تفسير الجلالين = 60 سُورَة الممتحنة
(1/734)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ
أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ
كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ
الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ
إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ
مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا
أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ
يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1)
{يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا
تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوّكُمْ} أَيْ كُفَّار مَكَّة
{أَوْلِيَاء تُلْقُونَ} تُوَصِّلُونَ {إلَيْهِمْ} قَصْد
النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوهمْ الَّذِي
أَسَرَّهُ إلَيْكُمْ وَوَرَّى بِحَنِينٍ {بِالْمَوَدَّةِ}
بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ كَتَبَ حَاطِب بْن أَبِي بَلْتَعَةَ
إلَيْهِمْ كِتَابًا بِذَلِكَ لِمَا لَهُ عِنْدهمْ مِنْ
الْأَوْلَاد وَالْأَهْل الْمُشْرِكِينَ فَاسْتَرَدَّهُ
النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ
أَرْسَلَهُ مَعَهُ بِإِعْلَامِ اللَّه تَعَالَى لَهُ بِذَلِكَ
وَقَبِلَ عُذْر حَاطِب فِيهِ {وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ
مِنْ الْحَقّ} أَيْ دِين الْإِسْلَام وَالْقُرْآن {يُخْرِجُونَ
الرَّسُول وَإِيَّاكُمْ} مِنْ مَكَّة بِتَضْيِيقِهِمْ
عَلَيْكُمْ {أَنْ تُؤْمِنُوا} أَيْ لِأَجْلِ أَنْ آمَنْتُمْ
{بِاَللَّهِ رَبّكُمْ إنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا}
لِلْجِهَادِ {فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي} وَجَوَاب
الشَّرْط دَلَّ عَلَيْهِ مَا قَبْله أَيْ فَلَا تَتَّخِذُوهُمْ
أَوْلِيَاء {تُسِرُّونَ إلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا
أَعْلَم بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ
يَفْعَلهُ مِنْكُمْ} أَيْ إسْرَار خَبَر النَّبِيّ إلَيْهِمْ
{فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيل} أَخْطَأَ طَرِيق الْهُدَى
وَالسَّوَاء فِي الأصل الوسط
(1/735)
إِنْ يَثْقَفُوكُمْ
يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ
أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ
تَكْفُرُونَ (2)
{إنْ يَثْقَفُوكُمْ} يَظْفَرُوا بِكُمْ
{يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إلَيْكُمْ
أَيْدِيهمْ} بِالْقَتْلِ وَالضَّرْب {وَأَلْسِنَتهمْ
بِالسُّوءِ} بالسب والشتم {وودوا} تمنوا {لو تكفرون}
(1/735)
لَنْ تَنْفَعَكُمْ
أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (3)
{لَنْ تَنْفَعكُمْ أَرْحَامكُمْ}
قَرَابَاتكُمْ {وَلَا أَوْلَادكُمْ} الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ
لِأَجْلِهِمْ أَسْرَرْتُمْ الْخَبَر مِنْ الْعَذَاب فِي
الْآخِرَة {يَوْم الْقِيَامَة يَفْصِل} بِالْبِنَاءِ
لِلْمَفْعُولِ وَالْفَاعِل {بَيْنكُمْ} وَبَيْنهمْ
فَتَكُونُونَ فِي الْجَنَّة وَهُمْ فِي جملة الكفار في النار
{والله بما تعملون بصير}
(1/735)
قَدْ كَانَتْ لَكُمْ
أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ
قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا
تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا
بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا
حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ
إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ
لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا
وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4)
{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ إِسْوَة} بِكَسْرِ
الْهَمْزَة وَضَمّهَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ قُدْوَة {حَسَنَة
فِي إبْرَاهِيم} أَيْ بِهِ قَوْلًا وَفِعْلًا {وَاَلَّذِينَ
مَعَهُ} مِنْ الْمُؤْمِنِينَ {إذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إنَّا
بُرَآء} جَمْع بَرِيء كَظَرِيفٍ {مِنْكُمْ وَمِمَّا
تَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه كَفَرْنَا بِكُمْ}
أَنْكَرْنَاكُمْ {وَبَدَا بَيْننَا وَبَيْنكُمْ الْعَدَاوَة
وَالْبَغْضَاء أَبَدًا} بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَتَيْنِ
وَإِبْدَال الثَّانِيَة وَاوًا {حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاَللَّهِ
وَحْده إلَّا قَوْل إبْرَاهِيم لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَن لَك}
مُسْتَثْنَى مِنْ أُسْوَة فَلَيْسَ لَكُمْ التَّأَسِّي بِهِ
فِي ذَلِكَ بِأَنْ تَسْتَغْفِرُوا لِلْكُفَّارِ وَقَوْله
{وَمَا أَمْلِك لَك مِنْ اللَّه} أَيْ مِنْ عَذَابه وَثَوَابه
{مِنْ شَيْء} كَنَّى بِهِ عَنْ أَنَّهُ لَا يَمْلِك لَهُ غَيْر
الِاسْتِغْفَار فَهُوَ مَبْنِيّ عَلَيْهِ مُسْتَثْنَى مِنْ
حَيْثُ الْمُرَاد مِنْهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ حَيْثُ ظَاهِره
مِمَّا يُتَأَسَّى فِيهِ {قُلْ فَمَنْ يَمْلِك لَكُمْ من الله
شيئا} واستغفاره لكم قَبْل أَنْ يَتَبَيَّن لَهُ أَنَّهُ
عَدُوّ لِلَّهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي بَرَاءَة {رَبّنَا عَلَيْك
تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْك أَنَبْنَا وَإِلَيْك الْمَصِير} مِنْ
مَقُول الْخَلِيل وَمَنْ مَعَهُ أَيْ قَالُوا
(1/735)
رَبَّنَا لَا
تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا
رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5)
{رَبّنَا لَا تَجْعَلنَا فِتْنَة
لِلَّذِينَ كَفَرُوا} أَيْ لَا تُظْهِرهُمْ عَلَيْنَا
فَيَظُنُّوا أَنَّهُمْ عَلَى الْحَقّ فَيُفْتَنُوا أَيْ
تَذْهَب عُقُولهمْ بِنَا {وَاغْفِرْ لَنَا رَبّنَا إنَّك
أَنْتَ الْعَزِيز الْحَكِيم} فِي مُلْكك وصنعك
(1/736)
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ
فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ
وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ
الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (6)
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ} يَا أُمَّة مُحَمَّد
جَوَاب قَسَم مُقَدَّر {فِيهِمْ أُسْوَة حَسَنَة لِمَنْ كَانَ}
بَدَل اشْتِمَال مِنْ كَمْ بِإِعَادَةِ الْجَار {يَرْجُوا
اللَّه وَالْيَوْم الْآخِر} أَيْ يَخَافهُمَا أَوْ يَظُنّ
الثَّوَاب وَالْعِقَاب {وَمَنْ يَتَوَلَّ} بِأَنْ يُوَالِي
الْكُفَّار {فَإِنَّ اللَّه هُوَ الْغَنِيّ} عَنْ خَلْقه
{الْحَمِيد} لأهل طاعته
(1/736)
عَسَى اللَّهُ أَنْ
يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ
مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7)
{عَسَى اللَّه أَنْ يَجْعَل بَيْنكُمْ
وَبَيْن الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ} مِنْ كُفَّار مَكَّة
طَاعَة لِلَّهِ تَعَالَى {مَوَدَّة} بِأَنْ يَهْدِيهِمْ
لِلْإِيمَانِ فَيَصِيرُوا لَكُمْ أَوْلِيَاء {وَاَللَّه
قَدِير} عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ فَعَلَهُ بَعْد فَتْح مَكَّة
{وَاَللَّه غَفُور} لَهُمْ مَا سَلَفَ {رَحِيم} بِهِمْ
(1/736)
لَا يَنْهَاكُمُ
اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ
وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ
وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ
(8)
{لَا يَنْهَاكُمْ اللَّه عَنْ الَّذِينَ
لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ} مِنْ الْكُفَّار {فِي الدِّين وَلَمْ
يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَاركُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ} بَدَل
اشْتِمَال مِنْ الَّذِينَ {وَتُقْسِطُوا} تَقْضُوا {إلَيْهِمْ}
بِالْقِسْطِ أَيْ بِالْعَدْلِ وَهَذَا قَبْل الْأَمْر
بِجِهَادِهِمْ {إنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُقْسِطِينَ} العادلين
(1/736)
إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ
اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ
وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى
إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ
فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)
{إنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّه عَنْ
الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّين وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ
دِيَاركُمْ وَظَاهَرُوا} عَاوَنُوا {عَلَى إخْرَاجكُمْ أَنْ
تُوَلُّوهُمْ} بَدَل اشْتِمَال مِنْ الَّذِينَ أي تتخذوهم
أولياء {ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون
(1/736)
1 -
(1/737)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ
مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ
بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا
تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ
وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا
وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا
آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ
الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا
أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ
وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10)
{يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا
جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَات} بِأَلْسِنَتِهِنَّ {مُهَاجِرَات}
مِنْ الْكُفَّار بَعْد الصُّلْح مَعَهُمْ فِي الْحُدَيْبِيَة
عَلَى أَنَّ مَنْ جَاءَ مِنْهُمْ إلَى الْمُؤْمِنِينَ يُرَدّ
{فَامْتَحِنُوهُنَّ} بِالْحَلِفِ عَلَى أَنَّهُنَّ مَا
خَرَجْنَ إلَّا رَغْبَة فِي الْإِسْلَام لَا بُغْضًا
لِأَزْوَاجِهِنَّ الْكُفَّار وَلَا عِشْقًا لِرِجَالٍ مِنْ
الْمُسْلِمِينَ كَذَا كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وسلم يحلفهن {والله أعلم بإيمانهم فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ}
ظَنَنْتُمُوهُنَّ بِالْحَلِفِ {مُؤْمِنَات فَلَا
تَرْجِعُوهُنَّ} تَرُدُّوهُنَّ {إلَى الْكُفَّار لَا هُنَّ
حِلّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ} أَيْ
أَعْطُوا الْكُفَّار أَزْوَاجهنَّ {مَا أَنْفَقُوا}
عَلَيْهِنَّ مِنْ الْمُهُور {وَلَا جُنَاح عَلَيْكُمْ أَنْ
تَنْكِحُوهُنَّ} بِشَرْطِهِ {إذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورهنَّ}
مُهُورهنَّ {وَلَا تَمَسَّكُوا} بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف
{بِعِصَمِ الْكَوَافِر} زَوْجَاتكُمْ لِقَطْعِ إسْلَامكُمْ
لَهَا بِشَرْطِهِ أو اللاحقات بِالْمُشْرِكِينَ مُرْتَدَّات
لِقَطْعِ ارْتِدَادهنَّ نِكَاحكُمْ بِشَرْطِهِ {وَاسْأَلُوا}
اُطْلُبُوا {مَا أَنْفَقْتُمْ} عَلَيْهِنَّ مِنْ الْمُهُور فِي
صُورَة الِارْتِدَاد مِمَّنْ تَزَوَّجْهُنَّ مِنْ الْكُفَّار
{وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا} عَلَى الْمُهَاجِرَات كَمَا
تَقَدَّمَ أَنَّهُمْ يُؤْتُونَهُ {ذَلِكُمْ حُكْم اللَّه
يَحْكُم بَيْنكُمْ} بِهِ {والله عليم حكيم}
1 -
(1/737)
وَإِنْ فَاتَكُمْ
شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ
فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا
أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ
مُؤْمِنُونَ (11)
{وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْء مِنْ
أَزْوَاجكُمْ} أَيْ وَاحِدَة فَأَكْثَر مِنْهُنَّ أَوْ شَيْء
مِنْ مُهُورهنَّ بِالذَّهَابِ {إلَى الْكُفَّار} مُرْتَدَّات
{فَعَاقَبْتُمْ} فَغَزَوْتُمْ وَغَنِمْتُمْ {فَآتُوا الَّذِينَ
ذَهَبَتْ أَزْوَاجهمْ} مِنْ الْغَنِيمَة {مِثْل مَا
أَنْفَقُوا} لِفَوَاتِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ جِهَة الْكُفَّار
{وَاتَّقُوا اللَّه الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ} وَقَدْ
فَعَلَ الْمُؤْمِنُونَ مَا أُمِرُوا بِهِ مِنْ الْإِيتَاء
لِلْكُفَّارِ وَالْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ ارْتَفَعَ هَذَا الْحُكْم
1 -
(1/737)
يَا أَيُّهَا
النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى
أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا
يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ
بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ
وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ
فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ
غَفُورٌ رَحِيمٌ (12)
{يَا أَيّهَا النَّبِيّ إذَا جَاءَك
الْمُؤْمِنَات يُبَايِعْنَك عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ
بِاَللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا
يَقْتُلْنَ أَوْلَادهنَّ} كَمَا كَانَ يَفْعَل فِي
الْجَاهِلِيَّة مِنْ وَأْد الْبَنَات أَيْ دَفْنهنَّ أَحْيَاء
خَوْف الْعَار وَالْفَقْر {وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ
يَفْتَرِينَهُ بَيْن أَيْدِيهنَّ وَأَرْجُلهنَّ} أَيْ بِوَلَدٍ
مَلْقُوط يَنْسُبْنَهُ إلَى الزَّوْج وَوُصِفَ بِصِفَةِ
الْوَلَد الْحَقِيقِيّ فَإِنَّ الْأُمّ إذَا وَضَعَتْهُ سَقَطَ
بَيْن يَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا {وَلَا يَعْصِينَك فِي} فِعْل
{مَعْرُوف} هُوَ مَا وَافَقَ طَاعَة اللَّه كَتَرْكِ
النِّيَاحَة وَتَمْزِيق الثِّيَاب وَجَزّ الشُّعُور وَشَقّ
الْجَيْب وَخَمْش الْوَجْه {فَبَايِعْهُنَّ} فَعَلَ ذَلِكَ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقَوْلِ وَلَمْ يُصَافِح
وَاحِدَة مِنْهُنَّ {واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم
(1/737)
1 -
(1/738)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ
عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ
الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ (13)
{يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا
تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّه عَلَيْهِمْ} هُمْ
الْيَهُود {قَدْ يَئِسُوا مِنْ الْآخِرَة} مِنْ ثَوَابهَا مَعَ
إيقَانهمْ بِهَا لِعِنَادِهِمْ النَّبِيّ مَعَ عِلْمهمْ
بِصِدْقِهِ {كَمَا يَئِسَ الْكُفَّار} الْكَائِنُونَ {مِنْ
أَصْحَاب الْقُبُور} أَيْ الْمَقْبُورِينَ من خير الْآخِرَة
إذْ تُعْرَض عَلَيْهِمْ مَقَاعِدهمْ مِنْ الْجَنَّة لَوْ
كَانُوا آمَنُوا وَمَا يَصِيرُونَ إلَيْهِ مِنْ النار = 61
سورة الصف
(1/738)
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا
فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ (1)
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ
وَمَا فِي الْأَرْض} أَيْ نَزَّهَهُ فَاللَّام مَزِيدَة
وَجِيءَ بِمَا دُون مِنْ تَغْلِيبًا لِلْأَكْثَرِ {وَهُوَ
الْعَزِيز} فِي مُلْكه {الْحَكِيم} فِي صُنْعه
(1/738)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2)
{يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ
تَقُولُونَ} فِي طَلَب الْجِهَاد {مَا لَا تَفْعَلُونَ} إذْ
انْهَزَمْتُمْ بأحد
(1/738)
كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ
اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)
{كَبُرَ} عَظُمَ {مَقْتًا} تَمْيِيز {عِنْد
اللَّه أَنْ تقولوا} فاعل كبر {ما لا تفعلون}
(1/738)
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ
بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4)
{إنَّ اللَّه يُحِبّ} يَنْصُر وَيُكْرِم
{الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيله صَفًّا} حَال أَيْ
صَافِّينَ {كَأَنَّهُمْ بُنْيَان مَرْصُوص} مُلْزَق بَعْضه
إلَى بَعْض ثَابِت
(1/738)
وَإِذْ قَالَ مُوسَى
لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ
أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ
اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ
الْفَاسِقِينَ (5)
{وَ} اُذْكُرْ {إذْ قَالَ مُوسَى
لِقَوْمِهِ يَا قَوْم لِمَ تُؤْذُونَنِي} قَالُوا إنَّهُ آدَر
أَيْ مُنْتَفِخ الْخُصْيَة وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَكَذَّبُوهُ
{وَقَدْ} لِلتَّحْقِيقِ {تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُول اللَّه
إلَيْكُمْ} الْجُمْلَة حَال وَالرَّسُول يُحْتَرَم {فَلَمَّا
زَاغُوا} عَدَلُوا عَنْ الْحَقّ بِإِيذَائِهِ {أَزَاغَ اللَّه
قُلُوبهمْ} أَمَالَهَا عَنْ الْهُدَى عَلَى وَفْق مَا
قَدَّرَهُ فِي الْأَزَل {وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم
الْفَاسِقِينَ} الْكَافِرِينَ فِي عِلْمه
(1/739)
وَإِذْ قَالَ عِيسَى
ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ
إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ
وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ
فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ
مُبِينٌ (6)
{و} اذكر {إذ قال عيسى بن مَرْيَم يَا
بَنِي إسْرَائِيل} لَمْ يَقُلْ يَا قَوْم لِأَنَّهُ لَمْ
يَكُنْ لَهُ فِيهِمْ قَرَابَة {إنِّي رَسُول اللَّه إلَيْكُمْ
مُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيَّ} قَبْلِي {مِنْ التَّوْرَاة
وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمه أَحْمَد}
قَالَ تَعَالَى {فَلَمَّا جَاءَهُمْ} جَاءَ أَحْمَد الْكُفَّار
{بِالْبَيِّنَاتِ} الْآيَات وَالْعَلَامَات {قَالُوا هَذَا}
أَيْ الْمَجِيء بِهِ {سِحْر} وَفِي قِرَاءَة سَاحِر أَيْ
الْجَائِي بِهِ {مُبِين} بَيِّن
(1/739)
وَمَنْ أَظْلَمُ
مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى
إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ (7)
{وَمَنْ} أَيْ لَا أَحَد {أَظْلَم} أَشَدّ
ظُلْمًا {مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّه الْكَذِب} بِنِسْبَةِ
الشَّرِيك وَالْوَلَد إلَيْهِ وَوَصْف آيَاته بِالسِّحْرِ
{وَهُوَ يُدْعَى إلَى الْإِسْلَام وَاَللَّه لَا يَهْدِي
الْقَوْم الظَّالِمِينَ} الكافرين
(1/739)
يُرِيدُونَ
لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ
نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8)
{يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا} مَنْصُوب بِأَنْ
مُقَدَّرَة وَاللَّام مَزِيدَة {نُور اللَّه} شَرْعه
وَبَرَاهِينه {بِأَفْوَاهِهِمْ} بِأَقْوَالِهِمْ إنَّهُ سِحْر
وَشِعْر وَكِهَانَة {وَاَللَّه مُتِمّ} مُظْهِر {نُوره} وَفِي
قِرَاءَة بِالْإِضَافَةِ {وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} ذَلِكَ
(1/739)
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ
رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى
الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)
{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُوله بِالْهُدَى
وَدِين الْحَقّ لِيُظْهِرهُ} يُعْلِيه {عَلَى الدِّين كُلّه}
جَمِيع الْأَدْيَان الْمُخَالِفَة لَهُ {وَلَوْ كَرِهَ
الْمُشْرِكُونَ} ذَلِكَ
1 -
(1/739)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ
تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10)
{يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ
أَدُلّكُمْ عَلَى تِجَارَة تُنْجِيكُمْ} بِالتَّخْفِيفِ
وَالتَّشْدِيد {مِنْ عَذَاب أَلِيم} مؤلم فكأنهم قالوا نعم
فقال
(1/739)
1 -
(1/740)
تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ
كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11)
{تُؤْمِنُونَ} تَدُومُونَ عَلَى الْإِيمَان
{بِاَللَّهِ وَرَسُوله وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل اللَّه
بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسكُمْ ذَلِكُمْ خَيْر لَكُمْ إنْ
كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أَنَّهُ خَيْر لَكُمْ فافعلوه
1 -
(1/740)
يَغْفِرْ لَكُمْ
ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ
ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)
{يَغْفِر} جَوَاب شَرْط مُقَدَّر أَيْ إنْ
تَفْعَلُوهُ يَغْفِر {لَكُمْ ذُنُوبكُمْ وَيُدْخِلكُمْ جَنَّات
تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار وَمَسَاكِن طَيِّبَة فِي
جَنَّات عَدْن} إقامة {ذلك الفوز العظيم}
1 -
(1/740)
وَأُخْرَى
تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ
الْمُؤْمِنِينَ (13)
{و} يؤتكم نِعْمَة {أُخْرَى تُحِبُّونَهَا
نَصْر مِنْ اللَّه وَفَتْح قَرِيب وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ}
بِالنَّصْرِ وَالْفَتْح
1 -
(1/740)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ
عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي
إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ
اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ
وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى
عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (14)
{يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصارالله}
لِدِينِهِ وَفِي قِرَاءَة بِالْإِضَافَةِ {كَمَا قَالَ} إلَخْ
الْمَعْنَى كَمَا كَانَ الْحَوَارِيُّونَ كَذَلِكَ الدَّالّ
عَلَيْهِ قال {عيسى بن مَرْيَم لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ
أَنْصَارِي إلَى اللَّه} أَيْ مَنْ الْأَنْصَار الَّذِينَ
يَكُونُونَ مَعِي مُتَوَجِّهًا إلَى نُصْرَة اللَّه {قَالَ
الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَار اللَّه} وَالْحَوَارِيُّونَ
أَصْفِيَاء عِيسَى وَهُمْ أَوَّل مَنْ آمَنَ بِهِ وَكَانُوا
اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ الْحُور وَهُوَ الْبَيَاض
الْخَالِص وَقِيلَ كَانُوا قَصَّارِينَ يُحَوِّرُونَ الثِّيَاب
أَيْ يُبَيِّضُونَهَا {فَآمَنَتْ طَائِفَة مِنْ بَنِي
إسْرَائِيل} بِعِيسَى وَقَالُوا إنَّهُ عَبْد اللَّه رُفِعَ
إلى السماء {وكفرت طائفة} لقولهم إنه بن اللَّه رَفَعَهُ
إلَيْهِ فَاقْتَتَلَتْ الطَّائِفَتَانِ {فَأَيَّدْنَا}
قَوَّيْنَا {الَّذِينَ آمَنُوا} مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ {عَلَى
عَدُوّهُمْ} الطَّائِفَة الكافرة {فأصبحوا ظاهرين} غالبين = 62
سورة الجمعة
(1/740)
يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا
فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ
الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1)
{يسبح لله} يُنَزِّههُ فَاللَّام زَائِدَة
{مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الْأَرْض} فِي ذِكْر مَا
تَغْلِيب لِلْأَكْثَرِ {الْمَلِك الْقُدُّوس} الْمُنَزَّه
عَمَّا لَا يَلِيق بِهِ {الْعَزِيز الْحَكِيم} فِي مُلْكه
وَصُنْعه
(1/741)
هُوَ الَّذِي بَعَثَ
فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ
آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ
وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ
مُبِينٍ (2)
{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ}
الْعَرَب وَالْأُمِّيّ مَنْ لَا يَكْتُب وَلَا يَقْرَأ
كِتَابًا {رَسُولًا مِنْهُمْ} هُوَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاته} الْقُرْآن
{وَيُزَكِّيهِمْ} يُطَهِّرهُمْ مِنْ الشِّرْك {وَيُعَلِّمهُمْ
الْكِتَاب} الْقُرْآن {وَالْحِكْمَة} مَا فِيهِ مِنْ
الْأَحْكَام {وَإِنْ} مُخَفَّفَة مِنْ الثَّقِيلَة وَاسْمهَا
مَحْذُوف أَيْ وَإِنَّهُمْ {كَانُوا مِنْ قَبْل} قَبْل
مَجِيئِهِ {لَفِي ضَلَال مُبِين} بَيِّن
(1/741)
وَآخَرِينَ مِنْهُمْ
لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3)
{وَآخَرِينَ} عَطْف عَلَى الْأُمِّيِّينَ
أَيْ الْمَوْجُودِينَ {مِنْهُمْ} وَالْآتِينَ مِنْهُمْ
بَعْدهمْ {لَمَّا} لَمْ {يَلْحَقُوا بِهِمْ} فِي السَّابِقَة
وَالْفَضْل {وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم} فِي ملكه وصنعه وهم
التابعة وَالِاقْتِصَار عَلَيْهِمْ كَاف فِي بَيَان فَضْل
الصَّحَابَة الْمَبْعُوث فِيهِمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْ عَدَاهُمْ مِمَّنْ بَعَثَ
إلَيْهِمْ وَآمَنُوا بِهِ مِنْ جَمِيع الْإِنْس وَالْجِنّ إلَى
يَوْم الْقِيَامَة لِأَنَّ كُلّ قَرْن خَيْر مِمَّنْ يَلِيه
(1/741)
ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ
يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ
(4)
{ذَلِكَ فَضْل اللَّه يُؤْتِيه مَنْ
يَشَاء} النَّبِيّ ومن ذكر معه {والله ذو الفضل العظيم}
(1/741)
مَثَلُ الَّذِينَ
حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ
الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ
الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي
الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5)
{مَثَل الَّذِينَ حَمِّلُوا التَّوْرَاة}
كُلِّفُوا الْعَمَل بِهَا {ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا} لَمْ
يَعْمَلُوا بِمَا فِيهَا مِنْ نَعْته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَلَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ {كَمَثَلِ الْحِمَار يَحْمِل
أَسْفَارًا} أَيْ كُتُبًا فِي عَدَم انْتِفَاعه بِهَا {بِئْسَ
مَثَل الْقَوْم الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّه}
الْمُصَدِّقَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَالْمَخْصُوص بِالذَّمِّ مَحْذُوف تَقْدِيره هَذَا الْمَثَل
{وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظالمين} الكافرين
(1/741)
قُلْ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ
لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ
كُنْتُمْ صَادِقِينَ (6)
{قُلْ يَا أَيّهَا الَّذِينَ هَادُوا إنْ
زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِنْ دُون النَّاس
فَتَمَنَّوْا الْمَوْت إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} تَعَلَّقَ
بِتَمَنَّوْا الشَّرْطَانِ عَلَى أَنَّ الْأَوَّل قَيْد فِي
الثَّانِي أَيْ إن صدقتم في زعمكم أنكم أولياء لله وَالْوَلِيّ
يُؤْثِر الْآخِرَة وَمَبْدَؤُهَا الْمَوْت فَتَمَنَّوْهُ
(1/741)
وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ
أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ
بِالظَّالِمِينَ (7)
{ولا يتمنونه أبدا بما قدمته أَيْدِيهمْ}
مِنْ كُفْرهمْ بِالنَّبِيِّ الْمُسْتَلْزِم لِكَذِبِهِمْ
{وَاَللَّه عَلِيم بِالظَّالِمِينَ} الْكَافِرِينَ
(1/742)
قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ
الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ
تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ
فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8)
{قُلْ إنَّ الْمَوْت الَّذِي تَفِرُّونَ
مِنْهُ فَإِنَّهُ} الْفَاء زَائِدَة {مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ
تُرَدُّونَ إلَى عَالِم الْغَيْب وَالشَّهَادَة} السِّرّ
وَالْعَلَانِيَة {فَيُنَبِّئكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}
فَيُجَازِيكُمْ بِهِ
(1/742)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ
الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا
الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ
(9)
{يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا
نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ} بِمَعْنَى فِي {يَوْم الْجُمُعَة
فَاسْعَوْا} فَامْضُوا {إلَى ذِكْر اللَّه} لِلصَّلَاةِ
{وَذَرُوا الْبَيْع} اُتْرُكُوا عَقْده {ذَلِكُمْ خَيْر لَكُمْ
إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أَنَّهُ خَيْر فافعلوه
1 -
(1/742)
فَإِذَا قُضِيَتِ
الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ
فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ (10)
{فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاة فَانْتَشِرُوا
فِي الْأَرْض} أَمْر إبَاحَة {وَابْتَغُوا} اُطْلُبُوا
الرِّزْق {مِنْ فَضْل اللَّه وَاذْكُرُوا اللَّه} ذِكْرًا
{كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} تَفُوزُونَ كَانَ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُب يَوْم الْجُمُعَة
فَقَدِمَتْ عِير وَضُرِبَ لِقُدُومِهَا الطَّبْل عَلَى
الْعَادَة فَخَرَجَ لَهَا النَّاس مِنْ الْمَسْجِد غَيْر
اثْنَيْ عَشَر رَجُلًا فَنَزَلَتْ
1 -
(1/742)
وَإِذَا رَأَوْا
تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ
قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ
وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11)
{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَة أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إلَيْهَا}
أَيْ التِّجَارَة لِأَنَّهَا مَطْلُوبهمْ دُون اللَّهْو
{وَتَرَكُوك} فِي الْخُطْبَة {قَائِمًا قُلْ مَا عِنْد اللَّه}
مِنْ الثَّوَاب {خَيْر} لِلَّذِينَ آمَنُوا {مِنْ اللَّهْو
وَمِنْ التِّجَارَة وَاَللَّه خَيْر الرَّازِقِينَ} يُقَال
كُلّ إنْسَان يَرْزُق عَائِلَته أَيْ مِنْ رِزْق اللَّه تعالى |