8 -
(1/255)
وَلَا تُعْجِبْكَ
أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ
يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ
وَهُمْ كَافِرُونَ (85)
{وَلَا تُعْجِبك أَمْوَالهمْ وَأَوْلَادهمْ
إنَّمَا يُرِيد اللَّه أَنْ يُعَذِّبهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا
وَتَزْهَق} تَخْرُج {أنفسهم وهم كافرون}
8 -
(1/255)
وَإِذَا أُنْزِلَتْ
سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ
اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا
نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (86)
{وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَة} أَيْ طَائِفَة
مِنْ الْقُرْآن {أَنْ} أَيْ بِأَنْ {آمِنُوا بِاَللَّهِ
وَجَاهِدُوا مَعَ رسوله استأذنك أولو الطول} ذوو الغنى {منهم
وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين}
8 -
(1/255)
رَضُوا بِأَنْ
يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ
فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (87)
{رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ
الْخَوَالِف} جَمْع خَالِفَة أَيْ النِّسَاء اللَّاتِي
تَخَلَّفْنَ فِي الْبُيُوت {وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبهمْ فَهُمْ
لَا يَفْقَهُونَ} الْخَيْر
8 -
(1/255)
لَكِنِ الرَّسُولُ
وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ
وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ
هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88)
{لَكِنْ الرَّسُول وَاَلَّذِينَ آمَنُوا
مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهمْ وَأُولَئِكَ
لَهُمْ الْخَيْرَات} فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة {وأولئك هم
المفلحون} أي الفائزون
(1/255)
8 -
(1/256)
أَعَدَّ اللَّهُ
لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89)
{أعد الله لَهُمْ جَنَّات تَجْرِي مِنْ
تَحْتهَا الْأَنْهَار خَالِدِينَ فِيهَا ذلك الفوز العظيم}
9 -
(1/256)
وَجَاءَ
الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ
الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ
كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (90)
{وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ} بِإِدْغَامِ
التَّاء فِي الْأَصْل فِي الدَّال أَيْ الْمُعْتَذِرُونَ
بِمَعْنَى الْمَعْذُورِينَ وَقُرِئَ بِهِ {مِنْ الْأَعْرَاب}
إلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لِيُؤْذَن
لَهُمْ} فِي الْقُعُود لِعُذْرِهِمْ فَأَذِنَ لَهُمْ {وَقَعَدَ
الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّه وَرَسُوله} فِي ادِّعَاء الْإِيمَان
مِنْ مُنَافِقِي الْأَعْرَاب عَنْ الْمَجِيء للاعتذار {سيصيب
الذين كفروا منهم عذاب أليم}
9 -
(1/256)
لَيْسَ عَلَى
الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ
لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ
وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ
غَفُورٌ رَحِيمٌ (91)
{لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء} كَالشُّيُوخِ
{وَلَا عَلَى الْمَرْضَى} كَالْعُمْيِ وَالزَّمْنَى {وَلَا
عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ} فِي الْجِهَاد
{حَرَج} إثْم فِي التَّخَلُّف عَنْهُ {إذَا نَصَحُوا لِلَّهِ
وَرَسُوله} فِي حَال قُعُودهمْ بِعَدَمِ الْإِرْجَاف
وَالتَّثْبِيط وَالطَّاعَة {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ}
بِذَلِكَ {مِنْ سَبِيل} طَرِيق بِالْمُؤَاخَذَةِ {وَاَللَّه
غَفُور} لَهُمْ {رَحِيم} بِهِمْ فِي التَّوْسِعَة في ذلك
9 -
(1/256)
وَلَا عَلَى الَّذِينَ
إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا
أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ
الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (92)
{وَلَا عَلَى الَّذِينَ إذَا مَا أَتَوْك
لِتَحْمِلهُمْ} مَعَك إلَى الْغَزْو وَهُمْ سَبْعَة مِنْ
الْأَنْصَار وَقِيلَ بَنُو مُقْرِن {قُلْت لَا أَجِد مَا
أَحْمِلكُمْ عَلَيْهِ} حَال {تَوَلَّوْا} جَوَاب إذَا أَيْ
انْصَرَفُوا {وَأَعْيُنهمْ تَفِيض} تَسِيل {مِنْ} لِلْبَيَانِ
{الدَّمْع حَزَنًا} لِأَجْلِ {أَلَّا يَجِدُوا مَا
يُنْفِقُونَ} فِي الجهاد
9 -
(1/256)
إِنَّمَا السَّبِيلُ
عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا
بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى
قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (93)
{إنَّمَا السَّبِيل عَلَى الَّذِينَ
يَسْتَأْذِنُونَك} فِي التَّخَلُّف {وَهُمْ أَغْنِيَاء رَضُوا
بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِف وَطَبَعَ اللَّه عَلَى
قُلُوبهمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} تقدم مثله
9 -
(1/256)
يَعْتَذِرُونَ
إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا
لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ
أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ
تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ
فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (94)
{يَعْتَذِرُونَ إلَيْكُمْ} فِي التَّخَلُّف
{إذَا رَجَعْتُمْ إلَيْهِمْ} مِنْ الْغَزْو {قُلْ} لَهُمْ {لَا
تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِن لَكُمْ} نُصَدِّقكُمْ {قَدْ
نَبَّأَنَا اللَّه مِنْ أَخْبَاركُمْ} أَيْ أَخْبَرَنَا
بِأَحْوَالِكُمْ {وَسَيَرَى اللَّه عَمَلكُمْ وَرَسُوله ثُمَّ
تُرَدُّونَ} بِالْبَعْثِ {إلَى عَالِم الْغَيْب وَالشَّهَادَة}
أَيْ اللَّه {فَيُنَبِّئكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}
فيجازيكم عليه
(1/256)
9 -
(1/257)
سَيَحْلِفُونَ
بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا
عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ
وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ
(95)
{سَيَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ لَكُمْ إذَا
انْقَلَبْتُمْ} رَجَعْتُمْ {إلَيْهِمْ} مِنْ تَبُوك أَنَّهُمْ
مَعْذُورُونَ فِي التَّخَلُّف {لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ}
بِتَرْكِ الْمُعَاتَبَة {فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إنَّهُمْ
رِجْس} قذر لخبث باطنهم {ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون}
9 -
(1/257)
يَحْلِفُونَ لَكُمْ
لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ
اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (96)
{يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ
فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّه لَا يَرْضَى عَنْ
الْقَوْم الْفَاسِقِينَ} أَيْ عَنْهُمْ وَلَا يَنْفَع
رِضَاكُمْ مَعَ سَخَط الله
9 -
(1/257)
الْأَعْرَابُ أَشَدُّ
كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا
أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
(97)
{الْأَعْرَاب} أَهْل الْبَدْو {أَشَدّ
كُفْرًا وَنِفَاقًا} مِنْ أَهْل الْمُدُن لِجَفَائِهِمْ
وَغِلَظ طِبَاعهمْ وَبُعْدهمْ عَنْ سماع القرآن {وأجدر} أولى
{أ} ن أَيْ بِأَنْ {لَا يَعْلَمُوا حُدُود مَا أَنْزَلَ اللَّه
عَلَى رَسُوله} مِنْ الْأَحْكَام وَالشَّرَائِع {وَاَللَّه
عَلِيم} بِخَلْقِهِ {حَكِيم} فِي صُنْعه بِهِمْ
9 -
(1/257)
وَمِنَ الْأَعْرَابِ
مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ
الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ
سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98)
{وَمِنْ الْأَعْرَاب مَنْ يَتَّخِذ مَا
يُنْفِق} فِي سَبِيل اللَّه {مَغْرَمًا} غَرَامَة وَخُسْرَانًا
لِأَنَّهُ لَا يَرْجُو ثَوَابه بَلْ يُنْفِقهُ خَوْفًا وَهُمْ
بَنُو أَسَد وَغَطَفَان {وَيَتَرَبَّص} يَنْتَظِر {بِكُمْ
الدَّوَائِر} دَوَائِر الزَّمَان أَنْ تَنْقَلِب عَلَيْكُمْ
فَيَتَخَلَّص {عَلَيْهِمْ دَائِرَة السُّوء} بِالضَّمِّ
وَالْفَتْح أَيْ يَدُور الْعَذَاب وَالْهَلَاك عَلَيْهِمْ لَا
عَلَيْكُمْ {وَاَللَّه سَمِيع} لِأَقْوَالِ عِبَاده {عليم}
بأفعالهم
9 -
(1/257)
وَمِنَ الْأَعْرَابِ
مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا
يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ
أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي
رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99)
{وَمِنْ الْأَعْرَاب مَنْ يُؤْمِن
بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر} كَجُهَيْنَة وَمُزَيْنَةَ
{وَيَتَّخِذ مَا يُنْفِق} فِي سَبِيل الله {قربات} تقربه {عند
الله و} وسيلة إلى {صلوات} دَعَوَات {الرَّسُول} لَهُ {أَلَا
إنَّهَا} أَيْ نَفَقَتهمْ {قُرْبَة} بِضَمِّ الرَّاء
وَسُكُونهَا {لَهُمْ} عِنْده {سَيُدْخِلُهُمْ اللَّه فِي
رَحْمَته} جَنَّته {إنَّ اللَّه غَفُور} لِأَهْلِ طَاعَته
{رَحِيم} بِهِمْ
(1/257)
10 -
(1/258)
وَالسَّابِقُونَ
الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ
وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي
تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ
الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)
{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ
الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار} وَهُمْ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا
أَوْ جَمِيع الصَّحَابَة {وَاَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ} إلَى
يَوْم الْقِيَامَة {بِإِحْسَانٍ} فِي الْعَمَل {رَضِيَ اللَّه
عَنْهُمْ} بِطَاعَتِهِ {وَرَضُوا عَنْهُ} بِثَوَابِهِ
{وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّات تَجْرِي تَحْتهَا الْأَنْهَار}
وَفِي قِرَاءَة بزيادة من {خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم}
10 -
(1/258)
وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ
مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ
مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ
نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ
إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101)
{وَمِمَّنْ حَوْلكُمْ} يَا أَهْل
الْمَدِينَة {مِنْ الْأَعْرَاب مُنَافِقُونَ} كَأَسْلَم
وَأَشْجَع وَغِفَار {وَمِنْ أَهْل الْمَدِينَة} مُنَافِقُونَ
أَيْضًا {مَرَدُوا عَلَى النِّفَاق} لَجُّوا فِيهِ واستمروا
{لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين} بِالْفَضِيحَةِ أَوْ
الْقَتْل فِي الدُّنْيَا وَعَذَاب الْقَبْر {ثُمَّ يُرَدُّونَ}
فِي الْآخِرَة {إلَى عَذَاب عَظِيم} هو النار
10 -
(1/258)
وَآخَرُونَ
اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ
سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ
غَفُورٌ رَحِيمٌ (102)
{و} قَوْم {آخَرُونَ} مُبْتَدَأ
{اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} مِنْ التَّخَلُّف نَعْته
وَالْخَبَر {خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا} وَهُوَ جِهَادهمْ
قَبْل ذَلِكَ أَوْ اعْتِرَافهمْ بِذُنُوبِهِمْ أَوْ غَيْر
ذَلِكَ {وَآخَر سَيِّئًا} وَهُوَ تَخَلُّفهمْ {عَسَى اللَّه
أَنْ يَتُوب عَلَيْهِمْ إنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم} نَزَلَتْ
فِي أَبِي لُبَابَة وَجَمَاعَة أَوْثَقُوا أَنْفُسهمْ فِي
سَوَارِي الْمَسْجِد لَمَّا بَلَغَهُمْ مَا نَزَلَ فِي
الْمُتَخَلِّفِينَ وَحَلَفُوا لَا يُحِلّهُمْ إلَّا النَّبِيّ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَلَّهُمْ لَمَّا نزلت
10 -
(1/258)
خُذْ مِنْ
أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا
وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ
سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)
{خُذْ مِنْ أَمْوَالهمْ صَدَقَة
تُطَهِّرهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} مِنْ ذُنُوبهمْ فَأَخَذَ
ثُلُث أَمْوَالهمْ وَتَصَدَّقَ بِهَا {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ}
أَيْ اُدْعُ لَهُمْ {إنَّ صَلَاتك سكن} رحمة {لهم} وقيل
طمأنينة بقبول توبتهم {والله سميع عليم}
10 -
(1/258)
أَلَمْ يَعْلَمُوا
أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ
وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ
الرَّحِيمُ (104)
{أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّه هُوَ
يَقْبَل التَّوْبَة عن عباده ويأخذ} يقبل {الصَّدَقَات وَأَنَّ
اللَّه هُوَ التَّوَّاب} عَلَى عِبَاده بقبول توبتهم {الرحيم}
بهم وَالِاسْتِفْهَام لِلتَّقْرِيرِ وَالْقَصْد بِهِ هُوَ
تَهْيِيجهمْ إلَى التوبة والصدقة
(1/258)
10 -
(1/259)
وَقُلِ اعْمَلُوا
فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ
وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ
فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105)
{وَقُلْ} لَهُمْ أَوْ لِلنَّاسِ
{اعْمَلُوا} مَا شِئْتُمْ {فَسَيَرَى اللَّه عَمَلكُمْ
وَرَسُوله وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ} بِالْبَعْثِ {إلَى
عَالِم الْغَيْب وَالشَّهَادَة} أَيْ اللَّه {فَيُنَبِّئكُمْ
بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} فَيُجَازِيكُمْ بِهِ
10 -
(1/259)
وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ
لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ
عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (106)
{وآخرون} من المتخلفين {مرجون} بِالْهَمْزِ
وَتَرْكه مُؤَخَّرُونَ عَنْ التَّوْبَة {لِأَمْرِ اللَّه}
فِيهِمْ بِمَا يَشَاء {إمَّا يُعَذِّبهُمْ} بِأَنْ يُمِيتهُمْ
بِلَا تَوْبَة {وَإِمَّا يَتُوب عَلَيْهِمْ وَاَللَّه عَلِيم}
بِخَلْقِهِ {حَكِيم} فِي صُنْعه بِهِمْ وَهُمْ الثَّلَاثَة
الْآتُونَ بَعْد مَرَارَة بْن الرَّبِيع وَكَعْب بْن مَالِك
وَهِلَال بْن أُمَيَّة تَخَلَّفُوا كَسَلًا وَمَيْلًا إلَى
الدَّعَة لَا نِفَاقًا وَلَمْ يَعْتَذِرُوا إلَى النَّبِيّ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَغَيْرِهِمْ فَوَقَفَ
أَمْرهمْ خَمْسِينَ لَيْلَة وَهَجَرَهُمْ النَّاس حَتَّى
نَزَلَتْ توبتهم بعد
10 -
(1/259)
وَالَّذِينَ
اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ
الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا
إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
(107)
{و} مِنْهُمْ {الَّذِينَ اتَّخَذُوا
مَسْجِدًا} وَهُمْ اثْنَا عَشَرَ مِنْ الْمُنَافِقِينَ
{ضِرَارًا} مُضَارَّة لِأَهْلِ مَسْجِد قُبَاءَ {وَكُفْرًا}
لِأَنَّهُمْ بَنَوْهُ بِأَمْرِ أَبِي عَامِر الرَّاهِب
لِيَكُونَ مَعْقِلًا لَهُ يَقْدُم فِيهِ مَنْ يَأْتِي مِنْ
عِنْده وَكَانَ ذَهَبَ لِيَأْتِيَ بِجُنُودٍ مِنْ قَيْصَر
لِقِتَالِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
{وَتَفْرِيقًا بَيْن الْمُؤْمِنِينَ} الَّذِينَ يُصَلُّونَ
بِقُبَاءَ بِصَلَاةِ بَعْضهمْ فِي مَسْجِدهمْ {وَإِرْصَادًا}
تَرَقُّبًا {لِمَنْ حَارَبَ اللَّه وَرَسُوله مِنْ قَبْل} أَيْ
قَبْل بِنَائِهِ وَهُوَ أَبُو عَامِر الْمَذْكُور
{وَلَيَحْلِفُنَّ إنْ} مَا {أَرَدْنَا} بِبِنَائِهِ {إلَّا}
الْفِعْلَة {الْحُسْنَى} مِنْ الرِّفْق بِالْمِسْكِينِ فِي
الْمَطَر وَالْحَرّ وَالتَّوْسِعَة عَلَى الْمُسْلِمِينَ
{وَاَللَّه يَشْهَد إنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} فِي ذَلِكَ
وَكَانُوا سَأَلُوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنْ يُصَلِّي فِيهِ فَنَزَلَ
(1/259)
10 -
(1/260)
لَا تَقُمْ فِيهِ
أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ
يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ
أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108)
{لَا تَقُمْ} تُصَلِّ {فِيهِ أَبَدًا}
فَأَرْسَلَ جَمَاعَة هَدَمُوهُ وَحَرَّقُوهُ وَجَعَلُوا
مَكَانه كُنَاسَة تُلْقَى فِيهَا الْجِيَف {لَمَسْجِد أُسِّسَ}
بُنِيَتْ قَوَاعِده {عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّل يَوْم}
وُضِعَ يَوْم حَلَلْت بِدَارِ الْهِجْرَة وَهُوَ مَسْجِد
قُبَاءَ كَمَا فِي الْبُخَارِيّ {أَحَقّ} مِنْهُ {أَنْ} أَيْ
بِأَنْ {تَقُوم} تُصَلِّي {فِيهِ فِيهِ رِجَال} هُمْ
الْأَنْصَار {يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاَللَّه يُحِبّ
الْمُطَّهِّرِينَ} أَيْ يُثِيبهُمْ فِيهِ إدْغَام التَّاء فِي
الْأَصْل فِي الطَّاء رَوَى بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحه عَنْ
عُوَيْمِر بْن سَاعِدَة أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَتَاهُمْ فِي مَسْجِد قُبَاءَ فَقَالَ إنَّ اللَّه
تَعَالَى قَدْ أَحْسَنَ عَلَيْكُمْ الثَّنَاء فِي الطَّهُور
فِي قِصَّة مَسْجِدكُمْ فَمَا هَذَا الطَّهُور الَّذِي
تَطَّهَّرُونَ بِهِ قَالُوا وَاَللَّه يَا رَسُول اللَّه مَا
نَعْلَم شَيْئًا إلَّا أَنَّهُ كَانَ لَنَا جِيرَان مِنْ
الْيَهُود وَكَانُوا يَغْسِلُونَ أَدْبَارهمْ مِنْ الْغَائِط
فَغَسَلْنَا كَمَا غَسَلُوا وَفِي حَدِيث رَوَاهُ الْبَزَّار
فَقَالُوا نَتْبَع الْحِجَارَة بِالْمَاءِ فَقَالَ هُوَ ذَاكَ
فَعَلَيْكُمُوهُ
10 -
(1/260)
أَفَمَنْ أَسَّسَ
بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ
أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ
فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي
الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109)
{أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانه عَلَى
تَقْوَى} مَخَافَة {مِنْ اللَّه وَ} رَجَاء {رِضْوَان} مِنْهُ
{خَيْر أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانه عَلَى شَفَا} طَرَف
{جُرُف} بِضَمِّ الرَّاء وَسُكُونهَا جَانِب {هَار} مُشْرِف
عَلَى السُّقُوط {فَانْهَارَ بِهِ} سَقَطَ مَعَ بَانِيه {فِي
نَار جَهَنَّم} خَيْر تَمْثِيل لِلْبِنَاءِ عَلَى ضِدّ
التَّقْوَى بِمَا يُؤَوَّل إلَيْهِ وَالِاسْتِفْهَام
لِلتَّقْرِيرِ أَيْ الْأَوَّل خَيْر وَهُوَ مِثَال مَسْجِد
قُبَاءَ وَالثَّانِي مثال مسجد الضرار {والله لا يهدي القوم
الظالمين}
11 -
(1/260)
لَا يَزَالُ
بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا
أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110)
{لَا يَزَال بُنْيَانُهُمْ الَّذِي بَنَوْا
رِيبَة} شَكًّا {فِي قُلُوبهمْ إلَّا أَنْ تَقَطَّعَ}
تَنْفَصِل {قُلُوبهمْ} بِأَنْ يَمُوتُوا {وَاَللَّه عَلِيم}
بِخَلْقِهِ {حَكِيم} فِي صنعه بهم
(1/260)
11 -
(1/261)
إِنَّ اللَّهَ
اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ
بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي
التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى
بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي
بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)
{إنَّ اللَّه اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ
أَنْفُسهمْ وَأَمْوَالهمْ} بِأَنْ يَبْذُلُوهَا فِي طَاعَته
كَالْجِهَادِ {بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّة يُقَاتِلُونَ فِي
سَبِيل اللَّه فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} جُمْلَة
اسْتِئْنَاف بَيَان لِلشِّرَاءِ وَفِي قِرَاءَة بِتَقْدِيمِ
الْمَبْنِيّ لِلْمَفْعُولِ أَيْ فَيُقْتَل بَعْضهمْ وَيُقَاتِل
الْبَاقِي {وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا} مَصْدَرَانِ مَنْصُوبَانِ
بِفِعْلِهِمَا الْمَحْذُوف {فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل
وَالْقُرْآن وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّه} أَيْ لَا
أَحَد أَوْفَى مِنْهُ {فَاسْتَبْشِرُوا} فِيهِ الْتِفَات عَنْ
الْغَيْبَة {بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِك}
الْبَيْع {هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم} الْمُنِيل غَايَة
الْمَطْلُوب
11 -
(1/261)
التَّائِبُونَ
الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ
السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ
الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ
الْمُؤْمِنِينَ (112)
{التَّائِبُونَ} رُفِعَ عَلَى الْمَدْح
بِتَقْدِيرِ مُبْتَدَأ مِنْ الشِّرْك وَالنِّفَاق
{الْعَابِدُونَ} الْمُخْلِصُونَ الْعِبَادَة لِلَّهِ
{الْحَامِدُونَ} لَهُ عَلَى كُلّ حَال {السَّائِحُونَ}
الصَّائِمُونَ {الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ} أَيْ
الْمُصَلُّونَ {الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنْ
الْمُنْكَر وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّه} لِأَحْكَامِهِ
بِالْعَمَلِ بِهَا {وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ} بِالْجَنَّةِ
11 -
(1/261)
مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ
وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ
وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ
لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113)
وَنَزَلَ فِي اسْتِغْفَاره صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمه أبي طالب واستغفار بَعْض الصَّحَابَة
لِأَبَوَيْهِ الْمُشْرِكَيْنِ {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ
وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ
وَلَوْ كَانُوا أولي قربى} ذوي قرابة {مِنْ بَعْد مَا
تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَاب الْجَحِيم} النَّار
بِأَنْ مَاتُوا عَلَى الْكُفْر
11 -
(1/261)
وَمَا كَانَ
اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ
وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ
لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ
حَلِيمٌ (114)
{وَمَا كَانَ اسْتِغْفَار إبْرَاهِيم
لِأَبِيهِ إلَّا عَنْ مَوْعِدَة وَعَدَهَا إيَّاهُ} بِقَوْلِهِ
سَأَسْتَغْفِرُ لَك رَبِّي رَجَاء أَنْ يُسْلِم {فَلَمَّا
تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوّ لِلَّهِ} بِمَوْتِهِ عَلَى
الْكُفْر {تَبَرَّأَ مِنْهُ} وَتَرَكَ الِاسْتِغْفَار لَهُ
{إنَّ إبْرَاهِيم لَأَوَّاه} كَثِير التَّضَرُّع وَالدُّعَاء
{حَلِيم} صَبُور عَلَى الْأَذَى
11 -
(1/261)
وَمَا كَانَ اللَّهُ
لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ
لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
(115)
{وَمَا كَانَ اللَّه لِيُضِلّ قَوْمًا
بَعْد إذْ هَدَاهُمْ} لِلْإِسْلَامِ {حَتَّى يُبَيِّن لَهُمْ
مَا يَتَّقُونَ} مِنْ الْعَمَل فَلَا يَتَّقُوهُ
فَيَسْتَحِقُّوا الْإِضْلَال {إنَّ اللَّه بِكُلِّ شَيْء
عَلِيم} وَمِنْهُ مُسْتَحِقّ الْإِضْلَال والهداية
(1/261)
11 -
(1/262)
إِنَّ اللَّهَ لَهُ
مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا
لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (116)
{إن الله له ملك السماوات وَالْأَرْض
يُحْيِي وَيُمِيت وَمَا لَكُمْ} أَيّهَا النَّاس {مِنْ دُون
اللَّه} أَيْ غَيْره {مِنْ وَلِيّ} يَحْفَظكُمْ مِنْهُ {وَلَا
نَصِير} يَمْنَعكُمْ عَنْ ضَرَره
11 -
(1/262)
لَقَدْ تَابَ اللَّهُ
عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ
اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ
يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ
إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117)
{لَقَدْ تَابَ اللَّه} أَيْ أَدَامَ
تَوْبَته {عَلَى النَّبِيّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار
الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَة الْعُسْرَة} أَيْ وَقْتهَا
وَهِيَ حَالهمْ فِي غَزْوَة تَبُوك كَانَ الرَّجُلَانِ
يَقْتَسِمَانِ تَمْرَة وَالْعَشَرَة يَعْتَقِبُونَ الْبَعِير
الْوَاحِد وَاشْتَدَّ الْحَرّ حَتَّى شَرِبُوا الْفَرْث {مِنْ
بَعْد مَا كَادَ يَزِيغ} بِالتَّاءِ وَالْيَاء تَمِيل {قُلُوب
فَرِيق مِنْهُمْ} عَنْ اتِّبَاعه إلَى التَّخَلُّف لِمَا هُمْ
فِيهِ مِنْ الشِّدَّة {ثُمَّ تاب عليهم} بالثبات {إنه بهم رءوف
رحيم}
11 -
(1/262)
وَعَلَى الثَّلَاثَةِ
الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ
الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ
وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ
ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ
التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118)
{وَ} تَابَ {عَلَى الثَّلَاثَة الَّذِينَ
خُلِّفُوا} عَنْ التَّوْبَة عَلَيْهِمْ بِقَرِينَةِ {حَتَّى
إذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ الْأَرْض بِمَا رَحُبَتْ} أَيْ مَعَ
رَحْبهَا أَيْ سِعَتهَا فَلَا يَجِدُونَ مَكَانًا
يَطْمَئِنُّونَ إلَيْهِ {وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسهمْ}
قُلُوبهمْ لِلْغَمِّ وَالْوَحْشَة بِتَأْخِيرِ تَوْبَتهمْ
فَلَا يَسَعهَا سُرُور وَلَا أُنْس {وَظَنُّوا} أَيْقَنُوا
{أَنْ} مُخَفَّفَة {لَا مَلْجَأ مِنْ اللَّه إلَّا إليه ثم تاب
عليهم} وفقهم للتوبة {ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم}
11 -
(1/262)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ
الصَّادِقِينَ (119)
{يأيها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّه}
بِتَرْكِ مَعَاصِيه {وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِين}
فِي الْإِيمَان وَالْعُهُود بِأَنْ تَلْزَمُوا الصدق
(1/262)
12 -
(1/263)
مَا كَانَ لِأَهْلِ
الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ
يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا
بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا
يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا
يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ
عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ
الْمُحْسِنِينَ (120)
{مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَة وَمَنْ
حَوْلهمْ مِنْ الْأَعْرَاب أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُول
اللَّه} إذَا غَزَا {وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ
نَفْسه} بِأَنْ يَصُونُوهَا عَمَّا رَضِيَهُ لِنَفْسِهِ مِنْ
الشَّدَائِد وَهُوَ نَهْي بِلَفْظِ الْخَبَر {ذَلِكَ} أَيْ
النَّهْي عَنْ التَّخَلُّف {بِأَنَّهُمْ} بِسَبَبِ أَنَّهُمْ
{لَا يُصِيبهُمْ ظَمَأ} عَطَش {وَلَا نَصَب} تَعَب {وَلَا
مَخْمَصَة} جُوع {فِي سَبِيل اللَّه وَلَا يَطَئُونَ
مَوْطِئًا} مَصْدَر بمعنى وطأ {يَغِيظ} يُغْضِب {الْكُفَّار
وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوّ} لِلَّهِ {نَيْلًا} قَتْلًا أَوْ
أَسْرًا أَوْ نَهْبًا {إلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَل صَالِح}
لِيُجَازَوْا عَلَيْهِ {إنَّ اللَّه لَا يُضِيع أَجْر
الْمُحْسِنِينَ} أَيْ أَجْرهمْ بَلْ يُثِيبهُمْ
12 -
(1/263)
وَلَا يُنْفِقُونَ
نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ
وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ
أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (121)
{وَلَا يُنْفِقُونَ} فِيهِ {نَفَقَة
صَغِيرَة} وَلَوْ تَمْرَة {وَلَا كَبِيرَة وَلَا يَقْطَعُونَ
وَادِيًا} بِالسَّيْرِ {إلَّا كُتِبَ لَهُمْ} بِهِ عَمَل
صَالِح {لِيَجْزِيَهُمْ اللَّه أَحْسَن مَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ} أَيْ جَزَاءَهُمْ
12 -
(1/263)
وَمَا كَانَ
الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ
كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي
الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ
لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122)
وَلَمَّا وُبِّخُوا عَلَى التَّخَلُّف
وَأَرْسَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
سَرِيَّة نَفَرُوا جَمِيعًا فَنَزَلَ {وَمَا كَانَ
الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا} إلَى الْغَزْو {كَافَّة
فَلَوْلَا} فَهَلَّا {نَفَرَ مِنْ كُلّ فِرْقَة} قَبِيلَة
{مِنْهُمْ طَائِفَة} جَمَاعَة وَمَكَثَ الْبَاقُونَ
{لِيَتَفَقَّهُوا} أَيْ الْمَاكِثُونَ {فِي الدِّين
وَلِيُنْذِرُوا قَوْمهمْ إذَا رَجَعُوا إلَيْهِمْ} مِنْ
الْغَزْو بِتَعْلِيمِهِمْ مَا تَعَلَّمُوهُ مِنْ الْأَحْكَام
{لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} عِقَاب اللَّه بِامْتِثَالِ أَمْره
ونهيه قال بن عَبَّاس فَهَذِهِ مَخْصُوصَة بِالسَّرَايَا
وَاَلَّتِي قَبْلهَا بِالنَّهْيِ عَنْ تَخَلُّف وَاحِد فِيمَا
إذَا خَرَجَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم
12 -
(1/263)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ
الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ
اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123)
{يأيها الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا
الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنْ الْكُفَّار} أَيْ الْأَقْرَب
فَالْأَقْرَب مِنْهُمْ {وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَة} شِدَّة
أَيْ أَغْلِظُوا عَلَيْهِمْ {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه مَعَ
الْمُتَّقِينَ} بِالْعَوْنِ وَالنَّصْر
(1/263)
12 -
(1/264)
وَإِذَا مَا
أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ
زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا
فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124)
{وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَة} مِنْ
الْقُرْآن {فَمِنْهُمْ} أَيْ الْمُنَافِقِينَ {مَنْ يَقُول}
لِأَصْحَابِهِ اسْتِهْزَاء {أَيّكُمْ زادته هذه إيمانا} تصديقا
قال تعالى {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ
إيمَانًا} لِتَصْدِيقِهِمْ بِهَا {وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}
يَفْرَحُونَ بِهَا
12 -
(1/264)
وَأَمَّا الَّذِينَ
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى
رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125)
{وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض}
ضَعْف اعْتِقَاد {فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إلَى رِجْسهمْ}
كُفْرًا إلَى كُفْرهمْ لكفرهم بها {وماتوا وهم كافرون}
12 -
(1/264)
أَوَلَا يَرَوْنَ
أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ
مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ
(126)
{أَوَلَا يَرَوْنَ} بِالْيَاءِ أَيْ
الْمُنَافِقُونَ وَالتَّاء أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ {أَنَّهُمْ
يُفْتَنُونَ} يُبْتَلَوْنَ {فِي كُلّ عَام مَرَّة أَوْ
مَرَّتَيْنِ} بِالْقَحْطِ وَالْأَمْرَاض {ثُمَّ لَا
يَتُوبُونَ} مِنْ نِفَاقهمْ {وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ}
يَتَّعِظُونَ
12 -
(1/264)
وَإِذَا مَا
أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ
يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ
قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (127)
{وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَة} فِيهَا
ذِكْرهمْ وَقَرَأَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ {نَظَرَ بَعْضهمْ إلَى بَعْض} يُرِيدُونَ الْهَرَب
يَقُولُونَ {هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَد} إذَا قُمْتُمْ فَإِنْ
لَمْ يَرَهُمْ أَحَد قَامُوا وَإِلَّا ثَبَتُوا {ثُمَّ
انْصَرَفُوا} عَلَى كُفْرهمْ {صَرَفَ اللَّه قُلُوبهمْ} عَنْ
الْهُدَى {بِأَنَّهُمْ قَوْم لَا يَفْقَهُونَ} الْحَقّ
لِعَدَمِ تَدَبُّرهمْ
12 -
(1/264)
لَقَدْ جَاءَكُمْ
رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ
حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)
{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُول مِنْ
أَنْفُسكُمْ} أَيْ مِنْكُمْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ {عَزِيز} شَدِيد {عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} أَيْ
عَنَتكُمْ أَيْ مَشَقَّتكُمْ وَلِقَاؤُكُمْ الْمَكْرُوه
{حَرِيص عَلَيْكُمْ} أَنْ تَهْتَدُوا {بِالْمُؤْمِنِينَ
رَءُوف} شَدِيد الرَّحْمَة {رَحِيم} يُرِيد لَهُمْ الْخَيْر
(1/264)
12 -
(1/265)
فَإِنْ تَوَلَّوْا
فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ
تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)
{فَإِنْ تَوَلَّوْا} عَنْ الْإِيمَان بِك {فَقُلْ حَسْبِي}
كافي {الله لَا إلَه إلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْت} بِهِ
وَثِقْت لَا بِغَيْرِهِ {وَهُوَ رَبّ الْعَرْش} الْكُرْسِيّ
{الْعَظِيم} خَصَّهُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ أَعْظَم
الْمَخْلُوقَات وَرَوَى الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرَك عَنْ
أُبَيّ بْن كَعْب قَالَ آخِر آيَة نَزَلَتْ {لَقَدْ جَاءَكُمْ
رَسُول} إلى آخر السورة |