تفسير الطبري
جامع البيان ت شاكر قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ
إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ
مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ
الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ
نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51)
ابن جريج، قوله: (ارجع إلى ربك فاسأله ما
بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن) ، قال: أراد يوسف العذر قبل أن
يخرج من السجن.
* * *
وقوله: (إن ربي بكيدهن عليم) ، يقول: إن الله تعالى ذكره ذو
علم بصنيعهن وأفعالهن التي فعلن، بي ويفعلن بغيري من الناس، لا
يخفى عليه ذلك كله، وهو من ورَاء جزائهن على ذلك. (1)
* * *
وقيل: إن معنى ذلك: إن سيدي إطفير العزيز، زوج المرأة التي
راودتني عن نفسي، ذو علم ببراءتي مما قرفتني به من السوء. (2)
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ
رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا
عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ
الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ
وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) }
قال أبو جعفر: وفي هذا الكلام متروك، قد استغني بدلالة ما ذكر
عليه عنه، وهو:"فرجع الرسول إلى الملك من عند يوسف برسالته،
فدعا الملك النسوة اللاتي قطعن أيديهن وامرأة العزيز" فقال
لهن: (ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه) ، كالذي:-
19406 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: فلما
__________
(1) انظر تفسير" الكيد" فيما سلف ص: 88، تعليق: 2، والمراجع
هناك.
= وتفسير" عليم" فيما سلف من فهارس اللغة (علم) .
(2) في المطبوعة:" قذفتني به"، والصواب من المخطوطة: أي:
اتهمتني به.
(16/137)
جاء الرسول الملك من عند يوسف بما أرسله
إليه، جمع النسوة وقال: (ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه) ؟
* * *
ويعني بقوله: (ما خطبكن) ، ما كان أمركن، وما كان شأنكن= (إذ
راودتن يوسف عن نفسه) (1) = فأجبنه فقلن: (حاش لله ما علمنا
عليه من سوء قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق) ، (2) تقول:
الآن تبين الحق وانكشف فظهر، (أنا راودته عن نفسه) = وإن يوسف
لمن الصادقين في قوله: (هي راودتني عن نفسي) .
* * *
وبمثل ما قلنا في معنى: (الآن حصحص الحق) ، قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19407 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثنا معاوية،
عن علي، عن ابن عباس: (الآن حصحص الحق) ، قال: تبيّن.
19408 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا
عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (الآن حصحص
الحق) ، تبيّن.
19409- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن
أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
19410- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا
ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
19411- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن
أبي جعفر، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
__________
(1) انظر تفسير" المراودة" فيما سلف ص: 86، تعليق: 1، والمراجع
هناك.
(2) انظر تفسير" حاش الله" فيما سلف ص: 81 - 84.
(16/138)
19412 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال،
حدثنا سعيد، عن قتادة: (الآن حصحص الحق) ، الآن تبين الحق.
19413- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن
ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
19414- حدثنا الحسن بن يحيى قال،أخبرنا عبد الرزاق قال،أخبرنا
معمر، عن قتادة: (الآن حصحص الحق) ، قال: تبيّن.
19415- حدثنا الحسن بن محمد قال،حدثنا عمرو بن محمد قال، حدثنا
أسباط، عن السدي: (الآن حصحص الحق) قال: تبين.
19416- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن
السدي، مثله.
19417- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا هشيم
قال،أخبرنا جويبر، عن الضحاك، مثله.
19418- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال:
قالت راعيل امرأة إطفير العزيز: (الآن حصحص الحق) ، أي: الآن
برز الحق وتبيَّن = (أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين) ،
فيما كان قال يوسف مما ادّعَت عليه.
19419- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي
قال: قال الملك: ائتوني بهن! فقال: (ما خطبكن إذ راودتن يوسف
عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء) ، ولكن امرأة
العزيز أخبرتنا أنها راودته عن نفسه، ودخل معها البيت وحلّ
سراويله، ثم شدَّه بعد ذلك،، فلا تدري ما بدا له.
فقالت امرأة العزيز: (الآن حصحص الحق) .
19420 - حدثني يونس قال،أخبرنا ابن وهب قال،قال ابن زيد، في
قوله: (الآن حصحص الحق) ، تبين.
* * *
(16/139)
ذَلِكَ لِيَعْلَمَ
أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي
كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52)
وأصل حَصحص:"حصَّ"، ولكن قيل:"حصحص"، كما
قيل: (فَكُبْكِبُوا) ، [سورة الشعراء: 94] ، في"كبوا"،
وقيل:"كفكف" في"كف"، و"ذرذر" في"ذرّ". (1) وأصل"الحص": استئصال
الشيء، يقال منه:"حَصَّ شعره"، إذا استأصله جزًّا. وإنما أريد
في هذا الموضع بقوله: (حصحص الحق) ، (2) ذهب الباطل والكذب
فانقطع، وتبين الحق فظهر.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ
أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ
الْخَائِنِينَ (52) }
قال أبو جعفر: يعني بقوله: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب) ،
هذا الفعل الذي فعلتُه، من ردّي رسول الملك إليه، وتركي إجابته
والخروج إليه، ومسألتي إيّاه أن يسأل النسوة اللاتي قطَّعن
أيديهن عن شأنهن إذ قطعن أيديهن، إنما فعلته ليعلم أني لم أخنه
في زوجته="بالغيب"، يقول: لم أركب منها فاحشةً في حال غيبته
عني. (3) وإذا لم يركب ذلك بمغيبه، فهو في حال مشهده إياه أحرى
أن يكون بعيدًا من ركوبه، كما:-
19421- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال،يقول
يوسف: (ذلك ليعلم) ، إطفير سيده = (أني لم أخنه بالغيب) ، أني
لم أكن لأخالفه إلى أهله من حيث لا يعلمه.
__________
(1) في المخطوطة:" وردرد"، في: رد، وكأن الصواب ما في
المطبوعة. و" الذرذرة"، تفريقك الشيء وتبديدك إياه. و" ذر
الشيء"، بدده.
(2) في المطبوعة: أسقط قوله:" بقوله".
(3) انظر تفسير" الغيب" فيما سلف من فهارس اللغة (غيب) .
(16/140)
19422 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو
عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ذلك ليعلم
أني لم أخنه بالغيب) ، يوسف يقوله.
19423- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن
ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب) يوسف
يقوله: لم أخن سيِّدي.
19424-....قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن
ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب) ، قال
يوسف يقوله.
19425 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن
معمر، عن قتادة: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب) ، قال: هذا
قول يوسف.
19426- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، حدثنا هشيم،
عن إسماعيل بن سالم، عن أبي صالح، في قوله: (ذلك ليعلم أني لم
أخنه بالغيب) ، قال هو يوسف، لم يخن العزيز في امرأته.
19427- حدِثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول،
حدثنا عبيد قال، سمعت الضحاك يقول في قوله:" ذلك ليعلم أني لم
أخنه بالغيب"، هو يوسف يقول: لم أخن الملك بالغيب.
* * *
وقوله: (وأنَّ الله لا يهدي كيد الخائنين) ، يقول: فعلت ذلك
ليعلم سيدي أني لم أخنه بالغيب = (وأن الله لا يهدي كيد
الخائنين) ، يقول: وأن الله لا يسدّد صنيع من خان الأمانات،
ولا يرشد فعالهم في خيانتهموها. (1)
* * *
__________
(1) انظر تفسير" الهدى" فيما سلف من فهارس اللغة (هدى) .
= وتفسير" الكيد" فيما سلف ص: 137، تعليق 1، والمراجع هناك.
(16/141)
واتصل قوله: (ذلك ليعلم أني لم أخنه
بالغيب) ، بقول امرأة العزيز: (أنا راودته عن نفسه وإنه لمن
الصادقين) ، لمعرفة السامعين لمعناه، كاتصال قول الله:
(وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) ، بقول المرأة: (وجعلوا أعزة أهلها
أذلة) ، [سورة النمل: 34] وذلك أن قوله: (وكذلك يفعلون) ، خبر
مبتدأ، وكذلك قول فرعون لأصحابه في"سورة الأعراف"، (فَمَاذَا
تَأْمُرُونَ) ، وهو متصل بقول الملأ (يُريدُ أن يُخْرِجَكُمْ
مِنْ أرْضِكُمْ) [سورة الأعراف: 110] . (1)
* * *
__________
(1) انظر ما سلف 13: 20.
(16/142)
وَمَا أُبَرِّئُ
نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا
رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53)
القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا
أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ
إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53) }
قال أبو جعفر: يقول يوسف صلوات الله عليه: وما أبرئ نفسي من
الخطأ والزلل فأزكيها= (إن النفس لأمارة بالسوء) ، يقول: إن
النفوسَ نفوسَ العباد، تأمرهم بما تهواه، وإن كان هواها في غير
ما فيه رضا الله= (إلا ما رحم ربي) يقول: إلا أن يرحم ربي من
شاء من خلقه، فينجيه من اتباع هواها وطاعتها فيما تأمرُه به من
السوء = (إن ربي غفور رحيم) .
* * *
و"ما"في قوله: (إلا ما رحم ربي) ، في موضع نصب، وذلك أنه
استثناء منقطع عما قبله، كقوله: (ولا هُمْ يُنْقَذُونَ إلا
رَحْمَةً مِنَّا) [سورة يس: 43، 44] بمعنى: إلا أن يرحموا.
و"أن"، إذا كانت في معنى المصدر، تضارع"ما".
* * *
(16/142)
ويعني بقوله: (إن ربي غفور رحيم) ، أن الله
ذو صفح عن ذنوب من تاب من ذنوبه، بتركه عقوبته عليها وفضيحته
بها ="رحيم"، به بعد توبته، أن يعذبه عليها.
* * *
وذُكر أن يوسف قال هذا القول، من أجل أن يوسف لما قال: (ذلك
ليعلم أني لم أخنه بالغيب) ، قال ملك من الملائكة: ولا يومَ
هممت بها! فقال يوسفُ حينئذ: (وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة
بالسوء) .
* * *
وقد قيل: إن القائل ليوسف:"ولا يومَ هممت بها، فحللت سراويلك"!
هو امرأة العزيز، فأجابها يوسف بهذا الجواب.
* * *
وقيل: إن يوسف قال ذلك ابتداءً من قبل نفسه.
* * *
*ذكر من قال ذلك:
19428 - حدثنا أبو كريب قال: حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن سماك،
عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما جمع الملك النسوة فسألهن: هل
راودتن يوسف عن نفسه؟ قلن حَاشَ لله، ما علمنا عليه من سوء!
قالت امرأة العزيز: (الآن حصحص الحق) الآية. قال يوسف: (ذلك
ليعلم أني لم أخنه بالغيب) ، قال فقال له جبريل: ولا يوم هممت
بما هممت! فقال: (وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء) .
19429- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن سماك،
عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما جمع الملك النسوة، قال لهن:
أنتن راودتن يوسف عن نفسه؟ = ثم ذكر سائر الحديث، مثل حديث أبي
كريب، عن وكيع.
19430- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا عمرو قال،أخبرنا
إسرائيل
(16/143)
عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما
جمع فرعون النسوة، (1) قال: أنتن راودتن يوسف عن نفسه؟ ثم ذكر
نحوه= غير أنه قال: فغمزه جبريل، فقال: ولا حين هممت بها! فقال
يوسف: (وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء) .
19431 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال،
حدثنا أبي=، عن مسعر، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير قال: لما
قال يوسف: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب) . قال جبريل، أو
مَلَك: ولا يوم هممت بما هممت به؟ فقال: (وما أبرئ نفسي إن
النفس لأمارة بالسوء) .
19432- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا وكيع قال، حدثنا مسعر، عن
أبي حصين، عن سعيد بن جبير، بنحوه= إلا أنه قال: قال له
المَلَك: ولا حين هممت بها؟ ولم يقل:"أو جبريل"، ثم ذكر سائر
الحديث مثله.
19433- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن بشر، وأحمد بن بشير،
عن مسعر، عن أبى حصين، عن سعيد بن جبير: (ذلك ليعلم أني لم
أخنه بالغيب) ، قال فقال له الملك= أو: جبريل=: ولا حين هممت
بها؟ فقال يوسف: (وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء) .
19434 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي
سنان، عن ابن أبي الهذيل قال: لما قال يوسف: (ذلك ليعلم أني لم
أخنه بالغيب) ، قال له جبريل: ولا يوم هممت بما هممت به؟ فقال:
(وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء) .
19435- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن أبي سنان،
عن ابن أبي الهذيل، بمثله.
19436- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا عمرو قال،أخبرنا مسعر،
__________
(1) في المطبوعة:" لما جمع الملك"، وأثبت ما في المخطوطة.
(16/144)
عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، مثل حديث
ابن وكيع، عن محمد بن بشر وأحمد بن بشير سواءً.
19437 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا العلاء بن عبد الجبار، وزيد
بن حباب، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن الحسن: (ذلك ليعلم أني
لم أخنه بالغيب) ، قال له جبريل: اذكر همَّك! فقال: (وما أبرئ
نفسي إن النفس لأمارة بالسوء) .
19438 - حدثنا الحسن قال، حدثنا عفان قال، حدثنا حماد، عن
ثابت، عن الحسن: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب) قال جبريل: يا
يوسف اذكر همك! قال: (وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء) .
19439 - حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم، عن إسماعيل بن سالم، عن
أبي صالح، في قوله: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب) ، قال: هذا
قول يوسف قال: فقال له جبريل: ولا حين حللت سراويلك؟ قال فقال
يوسف: (وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء) ، الآية.
19440- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال،أخبرنا هشيم،
عن إسماعيل بن سالم، عن أبي صالح، بنحوه.
19441 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة،
قوله: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب) ذُكر لنا أن الملك الذي
كان مع يوسف، قال له: اذكر ما هممت به. قال نبي الله: (وما
أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء) .
19442- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن
معمر، عن قتادة قال: بلغني أن الملك قال له حين قال ما قال:
أتذكر همك؟ فقال: (وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا
ما رحم ربي) .
19443 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن
ابن جريج، عن عكرمة، قوله: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب) ،
قال الملك،
(16/145)
وَقَالَ الْمَلِكُ
ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ
قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54)
وطَعَن في جنبه: يا يوسف، ولا حين هممت؟
قال: فقال: (وما أبرئ نفسي) .
* * *
*ذكر من قال: قائل ذلك له المرأة.
19444- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي:
(ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب) ، قال: قاله يوسف حين جيء به،
ليعلم العزيز أنه لم يخنه بالغيب في أهله، وأن الله لا يهدي
كيد الخائنين. فقالت امرأة العزيز: يا يوسف، ولا يوم حللت
سراويلك؟ فقال يوسف: (وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء) .
* * *
* ذكر من قال: قائل ذلك يوسف لنفسه، من غير تذكير مذكّر ذكره
ولكنه تذكّر ما كان سلف منه في ذلك.
19445- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال،
حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (ذلك ليعلم أني لم
أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين) ، هو قول يوسف
لمليكه، حين أراه الله عذره، فذكر أنه قد همَّ بها وهمت به،
فقال يوسف: (وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء) ، الآية.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ
أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ
الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54) }
(16/146)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره:"وقال
الملك"، يعني ملك مصر الأكبر، وهو فيما ذكر ابن إسحاق: الوليد
بن الرّيان.
19446 - حدثنا بذلك ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عنه.
* * *
= حين تبين عذر يوسف، وعرف أمانته وعلمه، قال لأصحابه: (ائتوني
به أستخلصه لنفسي) ، يقول: أجعله من خُلصائي دون غيري.
* * *
وقوله: (فلما كلمه) ، يقول: فلما كلم الملك يوسفَ، وعرف براءته
وعِظَم أمانته قال له: إنك يا يوسف،"لدينا مكين أمين"، أي:
متمكن مما أردت، وعرض لك من حاجة قبلنا، لرفعة مكانك ومنزلتك،
لدينا = أمين على ما أؤتمنت عليه من شيء.
19447 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي
قال: لما وجد الملك له عذرًا قال: (ائتوني به أستخلصه لنفسي) .
19448 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة،
قوله: (أستخلصه لنفسي) ، يقول: أتخذه لنفسي.
19449- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي
سنان، عن ابن أبي الهذيل قال الملك: (ائتوني به أستخلصه لنفسي)
قال: قال له الملك: إني أريد أن أخلصك لنفسي، غير أني آنَفُ أن
تأكُل معي.
فقال يوسف: أنا أحق أن آنفَ، أنا ابن إسحاق= أو: أنا ابن
إسماعيل= أبو جعفر شكَّ، وفي كتابي: ابن إسحاق ذبيح الله، ابن
إبراهيم خليل الله.
19450- حدثنا ابن وكيع قال، حدثني أبي، عن سفيان، عن أبي سنان،
عن ابن أبي الهذيل بنحوه= غير أنه قال: أنا ابن إبراهيم خليل
الله، ابن إسماعيل ذبيح الله.
19451- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا
(16/147)
قَالَ اجْعَلْنِي
عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55)
سفيان، عن أبي سنان، عن عبد الله بن أبي
الهذيل قال: قال العزيز ليوسف: ما من شيء إلا وأنا أحبُّ أن
تشركني فيه، إلا أني أحب أن لا تشركني في أهلي، وأن لا يأكل
معي عَبْدي! قال: أتأنف أن آكل معك؟ فأنا أحق أن آنف منك، أنا
ابن إبراهيم خليل الله، وابن إسحاق الذبيح، وابن يعقوب الذي
ابيضت عيناه من الحزن.
19452 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا سفيان بن عقبة، عن حمزة
الزيات، عن ابن إسحاق، عن أبي ميسرة قال: لما رأى العزيز
لَبَقَ يوسف وكيسه وظَرْفه، دعاه فكان يتغدى ويتعشى معه دون
غلمانه. فلما كان بينه وبين المرأة ما كان، قالت له: تُدْنِي
هذا! مُرْهُ فليتغدَّ مع الغلمان. قال له: اذهب فتغدَّ مع
الغلمان. فقال له يوسف في وجهه: ترغب أن تأكل معي = أو تَنْكَف
(1) = أنا والله يوسف بن يعقوب نبي الله، ابن إسحاق ذبيح الله،
ابن إبراهيم خليل الله.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ
الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) }
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: قال يوسف للملك: اجعلني على
خزائن أرضك.
* * *
وهي جمع"خِزَانة".
* * *
و"الألف واللام" دخلتا في"الأرض" خلفًا من الإضافة، كما قال
الشاعر:
__________
(1) يقال:" نكف من الشيء" و" استنكف منه" بمعنى واحد.
(16/148)
(1)
والأَحْلامُ غَيْرُ عَوَازِبِ (2)
* * *
وهذا من يوسف صلوات الله عليه، مسألة منه للملك أن يولّيه أمر
طعام بلده وخراجها، والقيام بأسباب بلده، ففعل ذلك الملك به،
فيما بلغني، كما:-
19453 - حدثني يونس قال،أخبرنا ابن وهب قال،قال ابن زيد في
قوله: (اجعلني على خزائن الأرض) ، قال: كان لفرعون خزائن كثيرة
غير الطعام قال: فأسلم سلطانه كُلَّه إليه، وجعل القضاء إليه،
أمرُه وقضاؤه نافذٌ.
19454- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا إبراهيم بن المختار، عن شيبة
الضبي، في قوله: (اجعلني على خزائن الأرض) ، قال: على حفظ
الطعام (3) .
* * *
وقوله: (إني حفيظ عليم) اختلف أهل التأويل في تأويله.
فقال بعضهم: معنى ذلك: إني حفيظ لما استودعتني، عليم بما
وليتني.
*ذكر من قال ذلك:
19455 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (إني
حفيظ عليم) ، إني حافظ لما استودعتني، عالم بما وليتني. قال:
قد فعلت.
19456 - حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة
قوله: (إني حفيظ عليم) ، يقول: حفيظ لما وليت، عليم بأمره.
__________
(1) هو النابغة الذبياني.
(2) سلف البيت وتخريجه وشرحه 5: 160 /13: 106، وهو: لَهُمْ
شِيمَةٌ لَمْ يُعْطِهَا الدَّهُرْ غَيْرَهُم ... مِنَ
النَّاسِ، والأَحْلامُ غيْرُ عَوَازِبِ
(3) الأثر: 19454 -" إبراهيم بن المختار التميمي"، ممن يتقى
حديثه، وبخاصة من رواية محمد بن حميد عنه، مضى برقم: 4038،
14365، 17631.
و"شيبة الضبي"، هو" شيبة بن نعامة الضبي"،" أبو نعامة"، ضعيف
الحديث لا يحتج به، مترجم في الكبير 2 / 2 / 143، وابن أبي
حاتم 2 / 1 / 335، وميزان الاعتدال 1: 452، ولسان الميزان 3:
159.
وانظر الإسناد الآتي رقم: 19457.
(16/149)
وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا
لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ
نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ
الْمُحْسِنِينَ (56)
19457 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا إبراهيم
بن المختار، عن شيبة الضبي في قوله: (إني حفيظ عليم) يقول: إني
حفيظ لما استودعتني، عليم بسني المجاعة. (1)
* * *
وقال آخرون: إني حافظ للحساب، عليم بالألسن.
*ذكر من قال ذلك:
19458 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن الأشجعي: (إني
حفيظ عليم) ، حافظ للحساب، عليم بالألسن.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القولين عندنا بالصواب، قولُ من قال: معنى
ذلك:" إني حافظ لما استودعتني، عالم بما أوليتني"، لأن ذلك
عقيب قوله: (اجعلني على خزائن الأرض) ، ومسألته الملك استكفاءه
خزائن الأرض، فكان إعلامه بأن عنده خبرةً في ذلك وكفايته إياه،
أشبه من إعلامه حفظه الحساب، ومعرفته بالألسن. (2)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ
فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ
بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ
الْمُحْسِنِينَ (56) }
__________
(1) الأثر: 19457 - انظر بيانه في التعليق على رقم: 19454.
(2) انظر تفسير" حفيظ" فيما سلف 15: 449، تعليق: 1، والمراجع
هناك
= وتفسير" عليم" في فهارس اللغة (علم) .
(16/150)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وهكذا
وطَّأنا ليوسف في الأرض (1) = يعني أرض مصر = (يتبوأ منها حيث
يشاء) ، يقول: يتخذ من أرض مصر منزلا حيث يشاء، بعد الحبس
والضيق (2) = (نصيب برحمتنا من نشاء) ، من خلقنا، كما أصبنا
يوسف بها، فمكنا له في الأرض بعد العبودة والإسار، وبعد
الإلقاء في الجبّ = (ولا نضيع أجر المحسنين) ، يقول: ولا نبطل
جزاء عمل من أحسن فأطاع ربه، وعمل بما أمره، وانتهى عما نهاه
عنه، كما لم نبطل جزاء عمل يوسف إذ أحسن فأطاع الله. (3)
* * *
وكان تمكين الله ليوسف في الأرض كما:-
19459 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال:
لما قال يوسف للملك: (اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم)
قال الملك: قد فعلت! فولاه فيما يذكرون عمل إطفير وعزل إطفير
عما كان عليه، يقول الله: (وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ
منها حيث يشاء) ، الآية. قال: فذكر لي، والله أعلم أن إطفير
هَلَك في تلك الليالي، وأن الملك الرَّيان بن الوليد، زوَّج
يوسف امرأة إطفير راعيل، وأنها حين دخلت عليه قال: أليس هذا
خيرًا مما كنت تريدين؟ قال: فيزعمون أنها قالت: أيُّها الصديق،
لا تلمني، فإني كنت امرأة كما ترى حسنًا وجمالا ناعمةً في ملك
ودنيا، وكان صاحبي لا يأتي النساء، وكنتَ كما جعلك الله في
حسنك وهيئتك، فغلبتني نفسي على ما رأيت. فيزعمون أنه وجدَها
عذراء، فأصابها، فولدت له رجلين: أفرائيم بن يوسف، وميشا بن
يوسف.
19460 - حدثني ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي
__________
(1) انظر تفسير" التمكين" فيما سلف ص: 20، تعليق: 1، والمراجع
هناك.
(2) انظر تفسير" تبوأ" فيما سلف 15: 198، تعليق: 3، والمراجع
هناك.
(3) انظر تفسير" الأجر" و" الإحسان" فيما سلف من فهارس اللغة
(أجر) ، (حسن)
(16/151)
وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ
خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (57)
(وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث
يشاء) قال: استعمله الملك على مصر، وكان صاحب أمرها، وكان يلي
البيعَ والتجارة وأمرَها كله، فذلك قوله: (وكذلك مكنا ليوسف في
الأرض يتبوأ منها حيث يشاء) .
19461 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال،قال ابن زيد في
قوله: (يتبوأ منها حيث يشاء) قال: ملكناه فيما يكون فيها حيث
يشاء من تلك الدنيا، يصنع فيها ما يشاء، فُوِّضَتْ إليه. قال:
ولو شاء أن يجعَل فرعون من تحت يديه، ويجعله فوقه لفعل.
19462 - حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو قال،أخبرنا هشيم، عن أبي
إسحاق الكوفي، عن مجاهد قال: أسلم الملك الذي كان معه يوسف.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ
لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (57) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولثواب الله في الآخرة= (خير
للذين آمنوا) يقول: للذين صدقوا الله ورسوله، مما أعطى يوسف في
الدنيا من تمكينه له في أرض مصر = (وكانوا يتقون) ، يقول:
وكانوا يتقون الله، فيخافون عقابه في خلاف أمره واستحلال
محارمه، فيطيعونه في أمره ونهيه.
* * *
* * *
(16/152)
وَجَاءَ إِخْوَةُ
يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ
مُنْكِرُونَ (58)
القول في تأويل قوله تعالى: {وَجَاءَ
إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ
لَهُ مُنْكِرُونَ (58) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه
فعرفهم) ، يوسف، (وهم) ليوسف (منكرون) لا يعرفونه.
* * *
وكان سبب مجيئهم يوسفَ، فيما ذكر لي، كما:-
19463 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال:
لما اطمأن يوسف في ملكه، وخرج من البلاء الذي كان فيه، وخلت
السنون المخصبة التي كان أمرهم بالإعداد فيها للسنين التي
أخبرهم بها أنها كائنة، جُهد الناس في كل وجه، وضربوا إلى مصر
يلتمسون بها الميرة من كل بلدة. وكان يوسف حين رأى ما أصاب
الناس من الجهد، قد آسى بينهم، (1) وكان لا يحمل للرجل إلا
بعيرًا واحدًا، ولا يحمل للرجل الواحد بعيرين، تقسيطًا بين
الناس، وتوسيعًا عليهم، (2) فقدم إخوته فيمن قدم عليه من
الناس، يلتمسون الميرة من مصر، فعرفهم وهم له منكرون، لما أراد
الله أن يبلغ ليوسف عليه السلام فيما أراد. (3)
19464- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي،
قال: أصاب الناس الجوعُ، حتى أصاب بلادَ يعقوب التي هو بها،
فبعث بنيه إلى مصر، وأمسك أخا يوسف بنيامين ; فلما دخلوا على
يوسف عرفهم وهم له منكرون ; فلما نظر إليهم، قال: أخبروني ما
أمركم، فإني أنكر شأنكم! قالوا: نحن قوم من أرض الشأم. قال:
فما جاء بكم قالوا: جئنا نمتار طعامًا. قال:
__________
(1) في المطبوعة:" أسا بينهم"، والصواب من المخطوطة. و" آسى
بين القوم"، سوى بينهم، وجعل كل واحد أسوة لصاحبه، أي مثله.
(2) " التقسيط" التفريق، أعطى لكل امرئ قسطًا، وهو من العدل
بينهم.
(3) في المطبوعة:" ما أراد"، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب
محض.
(16/153)
وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ
بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ
أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ
الْمُنْزِلِينَ (59)
كذبتم، أنتم عيون، كم أنتم؟ قالوا: عشرة.
قال: أنتم عشرة آلاف، كل رجل منكم أمير ألف، فأخبروني خبركم.
قالوا: إنّا إخوة بنو رجل صِدِّيق، وإنا كنا اثنى عشر، وكان
أبونا يحبّ أخًا لنا، وإنه ذهب معنا البرية فهلك منا فيها،
وكان أحبَّنا إلى أبينا. قال: فإلى من سكن أبوكم بعده؟ قالوا:
إلى أخ لنا أصغر منه. قال: فكيف تخبروني أن أباكم صدِّيق، وهو
يحب الصغير منكم دون الكبير؟ ائتوني بأخيكم هذا حتى أنظر إليه
(فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون قالوا سنراود
عنه أباه وإنا لفاعلون) ، قال: فضعُوا بعضكم رهينة حتى ترجعوا.
فوضعوا شمعون.
19465- حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن
معمر، عن قتادة: (وهم له منكرون) قال: لا يعرفونه.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ
بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ
أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ
الْمُنزلِينَ (59) }
قال أبو جعفر: يقول: ولما حمَّل يوسف لإخوته أبا عرهم من
الطعام، فأوقر لكل رجل منهم بعيرَه، قال لهم: (ائتوني بأخ لكم
من أبيكم) كيما أحمل لكم بعيرًا آخر، فتزدادوا به حمل بعير
آخر، (ألا ترون أني أوفي الكيل) ، (1) فلا أبخسه
__________
(1) انظر تفسير" الإيفاء" فيما سلف 15: 492، تعليق: 1،
والمراجع هناك.
= وتفسير" الكيل" فيما سلف 15: 446، تعليق: 1، والمراجع هناك.
(16/154)
فَإِنْ لَمْ
تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا
تَقْرَبُونِ (60)
أحدًا= (وأنا خير المنزلين) ، وأنا خير من
أنزل ضيفًا على نفسه من الناس بهذه البلدة، فأنا أضيفكم. كما:
19466- حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل،
عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وأنا خير المنزلين) ، يوسف يقوله:
(1) أنا خيرُ من يُضيف بمصر.
19467- حدثني ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال:
لما جهز يوسف فيمن جهَّز من الناس، حَمَل لكل رجل منهم بعيرًا
بعدّتهم، ثم قال لهم: (ائتوني بأخ لكم من أبيكم) ، أجعل لكم
بعيرًا آخر، أو كما قال= (ألا ترون أني أوفي الكيل) ، أي: لا
أبخس الناس شيئًا= (وأنا خير المنزلين) :، أي خير لكم من غيري،
فإنكم إن أتيتم به أكرمت منزلتكم وأحسنت إليكم، وازددتم به
بعيرًا مع عدّتكم، فإني لا أعطي كلّ رجل منكم إلا بعيرًا (فإن
لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون) ، لا تقربوا بلدي.
19468- حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن
قتادة، قوله: (ائتوني بأخ لكم من أبيكم) ، يعني بنيامين، وهو
أخو يوسف لأبيه وأمه.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا
كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ (60) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل يوسف لإخوته:
(فإن لم تأتوني به) ، بأخيكم من أبيكم= (فلا كيل لكم عندي) ،
يقول: فليس لكم عندي طعام أكيله لكم= (ولا تقربون) ، يقول: ولا
تقربوا بلادي.
__________
(1) في المطبوعة:" يوسف يقول"، وأثبت ما في المخطوطة، وهو
الصواب.
(16/155)
قَالُوا سَنُرَاوِدُ
عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ (61) وَقَالَ
لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ
لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى
أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (62)
وقوله: (ولا تقربون) ، في موضع جزم بالنهي،
و"النون" في موضع نصب، وكسرت لما حذفت ياؤها، والكلام: ولا
تقربُوني.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ
أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ (61) وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ
اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ
يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ
لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (62) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال إخوة يوسف ليوسف إذ قال
لهم: (ائتوني بأخ لكم من أبيكم) : (قالوا سنراود عنه أباه) ،
ونسأله أن يخليّه معنا حتى نجيء به إليك (1) = (وإنا لفاعلون)
يعنون بذلك: وإنا لفاعلون ما قلنا لك إنا نفعله من مراودة
أبينا عن أخينا منه ولنجتهدنَّ كما:-
19469- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (وإنا
لفاعلون) ، لنجتهدنّ.
* * *
وقوله: (وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم) ، يقول تعالى
ذكره: وقال يوسف="لفتيانه"، وهم غلمانه، (2) كما:-
19470- حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن
قتادة، قوله: (وقال لفتيانه) ، أي: لغلمانه.
* * *
(اجعلوا بضاعتهم في رحالهم) ، يقول: اجعلوا أثمان الطعام التي
أخذتموها منهم (3) ="في رحالهم".
__________
(1) انظر تفسير" المراودة" فيما سلف ص: 138، تعليق: 1،
والمراجع هناك.
(2) انظر تفسير" الفتى" فيما سلف ص: 94، تعليق: 1، والمراجع
هناك.
(3) انظر تفسير" البضاعة" فيما سلف ص 4 - 7
(16/156)
= و"الرحال"، جمع"رَحْل"، وذلك جمع الكثير،
فأما القليل من الجمع منه فهو:"أرْحُل"، وذلك جمع ما بين
الثلاثة إلى العشرة.
* * *
وبنحو الذي قلنا في معنى"البضاعة"، قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19471- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد، قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:
(اجعلوا بضاعتهم في رحالهم) : أي: أوراقهم (1)
19472- حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال:
ثم أمر ببضاعتهم التي أعطاهم بها ما أعطاهم من الطعام، فجعلت
في رحالهم وهم لا يعلمون.
19473- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي
قال: وقال لفتيته وهو يكيل لهم:"اجعلوا بضاعتهم في رحالهم
لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون" إليّ.
* * *
فإن قال قائل: ولأيّةِ علة أمر يوسف فتيانه أن يجعلوا بضاعة
إخوته في رحالهم؟
قيل: يحتمل ذلك أوجهًا:
أحدها: أن يكون خَشي أن لا يكون عند أبيه دراهم، إذ كانت
السَّنة سنة جَدْب وقَحْط، فيُضِرُّ أخذ ذلك منهم به، وأحبّ أن
يرجع إليه.
= أو: أرادَ أن يتسع بها أبوه وإخوته، مع [قلّة] حاجتهم إليه،
(2) فردَّه عليهم من حيث لا يعلمون سبب ردّه، تكرمًا وتفضُّلا.
__________
(1) " الأوراق" جمع" ورق" (بفتح فكسر) ، و" ورق" (بفتحتين) ،
وهو الفضة، أو المال كله ما كان.
(2) في المخطوطة:" وأراد"، والصواب" أو" كما في المطبوعة.
والذي بين القوسين ليس في المخطوطة أيضًا، فزدته استظهارًا،
لحاجة المعنى إليه.
(16/157)
فَلَمَّا رَجَعُوا
إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ
فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ
لَحَافِظُونَ (63)
والثالث: وهو أن يكون أراد بذلك أن لا
يخلفوه الوعد في الرجوع، إذا وجدوا في رحالهم ثمن طعام قد
قبضوه وملَكهُ عليهم غيرهم، عوضًا من طعامه، (1) ويتحرّجوا من
إمساكهم ثمن طعام قد قبضوه حتى يؤدُّوه على صاحبه، فيكون ذلك
أدعى لهم إلى العود إليه.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى
أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ
فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ
لَحَافِظُونَ (63) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فلما رجع إخوة يوسف إلى أبيهم=
(قالوا يا أبانا منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا نكتل) ، يقول:
منع منا الكيل فوق الكيل الذي كِيلَ لنا، ولم يكل لكل رجُلٍ
منّا إلا كيل بعير- (فأرسل معنا أخانا) ، بنيامين يكتلَ لنفسه
كيلَ بعير آخر زيادة على كيل أباعِرِنا= (وإنا له لحافظون) ،
من أن يناله مكروه في سفره.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19474- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي:
فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا: يا أبانا إن ملك مصر أكرمنا
كرامةَ ما لو كان رجل من ولد يعقوب ما أكرمنا كرامته، وإنه
ارتهن شمعون، وقال: ائتوني بأخيكم هذا
__________
(1) في المطبوعة:" عوضًا من طعامهم"، وإنما فعل ذلك لأن معنى
الكلام خفي عليه.
وهو كلام بلا شك خفي المعنى، ومعناه: أن هذا الثمن قد ملكه
غيرهم، وغلبهم على ملكه من أعطاهم هذا الطعام عوضًا عن الثمن.
(16/158)
الذي عكف عليه أبوكم بعد أخيكم الذي هلك،
فإن لم تأتوني به فلا تقربوا بلادي. قال يعقوب: (هل آمنكم عليه
إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل فالله خير حافظًا وهو أرحم
الراحمين) ؟ قال: فقال لهم يعقوب: إذا أتيتم ملك مصر فاقرءوه
مني السلام، وقولوا: إن أبانا يصلِّي عليك، ويدعو لك بما
أوليتنا.
19475-حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال:
خرجوا حتى قدموا على أبيهم، وكان منزلهم، فيما ذكر لي بعض أهل
العلم بالعرَبات من أرض فلسطين بِغَوْرِ الشأم= وبعض يقول:
بالأولاج من ناحية الشّعب، أسفل من حِسْمى (1) = وكان صاحب
بادية له شاءٌ وإبل، فقالوا: يا أبانا، قدمنا على خير رجُلٍ،
أنزلنا فأكرم منزلنا، وكال لنا فأوفانا ولم يبخسنا، وقد أمرنا
أن نأتِيَه بأخ لنا من أبينا، وقال: إن أنتم لم تفعلوا، فلا
تقربُنِّي ولا تدخلُنّ بلدي. فقال لهم يعقوب: (هل آمنكم عليه
إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل فالله خير حافظا وهو أرحم
الراحمين) ؟
* * *
واختلفت القرأة في قراءة قوله: (نكتل) .
فقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة، وبعض أهل مكة والكوفة
(نَكْتَلْ) ، بالنون، بمعنى: نكتل نحن وهو.
* * *
وقرأ ذلك عامة قرأة أهل الكوفة:"يَكْتَلْ"، بالياء؛ بمعنى يكتل
هو لنفسه، كما نكتال لأنفسنا.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان
متفقتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيبٌ الصوابَ. وذلك أنهم
إنما أخبروا أباهم أنه منع منهم زيادةَ الكيل على عدد رءوسهم،
فقالوا: (يا أبانا مُنع منا الكيل) = ثم
__________
(1) في المخطوطة:" من حسو"، والصواب ما في المطبوعة.
(16/159)
سألوه أن يرسل معهم أخاهم ليكتال لنفسه،
فهو إذا اكتال لنفسه واكتالوا هم لأنفسهم، فقد دخل"الأخ" في
عددهم. فسواءٌ كان الخبر بذلك عن خاصة نفسه، أو عن جميعهم بلفظ
الجميع، إذ كان مفهوما معنى الكلام وما أريد به.
* * *
(16/160)
قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ
عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ
فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64)
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ هَلْ
آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ
مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ
الرَّاحِمِينَ (64) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال أبوهم يعقوب: هل آمنكم على
أخيكم من أبيكم الذي تسألوني أن أرسله معكم إلا كما أمنتكم على
أخيه يوسف من قبل؟ يقول: من قَبْلِه.
* * *
واختلفت القرأة في قراءة قوله: (فالله خير حافظا) .
فقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة وبعض الكوفيين والبصريين:
(فَاللَّهُ خَيْرٌ حفِظًا) ، بمعنى: والله خيركم حفظًا.
* * *
وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين وبعض أهل مكة: (فَاللَّهُ خَيْرٌ
حَافِظًا) بالألف على توجيه"الحافظ" إلى أنه تفسير للخير، كما
يقال:"هو خير رجلا"، والمعنى: فالله خيركم حافظًا، ثم
حذفت"الكاف والميم".
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان
متقاربتا المعنى قد قرأ بكل واحدة منهما أهل علمٍ بالقرآن،
فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وذلك أن من وصف الله بأنه خيرهم
حفظًا فقد وصفه بأنه خيرهم حافظًا، ومن
(16/160)
وَلَمَّا فَتَحُوا
مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ
قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ
إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا
وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (65)
وصفه بأنه خيرهم حافظًا، فقد وصفه بأنه
خيرهم حفظًا
* * *
= (وهو أرحم الراحمين) ، يقول: والله أرحم راحمٍ بخلقه، يرحم
ضعفي على كبر سنِّي، ووحدتي بفقد ولدي، فلا يضيعه، ولكنه يحفظه
حتى يردَّه عليَّ لرحمته.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ
وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا
أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا
وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنزدَادُ كَيْلَ
بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (65) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولما فتح إخوة يوسف متاعَهم
الذي حملوه من مصر من عند يوسف= (وجدوا بضاعتهم) ، وذلك ثمن
الطعام الذي اكتالوه منه= رُدّت إليهم، (قالوا يا أبانا ما
نبغي هذه بضاعتنا ردت إلينا) يعني أنهم قالوا لأبيهم: ماذا
نبغي؟ هذه بضاعتنا ردت إلينا! تطييبًا منهم لنفسه بما صُنع بهم
في ردِّ بضاعتهم إليهم. (1)
* * *
وإذا وُجِّه الكلام إلى هذا المعنى، كانت" ما" استفهامًا في
موضع نصب بقوله: (نبغي) .
* * *
وإلى هذا التأويل كان يوجِّهه قتادة.
19476-حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة،
قوله:
__________
(1) في المطبوعة:" ردت إليه"، والجيد ما أثبت.
(16/161)
(ما نبغي) يقول: ما نبغي وراء هذا، إن
بضاعتنا ردت إلينا، وقد أوفى لنا الكيل.
* * *
وقوله: (ونمير أهلنا) ، يقول: ونطلب لأهلنا طعامًا فنشتريه
لهم.
* * *
يقال منه:"مارَ فلانٌ أهلهَ يميرهم مَيْرًا"، ومنه قول الشاعر:
(1)
بَعَثْتُكَ مَائِرًا فَمَكَثْتَ حَوْلا ... مَتَى يَأْتِي
غِيَاثُكَ مَنْ تُغِيثُ
* * *
(ونحفظ أخانا) ، الذي ترسله معنا (ونزداد كيل بعير) ، يقول:
ونزداد على أحمالنا [من] الطعام حمل بعير (2) يكال لنا ما حمل
بعير آخر من إبلنا= (ذلك كيل يسير) ، يقول: هذا حمل يسير.
كما:-
19477-حدثني الحارث، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا حجاج، عن
ابن جريج: (ونزداد كيل بعير) قال: كان لكل رجل منهم حمل بعير،
فقالوا: أرسل معنا أخانا نزداد حمل بعير= وقال ابن جريج: قال
مجاهد: (كيل بعير) حمل حمار. قال: وهي لغة= قال القاسم: يعني
مجاهد: أن"الحمار" يقال له في بعض اللغات:"بعير".
19478- حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة
قوله: (ونزداد كيل بعير) ، يقول: حمل بعير.
19479- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (ونزداد
كيل بعير) نَعُدّ به بعيرًا مع إبلنا= (ذلك كيل يسير) .
* * *
__________
(1) لم أعرف قائله، ولم أجد البيت في مكان، وإن كنت أخالني
أعرفه.
(2) الزيادة بين القوسين يقتضيها السياق.
(16/162)
قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ
مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ
لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا
آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ
(66)
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ لَنْ
أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ
لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا
آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ
(66) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال يعقوب لبنيه: لن أرسل
أخاكم معكم إلى ملك مصر= (حتى تؤتون موثقًا من الله) ، يقول:
حتى تعطون موثقًا من الله= بمعنى"الميثاق"، وهو ما يوثق به من
يمينٍ وعهد (1) (لتأتنني به) يقول لتأتنني بأخيكم= (إلا أن
يحاط بكم) ، يقول: إلا أن يُحيط بجميعكم ما لا تقدرون معه على
أن تأتوني به. (2)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19480- حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن
ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (فلما آتوه موثقهم) ، قال: عهدهم.
19481- حدثني المثنى قال: أخبرنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله،
عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
19482- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا
ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (إلا أن يحاط بكم) :،
إلا أن تهلكوا جميعًا.
19483- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن
ابن أبي نجيح، عن مجاهد=
__________
(1) انظر تفسير" الميثاق" فيما سلف 14: 82، تعليق: 1، والمراجع
هناك.
(2) انظر تفسير" الإحاطة" فيما سلف 15: 462، تعليق: 1،
والمراجع هناك.
(16/163)
وَقَالَ يَا بَنِيَّ
لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ
مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ
شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ
وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67)
19484- قال، وحدثنا إسحاق، قال: أخبرنا عبد
الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
19485- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق، قال:
أخبرنا معمر، عن قتادة: (إلا أن يحاط بكم) ، قال: إلا أن
تغلَبوا حتى لا تطيقوا ذلك.
19486- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قوله:
(إلا أن يحاط بكم) :، إلا أن يصيبكم أمرٌ يذهب بكم جميعًا،
فيكون ذلك عذرًا لكم عندي.
* * *
وقوله: (فلما آتوه موثقهم) ، يقول: فلما أعطوه عهودهم="قال"،
يعقوب: (الله على ما نقول) ، أنا وأنتم= (وكيل) ، يقول: هو
شهيد علينا بالوفاء بما نقول جميعًا. (1)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالَ يَا بَنِيَّ لا
تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ
مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ
شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ
وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال يعقوب لبنيه لما أرادُوا
الخروج من عنده إلى مصر ليمتاروا الطعام: يا بني لا تدخلوا مصر
من طريق واحد، وادخلوا من أبواب متفرقة.
__________
(1) انظر تفسير" الوكيل" فيما سلف 15: 220، تعليق: 3، والمراجع
هناك.
(16/164)
* * *
وذكر أنه قال ذلك لهم، لأنهم كانوا رجالا لهم جمال وهيأة، (1)
فخاف عليهم العينَ إذا دخلوا جماعة من طريق واحدٍ، وهم ولد رجل
واحد، فأمرهم أن يفترقوا في الدخول إليها. كما:-
19487- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا يزيد الواسطي، عن
جويبر، عن الضحاك: (لا تدخلوا من بابٍ واحد وادخلوا من أبواب
متفرقة) ، قال: خاف عليهم العينَ.
19488- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة
قوله: (يا بنيّ لا تدخلوا من باب واحد) خشي نبيُّ الله صلى
الله عليه وسلم العينَ على بنيه، كانوا ذوي صُورة وجَمال.
19489- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن
معمر، عن قتادة: (وادخلوا من أبواب متفرقة) ، قال: كانوا قد
أوتوا صورةً وجمالا فخشي عليهم أنفُسَ الناس.
19490- حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال:
حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وقال يا بني لا
تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة) ، قال: رهب يعقوب
عليه السلام عليهم العينَ.
19491- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال،
أخبرنا عبيد بن سليمان، قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (لا
تدخلوا من باب واحد) ، خشي يعقوب على ولده العينَ.
19492- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا زيد بن الحباب، عن أبي معشر،
عن محمد بن كعب: (لا تدخلوا من باب واحد) ، قال: خشي عليهم
العين.
__________
(1) في المطبوعة:" وهيبة"، لأنها في المخطوطة:" وهمة"، غير
منقوطة، وستأتي كذلك بعد، وسأصححها دون أن أشير هذا التصحيح في
سائر المواضع.
(16/165)
19493- ... قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن
السدي قال: خاف يعقوب صلى الله عليه وسلم على بنيه العين،
فقال: (يا بني لا تدخلوا من باب واحد) . فيقال: هؤلاء لرجل
واحدٍ! ولكن ادخلوا من أبواب متفرقة.
19494- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: لما
أجمعوا الخروجَ= يعني ولد يعقوب= قال يعقوب: (يا بنيّ لا
تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة) ، خشي عليهم أعين
الناس، لهيأتهم، وأنهم لرجل واحدٍ.
* * *
وقوله: (وما أغني عنكم من الله من شيء) ، يقول: وما أقدر أن
أدفع عنكم من قضاء الله الذي قد قضاه عليكم من شيء صغير ولا
كبير، لأن قضاءه نافذ في خلقه (1) = (إن الحكم إلا لله) ،
يقول: ما القضاء والحكم إلا لله دون ما سواه من الأشياء، فإنه
يحكم في خلقه بما يشاء، فينفذ فيهم حكمه، ويقضي فيهم، ولا
يُرَدّ قضاؤه= (عليه توكلت) ، يقول: على الله توكلت فوثقت به
فيكم وفي حفظكم عليّ، حتى يردكم إليّ وأنتم سالمون معافون، لا
على دخولكم مصر إذا دخلتموها من أبواب متفرقة= (وعليه فليتوكل
المتوكلون) ، يقول: وإلى الله فليفوِّض أمورَهم المفوِّضون.
(2)
* * *
__________
(1) انظر تفسير" أغنى" فيما سلف 15: 472، تعليق: 1، والمراجع
هناك.
(2) انظر تفسير" التوكل" فيما سلف 15: 545، تعليق: 1، والمراجع
هناك.
(16/166)
وَلَمَّا دَخَلُوا
مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ
مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ
قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ
أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (68)
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَمَّا
دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي
عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلا حَاجَةً فِي نَفْسِ
يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (68) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولما دخل ولد يعقوب (من حيث
أمرهم أبوهم، وذلك دخولهم مصر من أبواب متفرقة= (ما كان يغني)
، دخولهم إياها كذلك= (عنهم) من قضاء الله الذي قضاه فيهم
فحتمه، (من شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها) ، إلا أنهم قضوا
وطرًا ليعقوب بدخولهم لا من طريق واحد خوفًا من العين عليهم،
فاطمأنت نفسه أن يكونوا أوتوا من قبل ذلك أو نالهم من أجله
مكروه. كما:-
19495- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا
ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (إلا حاجة في نفس يعقوب
قضاها) ، خيفة العين على بنيه.
19496- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل، عن
ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
19497- ... قال: أخبرنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء،
عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
19498- حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن
أبي نجيح، عن مجاهد: (إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها) ، قال:
خشية العين عليهم.
(16/167)
19499- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة، عن
ابن إسحاق قوله: (إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها) ، قال: ما
تخوَّف على بنيه من أعين الناس لهيأتهم وعِدّتهم.
* * *
وقوله: (وإنه لذو علم لما علمناه) ، يقولُ تعالى ذكره: وإن
يعقوب لذو علم لتعليمنا إياه.
* * *
وقيل: معناه وإنه لذو حفظٍ لما استودعنا صدره من العلم.
* * *
واختلف عن قتادة في ذلك:
19500- فحدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة،
قوله: (وإنه لذو علم لما علمناه) : أي: مما علمناه.
19501- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن
الزبير، عن سفيان، عن ابن أبي عروبة عن قتادة: (وإنه لذو علم
لما علمناه) ، قال: إنه لعامل بما عَلم.
19502- ... قال: المثنى قال إسحاق قال عبد الله قال سفيان:
(إنه لذو علم) ، مما علمناه. وقال: من لا يعمل لا يكون عالمًا.
* * *
= (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) ، يقول جل ثناؤه: ولكن كثيرًا
من الناس غير يعقوب، لا يعلمون ما يعلمه، لأنَّا حَرَمناه ذلك
فلم يعلمه.
* * *
(16/168)
وَلَمَّا دَخَلُوا
عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا
أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (69)
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَمَّا
دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي
أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (69)
}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولما دخل ولد يعقوب على يوسف=
(آوى إليه أخاه) ، يقول: ضم إليه أخاه لأبيه وأمه. (1)
* * *
وكان إيواؤه إياه، (2) كما:-
19503- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي:
(ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه) ، قال: عرف أخاه، فأنزلهم
منزلا وأجرى عليهم الطعام والشراب. فلما كان الليلُ جاءهم
بِمُثُل، فقال: لينم كل أخوين منكم على مِثَال. (3) فلما بقي
الغلام وحده، قال يوسف: هذا ينام معي على فراشي. فبات معه،
فجعل يوسف يشمُّ ريحه، ويضمه إليه حتى أصبح، وجعل روبيل يقول:
ما رأيْنا مثل هذا! أريحُونا منه!
19504- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: لما
دخلوا= يعني ولد يعقوب= على يوسف، قالوا: هذا أخونا الذي
أمرتَنا أن نأتيك به، قد جئناك به. فذكر لي أنه قال لهم: قد
أحسنتم وأصبتم، وستجدون ذلك عندي= أو كما قال. ثم قال: إني
أراكم رجالا وقد أردت أن أكرمكم. ودعا [صاحب]
__________
(1) انظر تفسير" الإيواء" فيما سلف 15: 422، تعليق: 1،
والمراجع هناك.
(2) كان الكلام في المطبوعة هكذا:" وكل أخوه لأبيه"، فلم يحسن
قراءة المخطوطة، فجاء بكلام لا معنى له، وكان فيها:" وكل
إيواوه إياه" غير منقوطة، وهذا صواب قراءته.
(3) " المثال" (بكسر الميم) ، وجمعه" مثل" (بضمتين) ، وهو
الفراش، وفي الحديث أنه دخل على سعد بن أبي وقاص، وفي البيت
متاع رث ومثال رث أي: فراش خلق بال. ويقال: هو النمط الذي
يفترش من مفارش الصوف الملونة.
(16/169)
ضيافته. (1) فقال: أنزل كل رجلين على حدة،
ثم أكرمهما، وأحسن ضيافتهما. ثم قال: إني أرى هذا الرجل الذي
جئتم به ليس معه ثانٍ، فسأضمه إليّ، فيكون منزله معي. فأنزلهم
رجلين رجلين في منازل شتَّى، وأنزل أخاه معه، فآواه إليه. فلما
خلا به قال إني أنا أخوك، أنا يوسف، فلا تبتئس بشيء فعلوه بنا
فيما مضى، فإن الله قد أحسن إلينا، ولا تعلمهم شيئًا مما
أعلمتك. يقول الله: (ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه قال
إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون) .
19505- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة
قوله: (ولما دخلوا على يوسف آوى الله أخاه) ، ضمه إليه،
وأنزله، وهو بنيامين.
19506- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا إسماعيل بن
عبد الكريم قال: حدثني عبد الصمد بن معقل قال: سمعت وهب بن
منبه يقول= وسئل عن قول يوسف: (ولما دخلوا على يوسف آوى الله
أخاه قال إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون) =: كيف
أصابه حين أخذ بالصُّواع، وقد كان أخبره [أنه] أخوه، (2) وأنتم
تزعمون أنه لم يزل متنكرًا لهم يكايدهم حتى رجعوا؟ فقال: إنه
لم يعترف له بالنسبة، ولكنه قال: (أنا أخوك) مكانَ أخيك
الهالك= (فلا تبتئس بما كانوا يعملون) ، يقول: لا يحزنك
مكانهُ.
* * *
وقوله: (فلا تبتئس) ، يقول: فلا تستكِنْ ولا تحزن.
* * *
__________
(1) في المطبوعة" ودعا ضافته"، ولا أجد لها وجهًا. وفي
المخطوطة كما أثبتها، ولكنه لا يستقيم إلا بالذي زدته بين
القوسين.
(2) في المطبوعة والمخطوطة:" كيف أجابه حين أخذ بالصواع، وقد
كان أخبره أخوه"، ولعل الصواب ما أثبت، مع هذه الزيادة بين
القوسين.
(16/170)
وهو:"فلا تفتعل"من"البؤس"، يقال منه:"ابتأس
يبتئس ابتئاسًا". (1)
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19507- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:
(فلا تبتئس) ، يقول: فلا تحزن ولا تيأس.
19508- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا إسماعيل بن
عبد الكريم قال، حدثني عبد الصمد قال: سمعت وهب بن منبه يقول:
(فلا تبتئس) ، يقول: لا يحزنك مكانه.
19509- حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي:
(فلا تبتئس بما كانوا يعملون) ، يقول: لا تحزن على ما كانوا
يعملون.
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام إذًا: فلا تحزن ولا تستكن لشيء
سلف من إخوتك إليك في نفسك، وفي أخيك من أمك، وما كانوا يفعلون
قبلَ اليوم بك.
* * *
__________
(1) انظر تفسير" ابتأس" فيما سلف 15: 306، 307.
(16/171)
فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ
بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ
أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ
(70)
القول في تأويل قوله تعالى: {فَلَمَّا
جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ
أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ
إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (70) }
قال أبو جعفر: يقول: ولما حمّل يوسف إبل إخوته ما حمّلها من
الميرة وقضى حاجتهم، (1) كما:-
19510- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة
__________
(1) انظر تفسير" التجهيز" و" الجهاز" فيما سلف ص: 154.
(16/171)
قوله: (فلما جهزهم بجهازهم) ، يقول: لما
قضى لهم حاجتهم ووفّاهم كيلهم.
* * *
وقوله: (جعل السقاية في رحل أخيه) ، يقول: جعل الإناء الذي
يكيلُ به الطعام في رَحْل أخيه.
* * *
و"السقاية": هي المشربة، وهي الإناء الذي كان يشرب فيه الملك
ويكيلُ به الطعام.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19511- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا عفان قال: حدثنا عبد
الواحد، عن يونس، عن الحسن: أنه كان يقول:"الصواع" و"السقاية"،
سواء، هو الإناء الذي يشرب فيه.
19512- ... قال: حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي
نجيح، عن مجاهد:"السقاية" و"الصواع"، شيء واحد،، كان يشرب فيه
يوسف.
19513- ... قال، أخبرنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء،
عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال"السقاية": "الصواع"، الذي يشرب
فيه يوسف.
19514- حدثنا محمد بن الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر،
عن قتادة: (جعل السقاية) ، قال: مشربة الملك.
19515- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:
(السقاية في رحل أخيه) ، وهو إناء الملك الذي كان يشرب فيه.
19516- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال:
حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (قالوا نفقد صواع
الملك ولمن جاء به حمل بعير) وهي"السقاية" التي كان يشرب فيها
الملك= يعني مَكُّوكه.
19517- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن
(16/172)
ابن جريج، عن مجاهد قوله: (جعل السقاية)
وقوله: (صواع الملك) ، قال: هما شيء واحد،"السقاية" و"الصواع"
شيء واحد، يشرب فيه يوسف.
19518- حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد
بن سليمان، قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (جعل السقاية في
رحل أخيه) ، هو الإناء الذي كان يشرب فيه الملك.
19519- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في
قوله: (جعل السقاية في رحل أخيه) ، قال:"السقاية" هو"الصواع"،
وكان كأسًا من ذهب، فيما يذكرون.
* * *
قوله: (في رحل أخيه) ، فإنه يعني: في متاع أخيه ابن أمه وأبيه
(1) وهو بنيامين.
وكذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19520- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:
(في رحل أخيه) أي: في متاع أخيه.
* * *
وقوله: (ثم أذّن مؤذن) ، يقول: ثم نادى منادٍ. (2)
* * *
وقيل: أعلم معلم.
* * *
= (أيتها العير) ، وهي القافلة فيها الأحمال= (إنكم لسارقون) .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
__________
(1) انظر تفسير" الرحل" فيما سلف ص: 157.
(2) انظر تفسير" أذن" فيما سلف من فهارس اللغة (أذن) .
(16/173)
*ذكر من قال ذلك:
19521- حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي:
(فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه) ، والأخ لا
يشعر. فلما ارتحلوا أذّن مؤذن قبل أن ترتحل العير: (إنكم
لسارقون) .
19522- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال، ثم
جهزهم بجهازهم، وأكرمهم وأعطاهم وأوفاهم، وحمَّل لهم بعيرًا
بعيرًا، وحمل لأخيه بعيرًا باسمه كما حمل لهم. ثم أمر بسقاية
الملك= وهو"الصواع"، وزعموا أنها كانت من فضة= فجعلت في رحل
أخيه بنيامين. ثم أمهلهم حتى إذا انطلقوا وأمعنوا من القرية،
أمر بهم فأدركوا، فاحتبسوا، ثم نادى مناد: (أيتها العير إنكم
لسارقون) ، قفوا. وانتهى إليهم رسوله فقال لهم فيما يذكرون:
ألم نكرم ضيافتكم، ونوفِّكم كيلكم، ونحسن منزلتكم، ونفعل بكم
ما لم نفعل بغيركم، وأدخلناكم علينا في بيوتنا ومنازلنا؟ = أو
كما قال لهم قالوا: بلى، وما ذاك؟ قال: سقاية الملك فقدناها،
ولا نتَّهم عليها غيركم. (قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد
في الأرض وما كنا سارقين) .
* * *
وقوله: (أيتها العير) ، قد بينا فيما مضى معنى"العير"، وهو جمع
لا واحد له من لفظه. (1)
* * *
وحكي عن مجاهد أن عير بني يعقوب كانت حميرًا.
19523- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله بن
الزبير، عن سفيان، عن ابن جريح، عن مجاهد: (أيتها العير) ،
قال: كانت حميرًا.
19524- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان
__________
(1) انظر ما سلف ص: 173.
(16/174)
قَالُوا وَأَقْبَلُوا
عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ (71) قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ
الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ
زَعِيمٌ (72)
قال: حدثني رجل، عن مجاهد، في قوله: (أيتها
العير إنكم لسارقون) ، قال: كانت العير حميرًا
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ
مَاذَا تَفْقِدُونَ (71) قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ
وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72)
}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال بنو يعقوب لما نودوا:
(أيتها العير إنكم لسارقون) ، وأقبلوا على المنادي ومن بحضرتهم
يقولون لهم: (ماذا تفقدون) ، ما الذي تفقدون؟ = (قالوا نفقد
صواع الملك) ، يقول: فقال لهم القوم: نفقد مشربة الملك.
* * *
واختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فذكر عن أبي هريرة أنه قرأه:"صَاعَ المَلِكِ"، بغير واوٍ، كأنه
وجَّهه إلى"الصاع" الذي يكال به الطعام.
* * *
وروي عن أبي رجاء أنه قرأه:"صَوْعَ المَلِكِ".
* * *
وروي عن يحيى بن يعمر أنه قرأه:"صَوْغَ المَلِكِ"، بالغين،
كأنه وجَّهه إلى أنه مصدر من قولهم:"صاغ يَصُوغ صوغًا".
* * *
وأما الذي عليه قرأة الأمصار: فَـ (صُوَاعَ المَلِكِ) ، وهي
القراءة التي لا أستجيز القراءة بخلافها لإجماع الحجة عليها.
(16/175)
* * *
و"الصواع"، هو الإناء الذي كان يوسف يكيل به الطعام. وكذلك قال
أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19525- حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا
شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في هذا الحرف:
(صواع الملك) قال: كهيئة المكُّوك. قال: وكان للعباس مثله في
الجاهلية يَشْرَبُ فيه
19526- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال،
حدثنا أبي= عن شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس
في قوله: (صواع الملك) ، قال، كان من فضة مثل المكوك. وكان
للعباس منها واحدٌ في الجاهلية.
19527- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال،
حدثنا أبي= عن شريك، عن سماك، عن عكرمة في قوله: (قالوا نفقد
صواع الملك) ، قال: كان من فضة.
19528- حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن
جبير: أنه قرأ: (صواع الملك) ، قال وكان إناءه الذي يشرب فيه،
وكان إلى الطول ما هو.
19529- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا سويد بن عمرو، عن أبي عوانة،
عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير: (صواع الملك) ، قال، المكوك
الفارسي.
19530- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا
أبو عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير قال، (صواع الملك) ،
قال، هو المكوك الفارسيّ الذي يلتقي طرفاه، كانت تشرب فيه
الأعاجم.
(16/176)
19531- ... قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا
عبد الرحمن بن مغراء، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله: (صواع
الملك) ، قال، إناء الملك الذي كان يشرب فيه.
19532- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا يحيى= يعني ابن عباد=
قال، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس
قال: (صواع الملك) ، مكّوك من فضة يشربون فيه. وكان للعباس
واحدٌ في الجاهلية.
19533- حدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر،
عن قتادة: (صواع الملك) ، إناء الملك الذي يشرب فيه.
19534- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا سعيد بن منصور قال،
حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، في قوله: (صواع
الملك) ، قال: هو المكوك الفارسي الذي يلتقي طرفاه.
19535- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن
ابن جريج، عن مجاهد قال،"الصواع"، كان يشرب فيه يوسف.
19536- حدثنا محمد بن معمر البحراني قال، حدثنا عبد الصمد بن
عبد الوارث قال، حدثنا صدقة بن عباد، عن أبيه عن ابن عباس:
(صواع الملك) ، قال، كان من نحاس.
* * *
وقوله: (ولمن جاء له حمل بعير) ، يقول: ولمن جاء بالصواع حمل
بعير من الطعام، كما:-
19537- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة
قوله: (ولمن جاء به حمل بعير) ، يقول: وقر بعير.
19538- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا
عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى: (حمل
بعير) ، قال:
(16/177)
حمل حمار= وهي لغة. (1)
19539- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن
ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال=
19540- وحدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن
أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (حمل بعير) قال: حمل حمار= وهي لغة.
19541- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا
ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
19542- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن
ابن جريج، عن مجاهد قال، قوله: (حمل بعير) قال، حمل حمار.
* * *
وقوله، (وأنا به زعيم) ، يقول: وأنا بأن أوفيّه حملَ بعير من
الطعام إذا جاءني بصواع الملك كفيلٌ.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19543- حدثني علي قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن
علي، عن ابن عباس قوله: (وأنا به زعيم) ، يقول: كفيل.
19544- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا
ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (وأنا به زعيم)
،"الزعيم"، هو المؤذّن الذي قال: (أيتها العير) .
19545- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا
__________
(1) في المطبوعة والمخطوطة:" حمل طعام" ولا معنى له، والصواب
ما أثبت، وهو تفسير لقوله:" بعير"، انظر ما سلف ص: 162، رقم:
19477، 19478، 19523، 19524 وصوبت ذلك لقوله:" وهي لغة" لأنه
زعموا ذلك لغة في الحمار، أما" الطعام"، فلا يصح أن يكون فيه
لغة يقال لها " بعير"! .
(16/178)
عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
19546- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن
ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
19547- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن بكر، وأبو خالد
الأحمر، عن ابن جريج قال: بلغني عن مجاهد، ثم ذكر نحوه.
19548- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال،
حدثنا عبد الواحد بن زياد، عن ورقاء بن إياس، عن سعيد بن جبير:
(وأنا به زعيم) ، قال: كفيل.
19549- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة،
قوله: (وأنا به زعيم) : أي: وأنا به كفيلٌ.
19550- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن
معمر، عن قتادة: (وأنا به زعيم) ، قال: كفيل.
19551- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن جويبر،
عن الضحاك: (وأنا به زعيم) ، قال: كفيل.
19552- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول:
حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك، فذكر مثله.
19553- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز، عن سفيان، عن رجل،
عن مجاهد: (وأنا به زعيم) ، قال: كفيل.
19554- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: قال لهم
الرسول: إنه من جاءنا به فله حمل بعير، وأنا به كفيلٌ بذلك حتى
أؤدّيه إليه.
* * *
ومن"الزعيم" الذي بمعنى الكفيل، قول الشاعر:
(16/179)
قَالُوا تَاللَّهِ
لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا
كُنَّا سَارِقِينَ (73)
(1)
فَلَسْتُ بِآمِرٍ فِيهَا بِسَلْمٍ ... وَلَكِنِّي عَلَى
نَفْسِي زَعِيمُ (2)
وأصل"الزعيم"، في كلام العرب: القائم بأمر القوم،
وكذلك"الكفيل" و"الحميل". ولذلك قيل: رئيس القوم زعيمهم
ومدبِّرهم. يقال منه:"قد زَعُم فلان زعامة وزَعامًا"، (3) ومنه
قول ليلى الأخيلية:
حَتَّى إذَا بَرَزَ اللِّوَاءُ رَأَيْتَهُ ... تَحْتَ
اللِّوَاءِ عَلَى الخَمِيسِ زَعِيمَا (4)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ
عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأرْضِ وَمَا كُنَّا
سَارِقِينَ (73) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال إخوة يوسف: (تالله) يعني:
والله.
* * *
وهذه التاء في (تالله) ، إنما هي"واو" قلبت"تاء" كما فعل ذلك
في"التوراة" وهي من"ورّيت"، (5) و"التُّراث"، وهي من"ورثت"،
و"التخمة"
__________
(1) هو حاجز بن عوف الأزدي السروي اللص الجاهلي، وفي مجاز
القرآن لأبي عبيدة:" وقال المؤسى الأزدي"، وأخشى أن يكون"
المؤسى" تصحيف لنسبته، وهي" السروى"، نسبة إلى" السرأة" وهي
جبال الأزد.
(2) مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 315، وبعد البيت، وفيه تمام
معناه: بِغَزْوٍ مِثْلِ وَلْغِ الذِّئْبِ حَتَّى ... يَنُوءَ
بِصَاحِبي ثَأْرٌ مُنِيمُ
وهذا البيت في لسان العرب مادة (ولغ) ، منسوبًا لحاجز اللص.
(3) قوله:" وزعامًا"، هذا المصدر مما أغفلته معاجم اللغة،
فليقيد في مكانه.
(4) اللسان (زعم) وأمالي القالي 1: 248، وسمط اللآلئ 561،
وتمام تخريجها هناك، من قصيدة لها تعرض فيها بابن الزبير، وقبل
البيت: وَمُخَرَّقِ عَنْهُ القَمِيصُ تَخَالُه ... وَسْطَ
البُيُوتِ مِنَ الحَياء سَقِيمَا.
(5) في المطبوعة:" كما فعل ذلك في التورية، وهي من وريت"،
فأساء غاية الإساءة، فضلا عما فيه من الجهالة. والصواب من
المخطوطة، و" التوراة"، وهي التي أنزلها الله على موسى، قال
الفراء في كتاب المصادر إنها" تفعلة" من" وريت"، وجرت على لغة
طئ، كقولهم في" التوصية"" توصاة" وفي" الجارية"" جاراة". وقال
البصريون:" التوراة"، أصلها" فوعلة"، مثل" الحوصلة" و"
الدوخلة" وكل ما كان على" فوعلت"، فمصدره" فوعلة"، وقلبت الواو
تاء، كما قلبت في" تولج" وأصلها" ولج".
(16/180)
وهي من"الوخامة"، قلبت الواو في ذلك كله
تاء، و"الواو" في هذه الحروف كلها من الأسماء، وليست كذلك في
(تالله) ، لأنها إنما هي واو القسم، وإنما جعلت تاء لكثرة ما
جرى على ألسن العرب في الأيمان في قولهم:"والله"، فخُصَّت في
هذه الكلمة بأن قلبت تاء. ومن قال ذلك في اسم الله
فقال:"تالله". لم يقل"تالرحمن" و"تالرحيم"، ولا مع شيء من
أسماء الله، ولا مع شيء مما يقسم به، ولا يقال ذلك إلا
في"تالله" وحده.
* * *
وقوله: (لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض) ، يقول: لقد علمتم
ما جئنا لنعصى الله في أرضكم. (1)
* * *
كذلك كان يقول جماعة من أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19555- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن
أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس، في قوله: (قالوا تالله
لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض) ، نقول: ما جئنا لنعصى في
الأرض.
* * *
فإن قال قائل: وما كان عِلْمُ من قيل له (2) (لقد علمتم ما
جئنا لنفسد في الأرض) ، بأنهم لم يجيئوا لذلك، حتى استجاز
قائلو ذلك أن يقولوه؟
قيل: استجازوا أن يقولوا ذلك لأنهم فيما ذكر ردُّوا البضاعة
التي وجدوها
__________
(1) انظر تفسير" الفساد في الأرض" فيما سلف من فهارس اللغة
(فسد) .
(2) في المطبوعة:" وما كان أعلم من قيل له"، وهو عبث وفساد،
صوابه ما في المخطوطة.
(16/181)
قَالُوا فَمَا
جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ (74) قَالُوا جَزَاؤُهُ
مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي
الظَّالِمِينَ (75)
في رحالهم، فقالوا: لو كنا سُرَّاقًا لم
نردَّ عليكم البضاعة التي وجدناها في رحالنا.
وقيل: إنهم كانوا قد عُرِفوا في طريقهم ومسيرهم أنهم لا يظلمون
أحدًا ولا يتناولون ما ليس لهم، فقالوا ذلك حين قيل لهم: (إنكم
لسارقون) .
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ
كُنْتُمْ كَاذِبِينَ (74) قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي
رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ
(75) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال أصحاب يوسف لإخوته: فما
ثواب السَّرَق إن كنتم كاذبين في قولكم (1) (ما جئنا لنفسد في
الأرض وما كنا سارقين) ؟ = (قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو
جزاؤه) .، يقول جل ثناؤه: وقال إخوة يوسف: ثواب السرق من وجد
في متاعه السرق (فهو جزاؤه) ، (2) يقول: فالذي وجد ذلك في رحله
ثوابه بأن يسلم بسَرِقته إلى من سرق منه حتى يستَرِقّه= (كذلك
نجزي الظالمين) ، يقول: كذلك نفعل بمن ظلم ففعل ما ليس له فعله
من أخذه مال غيره سَرَقًا.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19556- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (فهو
__________
(1) " السرق" (بفتحتين) ، ومصدره فعل السارق. وسوف يسمى"
المسروق"" سرقًا"، بعد قليل، وهو صحيح في العربية جيد. وهكذا
كان يقوله أئمة الفقهاء القدماء.
(2) " السرق" (بفتحتين) ، ومصدره فعل السارق. وسوف يسمى"
المسروق"" سرقًا"، بعد قليل، وهو صحيح في العربية جيد. وهكذا
كان يقوله أئمة الفقهاء القدماء.
(16/182)
جزاؤه) ، أي: سُلِّم به= (كذلك نجزي
الظالمين) ، أي: كذلك نصنع بمن سرقَ منَّا.
19557- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق،
عن معمر قال، بلغنا في قوله: (قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين)
، أخبروا يوسف بما يحكم في بلادهم أنه من سرق أخذ عبدًا،
فقالوا: (جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه) .
19558- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي:
(قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين قالوا جزاؤه من وجد في رحله
فهو جزاؤه) ، تأخذونه فهو لكم.
* * *
قال أبو جعفر: ومعنى الكلام: قالوا: ثوابُ السَّرَق الموجودُ
في رحله= كأنه قيل: ثوابه استرقاق الموجود في رحله"، ثم
حذف"استرقاق"، إذ كان معروفًا معناه. ثم ابتدئ الكلام فقيل:
(هو جزاؤه كذلك نجزي الظالمين) .
* * *
وقد يحتمل وجهًا آخر: أن يكون معناه: قالوا ثوابُ السَّرق،
الذي يوجدُ السَّرق في رحله، فالسارق جزاؤه= فيكون"جزاؤه"الأول
مرفوعًا بجملة الخبر بعده، ويكون مرفوعًا بالعائد من ذكره
في"هو"، و"هو" مرافع" جزاؤه" الثاني. (1)
* * *
ويحتمل وجهًا ثالثًا: وهو أن تكون"مَنْ" جزاءً (2) وتكون
مرفوعة بالعائد من ذكره في"الهاء" التي في"رحله"، و"الجزاء"
الأول مرفوعًا بالعائد من
__________
(1) في المطبوعة:" رافع"، وأثبت ما في المخطوطة. وهذا الوجه
الثاني مكرر في المخطوطة، كتب مرتين.
(2) في المطبوعة:" جزائية"، وهو تصرف معيب.
(16/183)
فَبَدَأَ
بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا
مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ
لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ
اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي
عِلْمٍ عَلِيمٌ (76)
ذكره في"وجد"، ويكون جواب الجزاء"الفاء"
في"فهو". و"الجزاء" الثاني مرفوع ب"هو"، فيكون معنى الكلام
حينئذ: قالوا: جزاء السَّرق، من وجد السرق في رحله فهو ثوابه،
يُستَرَقُّ ويُستعبَد. (1)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ
وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ
كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي
دِينِ الْمَلِكِ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ
مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ففتش يوسف أوعيتهم ورحالهم،
طالبًا بذلك صواعَ الملك، فبدأ في تفتيشه بأوعية إخوته من
أبيه، فجعل يفتشها وعاء وِعاءً قبل وعاء أخيه من أبيه وأمه،
فإنه أخّر تفتيشه، ثم فتش آخرها وعاء أخيه، فاستخرج الصُّواع
من وعاء أخيه.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19559- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة
قوله: (فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه) ، ذكر لنا أنه كان لا
ينظر في وعاء إلا استغفر الله تأثمًا مما قذفهم به، حتى بقي
أخوه، وكان أصغر القوم، قال: ما أرى هذا أخذ شيئًا! قالوا: بلى
فاستبْرِهِ! (2) ألا وقد علموا حيث وضعوا سقايتهم
__________
(1) انظر معاني القرآن للفراء في تفسير هذه الآية، فقد ذكر هذه
الوجوه بغير هذا اللفظ.
(2) " بلى"، انظر استعمالها في غير جواب الجحد فيما سلف، في
التعليق على رقم: 16987، والمراجع هناك. وقوله" استبره" من"
الاستبراء" سهلت همزتها، وأصله: واستبرئه، و" الاستبراء" طلب
البراءة من الشيء، ما كان تهمة أو عيبًا أو قادحًا.
(16/184)
= (ثم استخرجها من وعاء أخيه) .
19560- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن
معمر، عن قتادة قال: (فاستخرجها من وعاء أخيه) ، قال: كان كلما
فتح متاعًا استغفر تائبًا مما صنع، حتى بلغ متاعَ الغلام،
فقال: ما أظن هذا أخذ شيئًا! قالوا: بلى، فاستَبْره!
19561- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن
السدي قال، (فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه) ، فلما بقي رحل
الغلام قال: ما كان هذا الغلام ليأخذه! قالوا: والله لا يترك
حتى تنظر في رحله، لنذهب وقد طابت نفسك. فأدخلَ يده فاستخرجه
من رحله. (1)
19562- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: لما
قال الرسول لهم: (ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم) ، قالوا:
ما نعلمه فينَا ولا معنَا. قال: لستم ببارحين حتى أفتّش
أمتعتكم، وأعْذِر في طلبها منكم! فبدأ بأوعيتهم وعاء وعاءً
يفتشها وينظر ما فيها، حتى مرّ على وعاء أخيه ففتشه، فاستخرجها
منه، فأخذ برقبته، فانصرف به إلى يوسف. يقول الله: (كذلك كدنا
ليوسف) .
19563- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن
ابن جريج قال: ذُكر لنا أنه كان كلما بَحَث متاع رجل منهم
استغفر ربه تأثمًا، قد علم أين موضع الذي يَطْلُب! حتى إذا بقي
أخوه، وعلم أن بغيته فيه، قال: لا أرى هذا الغلام أخذه، ولا
أبالي أن لا أبحث متاعه! قال إخوته: إنه أطيبُ لنفسك وأنفسنا
أن تستبرئ متاعه أيضًا. فلما فتح متاعه استخرج بغيته منه، قال
الله: (كذلك كدنا ليوسف) .
* * *
__________
(1) في المطبوعة:" فاستخرجها"، وأثبت ما في المخطوطة.
(16/185)
واختلف أهل العربية في الهاء والألف اللتين
في قوله: (ثم استخرجها من وعاء أخيه) .
فقال بعض نحويي البصرة: هي من ذكر"الصواع"، قال: وأنّث وقد
قال: (ولمن جاء به حمل بعير) ، لأنه عنى"الصواع". قال،
و"الصواع"، مذكر، ومنهم من يؤنث"الصواع"، وعني ههنا"السقاية"،
وهي مؤنثة. قال: وهما اسمان لواحد، مثل"الثوب" و"الملحفة"،
مذكر ومؤنث لشيءٍ واحدٍ.
* * *
وقال بعض نحويي الكوفة في قوله: (ثم استخرجها من وعاء أخيه) ،
ذهب إلى تأنيث"السرقة". قال: وإن يكن"الصواع" في معنى"الصاع
(1) فلعل هذا التأنيث من ذلك. قال، وإن شئت جعلته لتأنيث
السقاية. قال: و"الصواع" ذكر، و"الصاع" يؤنث ويذكر، فمن أنثه
قال، ثلاث أصوُع، مثل ثلاث أدور، ومن ذكره قال"أصواع"، مثل
أبواب.
* * *
وقال آخر منهم: إنما أنّث"الصواع" حين أنث لأنه أريدت
به"السقاية"، وذكّر حين ذكّر، لأنه أريد به"الصواع". قال: وذلك
مثل"الخوان" و"المائدة"، و"سنان الرمح" و"عاليته"، وما أشبه
ذلك من الشيء الذي يجتمع فيه اسمان: أحدهما مذكر، والآخر مؤنث.
* * *
وقوله: (كذلك كدنا ليوسف) ، يقول: هكذا صنعنا ليوسف، (2) حتى
يخلص أخاه لأبيه وأمه من إخوته لأبيه، بإقرارٍ منهم أن له أن
يأخذه منهم ويحتبسه في يديه، ويحول بينه وبينهم. وذلك أنهم
قالوا، إذ قيل لهم: (ما جزاؤه إن كنتم
__________
(1) في المطبوعة:" وإن لم يكن الصواع"، زاد" لم" فأفسد الكلام،
وإنما عنى أن" الصاع" يذكر ويؤنث، فمن أجل ذلك أنث" الصواع".
(2) انظر تفسير" الكيد" فيما سلف ص: 141، تعليق: 1، والمراجع
هناك.
(16/186)
كاذبين) : جزاءُ من سرق الصُّواع أن من وجد
ذلك في رحله فهو مستَرَقٌّ به، وذلك كان حكمهم في دينهم. فكاد
الله ليوسف كما وصف لنا حتى أخذ أخاه منهم، فصار عنده بحكمهم
وصُنْعِ الله له.
* * *
وقوله: (ما كان ليأخذ أخا في دين الملك إلا أن يشاء الله) ،
يقول: ما كان يوسف ليأخذ أخاه في حكم ملك مصر وقضائه وطاعته
منهم، لأنه لم يكن من حكم ذلك الملك وقضائه أن يسترقّ أحد
بالسَّرَق، فلم يكن ليوسف أخذ أخيه في حكم ملك أرضه، إلا أن
يشاء الله بكيده الذي كاده له، حتى أسلم من وجد في وعائه
الصواع إخوتُه ورفقاؤه بحكمهم عليه، وطابت أنفسهم بالتسليم.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19564- حدثنا الحسن قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن ابن
أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) ،
إلا فعلة كادها الله له، فاعتلّ بها يوسف.
19565- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا
عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
19566- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن
ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (كذلك كدنا ليوسف) كادها الله له،
فكانت علَّةً ليوسف.
19567- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن
ابن جريج، عن مجاهد: (ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء
الله) ، قال: إلا فعلة كادها الله، فاعتلّ بها يوسف= قال حدثني
حجاج، عن ابن جريج قوله: (كذلك كدنا ليوسف) ، قال، صنعنا.
(16/187)
19568- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن
أسباط، عن السدي: (كذلك كدنا ليوسف) ، يقول: صنعنا ليوسف.
19569- حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد
بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (كذلك كدنا ليوسف) ،
يقول: صنعنا ليوسف
* * *
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (ما كان ليأخذ أخاه في دين
الملك) .
فقال بعضهم: ما كان ليأخذ أخاه في سلطان الملك.
*ذكر من قال ذلك:
19570- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال،
حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (ما كان ليأخذ أخاه في
دين الملك) ، يقول: في سلطان الملك.
19571- حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ، يقول، حدثنا عبيد
بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (ما كان ليأخذ أخاه
في دين الملك) ، يقول: في سلطان الملك.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: في حكمه وقضائه.
*ذكر من قال ذلك:
19572- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة
قوله: (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله) ،
يقول: ما كان ذلك في قضاء الملك أن يستعبد رجلا بسرقة.
19573- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن
(16/188)
معمر، عن قتادة: (في دين الملك) ، قال: لم
يكن ذلك في دين الملك= قال: حكمه.
19574- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح محمد بن ليث المروزي،
عن رجل قد سماه، عن عبد الله بن المبارك، عن أبي مودود المديني
قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: (قالوا جزاؤه من وجد في
رحله فهو جزاؤه) = (كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين
الملك) ، قال: دين الملك لا يؤخذ به من سرق أصلا ولكن الله كاد
لأخيه، حتى تكلموا ما تكلموا به، فأخذهم بقولهم، وليس في قضاء
الملك. (1)
19575- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر
قال: بلغه في قوله: (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) ، قال:
كان حكم الملك أن من سَرَق ضوعف عليه الغُرْم.
19576- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدى:
(ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) ، يقول: في حكم الملك.
19577- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (ما كان
ليأخذ أخاه في دين الملك) :، أي: بظلم، ولكن الله كاد ليوسف
ليضمّ إليه أخاه.
19578- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في
قوله: (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) ، قال: ليس في دين
الملك أن يؤخذ السارق بسرقته. قال: وكان الحكم عند الأنبياء،
يعقوب وبنيه، أن يؤخذ السارق بسرقته عبدًا يسترقّ.
* * *
__________
(1) الأثر: 19574 -" محمد بن ليث المروزي"،" أبو صالح"، لم أجد
له ترجمة في شيء من المراجع التي بين يدي.
و" أبو مودود المديني" هو" عبد العزيز بن أبي سليمان الهذلي"،
كان قاصًا لأهل المدينة، كان من أهل النسك والفضل، وكان
متكلمًا يعظ، ورأى أبا سعيد الخدري وغيره من الصحابة. ثقة،
مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 384.
(16/189)
قال أبو جعفر: وهذه الأقوال وإن اختلفت
ألفاظ قائليها في معنى"دين الملك"، فمتقاربة المعاني، لأن من
أخذه في سلطان الملك عامله بعمله، فبرضاه أخذه إذًا لا بغيره،
(1) وذلك منه حكم عليه، وحكمه عليه قضاؤه.
* * *
وأصل"الدين"، الطاعة. وقد بينت ذلك في غير هذا الموضع بشواهده
بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (2)
* * *
وقوله: (إلا أن يشاء الله) كما:-
19579- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي:
(إلا أن يشاء الله) ، ولكن صنعنا له، بأنهم قالوا: (فهو جزاؤه)
.
19580- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن
ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (إلا أن يشاء الله) إلا بعلة كادَها
الله، فاعتلَّ بها يوسف.
* * *
وقوله: (نرفع درجات من نشاء) ، اختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأه بعضهم:"نَرْفَعُ دَرَجَاتِ مَنْ نَشَاءُ"
بإضافة"الدرجات" إلى"من" بمعنى: نرفع منازل من نشاء رفع منازله
ومراتبه في الدنيا بالعلم على غيره، كما رفعنا مرتبة يوسف في
ذلك ومنزلته في الدنيا على منازل إخوته ومراتبهم. (3)
* * *
وقرأ ذلك آخرون: (نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ)
بتنوين"الدرجات"، بمعني: نرفع
__________
(1) في المطبوعة:" فيريناه أخذه إذا لم يغيره"، وهو كلام مختل
لا معنى له، وهو في المخطوطة غير منقوط بعضه، وصواب قراءته إن
شاء الله ما أثبت، وأساء الناسخ في كتابته، لأنه لم يحسن
القراءة عن الأم التي نقل منها، فجعل" فبرضاه"" فيريناه"،
وجعل" لا"،" لم"، أما" بغيره" فهي غير منقوطة في المخطوطة.
(2) انظر تفسير" الدين" فيما سلف 3: 571 / 6: 273، 274، وغيرها
من المواضع في فهارس اللغة (دين) .
(3) انظر تفسير" الدرجة" فيما سلف 14: 173، تعليق: 6، والمراجع
هناك.
(16/190)
من نشاء مراتب ودرجات في العلم على غيره،
كما رفعنا يوسف. فـ"مَنْ" على هذه القراءة نصبٌ، وعلى القراءة
الأولى خفض. وقد بينا ذلك في"سورة الأنعام". (1)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19581- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال،
قال ابن جريح قوله: (نرفع درجات من نشاء) ، يوسف وإخوته، أوتوا
علمًا، فرفعنا يوسف فوقهم في العلم.
* * *
وقوله: (وفوق كل ذي علم عليم) ، يقول تعالى ذكره: وفوق كل عالم
من هو أعلم منه، حتى ينتهي ذلك إلى الله. وإنما عنى بذلك أنّ
يوسف أعلم إخوته، وأنّ فوق يوسف من هو أعلم من يوسف، حتى ينتهي
ذلك إلى الله.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19582- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا أبو عامر العقدي قال،
حدثنا سفيان، عن عبد الأعلى الثعلبي، عن سعيد بن جبير، عن ابن
عباس، أنه حدّث بحديث، فقال رجل عنده: (وفوق كل ذي علم عليم) ،
فقال ابن عباس: بئسما قلت! إن الله هو عليم، وهو فوق كل عالم.
19583- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال،
حدثنا أبي= عن سفيان، عن عبد الأعلى، عن سعيد بن جبير قال:
حدَّث ابن عباس بحديث، فقال رجل عنده: الحمد لله، (وفوق كل ذي
علم عليم) ! فقال ابن عباس: العالم الله، وهو فوق كل عالم.
__________
(1) انظر ما سلف 11: 505.
(16/191)
19584- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا
عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن عبد الأعلى، عن سعيد بن
جبير قال: كنا عند ابن عباس، فحدث حديثًا، فتعجب رجل فقال،
الحمد لله، (فوق كل ذي علم عليم) ! فقال ابن عباس: بئسما قلت:
الله العليم، وهو فوق كل عالم.
19585- حدثنا الحسن بن محمد وابن وكيع قالا حدثنا عمرو بن محمد
قال، أخبرنا إسرائيل، عن سالم، عن عكرمة، عن ابن عباس: (وفوق
كل ذي علم عليم) ، قال: يكون هذا أعلم من هذا، وهذا أعلم من
هذا، والله فوق كل عالم.
19586- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا سعيد بن منصور قال،
أخبرنا أبو الأحوص، عن عبد الأعلى، عن سعيد بن جبير، عن ابن
عباس: (وفوق كل ذي علم عليم) ، قال، الله الخبير العليم، فوق
كل عالم.
19587- حدثني المثنى قال، حدثنا عبيد الله قال، أخبرنا
إسرائيل، عن عبد الأعلى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (وفوق
كل ذي علم عليم) ، قال: الله فوق كل عالم.
19588- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال،
حدثنا أبي= عن أبي معشر، عن محمد بن كعب قال، سأل رجل عليًّا
عن مسألة، فقال فيها، فقال الرجل: ليس هكذا ولكن كذا وكذا. قال
عليٌّ: أصبتَ وأخطأتُ، (وفوق كل ذي علم عليم) .
19589- حدثني يعقوب، وابن وكيع قالا حدثنا ابن علية، عن خالد،
عن عكرمة في قوله: (وفوق كل ذي علم عليم) ، قال: علم الله فوق
كل أحد.
19590- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن نضر، عن عكرمة،
عن ابن عباس: (وفوق كل ذي علم عليم) ، قال، الله عز وجل.
(16/192)
19591- حدثنا ابن وكيع، حدثنا يعلى بن
عبيد، عن سفيان، عن عبد الأعلى، عن سعيد بن جبير: (وفوق كل ذي
علم عليم) ، قال: الله أعلم من كل أحد.
19592- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن ابن شبرمة، عن
الحسن، في قوله: (وفوق كل ذي علم عليم) ، قال: ليس عالمٌ إلا
فوقه عالم، حتى ينتهي العلم إلى الله.
19593- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا عاصم قال، حدثنا
جويرية، عن بشير الهجيمي قال: سمعت الحسن قرأ هذه الآية يومًا:
(وفوق كل ذي علم عليم) ، ثم وقف فقال: إنه والله ما أمسى على
ظهر الأرض عالم إلا فوقه من هو أعلم منه، حتى يعود العلم إلى
الذي علَّمه.
19594- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا علي، عن جرير، عن ابن
شبرمة، عن الحسن: (وفوق كل ذي علم عليم) ، قال: فوق كل عالم
عالم، حتى ينتهي العلم إلى الله.
19595- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة،
قوله: (وفوق كل ذي علم عليم) ، حتى ينتهي العلم إلى الله، منه
بدئ، وتعلَّمت العلماء، وإليه يعود. في قراءة عبد
الله:"وَفَوْقَ كُلِّ عَالِمٍ عَلِيمٌ".
* * *
قال أبو جعفر: إن قال لنا قائل: وكيف جاز ليوسف أن يجعل
السقاية في رحل أخيه، ثم يُسَرِّق قومًا أبرياء من السّرَق (1)
ويقول: (أيتها العير إنكم لسارقون) ؟
قيل: إن قوله: (أيتها العير إنكم لسارقون) ، إنما هو خبَرٌ من
الله عن مؤذِّن أذَّن به، لا خبر عن يوسف. وجائز أن يكون
المؤذِّن أذَّن بذلك إذ فَقَد
__________
(1) " يسرق"، أي ينسبهم إلى السرقة،" سرقة يسرقه" (بتشديد
الراء) ، نسبه إلى ذلك.
(16/193)
قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ
فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي
نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ
مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (77)
الصُّواع (1) ولا يعلم بصنيع يوسف. وجائز
أن يكون كان أذّن المؤذن بذلك عن أمر يوسف، واستجاز الأمر
بالنداء بذلك، لعلمه بهم أنهم قد كانوا سرقوا سَرِقةً في بعض
الأحوال، فأمر المؤذن أن يناديهم بوصفهم بالسَّرق، ويوسف يعني
ذلك السَّرق لا سَرَقهم الصُّواع. وقد قال بعض أهل التأويل: إن
ذلك كان خطأ من فعل يوسف، فعاقبه الله بإجابة القوم إيّاه: (إن
يسرق فقد سرق أخ له من قبل) ، وقد ذكرنا الرواية فيما مضى
بذلك. (2)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ
سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي
نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ
مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (77) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له
من قبل) ، يعنون أخاه لأبيه وأمه، وهو يوسف، كما:-
19596- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا
ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (إن يسرق فقد سرق أخ
له من قبل) ، ليوسف.
19597- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن
ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
19598- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن
__________
(1) في المطبوعة والمخطوطة:" أن فقد الصواع"، والصواب ما أثبت.
(2) انظر ما سلف رقم: 19559 - 19563، وذلك أنه كان يستغفر كلما
فتش وعاء من أوعيتهم، تأثمًا مما فعل. وعنى أبو جعفر أن يوسف
كان يعلم أنه مخطئ في فعله. أما جواب إخوته له، فلم يمض له ذكر
فيما سلف.
(16/194)
ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في
قوله: (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) ، قال: يعني يوسف.
19599- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن
ابن جريج، عن مجاهد: (فقد سرق أخ له من قبل) ، قال: يوسف.
* * *
وقد اختلف أهل التأويل في"السَّرَق" الذي وصفُوا به يوسف.
فقال بعضهم: كان صنمًا لجده أبي أمه، كسره وألقاء على الطريق.
*ذكر من قال ذلك:
19600- حدثنا أحمد بن عمرو البصري قال، حدثنا الفيض بن الفضل
قال، حدثنا مسعر، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير: (إن يسرق فقد
سرق أخ له من قبل) ، قال: سرق يوسف صَنَمًا لجده أبي أمه، كسره
وألقاه في الطريق، فكان إخوته يعيبونه بذلك. (1)
19601- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن
معمر، عن قتادة: (فقد سرق أخ له من قبل) ذكر أنه سرق صنمًا
لجده أبي أمه، فعيَّروه بذلك.
19602- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة،
قوله: (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) : أرادوا بذلك عيبَ نبيّ
الله يوسف. وسرقته التي عابوه بها، صنم كان لجده أبي أمه،
فأخذه، إنما أراد نبيُّ الله بذلك الخير، فعابوه.
19603- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن
__________
(1) الأثر: 19600" أحمد بن عمرو البصري"، شيخ الطبري، مضى
برقم: 9875، 13928، والكلام عنه في الرقم الأول.
و" الفيض بن الفضل البجلي الكوفي"، مترجم في الكبير 4 / 1 /
140، وابن أبي حاتم 3 / 2 / 88، ولم يذكرا فيه جرحًا. وكان في
المطبوعة:" العيص" وأخطأ لأن المخطوطة واضحة هناك كما أثبتها.
وهذا الخبر، رواه أبو جعفر في تاريخه 1: 182.
(16/195)
ابن جريج في قوله: (إن يسرق فقد سرق أخ له
من قبل) ، قال: كانت أمّ يوسف أمرت يوسف يسرق صنمًا لخاله
يعبده، وكانت مسلمةً.
* * *
وقال آخرون في ذلك ما:-
19604- حدثنا به أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، سمعت أبي
قال: كان بنو يعقوب على طعام، إذْ نظرَ يوسف إلى عَرْق فخبأه،
(1) فعيّروه بذلك (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) . (2)
* * *
وقال آخرون في ذلك بما:-
19605- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة عن ابن إسحاق، عن عبد
الله بن أبي نجيح، عن مجاهد أبي الحجاج قال: كان أوّل ما دخل
على يوسف من البلاء، فيما بلغني أن عَمَّته ابنة إسحاق، وكانت
أكبر ولد إسحاق، وكانت إليها [صارت] منطقة إسحاق (3) وكانوا
يتوارثونها بالكبر، فكان من اختانها ممن وليها (4) كان له
سَلَمًا لا ينازع فيه، (5) يصنع فيه ما شاء. وكان يعقوب حين
وُلِد له يوسف، كان قد حضَنه عَمَّتَهُ (6) فكان معها وإليها،
فلم يحبَّ أحدٌ شيئًا من الأشياء حُبَّهَا إياه. حتى إذا ترعرع
وبلغ سنواتٍ، ووقعت نفس
__________
(1) في المطبوعة والمخطوطة:" اضطر يوسف إلى عرق"، وهو خطأ محض،
وإنما وصل الكاتب" إذ" بقوله بعده" نظر". و" العرق" (بفتح
فسكون) : العظم عليه اللحم. فإن لم يكن عليه لحم، فهو" عراق"
(بضم العين) .
(2) الأثر: 19604 - رواه أبو جعفر في تاريخه 1: 182، مطولا.
(3) الزيادة بين القوسين من تاريخ الطبري.
(4) في المطبوعة:" فكان من اختص بها"، غير ما في المخطوطة،
فأفسد الكلام وأسقطه. والصواب منها ومن التاريخ." اختانها"،
سرقها.
(5) " السلم" (بفتحتين) انقياد المذعن المستخذى، كالأسير الذي
لا يمتنع ممن أسره، يقال:" أخذه سلمًا"، إذا أسره من غير حرب،
فجاء به منقادًا لا يمتنع.
(6) في المطبوعة:" قد كان حضنته عمته"، وأثبت ما في التاريخ.
وأما المخطوطة، فهي غير منقوطة.
وقوله:" حضنه عمته" فهو هنا فعل متعد إلى مفعولين، وليس هذا
المتعدي مما ذكرته كتب اللغة. وإنما ذكر" حضنت المرأة الصبي"،
إذا وكلت به تحفظه وتربيه، وهي" الحاضنة"، تضم إليها الطفل
فتكفله. وهذا المتعدي إلى مفعولين، صحيح عريق في قياس العربية،
بمعنى: أعطاها إياه لتحضنه. وهذا مما يزاد عليها إن شاء الله.
(16/196)
يعقوب عليه، (1) أتاها فقال، يا أخيَّة
سلّمي إليّ يوسف، فوالله ما أقدر على أن يغيب عني ساعة! قالت:
فوالله ما أنا بتاركته، (2) والله ما أقدر أن يغيب عني ساعة!
(3) قال: فوالله ما أنا بتاركه! قالت: فدعه عندي أيامًا أنظرْ
إليه وأسكن عنه، لعل ذلك يسلّيني عنه= أو كما قالت. فلما خرج
من عندها يعقوب عمدت إلى مِنْطقة إسحاق فحزمتها على يوسف من
تحت ثيابه، ثم قالت: لقد فقدت مِنْطقة إسحاق، فانظروا من أخذها
ومن أصابها؟ فالتُمِسَتْ، ثم قالت: كشِّفوا أهل البيت! (4)
فكشفوهم، فوجدوها مع يوسف، فقالت: والله إنه لي لسَلَمٌ، أصنع
فيه ما شئت. قال: وأتاها يعقوب فأخبرته الخبر، فقال لها: أنت
وذاك إن كان فعل ذلك، فهو سَلَمٌ لك، ما أستطيع غير ذلك.
فأمسكته فما قدر عليه حتى ماتت. قال: فهو الذي يقول إخوة يوسف
حين صنع بأخيه ما صنع حين أخذه: (إن يسرق فقد سرق أخ له من
قبل) . (5)
= قال ابن حميد. قال ابن إسحاق: لما رأى بنو يعقوب ما صنع
إخْوة يوسف، ولم يشكُّوا أنه سرق، قالوا= أسفًا عليه، لما دخل
عليهم في أنفسهم (6) تأنيبًا له: (إن يسرق فقد سرق أخ له من
قبل) . فلما سمعها يوسف قال: (أنتم شر مكانًا) ،
__________
(1) في والمطبوعة المخطوطة:" وقعت" بغير واو، والصواب إثباتها،
كما في تاريخ الطبري وقوله:" وقعت نفسه عليه"، أي اشتاق إليه
شديدا. وهذا مجاز لم تذكره معاجم اللغة، وهو في غاية الحسن
والدقة وبلاغة الأداء عن النفس وانظر بعد قوله:" ما أقدر على
أن يغيب عني ساعة"، فهو دليل على المعنى الذي استظهرته.
(2) في المطبوعة:" فقالت: والله ... " غير ما في المخطوطة، وهو
الموافق لما في تاريخ الطبري أيضًا.
(3) قولها:" والله ما أقدر ... "، ليست في تاريخ الطبري، فهي
زيادة في المخطوطة.
(4) في المطبوعة:" اكشفوا"، وأثبت ما في المخطوطة والتاريخ.
(5) الأثر: 19605 - إلى هذا الموضع، رواه أبو جعفر في تاريخه
1: 170.
(6) في المطبوعة والمخطوطة:" أسفًا عليهم"، وهو لا يكاد
يستقيم، وكان في المخطوطة أيضًا:" في أنفسنا"، فصححها في
المطبوعة، وأصاب.
(16/197)
سِرًّا في نفسه (ولم يبدها لهم) = (والله
أعلم بما تصفون) .
* * *
وقوله: (فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانًا
والله أعلم بما تصفون) ، يعني بقوله: (فأسرها) ، فأضمرها. (1)
* * *
وقال: (فأسرها) فأنث، لأنه عنى بها"الكلمة"، وهي:" (أنتم شر
مكانًا والله أعلم بما تصفون. ولو كانت جاءت بالتذكير كان
جائزًا، كما قيل: (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ) [سورة
هود:49] ، و (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى) ، [سورة
هود:100]
* * *
وكنى عن"الكلمة". ولم يجر لها ذكر متقدِّم. والعرب تفعل ذلك
كثيرًا، إذا كان مفهومًا المعنى المرادُ عند سامعي الكلام.
وذلك نظير قول حاتم الطائي:
أَمَاوِيَّ مَا يُغْنِي الثَّرَاءُ عَنِ الْفَتَى ... إِذَا
حَشْرَجَتْ يَوْمًا وَضَاقَ بهَا الصَّدْرُ (2)
__________
(1) انظر تفسير" الإسرار" فيما سلف ص: 7، تعليق، والمراجع
هناك.
(2) ديوانه: 39، وغيره، من قصيدته المشهورة، يقول بعده، وهو من
رائع الشعر: إذَا أنَا دَلاَّني الَّذِينَ أُحِبُّهُمْ ...
بِمَلْحُودةٍ زَلْخٍ، جَوَانِبُهَا غُبْرُ
وَرَاحُوا عِجَالاً ينفُضُونَ أكُفَّهُمْ ... يَقُولُونَ: قَدْ
دَمَّى أَنَامِلَنَا الحفْرُ!.
" ملحودة"، يعني قبرًا قد لحد له. و" زلخ"، ملساء، يزل نازلها
فيتردى فيها.
(16/198)
يريد: وضاق بالنفس الصدر= فكنى عنها ولم
يجر لها ذكر، إذ كان في قوله:"إذا حشرَجَت يومًا"، دلالة لسامع
كلامه على مراده بقوله:"وضاق بها". ومنه قول الله: (ثُمَّ
إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا
ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا
لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [سورة النحل:110] ، فقال:"من بعدها"، ولم
يجر قبل ذلك ذكر لاسم مؤنث.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19606- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:
(فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم) ، أما الذي أسرَّ في نفسه
فقوله: (أنتم شر مكانًا والله أعلم بما تصفون) .
19607- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن
معمر، عن قتادة: (فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم
شر مكانًا والله أعلم بما تصفون) ، قال هذا القول.
19608- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال،
حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (فأسرها يوسف في نفسه
ولم يبدها لهم) ، يقول: أسرَّ في نفسه قوله: (أنتم شر مكانًا
والله أعلم بما تصفون) .
* * *
وقوله: (والله أعلم بما تصفون) ، يقول: والله أعلم بما تكذبون
فيما تصفون به أخاه بنيامين. (1)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
__________
(1) انظر تفسير" الوصف" فيما سلف: 15: 586، تعليق: 1، والمراجع
هناك.
(16/199)
19609- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا
شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله:
(أنتم شر مكانًا والله أعلم بما تصفون) ، يقولون: يوسف يقوله.
19610- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا
عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
19611- حدثني المثنى قال، أخبرنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله،
عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
19612- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:
(والله أعلم بما تصفون) ، أي: بما تكذبون.
* * *
قال أبو جعفر: فمعنى الكلام إذًا: فأسرها يوسف في نفسه ولم
يبدها لهم، قال: أنتم شرّ عند الله منزلا ممن وصفتموه بأنه
سرق، وأخبث مكانًا بما سلف من أفعالكم، والله عالم بكذبكم، وإن
جهله كثيرٌ ممن حضرَ من الناس.
* * *
وذكر أن الصّواع لما وُجد في رحل أخي يوسف تلاوَمَ القوم
بينهم، كما:-
19613- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي
قال: لما استخرجت السرقة من رحل الغلام انقطعت ظهورهم، وقالوا:
يا بني راحيل، ما يزال لنا منكم بلاء! متى أخذت هذا الصوع؟ (1)
فقال بنيامين: بل بنو راحيل الذين لا يزال لهم منكم بلاء،
ذهبتم بأخي فأهلكتموه في البرية! وضَع هذا الصواع في رحلي،
الذي وضع الدراهم في رحالكم! فقالوا: لا تذكر الدراهم فنؤخذ
بها! فلما دخلوا على يوسف دعا بالصواع فنقرَ فيه، ثم أدناه من
أذنه، ثم قال، إن صواعى هذا ليخبرني أنكم كنتم اثني عشر رجلا
وأنكم انطلقتم
__________
(1) في المطبوعة:" حتى أخذت"، والصواب من المخطوطة والتاريخ.
(16/200)
بأخٍ لكم فبعتموه. فلما سمعها بنيامين، قام
فسجد ليوسف، ثم قال، أيها الملك، سل صواعك هذا عن أخي، أحيٌّ
هو؟ (1) فنقره، ثم قال، هو حيٌّ، وسوف تراه. قال، فاصنع بي ما
شئت، فإنه إن علم بي فسوف يستنقذني. قال، فدخل يوسف فبكى، ثم
توضَّأ، ثم خرج فقال بنيامين: أيها الملك إني أريد أن تضرب
صُواعك هذا فيخبرك بالحقّ، فسله من سرقه فجعله في رحلي؟ فنقره
فقال: إن صواعي هذا غضبان، وهو يقول: كيف تسألني مَنْ صاحبي،
(2) وقد رأيتَ مع من كنت؟ (3) قال: وكان بنو يعقوب إذا غضبوا
لم يطاقُوا، فغضب روبيل، وقال: أيها الملك، والله لتتركنا أو
لأصيحنَّ صيحة لا يبقى بمصر امرأةٌ حامل إلا ألقت ما في بطنها!
وقامت كل شعرة في جسد رُوبيل، فخرجت من ثيابه، فقال يوسف
لابنه: قم إلى جنب روبيل فمسَّه. وكان بنو يعقوب إذا غضب أحدهم
فمسَّه الآخر ذهب غضبه، فمر الغلام إلى جنبه فمسَّه، فذهب
غضبه، فقال روبيل: مَنْ هذا؟ إن في هذا البلد لبَزْرًا من
بَزْر يعقوب! (4) فقال يوسف: من يعقوب؟ فغضب روبيل فقال: يا
أيها الملك لا تذكر يعقوب، فإنه سَرِيُّ الله، (5) ابن ذبيح
الله، ابن خليل الله. قال يوسف: (6) أنت إذًا كنت صادقًا. (7)
* * *
__________
(1) في التاريخ:" أين هو"، ولكنه في المخطوطة:" أحي هو".
(2) في المطبوعة:" عن صاحبي"، والصواب من المخطوطة والتاريخ.
(3) في المطبوعة وحدها:" وقد رؤيت".
(4) " البزر" (بفتح فسكون) ، الولد. يقال:" ما أكثر بزره"، أي:
ولده.
(5) في التاريخ:" إسرائيل الله"، وكأن الذي في التفسير هو
الصواب، لأن" إيل" بمعنى" الله"، و" إسرا"، يضاف إليه، وكأن"
إسرا"، بمعنى" سرى"، وهو بمعنى المختار، كأنه:" صفي الله" الذي
اصطفاه. وفي تفسير ذلك اختلاف كثير.
(6) في المطبوعة، حذف" إن" من قوله:" إن كنت صادقًا".
(7) الأثر: 19613 - رواه أبو جعفر في تاريخه مطولا 1: 182،
183.
(16/201)
قَالُوا يَا أَيُّهَا
الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ
أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78)
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا يَا
أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ
أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78)
}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قالت إخوه يوسف ليوسف: (يأيها
العزيز) ، يا أيها الملك (1) (إن له أبًا شيخًا كبيرًا) كلفًا
بحبه، يعنون يعقوب= (فخذ أحدنا مكانه) ، يعنون فخذ أحدًا منّا
بدلا من بنيامين، وخلِّ عنه = (إنا نراك من المحسنين) ، يقول:
إنا نراك من المحسنين في أفعالك.
* * *
وقال محمد بن إسحاق في ذلك ما:-
19614- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (إنا
نراك من المحسنين) ، إنا نرى ذلك منك إحسانا إن فعلتَ.
* * *
__________
(1) انظر تفسير" العزيز" فيما سلف ص: 62، تعليق: 5، والمراجع
هناك.
(16/202)
قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ
أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ
إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ (79)
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ مَعَاذَ
اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا
عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ (79) } قال أبو جعفر:-
يقول تعالى ذكره: قال يوسف لإخوته: (معاذ الله) ، أعوذ بالله.
* * *
وكذلك تفعل العرب في كل مصدر وضعته موضع"يفعل" و"تفعل"، فإنها
تنصب، كقولهم:"حمدًا لله، وشكرًا له" بمعنى: أحمد الله وأشكره.
* * *
والعرب تقول في ذلك:"معاذَ الله"، و"معاذةَ الله" فتدخل فيه
هاء
(16/202)
فَلَمَّا
اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ
أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ
مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي
يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي
أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80)
التأنيث. كما يقولون:"ما أحسن معناة هذا
الكلام" = و"عوذ الله"، و"عوذة الله"، و"عياذ الله". ويقولون:
اللهم عائذًا بك، كأنه قيل:"أعوذ بك عائذا"، أو أدعوك عائذًا.
* * *
= (أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده) يقول: أستجير بالله من
أن نأخذ بريئًا بسقيم، (1) كما:-
19615 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (قال
معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون)
، يقول: إن أخذنا غير الذي وجدنا متاعنا عنده إنَّا إذًا نفعل
ما ليس لنا فعله ونجور على الناس.
19616 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي:
(قالوا يا أيها العزيز إن له أبًا شيخًا كبيرًا فخذ أحدنا
مكانه إنا نراك من المحسنين قال معاذ الله أن نأخذ إلا من
وجدنا متاعنا عنده إنا إذًا لظالمون) ، قال يوسف: إذا أتيتم
أباكم فأقرئوه السلام، وقولوا له: إن ملك مصر يدعو لك أن لا
تموت حتى ترى ابنك يوسف، حتى يعلمَ أنّ في أرض مصر صدِّيقين
مثلَه.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ
خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ
أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ
وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ
الأرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي
وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80) }
قال أبو جعفر يعني تعالى ذكره: (فلما استيأسوا منه) فلما يئسوا
منه من أن يخلى يوسف عن بنيامين، ويأخذ منهم واحدًا مكانه، وأن
يجيبهم إلى ما سألوه من ذلك.
* * *
__________
(1) انظر تفسير" عاذ" فيما سلف ص: 32، تعليق: 1، والمراجع
هناك.
(16/203)
وقوله (استيأسوا) ،"استفعلوا"، من:"يئس
الرجل من كذا ييأس"، كما:-
19617 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (فلما
استيأسوا منه) يئسوا منه، ورأوا شدّته في أمره.
* * *
وقوله: (خلصوا نجيًّا) ، يقول بعضهم لبعض يتناجون، لا يختلط
بهم غيرهم.
* * *
و"النجيّ"، جماعة القوم المنتجين، يسمى به الواحد والجماعة،
كما يقال:"رجل عدل، ورجال عدل"، و"قوم زَوْر، وفِطْر". وهو
مصدر من قول القائل:"نجوت فلانا أنجوه نجيًّا"، جعل صفة
ونعتًا. ومن الدليل على أن ذلك كما ذكرنا، قول الله تعالى
(وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا) [سورة مريم: 52] فوصف به الواحد،
وقال في هذا الموضع: (خلصوا نجيًّا) فوصف به الجماعة،
ويجمع"النجيّ" أنجية، كما قال لبيد:
وَشَهِدْتُ أنْجِيَةَ الأفَاقَةِ عَاليًا ... كَعْبي
وَأَرْدَافُ المُلُوكِ شُهُودُ (1)
وقد يقال للجماعة من الرجال:"نَجْوَى" كما قال جل ثناؤه: (وإذْ
هُمْ نَجْوَ ى) [سورة الإسراء: 47] وقال: (مَا يَكُونُ مِنْ
نَجْوَى ثَلاثَةٍ) [سورة المجادلة: 7] وهم القوم الذين
يتناجون. وتكون" النجوى" أيضا مصدرًا، كما قال الله:
__________
(1) ديوانه قصيدة: 7، بيت: 7، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 315
من أبيات يقولها لابنته بسرة، يذكر طول عمره، فيقول لها:
وَلَقَدْ سَئِمْتُ من الحَيَاةِ وطُولِهَا ... وسُؤَالِ هذَا
النَّاسِ: كَيْف لَبِيدُ ?
وَغَنِيتُ سَبْتًا قَبْلَ مَجْرَى دَاحِسٍ ... لَوْ كَانَ
للنِّفْسِ اللَّجُوجِ خُلُودُ
وَشَهِدْتُ................. ... . . . . . . . . . . . . . .
. . . . .
" مجرى داحس"، هو الخبر المشهور عن داحس والغبراء وإجرائهما،
وكانت بسببه الحرب بين عبس وذبيان أربعين سنة، وقوله:" سبتًا"،
أي: دهرًا.
و" الأفاقة" اسم موضع، حيث كان اليوم المشهور بين لبيد،
والربيع بن زياد العبسي. و" أرداف الملوك"، من" الردف"، وهو
الذي يكون مع الملك، وينوب عنه إذا قام من مجلسه.
(16/204)
(إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ)
[سورة المجادلة: 10] تقول منه": نجوت أنجو نجوى" فهي في هذا
الموضع، المناجاة نفسها، ومنه قول الشاعر (1)
بُنَيَّ بَدَا خِبُّ نَجْوَى الرِّجَالِ ... فَكُنْ عِنْدَ
سرّكَ خَبَّ النَّجِيّ (2)
فـ"النجوى" و"النجي"، في هذا البيت بمعنى واحد، وهو المناجاة،
وقد جمع بين اللغتين.
* * *
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: (خلصوا نجيًّا) قال أهل
التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19618- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي:
(فلما استيأسوا منه خلصوا نجيًّا) وأخلص لهم شمعون، وقد كان
ارتهنه، خَلَوْا بينهم نجيًّا، يتناجون بينهم.
19619 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة،
قوله: (خلصوا نجيًّا) خلصوا وحدهم نجيًّا.
19620 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (خلصوا
نجيًّا) : أي خلا بعضهم ببعض، ثم قالوا: ماذا ترون؟
* * *
وقوله: (قال كبيرهم) اختلف أهل العلم في المعنيِّ بذلك.
__________
(1) هو الصلتان العبدي.
(2) شرح الحماسة 3: 112، والشعر والشعراء: 479، والخزانة 1:
308، وغيرها، وهو من وصيته المشهورة التي أوصى بها ولده التي
يقول فيها: أَشَابَ الصّغيرَ وَأَفْنَى الكَبيرَ ... كَرُّ
الغَدَاةِ وَمَرُّ العَشِي
ثم يقول له بعد البيت الشاهد: وَسِرُّكَ مَا كَانَ عِنْدَ
امْريٍ ... وَسِرُّ الثَّلاَثَةِ غَيْرُ الخَفِي
و" الحب" (بكسر الخاء) ، المكر، و" الخب" (بفتحها) ، المكار.
(16/205)
فقال بعضهم: عنى به كبيرهم في العقل
والعلم، لا في السن، وهو شمعون. قالوا: وكان روبيل أكبر منه في
الميلاد.
*ذكر من قال ذلك:
19621 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا
عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (قال كبيرهم)
قال: هو شمعون الذي تخلّف، وأكبر منه=أو: أكبر منهم= في
الميلاد، روبيل.
19622- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا
ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (قال كبيرهم) :، شمعون الذي
تخلّف، وأكبر منه في الميلاد روبيل.
19623- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن
ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
19624- حدثني المثنى قال، أخبرنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن
الزبير، عن سفيان، عن ابن جريج، عن مجاهد: (قال كبيرهم) ، قال:
شمعون الذي تخلف، وأكبرهم في الميلاد روبيل.
* * *
وقال آخرون: بل عنى به كبيرهم في السن، وهو روبيل.
*ذكر من قال ذلك:
19625 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:
(قال كبيرهم) ، وهو روبيل، أخو يوسف، وهو ابن خالته، وهو الذي
نهاهم عن قتله.
19626- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن
معمر، عن قتادة: (قال كبيرهم) ، قال: روبيل، وهو الذي أشار
عليهم أن لا يقتلوه.
(16/206)
19627 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو،
عن أسباط، عن السدي: (قال كبيرهم) في العلم (1) = (إن أباكم قد
أخذ عليكم موثقًا من الله ومن قبل ما فرطتم في يوسف فلن أبرح
الأرض) ، الآية، فأقام روبيل بمصر، وأقبل التسعة إلى يعقوب،
فأخبروه الخبرَ، فبكى وقال: يا بنيّ ما تذهبون مرَّة إلا نقصتم
واحدًا! ذهبتم مرة فنقصتم يوسف، وذهبتم الثانية فنقصتم شمعون،
وذهبتم الآن فنقصتُم روبيل!
19628 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (فلما
استيأسوا منه خلصوا نجيًّا) قال: ماذا ترون؟ فقال روبيل كما
ذكر لي، وكان كبير القوم: (ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم
موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم ومن قبل ما فرطتم في
يوسف) ،الآية.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصحة، قول من قال: عنى
بقوله: (قال كبيرهم) روبيل، لإجماع جميعهم على أنه كان أكبرهم
سنًّا. ولا تفهم العرب في المخاطبة إذا قيل لهم:"فلان كبير
القوم"، مطلقا بغير وصل، إلا أحد معنيين: إما في الرياسة عليهم
والسؤدد، وإما في السن. فأما في العقل، فإنهم إذا أرادوا ذلك
وصَلوه، فقالوا:"هو كبيرهم في العقل". فأما إذا أطلق بغير صلته
بذلك، فلا يفهم إلا ما ذكرت.
وقد قال أهل التأويل: لم يكن لشمعون= وإن كان قد كان من العلم
والعقل بالمكان الذي جعله الله به= على إخوته رياسةٌ وسؤدد،
فيعلم بذلك أنه عنى بقوله: (قال كبيرهم) فإذا كان ذلك كذلك فلم
يبق إلا الوجه الآخر، وهو الكبر
__________
(1) في المطبوعة والمخطوطة:" في العلم"، ولم أجد ما أستوثق به
من أن يكون الخبر في معنى الترجمة، أعني مكان" في العلم"،" في
السن".
(16/207)
في السن، وقد قال الذين ذكرنا جميعًا":
روبيل كان أكبر القوم سنًّا"، فصح بذلك القول الذي اخترناه.
* * *
وقوله: (ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقًا من الله،)
يقول: ألم تعلموا، أيها القوم؛ أنَّ أباكم يعقوب قد أخذ عليكم
عهودَ الله ومواثيقه: (1) لنأتينه به جميعا، إلا أن يحاط بكم=
(ومن قبل ما فرطتم في يوسف) ، (2) ومن قبل فعلتكم هذه، تفريطكم
في يوسف. يقول: أو لم تعلموا من قبل هذا تفريطكم في يوسف؟ =
وإذا صرف تأويل الكلام إلى هذا الذي قلناه، كانت"ما"حينئذ في
موضع نصب.
وقد يجوز أن يكون قوله: (ومن قبل ما فرطتم في يوسف) خبرا
مبتدأ، ويكون قوله: (ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقًا
من الله) خبرًا متناهيًا فتكون"ما"حينئذ في موضع رفع، كأنه
قيل:"ومن قبل هذا تفريطكم في يوسف"= فتكون"ما" مرفوعة
بـ"من"قبلُ.
هذا ويجوز أن تكون"ما"التي هي صلة في الكلام، (3) فيكون تأويل
الكلام: ومن قبل هذا فرطتم في يوسف. (4)
* * *
وقوله: (فلن أبرح الأرض) التي أنا بها، وهي مصر فأفارقها= (حتى
يأذن لي أبي) بالخروج منها، كما:-
19629 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (فلن
أبرح الأرض) التي أنا بها اليوم= (حتى يأذن لي أبي) ، بالخروج
منها.
19630 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن
__________
(1) انظر تفسير" الموثق" فيما سلف ص: 163، تعليق: 1، والمراجع
هناك.
(2) زدت نص الآية، وإن لم يكن ثابتًا في المخطوطة أو المطبوعة.
(3) في المطبوعة:" التي تكون صلة"،، وفي المخطوطة:" التي صلة"،
ورجحت ما أثبت
= و" الصلة"، الزيادة، انظر ما سلف من فهارس المصطلحات.
(4) في المطبوعة" تفريطكم في يوسف"، والصواب ما أثبت، لأن" ما"
زائدة هنا.
(16/208)
ارْجِعُوا إِلَى
أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا
شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ
حَافِظِينَ (81)
ابن أبي نجيح، عن مجاهد: قال شمعون: (لن
أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين)
.
* * *
وقوله: (أو يحكم الله لي) ، أو يقضي لي ربي بالخروج منها وترك
أخي بنيامين، وإلا فإني غير خارج= (وهو خير الحاكمين) ، يقول:
والله خير من حكم، وأعدل من فصل بين الناس. (1)
* * *
وكان أبو صالح يقول في ذلك بما:-
19631 - حدثني الحسين بن يزيد السبيعي قال، حدثنا عبد السلام
بن حرب، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح في قوله: (حتى
يأذن لي أبي أو يحكم الله لي،) قال: بالسيف.
* * *
=وكأنَّ أبا صالح وجّه تأويل قوله: (أو يحكم الله لي) ، إلى:
أو يقضي الله لي بحرب من مَنَعَني من الانصراف بأخي بنيامين
إلى أبيه يعقوب، فأحاربه.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ
فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا
إِلا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (81)
}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره، مخبرًا عن قيل روبيل لإخوته،
حين أخذ يوسف أخاه بالصواع الذي استخرج من وعائه: ارجعوا،
إخوتي، إلى أبيكم يعقوب فقولوا له يا أبانا إن ابنك بنيامين
سرق) .
__________
(1) انظر تفسير" الحكم" فيما سلف من فهارس اللغة (حكم) .
(16/209)
* * *
والقرأة على قراءة هذا الحرف بفتح السين والراء والتخفيف: (إن
ابنك سرق) .
* * *
ورُوي عن ابن عباس:"إنَّ ابْنَكَ سُرِّقَ"بضم السين وتشديد
الراء، على وجه ما لم يسمَّ فاعله، بمعنى: أنه سَرَق= (وما
شهدنا إلا بما علمنا) .
* * *
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: معناه: وما قلنا إنه سرق إلا بظاهر علمنا بأن ذلك
كذلك، لأن صواع الملك أصيب في وعائه دون أوعية غيره.
*ذكر من قال ذلك:
19632 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق:
(ارجعوا إلى أبيكم) فإني ما كنت راجعًا حتى يأتيني أمرُه=
(فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا) ، أي:
قد وجدت السرقة في رحله، ونحن ننظر لا علم لنا بالغيب= (وما
كنا للغيب حافظين) .
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وما شهدنا عند يوسف بأن السارق يؤخذ
بسرقته إلا بما علمنا.
*ذكر من قال ذلك:
19633 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: قال
لهم يعقوب عليه السلام: ما يدري هذا الرجل أن السارق يؤخذ
بسرقته إلا بقولكم! فقالوا: (ما شهدنا إلا بما علمنا) ، لم
نشهد أن السارق يؤخذ بسرقته إلا وذلك الذي علمنا. قال: وكان
الحكم عند الأنبياء، يعقوب وبنيه أن يؤخذ السارق بسرقته عبدًا
فيسترقّ.
* * *
وقوله: (وما كنا للغيب حافظين) ، يقول: وما كنا نرى أن ابنك
يسرق
(16/210)
ويصير أمرنا إلى هذا، وإنما قلنا (ونحفظ
أخانا) مما لنا إلى حفظه منه السبيل.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19634 - حدثنا الحسين بن الحريث أبو عمار المروزي. قال، حدثنا
الفضل بن موسى، عن الحسين بن واقد، عن يزيد، عن عكرمة: (وما
كنا للغيب حافظين) . قال: ما كنا نعلم أن ابنك يسرق. (1)
19635 - حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا
ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وما كنا للغيب
حافظين) ، لم نشعر أنه سيسرق.
19636- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا
عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وما كنا للغيب حافظين) قال:
لم نشعر أنه سيسرق.
19637- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن
ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وما كنا للغيب حافظين) قال: لم نشعر
أنه سيسرق.
19638- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن
ابن جريج، عن مجاهد= وأبو سفيان، عن معمر، عن قتادة: (وما كنا
للغيب
__________
(1) الأثر: 19634 -" الحسين بن الحريث"،" أبو عمار المروزي"،
شيخ الطبري، مضى برقم 11771.
" الفضل بن موسى السيتاني"، مضى أيضًا برقم: 11771.
" الحسين بن واقد المروزي"، مضى أيضًا برقم: 4810، 6311،
11771، وكان في المخطوطة والمطبوعة هنا أيضًا" الحسن بن واقد"،
وهو خطأ بين، كما أشرت إليه قبل.
(16/211)
وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ
الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا
وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82)
حافظين) قال: ما كنا نظن ولا نشعر أنه
سيسرق.
19639- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:
(وما كنا للغيب حافظين) قال: ما كنا نرى أنه سيسرق.
19640- حدثنا محمد بن عبد الأعلى. قال حدثنا محمد بن ثور، عن
معمر، عن قتادة: (وما كنا للغيب حافظين) ، قال: ما كنا نظن أن
ابنك يسرق.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى التأويلين بالصواب عندنا في قوله: (وما
شهدنا إلا بما علمنا) قولُ من قال: وما شهدنا بأن ابنك سرق إلا
بما علمنا من رؤيتنا للصواع في وعائه= لأنه عَقيِب قوله: (إن
ابنك سرق) ؛ فهو بأن يكون خبرًا عن شهادتهم بذلك، أولى من أن
يكون خبرًا عما هو منفصل.
* * *
وذكر أن"الغيب"، في لغة حمير، هو الليل بعينه. (1)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي
كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا
لَصَادِقُونَ (82) }
قال أبو جعفر: يقول: وإن كنتَ مُتَّهمًا لنا، لا تصدقنا على ما
نقول من أن ابنك سرق: (فاسأل القرية التي كنا فيها) ، وهي مصر،
يقول: سل من فيها من أهلها= (والعير التي أقبلنا فيها) ، وهي
القافلة التي كنا فيها، (2) التي أقبلنا منها معها، عن خبر
ابنك وحقيقة ما أخبرناك عنه من سَرَقِهِ، (3) فإنك تَخْبُر
__________
(1) هذا معنى عزيز في تفسير" الغيب"، لم أجده في شيء من كتب
اللغة التي بين أيدينا.
(2) انظر تفسير:" العير" فيما سلف ص: 173، 174.
(3) سرق الشيء يسرقه سرقًا (بفتحتين) ، وسرقًا (بفتح السين
وكسر الراء) ، وسرقة.
(16/212)
قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ
لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ
أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ
الْحَكِيمُ (83)
مصداق ذلك = (وإنّا لصادقون) فيما أخبرناك
من خبره.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19641 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة،
قوله: (واسأل القرية التي كنا فيها) ، وهي مصر.
19642 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن
ابن جريج قال، قال ابن عباس: (واسأل القرية التي كنا فيها)
قال: يعنون مصر.
19643 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: قد
عرف رُوبيل في رَجْع قوله لإخوته، أنهم أهلُ تُهمةٍ عند أبيهم،
لما كانوا صنعوا في يوسف. وقولهم له: (اسأل القرية التي كنا
فيها والعير التي أقبلنا فيها) ، فقد علموا ما علمنا وشهدوا ما
شهدنا، إن كنت لا تصدقنا= (وإنا لصادقون) .
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ
أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ
يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ
الْحَكِيمُ (83) }
قال أبو جعفر: في الكلام متروك، وهو: فرجع إخوة بنيامين إلى
أبيهم، وتخلف روبيل، فأخبروه خبره، فلما أخبروه أنه سرق قال=
(بل سوّلت لكم أنفسكم أمرا) ، يقول: بل زينت لكم أنفسكم أمرًا
هممتم به وأردتموه (1) (فصبر جميل) ، يقول: فصبري على ما نالني
من فقد ولدي، صبرٌ جميل لا جزع فيه
__________
(1) انظر تفسير:" التسويل" فيما سلف 15: 583.
(16/213)
وَتَوَلَّى عَنْهُمْ
وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ
مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84)
ولا شكاية (1) = عسى الله أن يأتيني
بأولادي جميعًا فيردّهم عليّ= (إنه هو العليم) ، بوحدتي،
وبفقدهم وحزني عليهم، وصِدْقِ ما يقولون من كذبه = (الحكيم) ،
في تدبيره خلقه (2) .
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19644 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة،
قوله: (بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل) ، يقول: زينت =
وقوله: (عسى الله أن يأتيني بهم جميعًا) يقول: بيوسف وأخيه
وروبيل.
19645 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال:
لما جاءوا بذلك إلى يعقوب، يعني بقول روبيل لهم، اتَّهمهم وظن
أن ذلك كفعلتهم بيوسف، ثم قال: (بل سولت لكم أنفسكم أمرًا فصبر
جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا) أي: بيوسف وأخيه وروبيل.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا
أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ
فَهُوَ كَظِيمٌ (84) }
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره، بقوله: (وتولى عنهم) ، وأعرض
عنهم يعقوب (3) = (وقال يا أسفا على يوسف) ، يعني: يا حَزَنا
عليه.
__________
(1) انظر تفسير:" صبر جميل" فيما سلف 15: 584.
(2) انظر تفسير:" العليم" و" الحكيم" فيما سلف عن فهارس اللغة
(علم) ، (حكم) .
(3) انظر تفسير:" التولي" فيما سلف من فهارس اللغة (ولى) .
(16/214)
* * *
يقال: إن"الأسف" هو أشدُّ الحزن والتندم. يقال منه": أسِفْتُ
على كذا آسَفُ عليه أسَفًا".
* * *
يقول الله جل ثناؤه: وابيضَّت عينا يعقوب من الحزن= (فهو كظيم)
، يقول: فهو مكظوم على الحزن، يعني أنه مملوء منه، مُمْسِك
عليه لا يُبينه.
* * *
= صُرِف"المفعول" منه إلى"فعيل"، ومنه قوله: (والكَاظِمِينَ
الغَيْظَ) [سورة آل عمران: 134] ، وقد بينا معناه بشواهده فيما
مضى. (1)
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ما قلنا في تأويل قوله: (وقال يا أسفا على يوسف) :
19646 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (وتولى
عنهم) ، أعرض عنهم، وتتَامَّ حزنه، وبلغ مجهودَه، حين لحق
بيوسف أخوه، وهيَّج عليه حزنه على يوسف، فقال: (يا أسَفَا على
يوسف وابيضَّت عيناه من الحزن فهو كظيم) .
19647 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال،
حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وتولى عنهم وقال يا
أسفَا على يوسف) ، يقول: يا حزني على يوسف.
19648 - حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا
ورقاء= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء=، عن
ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (يا أسفا على يوسف) ، يا
حَزَنَا.
19648- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا
عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (يا أسفا على يوسف) ، يا
جزعاه.
__________
(1) انظر تفسير" الكظم" فيما سلف 7: 214.
(16/215)
19649- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة
قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (يا أسفا على
يوسف) ، يا جَزَعاه حزنًا.
19650- حدثني المثنى قال، أخبرنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله،
عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (يا أسفا على يوسف) ، يا
جَزَعَا.
19651 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة،
قوله: (يا أسفا على يوسف) أي: حَزَناه.
19652- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن
معمر، عن قتادة: (يا أسفَا على يوسف) ، قال: يا حزناه على
يوسف. (1)
19653- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن حميد المعمري، عن
معمر، عن قتادة، نحوه.
19654 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن
ابن جريج قال، قال ابن عباس: (وقال يا أسفا على يوسف) .....
(2)
19655 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع = وحدثنا ابن وكيع
قال، حدثنا أبي=، عن أبي حجيرة، عن الضحاك: (يا أسفا على يوسف)
، قال: يا حَزَنَا على يوسف.
19656- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أبي مرزوق، عن
جويبر، عن الضحاك: (يا أسفَا) ، يا حَزَنَاه. (3)
__________
(1) في المطبوعة، أسقط قوله:" على يوسف".
(2) لم يذكر مقالة ابن عباس في تفسير الآية، سقط من النساخ.
(3) الأثر: 19656 -" عمرو"، لعله" عمرو بن حماد بن طلحة
القناد"، وهو الذي يروي عنه" سفيان بن وكيع" = أو" عمرو بن
عون"، وقد أكثر الرواية عنه.
وأما" أبو مرزوق" هذا، فلم أستطع أن أجد له ذكرًا، و" أبو
مرزوق التجيبي"، و" أبو مرزوق" الذي روى عن أبي غالب عن أبي
أمامة، أقدم من هذا الذي يروي عن" جوبير".
فهذا إسناد في النفس منه شيء، وأخشى أن يكون سقط منه بعض
رواته، فاستبهم على بيانه.
(16/216)
19657- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين
قال، حدثني حجاج قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا جويبر، عن
الضحاك: (يا أسفا) يا حزنا= (على يوسف) .
19658 - حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال،
أخبرنا الثوري، عن سفيان العصفري، عن سعيد بن جبير قال: لم
يُعْطَ أحدٌ غيرَ هذه الأمة الاسترجاع، (1) ألا تسمعون إلى قول
يعقوب: (يا أسفَا على يوسف) ؟
19659- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان، عن
سعيد بن جبير، نحوه.
* * *
*ذكر من قال ما قلنا في تأويل قوله: (وابيضت عيناه من الحزن
فهو كظيم) .
19660 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا
عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (فهو كظيم) ، قال: كظيم
الحزن.
19661- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا
ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (فهو كظيم) ، قال: كظيم
الحزن.
19662- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن
أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه.
19663- حدثني المثنى قال، أخبرنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله،
عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (فهو كظيم) ، قال:
الحزن.
19664- حدثني المثنى قال، أخبرنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن
__________
(1) " الاسترجاع"، هو قولنا نحن المسلمين، إذا أصابتنا مصيبة:
{إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} .
(16/217)
ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (فهو كظيم) ،
مكمود. (1)
19665- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن
ابن جريج، عن مجاهد: (فهو كظيم) ، قال: كظيمٌ على الحزن.
19666 - حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا
هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله: (فهو كظيم) ،
قال:"الكظيم"، الكميد.
19667- حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن
الضحاك في قوله: (فهو كظيم) ، قال: كميد.
19668- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا هشيم قال،
أخبرنا جويبر، عن الضحاك، في قوله: (كظيم) ، قال: كميد.
19669 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:
(وابيضت عيناه من الحرن فهو كظيم) ، يقول: تردَّدَ حُزْنُه في
جوفه، ولم يتكلّم بسوء.
19670- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن
معمر، عن قتادة، في قوله: (فهو كظيم) ، قال: كظيم على الحزن،
فلم يقل بأسًا.
19671- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا الحسين بن الحسن قال،
حدثنا ابن المبارك قال، أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله:
(وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم) قال: كظيم على الحزن فلم يقل
إلا خيرًا.
19672 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان، عن يزيد بن
زريع، عن عطاء الخراساني: (فهو كظيم،) قال: مكروب.
19673 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدى:
(فهو كظيم) قال: من الغيظ.
__________
(1) في المخطوطة:" مكنود"، والصواب ما في المطبوعة.
(16/218)
قَالُوا تَاللَّهِ
تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ
تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85)
19674 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب
قال، قال ابن زيد، في قوله: (وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم)
، قال:"الكظيم" الذي لا يتكَّلم، بلغ به الحزن حتى كان لا
يكلِّمهم.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ
تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ
الْهَالِكِينَ (85) }
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره: قال ولد يعقوب= الذين انصرفوا
إليه من مصر له، حين قال: (يا أسفا على يوسف) =: تالله لا تزال
تذكر يوسف.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19675 - حدثني محمد بن عمرو، قال حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا
عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (تفتأ) تفتر من حبه.
19676 - حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا
ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (تفتأ) ، تفتر من
حبه. (1)
قال أبو جعفر:
هكذا قال الحسن في حديثه، (2) وهو غلط، إنما هو: تفتر من حبه،
تزال تذكر يوسف. (3)
19677- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن
أبي نجيح، عن مجاهد: (قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف) قال: لا
تفتر من حبه.
__________
(1) في المطبوعة:" ما تفتر" بزيادة" ما" هنا، وأثبت ما في
المخطوطة كالذي قبله.
(2) في المطبوعة:" كذا قال"، وأثبت ما في المخطوطة.
(3) اعتراض الطبري على خبر الحسن بن محمد، يدل على أن الذي في
أصله شيء آخر قوله غير:" تفتر من حبه"، كما وردت في الخبر، ولم
أستطع أن أتبين كيف هذا الحرف في رواية الحسن.
(16/219)
19678- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة
قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (تفتأ) : تفتر من
حبه.
19679....- قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء،
عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (تالله تفتأ تذكر يوسف) ،
قال: لا تزال تذكر يوسف.
19680 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال،
حدثنا أبي=، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس:
(قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف،) قال: لا تزال تذكر يوسف. قال،
لا تفتر من حبه.
19681 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة،
قوله: (تفتأ تذكر يوسف) قال: لا تزال تذكر يوسف.
19682- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن
معمر، عن قتادة: (تفتأ تذكر يوسف،) قال: لا تزال تذكر يوسف.
(1)
* * *
يقال منه:"ما فَتِئت أقول ذاك"،"وما فَتَأت" لغة،"أفْتِئُ
وأفْتَأ فَتأً وفُتوُءًا" (2) . وحكي أيضًا:"ما أفتأت به"،
ومنه قول أوس بن حجر:
فَمَا فَتِئَتْ حَتَّى كأَنَّ غُبَارَهَا ... سُرَادِقُ يَوْمٍ
ذِي رِيَاحٍ تَرَفَّعُ (3)
وقوله الآخر
__________
(1) الأثر: 19682 - هذا الأثر مكرر في المطبوعة والمخطوطة
بإسناده ولفظه، وبين أنه سهو من الناسخ، فحذفته.
(2) قوله:" أفتئ"، هكذا جاءت في المخطوطة والمطبوعة، وليس في
كتب اللغة ما يؤيد هذا الذي قاله أبو جعفر، وهو غريب جدًا.
(3) ديوانه، البيت: 17، القصيدة: 12، اللسان (شرم) ، وروايته
فيهما:" فما فتئت خيل كأن غبارها".
(16/220)
(1)
فَمَا فَتِئَتْ خَيْلٌ تَثُوبَ وَتَدَّعِي ... وَيَلْحَقُ
مِنْهَا لاحِقٌ وتَقَطَّعُ (2)
بمعنى: فما زالت.
وحذفت"لا" من قوله: (تفتأ) وهي مرادة في الكلام، لأن اليمين
إذا كان ما بعدها خبرًا لم يصحبها الجحد، ولم تسقط"اللام" التي
يجاب بها الأيْمان، وذلك كقول القائل:"والله لآتينَّك"، وإذا
كان ما بعدها مجحودًا تُلُقِّيت بـ"ما" أو بـ"لا". فلما عرف
موقعها حُذِفت من الكلام، لمعرفة السامع بمعنى الكلام، (3)
ومنه قول امرئ القيس:
فَقُلْتُ يَمِينَ اللهِ أبْرَحُ قَاعِدًا ... وَلَوْ قَطَّعُوا
رَأْسِي لَدَيْكِ وأوْصَالِي (4)
فحذفت"لا" من قوله:"أبرح قاعدًا"، لما ذكرت من العلة، كما قال
الآخر:
فَلا وأَبِي دَهْمَاءَ زَالَتْ عَزِيزَةً ... عَلَى قَوْمِهَا
مَا فَتَّلَ الزَّنْدَ قَادِحُ (5)
يريد: لا زالت.
* * *
وقوله: (حتى تكون حرضًا،) يقول: حتى تكون دَنِفَ الجسم مخبولَ
العقل.
* * *
وأصل الحرض: الفساد في الجسم والعقل من الحزن أو العشق، ومنه
قول العَرْجيّ:
__________
(1) هو قول أوس بن حجر أيضًا.
(2) ديوانه القصيدة: 17، البيت: 10، الجمهرة 3: 287، ومجاز
القرآن لأبي عبيدة 1: 316، والمعاني الكبير: 1002.
(3) انظر معاني القرآن للفراء في تفسير الآية.
(4) مضى البيت وتخريجه فيما سلف 4: 425، ويزاد عليه معاني
القرآن للفراء.
(5) معاني القرآن للفراء، في تفسير الآية، ومشكل القرآن: 174،
والخزانة 4: 45، 46، وشرح شواهد المغني: 278، وكان في المطبوعة
والمخطوطة:" ما قبل الزند"، وهو خطأ صرف.
(16/221)
إنِّي امْرُؤٌ لَجّ بي حُبٌّ فأَحْرَضَني
... حَتَّى بَلِيتُ وحَتّى شَفَّني السَّقَمُ (1)
يعني بقوله:"فأحرضني"، أذابني فتركني مُحْرَضًا. يقال منه:"رجل
حَرَضٌ، وامرأة حَرَضٌ، وقوم حَرَضٌ، ورجلان حَرَضٌ"، على صورة
واحدة للمذكر والمؤنث، وفي التثنية والجمع. ومن العرب من يقول
للذكر:"حَارِض"، وللأنثى"حارضة". فإذا وُصف بهذا اللفظ ثُنِّي
وجُمع، وذكِّر وأنث. وَوُحِّد"حَرَض" بكل حال ولم يدخله
التأنيث، لأنه مصدر، فإذا أخرج على"فاعل" على تقدير الأسماء،
لزمه ما يلزم الأسماء من التثنية والجمع والتذكير والتأنيث.
وذكر بعضهم سماعًا:"رجُل مُحْرَضٌ"، إذا كان وَجِعًا، وأنشد في
ذلك بيتًا:
طَلَبَتْهُ الخَيْلُ يَوْمًا كَامِلا ... وَلَوَ الْفَتْهُ
لأضْحَى مُحْرَضَا (2)
وذكر أنَّ منه قول امرئ القيس:
أَرَى المَرْءَ ذَا الأذْوَادِ يُصْبِحُ مُحْرَضًا ...
كَإِحْرَاضِ بَكْرٍ في الدِّيَارِ مَريضِ (3)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19683 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال،
حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (حتى تكون حرضًا) يعني:
الجَهْدَ في المرض، البالي.
19684 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن
أبي نجيح، عن مجاهد: (حتى تكون حرضًا) قال: دون الموت.
__________
(1) ديوانه: 5، مجاز القرآن لأبي عبيدة: 317، واللسان (حرض) .
(2) لم أجد البيت، ولم أعرف قائله.
(3) ديوانه: 77، واللسان (حرض) .
(16/222)
19685- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن
فضيل، عن ليث، عن مجاهد: (حتى تكون حرضًا) قال: الحرض، ما دون
الموت.
19686- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن
ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
19687 - ... قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء،
عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
19688- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن
ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
19689- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا
عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
19690- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا
ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
19691 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:
(حتى تكون حرضًا) حتى تبلى أو تهرم.
19692- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن
معمر، عن قتادة: (حتى تكون حرضًا) حتى تكون هَرِمًا.
19693 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أبي بكر الهذلي،
عن الحسن: (حتى تكون حرضًا) قال: هرمًا.
19694 - ... قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك
قال:"الحرض"، الشيء البالي.
19695- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم،
عن جويبر، عن الضحاك، في قوله: (حتى تكون حرضًا) قال: الحرض:
الشيء البالي الفاني.
19696....- قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك
(16/223)
، عن أبي معاذ، عن عبيد بن سليمان، عن
الضحاك: (حتى تكون حَرَضًا) "الحرضُ" البالي.
19697- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا
عبيد بن سليمان، عن الضحاك يقول في قوله: (حتى تكون حرضًا) :
هو البالي المُدْبر. (1)
19698 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي:
(حتى تكون حرضًا) باليًا.
19699 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال:
لما ذكر يعقوبُ يوسفَ قالوا= يعني ولده الذين حضروه في ذلك
الوقت، جهلا وظلمًا=: (تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضًا،)
أي: تكون فاسدًا لا عقل لك= (أو تكون من الهالكين.)
19700 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في
قوله: (حتى تكون حرضًا أو تكون من الهالكين) ، قال:"الحرض":
الذي قد رُدَّ إلى أرذل العمر حتى لا يعقل، أو يهلك، فيكون
هالكًا قبل ذلك.
* * *
وقوله: (أو تكون من الهالكين) ، يقول: أو تكون ممن هلك بالموت.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19701 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن فضيل، عن ليث، عن
مجاهد: (أو تكون من الهالكين،) قال: الموت.
19702- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن
ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (أو تكون من الهالكين،) من الميتين.
19703 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن
__________
(1) في المطبوعة:" البالي المندثر"، وأثبت ما في المخطوطة، وهو
أجود.
(16/224)
قَالَ إِنَّمَا
أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ
اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86)
الضحاك، (أو تكون من الهالكين) قال:
الميتين.
19704- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم،
عن جويبر، عن الضحاك، مثله.
19705 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن عون، عن أبي بكر
الهذلي، عن الحسن: (أو تكون من الهالكين) ، قال: الميتين.
19706 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:
(أو تكون من الهالكين) ، قال: أو تموت.
19707- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن
معمر، عن قتادة: (أو تكون من الهالكين،) قال: من الميتين.
19708 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي:
(أو تكون من الهالكين،) قال: الميتين. (1)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي
وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا
تَعْلَمُونَ (86) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال يعقوب للقائلين له من
ولده: (تالله تفتأ تذكر يوسفَ حتى تكون حرضًا أو تكون من
الهالكين) : = لست إليكم أشكو بثي وحزني، وإنما أشكو ذلك إلى
الله.
* * *
ويعني بقوله: (إنما أشكو بثي) ، ما أشكو هَمِّي وحزني إلا إلى
الله.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
__________
(1) في المطبوعة:" من الميتين"، بزيادة" من".
(16/225)
* ذكر من قال ذلك:
19709 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن
ابن جريج: (إنما أشكو بثي) ، قال ابن عباس:"بثي"، همي.
19710 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال:
قال يعقوب عَنْ عِلْمٍ بالله: (إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله
وأعلم من الله ما لا تعلمون) ، لما رأى من فظاظتهم وغلظتهم
وسوء لَفْظهم له: (1) لم أشك ذلك إليكم= (وأعلم من الله ما لا
تعلمون) .
19711 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن عوف، عن
الحسن: (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله) قال: حاجتي وحزني إلى
الله.
19712- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا هوذة بن خليفة قال،
حدثنا عوف، عن الحسن، مثله.
* * *
وقيل: إن"البثّ"، أشد الحزن، (2) وهو عندي من:"بَثّ الحديث"،
وإنما يراد منه: إنما أشكو خبري الذي أنا فيه من الهمِّ،
وأبثُّ حديثي وحزني إلى الله.
* * *
19713 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا
يحيى بن سعيد، عن عوف، عن الحسن، (إنما أشكو بثي) ، قال: حزني.
19714 - حدثنا ابن بشار قال، حدثني يحيى بن سعيد، عن عوف، عن
الحسن: (إنما أشكو بثي وحزني) ، قال: حاجتي.
__________
(1) في المخطوطة والمطبوعة:" لفظهم به"، وهو لا يستقيم، صوابه
ما أثبت، ويعني جفاءهم فيما يخاطبونه به من الكلام.
(2) هو لفظ أبي عبيدة في مجاز القرآن 1: 317.
(16/226)
* * *
وأما قوله (وأعلم من الله ما لا تعلمون) فإن ابن عباس كان يقول
في ذلك فيما ذكر عنه ما:-
19715 - حدثني به محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي
قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: (وأعلم من
الله ما لا تعلمون،) يقول: أعلم أن رؤيا يوسف صادقة، وأني
سأسجد له.
19716- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي
قال: (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا
تعلمون) ، قال: لما أخبروه بدعاء الملك، أحسَّت نفسُ يعقوب
وقال: ما يكون في الأرض صِدِّيق إلا نبيّ! فطمع قال: لعله
يوسف. (1)
19717- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:
(قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله) الآية، ذكر لنا أن نبي
الله يعقوب لم ينزل به بلاءٌ قط إلا أتى حُسْنَ ظنّه بالله من
ورائه.
19718- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عيسى بن يزيد، عن
الحسن قال، قيل: ما بلغ وجدُ يعقوب على ابنه؟ قال: وجد سبعين
ثكلى! . قال: فما كان له من الأجر؟ قال: أجر مئة شهيدٍ. قال:
وما ساء ظنه بالله ساعةً من ليل ولا نهارٍ.
19719- حدثنا به ابن حميد مرة أخرى قال، حدثنا حكام، عن أبي
معاذ، عن يونس، عن الحسن، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثله.
19720- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن المبارك بن مجاهد،
عن رجل من الأزد، عن طلحة بن مصرِّف الإيامي قال، ثلاثة لا
تذْكُرْهنّ واجتنب ذكرهُنّ: لا تشك مَرَضَك، ولا تَشكُّ
مصيبتك، ولا تزكِّ نفسك. قال:
__________
(1) هذا خبر مضطرب اللفظ، أخشى أن يكون فيه سقط أو تحريف.
(16/227)
وأنبئت أنّ يعقوب بن إسحاق دخل عليه جار
له، فقال له: يا يعقوب ما لي أراك قد انهشمت وفنيتَ، ولم تبلغ
من السن ما بلغ أبوك؟ قال: هَشَمني وأفناني ما ابتلاني الله به
من همّ يوسف وذكره! فأوحى الله إليه: يا يعقوب أتشكوني إلى
خلقي؟ فقال: يا رب خطيئة أخطأتُها، فاغفرها لي! قال: فإني قد
غفرت لك. وكان بعد ذلك إذا سئل قال، (إنما أشكو بثي وحزني إلى
الله وأعلم من الله ما لا تعلمون) .
19721- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثني مؤمل بن إسماعيل قال،
حدثنا سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت قال، بلغني أن يعقوب كبر حتى
سقط حاجبَاه على وجنتيه، فكان يرفعهما بخِرْقَة، فقال له رجل:
ما بلغ بك ما أرى؟ قال: طول الزمان وكثرة الأحزان. فأوحى الله
إليه: يا يعقوب تشكوني؟ قال: خطيئة فاغفرها.
19722- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا ثور
بن يزيد قال: دخل يعقوب على فرعون وقد سقط حاجبَاه على عينيه،
فقال: ما بلغ بك هذا يا إبراهيم؟ فقالوا: إنّه يعقوب، فقال: ما
بلغ بك هذا يا يعقوب؟ قال: طول الزمان وكثرة الأحزان. فقال
الله: يا يعقوب أتشكوني؟ فقال: يا رب خطيئة أخطأتها، فاغفرها
لي.
19723- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا
هشام، عن ليث بن أبي سليم قال، دخل جبريل على يوسف السجنَ،
فعرفه، فقال: أيها المَلَكُ الحسن وجهه، الطيبة ريحُه، الكريمُ
على ربه، ألا تخبرني عن يعقوب أحيٌّ هو؟ قال: نعم. قال: أيها
الملك الحسنُ وجههُ، الطيبة ريحه، الكريم على ربه، فما بلغ من
حزنه؟ قال: حزن سبعين مُثْكِلة. قال: أيها الملك الحسن وجهه،
الطيبة ريحه، الكريم على ربه، فهل في ذلك من أجر؟ قال: أجر مئة
شهيد.
(16/228)
19724- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن
ابن إسحاق، عن ليث بن أبي سليم، عن مجاهد قال: حُدّثت أن جبريل
أتى يوسف صلى الله عليه وسلم وهو بمصر في صورة رجل، فلما رآه
يوسف عرَفه، فقام إليه: فقال: أيها الملك الطيبُ ريحه، الطاهرُ
ثيابه، الكريم على ربه، هل لك بيعقوب من علم؟ قال: نعم! قال:
أيها الملك الطاهر ثيابه، الكريم على ربه، فكيف هو؟ قال: ذهب
بصره. قال: أيها الملك الطاهر ثيابه، الكريم على ربه، وما الذي
أذهب بصره؟ قال: الحزنُ عليك. قال: أيها الملك الطيب ريحه،
الطاهر ثيابه، الكريم على ربه، فما أعطي على ذلك؟ قال: أجر
سبعين شهيدًا.
19725- حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال
أبو شريح: سمعت من يحدث أن يوسف سأل جبريل: ما بلغ من حزن
يعقوب؟ قال: حزن سبعين ثكلى. قال: فما بلغ أجره؟ قال: أجر
سبعين شهيدًا.
19726- ... قال: أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني نافع بن يزيد، عن
عبيد الله بن أبي جعفر قال، دخل جبريل على يوسف في البئر أو في
السجن، فقال له يوسف: يا جبريل، ما بلغ حزن أبي؟ قال: حزن
سبعين ثكلى. قال: فما بلغ أجره من الله؟ قال: أجر مئة شهيدٍ.
19727- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا إسماعيل بن
عبد الكريم قال، حدثني عبد الصمد بن معقل قال، سمعت وهب بن
منبه يقول: أتى جبريل يوسف بالبشرى وهو في السجن. فقال: هل
تعرفني أيها الصِّدِّيق؟ قال: أرى صورة طاهرة ورُوحًا طيبة لا
تشبه أرواح الخاطئين. قال: فإني رسول رب العالمين، وأنا الروح
الأمين. قال: فما الذي أدخلك على مُدْخَل المذنبين، وأنت أطيب
الطيبين، ورأس المقربين، وأمين رب العالمين؟ قال: ألم تعلم يا
يوسف أن الله يطّهر البيوت بطُهْر النبيين، وأن الأرض التي
يدخلونها هي أطهر الأرَضِين،
(16/229)
وأن الله قد طهَّر بك السجن وما حوله يا
أطهر الطاهرين وابن المطهَّرين؟ (1) إنما يتطهر بفضل طهرك وطهر
آبائك الصالحين المخلَصِين! قال: كيف لي باسم الصّدِّيقين،
وتعدُّني من المخلصين، وقد أدخلت مُدْخَل المذنبين، وسميت في
الضالين المفسدين؟ (2) قال: لم يُفْتَتَنْ قلبُك، ولم تطع
سيدتك في معصية ربك، ولذلك سمَّاك الله في الصديقين، وعدّك من
المخلَصين، وألحقك بآبائك الصالحين. قال: لك علم بيعقوب أيها
الروح الأمين؟ قال: نعم، وهبه الله الصبر الجميل، وابتلاه
بالحزن عليك، فهو كظيم. قال: فما قَدْرُ حزنه؟ قال: حزن سبعين
ثكلى. قال: فماذا له من الأجر يا جبريل؟ قال: قدر مئة شهيدٍ.
19728- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن ليث، عن ثابت
البناني قال، دخل جبريل على يوسف في السجن، فعرفه يوسف قال،
فأتاه فسلم عليه، فقال: أيها الملك الطيبُ ريحه، الطاهر ثيابه،
الكريم على ربه، هل لك من علم بيعقوب؟ قال: نعم. قال: أيها
الملك الطيبُ ريحه، الطاهر ثيابه، الكريم على ربه، هل تدري ما
فعل؟ قال: ابيضَّت عيناه. قال: أيها الملك الطيب ريحه، الطاهر
ثيابه، الكريم على ربه، ممّ ذاك؟ قال: من الحزن عليك. (3) قال،
أيها الملك الطيب ريحه، الطاهر ثيابه، الكريم على ربه، وما بلغ
من حزنه؟ قال: حزن سبعين مُثْكِلة. قال: أيها الملك الطيب
ريحه، الطاهر ثيابه، الكريم على ربه، هل له على ذلك من أجر؟
قال: نعم أجر مئة شهيدٍ.
19729- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي
قال، أتى جبرئيل يوسف وهو في السجن فسلّم عليه، وجاءه في صورة
رجلٍ حسن
__________
(1) في المطبوعة والمخطوطة:" يا طهر الطاهرين"، والصواب ما
أثبت.
(2) في المطبوعة والمخطوطة:" وسميت بالضالين المفسدين"، وهو لا
يستقيم، صوابه ما أثبت. وانظر بعد قوله:" وسماك الله في
الصديقين".
(3) في المخطوطة:" قال: قد ابيضت عيناه من الحزن عليك"، وحذف
ما بين الكلامين من سؤال وجواب.
(16/230)
الوجه طيّب الريح نقيّ الثياب، فقال له
يوسف: أيها المَلك الحسن وجهه، الكريم على ربه، الطيب ريحه،
حدثني كيف يعقوب؟ قال: حزن عليك حزنًا شديدًا. قال: وما بلغ من
حزنه؟ قال: حزن سبعين مُثْكِلة. قال: فما بلغ من أجره؟ قال:
أجر سبعين أو مئة شهيدٍ. قال يوسف: فإلى من أوَى بعدي؟ قال:
إلى أخيك بنيامين. قال: فتراني ألقاه أبدًا؟ قال: نعم. فبكى
يوسف لما لقي أبوه بعده، ثم قال: ما أبالي ما لقيت إنِ اللهُ
أرانيه.
19730- ... قال: حدثنا عمرو بن محمد، عن إبراهيم بن يزيد، عن
عمرو بن دينار، عن عكرمة قال، أتى جبريل يوسف وهو في السجن،
فسلم عليه، فقال له يوسف، أيها الملك الكريم على ربه، الطيب
ريحه، الطاهر ثيابه، هل لك من علم بيعقوب؟ قال: نعم ما أشد
حزنه! قال: أيها الملك الكريم على ربه، الطيب ريحه، الطاهر
ثيابه، ماذا لَه من الأجر؟ قال: أجر سبعين شهيدًا. قال:
أفتراني لاقيه؟ قال: نعم. قال: فطابت نفس يوسف.
19731- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن ليث، عن سعيد بن
جبير قال: لما دخل يعقوب على الملك وحاجباه قد سقطا على عينيه،
قال الملك: ما هذا؟ قال: السنون والأحزان، أو: الهموم
والأحزان، فقال ربه: يا يعقوب لم تشكوني إلى خلقي، ألم أفعل بك
وأفعل؟
19732- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال،
أخبرنا الثوري، عن عبد الرحمن بن زياد، عن مسلم بن يسار يرفعه
إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: من بثَّ لم يصبر (1) ثم
قرأ: (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله) .
19733- حدثني عمرو بن عبد الحميد الآملي قال، حدثنا أبو أسامة،
__________
(1) في المخطوطة:" من بب فلم نصير"، غير منقوطة وعلى الجملة
حرف (ط) دلالة على الخطأ، والذي في المطبوعة، هو نص ما في الدر
المنثور 4: 31.
(16/231)
عن هشام، عن الحسن قال، كان منذ خرج يوسف
من عند يعقوب إلى يوم رجع ثمانون سنة، لم يفارق الحزن قلبه،
يبكي حتى ذهبَ بصره. قال الحسن: والله ما على الأرض يومئذ
خليقةٌ أكرم على الله من يعقوب صلى الله عليه وسلم.
* * *
(16/232)
يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا
فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ
رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ
إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87)
القول في تأويل قوله تعالى: {يَا بَنِيَّ
اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا
تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ
رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: حين طمع يعقوب في يوسف، قال
لبنيه: (يا بني اذهبوا) إلى الموضع الذي جئتم منه وخلفتم
أخويكم به= (فتحسَّسوا من يوسف) ، يقول: التمسوا يوسف
وتعرَّفوا من خبره.
* * *
وأصل"التحسُّس"،"التفعل" من"الحِسِّ".
* * *
= (وأخيه) يعني بنيامين= (ولا تيأسوا من روح الله) ، يقول: ولا
تقنطوا من أن يروِّح الله عنا ما نحن فيه من الحزن على يوسف
وأخيه بفرَجٍ من عنده، فيرينيهما= (إنه لا ييأس من روح الله)
يقول: لا يقنط من فرجه ورحمته ويقطع رجاءه منه (1) (إلا القوم
الكافرون) ، يعني: القوم الذين يجحدون قُدرته على ما شاءَ
تكوينه.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
__________
(1) انظر تفسير" اليأس" فيما سلف 9: 516.
(16/232)
19734- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن
أسباط، عن السدي: (يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه) ،
بمصر= (ولا تيأسوا من روح الله) ، قال: من فرج الله أن يردَّ
يوسف.
19735- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة،
في قوله: (ولا تيأسوا من روح الله) ، أي من رحمة الله.
19736- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن
معمر، عن قتادة نحوه.
19737- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال، ثم
إن يعقوب قال لبنيه، وهو على حسن ظنه بربه مع الذي هو فيه من
الحزن: (يا بني اذهبوا) إلى البلاد التي منها جئتم= (فتحسسوا
من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله) : أي من فرجه= (إنه لا
ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون)
19738- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول:
أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (ولا
تيأسوا من روح الله) ، يقول: من رحمة الله.
19739- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في
قوله: (ولا تيأسوا من روح الله) ، قال: من فرج الله، يفرِّج
عنكم الغمّ الذي أنتم فيه
* * *
(16/233)
فَلَمَّا دَخَلُوا
عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا
وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ
فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ
يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88)
القول في تأويل قوله تعالى: {فَلَمَّا
دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا
وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ
فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ
يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88) }
قال أبو جعفر: وفي الكلام متروك قد استغني بذكر ما ظهر عما
حذف، وذلك: فخرجوا راجعين إلى مصر حتى صاروا إليها، فدَخلوا
على يوسف= (فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا
الضر) ، أي الشدة من الجدب والقحط (1) = (وجئنا ببضاعة مزجاة)
. كما:-
19740- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال،
وخرجوا إلى مصر راجعين إليها= (ببضاعة مزجاة) : أي قليلة، لا
تبلغ ما كانوا يتبايعون به، إلا أن يتجاوز لهم فيها، وقد رأوا
ما نزل بأبيهم، وتتابعَ البلاء عليه في ولده وبصره، حتى قدموا
على يوسف. فلما دخلوا عليه قالوا: (يا أيها العزيز) ، رَجَاةَ
أن يرحمهم في شأن أخيهم (2) = (مسنا وأهلنا الضر) .
* * *
وعنى بقوله: (وجئنا ببضاعة مُزْجاة) بدراهم أو ثمن لا يجوز في
ثمن الطعام إلا لمن يتجاوز فيها.
* * *
وأصل"الإزجاء": السوق بالدفع، كما قال النابغة الذبياني:
وَهَبّتِ الرِّيحُ مِنْ تِلْقَاءِ ذِي أُرُلٍ ... تُزْجِي مَعَ
اللَّيْلِ مِنْ صَرَّادِهَا صِرَمَا (3)
__________
(1) انظر تفسير" الضر" فيما سلف من فهارس اللغة (ضرر) .
(2) في المطبوعة:" رجاء"، وأثبت ما في المخطوطة، وهو بمثل
معناه.
(3) ديوانه: 52، و" ذو أرل"، جبل بديار غطفان. و" الصراد"،
سحاب بارد رقيق تسفره الريح وتسوقه. و" الصرم" جمع صرمة، وهي
قطع السحاب. وقبل البيت: هَلاَّ سَأَلْتَ بَني ذُبْيَانَ ما
حَسَبي ... إذَا الدُّخَانُ تَغَشَّى الأشْمَطَ البَرَمَا
من أبيات يذكر فيها كرمه في زمن الجدب والشتاء.
(16/234)
يعني تسوق وتدفع ; ومنه قول أعشى بني
ثعلبة:
الوَاهِبُ المِئةَ الهِجَانَ وعَبْدَهَا ... عُوذًا تُزَجِّي
خَلْفَها أطْفَالَها (1)
وقول حاتم:
لِبَيْكِ عَلَى مِلْحَانَ ضَيْفٌ مُدَفَّعٌ ... وَأَرْمَلَةٌ
تُزْجِى مَعَ اللَّيلِ أَرْمَلا (2)
يعني أنها تسوقه بين يديها على ضعف منه عن المشي وعجز ; ولذلك
قيل: (ببضاعة مزجاة) ، لأنها غير نافقة، وإنما تُجَوَّز
تجويزًا على وَضعٍ من آخذيها. (3)
* * *
وقد اختلف أهل التأويل في البيان عن تأويل ذلك، وإن كانت معاني
بيانهم متقاربة.
*ذكر أقوال أهل التأويل في ذلك:
19741- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال،
حدثنا أبي=، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس:
(ببضاعة مزجاة) قال: رديَّةٍ زُيُوفٍ لا تنفق حتى يُوضَع منها.
19742- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا عمرو بن محمد العنقزي
قال، حدثنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله:
(وجئنا ببضاعة مزجاة) ، قال: الردِيّة التي لا تنفق حتى يُوضَع
منها.
__________
(1) ديوانه: 25، من قصيدته في قيس بن معد يكرب، مضت منها
أبيات. و" الهجان"، الإبل الأبيض، وهي كرام الإبل. و" العوذ"
جمع عائذ، وهي الناقة الحديثة النتاج.
(2) ليس في ديوانه، وأنشده ابن بري غير منسوب (اللسان: رمل) ،
وظاهر أن الشعر لحاتم، لأن" ملحان"، هو ابن عمه" ملحان بن
حارثة بن سعد بن الحشرج الطائي"، وكنت وقفت على أبيات من هذا
الشعر، ثم أضعتها اليوم.
(3) في المخطوطة والمطبوعة:" على نفع من آخذيها"، والصواب ما
أثبتناه، إن شاء الله، تدل عليه الآثار الآتية بعد. ولو قرئت"
على دفع"، فلا بأس بذلك.
(16/235)
19743- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن
عيينة، عن عثمان بن أبي سليمان، عن ابن أبي مليكة، عن ابن
عباس: (وجئنا ببضاعة مزجاة) ، قال: خَلَقٍ (1) الغِرَارة
والحبلُ والشيء.
19744- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال،
أخبرنا ابن عيينة، عن عثمان بن أبي سليمان، عن ابن أبي مليكة
قال، سمعت ابن عباس، وسئل عن قوله: (وجئنا ببضاعة مزجاة) ،
قال: رِثَّةُ المتاع، (2) الحبلُ والغرارةُ والشيء.
19745- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق
قال، أخبرنا ابن عيينة، عن عثمان بن أبي سليمان، عن ابن أبي
مليكة، عن ابن عباس، مثله.
19746- حدثنا محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال،
حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وجئنا ببضاعة مزجاة)
، قال:"البضاعة"، الدراهم، (3) و"المزجاة": غير طائل.
19747- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم،
عن ابن أبي زياد، عمن حدثه، عن ابن عباس قال، كاسدة غير طائل.
19748- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو بكر بن عياش قال، حدثنا
أبو حصين، عن سعيد بن جبير، وعكرمة،: (وجئنا ببضاعة مزجاة) ،
قال سعيد: ناقصة= وقال عكرمة: دراهم فُسُول. (4)
__________
(1) الخلق: البالي.
(2) الرث (بفتح الراء) ، والرثة (بكسرها) ، والرثيث: الخلق
الخسيس البالي من كل شيء.
(3) انظر تفسير" البضاعة" فيما سلف: ص: 4، 156.
(4) " فسول" جمع" فسل" (بفتح فسكون) : وهو الردئ الرذل من كل
شيء. يقال:" دراهم فسول"، أي: زيوف.
(16/236)
19749- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو بكر
بن عياش، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير وعكرمة، مثله.
19750- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال،
حدثنا أبي=، عن إسرائيل، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير وعكرمة:
(وجئنا ببضاعة مزجاة) ، قال أحدهما: ناقصة. وقال الآخر:
رديَّةٌ.
19751- ... وبه قال، حدثنا أبي عن سفيان، عن يزيد بن أبي زياد،
عن عبد الله بن الحارث قال، كان سَمْنًا وصُوفًا.
19752- حدثنا الحسن قال، حدثنا علي بن عاصم، عن يزيد بن أبي
زياد قال: سأل رجل عبد الله بن الحارث وأنا عنده عن قوله:
(وجئنا ببضاعة مزجاة) ، قال: قليلةٌ، متاعُ الأعراب: الصوفُ
والسَّمن.
19753- حدثنا إسحاق بن زياد القطان أبو يعقوب البصري، قال،
حدثنا محمد بن إسحاق البلخي، قال: حدثنا مروان بن معاوية
الفزاري، عن مروان بن عمرو العذري، عن أبي إسماعيل، عن أبي
صالح، في قوله: (وجئنا ببضاعة مزجاة) ، قالالصنوبر والحبة
الخضراء. (1)
19754- حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن يزيد بن
الوليد، عن إبراهيم، في قوله: (وجئنا ببضاعة مزجاة) ، قال:
قليلة، ألا تسمع إلى قوله:"فَأَوْقِرْ رِكَابَنَا"، وهم يقرءون
كذلك. (2)
__________
(1) الأثر: 19753 -" إسحاق بن زياد القطان"،" أبو يعقوب
البصري"، شيخ الطبري لم أجد له بعد ترجمة، وقد مضى برقم:
14146، وهو هناك" العطار النصري"، ثم في رقم: 17430، وهو
هناك:" إسحاق بن زيادة العطار؛" بزيادة التاء. ولا طاقة لنا
بالفصل في ذلك، حتى نجد ما يدل عليه.
و" محمد بن إسحاق البلخي: مضى برقم: 14146، روى عنه هناك"
إسحاق بن زياد" أيضًا.
و" مروان بن معاوية الفزاري"، مضى مرارًا آخرها: 15446.
أما" مروان بن عمرو العذري"، فلم أجد له ذكرًا في كتب التراجم،
وأخشى أن كون فيه تحريف وأما" أبو إسماعيل". فلم أتبين من
يكون، لما في هذا الإسناد من الظلمة.
(2) يعني أصحاب عبد الله بن مسعود، كما سترى في الأثر التالي.
(16/237)
19755- حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا
هشيم، قال، أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم، أنه قال: ما أراها إلا
القليلة، لأنها في مصحف عبد الله:"وَأَوْقِرْ رِكَابَنا"، يعني
قوله:"مزجاة".
19756- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جرير، عن القعقاع بن يزيد،
عن إبراهيم قال، قليلة، ألم تسمع إلى قوله:"وَأَوْقِرْ
رِكَابنَا"؟
19757- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، عن أبي بكر
الهذلي، عن سعيد بن جبير والحسن: بضاعة مزجاة قال سعيد:
الرديّة= وقال الحسن: القليلة.
19758- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن إدريس، عن يزيد، عن عبد
الله بن الحارث قال، متاع الأعراب سمنٌ وصوف.
19759- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن إدريس، عن أبيه، عن
عطية قال، دراهم ليست بطائل. (1)
19760- حدثني محمد بن عمرو، قال، حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا
عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (مزجاة) ، قال: قليلة.
19761- حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا
ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (مزجاة) قال: قليلة.
19762- حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل،
عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
19763- ... قال، حدثنا قبيصة بن عقبة، قال، حدثنا سفيان، عن
يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث: (وجئنا ببضاعة
مزجاة) قال: شيء من صوف، وشيء من سمن.
__________
(1) ] في المخطوطة:" ليس بطائل"، ولا بأس به.
(16/238)
19764- ... قال، حدثنا عمرو بن عون، قال،
أخبرنا هشيم، عن منصور، عن الحسن قال: قليلة.
19765- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج،
عمن حدثه، عن مجاهد: (مزجاة) قال: قليلة.
19766- حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن
ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
19767- ... قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن
أبي حصين، عن عكرمة قال: ناقصة= وقال سعيد بن جبير: فُسُولٌ.
19768- ... قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن أبي بكر،
عن سعيد بن جبير: (وجئنا ببضاعة مزجاة) ، قال: رديّة.
19769- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن
الضحاك قال: كاسدة لا تنفق.
19770- حدثني المثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قالأخبرنا هشيم،
عن جويبر، عن الضحاك قال: كاسدة.
19771- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبدة، عن جويبر، عن الضحاك
قال: كاسدة غير طائل.
19772- حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول:
حدثنا عبيد قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (ببضاعة مزجاة) ،
يقول: كاسدة غير نافقة.
19773- حدثنا أحمد بن إسحاق، قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري،
قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير: (وجئنا
ببضاعة مزجاة) ، قالالناقصة= وقال عكرمة: فيها تجوُّزٌ.
(16/239)
19774- ... قال، حدثنا إسرائيل، عن سماك،
عن عكرمة، عن ابن عباس قال: الدراهم الرديّة التي لا تجوز إلا
بنقصان.
19775- ... قال، حدثنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد قال:
الدراهم الرُّذَال، (1) التي لا تجوز إلا بنقصان. (2)
19776- حدثنا ابن وكيع، قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي
قال: دراهم فيها جَوازٌ.
19777- حدثنا بشر، قال، حدثنا يزيد، قال، حدثنا سعيد، عن
قتادة، قوله: (وجئنا ببضاعة مزجاة) :، أي: يسيرة.
19778- حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال، حدثنا محمد بن ثور، عن
معمر، عن قتادة، مثله.
19779- حدثنا يونس، قال، أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في
قوله: (وجئنا ببضاعة مزجاة) قال:"المزجاة"، القليلة.
19780- حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (وجئنا
ببضاعة مزجاة) :، أي قليلة لا تبلغ ما كنا نشتري به منك، إلا
أن تتجاوز لنا فيها.
* * *
وقوله: (فأوف لنا الكيل) ..... بها (3) وأعطنا بها ما كنت
تعطينا
__________
(1) ] يقال:" هذا رذل" و" هذا رذال" (بضم الراء) أي: دون خسيس
رديء. وفي المخطوطة (الرذل) وهو مثله.
(2) الأثر (19775) في المطبوعة (إسرائيل عن ابن أبي نجيح) غير
ما في المخطوطة، فإنه كان فيها:" عن أبي يحيى" كأنه أراد أن
يكتب" نجيح"، ثم صيرها:" يحيى"، غير منقوطة. و" أبو يحيى"،
هو:" أبو يحيى القتات الكوفي"، وهو الذي يروي عن مجاهد، وقد
سلف برقم: 12139، 15697.
(3) لا شك عندي أنه قد سقط من كلام أبي جعفر شيء في تفسير" أوف
لنا"، لم يبق منه إلا قوله:" بها"، فلذلك وضعت هذه النقط.
والمراد من ذلك ظاهر، كأنه كتب:" فأتم لنا حقوقنا في الكيل
بها، وأعطنا ... "، وانظر تفسير" الإيفاء" فيما سلف 12: 224،
554.
(16/240)
قبل بالثمن الجيّد والدراهم الجائزة
الوافية التي لا تردّ، كما:-
19781- حدثنا ابن حميد، قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (فأوف
لنا الكيل) :، أي أعطنا ما كنت تعطينا قَبْلُ، فإن بضاعتنا
مزجاة.
19782- حدثنا ابن وكيع، قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي:
(فأوف لنا الكيل) قال: كما كنت تعطينا بالدراهم الجياد.
* * *
وقوله: (وتصدق علينا) يقول تعالى ذكره: قالوا: وتفضل علينا بما
بَيْنَ سعر الجياد والرديّة، فلا تنقصنا من سعر طَعامك لرديِّ
بضاعتنا= (إن الله يجزي المتصدقين) ، يقول: إن الله يثيب
المتفضلين على أهل الحاجة بأموالهم. (1)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19783- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي:
(وتصدق علينا) ، قال: تفضل بما بين الجياد والرديّة.
19784- حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن
أبي بكر، عن سعيد بن جبير: (فأوف لنا الكيل وتصدق علينا) ، لا
تنقصنا من السعر من أجل رديّ دراهمنا.
* * *
واختلفوا في الصدقة، هل كانت حلالا للأنبياء قبل نبيِّنا محمد
صلى الله عليه وسلم، أو كانت حرامًا؟
فقال بعضهم: لم تكن حلالا لأحدٍ من الأنبياء عليهم السلام.
*ذكر من قال ذلك:
19785- حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن
أبي بكر، عن سعيد بن جبير قال، ما سأل نبيٌّ قطٌّ الصَّدقَة،
ولكنهم قالوا:
__________
(1) انظر تفسير" التصدق" فيما سلف 9: 31، 37، 38 / 14: 369.
(16/241)
(جئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق
علينا) ، لا تنقصنا من السعر.
* * *
وروي عن ابن عيينة ما:-
19786- حدثني به الحارث، قال: حدثنا القاسم قال: يحكى عن سفيان
بن عيينة أنه سئل: هل حرمت الصدقة على أحدٍ من الأنبياء قبل
النبيّ صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ألم تسمع قوله: (فأوف لنا
الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين) .
= قال الحارث: قال القاسم: يذهب ابن عيينة إلى أنهم لم يقولوا
ذلك إلا والصدقة لهم حلالٌ، وهم أنبياء، فإن الصدقة إنما
حُرِّمت على محمد صلى الله عليه وسلم، وعليهم. (1)
* * *
وقال آخرون: إنما عنى بقوله: (وتصدق علينا) وتصدق علينا بردّ
أخينا إلينا.
*ذكر من قال ذلك:
19787- حدثنا القاسم، قال، حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن
ابن جريج، قوله: (وتصدق علينا) قال: رُدَّ إلينا أخانا.
* * *
قال أبو جعفر: وهذا القول الذي ذكرناه عن ابن جريج، وإن كان
قولا له وجه، فليس بالقول المختار في تأويل قوله: (وتصدَّق
علينا) لأن"الصدقة" في متعارف [العرب] ، (2) إنما هي إعطاء
الرجل ذا حاجةٍ بعض أملاكه ابتغاءَ ثواب الله
__________
(1) في المطبوعة:" صلى الله عليه وسلم لا عليهم"، غير ما في
المخطوطة، كأنه ظن أن قوله:" وعليهم"، معطوف على قوله:" إنما
حرمت على محمد ... وعليهم"، وظاهر أن المراد:" صلى الله عليه
وسلم وعليهم"، أي: وصلى عليهم.
(2) في المطبوعة:" في المتعارف"، وفي المخطوطة:" في متعارف
إنما هي"، وفي الكلام سقط لا شك فيه، وإنما سقط منه لأن"
متعارف" هي آخر كلمة في الصفحة، و" إنما" في أول الصفحة
الأخرى، فسها الناسخ، فاستظهرت هذه الزيادة التي بين القوسين.
(16/242)
قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ
مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ
(89)
عليه، (1) وإن كان كلّ معروف صدقةً، فتوجيه
تأويل كلام الله إلى الأغلب من معناه في كلام من نزل القرآن
بلسانه أولى وأحرى.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال مجاهد.
19788- حدثني الحارث، قال، حدثنا القاسم، قال، حدثنا مروان بن
معاوية، عن عثمان بن الأسود، قال: سمعت مجاهدًا، وسئل: هل
يُكْرَهُ أن يقول الرجل في دعائه: اللهم تصدّق عليّ؟ فقال:
نعم، إنما الصَّدقة لمن يبغي الثوابَ.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا
فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ (89)
}
قال أبو جعفر: ذكر أن يوسف صلوات الله عليه لما قال له إخوته:
(يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا
الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين) ، أدركته الرقّة
وباح لهم بما كان يكتمهم من شأنه، كما:-
19789- حدثنا ابن حميد، قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال،
ذكر لي أنهم لما كلموه بهذا الكلام غلبته نفسه، فارفضَّ دمعه
باكيًا، ثم باح لهم بالذي يكتم منهم، فقال: (هل علمتم ما فعلتم
بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون) ؟ ولم يعن بذكر أخيه ما صنعه هو
فيه حين أخذه، ولكن للتفريق بينه وبين أخيه، إذ صنعوا بيوسف ما
صنعوا.
__________
(1) في المطبوعة:" إعطاء الرجل ذا الحاجة"، وهو خطأ وتصرف في
نص المخطوطة لا وجه له والصواب ما في المخطوطة كما أثبته.
وقوله:" ذا حاجة" مفعول المصدر من قوله:" إعطاء الرجل.. .".
(16/243)
قَالُوا أَإِنَّكَ
لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ
مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ
فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90)
19790- حدثنا ابن وكيع، قال، حدثنا عمرو،
قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها
العزيز مسنا وأهلنا الضر) ، الآية، قال: فرحمهم عند ذلك، فقال
لهم: (هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون) ؟
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام: هل تذكرون ما فعلتم بيوسف وأخيه،
إذ فرقتم بينهما وصنعتم ما صنعتم إذ أنتم جاهلون؟ يعني في حال
جهلكم بعاقبة ما تفعلون بيوسف، وما إليه صائر أمره وأمركم.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا أَئِنَّكَ لأَنْتَ
يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ
عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا
يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال إخوة يوسف له حين قال لهم
ذلك يوسف: (إنك لأنت يوسف) ؟ ، فقال: نعم أنا يوسف= (وهذا أخي
قد مَنَّ الله علينا) بأن جمع بيننا بعد ما فرقتم بيننا= (إنه
من يتق ويصبر) ، يقولإنه من يتق الله فيراقبه بأداء فرائضه
واجتناب معاصيه= (ويصبر) ، يقول: ويكفّ نفسه، فيحبسها عما
حرَّم الله عليه من قول أو عمل عند مصيبةٍ نزلتْ به من الله
(1) = (فإن الله لا يضيع أجر المحسنين) ، يقول: فإن الله لا
يُبْطل ثواب إحسانه وجزاء طاعته إيَّاه فيما أمره ونهاه.
* * *
وقد اختلف القرأة في قراءة قوله: (أإنك لأنت يوسف) .
فقرأ ذلك عامة قرأة الأمصار: (أَإِنّكَ) ، على الاستفهام.
__________
(1) انظر تفسير" التقوى"، و" الصبر" فيما سلف من فهارس اللغة
(وقى) ، (صبر) .
(16/244)
قَالُوا تَاللَّهِ
لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ
(91)
* * *
وذكر أن ذلك في قراءة أبيّ بن كعب:"أَوَأَنْتَ يُوسُفُ.
* * *
وروي عن ابن محيصن أنه قرأ:"إِنَّكَ لأَنْتَ يُوُسُفُ"، على
الخبر، لا على الاستفهام.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندنا، قراءةُ من
قرأه بالاستفهام، لإجماع الحجّة من القرأة عليه.
* * *
19791- حدثنا ابن حميد، قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال،
لما قال لهم ذلك= يعني قوله: (هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه
إذ أنتم جاهلون) = كشف الغِطاء فعرفوه، فقالوا: (أإنك لأنت
يوسف) ، الآية.
19792- حدثنا القاسم، قال، حدثنا الحسين، قال، حدثني من سمع
عبد الله بن إدريس يذكر، عن ليث، عن مجاهد، قوله: (إنه من يتق
ويصبر) ، يقول: من يتق معصية الله، ويصبر على السِّجن.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ
اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ (91) }
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: قال إخوة يوسف له: تالله لقد
فضلك الله علينا، وآثرك بالعلم والحلم والفضل= (وإن كنا
لخاطئين) ، يقول: وما كنا في فعلنا الذي فعلنا بك، في تفريقنا
بينك وبين أبيك وأخيك وغير ذلك من صنيعنا الذي صنعنا بك، إلا
خاطئين= يعنون: مخطئين.
* * *
يقال منه:"خَطِئَ فلان يَخْطَأ خَطَأ وخِطْأً، وأخطأ يُخْطِئُ
إِخْطاءً"، (1)
__________
(1) انظر تفسير" خطيء" فيما سلف 2: 110 / 6: 134.
(16/245)
ومن ذلك قول أمية بن الأسكر:
وَإنَّ مُهَاجِرَيْنِ تَكَنَّفَاهُ ... لَعَمْرُ اللهِ قَدْ
خَطِئا وحَابَا (1)
* * *
__________
(1) مضى البيت وتخريجه وتصويب روايته فيما سلف 2: 110 / 7:
529، ويزاد عليه، مجاز القرآن 1: 113، 318، وكان في المطبوعة
والمخطوطة هنا أيضًا" وخابا" بالخاء، وقد فسره أبو جعفر في 7:
529، بمعنى: أثما، من" الحوب" وهو الإثم، وهو الصواب المحض إن
شاء الله.
(16/246)
قَالَ لَا تَثْرِيبَ
عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ
الرَّاحِمِينَ (92)
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19793- حدثنا ابن وكيع، قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي
قال: لما قال لهم يوسف: (أنا يوسف وهذا أخي) اعتذروا إليه
وقالوا: (تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين) فيما كنا
صنعنا بك.
19794- حدثنا بشر، قال، حدثنا يزيد، قال، حدثنا سعيد، عن
قتادة، قوله: (تالله لقد آثرك الله علينا) وذلك بعد ما عرَّفهم
أنفسهم، يقول: جعلك الله رجلا حليمًا.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ
الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ
الرَّاحِمِينَ (92) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال يوسف لإخوته: (لا تثريب)
يقول: لا تعيير عليكم (1) ولا إفساد لما بيني وبينكم من الحرمة
وحقّ الأخوة، ولكن لكم عندي الصفح والعفو.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19795- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد، قال، حدثنا سعيد، عن قتادة
قوله: (لا تثريب عليكم) ، لم يثرِّب عليهم أعمالهم.
19796- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق، قال، حدثنا عبد الله بن
الزبير، قوله: (لا تثريب عليكم اليوم) ، قال: قال سفيان: لا
تعيير عليكم.
19797- حدثنا ابن حميد، قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (قال
لا تثريب عليكم اليوم) :، أي لا تأنيب عليكم اليوم عندي فيما
صنعتم.
19798- وحدثنا ابن وكيع، قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي
قال، اعتذروا إلى يوسف فقال: (لا تثريب عليكم اليوم،) يقول: لا
أذكر لكم ذنبكم.
* * *
وقوله: (يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين) ، وهذا دعاء من يوسف
لإخوته بأن يغفر الله لهم ذنبهم فيما أتوا إليه وركبوا منه من
الظلم، يقول: عفا الله لكم عن ذنبكم وظلمكم، فستره عليكم= (وهو
أرحم الراحمين) ، يقول: والله أرحم الراحمين لمن تاب من ذنبه،
(2) وأناب إلى طاعته بالتوبة من معصيته. كما:-
19799- حدثنا ابن حميد، قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (يغفر
الله وهو أرحم الراحمين) حين اعترفوا بذنبهم.
* * *
__________
(1) في المطبوعة والمخطوطة:" تغيير"، بالغين، والصواب ما أثبته
بالعين المهملة، وهو صريح اللغة. وقد صححته في كل موضع يأتي
بعد هذا.
(2) في المطبوعة والمخطوطة:" ممن تاب"، وصواب الكلام ما أثبت.
(16/247)
اذْهَبُوا بِقَمِيصِي
هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا
وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93) وَلَمَّا فَصَلَتِ
الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ
لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ (94)
القول في تأويل قوله تعالى: {اذْهَبُوا
بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ
بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93) }
قال أبو جعفر: ذكر أن يوسف صلى الله عليه وسلم لما عرّف نفسه
إخوته، سألهم عن أبيهم، فقالوا: ذهب بصره من الحزن! فعند ذلك
أعطاهم قميصَه وقال لهم: (اذهبوا بقميصي هذا) .
* * *
*ذكر من قال ذلك:
19800- حدثنا ابن وكيع، قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي
قال: قال لهم يوسف: ما فعل أبي بعدي؟ قالوا: لما فاته بنيامين
عمي من الحزن. قال: (اذهبوا بقميصي هذا فألقوا على وجه أبي يأت
بصيرًا وأتوني بأهلكم أجمعين) .
* * *
وقوله: (يأت بصيرًا) يقول: يَعُدْ بصيرًا (1) = (وأتوني بأهلكم
أجمعين) ، يقول: وجيئوني بجميع أهلكم.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ
أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ
تُفَنِّدُونِ (94) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولما فصلت عير بني يعقوب من
عند يوسف متوجهة إلى يعقوب، (2) قال أبوهم يعقوب: (إني لأجد
ريح يوسف) .
__________
(1) هذا معنى يقيد في معاجم اللغة، في باب" أتى"، بمعنى: عاد =
وهو معنى عزيز لم يشر إليه أحد من أصحاب المعاجم التي بين
أيدينا.
(2) انظر تفسير" فصل" فيما سلف 5: 338.
(16/248)
ذُكر أن الريح استأذنت ربها في أن تأتي
يعقوب بريح يوسف قبل أن يأتيه البشير، فأذن لها، فأتته بها.
* * *
*ذكر من قال ذلك:
19801- حدثني يونس، قالأخبرنا ابن وهب، قال: حدثني أبو شريح،
عن أبي أيوب الهوزني حَدّثه قال، استأذنت الريح أن تأتي يعقوب
بريح يوسف حين بعث بالقميص إلى أبيه قبل أن يأتيه البشير،
ففعل. قال يعقوب: (إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون) . (1)
19802- حدثنا أبو كريب، قال، حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي
سنان، عن ابن أبي الهذيل، عن ابن عباس، في قوله: (ولما فصلت
العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون) ، قال:
هاجت ريح، فجاءت بريح يوسف من مسيرة ثمان ليالٍ، فقال: (إني
لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون) . (2)
19803- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن أبي
سنان، عن ابن أبي الهذيل، عن ابن عباس: (ولما فصلت العير) قال:
هاجت ريح، فجاءت بريح قميص يوسف من مسيرة ثمان ليال.
19804- حدثني أبو السائب، قال: حدثنا ابن فضيل، عن ضرار، عن
ابن أبي الهذيل قال، سمعت ابن عباس يقول: وجد يعقوب ريح يوسف،
وهو منه على مسيرة ثمان ليال.
__________
(1) الأثر: 19801 -" أبو شريح"، وهو:" عبد الرحمن بن شريح بن
عبد الله المعافري"، ثقة روى له الجماعة، مضى برقم: 6199.
وأما" أبو أيوب الهوزني"، فلم أستطع أن أعرف من هو، وقد ذكره
الطبري بكنيته هنا، وفي تاريخه 1: 185، وساق هذا الخبر بنصه.
(2) الأثر: 19801 -" أبو سنان"، هو الشيباني الأكبر:"ضرار بن
مرة"، ثقة، مضى برقم: 17336، 17337، وسيأتي الخبر بعد رقم:
19804 وما بعده.
و" ابن أبي الهذيل"، هو" عبد الله ابن أبي الهذيل العنزي"،
ثقة، مضى برقم: 13932.
(16/249)
19805- حدثنا ابن وكيع والحسن بن محمد،
قالا حدثنا سفيان بن عيينة، عن أبي سنان، عن ابن أبي الهذيل
قال، كنت إلى جنب ابن عباس، فسئل: من كم وجد يعقوب ريح القميص؟
قال: من مسيرة سبع ليالٍ أو ثمان ليال.
19806- حدثنا ابن وكيع، قال، حدثنا جرير، عن أبي سنان، عن ابن
أبي الهذيل قال: قال لي أصحابي: إنك تأتي ابن عباس، فسله لنا.
قال: فقلت: ما أسأله عن شيء، ولكن أجلس خلف السرير، فيأتيه
الكوفيون فيسألون عن حاجتهم وحاجتي، فسمعته يقول: وجد يعقوب
ريح قميص يوسف من مسيرة ثمان ليال، قال ابن أبي الهذيل: فقلت:
ذاك كمكان البصرة من الكوفة.
19807- حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا علي بن عاصم، عن ضرار
بن مرة، عن عبد الله بن أبي الهذيل، قال: سمعت ابن عباس يقول:
وجد يعقوب ريح قميص يوسف من مسيرة ثمان ليال. قال: فقلت في
نفسي: هذا كمكان البصرة من الكوفة
19808- حدثنا أبو كريب، قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع،
قال، حدثنا أبي=، عن سفيان، عن أبي سنان، عن ابن أبي الهذيل،
عن ابن عباس، في قوله: (إني لأجد ريح يوسف) قال: وجد ريح قميص
يوسف من مسيرة ثمان ليال. قال: قلت له: ذاك كما بين البصرة إلى
الكوفة. واللفظ لحديث أبي كريب.
19809- حدثنا الحسين بن محمد، قال، حدثنا عاصم وعلي، قالا
أخبرنا شعبة قال، أخبرني أبو سنان، قال، سمعت عبد الله بن أبي
الهذيل، عن ابن عباس في هذه الآية: (إني لأجد ريح يوسف) ، قال:
وجد ريحه من مسيرة ما بين البصرة إلى الكوفة.
19810- حدثني المثنى، قال: حدثنا آدم العسقلاني، قال، حدثنا
شعبة، قال: حدثنا أبو سنان، قال: سمعت عبد الله بن أبي الهذيل
يحدث عن ابن عباس، مثله.
(16/250)
19811- ... قال: حدثنا أبو نعيم، قال:
حدثنا سفيان، عن أبي سنان، عن عبد الله بن أبي الهذيل، قال:
كنا عند ابن عباس فقال: (إني لأجد ريح يوسف) قال: وجد ريح
قميصه من مسيرة ثمان ليال.
19812- حدثنا الحسن بن يحيى، قالأخبرنا عبد الرزاق، قالأخبرنا
إسرائيل، عن أبي سنان، عن عبد الله بن أبي الهذيل، قال: سمعت
ابن عباس يقول: (ولما فصلت العير) قال: لما خرجت العير، هاجت
ريح فجاءت يعقوبَ بريح قميص يوسف، فقال: (إني لأجد ريح يوسف
لولا أن تفندون) قال: فوجد ريحه من مسيرة ثمان ليال.
19813- حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن
قتادة، عن الحسن: ذكر لنا أنه كان بينهما يومئذ ثمانون فرسخًا،
يوسف بأرض مصر ويعقوب بأرض كنعان، وقد أتى لذلك زمان طويل. (1)
19814- حدثنا القاسم، قال، حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن
ابن جريج، قوله: (إني لأجد ريح يوسف) قال: بلغنا أنه كان بينهم
يومئذ ثمانون فرسخًا، وقال: (إني لأجد ريح يوسف) وكان قد فارقه
قبل ذلك سبعًا وسبعين سنة.
19815- حدثنا أحمد بن إسحاق، قال، حدثنا أبو أحمد، قال، حدثنا
سفيان، عن أبي سنان، عن عبد الله بن أبي الهذيل، عن ابن عباس،
في قوله: (إني لأجد ريح يوسف) قال: وجد ريح القميص من مسيرة
ثمانية أيام.
19816- ... قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي
سنان، عن عبد الله بن أبي الهذيل، عن ابن عباس، قوله: (ولما
فصلت العير) قال: فلما خرجت العير هبت ريح، فذهبت بريح قميص
يوسف إلى يعقوب،
__________
(1) قوله:" وقد أتى لذلك زمان طويل"، يعني مدة فراق يعقوب
ويوسف، كما يظهر من الأثر التالي.
(16/251)
فقال: (إني لأجد ريح يوسف) قال: ووجد ريح
قميصه من مسيرة ثمانية أيام.
19817- حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال:
لما فصلت العير من مصر استروَح يعقوب ريح يوسف، فقال لمن عنده
من ولده: (إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفنّدون) .
* * *
وأما قوله: (لولا أن تفندون) ، فإنه يعني: لولا أن تعنّفوني،
وتعجّزوني، وتلوموني، وتكذبوني.
ومنه قول الشاعر: (1)
يَا صَاحِبَيَّ دَعَا لَوْمِي وَتَفْنِيدِي ... فَلَيْسَ مَا
فَاتَ مِنْ أَمْرِي بمَرْدُودِ (2)
ويقال:"أفند فلانًا الدهر"، وذلك إذا أفسده، ومنه قول ابن
مقبل:
دَعِ الدَّهْرَ يَفْعَلْ مَا أَرَادَ فإنَّهُ ... إِذا كُلِّفَ
الإفْنَاد بالنِّاسِ أَفْنَدا (3)
* * *
واختلف أهل التأويل في معناه.
فقال بعضهم: معناه: لولا أن تسفهوني.
*ذكر من قال ذلك:
19818- حدثنا ابن وكيع، قال، حدثنا ابن عيينة، عن أبي سنان، عن
ابن أبي الهذيل، عن ابن عباس: (لولا أن تفندون) قال: تسفّهون.
19819- حدثنا أبو كريب، قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع،
قال، حدثنا أبي=، عن إسرائيل، عن أبي سنان، عن ابن أبي الهذيل،
عن ابن عباس، مثله.
__________
(1) هو هانئ بن شكيم العدوي، هكذا نسبة أبو عبيدة.
(2) مجاز القرآن 1: 318، وروايته هناك:" عن أمر"، بغير إضافة.
(3) لم أجد البيت فيما بين يدي من المراجع.
(16/252)
19820- ... وبه قال، حدثنا أبي، عن سفيان،
عن خصيف، عن مجاهد: (لولا أن تفندون) قال: تسفّهون.
19821- حدثني المثنى وعلي بن داود قالا حدثنا عبد الله، قال:
حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (لولا أن تفندون)
يقول: تجهِّلون.
19822- حدثنا أحمد بن إسحاق، قال، حدثنا أبو أحمد، قال، حدثنا
إسرائيل، عن أبي سنان، عن عبد الله بن أبي الهذيل، عن ابن
عباس: (لولا أن تفندون) ، قال: لولا أن تسفهون.
19823- حدثنا أحمد، قال، حدثنا أبو أحمد= وحدثني المثنى، قال،
حدثنا أبو نعيم= قالا جميعًا: حدثنا سفيان، عن خصيف، عن مجاهد:
(لولا أن تفندون) ، قال: لولا أن تسفهون.
19824- حدثني المثنى، قال، حدثنا الحماني، قال: حدثنا شريك، عن
أبي سنان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، وسالم عن سعيد=:
(لولا أن تفندون) ، قال أحدهما: تسفهون= وقال الآخر: تكذبون.
19825- حدثني يعقوب، قال، حدثنا هشيم، قال، أخبرنا عبد الملك
بن أبي سليمان، عن عطاء: (لولا أن تفندون) ، قال: لولا أن
تكذبون، لولا أن تسفّهون.
19826- حدثنا ابن وكيع، قال، حدثنا يزيد بن هارون، عن عبد
الملك، عن عطاء قال، تسفهون.
19827- حدثنا بشر، قال، حدثنا يزيد، قال، حدثنا سعيد، عن
قتادة: (لولا أن تفندون) ، يقول: لولا أن تسفهون.
19828- حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن
معمر، عن قتادة: (لولا أن تفندون) ، يقول: لولا أن تسفهون.
19829- حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال،
أخبرنا
(16/253)
إسرائيل، عن أبي سنان، عن عبد الله بن أبي
الهذيل، قال: سمعت ابن عباس يقول: (لولا أن تفندون) ، يقول:
تسفهّون.
19830- حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا
ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (لولا أن تفندون) ،
قال: ذهبَ عقله!
19831- حدثني محمد بن عمرو، قال، حدثنا أبو عاصم، قال، حدثنا
عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (تفندون) ، قال: قد ذهبَ
عقله!
19832- حدثني المثنى، قال، حدثنا أبو حذيفة، قال، حدثنا شبل،
عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد=
19833- وحدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق، قال، حدثنا عبد الله،
عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (لولا أن تفندون) ، قال:
قد ذهب عقله!
19834- حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن
ابن جريج، عن مجاهد: (لولا أن تفندون) قال: لولا أن تقولوا:
ذهب عقلك!
19835- حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (لولا
أن تفندون) ، يقول: لولا أن تضعِّفوني.
19836- حدثني يونس، قال، أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في
قوله: (لولا أن تفندون) ، قالالذي ليس له عقل ذلك"المفنّد"،
يقول: لا يعقل. (1)
* * *
وقال آخرون: معناه: لولا أن تكذبون.
*ذكر من قال ذلك:
19837- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا سويد بن عمرو الكلبي، عن
شريك، عن سالم عن سعيد: (لولا أن تفندون) قال: تكذبون.
__________
(1) في المطبوعة:" يقولون: لا يعقل"، وما في المخطوطة صواب
محض، على منهاجهم.
(16/254)
19838- ... قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن
السدي قال: لولا أن تهرِّمون وتكذبون.
19839- ... قال: حدثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج، قال: بلغني
عن مجاهد قال: تكذبون.
19840- ... قال: حدثنا عبدة، وأبو خالد، عن جويبر، عن الضحاك
قال: لولا أن تكذبون.
19841- حدثت عن الحسين، قال، سمعت أبا معاذ، يقول، حدثنا عبيد
بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (لولا أن تفندون)
تكذبون.
19842- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو قال، أخبرنا هشيم، عن عبد
الملك، عن عطاء في قوله: (لولا أن تفندون) قال: تسفهون أو
تكذبون.
19843- حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي،
قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (لولا أن تفندون)
، يقول: تكذبون.
* * *
وقال آخرون: معناه تهرِّمون.
*ذكر من قال ذلك:
19844- حدثنا أحمد بن إسحاق، قال، حدثنا أبو أحمد، قال، حدثنا
إسرائيل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (لولا أن تفندون) ، قال:
لولا أن تهرِّمون.
19845- حدثنا ابن وكيع، قال، حدثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن
أبي يحيى، عن مجاهد، مثله.
19846- حدثنا بشر، قال، حدثنا يزيد، قال، حدثنا سعيد، عن
قتادة، عن الحسن قال: تهرِّمون.
19847- حدثني يعقوب، قال، حدثنا هشيم، قال، أخبرنا أبو الأشهب،
(16/255)
قَالُوا تَاللَّهِ
إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ (95)
عن الحسن: (لولا أن تفندون) ، قال:
تهرِّمون.
19848- حدثني المثنى، قال، حدثنا عمرو بن عون، قال، أخبرنا
هشيم، عن أبي الأشهب وغيره، عن الحسن، مثله.
* * *
قال أبو جعفر: وقد بينا أن أصل"التفنيد":الإفساد. وإذا كان ذلك
كذلك فالضعف والهرم والكذب وذهاب العقل وكل معاني الإفساد تدخل
في التفنيد، لأن أصل ذلك كله الفساد والفساد في الجسم: الهرمُ
وذهاب العقل والضعف= وفي الفعل: الكذب واللوم بالباطل، ولذلك
قال جرير بن عطية:
يا عَاذِليَّ دَعَا المَلامَ وأَقْصِرَا ... طَالَ الهَوَى
وأَطَلْتُما التَّفْنيدا (1)
يعني: الملامة= فقد تبيّن، إذ كان الأمر على ما وصفنا، أنّ
الأقوال التي قالها من ذكرنا قولَه في قوله: (لولا أن تفندون)
على اختلاف عباراتهم عن تأويله، متقاربةُ المعاني، محتملٌ
جميعَها ظاهرُ التنزيل، إذ لم يكن في الآية دليلٌ على أنه
معنيٌّ به بعض ذلك دون بعض.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي
ضَلالِكَ الْقَدِيمِ (95) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال الذين قال لهم يعقوب من
ولده (إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون) : تالله، أيها الرجل،
إنك من حبّ يوسف وذكره لفي خطئك وزللك القديم (2) لا تنساه،
ولا تتسلى عنه.
__________
(1) ديوانه: 169، من قصيدة له طويلة، ورواية البيت خطأ في
الديوان، صوابه ما ههنا،" وأقصرا"، بالراء، من" الإقصار"، وهو
الكف عن فعل الشيء.
(2) في المخطوطة:" لفي حطامك في ذلك القديم" غير منقوطة،
والصواب ما في المطبوعة. ولكنه كتب هناك:" خطئك" مكان" خطائك"،
وهما بمعنى واحد. وسيأتي في مواضع أخرى، سأصححها على رسم
المخطوطة.
(16/256)
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19849- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية،
عن علي، عن ابن عباس، قوله: (إنك لفي ضلالك القديم) ، يقول:
خطائك القديم.
19850- حدثنا بشر، قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:
(قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم) أي:من حب يوسف لا تنساه
ولا تسلاه. قالوا لوالدهم كلمةً غليظة، لم يكن ينبغي لهم أن
يقولوها لوالدهم، ولا لنبيّ الله صلى الله عليه وسلم.
19851- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي:
(قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم) ، قال: في شأن يوسف.
19852- حدثنا أحمد قال، حدثنا أبو أحمد، قال، قال سفيان:
(تالله إنك لفي ضلالك القديم) ، قال: من حبك ليوسف.
19853- حدثنا ابن وكيع. قال، حدثنا عمرو، عن سفيان، نحوه.
19854- حدثنا القاسم، قال، حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن
ابن جريج: (قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم) ، قال: في حبك
القديم.
19855- حدثنا ابن حميد، قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (قالوا
تالله إنك لفي ضلالك القديم) ، أي إنك لمن ذكر يوسف في الباطل
الذي أنت عليه.
19856- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد في
قوله: (تالله إنك لفي ضلالك القديم) ، قال: يعنون: حزنه القديم
على يوسف="وفي ضلالك القديم": لفي خطائك القديم.
* * *
(16/257)
فَلَمَّا أَنْ جَاءَ
الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا
قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا
لَا تَعْلَمُونَ (96)
القول في تأويل قوله تعالى: {فَلَمَّا أَنْ
جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ
بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ
اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (96) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فلما أن جاء يعقوبَ البشيرُ من
عند ابنه يوسف، وهو المبشّر برسالة يوسف، وذلك بريدٌ، فيما
ذكر، كان يوسف أبردَهُ إليه. (1)
* * *
وكان البريد فيما ذكر، والبشير: يهوذا بن يعقوب، أخا يوسف
لأبيه.
*ذكر من قال ذلك:
19857- حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي،
قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (فلما أن جاء
البشير ألقاه على وجهه) ، يقول:"البشير": البريدُ.
19858- حدثنا القاسم، قال، حدثنا الحسين، قال، حدثنا هشيم،
قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك: (فلما أن جاء البشير)
قالالبريد.
19859- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا محمد بن يزيد الواسطي،
عن جويبر، عن الضحاك: (فلما أن جاء البشير) ، قالالبريد.
19860- ... قال، حدثنا شبابة، قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي
نجيح، عن مجاهد، قوله: (فلما أن جاء البشير) ، قال: يهوذا بن
يعقوب.
19861- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا
عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (البشير) قال: يهوذا بن
يعقوب.
__________
(1) في المطبوعة:"برده إليه"، وأثبت ما في المخطوطة، وكلاهما
صواب. يقال:"برد بريدًا، وأبرده"، أي: أرسله.
(16/258)
19862- حدثني المثنى، قال، حدثنا أبو
حذيفة، قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: يهوذا
بن يعقوب.
19863- ... قال: حدثنا إسحاق، قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء،
عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: هو يهوذا بن يعقوب.
19864- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن
ابن جريج: (فلما أن جاء البشير) ، قال: يهوذا بن يعقوب، كان
البشير.
19865- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن
الزبير، عن سفيان، عن ابن جريج، عن مجاهد: (فلما أن جاء
البشير) ، قال: هو يهوذا بن يعقوب.
= قال سفيان: وكان ابن مسعود يقرأ:" وَجَاءَ البَشِيرُ مِنْ
بَيْنِ يَدَي العِيرِ" (1) .
19866- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن
الضحاك: (فلما أن جاء البشير) ، قالالبريد، هو يهوذا بن يعقوب.
19867- ... قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي قال، قال
يوسف: (اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا وأتوني
بأهلكم أجمعين) ، قال يهوذا: أنا ذهبتُ بالقميص، ملطخًا بالدم
إلى يعقوب فأخبرته أن يوسف أكله الذئب، وأنا أذهب اليوم
بالقميص وأخبره أنه حيٌّ فأفرحه كما أحزنته. فهو كان البشير.
19868- حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا
هشيم، عن جويبر، عن الضحاك: (فلما أن جاء البشير) ، قالالبريد.
* * *
__________
(1) هذه قراءة لا يقرأ بها كما سلف مرارًا لمخالفتها ما في
المصحف، ولكن هذه فيها إشكال، فلو صح أنها:" وجاء البشير"،
لوجب أن تكون القراءة بعدها:" فألقاه" بالفاء. وإلا وجب أن
تكون القراءة:" فَلَمَّا أَنْ جَاءَ البشِيرُ مِنْ بَيْنِ
يَدَي العِيرِ} .
(16/259)
قال أبو جعفر: وكان بعضُ أهل العربيّة من
أهل الكوفة يقول:"أنْ" في قوله: (فلما أن جاء البشير)
وسقوطُها، بمعنى واحدٍ، وكان يقول هذا في:"لما" و"حتى" خاصّة،
ويذكر أن العرب تدخلها فيهما أحيانًا وتسقطها أحيانًا، كما قال
جل ثناؤه: (وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا) [سورة
العنكبوت:33] ، وقال في موضع آخر: (وَلَمَّا جَاءَتْ
رُسُلُنَا) [سورة هود:77] ، وقال: هي صلة، (1) لا موضع لها في
هذين الموضعين. يقال:"حتى كان كذا وكذا"، أو"حتى أن كان كذا
وكذا".
* * *
وقوله: (ألقاه على وجهه) ، يقولألقى البشير قميص يوسف على وجه
يعقوب، كما:-
19869- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: فلما أن
جاء البشير ألقى القميص على وجهه.
* * *
وقوله: (فارتد بصيرًا) ، يقول: رجع وعادَ مبصرًا بعينيه، (2)
بعد ما قد عمي= (قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا
تعلمون) ، يقول جل وعز وجل: قال يعقوب لمن كان بحضرته حينئذ من
ولده: ألم أقل لكم يا بني إني أعلم من الله أنه سيردّ عليَّ
يوسف، ويجمع بيني وبينه، وكنتم لا تعلمون أنتم من ذلك ما كنت
أعلمه، لأن رؤيا يوسف كانت صادقة، وكان الله قد قضى أن أخِرَّ
أنا وأنتم له سجودًا، فكنت مُوقنًا بقضائه.
* * *
__________
(1) قوله:" صلة"، أي زيادة، وانظر ما سلف: 1: 190، 405، 406،
548. 4: 289 / 5: 460، 462 / 7: 340، 341 / 12: 325، 326 / 13:
508 / 14: 30 / 15: 497.
(2) انظر تفسير" ارتد" فيما سلف 3: 163 / 4: 316 / 10: 170،
409، 410.
(16/260)
قَالُوا يَا أَبَانَا
اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97)
قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ
الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98)
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا يَا
أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا
خَاطِئِينَ (97) قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي
إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال ولد يعقوبَ الذين كانوا
فرَّقوا بينه وبين يوسف: يا أبانا سل لنا ربك يعفُ عنَّا،
ويستر علينا ذنوبنا التي أذنبناها فيك وفي يوسف، فلا يعاقبنا
بها في القيامة = (إنا كنا خاطئين) ، فيما فعلنا به، فقد
اعترفنا بذنوبنا = (قال سوف أستغفر لكم ربي) ، يقول جل ثناؤه:
قال يعقوب: سوف أسأل ربي أن يعفو عنكم ذنوبكم التي أذنبتموها
فيّ وفى يوسف.
* * *
ثم اختلف أهل العلم، (1) في الوقت الذي أخَّر الدعاء إليه
يعقوبُ لولده بالاستغفار لهم من ذنبهم.
فقال بعضهم: أخَّر ذلك إلى السَّحَر.
* ذكر من قال ذلك:
19870 - حدثني أبو السائب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت
عبد الرحمن بن إسحاق، يذكر، عن محارب بن دثار، قال: كان عمٌّ
لي يأتي المسجدَ، فسمع إنسانًا يقول": اللهم دعوتني فأجبت
وأمرتني فأطعت، وهذا سَحَرٌ، فاغفر لي" قال: فاستمع الصوت فإذا
هو من دار عبد الله بن مسعود. فسأل عبد الله عن ذلك، فقال: إن
يعقوب أخَّر بنيه إلى السحر بقوله: (سوف أستغفر لكم ربي) . (2)
__________
(1) في المطبوعة:" أهل التأويل"، وأثبت ما في المخطوطة.
(2) الأثر: 19870 -" عبد الرحمن بن إسحاق بن سعد الواسطي"،"
أبو شيبة"، قال أحمد: ليس بشيء، منكر الحديث، وضعفه الباقون.
مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 213.
و" محارب بن دثار السدوسي"،" أبو مطرف"، ثقة، مضى برقم: 11331.
(16/261)
19871 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن
فضيل، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن محارب بن دثار، عن عبد الله
بن مسعود: (سوف أستغفر لكم ربي) ، قال: أخَّرهم إلى السَّحر.
19872 -.... قال: حدثنا أبو سفيان الحميري، عن العوام، عن
إبراهيم التيميّ في قول يعقوب لبنيه: (سوف أستغفر لكم ربي) ،
قال: أخّرهم إلى السحر. (1)
19873 -.... قال: حدثنا عمرو، عن خلاد الصفار، عن عمرو بن قيس:
(سوف أستغفر لكم ربي) ، قال: في صلاة الليل.
19874 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن
ابن جريج: (سوف أستغفر لكم ربي) ، قال: أخَّر ذلك إلى السَّحر.
* * *
وقال آخرون: أخَّر ذلك إلى ليلة الجمعة.
* ذكر من قال ذلك:
19875 - حدثني المثنى، قال: حدثنا سليمان بن عبد الرحمن أبو
أيوب الدمشقي، قال: حدثنا الوليد، قال: أخبرنا ابن جريج، عن
عطاء وعكرمة، عن ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(سوف أستغفر لكم ربي) ، يقول: حتى تأتي ليلة الجمعة. وهو قول،
أخي يعقوب لبنيه. (2)
__________
(1) الأثر: 19872 -"أبو سفيان الحميري"، هو"سعيد بن يحيى بن
مهدي" صدوق، مضى برقم: 12193.
(2) الأثر: 19875 -"سليمان بن عبد الرحمن التميمي"،"أبو أيوب
الدمشقي"، ثقة، ولكنه حدث بالمناكير، متكلم في روايته عن غير
الثقات، مضى برقم: 14212.
و"الوليد بن مسلم الدمشقي القرشي"، ثقة، روى له الجماعة، مضى
مرارًا، آخرها: 13461.
وسائر رجال الخبر ثقات، وقد ذكره ابن كثير في تفسيره 4: 477،
ثم قال:"وهذا غريب من هذا الوجه، وفي رفعه نظر، والله أعلم".
وهذا الحديث، من حديث الوليد بن مسلم، رواه الترمذي من طريق
أحمد بن الحسن، عن سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي، عن الوليد بن
مسلم، في باب (أحاديث شتى من أبواب الدعوات) ، وهو حديث طويل
جدًا، وقال الترمذي:"هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث
الوليد بن مسلم".
ورواه الحاكم في المستدرك 1: 316. من هذه الطريق نفسها ثم
قال:"هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه".
وقد علق الذهبي فقال:" هذا حديث منكر شاذ، أخاف لا يكون
موضوعًا، وقد حيرني والله جودة سنده، فإن الحاكم قال فيه:
حدثنا أبو النضر محمد بن محمد الفقيه، وأحمد بن محمد العنزي
قالا حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي (ح) وحدثني أبو بكر بن محمد
بن جعفر المزكي، حدثنا محمد بن إبراهيم العبدي، قالا حدثنا
أيوب سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي، حدثنا الوليد بن مسلم،
فذكره مصرحًا بقوله:"حدثنا ابن جريج"، فقد حدث به سليمان قطعًا
وهو ثبت، فالله أعلم".
وهذا الإشكال الذي حير الذهبي، ربما فسره ما قال يعقوب بن
سفيان، في سليمان بن عبد الرحمن:"كان صحيح الكتاب، إلا أنه كان
يحول، فإن وقع فيه شيء فمن النقل، وسليمان ثقة". فإن صح هذا
فربما كان هذا الحديث مما وهم في تحويله، لأن أسانيد هذا الخبر
تدور كلها على"سليمان بن عبد الرحمن"، ولم نجد أحدًا رواه عن
الوليد بن مسلم: غير سليمان. والله أعلم.
وسيأتي بإسناد آخر يليه.
(16/262)
19876 - حدثنا أحمد بن الحسن الترمذي، قال:
حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي، قال: حدثنا الوليد بن
مسلم، قال: أخبرنا ابن جريج، عن عطاء وعكرمة مولى ابن عباس، عن
ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد قال أخي
يعقوب: (سوف أستغفر لكم ربي) ، يقول: حتى تأتي ليلة الجمعة.
(1)
* * *
وقوله: (إنه هو الغفور الرحيم) ، يقول: إن ربي هو الساتر على
ذنوب التائبين إليه من ذنوبهم ="الرحيم"، بهم أن يعذبهم بعد
توبتهم منها.
* * *
__________
(1) الأثر: 19876 - هذا مكرر الذي سلف.
و"أحمد بن الحسن الترمذي"، شيخ الطبري، كان أحد أوعية الحديث،
مضى برقم: 7489، 14212.
(16/263)
فَلَمَّا دَخَلُوا
عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا
مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (99) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ
عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ
هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي
حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ
وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ
الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ
لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100)
القول في تأويل قوله تعالى: {فَلَمَّا
دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ
ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (99) وَرَفَعَ
أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ
يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ
جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي
مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ
أَنْ نزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ
رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ
الْحَكِيمُ (100) }
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: فلما دخل يعقوب وولده وأهلوهم
على يوسف = (آوى إليه أبويه) ، يقول: ضم إليه أبويه (1) فقال
لهم: (ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين) .
* * *
فإن قال قائل: وكيف قال لهم يوسف: (ادخلوا مصر إن شاء الله
آمنين) ، بعد ما دخلوها، وقد أخبر الله عز وجل عنهم أنهم لما
دخلوها على يوسف وضَمّ إليه أبويه، قال لهم هذا القول؟
قيل: قد اختلف أهل التأويل في ذلك.
فقال بعضهم: إن يعقوب إنما دخل على يوسف هو وولده، وآوى يوسف
أبويه إليه قبل دخول مصر. قالوا: وذلك أن يوسف تلقَّى أباه
تكرمةً له قبل أن يدخل مصر، فآواه إليه، ثم قال له ولمن معه:
(ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين) ، بها قبل الدخول.
* ذكر من قال ذلك:
__________
(1) انظر تفسير" الإيواء" فيما سلف ص: 169، تعليق: 1،"
والمراجع هناك.
(16/264)
19877 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو،
عن أسباط، عن السدي: فحملوا إليه أهلهم وعيالهم، فلما بلغوا
مصر، كلَّم يوسف الملك الذي فوقه، فخرج هو والملوك يتلقَّونهم،
فلما بلغوا مصر قال: (ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين) = (فلما
دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه) .
19878 - حدثني الحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا جعفر
بن سليمان، عن فرقد السبخي، قال: لما ألقي القميص على وجهه
ارتد بصيرًا، وقال: (ائتوني بأهلكم أجمعين) ، فحمل يعقوب وإخوة
يوسف، فلما دنا أخبر يوسف أنه قد دنا منه، فخرج يتلقاه. قال:
وركب معه أهلُ مصر، وكانوا يعظمونه. فلما دنا أحدهما من صاحبه،
وكان يعقوب يمشي وهو يتوكأ على رجل من ولده يقال له يهوذا.
قال: فنظر يعقوب إلى الخيل والناس، فقال: يا يهوذا، هذا فرعون
مصر؟ قال: لا هذا ابنك! قال: فلما دنا كل واحد منهما من صاحبه،
فذهب يوسف يبدؤه بالسلام، فمنع من ذلك، وكان يعقوب أحقّ بذلك
منه وأفضل، فقال: السلام عليك يا ذاهب الأحزان عني = هكذا
قال:"يا ذاهب الأحزان عني". (1)
19879 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: قال حجاج:
بلغني أن يوسف والملك خرجا في أربعة آلاف يستقبلون يعقوب
وبنيه.
= قال: وحدثني من سمع جعفر بن سليمان يحكي، عن فرقد السبخي،
قال: خرج يوسف يتلقى يعقوب، وركب أهل مصر مع يوسف = ثم ذكر
بقية الحديث، نحو حديث الحارث، عن عبد العزيز.
* * *
__________
(1) يعني أنه قال ذلك معديًا" ذهب" من قولهم" ذهب به، وأذهبه"،
أي: أزاله كأنه قال: يا مذهب الأحزان عني. وهذا غريب، يقيد
لغرابته، وانظر إلى دقة الرواية عندنا، حتى في مثل هذه
الأخبار، ولكن أهل الزيغ يريدون أن يعبثوا بهذه الدلائل
الواضحة، ليقع الناس في الشك في أخبار نبيهم، وفي رواية
رواتهم، والله من ورائهم محيط.
(16/265)
وقال آخرون: بل قوله: (إن شاء الله) ،
استثناءٌ من قول يعقوب لبنيه: (استغفر لكم ربي) . قال: وهو من
المؤخر الذي معناه التقديم. قالوا: وإنما معنى الكلام: قال:
أستغفر لكم ربي إن شاء الله إنه هو الغفور الرحيم. فلما دخلوا
على يوسف آوى إليه أبويه، وقال ادخلوا مصر، ورفع أبويه.
* ذكر من قال ذلك:
19880 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن
ابن جريج: (قال سوف أستغفر لكم ربي إن شاء الله آمنين = وبَيْن
ذلك ما بينه من تقديم القرآن.
* * *
قال أبو جعفر: يعني ابن جريج:"وبين ذلك ما بينه من تقديم
القرآن"، أنه قد دخل بين قوله: (سوف أستغفر لكم ربي) ، وبين
قوله: (إن شاء الله) ، من الكلام ما قد دخل، وموضعه عنده أن
يكون عَقِيب قوله: (سوف أستغفر لكم ربي) .
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا ما قاله السدي،
وهو أن يوسف قال ذلك لأبويه ومن معهما من أولادهما وأهاليهم
قبل دخولهم مصر حين تلقَّاهم، لأن ذلك في ظاهر التنزيل كذلك،
فلا دلالة تدل على صحة ما قال ابن جريج، ولا وجه لتقديم شيء من
كتاب الله عن موضعه أو تأخيره عن مكانه إلا بحجّة واضحةٍ.
* * *
وقيل: عُنِي بقوله: (آوى إليه أبويه) :، أبوه وخالتُه. وقال
الذين قالوا هذا القول: كانت أم يوسف قد ماتت قبلُ، وإنما كانت
عند يعقوب يومئذ خالتُه أخت أمه، كان نكحها بعد أمِّه.
* ذكر من قال ذلك:
(16/266)
19881 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو،
عن أسباط، عن السدي: (فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه) ،
قال: أبوه وخالته.
* * *
وقال آخرون: بل كان أباه وأمه.
* ذكر من قال ذلك:
19882 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (فلما
دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه) ، قال: أباه وأمه.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب ما قاله ابن إسحاق
; لأن ذلك هو الأغلب في استعمال الناس والمتعارف بينهم
في"أبوين"، إلا أن يصح ما يقال من أنّ أم يوسف كانت قد ماتت
قبل ذلك بحُجة يجب التسليم لها، فيسلّم حينئذ لها.
* * *
وقوله: (وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين) ، مما كنتم فيه في
باديتكم من الجدب والقحط.
* * *
وقوله: (ورفع أبويه على العرش) ، يعني: على السرير، كما: -
19883 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي:
(ورفع أبويه على العرش) ، قال: السرير.
19884 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا محمد بن يزيد
الواسطي، عن جويبر، عن الضحاك، قال:"العرش"، السرير.
19885 -.... قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي
نجيح، عن مجاهد، قوله: (ورفع أبويه على العرش) ، قال: السرير.
19886 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا
(16/267)
عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
19887 - حدثني المثنى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل
عن ابن أبي نجيح عن مجاهد =
19888 - وحدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الله،
عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
19889 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن
ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
19890 - حدثني المثنى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل،
عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد =
19891 - وحدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد
الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
19892 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن
ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
19893 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن
قتادة، قوله: (ورفع أبويه على العرش) ، قال: سريره.
19894 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن
معمر، عن قتادة: (على العرش) ، قال: على السرير.
19895 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي،
قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (ورفع أبويه على العرش)
، يقول: رفع أبويه على السرير.
19896 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: قال
سفيان: (ورفع أبويه على العرش) ، قال: على السرير.
(16/268)
19897 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب،
قال: قال ابن زيد، في قوله: (ورفع أبويه على العرش) ، قال:
مجلسه.
19898 - حدثني ابن عبد الرحيم البرقي، قال: حدثنا عمرو بن أبي
سلمة، قال: سألت زيد بن أسلم، عن قول الله تعالى: (ورفع أبويه
على العرش) ، فقلت: أبلغك أنها خالته؟ قال: قال ذلك بعض أهل
العلم، يقولون: إن أمّه ماتت قبل ذلك، وإن هذه خالته.
* * *
وقوله: (وخرّوا له سجدًا) ، يقول: وخرّ يعقوب وولده وأمّه
ليوسف سجّدًا.
* * *
19899 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي،
قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (وخرُّوا له سجدًا) ،
يقول: رفع أبويه على السرير، وسجدا له، وسجد له إخوته.
19900 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال:
تحمّل = يعني يعقوب = بأهله حتى قدموا على يوسف، فلما اجتمع
إلى يعقوب بنوه، دخلوا على يوسف، فلما رأوه وقعوا له سجودًا،
وكانت تلك تحية الملوك في ذلك الزمان = أبوه وأمه وإخوته.
19901 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن
قتادة: (وخروا له سجّدًا) وكانت تحية من قبلكم، كان بها يحيِّي
بعضهم بعضًا، فأعطى الله هذه الأمة السلام، تحية أهل الجنة،
كرامةً من الله تبارك وتعالى عجّلها لهم، ونعمة منه.
19902 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن
معمر، عن قتادة: (وخروا له سجدًا) ، قال: وكانت تحية الناس
يومئذ أن يسجد بعضهم لبعض.
(16/269)
19903 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا
أبو إسحاق، قال: قال سفيان: (وخرّوا له سجدًا) ، قال: كانت
تحيةً فيهم.
19904 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن
ابن جريج: (وخروا له سجدًا) ، أبواه وإخوته، كانت تلك تحيّتهم،
كما تصنع ناسٌ اليومَ.
19905 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن
الضحاك: (وخروا له سجدًا) قال: تحيةٌ بينهم.
19906 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في
قوله: (وخرُّوا له سجدًا) ، قال: قال: ذلك السجود لشرَفه، كما
سجدت الملائكة لآدم لشرفه، ليس بسجود عبادةٍ.
* * *
وإنما عنى من ذكر بقوله:"إن السجود كان تحية بينهم"، أن ذلك
كان منهم على الخُلُق، لا على وجه العبادة من بعضهم لبعض. ومما
يدل على أن ذلك لم يزل من أخلاق الناس قديمًا قبل الإسلام على
غير وجه العبادة من بعضهم لبعض، قول أعشى بني ثعلبة:
فَلَمَّا أَتَانَا بُعَيْدَ الكَرَى ... سَجَدْنَا لَهُ
وَرَفَعْنَا عَمَارَا (1)
* * *
__________
(1) ديوان: 39، وهذا البيت من قصيدته في تمجيد قيس بن معد
يكرب، وكان خرج معه في بعض غاراته، فكاد الأعشى أن يؤسر،
فاستنقذه قيس، فذكر ذلك فقال: فَيَا لَيْلَةً لِيَ فِي
لَعْلَعٍ ... كَطَوْفِ الغَرِيبِ يَخَافُ الإسَارَا
فلمَّا أَتَانا............ ... . . . . . . . . . . . . . . .
. . . .
و" لعلع" مكان بين الكوفة والبصرة. يذكر في البيت الأول قلقه
وشدة نزاعه وحيرته، لما تأخر قيس، وقد كاد هو يقع في أسر
العدو، فلما جاء قيس استنقذه ومن معه، فسجدوا له وحيوه. و"
العمار" مختلف في تفسير قيل: هو العمامة أو القلنسوة، وقيل
الريحان يرفع للملك يحيا به، وقيل: رفعنا أصواتنا بقولنا:"
عمرك الله".
وفي المطبوعة:" ورفعنا العمارا"، واثبت ما في المخطوطة، وهو
الموافق لرواية الديوان وغيره من المراجع.
(16/270)
وقوله: (يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد
جعلها ربي حقًّا) ، يقول جل ثناؤه: قال يوسف لأبيه: يا أبت،
هذا السجود الذي سجدتَ أنت وأمّي وإخوتي لي (= تأويل رؤياي من
قبل) ، يقول: ما آلت إليه رؤياي التي كنت رأيتها، (1) وهي
رؤياه التي كان رآها قبل صنيع إخوته به ما صنعوا: أنَّ أحد عشر
كوكبًا والشمس والقمر له ساجدون = (قد جعلها ربي حقًّا) ،
يقول: قد حقّقها ربي، لمجيء تأويلها على الصحَّة.
* * *
وقد اختلف أهل العلم في قدر المدة التي كانت بين رؤيا يوسف
وبين تأويلها.
فقال بعضهم: كانت مدّةُ ذلك أربعين سنة.
* ذكر من قال ذلك:
19907 - حدثني محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا المعتمر، عن
أبيه، قال: حدثنا أبو عثمان، عن سلمان الفارسي، قال: كان بين
رؤيا يوسف إلى أن رأى تأويلها أربعون سنة.
19908 - حدثني يعقوب بن برهان ويعقوب بن إبراهيم، قالا حدثنا
ابن علية قال: حدثنا سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي، قال:
قال عثمان: كانت بين رؤيا يوسف وبين أن رأى تأويله. قال: فذكر
أربعين سنة. (2)
19909 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن علية، عن التيمي، عن
أبي عثمان، عن سلمان، قال: كان بين رؤيا يوسف وتأويلها أربعون
سنة.
__________
(1) انظر تفسير" التأويل" فيما سلف ص: 119، تعليق: 1، والمراجع
هناك.
(2) الأثر: 19908 -" يعقوب بن برهان"، شيخ الطبري، لم أجد له
ذكرًا في شيء من دواوين الرجال.
وأنا أخشى أن يكون هو:" يعقوب بن ماهان"، شيخ الطبري أيضًا،
روى عنه فيما سلف رقم: 4901، وقال:" حدثني يعقوب بن إبراهيم،
يعقوب بن ماهان، قالا، حدثنا هشيم ... "، وهو شبيه بهذا
الإسناد كما ترى، وكأن الناسخ أساء القراءة، فنقل مكان"
ماهان"" برهان".
(16/271)
19910 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو
نعيم، قال: حدثنا سفيان، عن أبي سنان، عن عبد الله بن شداد،
قال: رأى تأويل رؤياه بعد أربعين عامًا.
19911 -.... قال: حدثنا سفيان، عن سليمان التيمي، عن أبي
عثمان، عن سلمان، مثله.
19912 - حدثني أبو السائب، قال: حدثنا ابن فضيل، عن ضرار، عن
عبد الله بن شداد أنه سمع قومًا يتنازعون في رؤيا رآها بعضهم
وهو يصلي، فلما انصرف سألهم عنها، فكتموه، فقال: أما إنه جاء
تأويل رؤيا يوسف بعد أربعين عامًا.
19913 - حدثنا أبو كريب، قال، حدثنا وكيع = وحدثنا ابن وكيع،
قال: حدثنا أبي = عن إسرائيل، عن ضرار بن مرة أبي سنان، عن عبد
الله بن شداد، قال: كان بين رؤيا يوسف وتأويلها أربعون سنة.
19914 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن فضيل وجرير، عن أبي
سنان، قال: سمع عبد الله بن شداد قومًا يتنازعون في رؤيا =،
فذكر نحو حديث أبي السائب، عن ابن فضيل.
19915 - حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفيان،
عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان، عن سلمان، قال: رأى تأويل
رؤياه بعد أربعين عامًا.
19916 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن أبي
سنان، عن عبد الله بن شداد، قال: وقعت رؤيا يوسف بعد أربعين
سنة، وإليها ينتهي أقصى الرؤيا. (1)
19917 -.... قال: حدثنا معاذ بن معاذ، قال: حدثنا سليمان
__________
(1) في المطبوعة:" وإليها تنتهي أيضًا الرؤيا"، وهو كلام فارغ،
ولم يحسن قراءة المخطوطة، لأنها غير منقوطة، ولأن رسم" أقصى"
فيها:" أنصا".
(16/272)
التيمي، عن أبي عثمان، عن سلمان، قال: كان
بين رؤيا يوسف وبين أن رأى تأويلها أربعون سنة.
19918 -.... قال، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن سليمان التيمي،
عن أبي عثمان، عن سلمان، قال: كان بين رؤيا يوسف وبين عبارتها
أربعون سنة.
19919 -.... قال، حدثنا سعيد بن سليمان، قال: حدثنا هشيم، عن
سليمان التيمي، عن أبي عثمان، عن سلمان، قال: كان بين رؤيا
يوسف وبين أن رأى تأويلها أربعون سنة.
19920 -.... قال، حدثنا سعيد بن سليمان، قال: حدثنا هشيم، عن
سليمان التيمي، عن أبي عثمان، عن سلمان، قال: كان بين رؤيا
يوسف وبين أن رأى تأويلها أربعون سنة.
19921 -.... قال، حدثنا عمرو بن محمد العنقزي، قال: حدثنا
إسرائيل، عن أبي سنان، عن عبد الله بن شداد، قال: كان بين رؤيا
يوسف وبين تعبيرها أربعون سنة.
* * *
وقال آخرون: كانت مدة ذلك ثمانين سنة.
* ذكر من قال ذلك:
19922 - حدثنا عمرو بن علي، قال: حدثنا عبد الوهاب الثقفي،
قال: حدثنا هشام، عن الحسن، قال: كان منذ فارق يوسف يعقوب إلى
أن التقيا، ثمانون سنة، لم يفارق الحزن قلبه، ودموعه تجري على
خديه، وما على وجه الأرض يومئذ عبدٌ أحبَّ إلى الله من يعقوب.
19923 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن أبي جعفر جسر بن
فرقد، قال: كان بين أن فقد يعقوب يوسف إلى يوم رد عليه ثمانون
سنة. (1)
__________
(1) الأثر: 19923 -" جسر بن فرقد"،" أبو جعفر القصاب"، ليس
بذاك، مضى برقم: 16940، 16941، وكان في المطبوعة هنا" حسن بن
فرقد"، لم يحسن قراءة المخطوطة.
(16/273)
19924 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا حسن بن
علي، عن فضيل بن عياض، قال: سمعت أنه كان بين فراق يوسف حجر
يعقوب إلى أن التقيا، ثمانون سنة.
19925 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا داود بن مهران، قال:
حدثنا عبد الواحد بن زياد، عن يونس، عن الحسن، قال: ألقي يوسف
في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة، وكان بين ذلك وبين لقائه يعقوب
ثمانون سنة، وعاش بعد ذلك ثلاثًا وعشرين سنة، ومات وهو ابن
عشرين ومائة سنة.
19926 -.... قال: حدثنا سعيد بن سليمان، قال: حدثنا هشيم، عن
يونس، عن الحسن، نحوه = غير أنه قال: ثلاث وثمانون سنة.
19927 - قال: حدثنا داود بن مهران، قال: حدثنا ابن علية، عن
يونس، عن الحسن، قال: ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة،
وكان في العبوديّة وفي السجن وفي الملك ثمانين سنة، ثم جمع
الله عز وجل شمله، وعاش بعد ذلك ثلاثًا وعشرين سنة.
19928 - حدثني الحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا
مبارك بن فضالة، عن الحسن، قال: ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع
عشرة، فغاب عن أبيه ثمانين سنة، ثم عاش بعدما جمع الله له شمله
ورأى تأويل رؤياه ثلاثًا وعشرين سنة، فمات وهو ابن عشرين ومائة
سنة.
19929 - حدثنا مجاهد، قال: حدثنا يزيد، قال: أخبرنا هشيم، عن
الحسن، قال: غاب يوسف عن أبيه في الجب وفي السجن حتى التقيا
ثمانين عامًا، فما
(16/274)
جفَّت عينا يعقوب، وما على الأرض أحد أكرمَ
على الله من يعقوب. (1)
* * *
وقال آخرون: كانت مدة ذلك ثمان عشرة سنة.
* ذكر من قال ذلك:
19930 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال:
ذكر لي، والله أعلم، أن غيبة يوسف عن يعقوب كانت ثمان عشرة
سنة. قال: وأهل الكتاب يزعمون أنها كانت أربعين سنة أو نحوها،
وأنّ يعقوب بقي مع يوسف بعد أن قدم عليه مصر سبع عشرة سنة، ثم
قبضه الله إليه.
* * *
وقوله: (وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو) ،
يقول جل ثناؤه، مخبرًا عن قيل يوسف: وقد أحسن الله بي في
إخراجه إياي من السجن الذي كنت فيه محبوسًا، وفي مجيئه بكم من
البدو. وذلك أن مسكن يعقوب وولده، فيما ذكر، كان ببادية
فلسطين، كذلك: -
* * *
19931 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال:
كان منزل يعقوب وولده، فيما ذكر لي بعض أهل العلم، بالعَرَبات
من أرض فلسطين، ثغور الشأم. وبعضٌ يقول بالأولاج من ناحية
الشِّعْب، وكان صاحب بادية، له إبلٌّ وشاء.
19932 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدنا عمرو، قال: أخبرنا شيخ لنا
أن يعقوب كان ببادية فلسطين.
19933 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن
قتادة: (وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو) ،
وكان يعقوب وبنوه بأرض كنعان، أهل مواشٍ وبرّية.
__________
(1) الأثر: 19929 -" مجاهد" هذا، هو:" مجاهد بن موسى بن فروخ
الخوارزمي"، شيخ الطبري، مضى برقم: 510، 3396.
(16/275)
19934 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين،
قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج: (وجاء بكم من البدو) ، قال:
كانوا أهل بادية وماشية.
* * *
و"الَبْدوُ" مصدر من قول القائل:"بدا فلان": إذا صار
بالبادية،"يَبْدُو بَدْوًا".
* * *
وذكر أن يعقوب دخل مصر هو ومن معه من أولاده وأهاليهم وأبنائهم
يوم دخلوها، وهم أقلّ من مائة. وخرجوا منها يوم خرجوا منها وهم
زيادة على ست مائة ألف.
* ذكر الرواية بذلك:
19935 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا زيد بن الحباب وعمرو بن
محمد، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب القرظي، عن عبد الله
بن شداد، قال: اجتمع آل يعقوب إلى يوسف بمصر وهم ستة وثمانون
إنسانًا، صغيرهم وكبيرهم، وذكرهم وأنثاهم. وخرجوا من مصر يوم
أخرجهم فرعون وهم ست مائة ألف ونَيّف.
19936 -.... قال: حدثنا عمرو، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن
أبي عبيدة، عن عبد الله، قال: خرج أهل يوسف من مصر وهم ست مائة
ألف وسبعون ألفًا، فقال فرعون: (إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ
قَلِيلُونَ) [سورة الشعراء: 54] .
19937 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن
إسرائيل والمسعودي، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن ابن مسعود،
قال: دخل بنو إسرائيل مصر وهم ثلاث وستون إنسانًا، وخرجوا منها
وهم ست مائة ألف = قال إسرائيل في حديثه: ست مائة ألف وسبعون
ألفًا.
19938 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن إسرائيل، عن أبي
إسحاق، عن مسروق، قال: دخل أهل يوسف مصر وهم ثلاث مائة وتسعون
من بين رجل وامرأة.
* * *
(16/276)
وقوله: (من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين
إخوتي) ، يعني: من بعد أن أفسد ما بيني وبينهم، وجَهِل بعضنا
على بعض.
* * *
يقال منه": نزغ الشيطان بين فلان وفلان، يَنزغ نزغًا ونزوغًا.
(1)
* * *
وقوله: (إن ربي لطيف لما يشاء) ، يقول: إن ربي ذو لطف وصنع لما
يشاء، (2) ومن لطفه وصنعه أنه أخرجني من السجن، وجاء بأهلي من
البَدْوِ بعد الذي كان بيني وبينهم من بُعد الدار، وبعد ما كنت
فيه من العُبُودة والرِّق والإسار، كالذي: -
19939 -حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن
قتادة، قوله: (إن ربي لطيف لما يشاء) ، لطف بيوسف وصنع له حتى
أخرجه من السجن، وجاء بأهله من البدو، ونزع من قلبه نزغ
الشيطان، وتحريشه على إخوته.
* * *
وقوله:: (إنه هو العليم) ، بمصالح خلقه وغير ذلك، لا يخفى عليه
مبادي الأمور وعواقبها = (الحكيم) ، في تدبيره.
* * *
__________
(1) انظر تفسير" نزغ" فيما سلف 13: 333، وهذا المصدر الثاني"
النزوخ"، مما لم تذكره كتب اللغة، فيجب إثباته في مكانه منها.
(2) انظر تفسير" اللطيف" فيما سلف 12: 22.
(16/277)
رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي
مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ
فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي
الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي
بِالصَّالِحِينَ (101)
القول في تأويل قوله تعالى: {رَبِّ قَدْ
آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ
الأحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي
فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا
وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال يوسف بعد ما جمع الله له
أبويه وإخوته، وبسط عليه من الدنيا ما بسط من الكرامة، ومكنه
في الأرض، متشوِّقًا إلى لقاء آبائه الصالحين: (رب قد آتيتني
من الملك) ، يعني: من ملك مصر = (وعلمتني من تأويل الأحاديث) ،
يعني من عبارة الرؤيا، (1) تعديدًا لنعم الله عليه، وشكرًا له
عليها = (فاطر السموات والأرض) ، يقول: يا فاطر السموات
والأرض، يا خالقها وبارئها (2) = (أنت وليي في الدنيا والآخرة)
، يقول: أنت وليي في دنياي على من عاداني وأرادني بسوء بنصرك،
وتغذوني فيها بنعمتك، وتليني في الآخرة بفضلك ورحمتك. ((3)
توفني مسلمًا) ، يقول: اقبضني إليك مسلمًا (4) . (وألحقني
بالصالحين) ، يقول: وألحقني بصالح آبائي إبراهيم وإسحاق ومن
قبلهم من أنبيائك ورسلك.
* * *
وقيل: إنه لم يتمن أحدٌ من الأنبياء الموتَ قبل يوسف.
* ذكر من قال ذلك:
19940 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط،
عن السدي: (رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث)
، الآية،
__________
(1) انظر تفسير" التأويل" فيما سلف ص: 271، تعليق: 1، والمراجع
هناك.
(2) انظر تفسير" فاطر" فيما سلف 15: 357، تعليق: 2، والمراجع
هناك.
(3) انظر تفسير" الولي" فيما سلف من فهارس اللغة (ولي) .
(4) انظر تفسير" التوفي" فيما سلف 15: 218، تعليق: 1، والمراجع
هناك.
(16/278)
كان ابن عباس يقول: (1) أول نبي سأل الله
الموت يوسف.
19941 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن
ابن جريج، قال: قال ابن عباس، قوله: (رب قد آتيتني من الملك)
... ، الآية، قال: اشتاق إلى لقاء ربه، وأحبَّ أن يلحق به
وبآبائه، فدعا الله أن يتوفَّاه ويُلْحِقه بهم. ولم يسأل نبيّ
قطّ الموتَ غير يوسف، فقال: (رب قد آتيتني من الملك وعلمتني
__________
(1) في المطبوعة والمخطوطة:" قال ابن عباس يقول"، وبين صواب ما
أثبت، وانظر الخبر التالي رقم: 19942.
(16/279)
من تأويل الأحاديث) ، الآية = قال ابن
جريج: في بعض القرآن من الأنبياء (1) :"توفني" (2)
19942 -حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن
قتادة، قوله: (توفني مسلمًا وألحقني بالصالحين) ، لما جَمَع
شمله، وأقرَّ عينه، وهو يومئذ مغموس في نَبْت الدنيا وملكها
وغَضَارتها، (3) فاشتاق إلى الصالحين قبله. وكان ابن عباس
يقول: ما تمنى نبي قطّ الموت قبل يوسف.
19943 - حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: أخبرنا عبد
الله بن الزبير، عن سفيان، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، قال:
لما جمع ليوسف شمله، وتكاملت عليه النعم سأل لقاء ربّه فقال:
(رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر
السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفّني مسلمًا
وألحقني بالصالحين) = قال قتادة: ولم يتمنَّ الموت أحد قطُّ،
نبي ولا غيره إلا يوسف.
19944 - حدثني المثنى، قال: حدثنا هشام، قال: حدثنا الوليد بن
مسلم، قال: حدثني غير واحد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: أن
يوسف النبي صلى الله عليه وسلم، لما جمع بينه وبين أبيه
وإخوته، وهو يومئذ ملك مصر، اشتاق إلى الله وإلى آبائه
الصالحين إبراهيم وإسحاق، فقال: (رب قد آتيتني من الملك
وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت وليي في
الدنيا والآخرة توفني مسلمًا وألحقني بالصالحين.)
19945 - حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا هشام، عن
مسلم بن خالد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: (وعلمتني من
تأويل الأحاديث) ، قال: العِبَارة.
19946 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: أخبرنا
عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (توفني مسلمًا
وألحقني بالصالحين) ، يقول: توفني على طاعتك، واغفر لي إذا
توفَّيتني.
19947 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال:
قال يوسف حين رأى ما رأى من كرامة الله وفضله عليه وعلى أهل
بيته حين جمع الله له شمله، وردَّه على والده، وجمع بينه وبينه
فيما هو فيه من الملك والبهجة: (يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل
قد جعلها ربي حقًّا) ، إلى قوله: (إنه هو العليم الحكيم) . ثم
ارعوى يوسف، وذكر أنّ ما هو فيه من الدنيا بائد وذاهب، فقال:
(رب قد قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر
السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفّني مسلمًا
وألحقني بالصالحين) .
* * *
__________
(1) في المخطوطة:" في بعض القرآن قد قال الأنبياء توفني"،
وصوابها ما أثبت، أما المطبوعة فقد كتبت:" في بعض القرآن من
الأنبياء من قال توفني"، غير مكان الكلام لغير حاجة.
(2) لم أجد للذي قاله ابن جريج دليلا في القرآن! فلعله وهم،
فإن النهي عن تمني الموت صريح في السنة.
(3) في المطبوعة:" مغموس في نعيم الدنيا"، وفي المخطوطة:"
مغموس في نعيم الدنيا" غير منقوطة، وهذا صواب قراءتها. وعنى
بالنبت هنا: المال الكثير الوفير، والنعمة النامية، وقد جاء في
الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لقوم من العرب:
أنتم أهل بيت أو نبت؟ فقالوا نحن أهل بيت وأهل نبت. وقالوا في
تفسيره: أي نحن في الشرف نهاية، وفي النبت نهاية، أي: ينبت
المال على أيدينا
وهذا الذي قلته أصح في تأويل الحديث، وفي تأويل هذا الخبر.
(16/280)
وذُكِر أن بَني يعقوب الذين فعلوا بيوسف ما
فعلوا، استغفر لهم أبوهم، فتاب الله عليهم وعفا عنهم وغفر لهم
ذنبهم
* ذكر من قال ذلك:
19948 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن
صالح المريّ، عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك، قال: إن الله
تبارك وتعالى لما جمع ليعقوب شمله، وأقر عينه، خَلا ولده
نَجِيًّا، فقال بعضهم لبعض: ألستم قد علمتم ما صنعتم، وما لقي
منكم الشيخ، وما لقي منكم يوسف؟ قالوا: بلى! قال: فيغرُّكم
عفوهما عنكم، فكيف لكم بربكم؟ فاستقام أمرهم على أن أتوا الشيخ
فجلسوا بين يديه، ويوسف إلى جنب أبيه قاعدٌ، قالوا: يا أبانا،
أتيناك في أمر لم نأتك في أمرٍ مثله قط، ونزل بنا أمر لم ينزل
بنا مثله! حتى حرّكوه، والأنبياء أرحم البرية، فقال: مالكم يا
بَني؟ قالوا: ألستَ قد علمت ما كان منا إليك، وما كان منا إلى
أخينا يوسف؟ قال: بلى! قالوا: أفلستما قد عفوتُما؟ قالا بلى!
قالوا: فإن عفوكما لا يغني عنّا شيئًا إن كان الله لم يعفُ
عنا! قال: فما تريدون يا بني؟ قالوا: نريد أن تدعو الله لنا،
فإذا جاءك الوحي من عند الله بأنه قد عفا عمّا صنعنا، قرّت
أعيننا، واطمأنت قلوبنا، وإلا فلا قرّةَ عَين في الدنيا لنا
أبدًا. قال: فقام الشيخ واستقبل القبلة، وقام يوسف خلف أبيه،
وقاموا خلفهما أذلةً خاشعين. قال: فدعا وأمَّن يوسف،، فلم
يُجَبْ فيهم عشرين سنة = قال صالح المرِّي: يخيفهم. قال: حتى
إذا كان رأس العشرين، نزل جبريل صلى الله عليه وسلم على يعقوب
عليه السلام، فقال: إن الله تبارك وتعالى بعثني إليك أبشرك
بأنه قد أجاب دعوتك في ولدك، وأنه قد عفا عما صنعوا، وأنه قد
اعتَقَد مواثيقهم من بعدك على النبوّة. (1)
__________
(1) الأثر: 19948 -" صالح المري"، هو" صالح بن بشير بن وداع
المري"، منكر الحديث، قاص متروك الحديث، مضى برقم: 9234.
و" يزيد الرقاشي"، هو" يزيد بن أبان الرقاشي"، قاص، متروك
الحديث، مضى قبل مرارًا، آخرها: 11408.
وهذا خبر هالك، من جراء هذين القاصين المتروكين، صالح المري،
ويزيد الرقاشي.
(16/281)
19949 - حدثني المثنى، قال: حدثنا الحارث،
قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا جعفر بن سليمان، عن أبي
عمران الجوني، قال: والله لو كان قتلُ يوسف مضى لأدخلهم الله
النارَ كُلَّهم، ولكن الله جل ثناؤه أمسك نفس يوسف ليبلغ فيه
أمره، ورحمة لهم. ثم يقول: والله ما قصَّ الله نبأهم يُعيّرهم
بذلك إنهم لأنبياء من أهل الجنة، ولكن الله قصَّ علينا نبأهم
لئلا يقنط عبده.
* * *
وذكر أن يعقوب توفي قبل يوسف، وأوصى إلى يوسف وأمره أن يدفنه
عند قبر أبيه إسحاق.
* ذكر من قال ذلك:
19950 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي،
قال: لما حضر الموتُ يعقوبَ، أوصى إلى يوسف أن يدفنه عند
إبراهيم وإسحاق، فلما مات، نُفِخ فيه المُرّ وحمل إلى الشأم.
قال: فلما بلغوا إلى ذلك المكان أقبل عيصا أخو يعقوب (1) فقال:
غلبني على الدعوة، فوالله لا يغلبني على القبر! فأبى أن يتركهم
أن يدفنوه. فلما احتبسوا، قال هشام بن دان بن يعقوب (2) = وكان
هشامٌ أصمَّ لبعض إخوته: ما لجدّي لا يدفن! قالوا: هذا عمك
يمنعه! قال: أرونيه أين هو؟ فلما رآه، رفع هشام يده فوجأ بها
رأس العيص وَجْأَةً سقطت عيناه على فخذ يعقوب، فدفنا في قبر
واحد.
* * *
__________
(1) في المطبوعة:" عيص"، وأثبت ما في المخطوطة، وسيأتي بعد:"
العيص"، بالتعريف، وهو في كتاب القوم" عيسو"، وهو ولد إسحاق
الأكبر، وهو أخو يعقوب.
(2) في المطبوعة:" هشام بن دار"، لم يحسن قراءة المخطوطة، وولد
يعقوب في كتاب القوم هو" دان" كما أثبته.
و" هشام" هذا، هو في كتاب القوم" حوشيم".
(16/282)
ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ
الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ
أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102)
القول في تأويل قوله تعالى: {ذَلِكَ مِنْ
أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ
لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ
(102) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: هذا الخبر الذي أخبرتك به من
خبر يوسف ووالده يعقوب وإخوته وسائر ما في هذه السورة = (من
أنباء الغيب) ، يقول: من أخبار الغيب الذي لم تشاهده، ولم
تعاينه، (1) ولكنا نوحيه إليك ونعرّفكه، لنثبِّت به فؤادك،
ونشجع به قلبك، وتصبر على ما نالك من الأذى من قومك في ذات
الله، وتعلم أن من قبلك من رسل الله = إذ صبروا على ما نالهم
فيه، وأخذوا بالعفو، وأمروا بالعُرف، وأعرضوا عن الجاهلين =
فازوا بالظفر، وأيِّدوا بالنصر، ومُكِّنوا في البلاد، وغلبوا
من قَصَدوا من أعدائهم وأعداء دين الله. يقول الله تبارك
وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فبهم، يا محمد، فتأسَّ،
وآثارهم فقُصَّ = (وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون)
، يقول: وما كنت حاضرًا عند إخوة يوسف، إذ أجمعوا واتفقت
آراؤهم، (2) وصحت عزائمهم، على أن يلقوا يوسف في غيابة الجب.
وذلك كان مكرهم الذي قال الله عز وجل: (وهم يمكرون) ، كما:-
19951 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن
قتادة، قوله: (وما كنت لديهم) ، يعني محمدًا صلى الله عليه
وسلم، يقول: ما كنت لديهم وهم يلقونه في غيابة الجب = (وهم
يمكرون) ، أي: بيوسف.
19952 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن
ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس: (وما كنت لديهم إذ
أجمعوا أمرهم وهم يمكرون) ، الآية، قال: هم بنو يعقوب.
* * *
__________
(1) انظر تفسير" النبأ" و" الغيب" فيما سلف من فهارس اللغة
(نبأ) و (غيب) .
(2) انظر تفسير" الإجماع" فيما سلف 15: 147، 148، 573.
(16/283)
وَمَا أَكْثَرُ
النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103)
القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا
أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) }
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: وما أكثر مشركي قومك، يا محمد،
ولو حرصت على أن يؤمنوا بك فيصدّقوك، ويتبعوا ما جئتهم به من
عند ربك، بمصدِّقيك ولا مُتَّبِعيك.
* * *
(16/284)
وَمَا تَسْأَلُهُمْ
عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ
(104)
القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا
تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ
لِلْعَالَمِينَ (104) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لمحمد صلى الله عليه وسلم: وما
تسأل، يا محمد، هؤلاء الذين ينكرون نبوتك، ويمتنعون من تصديقك
والإقرار بما جئتهم به من عند ربك، على ما تدعوهم إليه من
إخلاص العبادة لربك، وهجر عبادة الأوثان وطاعةِ الرحمن = (من
أجر) ، يعني: من ثواب وجزاء منهم، (1) بل إنما ثوابك وأجر عملك
على الله. يقول: ما تسألهم على ذلك ثوابًا، فيقولوا لك: إنما
تريد بدعائك إيّانا إلى اتباعك لننزلَ لك عن أموالنا إذا
سألتنا ذلك. وإذ كنت لا تسألهم ذلك، فقد كان حقًّا عليهم أن
يعلموا أنك إنما تدعوهم إلى ما تدعوهم إليه، اتباعًا منك لأمر
ربك، ونصيحةً منك لهم، وأن لا يستغشُّوك.
* * *
وقوله: (إن هو إلا ذكر للعالمين) ، يقول تعالى ذكره: ما هذا
الذي أرسلك
__________
(1) انظر تفسير" الأجر" فيما سلف من فهارس اللغة (أجر) .
(16/284)
وَكَأَيِّنْ مِنْ
آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا
وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105)
به ربك، يا محمد، من النبوة والرسالة =
(إلا ذكر) ، يقول: إلا عظة وتذكير للعالمين، ليتعظوا
ويتذكَّروا به. (1)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي
السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا
مُعْرِضُونَ (105) }
قال أبو جعفر: يقول جل وعز: وكم من آية في السموات والأرض لله،
وعبرةٍ وحجةٍ، (2) وذلك كالشمس والقمر والنجوم ونحو ذلك من
آيات السموات، وكالجبال والبحار والنبات والأشجار وغير ذلك من
آيات الأرض = (يمرُّون عليها) ، يقول: يعاينونها فيمرُّون بها
معرضين عنها، لا يعتبرون بها، ولا يفكرون فيها وفيما دلت عليه
من توحيد ربِّها، وأن الألوهةَ لا تنبغي إلا للواحد القهَّار
الذي خلقها وخلق كلَّ شيء، فدبَّرها.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
19953 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن
قتادة: (وكأين من آية في السموات والأرض يمرون عليها) ، وهي في
مصحف عبد الله::"يَمْشُونَ عَلَيْهَا"، السماء والأرض آيتان
عظيمتان.
* * *
__________
(1) انظر تفسير" الذكر" فيما سلف من فهارس اللغة (ذكر) .
(2) انظر تفسير" كأين" فيما سلف 7: 263.
(16/285)
وَمَا يُؤْمِنُ
أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106)
القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا
يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ
(106) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وما يُقِرُّ أكثر هؤلاء =
الذين وصَفَ عز وجل صفتهم بقوله: (وكأين من آية في السموات
والأرض يمرُّون عليها وهم عنها معرضون) = بالله أنه خالقه
ورازقه وخالق كل شيء = (إلا وهم مشركون) ، في عبادتهم الأوثان
والأصنام، واتخاذهم من دونه أربابًا، وزعمهم أنَّ له ولدًا،
تعالى الله عما يقولون.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
19954 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمران بن عيينة، عن عطاء
بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (وما يؤمن أكثرهم
بالله) الآية، قال: من إيمانهم، إذا قيل لهم: مَن خلق السماء؟
ومن خلق الأرض؟ ومن خلق الجبال؟ قالوا: الله. وهم مشركون.
19955 - حدثنا هناد، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن
عكرمة، في قوله: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) ،
قال: تسألهم: مَن خلقهم؟ ومن خلق السماوات والأرض، فيقولون:
الله. فذلك إيمانهم بالله، وهم يعبدون غيره.
19956 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن
جابر، عن عامر، وعكرمة: (وما يؤمن أكثرهم بالله) الآية، قالا
يعلمون أنه ربُّهم، وأنه خلقهم، وهم يشركون به. (1)
__________
(1) في المطبوعة:" مشركون به"، وأثبت ما في المخطوطة.
(16/286)
19957 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي،
عن إسرائيل، عن جابر، عن عامر، وعكرمة، بنحوه.
19958 -.... قال: حدثنا ابن نمير، عن نضر، عن عكرمة: (وما يؤمن
أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) ، قال: من إيمانهم إذا قيل لهم:
من خلق السماوات؟ قالوا: الله. وإذا سئلوا: من خلقهم؟ قالوا:
الله. وهم يشركون به بَعْدُ.
19959 -.... قال: حدثنا أبو نعيم، عن الفضل بن يزيد الثمالي،
عن عكرمة، قال: هو قول الله: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) [سورة
لقمان: 25/ سورة الزمر:38] . فإذا سئلوا عن الله وعن صفته،
وصفوه بغير صفته، وجعلوا له ولدًا، وأشركوا به. (1)
19960 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا
ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وما يؤمن أكثرهم
بالله إلا وهم مشركون) ، إيمانهم قولهم: الله خالقُنا، ويرزقنا
ويميتنا.
19961 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا
عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا
وهم مشركون) ، فإيمانهم قولُهم: الله خالقنا ويرزقنا ويميتنا.
19962 - حدثني المثنى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل،
عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم
مشركون) ، إيمانُهم قولهم: الله خالقنا ويرزقنا ويميتنا.، فهذا
إيمان مع شرك عبادتهم غيرَه.
19963 -.... قال، حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء،
__________
(1) الأثر: 19959 -" الفضل بن يزيد الثمالي البجلي"، كوفي ثقة،
مترجم في التهذيب، والكبير 4 / 1 / 116، وابن أبي حاتم 3 / 2 /
69.
وكان في المخطوطة والمطبوعة:" الفضيل" بالتصغير، وهو خطأ صرف.
(16/287)
عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وما يؤمن
أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) قال: إيمانهم قولهم: الله خالقنا
ويرزقنا ويميتنا
19964 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا هانئ بن سعيد وأبو معاوية،
عن حجاج، عن القاسم، عن مجاهد، قال: يقولون:"الله ربنا، وهو
يرزقنا"، وهم يشركون به بعدُ.
19965 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن
ابن جريج، عن مجاهد، قال: إيمانهم قولُهم: الله خالقنا،
ويرزقنا ويميتنا.
19966 -.... قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا أبو تميلة، عن أبي
حمزة، عن جابر، عن عكرمة، ومجاهد، وعامر: أنهم قالوا في هذه
الآية: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) ، قال: ليس أحد
إلا وهو يعلم أن الله خلقه وخلق السموات والأرض، فهذا إيمانهم،
ويكفرون بما سوى ذلك.
19967 - حدثنا بشر، قال، حدثنا يزيد، قال حدثنا سعيد، عن
قتادة، قوله: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) ، في
إيمانهم هذا. إنك لست تلقى أحدًا منهم إلا أنبأك أن الله ربه،
وهو الذي خلقه ورزقه، وهو مشرك في عبادته.
19968 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن
معمر، عن قتادة: (وما يؤمن أكثرهم بالله) الآية، قال: لا تسأل
أحدًا من المشركين: مَنْ رَبُّك؟ إلا قال: ربِّيَ الله! وهو
يشرك في ذلك.
19969 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي،
قال: حدثني أبي عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وما يؤمن أكثرهم
بالله إلا وهم مشركون) ، يعني النصارى، يقول: (وَلَئِنْ
سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ
لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) ، [سورة لقمان: 25/ سورة الزمر:38] ،
(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ)
[سورة الزخرف: 87] ، ولئن سألتهم من يرزقكم من السماء والأرض؟
ليقولن: الله.
(16/288)
وهم مع ذلك يشركون به ويعبدون غيره،
ويسجدون للأنداد دونه.؟
19970 - حدثني المثنى، قال: أخبرنا عمرو بن عون، قال، أخبرنا
هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، قال: كانوا يشركون به في تلبيتهم.
19971 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن نمير، عن عبد الملك،
عن عطاء: (وما يؤمن أكثرهم بالله) ، الآية، قال: يعلمون أن
الله ربهم، وهم يشركون به بعدُ.
19972 - حدثني المثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا
هشيم، عن عبد الملك، عن عطاء، في قوله: (وما يؤمن أكثرهم بالله
إلا وهم مشركون) ، قال: يعلمون أن الله خالقهم ورازقهم، وهم
يشركون به.
19973 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال: سمعت ابن
زيد يقول: (وما يؤمن أكثرهم بالله) ، الآية، قال: ليس أحدٌ
يعبد مع الله غيره إلا وهو مؤمن بالله، ويعرف أن الله ربه، وأن
الله خالقه ورازقه، وهو يشرك به. ألا ترى كيف قال إبراهيم:
(أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ
وَآبَاؤُكُمُ الأقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلا رَبَّ
الْعَالَمِينَ) [سورة الشعراء: 75-77] ؟ قد عرف أنهم يعبدون رب
العالمين مع ما يعبدون. قال: فليس أحد يشرك به إلا وهو مؤمن
به. ألا ترى كيف كانت العرب تلبِّي تقول:"لبيك اللهم لبيك،
لبيك لا شريك لك، إلا شريك هو لك، تملكه وما ملك"؟ المشركون
كانوا يقولون هذا.
* * *
(16/289)
أَفَأَمِنُوا أَنْ
تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ
تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ
(107)
القول في تأويل قوله تعالى: {أَفَأَمِنُوا
أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ
تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (107)
}
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: أفأمن هؤلاء الذين لا يقرُّون
بأن الله ربَّهم إلا وهم مشركون في عبادتهم إياه غيرَه = (أن
تأتيهم غاشية من عذاب الله) ، تغشاهم من عقوبة الله وعذابه،
على شركهم بالله (1) = أو تأتيهم القيامة فجأةً وهم مقيمون على
شركهم وكفرهم بربِّهم (2) فيخلدهم الله عز وجل في ناره، وهم لا
يدرون بمجيئها وقيامها.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
19974 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا
عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (أن تأتيهم غاشية من عذاب
الله) ، قال: تغشاهم.
19975 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا
ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (غاشية من عذاب الله)
، قال: تغشاهم.
19976 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل،
عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
19977 -.... قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء،
عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
__________
(1) انظر تفسير" الغاشية" فيما سلف 12: 435، 436.
(2) انظر تفسير" الساعة" فيما سلف 11: 324.
= وتفسير" البغتة" فيما سلف 11: 325، 360، 368 / 12: 576 / 13:
297.
(16/290)
قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي
أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ
اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ
الْمُشْرِكِينَ (108)
19978 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين،
قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
19979 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن
قتادة، قوله: (أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله) ، أي:
عقوبة من عذاب الله.
19980 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن
معمر، عن قتادة: (غاشية من عذاب الله) ، قال:"غاشية"، وقيعة
تغشاهم من عذاب الله. (1)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو
إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي
وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:
(قل، يا محمد، هذه الدعوة التي أدعو إليها، والطريقة التي أنا
عليها من الدعاء إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له دون الآلهة
والأوثان، والانتهاء إلى طاعته، وترك معصيته = (سبيلي) ،
وطريقتي ودعوتي، (2) (أدعو إلى الله وحده لا شريك له = (على
بصيرة) ، بذلك، ويقينِ عليمٍ منّي به أنا، ويدعو إليه على
بصيرة أيضًا من اتبعني وصدقني وآمن بي (3) = (وسبحان الله) ،
يقول له تعالى ذكره: وقل، تنزيهًا لله، وتعظيمًا له من أن يكون
له شريك في ملكه، (4) أو معبود سواه في سلطانه: (وما أنا من
المشركين) ، يقول: وأنا بريءٌ من أهل الشرك به، لست منهم ولا
هم منّي.
* * *
__________
(1) في المطبوعة:" واقعة"، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب
محض.
(2) انظر تفسير: السبيل" فيما سلف من فهارس اللغة (سبل) .
(3) انظر تفسير" البصيرة" فيما سلف 12: 23، 24 / 13: 343، 344.
(4) انظر تفسير" سبحان" فيما سلف من فهارس اللغة (سبح) .
(16/291)
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
19981 - حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبي
جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس، في قوله: (قل هذه سبيلي أدعو
إلى الله على بصيرة) ، يقول: هذه دعوتي.
19982 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد،
في قوله: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة) ، قال:"هذه
سبيلي"، هذا أمري وسنّتي ومنهاجي = (أدعوا إلى الله على بصيرة
أنا ومن اتبعني) ، قال: وحقٌّ والله على من اتّبعه أن يدعو إلى
ما دعا إليه، ويذكِّر بالقرآن والموعظة، ويَنْهَى عن معاصي
الله.
19983 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن
أبي جعفر، عن الربيع بن أنس، قوله: (قل هذه سبيلي) :، هذه
دعوتي.
19984 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن أبي جعفر، عن
الربيع: (قل هذه سبيلي) ، قال: هذه دعوتي.
(16/292)
وَمَا أَرْسَلْنَا
مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ
الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا
كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ
الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ
(109)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ
إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ
يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ
لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ (109) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وما أرسلنا، يا محمد، من قبلك
إلا رجالا لا نساءً ولا ملائكة = (نوحي إليهم) آياتنا، بالدعاء
إلى طاعتنا وإفراد العبادة لنا = (من أهل القرى) ، يعني: من
أهل الأمصار، دون أهل البوادي، (1) كما:-
19985 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن
قتادة، قوله: (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل
القرى) ، لأنهم كانوا أعلم وأحلم من أهل العَمُود (2) .
* * *
وقوله: (أفلم يسيروا في الأرض) ، يقول تعالى ذكره: أفلم يسر
هؤلاء المشركون الذين يكذبونك، يا محمد، ويجحدون نبوّتك،
وينكرون ما جئتهم به
__________
(1) انظر تفسير" القرية" فيما سلف 8: 453 / 12: 299.
(2) قوله" أهل العمود"، العمود (بفتح العين) : وهو الخشبة
القائمة في وسط الخباء، والأخبية بيوت أهل البادية، فقوله" أهل
العمود"، يعني أهل البادية، كما يدل عليه السياق هنا، وكما
بينه ابن زيد في تفسير هذه الآية إذ قال:" أهل القرى أعلم
وأحلم من أهل البادية" (تفسير أبي حيان 5: 353) . وقال
الزمخشري في الأساس" ويقال لأصحاب الأخبية: هم أهل عمود، وأهل
عماد، وأهل عمد"، وروى صاحب اللسان بيتًا، وهو: ومَا أهْلُ
العَمُود لنَا بأَهْلٍ ... ولاَ النَّعَمُ المُسَامُ لَنا
بمَالٍ
فهذا قول رجل يبرأ من أن يكون من أهل البادية، فذكر الخصائص
التي يألفها أهل البادية، ويكونون بها أهل بادية.
(16/293)
من توحيد الله وإخلاص الطاعة والعبادة له =
(في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم) ، إذ كذبوا
رسُلنا؟ ألم نُحِلّ بهم عقوبتنا، فنهلكهم بها، وننج منها رسلنا
وأتباعنا، فيتفكروا في ذلك ويعتبروا؟
* * *
* ذكر من قال ذلك:
19986 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج،
قال: قال ابن جريج: قوله: (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي
إليهم) ، قال: إنهم قالوا: (مَا أَنزلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ
مِنْ شَيْءٍ [سورة الأنعام: 91] ) ، قال: وقوله: (وَمَا
أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ وَمَا
تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) [سورة يوسف: 103، 104] ،
وقوله: (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ
يَمُرُّونَ عَلَيْهَا) [سورة يوسف: 105] ، وقوله:
(أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ
اللَّهِ) [سورة يوسف: 107] ، وقوله: (أفلم يسيروا في الأرض
فينظروا) ، من أهلكنا؟ قال: فكل ذلك قال لقريش: أفلم يسيروا في
الأرض فينظروا في آثارهم، فيعتبروا ويتفكروا؟
* * *
وقوله: (ولدار الآخرة خير) ، يقول تعالى ذكره: هذا فِعْلُنا في
الدنيا بأهل ولايتنا وطاعتنا، أَنّ عقوبتنا إذا نزلت بأهل
معاصينا والشرك بنا، أنجيناهم منها، وما في الدار الآخرة لهم
خير.
* * *
= وترك ذكر ما ذكرنا، اكتفاء بدلالة قوله: (ولدار الآخرة خير
للذين اتقوا) ، عليه، وأضيفت"الدار" إلى"الآخرة"، وهي"الآخرة"،
لاختلاف لفظهما، كما قيل: (إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ
الْيَقِينِ) ، [سورة الواقعة: 95] ، وكما قيل:
(16/294)
"أتيتك عام الأوَّل، وبارحة الأولى، وليلة
الأولى، ويوم الخميس"، (1) وكما قال: الشاعر: (2)
أَتَمْدَحُ فَقْعَسًا وَتَذُمُّ عَبْسًا ... أَلا للهِ أُمُّكَ
مِنْ هَجِينِ ... وَلَوْ أَقْوَتْ عَلَيْكَ دِيَارُ عَبْسٍ ...
عَرَفْتَ الذُّلَّ عِرْفَانَ اليَقِينِ (3)
يعني: عرفانًا له يقينًا. (4)
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام: وللدار الآخرة خير للذين اتقوا
الله، بأداء فرائضه واجتناب معاصيه.
* * *
وقوله: (أفلا تعقلون) ، يقول: أفلا يعقل هؤلاء المشركون بالله
حقيقةَ ما نقول لهم ونخبرهم به، من سوء عاقبة الكفر، وغِبّ ما
يصير إليه حال أهله، مع ما قد عاينوا ورأوا وسمعوا مما حلّ بمن
قبلهم من الأمم الكافرة المكذبةِ رسلَ ربّها؟ (5)
* * *
__________
(1) هذا موجز كلام الفراء في معاني القرآن، في تفسير الآية.
(2) لم أعرف قائله.
(3) رواهما الفراء في معاني القرآن، في تفسير الآية. وكان في
المطبوعة:" ولو أفزت"، وهو خطل محض، وفي المخطوطة" ولو أفرت"،
غير منقوطة، وهو تصحيف.
و" الهجين"، ولد العربي لغير العربية. و" أقوت الدار": أقفرت
وخلت من سكانها. وظاهر هذا الشعر، أن قائله يقوله في رجل من
بني عبس، كان هجينًا، فمدح فقعسًا وذم قومه لخذلانهم إياه. فهو
يقول له: لو فارقت عبس مكانها وأفردتك فيه، لعرفت الذل عرفانًا
يقينًا.
(4) في المطبوعة والمخطوطة:" عرفانا به"، وكأن الصواب ما أثبت.
وفي الفراء:" عرفانًا يقينًا"، بغير" له"، وهو أجود.
(5) في المطبوعة:" بما قبلهم من الأمم"، والصواب من المخطوطة.
(16/295)
حَتَّى إِذَا
اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا
جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ
بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110)
القول في تأويل قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا
اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا
جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ
بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا
نوحي إليهم من أهل القُرَى) ، فدعوْا من أرسلنا إليهم،
فكذبوهم، وردُّوا ما أتوا به من عند الله = (حتى إذا استيأسَ
الرسل) ، الذين أرسلناهم إليهم منهم أن يؤمنوا بالله، (1)
ويصدِّقوهم فيما أتوهم به من عند الله = وظن الذين أرسلناهم
إليهم من الأمم المكذِّبة أن الرسل الذين أرسلناهم قد كذبوهم
فيما كانوا أخبروهم عن الله، من وَعده إياهم نصرَهم عليهم =
(جاءهم نصرنا) .
* * *
وذلك قول جماعة من أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
19987 - حدثنا أبو السائب سلم بن جنادة، قال: حدثنا أبو
معاوية، عن الأعمش، عن مسلم، عن ابن عباس، في قوله: (حتى إذا
استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا) ، قال: لما أيست الرسل أن
يستجيب لهم قومُهم، وظنَّ قومهم أن الرسل قد كذَبَوهم، جاءهم
النصر على ذلك، فننجّي من نشاء.
19988 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا أبو معاوية الضرير،
قال: حدثنا الأعمش، عن مسلم، عن ابن عباس، بنحوه = غير أنه قال
في حديثه، قال:"أيست الرسل"، ولم يقل:"لما أيست". (2)
__________
(1) انظر تفسير" استيأس" فيما سلف ص: 203، 204، وفهارس اللغة
(يأس) .
(2) مرة أخرى، أوقفك على هذه الدقة البليغة في رواية أخبارنا،
فضلاً عن رواية حديث نبينا صلى الله عليه وسلم. ومع ذلك كله
فالسفهاء يقولون، متبعين أهواء أصحاب الضلالة من المستشرقين
وأشباههم. فليت قومي يعلمون أي تراث يضيعون، وأي سخف يتبعون.
انظر ما سلف ص: 265، تعليق: 1.
(16/296)
19989 - حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا
مؤمل، قال: حدثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير:
(حتى إذا استيأس الرسل) ، أن يسلم قومهم، وظنّ قوم الرسل أن
الرسل قد كَذَبُوا جاءهم نصرنا.
19990 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفيان،
عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن ابن عباس، مثله.
19991 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمران بن عيينة، عن عطاء،
عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا
أنهم قد كُذِبوا) ، قال: حتى إذا استيأس الرسل من قومهم، وظن
قومهم أن الرسل قد كَذَبوا، (جاءهم نصرنا) .
19992 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا
سفيان، عن حصين، عن عمران السلمي، عن ابن عباس: (حتى إذا
استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا) ، أيس الرسل من قومهم أن
يصدِّقوهم، وظن قومهم أن الرسل قد كذبتهم. (1)
19993 - حدثنا عمرو بن عبد الحميد، قال: حدثنا جرير، عن حصين،
عن عمران بن الحارث السلمي، عن عبد الله بن عباس، في قوله:
(حتى إذا استيأس الرسل) ، قال: استيأس الرسل من قومهم أن
يستجيبوا لهم = (وظنوا أنهم قد كذبوا) ، قال: ظن قومهم أنهم
جاؤوهم بالكذب.
19994 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت
حصينًا، عن عمران بن الحارث، عن ابن عباس: حتى إذا استيأس
الرسل من أن يستجيب لهم قومهم، وظنَّ قومهم أن قد كذبوهم =
(جاءهم نصرنا) .
__________
(1) الأثر: 19992 -" عمران السلمي"، هو" عمران بن الحارث
السلمي"،" أبو الحكم" تابعي كوفي ثقة، روى عن ابن عباس، وابن
الزبير، وابن عمر. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 3 / 1 /
296.
وستأتي روايته هذه في الأخبار التالية إلى رقم: 19998.
(16/297)
19995 - حدثني أبو حصين عبد الله بن أحمد
بن يونس، قال: حدثنا عبثر، قال: حدثنا حصين، عن عمران بن
الحارث، عن ابن عباس، في هذه الآية: (حتى إذا استيأس الرسل) ،
قال: استيأس الرسل من قومهم أن يؤمنوا، وظنَّ قومُهم أن الرسل
قد كَذَبوهم فيما وعدوا وكذبوا = (جاءهم نصرنا) . (1)
19996 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا ابن أبي عدي، عن
شعبة، عن حصين، عن عمران بن الحارث، عن ابن عباس، قال: (حتى
إذا استيأس الرسل) ، من نصر قومهم = (وظنوا أنهم قد كذبوا) ،
ظن قومهم أنهم قد كَذَبوهم.
19997 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا محمد بن الصباح، قال:
حدثنا هشيم، قال: أخبرنا حصين، عن عمران بن الحارث، عن ابن
عباس، في قوله: (حتى إذا استيأس الرسل) ، قال: من قومهم أن
يؤمنوا بهم، وأن يستجيبوا لهم، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم
(جاءهم نصرنا) ، يعني الرسلَ.
19998 - حدثني المثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا
هشيم، عن حصين، عن عمران بن الحارث، عن ابن عباس، بمثله سواء.
19999 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء،
عن هارون، عن عباد القرشي، عن عبد الرحمن بن معاوية، عن ابن
عباس: (وظنوا أنهم قد كُذِبوا) خفيفة، وتأويلها عنده: وظن
القومُ أن الرسل قد كذبوا. (2)
__________
(1) الأثر: 19995 -" عبد الله بن أحمد بن يونس"، هو" عبد الله
بن أحمد بن عبد الله ابن يونس اليربوعي"،" أبو حصين"، شيخ
الطبري، سلف برقم: 12336.
و" عبثر"، هو" عبثر بن القاسم الزبيدي"، ثقة، مضى برقم: 12336،
12402، 17106.
(2) الأثر: 19999 -" عبد الوهاب بن عطاء"، هو الخفاف، مضى
مرارًا آخرها رقم: 16842
و" هرون"، كأنه" هرون بن سفيان بن بشير"،" أبو سفيان"، المعروف
بالديك، مستملي يزيد بن هارون، روى عن معاذ بن فضالة، وأبي زيد
النحوي، ومطرف بن عبد الله المديني، ومحمد بن عمر الواقدي.
مترجم في تاريخ بغداد 14: 25، رقم: 7357.
و" عباد القرسي"، هو" عباد بن موسى القرشي البصري"، ثقة، روى
عن إسرائيل بن يونس، وإبراهيم بن طهمان، وسفيان الثوري، وروى
عنه هرون بن سفيان المستملي، مترجم في التهذيب.
و" عبد الرحمن بن معاوية"، هو" عبد الرحمن بن معاوية بن
الحويرث الأنصاري، الزرقي"،" أبو الحويرث"، روى عن ابن عباس،
وغيره، مضى برقم: 15756.
(16/298)
20000 - حدثنا أبو بكر، قال: حدثنا طلق بن
غنام، عن زائدة، عن الأعمش، عن مسلم، عن ابن عباس، قال: (حتى
إذا استيأس الرسل) ، من قومهم أن يصدِّقوهم، وظن قومُهم أن قد
كذبتهم رُسُلهم = (جاءهم نصرنا) . (1)
20001 - حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني
معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (حتى إذا استيأس الرسل
وظنوا أنهم قد كذبوا) ، يعني: أيس الرسل من أن يتّبعهم قومهم،
وظن قومُهم أن الرسل قد كَذَبوا، فينصر الله الرسل، ويبعثُ
العذابَ.
20002 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي،
قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (حتى إذا استيأس
الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا) ، حتى إذا استيأس
الرسلُ من قومهم أن يطيعوهم ويتبعوهم، وظنَّ قومُهم أن رسلهم
كذبوهم = (جاءهم نصرنا) .
20003 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا محمد بن
فضيل، عن حصين، عن عمران بن الحارث، عن ابن عباس: (حتى إذا
استيأس الرسل) ، من قومهم = (وظنوا أنهم قد كذبوا) ، قال: فما
أبطأ عليهم إلا من ظن أنهم قد كَذَبوا.
20004 -.... قال: حدثنا آدم العسقلاني، قال: حدثنا شعبة، قال:
__________
(1) الأثر: 20000 -" أبو بكر"، لم أعرف من هو من شيوخ أبي
جعفر، وظني أن صوابه" أبو كريب"، فهو الذي ذكروا أنه يروي عن
طلق بن غنام.
و" طلق بن غنام بن طلق بن معاوية النخعي" ثقة، لم يكن بالمتبحر
في العلم، مترجم في التهذيب، والكبير 2 / 2 / 361، وابن أبي
حاتم 2 / 1 / 491.
(16/299)
أخبرنا حصين بن عبد الرحمن، عن عمران بن
الحارث قال: سمعت ابن عباس يقول: (وظنوا أنهم قد كذبوا)
خفيفةً. وقال ابن عباس: ظن القومُ أنّ الرسل قد كَذَبوهم،
خفيفةً.
20005 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جرير، عن عطاء، عن سعيد بن
جبير، في قوله: (حتى إذا استيأس الرسل) ، من قومهم، وظنّ
قومُهم أن الرسل قد كَذَبوهم.
20006 -.... قال: حدثنا محمد بن فضيل، عن خصيف، قال: سألت سعيد
بن جبير، عن قوله: (حتى إذا استيأس الرسل) ، من قومهم، وظن
الكفار أنهم هم كَذَبوا.
20007 - حدثني يعقوب والحسن بن محمد، قالا حدثنا إسماعيل بن
علية. قال: حدثنا كلثوم بن جبر، عن سعيد بن جبير، قوله: (حتى
إذا استيأس الرسل) ، من قومهم أن يؤمنوا، وظن قومُهم أن الرسل
قد كَذَبتهم.
20008 - حدثني المثنى، قال: حدثنا عارم أبو النعمان، قال:
حدثنا حماد بن زيد، قال: حدثنا شعيب، قال: حدثني إبراهيم بن
أبي حرة الجزري، قال: سأل فتى من قريش سعيد بن جبير، فقال له:
يا أبا عبد الله، كيف تقرأ هذا الحرف، فإني إذا أتيت عليه
تمنَّيت أن لا أقرأ هذه السورة: (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا
أنهم قد كذبوا) ؟ قال: نعم، حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن
يصدِّقوهم، وظن المرسَلُ إليهم أن الرُّسُل كَذَبوا. قال: فقال
الضحاك بن مزاحم: ما رأيت كاليوم قط رجلا يدعى إلى علم
فيتلكَّأ!! لو رحلت في هذه إلى اليمن كان قليلا! (1)
__________
(1) الأثر: 20008 -" شعيب"، هو" شعيب بن الحبحاب الأزدي"، ثقة،
مضى برقم: 6180، 6442.
و" إبراهيم بن أبي حرة الجزري"، وثقه ابن معين، وأحمد، وقال
ابن أبي حاتم: ثقة، لا بأس به وضعفه الساجي، وذكره ابن حبان في
الثقات. كان قليل الحديث. مترجم في لسان الميزان 1: 46،
والكبير 1 / 1 / 281، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 96، وابن سعد 7 /
2 / 179.
وكان في المطبوعة:" ابن أبي حمزة"، لم يحسن قراءة المخطوطة،
ولأن الناسخ وضع أمام هذا السطر علامة الشك.
والفتى المذكور هنا، هو" مسلم بن يسار: كما يظهر من الأثر
التالي.
وأما كلمة الضحاك بن مزاحم، فهي كلمة رجل قد ملأ حب العلم
قلبه، وقل من الناس من يمتلئ قلبه بحب العلم حتى يقول مثل هذه
المقالة، إلا ما كان من أسلافنا هؤلاء، فإن الله قد نشأهم أحسن
تنشئة في حجور الأنبياء والصالحين من صحابة رسولنا صلى الله
عليه وسلم.
(16/300)
20009 - حدثني المثنى، قال: حدثنا الحجاج،
قال: حدثنا ربيعة بن كلثوم، قال: حدثني أبي، أن مسلم بن يسار،
سأل سعيد بن جبير ; فقال: يا أبا عبد الله، آية بلغت مني كل
مبلغ: (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا) ، فهذا
الموتُ، أن تظنّ الرسل أنهم قد كُذِبوا، أو نظنّ أنهم قد
كَذَبوا، مخففة! (1) قال: فقال سعيد بن جبير: يا أبا عبد
الرحمن، حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يستجيبوا لهم، وظن
قومُهم أن الرسل كذبتهم = (جاءهم نصرنا فنجى من نشاء ولا يرد
بأسنا عن القوم المجرمين) . قال: فقام مسلم إلى سعيد، فاعتنقه
وقال: فرّج الله عنك كما فرّجت عني (2)
20010 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا يحيى بن عباد، قال:
حدثنا وهيب، قال: حدثنا أبو المعلى العطار، عن سعيد بن جبير،
عن ابن عباس: (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا) قال:
استيأس الرسل من إيمان قومهم ; وظنَّ قومهم أن الرسل قد
كَذَبوهم، ما كانوا يخبرونهم ويبلِّغونهم. (3)
__________
(1) في المخطوطة:" وظنوا أنهم قد كذبوا، ونظن أنهم قد كذبوا
مخففة ... "، سقط من الكلام ما أتمه ناشر المطبوعة الأولى من
الدر المنثور للسيوطي 4: 41.
(2) الأثر: 20009 -" ربيعة بن كلثوم بن جبر البصري"، ثقة، مضى
برقم 6240، 12522.
وأبوه:" كلثوم بن جبر البصري"، ثقة، مضى أيضًا برقم: 6240،
12522.و" مسلم بن يسار البصري"، أبو عبد الله الفقيه، روى عن
أبيه، وابن عباس، وابن عمر تابعي ثقة، مترجم في التهذيب،
والكبير 4 / 1 / 275، وابن أبي حاتم 4 / 1 / 198.
وانظر الخبر الآتي رقم: 20014.
(3) الأثر: 20010 -" الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني"، شيخ
الطبري، مضى مرارًا آخرها رقم: 18807، 18817.
و" يحيى بن عباد الضبعي"،" أبو عباد البصري"، ثقة، حدث عنه أهل
بغداد، وقال الخطيب: أحاديثه مستقيمة، لا نعلمه روى منكرًا.
مترجم في التهذيب، والكبير 4 / 2 / 292، وابن أبي حاتم 4 / 2 /
173، وتاريخ بغداد 14: 144 -146.
و"وهيب" هو" وهيب بن خالد بن عجلان الباهلي"، ثقة، روى له
الجماعة، مضى برقم: 4345، 12444.
و" أبو المعلى العطار"، هو" يحيى بن ميمون"، ثقة ليس به بأس،
مضى برقم: 8346، 8347، 11162.
(16/301)
20011 -.... قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا
ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله ; (حتى إذا استيأس
الرسل) أن يصدقهم قومهم، وظن قومهم أن الرسل قد كَذَبوا، جاء
الرسل نَصرُنا.
20012 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا
عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
20013 - حدثني المثنى: قال: حدثنا الحجاج، قال: حدثنا حماد، عن
عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، في هذه الآية: حتى إذا
استيأس الرسل من قومهم، وظن قومهم أن الرسل قد كَذَبت.
20014 -.... قال: حدثنا حماد، عن كلثوم بن جبر، قال: قال لي
سعيد بن جبير: سألني سيد من ساداتكم عن هذه الآية فقلت: استيأس
الرسل من قومهم، وظنَّ قومهم أن الرسل قد كذبت. (1)
20015 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد،
في قوله: (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا) ، قال:
استيأس الرسل أن يؤمن قومهم بهم، وظنَّ قومهم المشركون أن
الرسل قد كَذَبوا ما وعدهم الله من نصره إياهم عليهم،
وأخْلِفُوا، وقرأ: (جاءهم نصرنا) ، قال: جاء الرسلَ النصرُ
حينئذ. قال: وكان أبيّ يقرؤها:"كُذِبُوا".
20016 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء،
عن سعيد، عن أبي المتوكل، عن أيوب ابن أبي صفوان، عن عبد الله
بن الحارث،
__________
(1) الأثر: 20014 - انظر الخبرين السالفين رقم: 20008، 20009.
(16/302)
أنه قال: (حتى إذا استيأس الرسل) ، من
إيمان قومهم = (وظنوا أنهم قد كذبوا) ، وظن القوم أنهم قد
كذبوهم فيما جاءوهم به. (1)
20017 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا عبد الوهاب، عن
جويبر، عن الضحاك، قال: ظن قومهم أن رسلهم قد كَذَبوهم فيما
وعدوهم به.
20018 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا محمد بن
فضيل، عن جحش بن زياد الضبي، عن تميم بن حذلم، قال: سمعت عبد
الله بن مسعود يقول في هذه الآية:"حتى إذا استيأس الرسل وظنوا
أنهم قد كذبوا"، قال: استيأس الرسل من إيمان قومهم أن يؤمنوا
بهم، وظن قومهم حين أبطأ الأمر أنهم قد كَذَبوا بالتخفيف. (2)
20019 - حدثنا أبو المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال:
حدثنا شعبة،
__________
(1) الأثر: 20016 -" سعيد"، هو" سعيد بن أبي عروبة".
وأما" أبو المتوكل" فلا أدري ما هو، وسيأتي أنه عند البخاري
وابن أبي حاتم:" المتوكل"، ومع ذلك، فلست أدري من يكون على
التحقيق.
و" أيوب بن أبي صفوان"، هكذا جاء في ترجمة" أيوب بن صفوان" في
التاريخ الكبير للبخاري، أي هكذا يقال فيه أيضًا، وأما ابن أبي
حاتم فاقتصر على أنه:" أيوب بن صفوان"، مولى عبد الله بن
الحارث، وفي ترجمة أبي حاتم تخليط كثير.
قال البخاري في ترجمته:" قال عبد الأعلى، حدثنا سعيد، عن
متوكل، عن أيوب بن صفوان، مولى عبد الله بن الحارث الهاشمي، عن
عبد الله بن الحارث، عن أم هانئ، عن النبي صلى الله عليه
وسلم"، يعني في صلاة الضحى". ثم ذكره في إسناد آخر هكذا" أيوب
بن أبي صفوان"، كالذي هنا.
وأما ابن أبي حاتم فقال:" أيوب بن صفوان، مولى عبد الله بن
الحارث بن نوفل، روى عن المتوكل، عن عبد الله بن الحارث، روى
عنه سعيد بن أبي عروبة"، وهو خلط أرجح أن صوابه:" روى عنه
المتوكل، عن عبد الله بن الحارث، وروى عن المتوكل سعيد بن أبي
عروبة".
وهذا خبر مشكل إسناده كما ترى، ولا حيلة لنا فيه، حتى نجد
شيئًا يهدي إلى الصواب فيه.
(2) الأثر: 20018 -" جحش بن زياد الضبي"، روى عن تميم بن حذلم،
روى عنه سفيان الثوري، وجرير، ومحمد بن فضيل، وأبو بكر بن
عياش. لم يذكروا فيه جرحًا، مترجم في الكبير 1 / 2 / 251، وابن
أبي حاتم 1 / 1 / 550.
و" تميم بن حذلم الضبي"، من أصحاب ابن مسعود، ثقة، قليل
الحديث، روى له الجماعة، مضى برقم: 13623. في ترجمة ولده.
(16/303)
عن أبي المعلى، عن سعيد بن جبير، في قوله:
(حتى إذا استيأس الرسل) ، قال: استيأس الرسل من نصر قومهم،
وظنّ قومُ الرسل أن الرسل قد كَذَبوهم. (1)
20020 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا
عمرو بن ثابت، عن أبيه، عن سعيد بن جبير: حتى إذا استيأس الرسل
أن يصدِّقوهم، وظن قومُهم أن الرسل قد كذبوهم. (2)
20021 -.... قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيل، عن عطاء
بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: حتى إذا استيأس
الرسل أن يصدّقهم قومهم، وظن قومُهم أن الرسل قد كَذَبوهم.
20022 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول:
حدثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك في قوله: (حتى إذا
استيأس الرسل) ، يقول: استيأسوا من قومهم أن يجيبوهم، ويؤمنوا
بهم ="وظنوا"، يقول: وظن قوم الرسل أن الرسل قد كَذَبوهم
الموعد.
* * *
قال أبو جعفر: والقراءة على هذا التأويل الذي ذكرنا في قوله:
(كُذِبُوا) بضم الكاف وتخفيف الذال. وذلك أيضًا قراءة بعض قرأة
أهل المدينة وعامة قرأة أهل الكوفة.
وإنما اخترنا هذا التأويل وهذه القراءة، لأن ذلك عقيب قوله:
(وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى أفلم
يسيروا في الأرض فينظروا كيف
__________
(1) الأثر: 20019 -" أبو المعلي"، هو العطار،" يحيى بن ميمون"،
مضى قريبًا برقم: 20010.
(2) الأثر: 20020 -" عمرو بن ثابت بن هرمز البكري"، روى عن
أبيه، ضعيف جدًا ليس بثقة، مضى برقم: 641، 680، 5969.
وأبوه" ثابت بن هرمز"، الحداد،" أبو المقدام"، ثقة، مضى برقم:
641، 680، 5969، 16645.
(16/304)
كان عاقبة الذين من قبلهم) ، فكان ذلك
دليلا على أن إياس الرسل كان من إيمان قومهم الذين أهلكوا، وأن
المضمر في قوله: (وظنوا أنهم قد كذبوا) ، إنما هو من ذكر الذين
من قبلهم من الأمم الهالكة، وزاد ذلك وضوحًا أيضًا، إتباعُ
الله في سياق الخبر عن الرسل وأممهم قوله: (فنجي من نشاء) ، إذ
الذين أهلكوا هم الذين ظنوا ان الرسل قد كذبتهم، (1)
فكَذَّبوهم ظنًّا منهم أنهم قد كَذَبوهم.
* * *
وقد ذهب قوم ممن قرأ هذه القراءة، إلى غير التأويل الذي
اخترنا، ووجّهوا معناه إلى: حتى إذا استيأس الرسل من إيمان
قومهم، وظنَّتِ الرسل أنهم قد كُذِبوا فيما وُعِدُوا من النصر.
* ذكر من قال ذلك:
20023 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا عثمان بن عمر، قال:
حدثنا ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، قال: قرأ ابن عباس: (حتى
إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كُذِبوا) ، قال: كانوا بشرًا
ضَعفُوا ويَئِسوا.
20024 -.... قال: حدثنا حجاج بن محمد، عن ابن جريج، قال:
أخبرني ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، قرأ: (وظنوا أنهم قد
كُذِبوا) ، خفيفة، قال ابن جريج: أقول كما يقول: أخْلِفوا. قال
عبد الله: قال لي ابن عباس: كانوا بشرًا. وتلا ابن عباس:
(حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى
نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) [سورة
البقرة: 214] = قال ابن جريج: قال ابن أبي مليكة: ذهب بها إلى
أنهم ضَعُفوا فظنوا أنهم أخْلِفوا.
20025 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفيان،
عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عبد الله، أنه قرأ:
(حتى إذا
__________
(1) في المخطوطة:" إن الذين أهلكوا"، والصواب ما في المطبوعة.
(16/305)
استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كُذِبوا) ،
مخففة. قال عبد الله: هو الذي تَكْرَه.
20026 -.... قال: حدثنا أبو عامر، قال: حدثنا سفيان، عن
سليمان، عن أبي الضحى، عن مسروق، أن رجلا سأل عبد الله بن
مسعود: (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا) ، قال: هو
الذي تكره = مخففةً.
20027 -.... قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبي
بشر، عن سعيد بن جبير، أنه قال في هذه الآية: (حتى إذا استيأس
الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا) ، قلت:"كُذِبوا"! قال: نعم ألم
يكونوا بشرًا؟
20028 - حدثنا الحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا
إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله: (حتى إذا
استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كُذِبوا) ، قال: كانوا بشرًا، قد
ظنُّوا.
* * *
قال أبو جعفر: وهذا تأويلٌ وقولٌ، غيرُه من التأويل أولى عندي
بالصواب، (1) وخلافه من القول أشبه بصفات الأنبياء، والرسل إن
جاز أن يرتابوا بوعدِ الله إياهم ويشكوا في حقيقة خبره، مع
معاينتهم من حجج الله وأدلته ما لا يعاينه المرسَل إليهم
فيعذروا في ذلك، فإن المرسَلَ إليهم لأوْلى في ذلك منهم
بالعذر. (2) وذلك قول إن قاله قائلٌ لا يخفى أمره.
* * *
وقد ذُكِر هذا التأويل الذي ذكرناه أخيرًا عن ابن عباس لعائشة،
فأنكرته أشد النُكرة فيما ذكر لنا.
* ذكر الرواية بذلك عنها، رضوانُ الله عليها:
20029 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا عثمان بن عمر، قال:
حدثنا
__________
(1) في المطبوعة والمخطوطة:" هذا تأويل وقول غيره من أهل
التأويل ... " بزيادة" أهل"، وهو لا يستقيم، لأنه لو عنى ذلك
لقال:" وقول غيرهما"، لأن الراوية قبل عند عبد الله بن عباس،
وعبد الله بن مسعود. ويصحح ما فعلت من حذف هذه الزيادة، قوله
بعد:" وخلافه من القول....".
(2) في المطبوعة والمخطوطة:" أن المرسل إليهم" بغير الفاء، وهي
واجبة في جواب الشرط من قوله:" والرسل إن جاز أن يرتابوا ...
فإن المرسل إليهم ... ".
(16/306)
ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، قال: قرأ ابن
عباس: (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا انهم قد كذبوا) ، فقال:
كانوا بشرًا، ضعفوا ويئسوا = قال ابن أبي مليكة: فذكرت ذلك
لعروة، فقال: قالت عائشة: معاذ الله! ما حدَّث الله رسوله
شيئًا قطُّ إلا علم أنه سيكون قبل أن يموت، ولكن لم يزل البلاء
بالرسل حتى ظن الأنبياء أن من تبعهم قد كذّبوهم. فكانت
تقرؤها:"قَدْ كُذِّبُوا"، تثقلها. (1)
20030 -.... قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني ابن
أبي مليكة، أن ابن عباس قرأ: (وظنوا أنهم قد كُذِبوا) ، خفيفة،
قال عبد الله: ثم قال لي ابن عباس: كانوا بشرًا وتلا ابن عباس:
(حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى
نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) [سورة
البقرة: 214] = قال ابن جريج: قال ابن أبي مليكة: يذهب بها إلى
أنهم ضَعُفوا، فظنوا أنهم أُخْلِفوا. قال ابن جريج: قال أبن
أبي مليكة: وأخبرني عروة عن عائشة، أنها خالفت ذلك وأبته،
وقالت: ما وعد الله محمدًا صلى الله عليه وسلم من شيء إلا وقد
علم أنه سيكون حتى مات، ولكنه لم يزل البلاء بالرسل حتى ظنوا
أنَّ من معهم من المؤمنين قد كذَّبوهم. قال ابن أبي مليكة في
حديث عروة: كانت عائشة تقرؤها:"وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ
كُذِّبُوا" مثقَّله، للتكذيب. (2)
20031 -.... قال: حدثنا سليمان بن داود الهاشمي، قال: حدثنا
إبراهيم بن سعد، قال: حدثني صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن
عروة،
__________
(1) الأثر: 20029 -" عثمان بن عمر بن فارس العبدي"، ثقة، روى
له الجماعة، مضى مرارًا. وابن جريج، هو الإمام المشهور.
و" ابن أبي مليكة"، هو" عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة"،
روى له الجماعة، مضى مرارًا كثيرة.
وهذا إسناد صحيح، رواه البخاري في صحيحه (الفتح 8: 140) ، من
طريق إبراهيم بن موسى، عن هشام، عن ابن جريج.
(2) الأثر: 20030 - مكرر الذي قبله، وهو إسناد صحيح.
(16/307)
عن عائشة قال: قلت لها قوله: (حتى إذا
استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كُذِبوا) ، قال: قالت عائشة: لقد
استيقنوا أنهم قد كُذِّبوا. قلت:"كُذِبوا". قالت: معاذ الله،
لم تكن الرُّسل تظُنُّ بربها، (1) إنما هم أتباع الرُّسُل، لما
استأخر عنهم الوحيُ، واشتد عليهم البلاء، ظنت الرسل أن أتباعهم
قد كذَّبوهم = (جاءهم نصرنا) . (2)
20032 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن
معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: حتى إذا استيأس
الرجل ممن كذبهم من قومهم أن يصدّقوهم، وظنَّت الرسل أن من قد
آمن من قومهم قد كَذَّبوهم، جاءهم نصر الله عند ذلك. (3)
* * *
قال أبو جعفر: فهذا ما روي في ذلك عن عائشة، غير أنها كانت
تقرأ:"كُذِّبُوا"، بالتشديد وضم الكاف، بمعنى ما ذكرنا عنها:
من أن الرسل ظنَّت بأتباعها الذين قد آمنوا بهم، أنهم قد
كذَّبوهم، فارتدُّوا عن دينهم، استبطاءً منهم للنصر.
وقد بيّنا أن الذي نختار من القراءة في ذلك والتأويل غيرَه في
هذا الحرف خاصّةً.
* * *
وقال آخرون ممن قرأ قوله:"كُذِّبُوا" بضم الكاف وتشديد الذال،
معنى ذلك: حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يؤمنوا بهم
ويصدِّقوهم، وظنَّت الرسل، بمعنى: واستيقنت، أنهم قد كذّبهم
أممهم، جاءَتِ الرُّسل نُصْرَتنا. وقالوا:
__________
(1) في المطبوعة والمخطوطة:" تظن يومًا"، ورجحت أن هذا تصحيف
من الناسخ، لم يحسن قراءة" بربها"، فكتب مكانها "يومًا"، لشبه
ما بينها في الرسم، والذي في حديث البخاري:" تظن ذلك بربها"،
وهو يؤيد ما ذهبت إليه.
(2) الأثر: 20031 - بهذا الإسناد، عن" عبد العزيز بن عبد الله،
عن إبراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان"، رواه البخاري في صحيحه
(الفتح 8: 277 - 279) = مطولا.
ولفظ أبي جعفر مختصر أشد الاختصار. وكتب ابن حجر فصلاً جيدًا
مستوفى في شرح هذا الحديث.
(3) الأثر: 20032 - وهذا إسناد صحيح إلى عائشة.
(16/308)
"الظن" في هذا بمعنى العلم، (1) من قول
الشاعر: (2)
فَظُنُّوا بِأَلْفَيْ فَارِسٍ مُتَلَبِّبٍ ... سَرَاتُهُمْ فِي
الفَارِسِيّ المُسَرَّدِ (3)
* * *
* ذكر من قال ذلك:
20033 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن
قتادة، عن الحسن = وهو قول قتادة =: حتى إذا استيأس الرسل من
إيمان قومهم، وظنوا أنهم قد كُذِّبوا"، أي: استيقنوا أنه لا
خير عند قومهم، ولا إيمان = (جاءهم نصرنا) .
* * *
20034 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن
معمر، عن قتادة: (حتى إذا استيأس الرسل) ، قال: من قومهم =
(وظنوا أنهم قد كذِّبوا) ، قال: وعلموا أنهم قد كذبوا = (جاءهم
نصرنا) .
* * *
قال أبو جعفر: وبهذه القراءة كانت تقرأ عامة قرأة المدينة
والبصرة والشأم، أعني بتشديد الذال من"كُذِّبُوا" وضم كافها.
* * *
وهذا التأويل الذي ذهب إليه الحسن وقتادة في ذلك، إذا قرئ
بتشديد الذال وضم الكاف، خلافٌ لما ذكرنا من أقوال جميع من
حكينا قوله من الصحابة، لأنه لم يوجه"الظن" في هذا الموضع منهم
أحدٌ إلى معنى العلم واليقين، مع أن"الظنّ" إنما استعمله العرب
في موضع العلم فيما كان من علم أدرك من جهة الخبر أو من غير
وجه المشاهده والمعاينة. فأما ما كان من علم أدرك من وجه
المشاهدة والمعاينة، فإنها لا تستعمل فيه"الظن"، لا تكاد
تقول:"أظنني حيًّا، وأظنني إنسانًا"، بمعنى: أعلمني إنسانًا،
وأعلمني حيًا. والرسل الذين كذبتهم أممهم، لا شك أنها كانت
لأممها شاهدة، ولتكذيبها إياها منها سامعة، فيقال فيها: ظنّت
بأممها أنها كَذَّبتها.
* * *
وروي عن مجاهد في ذلك قولٌ هو خلاف جميع ما ذكرنا من أقوال
الماضين الذين سَمَّينا أسماءهم وذكرنا أقوالهم، وتأويلٌ خلاف
تأويلهم، وقراءةٌ غير قراءة
__________
(1) انظر تفسير "الظن" بهذا المعنى فيما سلف من فهارس اللغة
(ظنن) .
(2) هو دريد بن الصمة.
(3) مضى البيت بغير هذه الرواية 2: 18، تعليق: 1، وبينت ذلك
هناك.
(16/309)
جميعهم، وهو أنه، فيما ذُكِر عنه، كان
يقرأ:"وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كَذَبُوا" بفتح الكاف والذال
وتخفيف الذال.
* ذكر الرواية عنه بذلك:
20035 - حدثني أحمد بن يوسف، قال: حدثنا أبو عبيد، قال: حدثنا
حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، أنه قرأها:"كَذَبُوا" بفتح الكاف
بالتخفيف.
* * *
=وكان يتأوّله كما: -
20036 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن
ابن جريج، عن مجاهد: استيأس الرجل أن يُعَذَّبَ قومهم، وظن
قومهم أن الرسل قد كَذَبوا = (جاءهم نصرنا) ، قال: جاء الرسلَ
نصرنا. قال مجاهد: قال في"المؤمن" (1) (فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ
رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ
الْعِلْمِ) ، قال: قولهم:"نحن أعلم منهم ولن نعذّب". وقوله:
(وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) ، [سورة
غافر: 83] ، قال: حاق بهم ما جاءت به رسلهم من الحق.
* * *
قال أبو جعفر: وهذه قراءة لا أستجيز القراءة بها، (2) لإجماع
الحجة من قرأة الأمصار على خلافها. ولو جازت القراءة بذلك،
لاحتمل وجهًا من التأويل، وهو أحسن مما تأوله مجاهد، وهو: حتى
إذا استيأس الرسل من عذاب الله قومَها المكَذِّبة بها، وظنَّت
الرسل أن قومها قد كَذَبوا وافتروا على الله بكفرهم بها =
ويكون"الظن" موجِّهًا حينئذ إلى معنى العلم، على ما تأوَّله
الحسن وقتادة.
* * *
وأما قوله: (فنجي من نشاء) فإن القرأة اختلفت في قراءته.
فقرأه عامة قرأة أهل المدينة ومكة والعراق:"فَنُنْجِى مَنْ
نَشَاء"، مخفّفة بنونين، (3)
__________
(1) " المؤمن" هي سورة غافر، أي: سورة مؤمن آل فرعون.
(2) في المطبوعة وحدها:" وهذه القراءة"، غير الكلام بلا معنى.
(3) في المطبوعة أسقط" مخففة"، وكان في المخطوطة:" فننجي مخففة
من نشاء بنونين"، والذي أثبته أولى وأجود.
(16/310)
بمعنى: فننجي نحنُ من نشاء من رسلنا
والمؤمنين بنا، دون الكافرين الذين كَذَّبوا رُسلنا، إذا جاء
الرسلَ نصرُنا.
* * *
واعتلّ الذين قرءوا ذلك كذلك، أنه إنما كتب في المصحف بنون
واحدة، وحكمه أن يكون بنونين، لأن إحدى النونين حرف من أصل
الكلمة، من:"أنجى ينجي"، والأخرى"النون" التي تأتي لمعنى
الدلالة على الاستقبال، من فعل جماعةٍ مخبرةٍ عن أنفسها،
لأنهما حرفان، أعني النونين، من جنس واحدٍ يخفى الثاني منهما
عن الإظهار في الكلام، فحذفت من الخط، واجتزئ بالمثبتة من
المحذوفة، كما يفعل ذلك في الحرفين اللذين يُدْغم أحدهما في
صاحبه.
* * *
وقرأ ذلك بعض الكوفيين على هذا المعنى، غير أنه أدغم النون
الثانية وشدّد الجيم.
* * *
وقرأه آخر منهم بتشديد الجيم ونصب الياء، على معنى فعل ذلك به
من:"نجَّيته أنجّيه".
* * *
وقرأ ذلك بعض المكيين:"فَنَجَا مَنْ نَشَاءُ" بفتح النون
والتخفيف، من:"نجا ينجو". (1)
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندنا، قراءة من
قرأه:"فَنُنْجِى مَنْ نَشَاءُ" بنونين، لأن ذلك هو القراءة
التي عليها القرأة في الأمصار، وما خالفه ممن قرأ ذلك ببعض
الوجوه التي ذكرناها، فمنفرد بقراءته عما عليه الحجة مجمعة من
القرأة. وغير جائز خلاف ما كان مستفيضًا بالقراءة في قرأة
الأمصار.
* * *
__________
(1) في المخطوطة:" من نجا عذاب الله من نشاء ينجو" وفي
المطبوعة:" من نجا من عذاب الله من نشاء ينجو"، زاد" من"
ليستقيم الكلام. بيد أني أقطع بأن الصواب هو ما أثبت، كما فعل
في أخواتها السالفة، وإنما زاد الناسخ ما زاد سهوًا.
(16/311)
لَقَدْ كَانَ فِي
قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا
يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ
وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ
يُؤْمِنُونَ (111)
قال أبو جعفر: وتأويل الكلام: فننجي الرسلَ
ومن نشاء من عبادنا المؤمنين إذا جاء نصرنا، كما: -
20037 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال حدثني عمي:
قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس:"فننجى من نشاء"، فننجي
الرسل ومن نشاء = (ولا يردّ بأسنا عن القوم المجرمين) ، وذلك
أن الله تبارك وتعالى بَعَث الرسل، فدعوا قومهم، وأخبروهم أنه
من أطاع نجا، ومن عصاه عُذِّب وغَوَى.
* * *
وقوله (ولا يردّ بأسنا عن القوم المجرمين) ، يقول: ولا تردُّ
عقوبتنا وبطشنا بمن بطشنا به من أهل الكفر بنا وعن القوم الذين
أجرموا، فكفروا بالله، وخالفوا رسله وما أتوهم به من عنده.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ
عِبْرَةٌ لأولِي الألْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى
وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ
شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: لقد كان في قصص يوسف وإخوته
عبرة لأهل الحجا والعقول يعتبرون بها، وموعظة يتّعظون بها. (1)
وذلك أن الله جل ثناؤه بعد أن ألقي يوسف في الجبّ ليهلك، ثم
بِيع بَيْع العبيد بالخسيس من الثمن، وبعد الإسار والحبس
الطويل، ملّكه مصر، ومكّن له في الأرض، وأعلاه على من بغاه
سوءًا من إخوته، وجمع بينه وبين والديه وإخوته بقدرته، بعد
المدة الطويلة، وجاء بهم إليه من الشُّقّة النائية البعيدة،
فقال جل ثناؤه للمشركين من قريش من
__________
(1) انظر تفسير" القصص" فيما سلف 15: 558، تعليق: 1، والمراجع
هناك.
= وتفسير" العبرة" فيما سلف 6: 242، 243.
(16/312)
قوم نبيّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: لقد
كان لكم، أيها القوم، في قصصهم عبرةٌ لو اعتبرتم به، أن الذي
فعل ذلك بيوسف وإخوته، لا يتعذَّر عليه فعلُ مثله بمحمد صلى
الله عليه وسلم، (1) فيخرجه من بين أظهُرِكم، ثم يظهره عليكم،
ويمكن له في البلاد، ويؤيده بالجند والرجال من الأتباع
والأصحاب، وإن مرَّت به شدائد، وأتت دونه الأيام والليالي
والدهور والأزمان.
* * *
وكان مجاهد يقول: معنى ذلك: لقد كان في قصصهم عبرة ليوسف
وإخوته.
* ذكر الرواية بذلك:
20038 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا
عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (لقد كان في قصصهم
عبرة) ، ليوسف وإخوته.
20039 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا
ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: عبرة ليوسف وإخوته.
20040 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل،
عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
20041 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن
ابن جريج، عن مجاهد، قوله: (لقد كان في قصصهم عبرة لأولى
الألباب) ، قال: يوسف وإخوته.
* * *
قال أبو جعفر: وهذا القول الذي قاله مجاهد، وإن كان له وجه
يحتمله التأويل، فإن الذي قلنا في ذلك أولى به ; لأنّ ذلك
عَقِيب الخبر عن نبينا صلى الله عليه وسلم وعن قومه من
المشركين، وعَقِيب تهديدهم ووعيدهم على الكفر بالله وبرسوله
محمد صلى الله عليه وسلم، ومنقطع عن خبر يوسف وإخوته، ومع ذلك
__________
(1) في المطبوعة:" أن يفعل مثله"، أساء قراءة المخطوطة، وزاد"
أن" من عند نفسه.
(16/313)
أنه خبرٌ عام عن جميع ذوي الألباب، أنَّ
قصصهم لهم عبرة، وغير مخصوص بعض به دون بعض. فإذا كان الأمر
على ما وصفنا في ذلك، فهو بأن يكون خبرًا عن أنه عبرة لغيرهم
أشبه. (1) والرواية التي ذكرناها عن مجاهد [من] رواية ابن جريج
(2) أشبه به أن تكون من قوله ; لأن ذلك موافقٌ القولَ الذي
قلناه في ذلك.
* * *
وقوله: (ما كان حديثًا يفترى) ، يقول تعالى ذكره: ما كان هذا
القول حديثًا يختلق ويُتَكذَّب ويُتَخَرَّص، (3) كما:-
20042 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن
قتادة: (ما كان حديثًا يفترى) ، و"الفرية": الكذب.
* * *
(= ولكن تصديق الذي بين يديه) ، يقول: ولكنه تصديق الذي بين
يديه من كتب الله التي أنزلها قبله على أنبيائه، كالتوراة
والإنجيل والزبور، يصدِّق ذلك كله ويشهد عليه أنّ جميعه حق من
عند الله، كما:-
20043 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن
قتادة: (ولكن تصديق الذي بين يديه) ، والفرقان تصديق الكتب
التي قبله، ويشهد عليها.
* * *
وقوله: (وتفصيل كل شيء) ، يقول تعالى ذكره: وهو أيضًا تفصيل كل
ما بالعباد إليه حاجة من بيان أمر الله ونهيه، وحلاله وحرامه،
وطاعته ومعصيته. (4)
* * *
وقوله: (وهدى ورحمة لقوم يؤمنون) ، يقول تعالى ذكره: وهو بيان
أمره،
__________
(1) قوله:" أشبه" ليست في المخطوطة، لأنها مضطربة هنا، وهي
زيادة حكمية.
(2) زدت" من" بين القوسين ليستقيم الكلام، وليست في المطبوعة
ولا المخطوطة.
(3) انظر تفسير" الافتراء" فيما سلف من فهارس اللغة (فرى) .
(4) انظر تفسير" التفصيل" فيما سلف من فهرس اللغة (فصل) .
(16/314)
ورشاده لمن جهل سبيل الحق فعمي عنه، (1)
إذا اتبعه فاهتدى به من ضلالته ="ورحمة" لمن آمن به وعمل بما
فيه، ينقذه من سخط الله وأليم عذابه، ويورِّثه في الآخرة
جنانه، والخلودَ في النعيم المقيم = (لقوم يؤمنون) ، يقول:
لقوم يصدِّقون بالقرآن وبما فيه من وعد الله ووعيده، وأمره
ونهيه، فيعملون بما فيه من أمره، وينتهون عما فيه من نهيه.
* * *
آخر تفسير سورة يوسف
صلَّى الله عليه وسلم (2)
__________
(1) في المطبوعة:" ورشاد من جهل ... " وفي المخطوطة:" ورشاده
من جهل"، فجعلتها" لمن جهل"، وهو صواب إن شاء الله.
(2) في المخطوطة هنا، بعد هذا، ما نصه
" يتلوه: تفسير السورة التي يذكر فيها الرعد
وصلي الله على محمد وآله وسلم كثيرًا".
(16/315)
* * *
(16/316)
|