تفسير الجلالين = 21 سُورَة الْأَنْبِيَاء
مَكِّيَّة وَهِيَ مِائَة وَاثْنَتَا عَشْرَة آيَة نَزَلَتْ بعد
سورة إبراهيم بسم الله الرحمن الرحيم
(1/420)
اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ
حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1)
{اقْتَرَبَ} قَرُبَ {لِلنَّاس} أَهْل
مَكَّة مُنْكِرِي الْبَعْث {حِسَابُهُم} يَوْم الْقِيَامَة
{وَهُمْ فِي غَفْلَة} عَنْهُ {مُعْرِضُونَ} عَنْ التَّأَهُّب
لَهُ بِالْإِيمَانِ
(1/420)
مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ
ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ
يَلْعَبُونَ (2)
{مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْر مِنْ رَبّهمْ
مُحْدَث} شَيْئًا فَشَيْئًا أَيْ لَفْظ قُرْآن {إلَّا
اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} يَسْتَهْزِئُونَ
(1/420)
لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ
وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا
بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ
تُبْصِرُونَ (3)
{لَاهِيَة} غَافِلَة {قُلُوبهمْ} عَنْ
مَعْنَاهُ {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى} الكلام {الذين ظلموا} بدل
من واو {وأسروا النجوى {هَلْ هَذَا} أَيْ مُحَمَّد {إلَّا
بَشَر مِثْلكُمْ} فَمَا يَأْتِي بِهِ سِحْر {أَفَتَأْتُونَ
السِّحْر} تَتَّبِعُونَهُ {وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ}
تَعْلَمُونَ أَنَّهُ سِحْر
(1/420)
قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ
الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ
الْعَلِيمُ (4)
{قَالَ} لَهُمْ {رَبِّي يَعْلَم الْقَوْل}
كَائِنًا {فِي السَّمَاء وَالْأَرْض وَهُوَ السَّمِيع} لِمَا
أَسَرُّوهُ {الْعَلِيم} به
(1/420)
بَلْ قَالُوا
أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ
فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (5)
{بَلْ} لِلِانْتِقَالِ مِنْ غَرَض إلَى
آخَر فِي الْمَوَاضِع الثَّلَاثَة {قَالُوا} فِيمَا أَتَى بِهِ
مِنْ الْقُرْآن هُوَ {أَضْغَاث أَحْلَام} أَخْلَاط رَآهَا فِي
النَّوْم {بَلْ افْتَرَاهُ} اخْتَلَقَهُ {بَلْ هُوَ شَاعِر}
فَمَا أَتَى بِهِ شِعْر {فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أرسل
الأولون} كالناقة والعصا واليد قال تعالى
(1/420)
مَا آمَنَتْ
قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ
(6)
{مَا آمَنَتْ قَبْلهمْ مِنْ قَرْيَة} أَيْ
أَهْلهَا {أَهْلَكْنَاهَا} بِتَكْذِيبِهَا مَا أَتَاهَا مِنْ
الْآيَات {أَفَهُمْ يؤمنون} لا
(1/420)
وَمَا أَرْسَلْنَا
قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا
أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (7)
{وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلك إلَّا رِجَالًا
نُوحِي} وَفِي قراءة بالياء وفتح الحاء {إلَيْهِمْ} لَا
مَلَائِكَة {فَاسْأَلُوا أَهْل الذِّكْر} الْعُلَمَاء
بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيل {إنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}
ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ يَعْلَمُونَهُ وَأَنْتُمْ إلَى تَصْدِيقهمْ
أَقْرَب مِنْ تَصْدِيق الْمُؤْمِنِينَ بِمُحَمَّدٍ
(1/421)
وَمَا جَعَلْنَاهُمْ
جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ
(8)
{وَمَا جَعَلْنَاهُمْ} أَيْ الرُّسُل
{جَسَدًا} بِمَعْنَى أَجْسَادًا {لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَام}
بَلْ يَأْكُلُونَهُ {وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ} فِي الدُّنْيَا
(1/421)
ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ
الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا
الْمُسْرِفِينَ (9)
{ثُمَّ صَدَقْنَاهُمْ الْوَعْد}
بِإِنْجَائِهِمْ {فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاء}
الْمُصَدِّقِينَ لَهُمْ {وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ}
الْمُكَذِّبِينَ لَهُمْ
1 -
(1/421)
لَقَدْ أَنْزَلْنَا
إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ
(10)
{لَقَدْ أَنْزَلْنَا إلَيْكُمْ} يَا
مَعْشَر قُرَيْش {كِتَابًا فِيهِ ذِكْركُمْ} لِأَنَّهُ
بِلُغَتِكُمْ {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} فَتُؤْمِنُونَ به
1 -
(1/421)
وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ
قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا
آخَرِينَ (11)
{وَكَمْ قَصَمْنَا} أَهْلَكْنَا {مِنْ
قَرْيَة} أَيْ أَهْلهَا {كانت ظالمة} كافرة {وأنشأنا بعدها
قوما آخرين}
1 -
(1/421)
فَلَمَّا أَحَسُّوا
بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (12)
{فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسنَا} شَعَرَ
أَهْل الْقَرْيَة بِالْإِهْلَاكِ {إذَا هُمْ مِنْهَا
يَرْكُضُونَ}
يَهْرُبُونَ مُسْرِعِينَ
1 -
(1/421)
لَا تَرْكُضُوا
وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ
لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13)
فَقَالَتْ لَهُمْ الْمَلَائِكَة
اسْتِهْزَاء {لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إلَى مَا
أُتْرِفْتُمْ} نُعِّمْتُمْ {فِيهِ وَمَسَاكِنكُمْ لَعَلَّكُمْ
تُسْأَلُونَ} شَيْئًا مِنْ دُنْيَاكُمْ عَلَى الْعَادَة
1 -
(1/421)
قَالُوا يَا وَيْلَنَا
إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (14)
{قَالُوا يَا} لِلتَّنْبِيهِ {وَيْلنَا}
هَلَاكنَا {إنَّا كُنَّا ظالمين} بالكفر
1 -
(1/421)
فَمَا زَالَتْ تِلْكَ
دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ (15)
{فَمَا زَالَتْ تِلْكَ} الْكَلِمَات
{دَعْوَاهُمْ} يَدْعُونَ بِهَا وَيُرَدِّدُونَهَا {حَتَّى
جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا} كَالزَّرْعِ الْمَحْصُود
بِالْمَنَاجِلِ بِأَنْ قُتِلُوا بِالسَّيْفِ {خَامِدِينَ}
مَيِّتِينَ كَخُمُودِ النَّار إذا طفئت
1 -
(1/421)
وَمَا خَلَقْنَا
السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (16)
{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْض
وَمَا بَيْنهمَا لَاعِبِينَ} عَابِثِينَ بَلْ دَالِّينَ عَلَى
قُدْرَتنَا وَنَافِعِينَ عِبَادنَا
1 -
(1/421)
لَوْ أَرَدْنَا أَنْ
نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا
فَاعِلِينَ (17)
{لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذ لَهْوًا}
مَا يُلْهَى بِهِ مِنْ زَوْجَة أَوْ وَلَد {لَاِتَّخَذْنَاهُ
مِنْ لَدُنَّا} مِنْ عِنْدنَا مِنْ الْحُور الْعِين
وَالْمَلَائِكَة {إنْ كُنَّا فَاعِلِينَ} ذَلِكَ لَكِنَّا لَمْ
نَفْعَلهُ فلم نرده
1 -
(1/421)
بَلْ نَقْذِفُ
بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ
زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18)
{بَلْ نَقْذِف} نَرْمِي {بِالْحَقِّ}
الْإِيمَان {عَلَى الْبَاطِل} الْكُفْر {فَيَدْمَغهُ}
يُذْهِبهُ {فَإِذَا هُوَ زَاهِق} ذَاهِب وَدَمَغَهُ فِي
الْأَصْل أَصَابَ دِمَاغه بِالضَّرْبِ وَهُوَ مَقْتَل
{وَلَكُمْ} يَا كُفَّار مَكَّة {الْوَيْل} الْعَذَاب الشَّدِيد
{مِمَّا تَصِفُونَ} اللَّه بِهِ مِنْ الزَّوْجَة أو الولد
(1/421)
1 -
(1/422)
وَلَهُ مَنْ فِي
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا
يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19)
{وَلَهُ} تَعَالَى {مَنْ فِي السَّمَاوَات
وَالْأَرْض} مُلْكًا {وَمَنْ عِنْده} أَيْ الْمَلَائِكَة
مُبْتَدَأ خَبَره {لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَته وَلَا
يَسْتَحْسِرُونَ} لَا يَعْيَوْنَ
2 -
(1/422)
يُسَبِّحُونَ
اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)
{يُسَبِّحُونَ اللَّيْل وَالنَّهَار لَا
يَفْتُرُونَ} عَنْهُ فَهُوَ كَالنَّفَسِ مِنَّا لَا يَشْغَلنَا
عَنْهُ شَاغِل
2 -
(1/422)
أَمِ اتَّخَذُوا
آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (21)
{أَمْ} بِمَعْنَى بَلْ لِلِانْتِقَالِ
وَالْهَمْزَة لِلْإِنْكَارِ {اتَّخَذُوا آلِهَة} كَائِنَة
{مِنْ الْأَرْض} كَحَجَرٍ وَذَهَب وَفِضَّة {هُمْ} أَيْ
الْآلِهَة {يَنْشُرُونَ} أَيْ يُحْيُونَ الْمَوْتَى لَا وَلَا
يَكُون إلَهًا إلَّا مَنْ يُحْيِي الموتى
2 -
(1/422)
لَوْ كَانَ فِيهِمَا
آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ
الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22)
{لَوْ كَانَ فِيهِمَا} أَيْ السَّمَاوَات
وَالْأَرْض {آلِهَة إلَّا اللَّه} أَيْ غَيْره {لَفَسَدَتَا}
أَيْ خَرَجَتَا عَنْ نِظَامهمَا الْمُشَاهَد لِوُجُودِ
التَّمَانُع بَيْنهمْ عَلَى وَفْق الْعَادَة عِنْد تَعَدُّد
الْحَاكِم مِنْ التَّمَانُع فِي الشَّيْء وَعَدَم الِاتِّفَاق
عَلَيْهِ {فَسُبْحَان} تَنْزِيه {اللَّه رَبّ} خَالِق
{الْعَرْش} الْكُرْسِيّ {عَمَّا يَصِفُونَ} الْكُفَّار اللَّه
بِهِ مِنْ الشَّرِيك لَهُ وَغَيْره
2 -
(1/422)
لَا يُسْأَلُ عَمَّا
يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23)
{لَا يُسْأَل عَمَّا يَفْعَل وَهُمْ
يُسْأَلُونَ} عَنْ أفعالهم
2 -
(1/422)
أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ
دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ
مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا
يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24)
{أم اتخذوا من دونه} تعالى أي سواه {آلهة}
فِيهِ اسْتِفْهَام تَوْبِيخ {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانكُمْ} عَلَى
ذلك ولاسبيل إلَيْهِ {هَذَا ذِكْر مَنْ مَعِيَ} أُمَّتِي
وَهُوَ الْقُرْآن {وَذِكْر مَنْ قَبْلِي} مِنْ الْأُمَم وَهُوَ
التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَغَيْرهمَا مِنْ كُتُب اللَّه
لَيْسَ فِي وَاحِد مِنْهَا أَنَّ مَعَ اللَّه إلَهًا مِمَّا
قَالُوا تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ {بَلْ أَكْثَرهمْ لَا
يَعْلَمُونَ الْحَقّ} تَوْحِيد اللَّه {فَهُمْ مُعْرِضُونَ}
عَنْ النَّظَر الْمُوصِل إلَيْهِ
2 -
(1/422)
وَمَا أَرْسَلْنَا
مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ
لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلك مِنْ
رَسُول إلَّا نُوحِي} وَفِي قِرَاءَة بِالْيَاءِ وَفَتْح
الْحَاء {إلَيْهِ أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} أي وحدوني
2 -
(1/422)
وَقَالُوا اتَّخَذَ
الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ
(26)
{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَن وَلَدًا}
مِنْ الْمَلَائِكَة {سُبْحَانه بَلْ} هُمْ {عِبَاد
مُكْرَمُونَ} عِنْده وَالْعُبُودِيَّة تُنَافِي الولادة
2 -
(1/422)
لَا يَسْبِقُونَهُ
بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27)
{لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ} لَا
يَأْتُونَ بِقَوْلِهِمْ إلَّا بَعْد قَوْله {وَهُمْ بِأَمْرِهِ
يَعْمَلُونَ} أَيْ بَعْده
2 -
(1/422)
يَعْلَمُ مَا بَيْنَ
أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ
ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28)
{يَعْلَم مَا بَيْن أَيْدِيهمْ وَمَا
خَلْفهمْ} مَا عَمِلُوا وَمَا هُمْ عَامِلُونَ {وَلَا
يَشْفَعُونَ إلَّا لِمَنْ ارْتَضَى} تَعَالَى أَنْ يَشْفَع
لَهُ {وَهُمْ مِنْ خَشْيَته} تَعَالَى {مُشْفِقُونَ}
خَائِفُونَ
(1/422)
2 -
(1/423)
وَمَنْ يَقُلْ
مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ
جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29)
{وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إنِّي إلَه مِنْ
دُونه} أَيْ اللَّه أَيْ غَيْره وَهُوَ إبْلِيس دَعَا إلَى
عِبَادَة نَفْسه وَأَمَرَ بِطَاعَتِهَا {فَذَلِك نَجْزِيه
جَهَنَّم كَذَلِكَ} كَمَا نَجْزِيه {نَجْزِي الظَّالِمِينَ}
الْمُشْرِكِينَ
3 -
(1/423)
أَوَلَمْ يَرَ
الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا
رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ
شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30)
{أو لم} بِوَاوٍ وَتَرْكهَا {يَرَ} يَعْلَم
{الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السماوات وَالْأَرْض كَانَتَا
رَتْقًا} سَدًّا بِمَعْنَى مَسْدُودَة {فَفَتَقْنَاهُمَا}
جَعَلْنَا السَّمَاء سَبْعًا وَالْأَرْض سَبْعًا أَوْ فَتَقَ
السَّمَاء أَنْ كَانَتْ لَا تُمْطِر فَأَمْطَرَتْ وَفَتَقَ
الْأَرْض أَنْ كَانَتْ لَا تُنْبِت فَأَنْبَتَتْ {وَجَعَلْنَا
مِنْ الْمَاء} النَّازِل مِنْ السَّمَاء وَالنَّابِع مِنْ
الْأَرْض {كُلّ شَيْء حَيّ} مِنْ نَبَات وَغَيْره أَيْ
فَالْمَاء سَبَب لِحَيَاتِهِ {أَفَلَا يُؤْمِنُونَ}
بِتَوْحِيدِي
3 -
(1/423)
وَجَعَلْنَا فِي
الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا
فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31)
{وجعلنا في الأرض رواسي} جبالا ثواب ل
{أَنْ} لَا {تَمِيد} تَتَحَرَّك {بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا}
الرَّوَاسِيَ {فِجَاجًا} مَسَالِك {سُبُلًا} بَدَل طُرُقًا
نَافِذَة وَاسَعَة {لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} إلَى مَقَاصِدهمْ
فِي الْأَسْفَار
3 -
(1/423)
وَجَعَلْنَا
السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا
مُعْرِضُونَ (32)
{وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا}
لِلْأَرْضِ كَالسَّقْفِ لِلْبَيْتِ {مَحْفُوظًا} عَنْ
الْوُقُوع {وَهُمْ عَنْ آيَاتهَا} مِنْ الشَّمْس وَالْقَمَر
وَالنُّجُوم {مُعْرِضُونَ} لَا يَتَفَكَّرُونَ فِيهَا
فَيَعْلَمُونَ أَنَّ خَالِقهَا لَا شَرِيك لَهُ
3 -
(1/423)
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ
اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي
فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33)
{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْل
وَالنَّهَار وَالشَّمْس وَالْقَمَر كُلّ} تَنْوِينه عِوَض عَنْ
الْمُضَاف إلَيْهِ مِنْ الشَّمْس وَالْقَمَر وَتَابِعه وَهُوَ
النُّجُوم {فِي فَلَك} مُسْتَدِير كَالطَّاحُونَةِ فِي
السَّمَاء {يَسْبَحُونَ} يَسِيرُونَ بِسُرْعَةٍ كَالسَّابِحِ
فِي الْمَاء وَلِلتَّشْبِيهِ بِهِ أَتَى بِضَمِيرِ جَمْع مَنْ
يَعْقِل
3 -
(1/423)
وَمَا جَعَلْنَا
لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ
الْخَالِدُونَ (34)
وَنَزَلَ لَمَّا قَالَ الْكُفَّار إنَّ
مُحَمَّدًا سَيَمُوتُ {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلك
الْخُلْد} الْبَقَاء في الدنيا {أفائن مِتَّ فَهُمْ
الْخَالِدُونَ} فِيهَا لَا فَالْجُمْلَة الْأَخِيرَة مَحَلّ
الِاسْتِفْهَام الْإِنْكَارِيّ
3 -
(1/423)
كُلُّ نَفْسٍ
ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ
فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35)
{كُلّ نَفْس ذَائِقَة الْمَوْت} فِي
الدُّنْيَا {وَنَبْلُوكُمْ} نَخْتَبِركُمْ {بِالشَّرِّ
وَالْخَيْر} كَفَقْرٍ وَغِنًى وَسَقَم وَصِحَّة {فِتْنَة}
مَفْعُول لَهُ أَيْ لِنَنْظُر أَتَصْبِرُونَ وَتَشْكُرُونَ أم
لا {وإلينا ترجعون} فنجازيكم
(1/423)
3 -
(1/424)
وَإِذَا رَآكَ
الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا
أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ
الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ (36)
{وإذا رآك الذين كفروا إن} ما {يتخذونك إلا
هزؤا} أي مهزوءا به يقولون {هذا الَّذِي يَذْكُر آلِهَتكُمْ}
أَيْ يَعِيبهَا {وَهُمْ بِذِكْرِ الرحمن} لهم {هم} تأكيد
{كافرين} بِهِ إذْ قَالُوا مَا نَعْرِفهُ
3 -
(1/424)
خُلِقَ الْإِنْسَانُ
مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (37)
وَنَزَلَ فِي اسْتِعْجَالهمْ الْعَذَاب
{خُلِقَ الْإِنْسَان مِنْ عَجَل} أَيْ أَنَّهُ لِكَثْرَةِ
عَجَله فِي أَحْوَاله كأنه خلق منه {سأريكم آيَاتِي}
مَوَاعِيدِي بِالْعَذَابِ {فَلَا تَسْتَعْجِلُونَ} فِيهِ
فَأَرَاهُمْ القتل ببدر
3 -
(1/424)
وَيَقُولُونَ مَتَى
هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38)
{وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْد}
بِالْقِيَامَةِ {إنْ كُنْتُمْ صادقين} فيه
3 -
(1/424)
لَوْ يَعْلَمُ
الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ
النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (39)
قال تعالى {لَوْ يَعْلَم الَّذِينَ
كَفَرُوا حِين لَا يَكُفُّونَ} يَدْفَعُونَ {عَنْ وُجُوههمْ
النَّار وَلَا عَنْ ظُهُورهمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ}
يُمْنَعُونَ مِنْهَا فِي الْقِيَامَة وَجَوَاب لَوْ مَا
قَالُوا ذَلِكَ
4 -
(1/424)
بَلْ تَأْتِيهِمْ
بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا
هُمْ يُنْظَرُونَ (40)
{بَلْ تَأْتِيهِمْ} الْقِيَامَة {بَغْتَة
فَتَبْهَتهُمْ} تُحَيِّرهُمْ {فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدّهَا
وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ} يُمْهَلُونَ لِتَوْبَةٍ أَوْ
مَعْذِرَة
4 -
(1/424)
وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ
بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ
مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (41)
{وَلَقَدْ اُسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ
قَبْلك} فِيهِ تَسْلِيَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ {فَحَاقَ} نَزَلَ {بِاَلَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ
مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} وَهُوَ الْعَذَاب فَكَذَا
يَحِيق بِمَنْ اسْتَهْزَأَ بِك
4 -
(1/424)
قُلْ مَنْ
يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ
هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (42)
{قُلْ} لَهُمْ {مَنْ يَكْلَؤُكُمْ}
يَحْفَظكُمْ {بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار مِنْ الرَّحْمَن} مِنْ
عَذَابه إنْ نَزَلَ بِكُمْ أَيْ لَا أَحَد يَفْعَل ذَلِكَ
وَالْمُخَاطَبُونَ لَا يَخَافُونَ عَذَاب اللَّه
لِإِنْكَارِهِمْ لَهُ {بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْر رَبّهمْ} أَيْ
الْقُرْآن {مُعْرِضُونَ} لَا يتفكرون فيه
4 -
(1/424)
أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ
تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ
أَنْفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (43)
{أم} فيها معنى الهمزة للإنكار أي أ {لهم
آلهة تمنعهم} مما يسوؤهم {مِنْ دُوننَا} أَيْ أَلَهُمْ مَنْ
يَمْنَعهُمْ مِنْهُ غَيْرنَا لَا {لَا يَسْتَطِيعُونَ} أَيْ
الْآلِهَة {نَصْر أَنْفُسهمْ} فَلَا يَنْصُرُونَهُمْ {وَلَا
هُمْ} أَيْ الْكُفَّار {مِنَّا}
مِنْ عَذَابنَا {يُصْحَبُونَ} يُجَارُونَ يُقَال صَحِبَك
اللَّه أَيْ حَفِظَك وَأَجَارَك
4 -
(1/424)
بَلْ مَتَّعْنَا
هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ
أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ
أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ (44)
{بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ}
بِمَا أَنْعَمْنَا عَلَيْهِمْ {حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمْ
الْعُمُر} فَاغْتَرُّوا بِذَلِكَ {أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا
نَأْتِي الْأَرْض} نَقْصِد أَرْضهمْ {نَنْقُصهَا مِنْ
أَطْرَافهَا} بِالْفَتْحِ عَلَى النَّبِيّ {أَفَهُمْ
الْغَالِبُونَ} لَا بَلْ النَّبِيّ وَأَصْحَابه
(1/424)
4 -
(1/425)
قُلْ إِنَّمَا
أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ
إِذَا مَا يُنْذَرُونَ (45)
{قُلْ} لَهُمْ {إنَّمَا أُنْذِرُكُمْ
بِالْوَحْيِ} مِنْ اللَّه لَا مِنْ قِبَل نَفْسِي {وَلَا
يَسْمَع الصُّمّ الدُّعَاء إذَا} بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَتَيْنِ
وَتَسْهِيل الثَّانِيَة بَيْنهَا وَبَيْن الْيَاء {مَا
يُنْذَرُونَ} هُمْ لِتَرْكِهِمْ الْعَمَل بِمَا سَمِعُوهُ مِنْ
الْإِنْذَار كَالصُّمِّ
4 -
(1/425)
وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ
نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا
إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (46)
{وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَة} وَقْعَة
خَفِيفَة {مِنْ عَذَاب رَبّك لَيَقُولُنَّ يَا} لِلتَّنْبِيهِ
{وَيْلنَا} هَلَاكنَا {إنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ}
بِالْإِشْرَاكِ وَتَكْذِيب مُحَمَّد
4 -
(1/425)
وَنَضَعُ
الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ
نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ
أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47)
{وَنَضَع الْمَوَازِين الْقِسْط} ذَوَات
الْعَدْل {لِيَوْمِ الْقِيَامَة} أَيْ فِيهِ {فَلَا تُظْلَم
نَفْس شَيْئًا} مِنْ نَقْص حَسَنَة أَوْ زِيَادَة سَيِّئَة
{وَإِنْ كَانَ} الْعَمَل {مِثْقَال} زِنَة {حَبَّة مِنْ
خَرْدَل أَتَيْنَا بِهَا} بِمَوْزُونِهَا {وَكَفَى بِنَا
حَاسِبِينَ} مُحْصِينَ كُلّ شيء
4 -
(1/425)
وَلَقَدْ آتَيْنَا
مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا
لِلْمُتَّقِينَ (48)
{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُون
الْفُرْقَان} أَيْ التَّوْرَاة الْفَارِقَة بَيْن الْحَقّ
وَالْبَاطِل وَالْحَلَال وَالْحَرَام {وَضِيَاء} بها {وذكرا}
عظة بها {للمتقين}
4 -
(1/425)
الَّذِينَ يَخْشَوْنَ
رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ
(49)
{الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبّهمْ
بِالْغَيْبِ} عَنْ النَّاس أَيْ فِي الْخَلَاء عَنْهُمْ
{وَهُمْ مِنْ السَّاعَة} أَيْ أَهْوَالهَا {مُشْفِقُونَ}
خَائِفُونَ
5 -
(1/425)
وَهَذَا ذِكْرٌ
مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (50)
{وَهَذَا} أَيْ الْقُرْآن {ذِكْر مُبَارَك
أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} الِاسْتِفْهَام
فِيهِ لِلتَّوْبِيخِ
5 -
(1/425)
وَلَقَدْ آتَيْنَا
إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ
(51)
{وَلَقَدْ آتَيْنَا إبْرَاهِيم رُشْده مِنْ
قَبْل} أَيْ هَدَاهُ قَبْل بُلُوغه {وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ}
بِأَنَّهُ أهل لذلك
5 -
(1/425)
إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ
وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا
عَاكِفُونَ (52)
{إذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمه مَا هَذِهِ
التَّمَاثِيل} الْأَصْنَام {الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا
عَاكِفُونَ} أَيْ عَلَى عبادتها مقيمون
5 -
(1/425)
قَالُوا وَجَدْنَا
آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53)
{قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا
عَابِدِينَ} فَاقْتَدَيْنَا بِهِمْ
5 -
(1/425)
قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ
أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (54)
{قَالَ} لَهُمْ {لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ
وَآبَاؤُكُمْ} بِعِبَادَتِهَا {فِي ضَلَال مُبِين} بَيِّن
5 -
(1/425)
قَالُوا أَجِئْتَنَا
بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55)
{قَالُوا أَجِئْتنَا بِالْحَقِّ} فِي
قَوْلك هَذَا {أَمْ أَنْتَ مِنْ اللَّاعِبِينَ} فِيهِ
5 -
(1/425)
قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ
رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا
عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (56)
{قَالَ بَلْ رَبّكُمْ} الْمُسْتَحِقّ
لِلْعِبَادَةِ {رَبّ} مَالِك {السَّمَاوَات وَالْأَرْض الَّذِي
فَطَرَهُنَّ} خَلَقَهُنَّ عَلَى غَيْر مثقال سَبَقَ {وَأَنَا
عَلَى ذَلِكُمْ} الَّذِي قُلْته {مِنْ الشاهدين} به
(1/425)
5 -
(1/426)
وَتَاللَّهِ
لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ
(57)
{وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا
مدبرين}
5 -
(1/426)
فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا
إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58)
{فَجَعَلَهُمْ} بَعْد ذَهَابهمْ إلَى
مُجْتَمَعهمْ فِي يَوْم عِيد لَهُمْ {جُذَاذًا} بِضَمِّ
الْجِيم وَكَسْرهَا فُتَاتًا بِفَأْسٍ {إلَّا كَبِيرًا لَهُمْ}
عَلَّقَ الْفَأْس فِي عُنُقه {لَعَلَّهُمْ إلَيْهِ} أَيْ إلَى
الْكَبِير {يَرْجِعُونَ} فَيَرَوْنَ مَا فَعَلَ بِغَيْرِهِ
5 -
(1/426)
قَالُوا مَنْ فَعَلَ
هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59)
{قَالُوا} بَعْد رُجُوعهمْ وَرُؤْيَتهمْ
مَا فَعَلَ {مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إنَّهُ لَمِنْ
الظَّالِمِينَ} فِيهِ
6 -
(1/426)
قَالُوا سَمِعْنَا
فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60)
{قَالُوا} أَيْ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ
{سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرهُمْ} أي يعيبهم {يقال له إبراهيم
6 -
(1/426)
قَالُوا فَأْتُوا بِهِ
عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61)
{قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُن
النَّاس} أَيْ ظَاهِرًا {لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ} عَلَيْهِ
أَنَّهُ الْفَاعِل
6 -
(1/426)
قَالُوا أَأَنْتَ
فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62)
{قَالُوا} لَهُ بَعْد إتْيَانه {أَأَنْتَ}
بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَتَيْنِ وَإِبْدَال الثَّانِيَة أَلِفًا
وَتَسْهِيلهَا وَإِدْخَال أَلِف بَيْن المسهلة والأخرى وتركه
{فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم}
6 -
(1/426)
قَالَ بَلْ فَعَلَهُ
كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ
(63)
{قَالَ} سَاكِتًا عَنْ فِعْله {بَلْ
فَعَلَهُ كَبِيرهمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ} عَنْ فَاعِله {إنْ
كَانُوا يَنْطِقُونَ} فِيهِ تَقْدِيم جَوَاب الشَّرْط وَفِيمَا
قَبْله تَعْرِيض لَهُمْ بِأَنَّ الصَّنَم الْمَعْلُوم عَجْزه
عَنْ الْفِعْل لَا يَكُون إلَهًا
6 -
(1/426)
فَرَجَعُوا إِلَى
أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64)
{فَرَجَعُوا إلَى أَنْفُسهمْ}
بِالتَّفَكُّرِ {فَقَالُوا} لِأَنْفُسِهِمْ {إنَّكُمْ أَنْتُمْ
الظَّالِمُونَ} بِعِبَادَتِكُمْ مَنْ لَا يَنْطِق
6 -
(1/426)
ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى
رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65)
{ثم نكسوا} من الله {على رؤوسهم} أَيْ
رُدُّوا إلَى كُفْرهمْ وَقَالُوا وَاَللَّه {لَقَدْ عَلِمْت
مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ} أَيْ فَكَيْفَ تَأْمُرنَا بسؤالهم
6 -
(1/426)
قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ
مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا
يَضُرُّكُمْ (66)
{قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه}
أَيْ بَدَله {مَا لَا يَنْفَعكُمْ شَيْئًا} مِنْ رِزْق
وَغَيْره {وَلَا يَضُرّكُمْ} شَيْئًا إذًا لَمْ تَعْبُدُوهُ
6 -
(1/426)
أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا
تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67)
{أُفٍّ} بِكَسْرِ الْفَاءِ وَفَتْحهَا
بِمَعْنَى مَصْدَر أَيْ نتنا وقبحا {لكم ولما تبعدون مِنْ دُون
اللَّه} أَيْ غَيْره {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} أَنَّ هَذِهِ
الْأَصْنَام لَا تَسْتَحِقّ الْعِبَادَة وَلَا تَصْلُح لَهَا
وَإِنَّمَا يَسْتَحِقّهَا اللَّه تَعَالَى
(1/426)
6 -
(1/427)
قَالُوا حَرِّقُوهُ
وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68)
{قَالُوا حَرِّقُوهُ} أَيْ إبْرَاهِيم
{وَانْصُرُوا آلِهَتكُمْ} أَيْ بتحريقه {إن كنتم فاعلين}
نصرتها فجعوا لَهُ الْحَطَب الْكَثِير وَأَضْرَمُوا النَّار
فِي جَمِيعه وَأَوْثَقُوا إبْرَاهِيم وَجَعَلُوهُ فِي
مَنْجَنِيق وَرَمَوْهُ فِي النار قال تعالى
6 -
(1/427)
قُلْنَا يَا نَارُ
كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69)
{قُلْنَا يَا نَار كُونِي بَرْدًا
وَسَلَامًا عَلَى إبْرَاهِيم} فَلَمْ تُحْرِقْ مِنْهُ غَيْر
وَثَاقه وَذَهَبَتْ حَرَارَتهَا وَبَقِيَتْ إضَاءَتهَا
وَبِقَوْلِهِ {وَسَلَامًا} سَلِمَ مِنْ الموت ببردها
7 -
(1/427)
وَأَرَادُوا بِهِ
كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70)
{وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا} وَهُوَ
التَّحْرِيق {فَجَعَلْنَاهُمْ الْأَخْسَرِينَ} في مرادهم
7 -
(1/427)
وَنَجَّيْنَاهُ
وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا
لِلْعَالَمِينَ (71)
{ونجيناه ولوطا} بن أَخِيهِ هَارَان مِنْ
الْعِرَاق {إلَى الْأَرْض الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا
لِلْعَالَمِينَ} بِكَثْرَةِ الْأَنْهَار وَالْأَشْجَار وَهِيَ
الشَّام نَزَلَ إبْرَاهِيم بِفِلَسْطِين وَلُوط
بِالْمُؤْتَفِكَةِ وَبَيْنهمَا يوم
7 -
(1/427)
وَوَهَبْنَا لَهُ
إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا
صَالِحِينَ (72)
{وَوَهَبْنَا لَهُ} أَيْ لِإِبْرَاهِيم
وَكَانَ سَأَلَ وَلَدًا كَمَا ذُكِرَ فِي الصَّافَّات {إسْحَاق
وَيَعْقُوب نَافِلَة} أي زيادة على المسؤول أَوْ هُوَ وَلَد
الْوَلَد {وَكُلًّا} أَيْ هُوَ وَوَلَدَاهُ {جَعَلْنَا
صَالِحِينَ} أَنْبِيَاء
7 -
(1/427)
وَجَعَلْنَاهُمْ
أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ
فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ
الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73)
{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّة} بِتَحْقِيقِ
الْهَمْزَتَيْنِ وَإِبْدَال الثَّانِيَة يَاء يُقْتَدَى بِهِمْ
فِي الْخَيْر {يَهْدُونَ} النَّاس {بِأَمْرِنَا} إلى ديننا
{وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصَّلَاة وَإِيتَاء
الزَّكَاة} أَيْ أَنْ تُفْعَل وَتُقَام وَتُؤْتَى مِنْهُمْ
وَمِنْ أَتْبَاعهمْ وَحُذِفَ هَاء إقَامَة تخفيف {وكانوا لنا
عابدين}
7 -
(1/427)
وَلُوطًا آتَيْنَاهُ
حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي
كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ
سَوْءٍ فَاسِقِينَ (74)
{وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا} فَصْلًا
بَيْن الْخُصُوم {وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْقَرْيَة
الَّتِي كَانَتْ تَعْمَل} أَيْ أَهْلهَا الْأَعْمَال
{الْخَبَائِث} مِنْ اللِّوَاط وَالرَّمْي بِالْبُنْدُقِ
وَاللَّعِب بِالطُّيُورِ وَغَيْر ذَلِكَ {إنَّهُمْ كَانُوا
قَوْم سوء} مصدر ساءه نقيض سره {فاسقين}
7 -
(1/427)
وَأَدْخَلْنَاهُ فِي
رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (75)
{وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتنَا} بِأَنْ
أَنْجَيْنَاهُ مِنْ قَوْمه {إنه من الصالحين}
7 -
(1/427)
وَنُوحًا إِذْ نَادَى
مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ
مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76)
{وَ} اُذْكُرْ {نُوحًا} وَمَا بَعْده بَدَل
مِنْهُ {إذْ نَادَى} دَعَا عَلَى قَوْمه بِقَوْلِهِ {رَبّ لَا
تَذَر} إلَخْ {مِنْ قَبْل} أَيْ قَبْل إبْرَاهِيم وَلُوط
{فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ} الَّذِينَ
فِي سَفِينَته {مِنْ الْكَرْب الْعَظِيم} أَيْ الْغَرَق
وَتَكْذِيب قَوْمه لَهُ
7 -
(1/427)
وَنَصَرْنَاهُ مِنَ
الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا
قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (77)
{وَنَصَرْنَاهُ} مَنَعْنَاهُ {مِنْ
الْقَوْم الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} الدَّالَّة عَلَى
رِسَالَته أَنْ لَا يَصِلُوا إلَيْهِ بسوء {إنهم كانوا قوم سوء
فأغرقناهم أجمعين
(1/427)
7 -
(1/428)
وَدَاوُودَ
وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ
فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78)
{وَ} اذْكُر {دَاوُد وَسُلَيْمَان} أَيْ
قِصَّتهمَا وَيُبْدَل مِنْهُمَا {إذْ يَحْكُمَانِ فِي
الْحَرْث} هُوَ زَرْع أَوْ كَرْم {إذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَم
الْقَوْم} أَيْ رَعَتْهُ لَيْلًا بِلَا رَاعٍ بِأَنْ
انْفَلَتَتْ {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} فِيهِ
اسْتِعْمَال ضَمِير الْجَمْع لِاثْنَيْنِ قَالَ دَاوُد
لِصَاحِبِ الْحَرْث رِقَاب الْغَنَم وَقَالَ سُلَيْمَان
يَنْتَفِع بِدَرِّهَا وَنَسْلهَا وَصُوفهَا إلَى أَنْ يَعُود
الْحَرْث كَمَا كَانَ بِإِصْلَاحِ صَاحِبِهَا فيردها إليه
7 -
(1/428)
فَفَهَّمْنَاهَا
سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا
مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا
فَاعِلِينَ (79)
{فَفَهَّمْنَاهَا} أَيْ الْحُكُومَة
{سُلَيْمَان} وَحُكْمهمَا بِاجْتِهَادٍ وَرَجَعَ دَاوُد إلَى
سُلَيْمَان وَقِيلَ بِوَحْيٍ وَالثَّانِي نَاسِخ للأول {وكلا}
منهما {آتينا} هـ {حُكْمًا} نُبُوَّة {وَعِلْمًا} بِأُمُورِ
الدِّين {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُد الْجِبَال يُسَبِّحْنَ
وَالطَّيْر} كَذَلِكَ سُخِّرَا لِلتَّسْبِيحِ مَعَهُ
لِأَمْرِهِ بِهِ إذَا وَجَدَ فَتْرَة لِيَنْشَط لَهُ {وَكُنَّا
فَاعِلِينَ} تَسْخِير تَسْبِيحهمَا مَعَهُ وَإِنْ كَانَ
عَجَبًا عِنْدكُمْ أَيْ مُجَاوَبَته لِلسَّيِّدِ دَاوُد
8 -
(1/428)
وَعَلَّمْنَاهُ
صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ
فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (80)
{وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَة لَبُوس} وَهِيَ
الدِّرْع لِأَنَّهَا تُلْبَس وَهُوَ أَوَّل مَنْ صَنَعَهَا
وَكَانَ قَبْلهَا صَفَائِح {لكم} في جملة الناس} لنحصنكم}
بِالنُّونِ لِلَّهِ وَبِالتَّحْتَانِيَّة لِدَاوُد
وبِالْفَوْقَانِيَّةِ لِلَّبُوسِ {مِنْ بَأْسكُمْ} حَرْبكُمْ
مَعَ أَعْدَائِكُمْ {فَهَلْ أَنْتُمْ} يَا أَهْل مَكَّة
{شَاكِرُونَ} نِعَمِي بِتَصْدِيقِ الرَّسُول أَيْ اشكروني بذلك
8 -
(1/428)
وَلِسُلَيْمَانَ
الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ
الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ
(81)
{و} سخرنا {لِسُلَيْمَان الرِّيح عَاصِفَة}
وَفِي آيَة أُخْرَى رَخَاء أَيْ شَدِيدَة الْهُبُوب
وَخَفِيفَته حَسَب إرَادَته {تَجْرِي بِأَمْرِهِ إلَى الْأَرْض
الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} وَهِيَ الشَّام {وَكُنَّا بِكُلِّ
شَيْء عَالِمِينَ} مِنْ ذَلِكَ عَلِمَ اللَّه تَعَالَى بِأَنَّ
مَا يُعْطِيهِ سُلَيْمَان يَدْعُوهُ إلَى الْخُضُوع لِرَبِّهِ
فَفَعَلَهُ تَعَالَى عَلَى مقتضى علمه
8 -
(1/428)
وَمِنَ الشَّيَاطِينِ
مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ
وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ (82)
{و} سخرنا {مِنْ الشَّيَاطِين مَنْ
يَغُوصُونَ لَهُ} يَدْخُلُونَ فِي الْبَحْر فَيُخْرِجُونَ
مِنْهُ الْجَوَاهِر لِسُلَيْمَان {وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُون
ذَلِكَ} أَيْ سِوَى الْغَوْص مِنْ الْبِنَاء وَغَيْره
{وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ} مِنْ أَنْ يُفْسِدُوا مَا
عَمِلُوا لِأَنَّهُمْ كَانُوا إذَا فَرَغُوا مِنْ عَمَل قَبْل
اللَّيْل أَفْسَدُوهُ إنْ لَمْ يَشْتَغِلُوا بغيره
8 -
(1/428)
وَأَيُّوبَ إِذْ
نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ
الرَّاحِمِينَ (83)
{و} اُذْكُرْ {أَيُّوب} وَيُبْدَل مِنْهُ
{إذْ نَادَى رَبّه} لَمَّا اُبْتُلِيَ بِفَقْدِ جَمِيع مَاله
وَوَلَده وَتَمْزِيق جَسَده وَهَجْر جَمِيع النَّاس لَهُ إلَّا
زَوْجَته سِنِينَ ثَلَاثًا أَوْ سَبْعًا أَوْ ثَمَانِيَ
عَشْرَة وَضِيق عَيْشه {أَنِّي} بِفَتْحِ الْهَمْزَة
بِتَقْدِيرِ الياء {مسني الضر} أي الشدة {وأنت أرحم الراحمين
(1/428)
8 -
(1/429)
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ
فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ
وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى
لِلْعَابِدِينَ (84)
{فَاسْتَجَبْنَا لَهُ} نِدَاءَهُ
{فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرّ وَآتَيْنَاهُ أَهْله}
أَوْلَاده الذُّكُور وَالْإِنَاث بِأَنْ أُحْيُوا لَهُ وَكُلّ
مِنْ الصِّنْفَيْنِ ثَلَاث أَوْ سَبْع {وَمِثْلهمْ مَعَهُمْ}
مِنْ زَوْجَته وَزِيدَ فِي شَبَابهَا وَكَانَ لَهُ أَنْدَر
لِلْقَمْحِ وَأَنْدَر لِلشَّعِيرِ فَبَعَثَ اللَّه
سَحَابَتَيْنِ أَفْرَغَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى أَنْدَر الْقَمْح
الذَّهَب وَأَفْرَغَتْ الْأُخْرَى عَلَى أَنْدَر الشَّعِير
الْوَرِق حَتَّى فَاضَ {رَحْمَة} مَفْعُول لَهُ {مِنْ عندنا}
صفة {وذكرى للعابدين} ليصبروا فيثابوا
8 -
(1/429)
وَإِسْمَاعِيلَ
وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85)
{و} اذكر {إسماعيل وَإِدْرِيس وَذَا
الْكِفْل كُلّ مِنْ الصَّابِرِينَ} عَلَى طَاعَة اللَّه وَعَنْ
مَعَاصِيه
8 -
(1/429)
وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي
رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (86)
{وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتنَا} مِنْ
النُّبُوَّة {إنَّهُمْ مِنْ الصَّالِحِينَ} لَهَا وَسُمِّيَ
ذَا الْكِفْل لِأَنَّهُ تَكَفَّلَ بِصِيَامِ جَمِيع نَهَاره
وَقِيَام جَمِيع لَيْله وَأَنْ يَقْضِيَ بَيْن النَّاس وَلَا
يَغْضَب فَوَفَّى بِذَلِكَ وَقِيلَ لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا
8 -
(1/429)
وَذَا النُّونِ إِذْ
ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ
فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ
سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)
{وَ} اُذْكُرْ {ذَا النُّون} صَاحِب
الْحُوت وَهُوَ يُونُس بْن مَتَّى وَيُبْدَل مِنْهُ {إذْ
ذَهَبَ مُغَاضِبًا} لِقَوْمِهِ أَيْ غَضْبَان عَلَيْهِمْ
مِمَّا قَاسَى مِنْهُمْ وَلَمْ يُؤْذَن لَهُ فِي ذَلِكَ
{فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِر عَلَيْهِ} أَيْ نَقْضِي عَلَيْهِ
بِمَا قَضَيْنَاهُ مِنْ حَبْسه فِي بَطْن الْحُوت أَوْ
نُضَيِّق عَلَيْهِ بِذَلِكَ {فَنَادَى فِي الظُّلُمَات}
ظُلْمَة اللَّيْل وَظُلْمَة الْبَحْر وَظُلْمَة بَطْن الْحُوت
{أَنْ} أَيْ بِأَنْ {لَا إلَه إلَّا أَنْتَ سُبْحَانك إنِّي
كُنْت مِنْ الظَّالِمِينَ} فِي ذَهَابِي مِنْ بَيْن قَوْمِي
بِلَا إذْنٍ
8 -
(1/429)
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ
وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي
الْمُؤْمِنِينَ (88)
{فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ
الْغَمّ} بِتِلْكَ الْكَلِمَات {وَكَذَلِكَ} كَمَا
نَجَّيْنَاهُ {نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} مِنْ كَرْبهمْ إذَا
اسْتَغَاثُوا بِنَا دَاعِينَ
8 -
(1/429)
وَزَكَرِيَّا إِذْ
نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ
الْوَارِثِينَ (89)
{وَ} اُذْكُرْ {زَكَرِيَّا} وَيُبْدَل
مِنْهُ {إذْ نَادَى رَبّه} بِقَوْلِهِ {رَبّ لَا تَذَرنِي
فَرْدًا} أَيْ بِلَا وَلَد يَرِثنِي {وَأَنْتَ خَيْر
الْوَارِثِينَ} الْبَاقِي بَعْد فَنَاء خَلْقك
9 -
(1/429)
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ
وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ
إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ
وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ
(90)
{فَاسْتَجَبْنَا لَهُ} نِدَاءَهُ
{وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى} وَلَدًا {وَأَصْلَحْنَا لَهُ
زَوْجه} فَأَتَتْ بِالْوَلَدِ بَعْد عُقْمهَا {إنَّهُمْ} أَيْ
مَنْ ذُكِرَ مِنْ الْأَنْبِيَاء {كَانُوا يُسَارِعُونَ}
يُبَادِرُونَ {فِي الْخَيْرَات} الطَّاعَات {وَيَدْعُونَنَا
رَغَبًا} فِي رَحْمَتنَا {وَرَهَبًا} مِنْ عَذَابنَا
{وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} مُتَوَاضِعِينَ فِي عِبَادَتهمْ
(1/429)
9 -
(1/430)
وَالَّتِي أَحْصَنَتْ
فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا
وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (91)
{وَ} اُذْكُرْ مَرْيَمَ {اَلَّتِي
أَحْصَنَتْ فَرْجهَا} حَفِظَتْهُ مِنْ أَنْ يُنَال
{فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحنَا} أَيْ جِبْرِيل حَيْثُ
نَفَخَ فِي جَيْب دِرْعهَا فَحَمَلَتْ بِعِيسَى
{وَجَعَلْنَاهَا وَابْنهَا آيَة لِلْعَالَمِينَ} الْإِنْس
وَالْجِنّ وَالْمَلَائِكَة حَيْثُ وَلَدَتْهُ مِنْ غَيْر فَحْل
9 -
(1/430)
إِنَّ هَذِهِ
أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ
(92)
{إنَّ هَذِهِ} أَيْ مِلَّة الْإِسْلَام
{أُمَّتكُمْ} دِينكُمْ أَيّهَا الْمُخَاطَبُونَ أَيْ يَجِب
أَنْ تَكُونُوا عَلَيْهَا {أُمَّة وَاحِدَة} حَال لَازِمَة
{وَأَنَا رَبّكُمْ فَاعْبُدُونِ} وحدون
9 -
(1/430)
وَتَقَطَّعُوا
أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (93)
{وَتَقَطَّعُوا} أَيْ بَعْض
الْمُخَاطَبِينَ {أَمْرهمْ بَيْنهمْ} أَيْ تَفَرَّقُوا أَمْر
دِينهمْ مُتَخَالِفِينَ فِيهِ وَهُمْ طَوَائِف اليهود والنصارى
قال تعا لي {كُلّ إلَيْنَا رَاجِعُونَ} أَيْ فَنُجَازِيهِ
بِعَمَلِهِ
9 -
(1/430)
فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ
الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ
وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ (94)
{فَمَنْ يَعْمَل مِنْ الصَّالِحَات وَهُوَ
مُؤْمِن فَلَا كُفْرَان} أَيْ لَا جُحُود {لِسَعْيِهِ وَإِنَّا
لَهُ كَاتِبُونَ} بِأَنْ نَأْمُر الْحَفَظَة بِكَتْبِهِ
فَنُجَازِيهِ عَلَيْهِ
9 -
(1/430)
وَحَرَامٌ عَلَى
قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (95)
{وَحَرَام عَلَى قَرْيَة أَهْلَكْنَاهَا}
أُرِيدَ أَهْلهَا {أَنَّهُمْ لَا} زَائِدَة {يَرْجِعُونَ} أَيْ
مُمْتَنِع رُجُوعهمْ إلَى الدنيا
9 -
(1/430)
حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ
يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ
(96)
{حَتَّى} غَايَة لِامْتِنَاعِ رُجُوعهمْ
{إذَا فُتِحَتْ} بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد {يَأْجُوج
وَمَأْجُوج} بِالْهَمْزِ وَتَرْكه اسْمَانِ أَعْجَمِيَّانِ
لِقَبِيلَتَيْنِ وَيُقَدَّر قَبْله مُضَاف أَيْ سَدّهمَا
وَذَلِكَ قُرْب الْقِيَامَة {وَهُمْ مِنْ كُلّ حَدَب}
مُرْتَفَع مِنْ الْأَرْض {يَنْسِلُونَ} يُسْرِعُونَ
9 -
(1/430)
وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ
الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا
يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ
كُنَّا ظَالِمِينَ (97)
{وَاقْتَرَبَ الْوَعْد الْحَقّ} أَيْ يَوْم
الْقِيَامَة {فَإِذَا هِيَ} أَيْ الْقِصَّة {شَاخِصَة أَبْصَار
الَّذِينَ كَفَرُوا} فِي ذَلِكَ الْيَوْم لِشِدَّتِهِ
يَقُولُونَ {يَا} لِلتَّنْبِيهِ {وَيْلنَا} هَلَاكنَا {قَدْ
كُنَّا} فِي الدُّنْيَا {فِي غَفْلَة مِنْ هَذَا} الْيَوْم
{بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ} أَنْفُسنَا بِتَكْذِيبِنَا
لِلرُّسُلِ
9 -
(1/430)
إِنَّكُمْ وَمَا
تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ
لَهَا وَارِدُونَ (98)
{إنَّكُمْ} يَا أَهْل مَكَّة {وَمَا
تَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه} أَيْ غَيْره مِنْ الْأَوْثَان
{حَصَب جَهَنَّم} وَقُودهَا {أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ}
دَاخِلُونَ فِيهَا
9 -
(1/430)
لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ
آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99)
{لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ} الْأَوْثَان
{آلِهَة} كَمَا زَعَمْتُمْ {مَا وَرَدُوهَا} دَخَلُوهَا
{وَكُلّ} مِنْ الْعَابِدِينَ وَالْمَعْبُودِينَ {فيها خالدون}
10 -
(1/430)
لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ
وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ (100)
{لهم} العابدين {فِيهَا زَفِير وَهُمْ
فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ} شَيْئًا لشدة غليانها ونزل لما قال بن
الزِّبَعْرَى عَبْد عُزَيْر وَالْمَسِيح وَالْمَلَائِكَة
فَهُمْ فِي النَّار عَلَى مُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ
(1/430)
10 -
(1/431)
إِنَّ الَّذِينَ
سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا
مُبْعَدُونَ (101)
{إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا}
الْمَنْزِلَة {الْحُسْنَى} ومنهم من ذكر {أولئك عنها مبعدون}
10 -
(1/431)
لَا يَسْمَعُونَ
حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ
(102)
{لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسهَا} صَوْتهَا
{وَهُمْ فِي مَا اشتهت أنفسهم} من النعيم {خالدون}
10 -
(1/431)
لَا يَحْزُنُهُمُ
الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا
يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (103)
{لَا يُحْزِنهُمْ الْفَزَع الْأَكْبَر}
وَهُوَ أَنْ يُؤْمَر بِالْعَبْدِ إلَى النَّار
{وَتَتَلَقَّاهُمْ} تَسْتَقْبِلهُمْ {الْمَلَائِكَة} عِنْد
خُرُوجهمْ مِنْ الْقُبُور يَقُولُونَ لَهُمْ {هَذَا يَوْمكُمْ
الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} فِي الدُّنْيَا
10 -
(1/431)
يَوْمَ نَطْوِي
السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا
أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا
فَاعِلِينَ (104)
{يوم} منصوب باذكر مُقَدَّرًا قَبْله
{نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلّ} اسْم ملك {للكتاب}
صحيفة بن آدَم عِنْد مَوْته وَاللَّام زَائِدَة أَوْ السِّجِلّ
الصَّحِيفَة وَالْكِتَاب بِمَعْنَى الْمَكْتُوب وَاللَّام
بِمَعْنَى عَلَى وَفِي قِرَاءَة لِلْكُتُبِ جَمْعًا {كَمَا
بَدَأْنَا أَوَّل خَلْق} مِنْ عَدَم {نُعِيدهُ} بَعْد إعْدَامه
فَالْكَاف مُتَعَلِّقَة بِنُعِيد وَضَمِيره عَائِد إلَى أَوَّل
وَمَا مَصْدَرِيَّة {وَعْدًا عَلَيْنَا} مَنْصُوب بِوَعَدْنَا
مُقَدَّرًا قَبْله وَهُوَ مُؤَكِّد لِمَضْمُونِ مَا قَبْله
{إنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} مَا وَعَدْنَاهُ
10 -
(1/431)
وَلَقَدْ كَتَبْنَا
فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ
يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105)
{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُور}
بِمَعْنَى الْكِتَاب أَيْ كُتُب اللَّه الْمُنَزَّلَة {مِنْ
بَعْد الذِّكْر} بِمَعْنَى أُمّ الْكِتَاب الَّذِي عِنْد
اللَّه {أَنَّ الْأَرْض} أَرْض الْجَنَّة {يَرِثهَا عِبَادِيَ
الصَّالِحُونَ} عَام فِي كل صالح
10 -
(1/431)
إِنَّ فِي هَذَا
لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (106)
{إنَّ فِي هَذَا} الْقُرْآن {لَبَلَاغًا}
كِفَايَة فِي دُخُول الْجَنَّة {لِقَوْمٍ عَابِدِينَ}
عَامِلِينَ بِهِ
10 -
(1/431)
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ
إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)
{وَمَا أَرْسَلْنَاك} يَا مُحَمَّد {إلَّا
رَحْمَة} أَيْ لِلرَّحْمَةِ {لِلْعَالَمِينَ} الْإِنْس
وَالْجِنّ بِك
10 -
(1/431)
قُلْ إِنَّمَا يُوحَى
إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ
مُسْلِمُونَ (108)
{قُلْ إنَّمَا يُوحَى إلَيَّ أَنَّمَا
إلَهكُمْ إلَه وَاحِد} أَيْ مَا يُوحَى إلَيَّ فِي أَمْر
الْإِلَه إلَّا وَحْدَانِيّته {فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}
مُنْقَادُونَ لِمَا يُوحَى إلَيَّ مِنْ وَحْدَانِيَّة الْإِلَه
وَالِاسْتِفْهَام بمعنى الأمر
(1/431)
10 -
(1/432)
فَإِنْ تَوَلَّوْا
فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ
أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ (109)
{فَإِنْ تَوَلَّوْا} عَنْ ذَلِكَ {فَقُلْ
آذَنْتُكُمْ} أَعْلَمْتُكُمْ بِالْحَرْبِ {عَلَى سَوَاء} حَال
مِنْ الْفَاعِل وَالْمَفْعُول أَيْ مُسْتَوِينَ فِي عِلْمه لَا
أَسْتَبِدّ بِهِ دُونكُمْ لِتَتَأَهَّبُوا {وَإِنْ} مَا
{أَدْرِي أَقَرِيب أَمْ بَعِيد مَا تُوعَدُونَ} مِنْ الْعَذَاب
أَوْ الْقِيَامَة الْمُشْتَمِلَة عَلَيْهِ وَإِنَّمَا
يَعْلَمهُ اللَّه
11 -
(1/432)
إِنَّهُ يَعْلَمُ
الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ (110)
{إنَّهُ} تَعَالَى {يَعْلَم الْجَهْر مِنْ
الْقَوْل} وَالْفِعْل مِنْكُمْ وَمِنْ غَيْركُمْ {وَيَعْلَم
مَا تَكْتُمُونَ} أَنْتُمْ وَغَيْركُمْ مِنْ السِّرّ
11 -
(1/432)
وَإِنْ أَدْرِي
لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (111)
{وَإِنْ} مَا {أَدْرِي لَعَلَّهُ} أَيْ مَا
أَعْلَمْتُكُمْ بِهِ وَلَمْ يُعْلَم وَقْته {فِتْنَة}
اخْتِبَار {لَكُمْ} لِيُرَى كَيْفَ صُنْعكُمْ {وَمَتَاع}
تَمَتُّع {إلَى حِين} أي انقضاء آجالكم وهذا مقابل لِلْأَوَّلِ
الْمُتَرَجَّى بِلَعَلَّ وَلَيْسَ الثَّانِي مَحَلًّا
لِلتَّرَجِّي
11 -
(1/432)
قَالَ رَبِّ احْكُمْ
بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا
تَصِفُونَ (112)
{قُلْ} وَفِي قِرَاءَة قَالَ {رَبّ اُحْكُمْ} بَيْنِي وَبَيْن
مُكَذِّبِي {بِالْحَقِّ} بِالْعَذَابِ لَهُمْ أَوْ النَّصْر
عَلَيْهِمْ فَعُذِّبُوا بِبَدْرٍ وَأُحُد وَحُنَيْن
وَالْأَحْزَاب وَالْخَنْدَق وَنُصِرَ عَلَيْهِمْ {وَرَبّنَا
الرَّحْمَن الْمُسْتَعَان عَلَى مَا تَصِفُونَ} مِنْ كَذِبكُمْ
عَلَى اللَّه فِي قَوْلكُمْ اتَّخَذَ وَلَدًا وَعَلَيَّ فِي
قَوْلكُمْ سَاحِر وَعَلَى الْقُرْآن فِي قَوْلكُمْ شِعْر |