تفسير الجلالين = 29 سُورَة الْعَنْكَبُوت
مَكِّيَّة إلَّا مِنْ آيَة 1 لِغَايَةِ 11 فَمَدَنِيَّة
وَآيَاتهَا ست وتسعون نزلت بعد الروم بسم الله الرحمن الرحيم
(1/520)
الم (1)
{الم} اللَّه أَعْلَم بِمُرَادِهِ بِذَلِكَ
(1/520)
أَحَسِبَ النَّاسُ
أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا
يُفْتَنُونَ (2)
{أَحَسِبَ النَّاس أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ
يَقُولُوا} أَيْ بِقَوْلِهِمْ {آمَنَّا وَهُمْ لَا
يُفْتَنُونَ} يُخْتَبَرُونَ بِمَا يتبين به حقيقية إيمَانهمْ
نَزَلَ فِي جَمَاعَة آمَنُوا فَآذَاهُمْ الْمُشْرِكُونَ
(1/520)
وَلَقَدْ فَتَنَّا
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ
صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)
{وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ
قَبْلهمْ فَلَيَعْلَمَن اللَّه الَّذِينَ صَدَقُوا} فِي
إيمَانهمْ عِلْم مُشَاهَدَة {وَلَيَعْلَمَن الكاذبين} فيه
(1/521)
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ
يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا
يَحْكُمُونَ (4)
{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ
السَّيِّئَات} الشِّرْك وَالْمَعَاصِي {أَنْ يَسْبِقُونَا}
يَفُوتُونَا فَلَا نَنْتَقِم مِنْهُمْ {سَاءَ} بئس {ما} الذي}
يحكمون} هـ حكمهم هذا
(1/521)
مَنْ كَانَ يَرْجُو
لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ
السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5)
{مَنْ كَانَ يَرْجُو} يَخَاف { {لِقَاء
اللَّه فَإِنَّ أَجَل اللَّه} بِهِ {لَآتٍ} فَلْيَسْتَعِدَّ
لَهُ {وَهُوَ السَّمِيع} لِأَقْوَالِ الْعِبَاد {الْعَلِيم}
بِأَفْعَالِهِمْ
(1/521)
وَمَنْ جَاهَدَ
فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ
الْعَالَمِينَ (6)
{وَمَنْ جَاهَدَ} جِهَاد حَرْب أَوْ نَفْس
{فَإِنَّمَا يُجَاهِد لِنَفْسِهِ} فَإِنَّ مَنْفَعَة جِهَاده
لَهُ لَا لِلَّهِ {إنَّ اللَّه لَغَنِيّ عَنْ الْعَالَمِينَ}
الْإِنْس وَالْجِنّ وَالْمَلَائِكَة وَعَنْ عِبَادَتهمْ
(1/521)
وَالَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ
سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا
يَعْمَلُونَ (7)
{وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَات لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتهمْ} بِعَمَلِ
الصَّالِحَات {وَلَنَجْزِيَنَّهُم أَحْسَن} بِمَعْنَى حَسَن
وَنَصَبَهُ بِنَزْعِ الْخَافِض الْبَاء {الَّذِي كَانُوا
يَعْمَلُونَ} وَهُوَ الصالحات
(1/521)
وَوَصَّيْنَا
الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ
لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا
إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ
تَعْمَلُونَ (8)
{ووصنا الْإِنْسَان بِوَالِدَيْهِ حَسَنًا}
أَيْ إيصَاء ذَا حُسْن بِأَنْ يَبَرّهُمَا {وَإِنْ جَاهَدَاك
لِتُشْرِك بِي مَا لَيْسَ لَك بِهِ} بِإِشْرَاكِهِ {عِلْم}
مُوَافَقَة لِلْوَاقِعِ فَلَا مَفْهُوم لَهُ {فَلَا
تُطِعْهُمَا} فِي الْإِشْرَاك {إلَيَّ مَرْجِعكُمْ
فَأُنَبِّئكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} فَأُجَازِيكُمْ به
(1/521)
وَالَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ
(9)
{وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَات لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ}
الْأَنْبِيَاء وَالْأَوْلِيَاء بِأَنْ نَحْشُرهُمْ مَعَهُمْ
(1/521)
1 -
(1/522)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ
فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ
مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ
اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10)
{وَمِنْ النَّاس مَنْ يَقُول آمَنَّا
بِاَللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّه جَعَلَ فِتْنَة
النَّاس} أَيْ أَذَاهُمْ لَهُ {كَعَذَابِ اللَّه} فِي الْخَوْف
مِنْهُ فَيُطِيعهُمْ فَيُنَافِق {وَلَئِنْ} لَام قَسَم {جَاءَ
نَصْر} لِلْمُؤْمِنِينَ {مِنْ رَبّك} فَغَنِمُوا {لَيَقُولَن}
حُذِفَتْ مِنْهُ نُون الرَّفْع لِتَوَالِي النُّونَات
وَالْوَاو ضَمِير الْجَمْع لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ {إنَّا
كُنَّا مَعَكُمْ} فِي الْإِيمَان فأشركونا في الغنيمة قال
تعالى {أو ليس اللَّه بِأَعْلَم} أَيْ بِعَالِمٍ {بِمَا فِي
صُدُور الْعَالَمِينَ} بِقُلُوبِهِمْ مِنْ الْإِيمَان
وَالنِّفَاق بَلَى
1 -
(1/522)
وَلَيَعْلَمَنَّ
اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ
(11)
{وَلَيَعْلَمَن اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا}
بِقُلُوبِهِمْ {وَلَيَعْلَمَن الْمُنَافِقِينَ} فَيُجَازِي
الْفَرِيقَيْنِ وَاللَّام فِي الْفِعْلَيْنِ لَام قَسَم
1 -
(1/522)
وَقَالَ الَّذِينَ
كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا
وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ
خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (12)
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ
آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلنَا} دِيننَا {وَلْنَحْمِلْ
خَطَايَاكُمْ} فِي اتِّبَاعنَا إنْ كَانَتْ والأمر بمعنى الخبر
قال تعالى {وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ
شَيْء إنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} فِي ذَلِكَ
1 -
(1/522)
وَلَيَحْمِلُنَّ
أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ
وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا
يَفْتَرُونَ (13)
{وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالهمْ} أَوْزَارهمْ
{وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالهمْ} بِقَوْلِهِمْ لِلْمُؤْمِنِينَ
اتَّبِعُوا سَبِيلنَا وَإِضْلَالهمْ مُقَلِّدِيهِمْ
{وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْم الْقِيَامَة عَمَّا كَانُوا
يَفْتَرُونَ} يَكْذِبُونَ عَلَى اللَّه سؤال توبيح وَاللَّام
فِي الْفِعْلَيْنِ لَام قَسَم وَحُذِفَ فَاعِلهمَا الْوَاو
وَنُون الرَّفْع
1 -
(1/522)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا
نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا
خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ
(14)
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إلَى قَوْمه}
وَعُمُره أَرْبَعُونَ سَنَة أَوْ أَكْثَر {فَلَبِثَ فِيهِمْ
أَلْف سَنَة إلَّا خَمْسِينَ عَامًا} يَدْعُوهُمْ إلَى
تَوْحِيد اللَّه فَكَذَّبُوهُ {فَأَخَذَهُمْ الطُّوفَان} أَيْ
الْمَاء الْكَثِير طَافَ بِهِمْ وَعَلَاهُمْ فَغَرِقُوا
{وَهُمْ ظَالِمُونَ} مُشْرِكُونَ
1 -
(1/522)
فَأَنْجَيْنَاهُ
وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ
(15)
{فَأَنْجَيْنَاهُ} أَيْ نُوحًا {وَأَصْحَاب
السَّفِينَة} الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ فِيهَا {وَجَعَلْنَاهَا
آيَة} عِبْرَة {لِلْعَالَمِينَ} لِمَنْ بَعْدهمْ مِنْ النَّاس
إنْ عَصَوْا رُسُلهمْ وَعَاشَ نوح بعد الطوفان ستين سنة أو
أكثرحتى كثر الناس
1 -
(1/522)
وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ
قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ
خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16)
{وَ} اُذْكُرْ {إِبْرَاهِيم إذْ قَالَ
لِقَوْمِهِ اُعْبُدُوا اللَّه وَاتَّقُوهُ} خَافُوا عِقَابه
{ذَلِكُمْ خَيْر لَكُمْ} مِمَّا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ
عِبَادَة الْأَصْنَام {إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} الْخَيْر
مِنْ غَيْره
1 -
(1/522)
إِنَّمَا تَعْبُدُونَ
مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ
الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ
لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ
وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17)
{إنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه}
أَيْ غَيْره {أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إفْكًا} تَقُولُونَ
كَذِبًا إنَّ الْأَوْثَان شركاء لله {إنَّ الَّذِينَ
تَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا}
لَا يَقْدِرُونَ أَنْ يَرْزُقُوكُمْ {فابتغوا عند الله الرزق}
اطلبوه منه {واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون
(1/522)
1 -
(1/523)
وَإِنْ تُكَذِّبُوا
فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ
إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (18)
{وَإِنْ تُكَذِّبُوا} أَيْ تُكَذِّبُونِي
يَا أَهْل مَكَّة {فَقَدْ كَذَّبَ أُمَم مِنْ قَبْلكُمْ} مِنْ
قَبْلِي {وَمَا عَلَى الرَّسُول إلَّا الْبَلَاغ الْمُبِين}
إلَّا الْبَلَاغ الْبَيِّن فِي هَاتَيْنِ الْقِصَّتَيْنِ
تَسْلِيَة لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وقال تعالى في قومه
1 -
(1/523)
أَوَلَمْ يَرَوْا
كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ
ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19)
{أو لم يَرَوْا} بِالْيَاءِ وَالتَّاء
يَنْظُرُوا {كَيْفَ يُبْدِئ اللَّه الخلق} هو بضم أوله وقريء
بِفَتْحِهِ مِنْ بَدَأَ وَأَبْدَأ بِمَعْنَى أَيْ يَخْلُقهُمْ
ابْتِدَاء {ثُمَّ} هُوَ {يُعِيدهُ} أَيْ الْخَلْق كَمَا
بَدَأَهُمْ {إنَّ ذَلِكَ} الْمَذْكُور مِنْ الْخَلْق الْأَوَّل
وَالثَّانِي {عَلَى اللَّه يَسِير} فَكَيْفَ يُنْكِرُونَ
الثَّانِي
2 -
(1/523)
قُلْ سِيرُوا فِي
الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ
يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)
{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْض فَانْظُرُوا
كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْق} لِمَنْ كَانَ قَبْلكُمْ وَأَمَاتَهُمْ
{ثُمَّ اللَّه ينشئ النشآءة الْآخِرَة} مَدًّا وَقَصْرًا مَعَ
سُكُون الشِّين {إنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير}
وَمِنْهُ الْبَدْء والإعادة
2 -
(1/523)
يُعَذِّبُ مَنْ
يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (21)
{يُعَذِّب مَنْ يَشَاء} تَعْذِيبه
{وَيَرْحَم مَنْ يَشَاء} رَحْمَته {وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ}
تُرَدُّونَ
2 -
(1/523)
وَمَا أَنْتُمْ
بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا
لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (22)
{وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} رَبّكُمْ
عَنْ إدْرَاككُمْ {فِي الْأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء} لَوْ
كُنْتُمْ فِيهَا أَيْ لَا تَفُوتُونَهُ {وَمَا لَكُمْ مِنْ
دُون اللَّه} أَيْ غَيْره {مِنْ وَلِيّ} يَمْنَعكُمْ مِنْهُ
{وَلَا نَصِير} يَنْصُركُمْ مِنْ عَذَابه
2 -
(1/523)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا
بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ
رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (23)
} وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّه
وَلِقَائِهِ} أَيْ الْقُرْآن وَالْبَعْث {أُولَئِكَ يَئِسُوا
مِنْ رَحْمَتِي} أَيْ جَنَّتِي {وأولئك لهم عذاب أليم} مؤلم
2 -
(1/523)
فَمَا كَانَ جَوَابَ
قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ
فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ
لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (24)
قال تعالى في قصة إبراهيم عليه السلام
{فَمَا كَانَ جَوَاب قَوْمه إلَّا أَنْ قَالُوا اُقْتُلُوهُ
أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّه مِنْ النَّار} الَّتِي
قَذَفُوهُ فِيهَا بِأَنْ جَعَلَهَا عَلَيْهِ بَرْدًا وسلاما
{إن في ذلك} أي إنجائه منه {لَآيَات} هِيَ عَدَم تَأْثِيرهَا
فِيهِ مَعَ عِظَمهَا وَإِخْمَادهَا وَإِنْشَاء رَوْض مَكَانهَا
فِي زَمَن يَسِير {لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} يُصَدِّقُونَ
بِتَوْحِيدِ اللَّه وَقُدْرَته لِأَنَّهُمْ المنتفعون بها
(1/523)
2 -
(1/524)
وَقَالَ إِنَّمَا
اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ
بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ
بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ
نَاصِرِينَ (25)
{وَقَالَ} إبْرَاهِيم {إنَّمَا
اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُون اللَّه أَوْثَانًا} تَعْبُدُونَهَا
وَمَا مَصْدَرِيَّة {مَوَدَّة بَيْنكُمْ} خَبَر إنَّ وَعَلَى
قِرَاءَة النَّصْب مَفْعُول لَهُ وَمَا كَافَّة الْمَعْنَى
تَوَادَدْتُمْ عَلَى عِبَادَتهَا {فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا
ثُمَّ يَوْم الْقِيَامَة يَكْفُر بَعْضكُمْ بِبَعْضٍ}
يَتَبَرَّأ الْقَادَة مِنْ الْأَتْبَاع {وَيَلْعَن بَعْضكُمْ
بَعْضًا} يَلْعَن الْأَتْبَاع الْقَادَة {وَمَأْوَاكُمْ}
مَصِيركُمْ جَمِيعًا {النَّار وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ}
مَانِعِينَ مِنْهَا
2 -
(1/524)
فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ
وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26)
{فآمن له} صدق بإبراهيم {لوط} وهو بن
أَخِيهِ هَارَان {وَقَالَ} إبْرَاهِيم {إنِّي مُهَاجِر} مِنْ
قَوْمِي {إلَى رَبِّي} إلَى حَيْثُ أَمَرَنِي رَبِّي وَهَجَرَ
قَوْمه وَهَاجَرَ مِنْ سَوَاد الْعِرَاق إلَى الشَّام {إنَّهُ
هُوَ الْعَزِيز} فِي مُلْكه {الْحَكِيم} فِي صُنْعه
2 -
(1/524)
وَوَهَبْنَا لَهُ
إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ
النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي
الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ
(27)
{ووهبنا له} بعد إسماعيل {إسحاق
وَيَعْقُوب} بَعْد إسْحَاق {وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّته
النُّبُوَّة} فَكُلّ الْأَنْبِيَاء بَعْد إبْرَاهِيم مِنْ
ذُرِّيَّته {وَالْكِتَاب} بِمَعْنَى الْكُتُب أَيْ التَّوْرَاة
وَالْإِنْجِيل وَالزَّبُور وَالْفُرْقَان {وَآتَيْنَاهُ أَجْره
فِي الدُّنْيَا} وَهُوَ الثَّنَاء الْحَسَن فِي كُلّ أَهْل
الْأَدْيَان {وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَة لَمِنْ الصَّالِحِينَ}
الَّذِينَ لَهُمْ الدَّرَجَات العلى
2 -
(1/524)
وَلُوطًا إِذْ قَالَ
لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ
بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (28)
{و} اذكر {لوطا إذ قال لقومه أنكم}
بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَتَيْنِ وَتَسْهِيل الثَّانِيَة
وَإِدْخَال أَلِف بَيْنهمَا عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي
الْمَوْضِعَيْنِ {لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَة} أَيْ أَدْبَار
الرِّجَال {مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَد من العالمين}
الإنس والجن
2 -
(1/524)
أَئِنَّكُمْ
لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ
فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ
إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ
مِنَ الصَّادِقِينَ (29)
{أئنكم لَتَأْتُونَ الرِّجَال
وَتَقْطَعُونَ السَّبِيل} طَرِيق الْمَارَّة بِفِعْلِكُمْ
الْفَاحِشَة بِمَنْ يَمُرّ بِكُمْ فَتَرَكَ النَّاس الْمَمَرّ
بِكُمْ {وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ} أَيْ مُتَحَدَّثكُمْ
{الْمُنْكَر} فِعْل الْفَاحِشَة بَعْضكُمْ بِبَعْضٍ {فَمَا
كَانَ جَوَاب قَوْمه إلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ
اللَّه إنْ كُنْت مِنْ الصَّادِقِينَ} فِي اسْتِقْبَاح ذَلِكَ
وَأَنَّ الْعَذَاب نَازِل بِفَاعِلِيهِ
(1/524)
3 -
(1/525)
قَالَ رَبِّ
انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (30)
{قَالَ رَبّ اُنْصُرْنِي} بِتَحْقِيقِ
قَوْلِي فِي إنْزَال الْعَذَاب {عَلَى الْقَوْم
الْمُفْسِدِينَ} الْعَاصِينَ بِإِتْيَانِ الرِّجَال
فَاسْتَجَابَ اللَّه دُعَاءَهُ
3 -
(1/525)
وَلَمَّا جَاءَتْ
رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو
أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ
(31)
{وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلنَا إبْرَاهِيم
بِالْبُشْرَى} بِإسْحَاق وَيَعْقُوب بَعْده {قالوا إنا مهلكوا
أَهْل هَذِهِ الْقَرْيَة} أَيْ قَرْيَة لُوط {إنَّ أَهْلهَا
كَانُوا ظَالِمِينَ} كَافِرِينَ
3 -
(1/525)
قَالَ إِنَّ فِيهَا
لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا
لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ
الْغَابِرِينَ (32)
{قَالَ} إبْرَاهِيم {إنَّ فِيهَا لُوطًا
قَالُوا} أَيْ الرُّسُل {نَحْنُ أَعْلَم بِمَنْ فِيهَا
لَنُنَجِّيَنَّهُ} بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد {وَأَهْله
إلَّا امْرَأَته كَانَتْ مِنْ الْغَابِرِينَ} الْبَاقِينَ فِي
الْعَذَاب
3 -
(1/525)
وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ
رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا
وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ
وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ
(33)
{وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلنَا لُوطًا
سِيءَ بِهِمْ} حَزِنَ بِسَبَبِهِمْ {وضاق بهم ذرعا} صدرا لأنه
حِسَان الْوُجُوه فِي صُورَة أَضْيَاف فَخَافَ عَلَيْهِمْ
قَوْمه فَأَعْلَمُوهُ أَنَّهُمْ رُسُل رَبّه {وَقَالُوا لَا
تَخَفْ وَلَا تَحْزَن إنَّا مُنَجُّوك} بِالتَّشْدِيدِ
وَالتَّخْفِيف {وَأَهْلك إلَّا امْرَأَتك كَانَتْ مِنْ
الْغَابِرِينَ} وَنَصْب أَهْلك عَطْف عَلَى مَحَلّ الْكَاف
3 -
(1/525)
إِنَّا مُنْزِلُونَ
عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ
بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (34)
{إنَّا مُنْزِلُونَ} بِالتَّخْفِيفِ
وَالتَّشْدِيد {عَلَى أَهْل هَذِهِ الْقَرْيَة رِجْزًا}
عَذَابًا {مِنْ السَّمَاء بِمَا} بِالْفِعْلِ الَّذِي {كَانُوا
يَفْسُقُونَ} بِهِ أَيْ بِسَبَبِ فِسْقهمْ
3 -
(1/525)
وَلَقَدْ تَرَكْنَا
مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (35)
{وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَة
بَيِّنَة} ظَاهِرَة هِيَ آثَار خِرَابهَا {لِقَوْمٍ
يَعْقِلُونَ} يَتَدَبَّرُونَ
3 -
(1/525)
وَإِلَى مَدْيَنَ
أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ
وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ
مُفْسِدِينَ (36)
{وَ} أرْسَلْنَا {إِلَى مَدْيَن أَخَاهُمْ
شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْم اُعْبُدُوا اللَّه وَارْجُوا
الْيَوْم الْآخِر} اخْشَوْهُ هُوَ يَوْم الْقِيَامَة {وَلَا
تَعْثَوْا فِي الْأَرْض مُفْسِدِينَ} حَال مُؤَكِّدَة
لِعَامِلِهَا مِنْ عَثِيَ بِكَسْرِ الْمُثَلَّثَة أَفْسَدَ
3 -
(1/525)
فَكَذَّبُوهُ
فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ
جَاثِمِينَ (37)
{فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَة}
الزَّلْزَلَة الشَّدِيدَة {فَأَصْبَحُوا فِي دَارهمْ
جَاثِمِينَ} بَارِكِينِ عَلَى الرُّكَب مَيِّتِينَ
(1/525)
3 -
(1/526)
وَعَادًا وَثَمُودَ
وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ
الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ
وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38)
{و} أهلكنا {عادا وثمودا} بِالصَّرْفِ
وَتَرَكَهُ بِمَعْنَى الْحَيّ وَالْقَبِيلَة {وَقَدْ تَبَيَّنَ
لَكُمْ} إهْلَاكهمْ {مِنْ مَسَاكِنهمْ} بِالْحَجَرِ وَالْيَمَن
{وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَان أَعْمَالهمْ} مِنْ الْكُفْر
وَالْمَعَاصِي {فَصَدَّهُمْ عَنْ السَّبِيل} سَبِيل الْحَقّ
{وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ} ذَوِي بصائر
3 -
(1/526)
وَقَارُونَ
وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى
بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا
سَابِقِينَ (39)
{وَ} أَهَلَكْنَا {قَارُون وَفِرْعَوْن
وَهَامَان وَلَقَدْ جَاءَهُمْ} مِنْ قَبْل {مُوسَى
بِالْبَيِّنَاتِ} الْحِجَج الظَّاهِرَات {فَاسْتَكْبَرُوا فِي
الْأَرْض وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ} فَائِتِينَ عَذَابنَا
4 -
(1/526)
فَكُلًّا أَخَذْنَا
بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا
وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ
خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا
كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ
يَظْلِمُونَ (40)
{فَكُلًّا} مِنْ الْمَذْكُورِينَ
{أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ
حَاصِبًا} رِيحًا عَاصِفَة فِيهَا حَصْبَاء كَقَوْمِ لُوط
{وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَة} كَثَمُود {وَمِنْهُمْ
مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْض} كَقَارُون {وَمِنْهُمْ مَنْ
أَغْرَقْنَا} كَقَوْمِ نُوح وَفِرْعَوْن وَقَوْمه {وَمَا كَانَ
اللَّه لِيَظْلِمهُمْ} فَيُعَذِّبهُمْ بِغَيْرِ ذَنْب
{وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسهمْ يَظْلِمُونَ} بِارْتِكَابِ
الذَّنْب
4 -
(1/526)
مَثَلُ الَّذِينَ
اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ
الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ
الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ
(41)
{مِثْل الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُون
اللَّه أَوْلِيَاء} أَيْ أَصْنَامًا يَرْجُونَ نَفْعهَا
{كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوت اتَّخَذَتْ بَيْتًا} لِنَفْسِهَا
تَأْوِي إلَيْهِ {وَإِنْ أَوْهَن} أَضْعَف {الْبُيُوت لِبَيْتِ
الْعَنْكَبُوت} لَا يَدْفَع عَنْهَا حَرًّا وَلَا بَرْدًا
كَذَلِكَ الْأَصْنَام لَا تَنْفَع عَابِدِيهَا {لَوْ كَانُوا
يَعْلَمُونَ} ذَلِكَ مَا عَبَدُوهَا
4 -
(1/526)
إِنَّ اللَّهَ
يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (42)
{إنَّ اللَّه يَعْلَم مَا} بِمَعْنَى
الَّذِي {يَدْعُونَ} يَعْبُدُونَ بِالْيَاءِ وَالتَّاء {مِنْ
دُونه} غَيْره {مِنْ شَيْء وَهُوَ الْعَزِيز} فِي مُلْكه
{الْحَكِيم} فِي صُنْعه
4 -
(1/526)
وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ
نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ
(43)
{وَتِلْكَ الْأَمْثَال} فِي الْقُرْآن
{نَضْرِبهَا} نَجْعَلهَا {لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلهَا} أَيْ
يَفْهَمهَا {إلَّا الْعَالِمُونَ} الْمُتَدَبِّرُونَ
4 -
(1/526)
خَلَقَ اللَّهُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ
لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (44)
{خَلْق اللَّه السَّمَاوَات وَالْأَرْض
بِالْحَقِّ} أَيْ مُحِقًّا {إنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَة} دَالَّة
عَلَى قُدْرَته تَعَالَى {لِلْمُؤْمِنِينَ} خُصُّوا
بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمْ الْمُنْتَفِعُونَ بِهَا فِي
الْإِيمَان بِخِلَافِ الْكَافِرِينَ
(1/526)
4 -
(1/527)
اتْلُ مَا أُوحِيَ
إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ
الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ
وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا
تَصْنَعُونَ (45)
{اُتْلُ مَا أُوحِيَ إلَيْك مِنْ
الْكِتَاب} الْقُرْآن {وَأَقِمْ الصَّلَاة إنَّ الصَّلَاة
تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَر} شَرْعًا أَيْ مِنْ
شَأْنهَا ذَلِكَ مَا دَامَ الْمَرْء فِيهَا {وَلَذِكْر اللَّه
أَكْبَر} مِنْ غيره من الطاعات {وَاَللَّه يَعْلَم مَا
تَصْنَعُونَ} فَيُجَازِيكُمْ بِهِ
4 -
(1/527)
وَلَا تُجَادِلُوا
أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا
الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي
أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا
وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46)
{وَلَا تُجَادِلُوا أَهْل الْكِتَاب إلَّا
بِاَلَّتِي} أَيْ الْمُجَادَلَة الَّتِي {هِيَ أَحْسَن}
كَالدُّعَاءِ إلَى اللَّه بِآيَاتِهِ وَالتَّنْبِيه عَلَى
حُجَجه {إلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} بِأَنْ حَارَبُوا
وَأَبَوْا أَنْ يُقِرُّوا بِالْجِزْيَةِ فَجَادَلُوهُمْ
بِالسَّيْفِ حَتَّى يُسْلِمُوا أَوْ يُعْطُوا الْجِزْيَة
{وَقُولُوا} لِمَنْ قَبْل الْإِقْرَار بِالْجِزْيَةِ إذَا
أَخْبَرُوكُمْ بِشَيْءٍ مِمَّا فِي كُتُبهمْ {آمَنَّا
بِاَلَّذِي أُنْزِلَ إلَيْنَا وَأُنْزِلَ إلَيْكُمْ} وَلَا
تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ فِي ذَلِكَ {وَإِلَهنَا
وَإِلَهكُمْ وَاحِد وَنَحْنُ لَهُ مسلمون} مطيعون
4 -
(1/527)
وَكَذَلِكَ
أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ
الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ
بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ (47)
{وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إلَيْك الْكِتَاب}
الْقُرْآن كَمَا أَنَزَلْنَا إلَيْهِمْ التَّوْرَاة وَغَيْرهَا
{فَاَلَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَاب} التَّوْرَاة كَعَبْدِ
اللَّه بْن سَلَام وَغَيْره {يُؤْمِنُونَ بِهِ} بِالْقُرْآنِ
{وَمِنْ هَؤُلَاءِ} أَهْل مَكَّة {مَنْ يُؤْمِن بِهِ وَمَا
يَجْحَد بِآيَاتِنَا} بَعْد ظُهُورهَا {إلَّا الْكَافِرُونَ}
أَيْ الْيَهُود وَظَهَرَ لَهُمْ أَنَّ الْقُرْآن حَقّ
وَالْجَائِي بِهِ مُحِقّ وَجَحَدُوا ذَلِكَ
4 -
(1/527)
وَمَا كُنْتَ تَتْلُو
مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا
لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48)
{وَمَا كُنْت تَتْلُو مِنْ قَبْله} أَيْ
الْقُرْآن {مِنْ كِتَاب وَلَا تَخُطّهُ بِيَمِينِك إذًا} أَيْ
لَوْ كُنْت قَارِئًا كَاتِبًا {لَارْتَابَ} شَكَّ
{الْمُبْطِلُونَ} الْيَهُود فِيك وَقَالُوا الَّذِي فِي
التَّوْرَاة أَنَّهُ أُمِّيّ لَا يَقْرَأ وَلَا يَكْتُب
4 -
(1/527)
بَلْ هُوَ آيَاتٌ
بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا
يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49)
{بَلْ هُوَ} أَيْ الْقُرْآن الَّذِي جِئْت
بِهِ {آيَات بَيِّنَات فِي صُدُور الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْم}
أَيْ الْمُؤْمِنُونَ يَحْفَظُونَهُ {وَمَا يَجْحَد بِآيَاتِنَا
إلَّا الظَّالِمُونَ} أَيْ الْيَهُود وَجَحَدُوهَا بَعْد
ظُهُورهَا لَهُمْ
(1/527)
5 -
(1/528)
وَقَالُوا لَوْلَا
أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا
الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ
(50)
{وَقَالُوا} أَيْ كُفَّار مَكَّة {لَوْلَا}
هَلَّا {أُنْزِلَ عَلَيْهِ} أَيْ مُحَمَّد {آيَة مِنْ رَبّه}
وَفِي قِرَاءَة آيَات كَنَاقَةِ صَالِح وَعَصَا مُوسَى
وَمَائِدَة عِيسَى {قُلْ} لَهُمْ {إنَّمَا الْآيَات عِنْد
اللَّه} يُنَزِّلهَا كَيْفَ يَشَاء {وَإِنَّمَا أَنَا نَذِير
مُبِين}
مظهر إنذاري بالنار أهل المعصية
5 -
(1/528)
أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ
أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
(51)
{أو لم يَكْفِهِمْ} فِيمَا طَلَبُوا
{أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْكِتَاب} القرآن {يتلى عليهم}
فهو آيَة مُسْتَمِرَّة لَا انْقِضَاء لَهَا بِخِلَافِ مَا
ذَكَرَ مِنْ الْآيَات {إنَّ فِي ذَلِكَ} الْكِتَاب {لرحمة
وذكرى} عظة {لقوم يؤمنون}
5 -
(1/528)
قُلْ كَفَى بِاللَّهِ
بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا
بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (52)
{قُلْ كَفَى بِاَللَّهِ بَيْنِي
وَبَيْنكُمْ شَهِيدًا} بِصِدْقِي {يَعْلَم مَا فِي
السَّمَاوَات وَالْأَرْض} وَمِنْهُ حَالِي وَحَالكُمْ
{وَاَلَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ} وَهُوَ مَا يَعْبُد مِنْ
دُون اللَّه {وَكَفَرُوا بِاَللَّهِ} مِنْكُمْ {أُولَئِكَ هُمْ
الْخَاسِرُونَ} فِي صَفْقَتهمْ حَيْثُ اشْتَرَوْا الْكُفْر
بالإيمان
5 -
(1/528)
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ
بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ
الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا
يَشْعُرُونَ (53)
{وَيَسْتَعْجِلُونَك بِالْعَذَابِ
وَلَوْلَا أَجَل مُسَمًّى} لَهُ {لَجَاءَهُمْ الْعَذَاب}
عَاجِلًا {وَلَيَأْتِيَنهمْ بَغْتَة وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}
بوقت إتيانه
5 -
(1/528)
يَسْتَعْجِلُونَكَ
بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ
(54)
{يستعجلونك بالعذاب} في الدنيا {وإن جهنم
لمحيطة بالكافرين}
5 -
(1/528)
يَوْمَ يَغْشَاهُمُ
الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ
وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (55)
{يَوْم يَغْشَاهُمْ الْعَذَاب مِنْ
فَوْقهمْ وَمِنْ تَحْت أَرَجُلهمْ وَنَقُول} فِيهِ بِالنُّونِ
أَيْ نَأْمُر بِالْقَوْلِ وَبِالْيَاءِ يَقُول أَيْ
الْمُوَكَّل بِالْعَذَابِ {ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}
أَيْ جَزَاءَهُ فَلَا تَفُوتُونَنَا
5 -
(1/528)
يَا عِبَادِيَ
الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ
فَاعْبُدُونِ (56)
{يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إنَّ
أَرْضِي وَاسِعَة فاياي فاعبدون} فِي أَيّ أَرْض تَيَسَّرَتْ
فِيهَا الْعِبَادَة بِأَنْ تُهَاجِرُوا إلَيْهَا مِنْ أَرْض
لَمْ تَتَيَسَّر فِيهَا نزل في ضعفاء مسلمي مَكَّة كَانُوا فِي
ضِيق مِنْ إظْهَار الْإِسْلَام بها
5 -
(1/528)
كُلُّ نَفْسٍ
ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57)
{كُلّ نَفْس ذَائِقَة الْمَوْت ثُمَّ
إلَيْنَا تُرْجَعُونَ} بِالتَّاءِ وَالْيَاء بَعْد الْبَعْث
(1/528)
5 -
(1/529)
وَالَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ
غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ
فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58)
{وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَات لَنُبَوِّئَنَّهُمْ} نُنْزِلَنَّهُمْ وَفِي
قِرَاءَة بِالْمُثَلَّثَةِ بَعْد النُّون مِنْ الثَّوَاء
الْإِقَامَة وَتَعْدِيَته إلَى غُرَفًا بِحَذْفِ فِي {مِنْ
الْجَنَّة غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار
خَالِدِينَ} مُقَدَّرِينَ الْخُلُود {فِيهَا نِعْمَ أَجْر
الْعَامِلِينَ} هَذَا الْأَجْر
5 -
(1/529)
الَّذِينَ صَبَرُوا
وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (59)
هم {الَّذِينَ صَبَرُوا} أَيْ عَلَى أَذَى
الْمُشْرِكِينَ وَالْهِجْرَة لِإِظْهَارِ الدِّين {وَعَلَى
رَبّهمْ يَتَوَكَّلُونَ} فَيَرْزُقهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا
يَحْتَسِبُونَ
6 -
(1/529)
وَكَأَيِّنْ مِنْ
دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا
وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60)
{وَكَأَيِّنْ} كَمْ {مِنْ دَابَّة لَا
تَحْمِل رِزْقهَا} لِضَعْفِهَا {اللَّه يَرْزُقهَا
وَإِيَّاكُمْ} أَيّهَا الْمُهَاجِرُونَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ
مَعَكُمْ زَاد وَلَا نَفَقَة {وَهُوَ السَّمِيع}
لِأَقْوَالِكُمْ {الْعَلِيم} بِضَمَائِرِكُمْ
6 -
(1/529)
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ
مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ
وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61)
{وَلَئِنْ} لَام قَسَم {سَأَلْتهمْ} أَيْ
الْكُفَّار {مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَسَخَّرَ
الشَّمْس وَالْقَمَر لَيَقُولُنَّ الله فأني يؤفكون} يصرفون عن
توحيده في إقرارهم بذلك
6 -
(1/529)
اللَّهُ يَبْسُطُ
الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ
إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (62)
{اللَّه يَبْسُط الرِّزْق} يُوَسِّعهُ
{لِمَنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده} امْتِحَانًا {وَيَقْدِر}
يُضَيِّق {لَهُ} بَعْد الْبَسْط أَيْ لِمَنْ يَشَاء
ابْتِلَاءَهُ {إنَّ اللَّه بِكُلِّ شَيْء عَلِيم}
وَمِنْهُ مَحَلّ الْبَسْط وَالتَّضْيِيق
6 -
(1/529)
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ
مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ
مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ
لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (63)
{وَلَئِنْ} لَام قَسَم {سَأَلْتهمْ مَنْ
نَزَّلَ مِنْ السماء ماء فأحيا به الأرض بَعْد مَوْتهَا
لَيَقُولُنَّ اللَّه} فَكَيْفَ يُشْرِكُونَ بِهِ {قُلْ} لَهُمْ
{الْحَمْد لِلَّهِ} } عَلَى ثُبُوت الْحُجَّة عَلَيْكُمْ {بَلْ
أَكْثَرهمْ لَا يَعْقِلُونَ} تَنَاقُضهمْ فِي ذلك
6 -
(1/529)
وَمَا هَذِهِ
الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ
الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا
يَعْلَمُونَ (64)
{وَمَا هَذِهِ الْحَيَاة الدُّنْيَا إلَّا
لَهْو وَلَعِب} وَأَمَّا الْقُرْب فَمِنْ أُمُور الْآخِرَة
لِظُهُورِ ثَمَرَتهَا فِيهَا {وَإِنَّ الدَّار الْآخِرَة
لَهِيَ الْحَيَوَان} بِمَعْنَى الْحَيَاة {لَوْ كَانُوا
يَعْلَمُونَ} ذَلِكَ مَا آثَرُوا الدنيا عليها
(1/529)
6 -
(1/530)
فَإِذَا رَكِبُوا فِي
الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا
نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (65)
{فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْك دَعَوْا
اللَّه مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين} أَيْ الدُّعَاء أَيْ لَا
يَدْعُونَ مَعَهُ غَيْره لِأَنَّهُمْ فِي شِدَّة لَا
يَكْشِفهَا إلَّا هُوَ {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إلَى الْبَرّ إذَا
هُمْ يُشْرِكُونَ} بِهِ
6 -
(1/530)
لِيَكْفُرُوا بِمَا
آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (66)
{لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ} مِنْ
النِّعْمَة {وَلِيَتَمَتَّعُوا} بِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى
عِبَادَة الْأَصْنَام وَفِي قِرَاءَة بِسُكُونِ اللَّام أمر
تهديد {فسوف يعلمون} عاقبة ذلك
6 -
(1/530)
أَوَلَمْ يَرَوْا
أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ
حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ
يَكْفُرُونَ (67)
{أو لم يَرَوْا} يَعْلَمُوا {أَنَّا
جَعَلْنَا} بَلَدهمْ مَكَّة {حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّف
النَّاس مِنْ حَوْلهمْ} قَتْلًا وَسَبْيًا دُونهمْ
{أَفَبِالْبَاطِلِ} الصَّنَم {يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّه
يَكْفُرُونَ} بإشراكهم {
6 -
(1/530)
وَمَنْ أَظْلَمُ
مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ
بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى
لِلْكَافِرِينَ (68)
{وَمَنْ} أَيْ لَا أَحَد {أَظْلَم مِمَّنْ
افْتَرَى عَلَى اللَّه كَذِبًا} بِأَنْ أَشْرَكَ بِهِ {أَوْ
كَذَّبَ بِالْحَقِّ} النَّبِيّ أَوْ الْكِتَاب {لَمَّا جَاءَهُ
أَلَيْسَ فِي جَهَنَّم مَثْوًى} مَأْوًى {لِلْكَافِرِينَ} أَيْ
فِيهَا ذَلِكَ وَهُوَ مِنْهُمْ
6 -
(1/530)
وَالَّذِينَ جَاهَدُوا
فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ
الْمُحْسِنِينَ (69)
{وَاَلَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا} فِي حَقّنَا {لِنَهْدِيَنهمْ
سُبُلنَا} أي طريق السَّيْر إلَيْنَا {وَإِنَّ اللَّه لَمَعَ
الْمُحْسِنِينَ} الْمُؤْمِنِينَ بِالنَّصْرِ وَالْعَوْن |