تفسير الطبري
جامع البيان ط هجر سُورَةُ الصَّافَّاتِ مَكِّيَّةٌ
وَآيَاتُهَا ثِنْتَانِ وَثَمَانُونَ وَمِائَةٌ بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(19/492)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا
فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا} [الصافات: 2] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ:
أَقْسَمَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِالصَّافَّاتِ،
وَالزَّاجِرَاتِ، وَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا؛ فَأَمَّا
الصَّافَّاتُ: فَإِنَّهَا الْمَلَائِكَةُ الصَّافَّاتُ
لِرَبِّهَا فِي السَّمَاءِ وَهِيَ جَمْعٌ صَافَّةٍ،
فَالصَّافَاتُ: جَمْعُ جَمْعٍ، وَبِذَلِكَ جَاءَ تَأْوِيلُ
أَهْلِ التَّأْوِيلِ
(19/492)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
سَلْمُ بْنُ جُنَادَةَ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ
الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، قَالَ: كَانَ مَسْرُوقٌ يَقُولُ
فِي الصَّافَّاتِ: «هِيَ الْمَلَائِكَةُ» حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ
بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ
شُمَيْلٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ،
قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ، بِمِثْلِهِ
(19/492)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ،
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ [ص:493] {وَالصَّافَاتِ
صَفًّا} [الصافات: 1] قَالَ: " قَسَمٌ أَقْسَمَ اللَّهُ
بِخَلْقٍ، ثُمَّ خَلْقٍ، ثُمَّ خَلْقٍ، وَالصَّافَاتُ:
الْمَلَائِكَةُ صُفُوفًا فِي السَّمَاءِ "
(19/492)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ،
قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ،
عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: {وَالصَّافَاتِ} [الصافات: 1]
قَالَ: «هُمُ الْمَلَائِكَةُ»
(19/493)
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ:
{وَالصَّافَاتِ صَفًّا} [الصافات: 1] قَالَ: «هَذَا قَسْمٌ
أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ» وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي
تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا} [الصافات: 2]
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ الْمَلَائِكَةُ تَزْجُرُ السَّحَابَ
تَسُوقُهُ
(19/493)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا
عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ،
قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ،
عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا}
[الصافات: 2] قَالَ: «الْمَلَائِكَةُ»
(19/493)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ،
قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ،
عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: {فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا}
[الصافات: 2] قَالَ: «هُمُ الْمَلَائِكَةُ» وَقَالَ آخَرُونَ:
بَلْ ذَلِكَ أَيِ الْقُرْآنِ الَّتِي زَجَرَ اللَّهُ بِهَا
عَمَّا زَجَرَ بِهَا عَنْهُ فِي الْقُرْآنِ
(19/493)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ
قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا} [الصافات: 2]
قَالَ: «مَا زَجَرَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْقُرْآنِ» وَالَّذِي
هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ عِنْدَنَا مَا قَالَ
مُجَاهِدٌ، وَمَنْ قَالَ هُمُ الْمَلَائِكَةُ، لِأَنَّ اللَّهَ
تَعَالَى ذِكْرُهُ، ابْتَدَأَ الْقَسَمَ بِنَوْعٍ مِنَ
الْمَلَائِكَةِ، وَهُمُ الصَّافُّونَ بِإِجْمَاعٍ مِنْ أَهْلِ
التَّأْوِيلِ، فَلَأَنْ يَكُونَ الَّذِي بَعْدُ قَسَمًا
بِسَائِرِ أَصْنَافِهِمْ أَشْبَهُ
(19/494)
وَقَوْلُهُ: {فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا}
[الصافات: 3] يَقُولُ: فَالْقَارِئَاتِ كِتَابًا وَاخْتَلَفَ
أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّ بِذَلِكَ، فَقَالَ
بَعْضُهُمْ: هُمُ الْمَلَائِكَةُ
(19/494)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا
عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ،
قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ،
عَنْ مُجَاهِدٍ {فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا} [الصافات: 3] قَالَ:
الْمَلَائِكَةُ "
(19/494)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ،
قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ،
عَنِ السُّدِّيِّ {فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا} [الصافات: 3]
قَالَ: «هُمُ الْمَلَائِكَةُ» [ص:495] وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ
مَا يُتْلَى فِي الْقُرْآنِ مِنْ أَخْبَارِ الْأُمَمِ
قَبْلَنَا
(19/494)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ
قَتَادَةَ {فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا} [الصافات: 3] قَالَ: «مَا
يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْقُرْآنِ مِنْ أَخْبَارِ النَّاسِ
وَالْأُمَمِ قَبْلَكُمْ»
(19/495)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ رَبُّ السَّمَوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ إِنَّا
زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ
وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ لَا يَسَّمَّعُونَ
إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ
دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ إِلَّا مَنْ خَطِفَ
الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} يَعْنِي تَعَالَى
ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: {إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ} [الصافات:
4] وَالصَّافَاتِ صَفًّا إِنَّ مَعْبُودَكُمُ الَّذِي
يَسْتَوْجِبُ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ الْعِبَادَةَ
وَإِخْلَاصَ الطَّاعَةِ مِنْكُمْ لَهُ لَوَاحِدٌ لَا ثَانِيَ
لَهُ وَلَا شَرِيكَ يَقُولُ: فَأَخْلِصُوا الْعِبَادَةَ
وَإِيَّاهُ فَأَفْرِدُوا بِالطَّاعَةِ، وَلَا تَجْعَلُوا لَهُ
فِي عِبَادَتِكُمْ إِيَّاهُ شَرِيكًا
(19/495)
وَقَوْلُهُ: {رَبُّ السَّمَوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} يَقُولُ: هُوَ وَاحِدٌ خَالِقُ
السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْخَلْقِ،
وَمَالِكُ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَالْقَيِّمُ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ،
[ص:496] يَقُولُ: فَالْعِبَادَةُ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِمَنْ
هَذِهِ صِفَتُهُ، فَلَا تَعْبُدُوا غَيْرَهُ، وَلَا تُشْرِكُوا
مَعَهُ فِي عِبَادَتِكُمْ إِيَّاهُ مَنْ لَا يَضُرُّ وَلَا
يَنْفَعُ، وَلَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَلَا يُفْنِيهِ وَاخْتَلَفَ
أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ رَفْعِ رَبُّ السَّمَوَاتِ،
فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: رُفِعَ عَلَى مَعْنَى:
إِنَّ إِلَهَكُمْ لِرَبٌّ وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ رَدٌّ عَلَى
{إِنَّ إِلَهَكُمْ لِوَاحِدٌ} [الصافات: 4] ثُمَّ فَسَّرَ
الْوَاحِدَ، فَقَالَ: رَبُّ السَّمَوَاتِ، وَهُوَ رَدٌّ عَلَى
وَاحِدٍ وَهَذَا الْقَوْلُ عِنْدِي أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ فِي
ذَلِكَ، لِأَنَّ الْخَبَرَ هُوَ قَوْلُهُ: {لِوَاحِدٌ}
[الصافات: 4] وَقَوْلُهُ: {رَبُّ السَّمَوَاتِ} تَرْجَمَةٌ
عَنْهُ، وَبَيَانٌ مَرْدُودٌ عَلَى إِعْرَابِهِ
(19/495)
وَقَوْلُهُ: {وَرَبُّ الْمَشَارِقِ}
[الصافات: 5] يَقُولُ: وَمُدَبِّرٌ مَشَارِقَ الشَّمْسِ فِي
الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ وَمَغَارِبَهَا، وَالْقَيِّمُ عَلَى
ذَلِكَ وَمُصْلِحُهُ؛ وَتَرَكَ ذِكْرَ الْمَغَارِبِ
لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، وَاسْتَغْنَى بِذِكْرِ
الْمَشَارِقِ مِنْ ذِكْرِهَا، إِذْ كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ
مَعَهَا الْمَغَارِبَ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ
قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(19/496)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ
قَتَادَةَ، {إِنَّ إِلَهَكُمْ لِوَاحِدٌ} [الصافات: 4] "
وَقَعَ الْقَسَمُ عَلَى هَذَا إِنَّ إِلَهَكُمْ لِوَاحِدٌ
{رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ
الْمَشَارِقِ} قَالَ: مَشَارِقُ الشَّمْسِ فِي الشِّتَاءِ
وَالصَّيْفِ "
(19/496)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ،
قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ،
عَنِ [ص:497] السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: {رَبُّ الْمَشَارِقِ}
[الصافات: 5] قَالَ: «الْمَشَارِقُ سِتُّونَ وَثَلَاثُ مِائَةِ
مَشْرِقٍ، وَالْمَغَارِبُ مِثْلُهَا، عَدَدُ أَيَّامِ
السَّنَةِ»
(19/496)
وَقَوْلُهُ: {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ
الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ} [الصافات: 6] اخْتَلَفَتِ
الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: {بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ}
[الصافات: 6] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ
وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: (بِزِينَةِ
الْكَوَاكِبِ) بِإِضَافَةِ الزِّينَةِ إِلَى الْكَوَاكِبِ،
وَخَفْضِ الْكَوَاكِبِ {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ
الدُّنْيَا} [الصافات: 6] الَّتِي تَلِيكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ
وَهِيَ الدُّنْيَا إِلَيْكُمْ بِتَزْيِينِهَا الْكَوَاكِبِ:
أَيْ بِأَنْ زَيَّنَتْهَا الْكَوَاكِبُ وَقَرَأَ ذَلِكَ
جَمَاعَةٌ مِنْ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: {بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ}
[الصافات: 6] بِتَنْوِينِ زِينَةٍ، وَخَفْضِ الْكَوَاكِبِ
رَدًّا لَهَا عَلَى الزِّينَةِ، بِمَعْنَى: إِنَّا زَيَّنَّا
السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ هِيَ الْكَوَاكِبُ، كَأَنَّهُ
قَالَ: زَيَّنَّاهَا بِالْكَوَاكِبِ وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ
قُرَّاءِ الْكُوفَةِ أَنَّهُ كَانَ يُنَوِّنُ الزِّينَةَ
وَيَنْصِبُ الْكَوَاكِبَ، بِمَعْنَى: إِنَّا زَيَّنَّا
السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِتَزْيِينِنَا الْكَوَاكِبَ وَلَوْ
كَانَتِ الْقِرَاءَةُ فِي الْكَوَاكِبِ جَاءَتْ رَفَعَا إِذَا
نُوِّنَتِ الزِّينَةُ، لَمْ يَكُنْ لَحْنًا، وَكَانَ صَوَابًا
فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَكَانَ مَعْنَاهُ: إِنَّا زَيَّنَّا
السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِتَزْيِينِهَا الْكَوَاكِبُ: أَيْ
بِأَنْ زَيَّنَتْهَا الْكَوَاكِبُ وَذَلِكَ أَنَّ الزِّينَةَ
مَصْدَرٌ، فَجَائِزٌ تَوْجِيهُهَا إِلَى أَيِّ هَذِهِ
الْوجُوهِ الَّتِي وَصَفْتُ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَأَمَّا
الْقِرَاءَةُ فَأَعْجَبُهَا إِلَيَّ بِإِضَافَةِ الزِّينَةِ
إِلَى الْكَوَاكِبِ وَخَفْضِ الْكَوَاكِبِ لِصِحَّةِ مَعْنَى
ذَلِكَ فِي التَّأْوِيلِ وَالْعَرَبِيَّةِ، وَأَنَّهَا
قِرَاءَةُ أَكْثَرِ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ، وَإِنْ كَانَ
التَّنْوِينُ فِي الزِّينَةِ وَخَفْضُ الْكَوَاكِبِ عِنْدِي
صَحِيحًا أَيْضًا فَأَمَّا النَّصْبُ فِي
(19/497)
الْكَوَاكِبِ وَالرَّفْعُ، فَلَا
أَسْتَجِيزُ الْقِرَاءَةَ بِهِمَا، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ
مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَى خِلَافِهِمَا، وَإِنْ كَانَ لَهُمَا
فِي الْإِعْرَابِ وَالْمَعْنَى وَجْهٌ صَحِيحٌ وَقَدِ
اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ إِذَا
أُضِيفَتِ الزِّينَةُ إِلَى الْكَوَاكِبِ، فَكَانَ بَعْضُ
نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَقُولُ: إِذَا قُرِئَ ذَلِكَ
كَذَلِكَ، فَلَيْسَ يَعْنِي بَعْضَهَا، وَلَكِنَّ زِينَتَهَا
حُسْنُهَا؛ وَكَانَ غَيْرُهُ يَقُولُ: مَعْنَى ذَلِكَ إِذَا
قُرِئَ كَذَلِكَ: إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا
بِأَنْ زَيَّنَتْهَا الْكَوَاكِبُ وَقَدْ بَيَّنَّا الصَّوَابَ
فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا
(19/498)
وَقَوْلُهُ: {وَحِفْظًا} [الصافات: 7]
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَحِفْظًا} [الصافات: 7]
لِلسَّمَاءِ الدُّنْيَا زَيَّنَّاهَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ نَصْبِ
قَوْلِهِ: {وَحِفْظًا} [الصافات: 7] فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي
الْبَصْرَةِ: قَالَ: وَحِفْظًا، لِأَنَّهُ بَدَلٌ مِنَ
اللَّفْظِ بِالْفِعْلِ، كَأَنَّهُ قَالَ، وَحَفَظْنَاهَا
حِفْظًا وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: إِنَّمَا هُوَ
مِنْ صِلَةِ التَّزْيِينِ أَنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ
الدُّنْيَا حِفْظًا لَهَا، فَأَدْخَلَ الْوَاوَ عَلَى
التَّكْرِيرِ: أَيْ وَزَيَّنَّاهَا حِفْظًا لَهَا، فَجَعَلَهُ
مِنَ التَّزْيِينِ؛ وَقَدْ بَيَّنَّا الْقَوْلَ فِيهِ
عِنْدَنَا وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَحِفْظًا لَهَا مِنْ كُلِّ
شَيْطَانٍ عَاتٍ خَبِيثٍ زَيَّنَّاهَا
(19/498)
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا
يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ:
{وَحِفْظًا} [الصافات: 7] يَقُولُ: «جَعَلْتُهَا حِفْظًا مِنْ
كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ»
(19/498)
وَقَوْلُهُ: {لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى
الْمَلَإِ الْأَعْلَى} [الصافات: 8] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ
فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: {لَا يَسَّمَّعُونَ} [الأعراف: 100]
فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ
وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: (لَا يَسْمَعُونَ) بِتَخْفِيفِ
السِّينِ مِنْ يَسَّمَّعُونَ، بِمَعْنَى أَنَّهُمْ
يَتَسَمَّعُونَ وَلَا يَسْمَعُونَ [ص:499] وَقَرَأَ ذَلِكَ
عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ بَعْدُ {لَا يَسَّمَّعُونَ}
[الأعراف: 100] بِمَعْنَى: لَا يَتَسَمَّعُونَ، ثُمَّ
أَدْغَمُوا التَّاءَ فِي السِّينِ فَشَدَّدُوهَا وَأَوْلَى
الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ
مَنْ قَرَأَهُ بِالتَّخْفِيفِ، لِأَنَّ الْأَخْبَارَ
الْوَارِدَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَعَنْ أَصْحَابِهِ، أَنَّ الشَّيَاطِينَ قَدْ
تَسَمَّعَ الْوَحْيَ، وَلَكِنَّهَا تُرْمَى بِالشُّهُبِ
لِئَلَّا تَسْمَعُ
(19/498)
ذِكْرُ رِوَايَةِ بَعْضِ ذَلِكَ:
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ
إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " كَانَتْ
لِلشَّيَاطِينِ مَقَاعِدٌ فِي السَّمَاءِ، قَالَ: فَكَانُوا
يَسْمَعُونَ الْوَحْيَ، قَالَ: وَكَانَتِ النُّجُومُ لَا
تَجْرِي، وَكَانَتِ الشَّيَاطِينُ لَا تُرْمَى، قَالَ: فَإِذَا
سَمِعُوا الْوَحْيَ نَزَلُوا إِلَى الْأَرْضِ، فَزَادُوا فِي
الْكَلِمَةِ تِسْعًا؛ قَالَ: فَلَمَّا بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ الشَّيْطَانَ إِذَا
قَعَدَ مَقْعَدَهُ جَاءَ شِهَابٌ، فَلَمْ يُخْطِهِ حَتَّى
يُحْرِقَهُ، قَالَ: فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى إِبْلِيسَ،
فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا لِأَمْرٍ حَدَثٌ؛ قَالَ: فَبَعَثَ
جُنُودَهُ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَائِمٌ يُصَلِّي بَيْنَ جَبَلَيْ نَخْلَةَ "؛ قَالَ
أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ وَكِيعٌ: يَعْنِي بَطْنَ نَخْلَةَ،
قَالَ: فَرَجَعُوا إِلَى إِبْلِيسَ فَأَخْبَرُوهُ، قَالَ:
فَقَالَ هَذَا الَّذِي حَدَثَ
(19/499)
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ وَأَحْمَدُ بْنُ
يَحْيَى الصُّوفِيُّ قَالَا: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ
إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " كَانَتِ الْجِنُّ
يَصْعَدُونَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا يَسْتَمِعُونَ
الْوَحْيَ، فَإِذَا سَمِعُوا الْكَلِمَةَ زَادُوا فِيهَا
تِسْعًا، فَأَمَّا الْكَلِمَةُ فَتَكُونُ حَقًّا، وَأَمَّا مَا
زَادُوا فَيَكُونُ بَاطِلًا؛ فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنِعُوا مَقَاعِدَهُمْ،
فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِإِبْلِيسَ، وَلَمْ تَكُنِ النُّجُومُ
يُرْمَى بِهَا قَبْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُمْ إِبْلِيسُ: مَا
هَذَا إِلَّا لِأَمْرٍ حَدَثَ فِي الْأَرْضِ، فَبَعَثَ
جُنُودَهُ فَوَجَدُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَائِمًا يُصَلِّي، فَأَتَوْهُ فَأَخْبَرُوهُ،
فَقَالَ: هَذَا الْحَدَثُ الَّذِي حَدَثَ " حَدَّثَنَا ابْنُ
الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، قَالَ:
ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَتِ الْجِنُّ
لَهُمْ مَقَاعِدُ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ
(19/500)
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا
يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ،
قَالَ: ثني الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي
رَهْطٌ، مِنَ الْأَنْصَارِ، قَالُوا: بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ
ذَاتَ لَيْلَةٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، إِذْ رَأَى كَوْكَبًا رُمِيَ بِهِ، فَقَالَ: «مَا
تَقُولُونَ فِي هَذَا الْكَوْكَبِ الَّذِي يُرْمَى بِهِ؟»
فَقُلْنَا: يُولَدُ مَوْلُودٌ، أَوْ يُهْلَكُ هَالِكٌ،
وَيَمُوتُ مَلِكٌ وَيَمْلِكُ مَلِكٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
(19/500)
لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ كَانَ
إِذَا قَضَى أَمْرًا فِي السَّمَاءِ سَبَّحَ لِذَلِكَ حَمَلَةُ
الْعَرْشِ، فَيُسَبِّحُ لِتَسْبِيحِهِمْ مَنْ يَلِيهِمْ مِنْ
تَحْتِهِمْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَمَا يَزَالُونَ كَذَلِكَ
حَتَّى يَنْتَهِيَ التَّسْبِيحُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا،
فَيَقُولُ أَهْلُ السَّمَاءِ الدُّنْيَا لِمَنْ يَلِيهِمْ مِنَ
الْمَلَائِكَةِ: مِمَّ سَبَّحْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: مَا
نَدْرِي: سَمِعْنَا مَنْ فَوْقَنَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ
سَبِّحُوا فَسَبَّحْنَا اللَّهَ لِتَسْبِيحِهِمْ وَلَكِنَّا
سَنَسْأَلُ، فَيَسْأَلُونَ مَنْ فَوْقَهُمْ، فَمَا يَزَالُونَ
كَذَلِكَ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى حَمَلَةِ الْعَرْشِ،
فَيَقُولُونَ: قَضَى اللَّهُ كَذَا وَكَذَا، فَيُخْبِرُونَ
بِهِ مَنْ يَلِيهِمْ حَتَّى يَنْتَهُوا إِلَى السَّمَاءِ
الدُّنْيَا، فَتَسْتَرِقُّ الْجِنُّ مَا يَقُولُونَ،
فَيَنْزِلُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ مِنَ الْإِنْسِ
فَيُلْقُونَهُ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ بِتَوِّهِمْ مِنْهُمْ،
فَيُخْبِرُونَهُمْ بِهِ، فَيَكُونُ بَعْضُهُ حَقًّا وَبَعْضُهُ
كَذِبًا، فَلَمْ تَزَلِ الْجِنُّ كَذَلِكَ حَتَّى رُمُوا
بِهَذِهِ الشُّهُبِ "
(19/501)
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، وَابْنُ
الْمُثَنَّى، قَالَا: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، عَنْ مَعْمَرٍ،
عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، قَالَ بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، إِذْ رُمِيَ بِنَجْمٍ
فَاسْتَنَارَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «مَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ لِمِثْلِ هَذَا فِي
الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا رَأَيْتُمُوهُ؟» قَالُوا: كُنَّا
نَقُولُ: يَمُوتُ عَظِيمٌ أَوْ يُولَدُ عَظِيمٌ، قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَإِنَّهُ لَا
يُرْمَى بِهِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّ
رَبَّنَا تَبَارَكَ اسْمُهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا سَبَّحَ
حَمَلَةُ الْعَرْشِ، ثُمَّ سَبَّحَ أَهْلُ السَّمَاءِ الَّذِي
يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ [ص:502] حَتَّى
يَبْلُغَ التَّسْبِيحُ أَهْلَ هَذِهِ السَّمَاءِ ثُمَّ
يَسْأَلُ أَهْلُ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ حَمَلَةَ الْعَرْشِ:
مَاذَا قَالَ رَبَّنَا؟ فَيُخْبِرُونَهُمْ، ثُمَّ يَسْتَخْبِرُ
أَهْلُ كُلِّ سَمَاءٍ، حَتَّى يَبْلَعَ الْخَبَرُ أَهْلَ
السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَتَّخَطَّفُ الشَّيَاطِينُ السَّمْعَ،
فَيُرْمُونَ، فَيَقْذِفُونَهُ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ، فَمَا
جَاءُوا بِهِ عَلَى وَجْهِهِ فَهُوَ حَقٌّ، وَلَكِنَّهُمْ
يَزِيدُونَ " حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ:
ثنا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ جَالِسًا فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، قَالَ:
فَرُمِيَ بِنَجْمٍ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ، إِلَّا أَنَّهُ
زَادَ فِيهِ: قُلْتُ لِلزُّهْرِيِّ: أَكَانَ يُرْمَى بِهَا فِي
الْجَاهِلِيَّةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَكِنَّهَا غُلِّظَتْ حِينَ
بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(19/501)
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ:
ثنا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا أَبِي عَلِيُّ بْنُ
عَاصِمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " كَانَ لِلْجِنِّ
مَقَاعِدُ فِي السَّمَاءِ يَسْمَعُونَ الْوَحْيَ، وَكَانَ
الْوَحْيُ إِذَا أُوحِيَ سَمِعَتِ الْمَلَائِكَةُ كَهَيْئَةِ
الْحَدِيدَةِ يُرْمَى بِهَا عَلَى الصَّفْوَانِ، فَإِذَا
سَمِعَتِ الْمَلَائِكَةُ صَلْصَلَةَ الْوَحْيِ خَرَّ
لِجِبَاهِهِمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ،
فَإِذَا نَزَلَ عَلَيْهِمْ أَصْحَابُ الْوَحْيِ [ص:503]
{قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ
الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سبأ: 23] ، قَالَ: فَيَتَنَادَوْنَ،
قَالَ رَبُّكُمُ الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ؛
قَالَ: فَإِذَا أُنْزِلَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا،
قَالُوا: يَكُونُ فِي الْأَرْضِ كَذَا وَكَذَا مَوْتًا،
وَكَذَا وَكَذَا حَيَاةً وَكَذَا وَكَذَا جُدُوبَةً، وَكَذَا
وَكَذَا خِصْبًا، وَمَا يُرِيدُ أَنْ يَصْنَعَ وَمَا يُرِيدُ
أَنْ يَبْتَدِئَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَنَزَلَتِ الْجِنُّ
فَأَوْحَوْا إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ مِنَ الْإِنْسِ، مِمَّا
يَكُونُ فِي الْأَرْضِ، فَبَيْنَاهُمْ كَذَلِكَ، إِذْ بَعَثَ
اللَّهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَزَجَرَتِ الشَّيَاطِينَ عَنِ السَّمَاءِ وَرَمُوهُمْ
بِكَوَاكِبَ، فَجَعَلَ لَا يَصْعَدُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَّا
احْتَرَقَ، وَفَزِعَ أَهْلُ الْأَرْضِ لِمَا رَأَوْا فِي
الْكَوَاكِبِ، وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ، وَقَالُوا: هَلَكَ
مَنْ فِي السَّمَاءِ، وَكَانَ أَهْلُ الطَّائِفِ أَوَّلَ مَنْ
فَزِعَ، فَيَنْطَلِقُ الرَّجُلُ إِلَى إِبِلِهِ، فَيَنْحَرُ
كُلَّ يَوْمٍ بَعِيرًا لِآلِهَتِهِمْ، وَيَنْطَلِقُ صَاحِبُ
الْغَنَمِ، فَيَذْبَحُ كُلَّ يَوْمٍ شَاةً، وَيَنْطَلِقُ
صَاحِبُ الْبَقَرِ فَيَذْبَحُ كُلَّ يَوْمٍ بَقَرَةً، فَقَالَ
لَهُمْ رَجُلٌ: وَيْلَكُمْ لَا تَهْلِكُوا أَمْوَالَكُمْ،
فَإِنَّ مَعَالِمَكُمْ مِنَ الْكَوَاكِبِ الَّتِي تَهْتَدُونَ
بِهَا لَمْ يَسْقُطْ مِنْهَا شَيْءٌ، فَأَقْلَعُوا وَقَدْ
أَسْرَعُوا فِي أَمْوَالِهِمْ وَقَالَ إِبْلِيسُ: حَدَثَ فِي
الْأَرْضِ حَدَثٌ، فَأُتِيَ مِنْ كُلِّ أَرْضٍ بِتُرْبَةٍ،
فَجَعَلَ لَا يُؤْتَى بِتُرْبَةِ أَرْضٍ إِلَّا شَمَّهَا،
فَلَمَّا أُتِيَ بِتُرْبَةِ تِهَامَةَ قَالَ: هَاهُنَا حَدَثَ
الْحَدَثُ، وَصَرَفَ اللَّهُ إِلَيْهِ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ
وَهُوَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَقَالُوا: {إِنَّا سَمِعْنَا
قُرْآنًا عَجَبًا} [الجن: 1] ، حَتَّى خَتَمَ الْآيَةَ،
فَوَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ "
(19/502)
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ
عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ الْمَلَائِكَةَ
تَنْزِلُ فِي الْعَنَانِ وَهُوَ السَّحَابُ فَتَذْكُرُ مَا
قُضِيَ فِي السَّمَاءِ، فَتَسْتَرِقُّ الشَّيَاطِينُ
السَّمْعَ، فَتَسْمَعُهُ فَتُوحِيهِ إِلَى الْكُهَّانِ،
فَيَكْذِبُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ مِنْ عِنْدِ
أَنْفُسِهِمْ» فَهَذِهِ الْأَخْبَارُ تُنْبِئُ عَنْ أَنَّ
الشَّيَاطِينَ تَسْمَعُ، وَلَكِنَّهَا تُرْمَى بِالشُّهُبِ
لِئَلَّا تَسْمَعُ فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ
فِي الْكَلَامِ «وَإِلَى» ، كَانَ التَّسَمُّعُ أَوْلَى
بِالْكَلَامِ مِنَ السَّمْعِ، فَإِنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ
بِخِلَافِ مَا ظَنَّ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ:
سَمِعْتُ فُلَانًا يَقُولُ كَذَا، وَسَمِعْتُ إِلَى فُلَانٍ
يَقُولُ كَذَا، وَسَمِعْتُ مِنَ فُلَانٍ وَتَأْوِيلُ
الْكَلَامِ: إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ
الْكَوَاكِبِ، وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ أَنْ
لَا يَسْمَعَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى، فَحُذِفَتْ إِنْ
اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهَا، كَمَا قِيلَ:
{كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ لَا
يُؤْمِنُونَ بِهِ} [الشعراء: 201] بِمَعْنَى: أَنْ لَا
يُؤْمِنُوا بِهِ؛ وَلَوْ كَانَ مَكَانُ «لَا» أَنْ لَكَانَ
فَصِيحًا، كَمَا قِيلَ: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ
تَضِلُّوا} [النساء: 176] بِمَعْنَى: أَنْ لَا تَضِلُّوا،
وَكَمَا قَالَ: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ
تَمِيدَ بِكُمْ} [النحل: 15] بِمَعْنَى: أَنْ لَا تَمِيدَ
بِكُمْ وَالْعَرَبُ قَدْ تَجْزِمُ مَعَ لَا فِي مِثْلِ هَذَا
الْمَوْضِعِ مِنَ الْكَلَامِ، فَتَقُولُ: رَبَطْتُ الْفَرَسَ
لَا يَنْفَلِتْ، كَمَا قَالَ بَعْضُ بَنِي عُقَيْلٍ:
[البحر الطويل]
[ص:505] وَحَتَّى رَأَيْنَا أَحْسَنَ الْوِدِّ بَيْنَنَا ...
مُسَاكَنَةً لَا يَقْرِفِ الشَّرَّ قَارِفُ
وَيُرْوَى: لَا يَقْرِفُ رَفْعًا، وَالرَّفْعُ لُغَةُ أَهْلِ
الْحِجَازِ فِيمَا قِيلَ
(19/504)
وَقَالَ قَتَادَةُ فِي ذَلِكَ مَا:
حَدَّثَنِي بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ،
عَنْ قَتَادَةَ {لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ
الْأَعْلَى} [الصافات: 8] قَالَ: «مَنَعُوهَا وَيَعْنِي
بِقَوْلِهِ» : {إِلَى الْمَلَإِ} [البقرة: 246] : إِلَى
جَمَاعَةِ الْمَلَائِكَةِ الَّتِي هُمْ أَعْلَى مِمَّنْ هُمْ
دُونَهُمْ "
(19/505)
وَقَوْلُهُ: {وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ
جَانِبٍ دُحُورًا} [الصافات: 9] وَيُرْمَوْنَ مِنْ كُلِّ
جَانِبٍ مِنْ جَوَانِبِ السَّمَاءِ دُحُورًا وَالدُّحُورُ:
مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِكَ: دَحَرْتُهُ أَدْحُرُهُ دَحْرًا
وَدُحُورًا، وَالدَّحْرُ: الدَّفْعُ وَالْإِبْعَادُ، يُقَالُ
مِنْهُ: أَدْحَرُ عَنْكَ الشَّيْطَانَ: أَيِ ادْفَعُهُ عَنْكَ
وَأُبْعِدُهُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ
أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(19/505)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ
قَتَادَةَ {وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ دُحُورًا}
[الصافات: 9] «قَذْفًا بِالشُّهُبِ»
(19/505)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ:
ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي [ص:506]
الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ،
جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ:
{وَيُقْذَفُونَ} [سبأ: 53] يُرْمَوْنَ {مِنْ كُلِّ جَانِبٍ}
[الصافات: 8] قَالَ: مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَقَوْلُهُ:
{دُحُورًا} [الصافات: 9] قَالَ: «مَطْرُودِينَ»
(19/505)
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ:
{وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ دُحُورًا} [الصافات: 9]
قَالَ: " الشَّيَاطِينُ يُدْحَرُونَ بِهَا عَنِ الِاسْتِمَاعِ،
وَقَرَأَ وَقَالَ: {إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ} [الحجر:
18] ، {فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} [الصافات: 10]
(19/506)
وَقَوْلُهُ: {وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ}
[الصافات: 9] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلِهَذِهِ
الشَّيَاطِينِ الْمُسْتَرِقَةِ السَّمْعَ عَذَابٌ مِنَ اللَّهِ
وَاصِبٌ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلَ فِي مَعْنَى
الْوَاصِبِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: الْمُوجِعُ
(19/506)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ
{وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ} [الصافات: 9] قَالَ: «مُوجِعٌ»
(19/506)
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ،
قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ،
عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: {عَذَابٌ وَاصِبٌ} [الصافات:
9] قَالَ: «الْمُوجِعُ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ:
الدَّائِمُ
(19/506)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ
قَتَادَةَ {وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ} [الصافات: 9] : «أَيْ
دَائِمٌ»
(19/507)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ:
ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي
الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ،
جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ:
{عَذَابٌ وَاصِبٌ} [الصافات: 9] قَالَ: «دَائِمٌ»
(19/507)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ:
ثني أَبِي، قَالَ: ثَنَّى عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ
أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ}
[الصافات: 9] يَقُولُ: «لَهُمْ عَذَابٌ دَائِمٌ»
(19/507)
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا
ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ عِكْرِمَةَ،
{وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ} [الصافات: 9] قَالَ: «دَائِمٌ»
(19/507)
حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ:
{وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ} [الصافات: 9] قَالَ: " الْوَاصِبُ:
الدَّائِبُ " وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيِنْ فِي ذَلِكَ
بِالصَّوَابِ تَأْوِيلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: دَائِمٌ
خَالِصٌ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ قَالَ {وَلَهُ الدِّينُ
وَاصِبًا} [النحل: 52] ، فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَصِفْهُ
بِالْإِيلَامِ [ص:508] وَالْإِيجَاعِ، وَإِنَّمَا وَصَفَهُ
بِالثَّبَاتِ وَالْخُلُوصِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي الْأَسْوَدِ
الدُّؤَلِيِّ:
[البحر الكامل]
لَا أَشْتَرِي الْحَمْدَ الْقَلِيلَ بَقَاؤُهُ ... يَومًا
بِذَمِّ الدَّهْرِ أَجْمَعَ وَاصِبَا
أَيْ دَائِمًا
(19/507)
وَقَوْلُهُ: {إِلَّا مَنْ خَطِفَ
الْخَطْفَةَ} [الصافات: 10] يَقُولُ: إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ
السَّمْعَ مِنْهُمْ {فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} [الصافات:
10] يَعْنِي: مُضِيءٌ مُتَوَقِّدٌ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا
فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(19/508)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ
قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ}
[الصافات: 10] " مِنْ نَارٍ وَثُقُوبُهُ: ضَوْءُهُ "
(19/508)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ،
قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ،
عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: {شِهَابٌ ثَاقِبٌ} [الصافات: 10]
قَالَ: «شِهَابٌ مُضِيءٌ يُحْرِقُهُ حِينَ يُرْمَى بِهِ»
(19/508)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ:
ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ
أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {فَأَتْبَعَهُ
شِهَابٌ} [الصافات: 10] قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ:
«لَا يَقْتُلُونَ الشِّهَابَ، وَلَا يَمُوتُونَ، وَلَكِنَّهَا
تُحْرِقُهُمْ مِنْ غَيْرِ قَتْلٍ، وَتَخْبِلُ وَتَخْدِجُ مِنْ
غَيْرِ قَتْلٍ»
(19/508)
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ:
{فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} [الصافات: 10] قَالَ: "
وَالثَّاقِبُ: الْمُسْتَوْقَدُ؛ قَالَ: وَالرَّجُلُ يَقُولُ:
أَثْقِبْ نَارَكَ، وَيَقُولُ: اسْتَثْقِبْ نَارَكَ:
اسْتَوْقِدْ نَارَكَ "
(19/509)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا
يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، قَالَ:
سُئِلَ الضَّحَّاكُ هَلْ لِلشَّيَاطِينِ أَجْنِحَةٌ؟ فَقَالَ:
«كَيْفَ يَطِيرُونَ إِلَى السَّمَاءِ إِلَّا وَلَهُمْ
أَجْنِحَةٌ»
(19/509)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ
خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ بَلْ
عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} [الصافات: 12] يَقُولُ تَعَالَى
ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: فَاسْتَفْتِ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ
الْمُشْرِكِينَ الَّذِي يُنْكِرُونَ الْبَعْثَ بَعْدَ
الْمَمَاتِ وَالنُّشُورَ بَعْدَ الْبَلَاءِ: يَقُولُ:
فَسَلْهُمْ: أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا؟ يَقُولُ: أَخَلْقُهُمْ
أَشَدُّ؟ أَمْ خَلْقُ مَنْ عَدَدْنَا خَلْقَهُ مِنَ
الْمَلَائِكَةِ وَالشَّيَاطِينِ وَالسَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ؟
وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مَسْعُودٍ: «أَهُمْ أَشَدَدُ خَلْقًا أَمْ مَنْ عَدَدْنَا» ؟
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ
التَّأْوِيلِ
(19/509)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا
عِيسَى، وَحَدَّثَنِي [ص:510] الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا
الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي
نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ
خَلَقْنَا} [الصافات: 11] ؟ قَالَ: «السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ
وَالْجِبَالُ»
(19/509)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا
يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ،
عَنِ الضَّحَّاكِ، أَنَّهُ قَرَأَ: «أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا
أَمْ مَنْ عَدَدْنَا؟» وَفِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مَسْعُودِ «عَدَدْنَا» يَقُولُ: {رَبُّ السَّمَوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ} يَقُولُ:
" أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا، أَمُ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ؟
يَقُولُ: السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أَشَدُّ خَلْقًا مِنْهُمْ "
(19/510)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ،
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ
أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ عَدَدْنَا» مِنْ خَلْقِ
السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، قَالَ اللَّهُ: {لَخَلْقُ
السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} . .
. الْآيَةُ "
(19/510)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ،
قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ،
عَنِ السُّدِّيِّ {فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا}
[الصافات: 11] قَالَ " يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ، سَلْهُمْ
{أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا} [الصافات: 11]
(19/510)
وَقَوْلُهُ: {إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ
طِينٍ لَازِبٍ} [الصافات: 11] يَقُولُ: إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ
مِنْ طِينٍ لَاصِقٍ وَإِنَّمَا وَصَفَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ
بِاللِّزُوبِ، لِأَنَّهُ تُرَابٌ مَخْلُوطٌ بِمَاءٍ،
وَكَذَلِكَ خُلِقَ ابْنُ
(19/510)
آدَمَ مِنْ تُرَابٍ وَمَاءٍ وَنَارٍ
وَهَوَاءٍ؛ وَالتُّرَابُ إِذَا خُلِطَ بِمَاءٍ صَارَ طِينًا
لَازِبًا، وَالْعَرَبُ تُبَدِّلُ أَحْيَانًا هَذِهِ الْبَاءُ
مِيمًا، فَتَقُولُ: طِينٌ لَازِمٌ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ
النَّجَاشِيِّ الْحَارِثِيِّ:
[البحر الطويل]
بَنَى اللُّؤْمُ بَيْتًا فَاسْتَقَرَّتْ عِمَادُهُ ...
عَلَيْكُمْ بَنِي النَّجَّارِ ضَرْبَةَ لَازِمِ
وَمِنَ اللَّازِبِ قَوْلُ نَابِغَةِ بَنِي ذُبْيَانَ:
[البحر الطويل]
وَلَا يَحْسِبُونَ الْخَيْرَ لَا شَرَّ بَعْدَهُ ... وَلَا
يَحْسِبُونَ الشَّرَّ ضَرْبَةَ لَازِبِ
وَرُبَّمَا أَبْدَلُوا الزَّايَ الَّتِي فِي اللَّازِبِ تَاءً،
فَيَقُولُونَ: طِينٌ لَاتِبٌ، وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي
قَيْسٍ؛ زَعَمَ الْفَرَّاءُ أَنَّ أَبَا الْجَرَّاحِ
أَنْشَدَهُ:
[البحر الطويل]
صُدَاعٌ وَتَوْصِيمُ الْعِظَامِ وَفَتْرَةٌ ... وَغَثْيٌ مَعَ
الْإِشْرَاقِ فِي الْجَوْفِ لَاتِبُ
بِمَعْنَى: لَازِبٌ، وَالْفِعْلُ مِنْ لَازِبٍ: لَزِبَ
يَلْزُبُ، لَزْبًا وَلُزُوبًا، وَكَذَلِكَ مِنْ لَاتِبٍ:
لَتِبَ يَلْتُبُ لُتُوبًا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي
مَعْنَى {لَازِبٍ} [الصافات: 11] قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(19/511)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ الْجُبَيْرِيُّ، قَالَ: ثنا
مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، قَالَ: ثنا [ص:512] مُسْلِمٌ، عَنْ
مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {مِنْ طِينٍ
لَازِبٍ} [الصافات: 11] قَالَ: «هُوَ الطِّينُ الْحَرُّ
الْجَيِّدُ اللَّزِجُ»
(19/511)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ،
قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ،
قَالَا: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ
الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: "
اللَّازِبُ: الْجَيِّدُ "
(19/512)
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا
عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ،
عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
قَالَ: " اللَّازِبُ: اللَّزِجُ الطَّيِّبُ "
(19/512)
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو
صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {مِنْ طِينٍ لَازِبٍ} [الصافات: 11]
يَقُولُ: «مُلْتَصِقٍ»
(19/512)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ:
ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ
أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {إِنَّا
خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ} [الصافات: 11] قَالَ: «مِنَ
التُّرَابِ وَالْمَاءِ فَيَصِيرُ طِينًا يَلْزَقُ»
(19/512)
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا أَبُو
الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ:
{إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ} [الصافات: 11]
قَالَ: " اللَّازِبُ: اللَّزِجُ "
(19/512)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا
يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ،
عَنِ الضَّحَّاكِ، {إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ}
[الصافات: 11] " وَاللَّازِبُ: الطِّينُ الْجَيِّدُ "
(19/512)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ،
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ اللَّهُ: {إِنَّا
خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ} [الصافات: 11]
وَاللَّازِبُ: الَّذِي يَلْزَقُ بِالْيَدِ "
(19/513)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ:
ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي
الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ،
جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي
قَوْلِهِ: {مِنْ طِينٍ لَازِبٍ} [الصافات: 11] قَالَ: لَازِمٍ
"
(19/513)
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ
الْآمُلِيُّ، قَالَ: ثنا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، قَالَ:
ثنا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: {مِنْ طِينٍ
لَازِبٍ} [الصافات: 11] قَالَ: «هُوَ اللَّازِقُ»
(19/513)
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ:
{إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ} [الصافات: 11]
قَالَ: " اللَّازِبُ: الَّذِي يَلْتَصِقُ كَأَنَّهُ غِرَاءٌ،
ذَلِكَ اللَّازِبُ "
(19/513)
قَوْلُهُ: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ}
[الصافات: 12] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ،
فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: (بَلْ عَجِبْتُ
وَيَسْخَرُونَ) بِضَمِّ التَّاءِ مِنْ عَجِبْتَ، بِمَعْنَى:
بَلْ عَظُمَ عِنْدِي وَكَبِرَ اتِّخَاذُهُمْ لِي شَرِيكًا،
وَتَكْذِيبُهُمْ تَنْزِيلِي وَهُمْ يَسْخَرُونَ وَقَرَأَ
ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ
قُرَّاءِ الْكُوفَةِ {بَلْ عَجِبْتَ} [الصافات: 12] بِفَتْحِ
التَّاءِ بِمَعْنَى: بَلْ عَجِبْتَ أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ
وَيَسْخَرُونَ مِنْ هَذَا الْقُرْآنِ،
(19/513)
وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ
أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي
قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ
فَمُصِيبٌ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ يَكُونُ مُصِيبًا
الْقَارِئُ بِهِمَا مَعَ اخْتِلَافِ مَعْنَيَيْهِمَا؟ قِيلَ:
إِنَّهُمَا وَإِنِ اخْتَلَفَ مَعْنَيَاهُمَا فَكُلُّ وَاحِدٍ
مِنْ مَعْنَيَيْهِ صَحِيحٌ، قَدْ عَجِبَ مُحَمَّدٌ مِمَّا
أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنَ الْفَضْلِ، وَسَخَرَ مِنْهُ أَهْلُ
الشِّرْكِ بِاللَّهِ، وَقَدْ عَجِبَ رَبُّنَا مِنْ عَظِيمِ مَا
قَالَهُ الْمُشْرِكُونَ فِي اللَّهِ، وَسَخَرَ الْمُشْرِكُونَ
بِمَا قَالُوهُ، فَإِنْ قَالَ: أَكَانَ التَّنْزِيلُ
بِإِحْدَاهُمَا أَوْ بِكِلْتَيْهِمَا؟ قِيلَ: التَّنْزِيلُ
بِكِلْتَيْهِمَا، فَإِنْ قَالَ: وَكَيْفَ يَكُونُ تَنْزِيلُ
حَرْفٍ مَرَّتَيْنِ؟ قِيلَ: إِنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ
مَرَّتَيْنِ، إِنَّمَا أُنْزِلَ مَرَّةً، وَلَكِنَّهُ أَمَرَ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْرَأَ
بِالْقِرَاءَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا، وَلِهَذَا مَوْضِعٌ
سَنَسْتَقْصِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ فِيهِ الْبَيَانَ عَنْهُ
بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ، وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي
ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(19/514)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ
قَتَادَةَ {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} [الصافات: 12] قَالَ:
«عَجِبَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ
هَذَا الْقُرْآنِ حِينَ أُعْطِيَهُ، وَسَخَرَ مِنْهُ أَهْلُ
الضَّلَالَةِ»
(19/514)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ وَإِذَا رَأَوْا
[ص:515] آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ} [الصافات: 14] يَقُولُ
تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِذَا ذُكِّرَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ
حُجَجَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ لِيَعْتَبِرُوا وَيَتَفَكَّرُوا،
فَيُنِيبُوا إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ {لَا يَذْكُرُونَ}
[الأنعام: 138] : يَقُولُ: لَا يَنْتَفِعُونَ بِالتَّذْكِيرِ
فَيَتَذَكَّرُوا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ
أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(19/514)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ
قَتَادَةَ {وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ} [الصافات: 13]
: «أَيْ لَا يَنْتَفِعُونَ وَلَا يُبْصِرُونَ»
(19/515)
وَقَوْلُهُ: {وَإِذَا رَأَوْا آيَةً
يَسْتَسْخِرُونَ} [الصافات: 14] يَقُولُ: وَإِذَا رَأَوْا
حُجَّةً مِنْ حُجَجِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَدِلَالَةً عَلَى
نُبُوَّةِ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَسْتَسْخِرُونَ: يَقُولُ: يَسْخَرُونَ
وَيَسْتَهْزِئُونَ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ
قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(19/515)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ
قَتَادَةَ، {وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ} [الصافات:
14] : «يَسْخَرُونَ مِنْهَا وَيَسْتَهْزِئُونَ»
(19/515)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ:
ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي
الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ،
جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، [ص:516]
قَوْلُهُ: {وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ} [الصافات:
14] قَالَ: «يَسْتَهْزِئُونَ وَيَسْخَرُونَ»
(19/515)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ
أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا
لَمَبْعُوثُونَ أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ قُلْ نَعَمْ
وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ
فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ} [الصافات: 16] يَقُولُ تَعَالَى
ذِكْرُهُ: وَقَالَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ
بِاللَّهِ لِـ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا
هَذَا الَّذِي جِئْتَنَا بِهِ إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ يَقُولُ:
يَبِينُ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ وَرَآهُ أَنَّهُ سِحْرٌ {أَئِذَا
مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا
لَمَبْعُوثُونَ} [المؤمنون: 82] يَقُولُونَ مُنْكِرِينَ بَعْثَ
اللَّهِ إِيَّاهُمْ بَعْدَ بَلَائِهِمْ: أَئِنَّا
لَمَبْعُوثُونَ أَحْيَاءً مِنْ قُبُورِنَا بَعْدَ مَمَاتِنَا
وَمَصِيرِنَا تُرَابًا وَعِظَامًا، قَدْ ذَهَبَ عَنْهَا
اللُّحُومُ {أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ} [الصافات: 17]
الَّذِينَ مَضَوْا مِنْ قَبْلِنَا، فَبَادُوا وَهَلَكُوا؟
يَقُولُ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: قُلْ لِهَؤُلَاءِ: نَعَمْ أَنْتُمْ مَبْعُوثُونَ
بَعْدَ مَصِيرِكُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَحْيَاءً كَمَا
كُنْتُمْ قَبْلَ مَمَاتِكُمْ، وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ
التَّأْوِيلِ
(19/516)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ
قَتَادَةَ {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا
أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَ آبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ}
[الواقعة: 48] " تَكْذِيبًا بِالْبَعْثِ {قُلْ نَعَمْ
وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ} [الصافات: 18]
(19/516)
وَقَوْلُهُ: {وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ}
[الصافات: 18] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَنْتُمْ
صَاغِرُونَ أَشَدَّ الصَّغَرِ؛ مِنْ قَوْلِهِمْ: صَاغِرٌ
دَاخِرٌ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ
التَّأْوِيلِ
(19/517)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ
قَتَادَةَ {وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ} [الصافات: 18] «أَيْ
صَاغِرُونَ»
(19/517)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ،
قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ،
عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: {وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ}
[الصافات: 18] قَالَ: صَاغِرُونَ "
(19/517)
وَقَوْلُهُ: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ
وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ} [الصافات: 19] يَقُولُ
تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَإِنَّمَا هِيَ صَيْحَةٌ وَاحِدَةٌ،
وَذَلِكَ هُوَ النَّفْخُ فِي الصُّورِ {فَإِذَا هُمْ
يَنْظُرُونَ} [الصافات: 19] يَقُولُ: فَإِذَا هُمْ شَاخِصَةٌ
أَبْصَارُهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَى مَا كَانُوا يُوعَدُونَهُ
مِنْ قِيَامِ السَّاعَةِ وَيُعَايِنُونَهُ
(19/517)
كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ:
ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: {زَجْرَةٌ
وَاحِدَةٌ} [الصافات: 19] قَالَ: «هِيَ النَّفْخَةُ»
(19/517)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ
هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ}
[الصافات: 21] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَالَ هَؤُلَاءِ
الْمُشْرِكُونَ الْمُكَذِّبُونَ إِذَا زُجِرَتْ زَجْرَةً
وَاحِدَةً، [ص:518] وَنُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةً وَاحِدَةً:
{يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ} [الصافات: 20]
يَقُولُونَ: هَذَا يَوْمُ الْجَزَاءِ وَالْمُحَاسَبَةِ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ
التَّأْوِيلِ
(19/517)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ
قَتَادَةَ {هَذَا يَوْمُ الدِّينِ} [الصافات: 20] قَالَ:
«يُدِينُ اللَّهُ فِيهِ الْعِبَادَ بِأَعْمَالِهِمْ»
(19/518)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ،
قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ،
عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: {هَذَا يَوْمُ الدِّينِ}
[الصافات: 20] قَالَ: «يَوْمُ الْحِسَابِ»
(19/518)
وَقَوْلُهُ: {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ
الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} [الصافات: 21] يَقُولُ
تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَذَا يَوْمُ فَصْلِ اللَّهِ بَيْنَ
خَلْقِهِ بِالْعَدْلِ مِنْ قَضَائِهِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ
تُكَذِّبُونَ فِي الدُّنْيَا فَتُنْكِرُونَهُ وَبِنَحْوِ
الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(19/518)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا
بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ
قَتَادَةَ {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ
تُكَذِّبُونَ} [الصافات: 21] " يَعْنِي: يَوْمُ الْقِيَامَةِ "
(19/518)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ،
قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ،
عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ}
[الصافات: 21] قَالَ: «يَوْمٌ يَقْضِي بَيْنَ أَهْلِ
الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ»
(19/519)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ
وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ
إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 23] وَفِي هَذَا
الْكَلَامِ مَتْرُوكٌ اسْتُغْنِي بِدَلَالَةِ مَا ذَكَرَ
عَمَّا تَرَكَ، وَهُوَ: فَيُقَالُ: احْشُرُوا الَّذِينَ
ظَلَمُوا، وَمَعْنَى ذَلِكَ: اجْمَعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا
بِاللَّهِ فِي الدُّنْيَا وَعَصَوْهُ وَأَزْوَاجَهُمْ
وَأَشْيَاعَهُمْ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ
بِاللَّهِ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنَ
الْآلِهَةِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ
أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(19/519)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا
سُفْيَانُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ
بَشِيرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ {احْشُرُوا الَّذِينَ
ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات: 22] قَالَ: ضُرَبَاءَهُمْ
"
(19/519)
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو
صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ
[ص:520] عَبَّاسٍ {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا
وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات: 22] يَقُولُ: «نُظَرَاءَهُمْ»
(19/519)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ:
ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ
أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: {احْشُرُوا الَّذِينَ
ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات: 22] " يَعْنِي:
أَتْبَاعَهُمْ، وَمَنْ أَشْبَهَهُمْ مِنَ الظَّلَمَةِ "
(19/520)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى،
قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ دَاوُدَ، قَالَ:
سَأَلْتُ أَبَا الْعَالِيَةِ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: {احْشُرُوا
الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ
مِنْ دُونِ اللَّهِ} [الصافات: 23] قَالَ: «الَّذِينَ ظَلَمُوا
وَأَشْيَاعَهُمْ»
(19/520)
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثني
عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ أَبِي
الْعَالِيَةَ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ {احْشُرُوا
الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات: 22] قَالَ:
«وَأَشْيَاعَهُمْ» حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ،
قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ أَبِي
الْعَالِيَةِ مِثْلُهُ
(19/520)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ،
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {احْشُرُوا
الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات: 22] «أَيْ
وَأَشْيَاعَهُمُ الْكُفَّارَ مَعَ الْكُفَّارِ»
(19/520)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ،
قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ،
عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: {احْشُرُوا الَّذِينَ
ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات: 22] قَالَ:
وَأَشْبَاهَهُمْ "
(19/520)
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ:
{احْشُرُوا [ص:521] الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ}
[الصافات: 22] قَالَ: " أَزْوَاجَهُمْ فِي الْأَعْمَالِ،
وَقَرَأَ: {وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً فَأَصْحَابُ
الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحَابُ
الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ وَالسَّابِقُونَ
السَّابِقُونَ} [الواقعة: 8] ، فَالسَّابِقُونَ زَوْجٌ،
وَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ زَوْجٌ، وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ
زَوْجٌ، قَالَ: كُلُّ مَنْ كَانَ مِنْ هَذَا حَشَرَهُ اللَّهُ
مَعَهُ وَقَرَأَ: {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} [التكوير: 7]
، قَالَ: زُوِّجَتْ عَلَى الْأَعْمَالِ، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ
هَؤُلَاءِ زَوْجٌ، زَوَّجَ اللَّهُ بَعْضَ هَؤُلَاءِ بَعْضًا؛
زَوَّجَ أَصْحَابَ الْيَمِينِ أَصْحَابَ الْيَمِينِ،
وَأَصْحَابَ الْمَشْأَمَةِ أَصْحَابَ الْمَشْأَمَةِ،
وَالسَّابِقِينَ السَّابِقِينَ، قَالَ: فَهَذَا قَوْلُهُ:
{احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات: 22]
قَالَ: أَزْوَاجَ الْأَعْمَالِ الَّتِي زَوَّجَهُنَّ اللَّهُ "
(19/520)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ:
ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي
الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ،
جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ:
{وَأَزْوَاجَهُمْ} [الرعد: 23] قَالَ: «أَمْثَالَهُمْ»
(19/521)
وَقَوْلُهُ: {وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ
مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ}
[الصافات: 23] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: احْشُرُوا هَؤُلَاءِ
الْمُشْرِكِينَ وَآلِهَتَهُمُ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا
مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَوَجِّهُوهُمْ إِلَى طَرِيقِ الْجَحِيمِ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ
التَّأْوِيلِ
(19/521)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ
قَتَادَةَ {وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ}
[الصافات: 23] «الْأَصْنَامَ»
(19/522)
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو
صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ}
[الصافات: 23] يَقُولُ: " وَجِّهُوهُمْ، وَقِيلَ: إِنَّ
الْجَحِيمَ الْبَابُ الرَّابِعُ مِنْ أَبْوَابِ النَّارِ "
(19/522)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ مَا لَكُمْ لَا
تَنَاصَرُونَ بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ وَأَقْبَلَ
بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الصافات: 25]
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَقِفُوهُمْ} [الصافات: 24]
احْبِسُوهُمْ: أَيِ احْبِسُوا أَيُّهَا الْمَلَائِكَةُ
هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ
وَأَزْوَاجَهُمْ، وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ
اللَّهِ مِنَ الْآلِهَةِ {إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [الصافات:
24] فَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي
يَأْمُرُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِوَقْفِهِمْ
لِمُسَأَلَتِهِمْ عَنْهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَسْأَلُهُمْ:
هَلْ يُعْجِبُهُمْ وُرُودَ النَّارِ
(19/522)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ،
قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، قَالَ:
ثنا أَبُو الزَّعْرَاءِ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ،
فَذَكَرَ قِصَّةً، ثُمَّ قَالَ: " يَتَمَثَّلُ اللَّهُ
لِلْخَلْقِ فَيَلْقَاهُمْ، فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْخَلْقِ
كَانَ يَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ شَيْئًا إِلَّا وَهُوَ
[ص:523] مَرْفُوعٌ لَهُ يَتْبَعُهُ، قَالَ: فَيَلْقَى
الْيَهُودَ فَيَقُولُ: مَنْ تَعْبُدُونَ؟ فَيَقُولُونَ:
نَعْبُدُ عُزَيْرًا، قَالَ: فَيَقُولُ: هَلْ يَسُرُّكُمُ
الْمَاءُ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُرِيهِمْ جَهَنَّمَ وَهِيَ
كَهَيْئَةِ السَّرَابِ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ
يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا} [الكهف: 100] ، قَالَ:
ثُمَّ يَلْقَى النَّصَارَى فَيَقُولُ: مَنْ تَعْبُدُونَ؟
فَيَقُولُونَ: الْمَسِيحَ، فَيَقُولُ: هَلْ يَسُرُّكُمُ
الْمَاءُ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُرِيهِمْ جَهَنَّمَ،
وَهِيَ كَهَيْئَةِ السَّرَابِ، ثُمَّ كَذَلِكَ لِمَنْ كَانَ
يَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ شَيْئًا، ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ
اللَّهِ {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [الصافات: 24]
وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ لِلسُّؤَالِ عَنْ أَعْمَالِهِمْ
(19/522)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا مُعْتَمِرٌ، عَنْ
لَيْثٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ: «أَيُّمَا رَجُلٍ دَعَا رَجُلًا إِلَى شَيْءٍ كَانَ
مَوْقُوفًا لَازِمًا بِهِ، لَا يُغَادِرُهُ، وَلَا
يُفَارِقُهُ» ، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ {وَقِفُوهُمْ
إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [الصافات: 24] وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ
مَعْنَى ذَلِكَ: وَقِفُوا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ظَلَمُوا
أَنْفُسَهُمْ وَأَزْوَاجَهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ عَمَّا
كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ
(19/523)
وَقَوْلُهُ: {مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ}
[الصافات: 25] يَقُولُ: مَا لَكُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ
بِاللَّهِ لَا يَنْصُرُ [ص:524] بَعْضُكُمْ بَعْضًا {بَلْ هُمُ
الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ} [الصافات: 26] يَقُولُ: بَلْ هُمُ
الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ لِأَمْرِ اللَّهِ فِيهِمْ
وَقَضَائِهِ، مُوقِنُونَ بِعَذَابِهِ
(19/523)
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا
يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {مَا
لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ} [الصافات: 25] " لَا وَاللَّهِ لَا
يَتَنَاصَرُونَ، وَلَا يَدْفَعُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ {بَلْ
هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ} [الصافات: 26] فِي عَذَابِ
اللَّهِ "
(19/524)
وَقَوْلُهُ: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى
بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الصافات: 27] قِيلَ: مَعْنَى ذَلِكَ:
وَأَقْبَلَ الْإِنْسُ عَلَى الْجِنِّ، يَتَسَاءَلُونَ
(19/524)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ
قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ
يَتَسَاءَلُونَ} [الصافات: 27] «الْإِنْسُ عَلَى الْجِنِّ»
(19/524)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ
الْيَمِينِ قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وَمَا
كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا
طَاغِينَ} [الصافات: 29] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَتِ
الْإِنْسُ لِلْجِنِّ: إِنَّكُمْ أَيُّهَا الْجِنُّ كُنْتُمْ
تَأْتُونَنَا مِنْ قَبْلُ الدِّينَ وَالْحَقَّ
فَتَخْدَعُونَنَا بِأَقْوَى الْوجُوهِ؛ وَالْيَمِينُ:
الْقُوَّةُ وَالْقُدْرَةُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ؛ وَمِنْهُ
قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الوافر]
[ص:525] إِذَا مَا رَايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ ... تَلَقَّاهَا
عَرَابَةُ بِالْيَمِينِ
يَعْنِي: بِالْقُوَّةِ وَالْقُدْرَةِ وَبِنَحْوِ الَّذِي
قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(19/524)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا
عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ،
قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ،
عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ}
[الصافات: 28] قَالَ: «عَنِ الْحَقِّ، الْكُفَّارُ تَقُولُهُ
لِلشَّيَاطِينِ»
(19/525)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ،
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، {قَالُوا إِنَّكُمْ
كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} [الصافات: 28] قَالَ:
" قَالَتِ الْإِنْسُ لِلْجِنِّ: إِنَّكُمْ كُنْتُمْ
تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ، قَالَ: مِنْ قِبَلِ الْخَمْرِ،
فَتَنْهَوْنَنَا عَنْهُ، وَتُبَطِّئُونَنَا عَنْهُ "
(19/525)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ،
قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ،
عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: {إِنَّكُمْ كُنْتُمْ
تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} [الصافات: 28] قَالَ:
«تَأْتُونَنَا مِنْ قِبَلِ الْحَقِّ تُزَيِّنُونَ لَنَا
الْبَاطِلَ، وَتَصُدُّونَنَا عَنِ الْحَقِّ»
(19/525)
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ:
{إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} [الصافات:
28] قَالَ: " قَالَ بَنُو آدَمَ لِلشَّيَاطِينِ الَّذِينَ
كَفَرُوا: إِنَّكُمْ كُنْتُمْ [ص:526] تَأْتُونَنَا عَنِ
الْيَمِينِ، قَالَ: تَحُولُونَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْخَيْرِ،
وَرَدَدْتُمُونَا عَنِ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ،
وَالْعَمَلِ بِالْخَيْرِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ "
(19/525)
وَقَوْلُهُ: {قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا
مُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ}
[الصافات: 30] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَتِ الْجِنُّ
لِلْإِنْسِ مُجِيبَةً لَهُمْ: بَلْ لَمْ تَكُونُوا بِتَوْحِيدِ
اللَّهِ مُقِرِّينَ، وَكُنْتُمْ لِلْأَصْنَامِ عَابِدِينَ
{وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ} [الصافات: 30]
يَقُولُ: قَالُوا: وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ حُجَّةٍ،
فَنَصُدَّكُمْ بِهَا عَنِ الْإِيمَانِ، وَنَحُولُ بَيْنَكُمْ
مِنْ أَجَلِهَا وَبَيْنَ اتِّبَاعِ الْحَقِّ {بَلْ كُنْتُمْ
قَوْمًا طَاغِينَ} [الصافات: 30] يَقُولُ: قَالُوا لَهُمْ:
بَلْ كُنْتُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ قَوْمًا طَاغِينَ عَلَى
اللَّهِ، مُتَعَدِّينَ إِلَى مَا لَيْسَ لَكُمُ التَّعَدِّي
إِلَيْهِ مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَخِلَافِ أَمْرِهِ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ
التَّأْوِيلِ
(19/526)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ
قَتَادَةَ، قَالَ: " قَالَتْ لَهُمُ الْجِنُّ: {بَلْ لَمْ
تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [الصافات: 29] «حَتَّى بَلَغَ»
{قَوْمًا طَاغِينَ} [الصافات: 30]
(19/526)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ،
قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ،
عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: {وَمَا كَانَ لَنَا
عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ} [الصافات: 30] قَالَ: «الْحُجَّةُ
وَفِي قَوْلِهِ» : {بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ} [الصافات:
30] قَالَ: «كُفَّارٌ ضُلَّالٌ»
(19/526)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا
لَذَائِقُونَ فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ
فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ إِنَّا
كَذَلِكَ نَفْعَلُ [ص:527] بِالْمُجْرِمِينَ} [الصافات: 32]
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ
رَبِّنَا، فَوَجَبَ عَلَيْنَا عَذَابُ رَبِّنَا، إِنَّا
لَذَائِقُونَ الْعَذَابَ نَحْنُ وَأَنْتُمْ بِمَا قَدَّمْنَا
مِنْ ذُنُوبِنَا وَمَعْصِيَتِنَا فِي الدُّنْيَا؛ فَهَذَا
خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَنْ قِيلِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ
(19/526)
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا
يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {فَحَقَّ
عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا} [الصافات: 31] الْآيَةَ، قَالَ:
«هَذَا قَوْلُ الْجِنِّ»
(19/527)
وَقَوْلُهُ: {فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا
كُنَّا غَاوِينَ} [الصافات: 32] يَقُولُ: فَأَضْلَلْنَاكُمْ
عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْإِيمَانِ بِهِ إِنَّا كُنَّا
ضَالِّينَ؛ وَهَذَا أَيْضًا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَنْ قِيلِ
الْجِنِّ وَالْإِنْسِ قَالَ اللَّهُ: {فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ
فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [الصافات: 33] يَقُولُ: فَإِنَّ
الْإِنْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَأَزْوَاجَهُمْ،
وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَالَّذِينَ
أَغْوَوْا الْإِنْسَ مِنَ الْجِنِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي
الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ جَمِيعًا فِي النَّارِ، كَمَا
اشْتَرَكُوا فِي الدُّنْيَا فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ
(19/527)
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ:
{فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ}
[الصافات: 33] قَالَ: «هُمْ وَالشَّيَاطِينُ» {إِنَّا كَذَلِكَ
نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ} [الصافات: 34] يَقُولُ تَعَالَى
ذِكْرُهُ: إِنَّا هَكَذَا نَفْعَلُ بِالَّذِينَ اخْتَارُوا
مَعَاصِيَ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا عَلَى طَاعَتِهِ،
وَالْكُفْرَ بِهِ عَلَى الْإِيمَانِ، فَنُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ
الْأَلِيمَ، وَنَجْمَعُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ قُرَنَائِهِمْ فِي
النَّارِ
(19/527)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ
إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا
لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ، بَلْ جَاءَ
بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ} يَقُولُ تَعَالَى
ذِكْرُهُ: وَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ
الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ كَانُوا فِي
الدُّنْيَا إِذَا قِيلَ لَهُمْ: قُولُوا {لَا إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} [الصافات: 35] يَقُولُ:
يَتَعَظَّمُونَ عَنْ قِيلِ ذَلِكَ وَيَتَكَبَّرُونَ؛ وَتَرَكَ
مِنَ الْكَلَامِ قُولُوا: اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ الْكَلَامِ
عَلَيْهِ مِنْ ذَكَرِهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ
قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(19/528)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ
مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي
قَوْلِهِ: {إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
يَسْتَكْبِرُونَ} [الصافات: 35] قَالَ: «يَعْنِي
الْمُشْرِكِينَ خَاصَّةً»
(19/528)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ،
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {إِنَّهُمْ
كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
يَسْتَكْبِرُونَ} [الصافات: 35] قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ: «احْضُرُوا مَوْتَاكُمْ، وَلَقِّنُوهُمْ لَا
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَإِنَّهُمْ يَرَوْنَ وَيَسْمَعُونَ»
(19/528)
وَقَوْلُهُ: {وَيَقُولُونَ أَئِنَّا
لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} يَقُولُ تَعَالَى
ذِكْرُهُ: وَيَقُولُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ:
أَنَتْرُكُ عِبَادَةَ آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ؟
يَقُولُ: لِاتِّبَاعِ شَاعِرٍ مَجْنُونٍ يَعْنُونَ بِذَلِكَ
نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَقُولُ:
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
(19/528)
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا
يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَيَقُولُونَ
أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ}
«يَعْنُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»
(19/529)
وَقَوْلُهُ: {بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ}
[الصافات: 37] وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ مُكَذِّبًا
لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: شَاعِرٌ مَجْنُونٌ، كَذَبُوا، مَا
مُحَمَّدٌ كَمَا وَصَفُوهُ بِهِ مِنْ أَنَّهُ شَاعِرٌ
مَجْنُونٌ، بَلْ هُوَ لِلَّهِ نَبِيٌّ جَاءَ بِالْحَقِّ مِنْ
عِنْدِهِ، وَهُوَ الْقُرْآنُ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَيْهِ،
وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِ
وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ
التَّأْوِيلِ
(19/529)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ
قَتَادَةَ {بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ} [الصافات: 37]
«بِالْقُرْآنِ» {وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ} [الصافات: 37]
«أَيْ صَدَّقَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ»
(19/529)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ وَمَا
تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِلَّا عِبَادَ
اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ}
[الصافات: 39] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِهَؤُلَاءِ
الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، الْقَائِلِينَ
لِمُحَمَّدٍ: شَاعِرٌ مَجْنُونٌ {إِنَّكُمْ} [البقرة: 54]
أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ {لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ}
[الصافات: 38] الْمُوجِعِ فِي الْآخِرَةِ {وَمَا تُجْزَوْنَ}
[الصافات: 39] يَقُولُ: وَمَا تُثَابُونَ فِي الْآخِرَةِ إِذَا
ذُقْتُمُ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ فِيهَا {إِلَّا} [البقرة: 9]
ثَوَابَ {مَا كُنْتُمْ تَعْمَلَُونَ} [النمل: 90] فِي
الدُّنْيَا: مَعَاصِيَ اللَّهِ
(19/529)
وَقَوْلُهُ: {إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ
الْمُخْلَصِينَ} [الصافات: 40] يَقُولُ: إِلَّا عِبَادَ
اللَّهِ الَّذِينَ أَخْلَصَهُمْ يَوْمَ خَلَقَهُمْ
لِرَحْمَتِهِ، وَكَتَبَ لَهُمُ السَّعَادَةَ فِي أُمِّ
الْكِتَابِ، فَإِنَّهُمْ لَا يَذُوقُونَ الْعَذَابَ، [ص:530]
لِأَنَّهُمْ أَهْلُ طَاعَةِ اللَّهِ، وَأَهْلُ الْإِيمَانِ
بِهِ
(19/529)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ،
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ
الْمُخْلَصِينَ} [الصافات: 40] قَالَ: «هَذِهِ ثنيةُ اللَّهِ»
(19/530)
وَقَوْلُهُ: {أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ
مَعْلُومٌ} [الصافات: 41] يَقُولُ: هَؤُلَاءِ هُمْ عِبَادُ
اللَّهِ الْمُخْلَصُونَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ؛ وَذَلِكَ
الرِّزْقُ الْمَعْلُومُ: هُوَ الْفَوَاكِهُ الَّتِي خَلَقَهَا
اللَّهُ لَهُمْ فِي الْجَنَّةِ
(19/530)
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا
يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {أُولَئِكَ
لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ} [الصافات: 41] «فِي الْجَنَّةِ»
(19/530)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ،
قَالَا: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا
أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: {أُولَئِكَ لَهُمْ
رِزْقٌ مَعْلُومٌ} [الصافات: 41] قَالَ: «فِي الْجَنَّةِ»
(19/530)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ فِي جَنَّاتِ
النَّعِيمِ عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ يُطَافُ عَلَيْهِمْ
بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ لَا
فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} [الصافات: 43]
قَوْلِهِ {فَوَاكِهُ} [المؤمنون: 19] رَدًّا عَلَى الرِّزْقِ
الْمَعْلُومِ تَفْسِيرًا لَهُ، وَلِذَلِكَ رُفِعَتْ
وَقَوْلُهُ: {وَهُمْ مُكْرَمُونَ} [الصافات: 42] يَقُولُ:
وَهُمْ مَعَ الَّذِي لَهُمْ مِنَ الرِّزْقِ الْمَعْلُومِ فِي
الْجَنَّةِ مُكْرَمُونَ بِكَرَامَةِ اللَّهِ الَّتِي
أَكْرَمَهُمُ اللَّهُ بِهَا {فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [يونس:
9] يَعْنِي: فِي بَسَاتِينَ النَّعِيمِ {عَلَى سُرُرٍ
مُتَقَابِلِينَ} [الحجر: 47] يَعْنِي: أَنَّ بَعْضَهُمْ
يُقَابِلُ بَعْضًا، وَلَا يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ فِي قَفَا
بَعْضٍ
(19/530)
وَقَوْلُهُ: {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ
مِنْ مَعِينٍ} [الصافات: 45] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ:
يَطُوفُ الْخَدَمُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ خَمْرٍ جَارِيَةٍ
ظَاهِرَةٍ لِأَعْيُنِهِمْ غَيْرِ غَائِرَةٍ
(19/530)
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا
يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {يُطَافُ
عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} [الصافات: 45] قَالَ: "
كَأْسٍ مِنْ خَمْرٍ جَارِيَةٍ، وَالْمَعِينُ: هِيَ
الْجَارِيَةُ "
(19/531)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ،
قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ
سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْطٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، فِي
قَوْلِهِ: {بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} [الصافات: 45] قَالَ:
«كُلُّ كَأْسٍ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ خَمْرٌ»
(19/531)
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْطٍ،
عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، قَالَ: «كُلُّ كَأْسٍ فِي
الْقُرْآنِ فَهُوَ خَمْرٌ»
(19/531)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ،
قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ،
فِي قَوْلِهِ: {بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} [الصافات: 45] قَالَ: "
الْخَمْرُ. وَالْكَأْسُ عِنْدَ الْعَرَبِ: كُلُّ إِنَاءٍ فِيهِ
شَرَابٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَرَابٌ لَمْ يَكُنْ
كَأْسًا، وَلَكِنَّهُ يَكُونُ إِنَاءً "
(19/531)
وَقَوْلُهُ: {بَيْضَاءَ لَذَّةٍ
لِلشَّارِبِينَ} [الصافات: 46] يَعْنِي بِالْبَيْضَاءِ:
الْكَأْسَ، وَلِتَأْنِيثِ الْكَأْسِ أُنِّثَتِ الْبَيْضَاءُ،
وَلَمْ يَقُلْ: أَبْيَضَ، وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ
عَبْدِ اللَّهِ: «صَفْرَاءَ»
(19/531)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ،
قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ [ص:532]
السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: {بَيْضَاءَ} [الأعراف: 108] قَالَ
السُّدِّيُّ: فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: «صَفْرَاءَ»
(19/531)
وَقَوْلُهُ: {لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ}
[الصافات: 46] يَقُولُ: هَذِهِ الْخَمْرُ لَذَّةٍ يَلْتَذُّهَا
شَارِبُوهَا
(19/532)
وَقَوْلُهُ: {لَا فِيهَا غَوْلٌ} [الصافات:
47] يَقُولُ: لَا فِي هَذِهِ الْخَمْرِ غَوْلٌ، وَهُوَ أَنْ
تَغْتَالَ عُقُولُهُمْ؛ يَقُولُ: لَا تَذْهَبُ هَذِهِ
الْخَمْرُ بِعُقُولِ شَارِبِيهَا، كَمَا تَذْهَبُ بِهَا
خُمُورُ أَهْلِ الدُّنْيَا إِذَا شَرِبُوهَا فَأَكْثَرُوا
مِنْهَا، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر السريع]
وَمَا زَالَتِ الْكَأْسُ تَغْتَالُنَا ... وَتَذْهَبُ
بِالْأَوَّلِ الْأَوَّلِ
وَالْعَرَبُ تَقُولُ: لَيْسَ فِيهَا غِيلَةٌ وَغَائِلَةٌ
وَغَوْلٌ بِمَعْنًى وَاحِدٍ؛ وَرَفَعَ غَوْلٌ وَلَمْ يَنْصِبْ
بِلَا لِدُخُولِ حَرْفِ الصِّفَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ
الْغَوْلِ، وَكَذَلِكَ تَفْعَلُ الْعَرَبُ فِي التَّبْرِئَةِ
إِذَا حَالَتْ بَيْنَ لَا وَالِاسْمِ بِحَرْفٍ مِنْ حُرُوفِ
الصِّفَاتِ رَفَعُوا الِاسْمَ وَلَمْ يَنْصِبُوهُ، وَقَدْ
يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ: {لَا فِيهَا غَوْلٌ} [الصافات: 47] أَنْ
يَكُونَ مَعْنِيًّا بِهِ: لَيْسَ فِيهَا مَا يُؤْذِيهِمْ مِنْ
مَكْرُوهٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ لِلرَّجُلِ
يُصَابُ بِأَمْرٍ مَكْرُوهٍ، أَوْ يُنَالُ بِدَاهِيَةٍ
عَظِيمَةٍ: غَالَ فُلَانًا غَوْلٌ وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ
التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ:
مَعْنَاهُ: لَيْسَ فِيهَا صُدَاعٌ
(19/532)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ،
عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {لَا فِيهَا
غَوْلٌ} [الصافات: 47] يَقُولُ: «لَيْسَ فِيهَا صُدَاعٌ»
[ص:533] وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: لَيْسَ فِيهَا
أَذًى فَتَشْكِي مِنْهُ بُطُونُهُمْ
(19/532)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي،
قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، {لَا
فِيهَا غَوْلٌ} [الصافات: 47] قَالَ: «هِيَ الْخَمْرُ لَيْسَ
فِيهَا وَجَعُ بَطْنٍ»
(19/533)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ:
ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي
الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ،
جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ:
{لَا فِيهَا غَوْلٌ} [الصافات: 47] قَالَ: «وَجَعُ بَطْنٍ»
(19/533)
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {لَا
فِيهَا غَوْلٌ} [الصافات: 47] قَالَ: الْغَوْلُ مَا يُوجِعُ
الْبُطُونَ، وَشَارِبُ الْخَمْرِ هَهُنَا يَشْتَكِي بَطْنَهُ "
(19/533)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ،
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {لَا فِيهَا غَوْلٌ}
[الصافات: 47] يَقُولُ: «لَيْسَ فِيهَا وَجَعُ بَطْنٍ، وَلَا
صُدَاعَ رَأْسٍ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّهَا
لَا تُغَوِّلُ عُقُولَهُمْ
(19/533)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا
أَسْبَاطٌ، عَنِ [ص:534] السُّدِّيِّ، {لَا فِيهَا غَوْلٌ}
[الصافات: 47] قَالَ: «لَا تَغْتَالُ عُقُولَهُمْ» وَقَالَ
آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: لَيْسَ فِيهَا أَذًى وَلَا
مَكْرُوهٌ
(19/533)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنْ
يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ
إِسْرَائِيلَ، عَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ: {لَا فِيهَا غَوْلٌ} [الصافات: 47]
قَالَ: «أَذًى وَلَا مَكْرُوهٌ»
(19/534)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ
الْقَزَّازُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَزِيعَةَ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدِ
بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ: {لَا فِيهَا غَوْلٌ} [الصافات:
47] قَالَ: «لَيْسَ فِيهَا أَذًى وَلَا مَكْرُوهٌ» وَقَالَ
آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ
وَلِكُلِّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَجْهٌ،
وَذَلِكَ أَنَّ الْغَوْلَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: هُوَ مَا
غَالَ الْإِنْسَانَ فَذَهَبَ بِهِ، فَكُلُّ مَنْ نَالَهُ
أَمْرٌ يَكْرَهُهُ ضَرَبُوا لَهُ بِذَلِكَ الْمَثَلَ،
فَقَالُوا: غَالَتْ فُلَانًا غُولٌ، فَالذَّاهِبُ الْعَقْلُ
مِنْ شُرْبِ الشَّرَابِ، وَالْمُشْتَكِي الْبَطْنَ مِنْهُ،
وَالْمُصْدَعُ الرَّأْسِ مِنْ ذَلِكَ، وَالَّذِي نَالَهُ
مِنْهُ مَكْرُوهٌ كُلُّهُمْ قَدْ غَالَتْهُ غُولٌ فَإِذَا
كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ
قَدْ نَفَى عَنْ شَرَابِ الْجَنَّةِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ
غَوْلٌ، فَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِصِفَتِهِ أَنْ يُقَالَ فِيهِ
كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {لَا فِيهَا [ص:535] غَوْلٌ}
[الصافات: 47] فَيَعُمُّ بِنَفْيِ كُلِّ مَعَانِي اللَّغْوِ
عَنْهُ، وَأَعَمُّ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: لَا أَذًى فِيهَا
وَلَا مَكْرُوهً عَلَى شَارِبِيهَا فِي جِسْمٍ وَلَا عَقْلٍ،
وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ
قَوْلِهِ {وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} [الصافات: 47]
فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ
وَبَعْضُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ {يُنْزَفُونَ} [الصافات: 47]
بِفَتْحِ الزَّايِ، بِمَعْنَى: وَلَا هُمْ عَنْ شُرْبِهَا
تَنْزِفُ عُقُولُهُمْ وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ
الْكُوفَةِ: (وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزِفُونَ) بِكَسْرِ
الزَّايِ، بِمَعْنَى: وَلَا هُمْ عَنْ شُرْبِهَا يَنْفَدُ
شَرَابُهُمْ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ
أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ صَحِيحَتَا الْمَعْنَى
غَيْرُ مُخْتَلَفَتَيْهِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ
فَمُصِيبٌ؛ وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَا يَنْفَدُ
شَرَابُهُمْ، وَلَا يُسْكِرُهُمْ شُرْبُهُمْ إِيَّاهُ،
فَيُذْهِبُ عُقُولَهُمْ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي
مَعْنَى ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: لَا تُذْهِبُ
عُقُولَهُمْ
(19/534)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ،
عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَلَا هُمْ عَنْهَا
يُنْزَفُونَ} [الصافات: 47] يَقُولُ: «لَا تُذْهِبُ
عُقُولَهُمْ»
(19/535)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ:
ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ [ص:536]
أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَلَا هُمْ عَنْهَا
يُنْزَفُونَ} [الصافات: 47] قَالَ: «لَا تَنْزِفُ فَتُذْهِبُ
عُقُولَهُمْ»
(19/535)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ:
ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي
الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ،
جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، {وَلَا
هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} [الصافات: 47] قَالَ: «لَا تُذْهِبُ
عُقُولَهُمْ»
(19/536)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ،
قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ،
عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: {وَلَا هُمْ عَنْهَا
يُنْزَفُونَ} [الصافات: 47] قَالَ: «لَا تُنْزَفُ عُقُولَهُمْ»
(19/536)
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ:
{وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} [الصافات: 47] قَالَ: «لَا
تُنْزِفُ الْعُقُولَ»
(19/536)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ،
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَلَا هُمْ عَنْهَا
يُنْزَفُونَ} [الصافات: 47] قَالَ: «لَا تُغْلِبُهُمْ عَلَى
عُقُولِهِمْ» وَهَذَا التَّأْوِيلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ
عَمَّنْ ذَكَرْنَا عَنْهُ لَمْ تُفَصِّلْ لَنَا رُوَاتُهُ
الْقِرَاءَةَ الَّذِي هَذَا تَأْوِيلُهَا، وَقَدْ يَحْتَمِلُ
أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ تَأْوِيلَ قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهَا
يُنْزَفُونَ كِلْتَيْهِمَا، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ:
قَدْ نَزَفَ الرَّجُلُ فَهُوَ مَنْزُوفٌ: إِذَا ذَهَبَ
عَقْلُهُ مِنَ السُّكْرِ، وَأَنْزَفَ فَهُوَ مُنْزِفٌ،
مَحْكِيَّةٌ عَنْهُمُ اللُّغَتَانِ كِلْتَاهُمَا [ص:537] فِي
ذِهَابِ الْعَقْلِ مِنَ السُّكْرِ؛ وَأَمَّا إِذَا فَنِيَتْ
خَمْرٌ الْقَوْمَ فَإِنِّي لَمْ أَسْمَعْ فِيهِ إِلَّا
أَنْزَفَ الْقَوْمُ بِالْأَلْفِ، وَمِنَ الْإِنْزَافِ
بِمَعْنَى: ذِهَابُ الْعَقْلِ مِنَ السُّكْرِ، قَوْلُ
الْأُبَيْرَدِ:
[البحر الطويل]
لَعَمْرِي لَئِنْ أَنْزَفْتُمُوا أَوْ صَحَوْتُمُ ... لَبِئْسَ
النَّدَامَى كُنْتُمُ آلَ أَبْجَرَا
(19/536)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ
كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى
بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الصافات: 49] يَقُولُ تَعَالَى
ذِكْرُهُ: وَعِنْدَ هَؤُلَاءِ الْمُخْلَصِينَ مِنْ عِبَادِ
اللَّهِ فِي الْجَنَّةِ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ، وَهُنَّ
النِّسَاءُ اللَّوَاتِي قَصَرْنَ أَطْرَافَهُنَّ عَلَى
بُعُولَتِهِنَّ، لَا يُرِدْنَ غَيْرَهُمْ، وَلَا يُمْدِدْنَ
أَبْصَارَهُنَّ إِلَى غَيْرِهِمْ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا
فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(19/537)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ،
عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، {وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ
الطَّرْفِ عِينٌ} [الصافات: 48] يَقُولُ: «عَنْ غَيْرِ
أَزْوَاجِهِنَّ»
(19/537)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ:
ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي
الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ،
جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ
{وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ} [الصافات: 48]
قَالَ: «عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ» زَادَ الْحَارِثُ فِي
حَدِيثِهِ: [ص:538] لَا تَبْغِي غَيْرَهُمْ
(19/537)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ،
قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ،
فِي قَوْلِهِ: {وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} [الصافات:
48] قَالَ: «قَصَرْنَ أَبْصَارَهُنَّ وَقُلُوبَهُنَّ عَلَى
أَزْوَاجِهِنَّ، فَلَا يُرِدْنَ غَيْرَهُمْ» حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا
أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: ذُكِرَ أَيْضًا عَنْ
مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلُهُ
(19/538)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ،
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ
الطَّرْفِ} [الصافات: 48] قَالَ: «قَصَرْنَ طَرْفَهُنَّ عَلَى
أَزْوَاجِهِنَّ، فَلَا يُرِدْنَ غَيْرَهُمْ»
(19/538)
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ
{قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} [الصافات: 48] قَالَ: «لَا يَنْظُرْنَ
إِلَّا إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ، قَدْ قَصَرْنَ أَطْرَافَهُنَّ
عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ، لَيْسَ كَمَا يَكُونُ نِسَاءُ أَهْلِ
الدُّنْيَا»
(19/538)
وَقَوْلُهُ: {عِينٌ} [الكهف: 86] يَعْنِي
بِالْعِينِ: النُّجْلَ الْعُيُونَ عِظَامُهَا، وَهِيَ جَمْعُ
عَيْنَاءَ، وَالْعَيْنَاءُ: الْمَرْأَةُ الْوَاسِعَةُ
الْعَيْنِ عَظِيمَتُهَا، وَهِيَ أَحْسَنُ مَا تَكُونُ مِنَ
الْعُيُونِ، وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ
أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(19/538)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا
أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: {عِينٌ} [الصافات:
48] قَالَ: «عِظَامُ الْأَعْيُنِ»
(19/539)
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ:
{عِينٌ} [الصافات: 48] قَالَ: " الْعَيْنَاءُ: الْعَظِيمَةُ
الْعِينِ "
(19/539)
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ
الصَدَفِيُّ الدِّمْيَاطِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ هَاشِمٍ، عَنِ
ابْنِ أَبِي كَرِيمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْل اللَّهِ: {حُورٌ عِينٌ}
[الواقعة: 22] قَالَ: " الْعِينُ: الضِّخَامُ الْعُيُونِ؛
شُفْرُ الْحَوْرَاءِ بِمَنْزِلَةِ جُنَاحِ النِّسْرِ "
(19/539)
وَقَوْلُهُ: {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ
مَكْنُونٌ} [الصافات: 49] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي
الَّذِي بِهِ شُبِّهْنَ مِنَ الْبَيضِ بِهَذَا الْقَوْلِ،
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: شُبِّهْنَ بِبَطْنِ الْبَيْضِ فِي
الْبَيَاضِ، وَهُوَ الَّذِي دَاخِلُ الْقِشْرِ، وَذَلِكَ أَنَّ
ذَلِكَ لَمْ يَمَسَّهُ شَيْءٌ
(19/539)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَشْعَثَ،
عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ:
{كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} [الصافات: 49] قَالَ:
«كَأَنَّهُنَّ بَطْنُ الْبِيضِ»
(19/540)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ،
قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ،
عَنِ السُّدِّيِّ {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} [الصافات:
49] قَالَ: «الْبَيْضُ حِينَ يُقْشَرُ قَبْلَ أَنْ تَمَسَّهُ
الْأَيْدِي»
(19/540)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ،
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ
مَكْنُونٌ} [الصافات: 49] «لَمْ تَمُرَّ بِهِ الْأَيْدِي
وَلَمْ تَمَسَّهُ، يُشْبِهْنَ بَيَاضَهُ» وَقَالَ آخَرُونَ:
بَلْ شُبِّهْنَ بِالْبَيْضِ الَّذِي يَحْضُنُهُ الطَّائِرُ،
فَهُوَ إِلَى الصُفْرَةِ، فَشُبِّهَ بَيَاضُهُنَّ فِي
الصُفْرَةِ بِذَلِكَ
(19/540)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ
زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ}
[الصافات: 49] قَالَ: «الْبَيْضُ الَّذِي يَكِنُّهُ الرِّيشُ،
مِثْلَ بَيْضِ النَّعَامِ الَّذِي قَدْ أَكَنَّهُ الرِّيشُ
مِنَ الرِّيحِ، فَهُوَ أَبْيَضُ إِلَى الصُفْرَةِ فَكَأَنَّهُ
يَبْرُقُ، فَذَلِكَ الْمَكْنُونُ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ
عَنَى بِالْبَيْضِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: اللُّؤْلُؤَ، وَبِهِ
شُبِّهْنَ فِي [ص:541] بَيَاضِهِ وَصَفَائِهِ
(19/540)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ،
عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {كَأَنَّهُنَّ
بَيْضٌ مَكْنُونٌ} [الصافات: 49] يَقُولُ: «اللُّؤْلُؤُ
الْمَكْنُونُ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ
عِنْدِي قَوْلُ مَنْ قَالَ: شُبِّهْنَ فِي بَيَاضِهِنَّ،
وَأَنَّهُنَّ لَمْ يَمَسَّهُنَّ قَبْلَ أَزْوَاجِهِنَّ إِنْسٌ
وَلَا جَانٌّ بِبَيَاضِ الْبَيْضِ الَّذِي هُوَ دَاخِلُ
الْقِشْرِ، وَذَلِكَ هُوَ الْجِلْدَةُ الْمُلْبَسَةُ الْمُحَّ
قَبْلَ أَنْ تَمَسَّهُ يَدٌ أَوْ شَيْءٌ غَيْرُهَا، وَذَلِكَ
لَا شَكَّ هُوَ الْمَكْنُونُ؛ فَأَمَّا الْقِشْرَةُ الْعُلْيَا
فَإِنَّ الطَّائِرَ يَمَسَّهَا، وَالْأَيْدِي تُبَاشِرُهَا،
وَالْعِشُّ يَلْقَاهَا. وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِكُلِّ مَصُونٍ:
مَكْنُونٌ مَا كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ لُؤْلُؤًا كَانَ أَوْ
بِيضًا أَوْ مَتَاعًا، كَمَا قَالَ أَبُو دَهْبَلٍ:
[البحر الخفيف]
وَهْيَ زَهْرَاءُ مِثْلُ لُؤْلُؤَةِ الْغَوَّا ... صِ مِيزَتْ
مِنْ جَوْهَرٍ مَكْنُونِ
وَتَقُولُ لِكُلِّ شَيْءٍ أَضْمَرَتْهُ الصُّدُورُ:
أَكَنَّتْهُ، فَهُوَ مُكَنٌّ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي
ذَلِكَ جَاءَ الْأَثَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(19/541)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: ثنا
مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ الصَدَفِيُّ الدِّمْيَاطِيُّ، عَنْ
عَمْرِو بْنِ هَاشِمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي كَرِيمَةَ، عَنْ
هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ،
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلهِ
{كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} [الصافات: 49] قَالَ:
«رِقَّتُهُنَّ كَرِقَّةِ الْجِلْدَةِ الَّتِي رَأَيْتُهَا فِي
دَاخِلِ الْبَيْضَةِ الَّتِي تَلِي الْقِشْرَ وَهِيَ
الْغِرْقِيءُ»
(19/542)
وَقَوْلُهُ: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى
بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الصافات: 50] يَقُولُ تَعَالَى
ذِكْرُهُ: فَأَقْبَلَ بَعْضُ أَهْلِ الْجَنَّةِ عَلَى بَعْضٍ
يَتَسَاءَلُونَ، يَقُولُ: يَسْأَلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا
(19/542)
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا
يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، {فَأَقْبَلَ
بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الصافات: 50]
«أَهْلُ الْجَنَّةِ»
(19/542)
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ:
{فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ}
[الصافات: 50] قَالَ: «أَهْلُ الْجَنَّةِ»
(19/542)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ
يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ، أَئِذَا مِتْنَا
وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ}
[الصافات: 52] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ قَائِلٌ مِنْ
أَهْلِ الْجَنَّةِ إِذَا أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ
يَتَسَاءَلُونَ: {إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ} [الصافات: 51]
فَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْقَرِينِ الَّذِي
ذُكِرَ فِي [ص:543] هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ:
كَانَ ذَلِكَ الْقَرِينَ شَيْطَانًا، وَهُوَ الَّذِي كَانَ
يَقُولُ لَهُ: {أَئِنَّكَ لِمَنِ الْمُصَّدِّقِينَ} [الصافات:
52] بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَمَاتِ
(19/542)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا
عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ،
قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ،
عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: {إِنِّي كَانَ لِي
قَرِينٌ} [الصافات: 51] قَالَ: «شَيْطَانٌ» وَقَالَ آخَرُونَ:
ذَلِكَ الْقَرِينُ شَرِيكٌ كَانَ لَهُ مِنْ بَنِي آدَمَ أَوْ
صَاحِبٌ
(19/543)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي،
قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،
قَوْلُهُ: {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ
يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَّدِّقِينَ} [الصافات: 52]
قَالَ: " هُوَ الرَّجُلُ الْمُشْرِكُ يَكُونُ لَهُ الصَاحِبُ
فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ، فَيَقُولُ لَهُ
الْمُشْرِكُ: إِنَّكَ لَتُصَدِّقُ بِأَنَّكَ مَبْعُوثٌ مِنْ
بَعْدِ الْمَوْتِ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا؟ فَلَمَّا أَنْ
صَارُوا إِلَى الْآخِرَةِ وَأُدْخِلَ الْمُؤْمِنُ الْحِنَةَ،
وَأُدْخِلَ الْمُشْرِكُ النَّارَ، فَاطَّلَعَ الْمُؤْمِنُ،
فَرَأَى صَاحِبَهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ {قَالَ تَاللَّهِ
إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ} [الصافات: 56]
(19/543)
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
بْنِ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، قَالَ: ثنا عَتَّابُ بْنُ
(19/543)
بَشِيرٍ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ فُرَاتِ بْنِ
ثَعْلَبَةَ الْبَهْرَانِيِّ، فِي قَوْلِهِ: {إِنِّي كَانَ لِي
قَرِينٌ} [الصافات: 51] قَالَ: " إِنَّ رَجُلَيْنِ كَانَا
شَرِيكَيْنٍ، فَاجْتَمَعَ لَهُمَا ثَمَانِيَةُ آلَافِ
دِينَارٍ، وَكَانَ أَحَدُهُمَا لَهُ حِرْفَةٌ، وَالْآخَرُ
لَيْسَ لَهُ حِرْفَةٌ، فَقَالَ الَّذِي لَهُ حِرْفَةٌ
لِلْآخَرِ: لَيْسَ لَكَ حِرْفَةٌ، مَا أَرَانِي إِلَّا
مُفَارِقَكَ وَمُقَاسِمَكَ، فَقَاسَمَهُ وَفَارَقَهُ؛ ثُمَّ
إِنَّ الرَّجُلَ اشْتَرَى دَارًا بِأَلْفِ دِينَارٍ كَانَتْ
لِمَلِكٍ قَدْ مَاتَ فَدَعَا صَاحِبَهُ فَأَرَاهُ، فَقَالَ:
كَيْفَ تَرَى هَذِهِ الدَّارَ ابْتَعْتُهَا بِأَلْفِ دِينَارٍ؟
قَالَ: مَا أَحْسَنَهَا؛ فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ: اللَّهُمَّ
إِنَّ صَاحِبِي هَذَا قَدِ ابْتَاعَ هَذِهِ الدَّارَ بِأَلْفِ
دِينَارٍ، وَإِنِّي أَسْأَلُكَ دَارًا مِنْ دُورِ الْجَنَّةِ،
فَتَصَدَّقَ بِأَلْفِ دِينَارٍ؛ ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ
اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَ، ثُمَّ إِنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً
بِأَلْفِ دِينَارٍ، فَدَعَاهُ وَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا؛
فَلَمَّا أَتَاهُ قَالَ: إِنِّي تَزَوَّجْتُ هَذِهِ
الْمَرْأَةَ بِأَلْفِ دِينَارٍ؛ قَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا؛
فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: يَا رَبِّ إِنَّ صَاحِبِي تَزَوَّجَ
امْرَأَةً بِأَلْفِ دِينَارٍ، وَإِنِّي أَسْأَلُكَ امْرَأَةً
مِنَ الْحُورِ الْعَيْنِ، فَتَصَدَّقَ بِأَلْفِ دِينَارٍ؛
ثُمَّ إِنَّهُ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَ، ثُمَّ
اشْتَرَى بُسْتَانَيْنِ بِأَلْفَيْ دِينَارٍ، ثُمَّ دَعَاهُ
فَأَرَاهُ، فَقَالَ: إِنِّي ابْتَعْتُ هَذَيْنِ
الْبُسْتَانَيْنِ، فَقَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا؛ فَلَمَّا
خَرَجَ قَالَ: يَا رَبِّ إِنَّ صَاحِبِي قَدِ اشْتَرَى
بُسْتَانَيْنِ بِأَلْفَيْ دِينَارٍ، وَأَنَا أَسْأَلُكَ
بُسْتَانَيْنِ مِنَ الْجَنَّةِ، فَتَصَدَّقَ بِأَلْفَيْ
دِينَارٍ؛ ثُمَّ إِنَّ الْمَلَكَ أَتَاهُمَا فَتَوَفَّاهُمَا؛
ثُمَّ انْطَلَقَ بِهَذَا الْمُتَصَدِّقِ فَأَدْخَلَهُ دَارًا
تُعْجِبُهُ، فَإِذَا امْرَأَةٌ تَطْلُعُ يُضِيءُ مَا تَحْتُهَا
مِنْ حُسْنِهَا، ثُمَّ أَدْخَلَهُ بُسْتَانَيْنِ وَشَيْئًا
اللَّهُ بِهِ عَلِيمٌ، فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ: مَا أَشْبَهَ
هَذَا بِرَجُلٍ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ كَذَا وَكَذَا قَالَ:
فَإِنَّهُ ذَاكَ، وَلَكَ هَذَا الْمَنْزِلُ وَالْبُسْتَانَانِ
وَالْمَرْأَةُ قَالَ: فَإِنَّهُ كَانَ لِي صَاحِبٌ
(19/544)
يَقُولُ: {أَئِنَّكَ لَمِنَ
الْمُصَدِّقِينَ} [الصافات: 52] قِيلَ لَهُ: فَإِنَّهُ فِي
الْجَحِيمِ، قَالَ: فَهَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ؟ فَاطَّلَعَ
فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ، فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ:
{تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي
لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} [الصافات: 57] الْآيَاتُ
وَهَذَا التَّأْوِيلُ الَّذِي تَأَوَّلَهُ فُرَاتُ بْنُ
ثَعْلَبَةَ يُقَوِّي قِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَ «إِنَّكَ لَمِنَ
الْمُصَّدِّقِينَ بِتَشْدِيدِ الصَادِ» بِمَعْنَى: لَمِنَ
الْمُتَصَدِّقِينَ، لِأَنَّهُ يَذْكُرُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى
ذِكْرُهُ إِنَّمَا أَعْطَاهُ مَا أَعْطَاهُ عَلَى الصَدَقَةِ
لَا عَلَى التَّصْدِيقِ وَقِرَاءَةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ
عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، بَلْ قِرَاءَتُهَا بِتَخْفِيفِ الصَادِ
وَتَشْدِيدِ الدَّالِّ، بِمَعْنَى: إِنْكَارُ قَرِينِهِ
عَلَيْهِ التَّصْدِيقَ أَنَّهُ يُبْعَثُ بَعْدَ الْمَوْتِ،
كَأَنَّهُ قَالَ: أَتُصَدِّقُ بِأَنَّكَ تُبْعَثُ بَعْدَ
مَمَاتِكَ، وَتُجْزَى بِعَمَلِكَ، وَتُحَاسَبُ؟ يَدُلُّ عَلَى
ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا
وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ} [الصافات: 53] وَهِيَ
الْقِرَاءَةُ الصَحِيحَةُ عِنْدَنَا الَّتِي لَا يَجُوزُ
خِلَافُهَا لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهَا
(19/545)
وَقَوْلُهُ: {أَئِنَّا لَمَدِينُونَ}
[الصافات: 53] يَقُولُ: أَئِنَّا لَمُحَاسَبُونَ
وَمَجْزِيُّونَ بَعْدَ مَصِيرِنَا عِظَامًا وَلُحُومُنَا
تُرَابًا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ
التَّأْوِيلِ
(19/545)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي،
قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،
قَوْلُهُ: {أَئِنَّا لَمَدِينُونَ} [الصافات: 53] يَقُولُ:
«أَئِنَّا لَمُجَازَوْنَ بِالْعَمَلِ، كَمَا [ص:546] تَدِينُ
تُدَانُ»
(19/545)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ،
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {أَئِنَّا
لَمَدِينُونَ} [الصافات: 53] «أَئِنَّا لَمُحَاسَبُونَ»
(19/546)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ،
قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ،
عَنِ السُّدِّيِّ {أَئِنَّا لَمَدِينُونَ} [الصافات: 53]
«مُحَاسَبُونَ»
(19/546)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ فَاطَّلَعَ
فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ
لَتُرْدِينِ وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ
الْمُحْضَرِينَ} [الصافات: 55] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ:
قَالَ هَذَا الْمُؤْمِنُ الَّذِي أُدْخِلَ الْجَنَّةَ
لِأَصْحَابِهِ: {هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ} [الصافات: 54]
فِي النَّارِ، لَعَلِّي أَرَى قَرِينِي الَّذِي كَانَ يَقُولُ
لِي: إِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ بِأَنَّا مَبْعُوثُونَ
بَعْدَ الْمَمَاتِ
(19/546)
وَقَوْلُهُ: {فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي
سَوَاءِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 55] يَقُولُ: فَاطَّلَعَ فِي
النَّارِ فَرَآهُ فِي وَسَطِ الْجَحِيمِ وَفِي الْكَلَامِ
مَتْرُوكٌ اسْتَغْنَى بِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ مِنْ
ذِكْرِهِ، وَهُوَ فَقَالُوا: نَعَمْ وَبِنَحْوِ الَّذِي
قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي
سَوَاءِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 55] قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(19/546)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ،
عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، [ص:547] قَوْلُهُ: {فِي
سَوَاءِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 55] يَعْنِي: «فِي وَسَطِ
الْجَحِيمِ»
(19/546)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ:
ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ
أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ}
[الصافات: 55] يَعْنِي: «فِي وَسَطِ الْجَحِيمِ»
(19/547)
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا عَبَّادُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنِ
الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: {فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} [الصافات:
55] يَقُولُ: «فِي وَسَطِ الْجَحِيمِ» حَدَّثَنَا ابْنُ
سِنَانٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَ: ثنا عَبَّادُ
بْنُ رَاشِدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ
(19/547)
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا
سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: ثنا أَبُو هِلَالٍ، قَالَ:
ثنا قَتَادَةُ، فِي قَوْلِهِ: {سَوَاءِ الْجَحِيمِ} [الصافات:
55] قَالَ: وَسَطِهَا "
(19/547)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ،
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: {هَلْ أَنْتُمْ
مُطَّلِعُونَ} [الصافات: 54] قَالَ: " سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ
يُطْلِعَهُ، قَالَ {فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ
الْجَحِيمِ} [الصافات: 55] «أَيْ فِي وَسَطِ الْجَحِيمِ»
(19/547)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ،
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ خُلَيْدٍ
الْعَصْرِيِّ، قَالَ: " لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ عَرَّفَهُ
إِيَّاهُ مَا عَرَفَهُ، لَقَدْ تَغَيَّرَ حِبْرُهُ وَسِبْرُهُ
بَعْدَهُ، وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ اطَّلَعَ [ص:548] فَرَأَى
جَمَاجِمَ الْقَوْمِ، فَقَالَ: {تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ
لَتُرْدِينِ وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ
الْمُحْضَرِينَ} [الصافات: 57]
(19/547)
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي الْوَزِيرِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ
بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ
قَتَادَةَ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فِي قَوْلِهِ:
{فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 55]
قَالَ: «وَاللَّهِ لَوْلَا أَنَّهُ عَرَّفَهُ مَا عَرَفَهُ،
لَقَدْ غَيَّرَتِ النَّارُ حِبْرَهُ وَسِبْرَهُ»
(19/548)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ،
قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ،
قَوْلُهُ: {هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ} [الصافات: 54] قَالَ:
كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَؤُهَا: (هَلْ أَنْتُمْ
مُطَّلِعُونِي فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ)
قَالَ: «فِي وَسَطِ الْجَحِيمِ» وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ الَّتِي
ذَكَرَهَا السُّدِّيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ كَانَ
يَقْرَأُ فِي {مُطَّلِعُونَ} [الصافات: 54] إِنْ كَانَتْ
مَحْفُوظَةً عَنْهُ، فَإِنَّهَا مِنْ شَوَاذِّ الْحُرُوفِ،
وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ لَا تُؤْثِرُ فِي الْمَكْنِيِّ مِنَ
الْأَسْمَاءِ إِذَا اتَّصَلَ بِفَاعِلٍ عَلَى الْإِضَافَةِ فِي
جَمْعٍ أَوْ تَوْحِيدٍ، لَا يَكَادُونَ أَنْ يَقُولُوا أَنْتَ
مُكَلِّمُنِي وَلَا أَنْتُمَا مُكَلِّمَانِي وَلَا أَنْتُمْ
مُكَلِّمُونِي وَلَا مُكَلِّمُونَنِي، وَإِنَّمَا يَقُولُونَ
أَنْتَ مُكَلِّمِي، وَأَنْتُمَا مُكَلِّمَايَ، وَأَنْتُمْ
مُكَلِّمِيَّ؛
(19/548)
وَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ ذَلِكَ
قَالَهُ عَلَى وَجْهِ الْغَلَطِ تَوَهُّمًا بِهِ: أَنْتَ
تُكَلِّمُنِي، وَأَنْتُمَا تُكَلِّمَانْنِي، وَأَنْتُمْ
تُكَلِّمُونَنِي، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الوافر]
وَمَا أَدْرِي وَظَنِّي كُلَّ ظَنٍّ ... أَمُسْلِمُنِي إِلَى
قَوْمِي شَرَاحِي؟
فَقَالَ: مُسْلِمُنِي، وَلَيْسَ ذَلِكَ وَجْهُ الْكَلَامِ،
بَلْ وَجْهُ الْكَلَامِ أَمُسْلِمِي؛ فَأَمَّا إِذَا كَانَ
الْكَلَامُ ظَاهِرًا وَلَمْ يَكُنْ مُتَّصِلًا بِالْفَاعِلِ،
فَإِنَّهُمْ رُبَّمَا أَضَافُوا، وَرُبَّمَا لَمْ يُضِيفُوا،
فَيُقَالُ: هَذَا مُكَلِّمٌ أَخَاكَ، وَمُكَلِّمُ أَخِيكَ،
وَهَذَانِ مُكَلِّمَا أَخِيكَ، وَمُكَلِّمَانِ أَخَاكَ،
وَهَؤُلَاءِ مُكَلِّمُو أَخِيكَ، وَمُكَلِّمُونَ أَخَاكَ؛
وَإِنَّمَا تَخْتَارُ الْإِضَافَةِ فِي الْمَكْنِيِّ
الْمُتَّصِلِ بِفَاعِلٍ لِمَصِيرِ الْحَرْفَيْنِ بِاتِّصَالِ
أَحَدِهِمَا بِصَاحِبِهِ، كَالْحَرْفِ الْوَاحِدِ
(19/549)
وَقَوْلُهُ: {تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ
لَتُرْدِينِ} [الصافات: 56] يَقُولُ: فَلَمَّا رَأَى قَرِينَهُ
فِي النَّارِ قَالَ: تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ فِي الدُّنْيَا
لَتُهْلِكُنِي بِصَدِّكَ إِيَّايَ عَنِ الْإِيمَانِ
بِالْبَعْثِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَبِنَحْوِ الَّذِي
قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(19/549)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا
أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: {إِنْ كِدْتَ
لَتُرْدِينِ} [الصافات: 56] قَالَ: " لَتُهْلِكُنِي، يُقَالُ
مِنْهُ: أَرْدَى فُلَانٌ فُلَانًا: إِذَا أَهْلَكَهُ،
وَرُدِّيَ فُلَانٌ: إِذَا هَلَكَ " كَمَا قَالَ الْأَعْشَى:
[البحر المتقارب]
[ص:550] أَفِي الطَّوْفِ خِفْتِ عَلَيَّ الرَّدَى ... وَكَمْ
مِنْ رَدٍّ أَهْلَهُ لَمْ يَرِمْ
يَعْنِي بِقَوْلِهِ وَكَمْ مِنْ رَدٍّ: وَكَمْ مِنْ هَالِكٍ
(19/549)
وَقَوْلُهُ: {وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي
لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} [الصافات: 57] يَقُولُ:
وَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ أَنْعَمَ عَلَيَّ بِهِدَايَتِهِ،
وَالتَّوْفِيقِ لِلْإِيمَانِ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ،
لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ مَعَكَ فِي عَذَابِ اللَّهِ
(19/550)
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا
يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {لَكُنْتُ مِنَ
الْمُحْضَرِينَ} [الصافات: 57] «أَيْ فِي عَذَابِ اللَّهِ»
(19/550)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ،
قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ،
قَوْلُهُ: {لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} [الصافات: 57]
قَالَ: «مِنَ الْمُعَذَّبِينَ»
(19/550)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلَّا مَوْتَتَنَا
الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ
الْفَوْزُ الْعَظِيمُ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ
الْعَامِلُونَ} [الصافات: 59] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ
مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ هَذَا الْمُؤْمِنِ الَّذِي أَعْطَاهُ
اللَّهُ مَا أَعْطَاهُ مِنْ كَرَامَتِهِ فِي جَنَّتِهِ
سُرُورًا مِنْهُ بِمَا أَعْطَاهُ فِيهَا {أَفَمَا نَحْنُ
بِمَيِّتِينَ إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى} [الصافات: 58]
يَقُولُ: أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ غَيْرَ مَوْتَتَنَا
الْأُولَى فِي الدُّنْيَا {وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ}
[الشعراء: 138] يَقُولُ: وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ بَعْدَ
دُخُولِنَا الْجَنَّةَ {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ} [الصافات: 60] يَقُولُ: إِنَّ هَذَا الَّذِي
أَعْطَانَاهُ اللَّهُ مِنَ الْكَرَامَةِ فِي الْجَنَّةِ أَنَّا
لَا نُعَذَّبُ وَلَا نَمُوتُ لَهُوَ النَّجَاءُ الْعَظِيمُ
مِمَّا كُنَّا فِي الدُّنْيَا نَحْذَرُ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ،
وَإِدْرَاكِ مَا كُنَّا [ص:551] فِيهَا، نَأْمَلُ
بِإِيمَانِنَا، وَطَاعَتِنَا رَبَّنَا
(19/550)
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا
يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ:
{أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ} [الصافات: 58] إِلَى قَوْلِهِ:
{الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [الصافات: 60] قَالَ: «هَذَا قَوْلُ
أَهْلِ الْجَنَّةِ»
(19/551)
وَقَوْلُهُ: {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ
الْعَامِلُونَ} [الصافات: 61] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ:
لِمِثْلِ هَذَا الَّذِي أَعْطَيْتُ هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ
مِنَ الْكَرَامَةِ فِي الْآخِرَةِ، فَلْيَعْمَلْ فِي
الدُّنْيَا لِأَنْفُسِهِمُ الْعَامِلُونَ، لِيُدْرِكُوا مَا
أَدْرَكَ هَؤُلَاءِ بِطَاعَةِ رَبِّهِمْ
(19/551)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ
إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ إِنَّهَا
شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ
رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا
فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ:
أَهَذَا الَّذِي أَعْطَيْتُ هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ
الَّذِينَ وَصَفْتُ صِفَتَهُمْ مِنْ كَرَامَتِي فِي
الْجَنَّةِ، وَرَزَقْتُهُمْ فِيهَا مِنَ النَّعِيمِ خَيْرٌ،
أَوْ مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِ النَّارِ مِنَ الزَّقُّومِ
وَعَنَى بِالنُّزُلِ: الْفَضْلَ، وَفِيهِ لُغَتَانِ: نُزُلٌ
وَنُزْلٌ؛ يُقَالُ لِلطَّعَامِ الَّذِي لَهُ رِيعٌ: هُوَ
طَعَامٌ لَهُ نُزُلٌ وَنُزْلٌ
(19/551)
وَقَوْلُهُ: {أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ}
[الصافات: 62] ذُكِرَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَنْزَلَ
هَذِهِ الْآيَةَ قَالَ الْمُشْرِكُونَ: كَيْفَ يُنْبِتُ
الشَّجَرَ فِي النَّارِ، وَالنَّارُ تُحْرِقُ الشَّجَرَ؟
فَقَالَ اللَّهُ: {إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً
لِلظَّالِمِينَ} [الصافات: 63] يَعْنِي لِهَؤُلَاءِ
الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَالُوا فِي ذَلِكَ مَا قَالُوا،
ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ بِصِفَةِ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَقَالَ
{إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ} [الصافات:
64][ص:552] وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ
أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(19/551)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ
قَتَادَةَ {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ
الزَّقُّومِ} [الصافات: 62] حَتَّى بَلَغَ {فِي أَصْلِ
الْجَحِيمِ} [الصافات: 64] قَالَ: " لَمَّا ذَكَرَ شَجَرَةَ
الزَّقُّومِ افْتُتِنَ الظَّلَمَةُ، فَقَالُوا: يُنْبِئُكُمْ
صَاحِبُكُمْ هَذَا أَنَّ فِيَ النَّارِ شَجَرَةً، وَالنَّارُ
تَأْكُلُ الشَّجَرَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ مَا تَسْمَعُونَ:
إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ، غُذِّيَتْ
بِالنَّارِ وَمِنْهَا خُلِقَتْ "
(19/552)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ،
قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ،
عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: " قَالَ أَبُو جَهْلٍ: لَمَّا
نَزَلَتْ {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ} [الدخان: 43] قَالَ:
تَعْرِفُونَهَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: أَنَا آتِيكُمُ بِهَا،
فَدَعَا جَارِيَةً، فَقَالَ: ائْتِينِي بِتَمْرٍ وَزُبْدٍ،
فَقَالَ: دُونَكُمْ تَزَقَّمُوا، فَهَذَا الزَّقُّومُ الَّذِي
يُخَوِّفُكُمْ بِهِ مُحَمَّدٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ
تَفْسِيرَهَا: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ
الزَّقُّومِ إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ}
[الصافات: 63] قَالَ: «لِأَبِي جَهْلٍ وَأَصْحَابِهِ»
(19/552)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ:
ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي
الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالْ: ثنا وَرْقَاءُ،
جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ:
{إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ} [الصافات: 63]
قَالَ: " قَوْلُ أَبِي جَهْلٍ: إِنَّمَا الزَّقُّومُ التَّمْرُ
وَالزُّبْدُ أَتَزَقَّمُهُ "
(19/552)
وَقَوْلُهُ: {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ
الشَّيَاطِينِ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: كَأَنَّ طَلْعَ
هَذِهِ الشَّجَرَةِ يَعْنِي شَجَرَةَ الزَّقُّومِ فِي قُبْحِهِ
وَسَمَاجَتِهِ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ فِي قُبْحِهَا وَذُكِرَ
أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: «إِنَّهَا
شَجَرَةٌ نَابِتَةٌ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ»
(19/553)
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا
يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ:
{طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} قَالَ:
«شَبَّهَهُ بِذَلِكَ» فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا وَجْهُ
تَشْبِيهِهِ طَلْعَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ بِرُءُوسِ
الشَّيَاطِينِ فِي الْقُبْحِ، وَلَا عِلْمَ عِنْدَنَا
بِمَبْلَغِ قُبْحِ رُءُوسِ الشَّيَاطِينِ، وَإِنَّمَا
يُمَثَّلُ الشَّيْءُ بِالشَّيْءِ تَعْرِيفًا مِنَ الْمُمَثِّلِ
الْمُمَثَّلَ لَهُ قُرْبَ اشْتِبَاهِ الْمُمَثَّلِ أَحَدِهِمَا
بِصَاحِبِهِ مَعَ مَعْرِفَةِ الْمُمَثَّلِ لَهُ الشَّيْئَيْنِ
كِلَيْهِمَا أَوِ أَحَدِهِمَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الَّذِينَ
خُوطِبُوا بِهَذِهِ الْآيَةِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، لَمْ
يَكُونُوا عَارِفِينَ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ، وَلَا بِرُءُوسِ
الشَّيَاطِينِ، وَلَا كَانُوا رَأَوْهُمَا، وَلَا وَاحِدًا
مِنْهُمَا؟ قِيلَ لَهُ: أَمَّا شَجَرَةُ الزَّقُّومِ فَقَدْ
وَصَفَهَا اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَهُمْ وَبَيَّنَّهَا
حَتَّى عَرَفُوهَا مَا هِيَ وَمَا صِفَتُهَا، فَقَالَ لَهُمْ:
{شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ
رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} فَلَمْ يَتْرُكْهُمْ فِي عَمَاءٍ
مِنْهَا وَأَمَّا فِي تَمْثِيلِهِ طَلْعَهَا بِرُءُوسِ
الشَّيَاطِينِ، فَأَقُولُ لِكُلٍّ مِنْهَا وَجْهٌ مَفْهُومٌ:
أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ مَثَّلَ ذَلِكَ بِرُءُوسِ
الشَّيَاطِينِ عَلَى نَحْوِ مَا قَدْ جَرَى بِهِ اسْتِعْمَالُ
الْمُخَاطَبِينَ بِالْآيَةِ بَيْنَهُمْ وَذَلِكَ
(19/553)
أَنَّ اسْتِعْمَالَ النَّاسِ قَدْ جَرَى
بَيْنَهُمْ فِي مُبَالَغَتِهِمْ إِذَا أَرَادَ أَحَدُهُمُ
الْمُبَالَغَةَ فِي تَقْبِيحِ الشَّيْءِ، قَالَ: كَأَنَّهُ
شَيْطَانٌ، فَذَلِكَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ وَالثَّانِي أَنْ
يَكُونَ مَثَّلَ بِرَأْسِ حَيَّةٍ مَعْرُوفَةٍ عِنْدَ
الْعَرَبِ تُسَمَّى شَيْطَانًا، وَهِيَ حَيَّةٌ لَهَا عُرْفٌ
فِيمَا ذُكِرَ قَبِيحُ الْوَجْهِ وَالْمَنْظَرِ، وَإِيَّاهُ
عَنَى الرَّاجِزُ بِقَوْلِهِ:
[البحر الرجز]
عَنْجَرِدٌ تَحْلِفُ حِينَ أَحْلِفُ ... كَمِثْلِ شَيْطَانِ
الْحَمَاطِ أَعْرَفُ
وَيُرْوَى: عُجَيِّزٌ وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مِثْلَ
نَبْتٍ مَعْرُوفٍ بِرُءُوسِ الشَّيَاطِينِ، ذُكِرَ أَنَّهُ
قَبِيحُ الرَّأْسِ {فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا
فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ:
فَإِنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ جَعَلَ اللَّهُ
هَذِهِ الشَّجَرَةَ لَهُمْ فِتْنَةً، لَآكِلُونَ مِنْ هَذِهِ
الشَّجَرَةِ الَّتِي هِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ فَمَالِئُونَ
مِنْ زَقُّومِهَا بُطُونَهُمْ
(19/554)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ
حَمِيمٍ ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ
إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ فَهُمْ عَلَى
آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ} [الصافات: 68] يَقُولُ تَعَالَى
ذِكْرُهُ: {ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ
حَمِيمٍ} [الصافات: 67] ثُمَّ إِنَّ لِهَؤُلَاءِ
الْمُشْرِكِينَ عَلَى مَا يَأْكُلُونَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ
شَجَرَةِ الزَّقُّومِ شَوْبًا، وَهُوَ الْخَلْطُ مِنْ قَوْلِ
الْعَرَبِ: شَابَ فُلَانٌ طَعَامَهُ فَهُوَ يَشُوبُهُ شَوْبًا
وَشِيَابًا {مِنْ حَمِيمٍ} [الأنعام: 70] وَالْحَمِيمُ:
الْمَاءُ [ص:555] الْمَحْمُومُ، وَهُوَ الَّذِي أُسْخِنَ
فَانْتَهَى حَرُّهُ، وَأَصْلُهُ مَفْعُولٌ صَرِفَ إِلَى
فَعِيلٍ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ
التَّأْوِيلِ
(19/554)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ،
عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {ثُمَّ إِنَّ
لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ} [الصافات: 67]
يَقُولُ: «لَمَزْجًا»
(19/555)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ:
ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ
أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ
عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ} [الصافات: 67] " يَعْنِي:
شُرْبَ الْحَمِيمِ عَلَى الزَّقُّومِ "
(19/555)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ،
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {ثُمَّ إِنَّ
لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ} [الصافات: 67]
قَالَ: «مُزَاجًا مِنْ حَمِيمٍ»
(19/555)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ،
قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ،
عَنِ السُّدَيِّ {ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ
حَمِيمٍ} [الصافات: 67] قَالَ: " الشَّوْبُ: الْخَلْطُ، وَهُوَ
الْمَزْجُ "
(19/555)
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {ثُمَّ
إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ} [الصافات: 67]
قَالَ: «حَمِيمٍ يُشَابُ لَهُمْ بِغَسَّاقٍ مِمَّا تَغْسِقُ
أَعْيُنُهُمْ، وَصَدِيدٍ مِنْ قِيحِهِمْ وَدِمَائِهِمْ مِمَّا
يَخْرُجُ مِنْ أَجْسَادِهِمْ»
(19/555)
وَقَوْلُهُ: {ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ
لَإِلَى الْجَحِيمِ} [الصافات: 68] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ:
ثُمَّ إِنَّ مَآبَهُمْ وَمَصِيرَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ
(19/556)
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا
يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ:
{ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ} [الصافات: 68]
" فَهُمْ فِي عَنَاءٍ وَعَذَابٍ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ، وَتَلَا
هَذِهِ الْآيَةَ: {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ}
[الرحمن: 44]
(19/556)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ،
قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ،
فِي قَوْلِهِ: {ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ}
[الصافات: 68] قَالَ: فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: «ثُمَّ
إِنَّ مُنْقَلَبَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ» وَكَانَ عَبْدُ
اللَّهِ يَقُولُ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَنْتَصِفُ
النَّهَارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَقِيلَ أَهْلُ
الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ،
ثُمَّ قَالَ: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ
مُسْتَقَرًا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [الفرقان: 24]
(19/556)
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ:
{ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ} [الصافات: 68]
قَالَ: «مَوْتَهُمْ»
(19/556)
وَقَوْلُهُ: {إِنَّهُمْ أَلْفَوْا
آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ} [الصافات: 69] يَقُولُ: إِنَّ هَؤُلَاءِ
الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ إِذَا قِيلَ لَهُمْ: قُولُوا لَا
إِلَهَ إِلَّا اللَّهِ يَسْتَكْبِرُونَ، وَجَدُوا آبَاءَهُمْ
ضَلَالًا عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ، غَيْرَ سَالِكِينَ مَحَجَّةَ
الْحَقِّ {فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ} [الصافات: 70]
يَقُولُ: فَهَؤُلَاءِ يُسْرَعُ بِهِمْ فِي طَرِيقِهِمْ،
لَيَقْتَفُوا آثَارَهُمْ وَسُنَّتَهُمْ؛ يُقَالُ مِنْهُ:
أَهْرَعَ فُلَانٌ: إِذَا سَارَ سَيْرًا حَثِيثًا فِيهِ شَبَهٌ
بِالرَّعْدَةِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ
أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(19/556)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ،
عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {إِنَّهُمْ
أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ} [الصافات: 69] «أَيْ وَجَدُوا
آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ»
(19/557)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ،
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {إِنَّهُمْ
أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ} [الصافات: 69] «أَيْ وَجَدُوا
آبَاءَهُمْ» وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي يُهْرَعُونَ
أَيْضًا، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(19/557)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا
عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ،
قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ،
عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ
يُهْرَعُونَ} [الصافات: 70] قَالَ: «كَهَيْئَةِ الْهَرْوَلَةِ»
(19/557)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ ثنا يَزِيدُ،
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ
يُهْرَعُونَ} [الصافات: 70] «أَيْ يُسْرِعُونَ إِسْرَاعًا فِي
ذَلِكَ»
(19/557)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ،
قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ،
عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: {يُهْرَعُونَ} [الصافات: 70]
قَالَ: «يُسْرِعُونَ»
(19/557)
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ:
{يُهْرَعُونَ [ص:558] إِلَيْهِ} [هود: 78] قَالَ:
«يَسْتَعْجِلُونَ إِلَيْهِ»
(19/557)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ فَانْظُرْ كَيْفَ
كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ
الْمُخْلَصِينَ} [الصافات: 72] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ:
وَلَقَدْ ضَلَّ يَا مُحَمَّدُ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ
وَمَحَجَّةِ الْحَقِّ قَبْلَ مُشْرِكِي قَوْمِكَ مِنْ قُرَيْشٍ
أَكْثَرُ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ مِنْ قَبْلِهِمْ {وَلَقَدْ
أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ} [الصافات: 72] يَقُولُ:
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِي الْأُمَمِ الَّتِي خَلَتْ مِنْ
قَبْلِ أُمَّتِكَ وَمِنْ قَبْلِ قَوْمِكَ الْمُكَذِّبِيكَ
مُنْذِرِينَ تُنْذِرُهُمْ بَأْسَنَا عَلَى كُفْرِهِمْ بِنَا،
فَكَذَّبُوهُمْ وَلَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُمْ نَصَائِحَهُمْ،
فَأَحْلَلْنَا بِهِمْ بَأْسَنَا وَعُقُوبَتَنَا {فَانْظُرْ
كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ} [يونس: 73] يَقُولُ:
فَتَأَمَّلْ وَتَبَيَّنْ كَيْفَ كَانَ غِبُّ أَمْرِ الَّذِينَ
أَنْذَرَتْهُمْ أَنْبِيَاؤُنَا، وَإِلَامَ صَارَ أَمْرُهُمْ،
وَمَا الَّذِي أَعْقَبَهُمْ كُفْرُهُمْ بِاللَّهِ، أَلَمْ
نُهْلِكْهُمْ فَنُصَيِّرُهُمْ لِلْعِبَادِ عِبْرَةً وَلِمَنْ
بَعْدَهُمْ عِظَةً؟
(19/558)
وَقَوْلُهُ: {إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ
الْمُخْلَصينَ} [الصافات: 40] يَقُولُ تَعَالَى: فَانْظُرْ
كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ، إِلَّا عِبَادَ
اللَّهِ الَّذِينَ أَخْلَصْنَاهُمْ لِلْإِيمَانِ بِاللَّهِ
وَبِرُسُلِهِ؛ وَاسْتَثْنَى عِبَادَ اللَّهِ مِنَ
الْمُنْذَرِينَ، لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: فَانْظُرْ كَيْفَ
أَهْلَكْنَا الْمُنْذَرِينَ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ
الْمُؤْمِنِينَ، فَلِذَلِكَ حَسُنَ اسْتِثْنَاؤُهُمْ مِنْهُمْ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي قَوْلِهِ: {إِلَّا عِبَادَ
اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} [الصافات: 40] قَالَ أَهْلُ
التَّأْوِيلِ
(19/558)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ
مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي
قَوْلِهِ: {إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} [الصافات:
74] قَالَ: «الَّذِينَ [ص:559] اسْتَخْلَصَهُمُ اللَّهُ»
(19/558)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ
وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ
وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} [الصافات: 76]
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ
بِمَسْأَلَتِهِ إِيَّانَا هَلَاكَ قَوْمِهِ، فَقَالَ: {رَبِّ
إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا فَلَمْ يَزِدْهُمْ
دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا} [نوح: 5] إِلَى قَوْلِهِ: {رَبِّ
لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا}
[نوح: 26] وَقَوْلُهُ: {فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ} [الصافات:
75] يَقُولُ: فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ كُنَّا لَهُ إِذْ
دَعَانَا، فَأَجَبْنَا لَهُ دُعَاءَهُ، فَأَهْلَكْنَا قَوْمَهُ
{وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ} [الصافات: 76] يَعْنِي: أَهْلَ
نُوحٍ الَّذِينَ رَكِبُوا مَعَهُ السَّفِينَةَ، وَقَدْ
ذَكَرْنَاهُمْ فِيمَا مَضَى قَبْلُ، وَبَيَّنَا اخْتِلَافَ
الْعُلَمَاءِ فِي عَدَدِهِمْ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي
ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(19/559)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ
قَتَادَةَ {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ
الْمُجِيبُونَ} [الصافات: 75] قَالَ: «أَجَابَهُ اللَّهُ»
(19/559)
وَقَوْلُهُ: {مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ}
[الأنبياء: 76] يَقُولُ: مِنَ الْأَذَى وَالْمَكْرُوهِ الَّذِي
كَانَ فِيهِ مِنَ الْكَافِرِينَ، وَمِنَ كَرْبِ الطُّوفَانِ
وَالْغَرِقِ الَّذِي هَلَكَ بِهِ قَوْمُ نُوحٍ
(19/559)
كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ:
ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ {وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ
مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} [الصافات: 76] قَالَ: «مِنَ
الْغَرَقِ»
(19/560)
وَقَوْلُهُ: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ
هُمُ الْبَاقِينَ} [الصافات: 77] يَقُولُ: وَجَعَلْنَا
ذُرِّيَّةَ نُوحٍ هُمُ الَّذِينَ بَقَوْا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ
مَهْلَكِ قَوْمِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ مِنْ
بَعْدِ مَهْلَكِ نُوحٍ إِلَى الْيَوْمِ إِنَّمَا هُمْ
ذُرِّيَّةُ نُوحٍ، فَالْعَجَمُ وَالْعَرَبُ أَوْلَادُ سَامِ
بْنِ نُوحٍ، وَالتُّرْكُ وَالصَقَالِبَةُ وَالْخَزَرُ
أَوْلَادُ يَافِثِ بْنِ نُوحٍ، وَالسُّودَانُ أَوْلَادُ حَامِ
بْنِ نُوحٍ، وَبِذَلِكَ جَاءَتِ الْآثَارُ، وَقَالَتِ
الْعُلَمَاءُ
(19/560)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ،
قَالَ: ثنا ابْنُ عَثْمَةَ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ،
عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي قَوْلِهِ:
{وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} [الصافات: 77]
قَالَ: «سَامٌ وَحَامٌ وَيَافِثٌ»
(19/560)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ،
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ:
{وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} [الصافات: 77]
قَالَ: «فَالنَّاسُ كُلُّهُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ نُوحٍ»
(19/560)
حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو
صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ
الْبَاقِينَ} [الصافات: 77] يَقُولُ: «لَمْ يَبْقَ إِلَّا
ذُرِّيَّةُ نُوحٍ»
(19/561)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخَرِينَ سَلَامٌ
عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي
الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ
أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ} [الصافات: 79] يَعْنِي تَعَالَى
ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخَرِينَ}
[الصافات: 78] وَأَبْقَيْنَا عَلَيْهِ، يَعْنِي عَلَى نُوحٍ
ذِكْرًا جَمِيلًا، وَثَنَاءً حَسَنًا فِي الْآخَرِينَ،
يَعْنِي: فِيمَنْ تَأَخَّرَ بَعْدَهُ مِنَ النَّاسِ
يَذْكُرُونَهُ بِهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ
قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(19/561)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ،
عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {وَتَرَكْنَا
عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ} [الصافات: 78] يَقُولُ: «يُذْكَرُ
بِخَيْرٍ»
(19/561)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ:
ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي
الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ،
جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي
قَوْلِهِ: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخَرِينَ} [الصافات:
78] يَقُولُ: «جَعَلْنَا لِسَانَ صِدْقٍ لِلْأَنْبِيَاءِ
كُلِّهُمْ»
(19/561)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ،
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي
[ص:562] الْآخَرِينَ قَالَ: «أَبْقَى اللَّهُ عَلَيْهِ
الثَّنَاءَ الْحَسَنَ فِي الْآخَرِينَ»
(19/561)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ،
قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ:
وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخَرِينَ قَالَ: «الثَّنَاءَ
الْحَسَنَ»
(19/562)
وَقَوْلُهُ: {سَلَّامٌ عَلَى نُوحٍ فِي
الْعَالَمِينَ} [الصافات: 79] يَقُولُ: أَمَنَةٌ مِنَ اللَّهِ
لِنُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ أَنْ يَذْكُرَهُ أَحَدٌ بِسُوءٍ؛
وَسَلَامٌ مَرْفُوعٌ بِعَلَى وَقَدْ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ
الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ يَقُولُ: مَعْنَاهُ:
وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخَرِينَ {سَلَّامٌ عَلَى نُوحٍ}
[الصافات: 79] أَيْ تَرَكْنَا عَلَيْهِ هَذِهِ الْكَلِمَةَ،
كَمَا تَقُولُ: قَرَأْتُ مِنَ الْقُرْآنِ {الْحَمْدُ لِلَّهِ
رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ فِي
مَعْنَى نَصَبٍ، وَتَرْفَعُهَا بِاللَّامِ، كَذَلِكَ سَلَّامٌ
عَلَى نُوحٍ تَرْفَعُهُ بِعَلَى، وَهُوَ فِي تَأْوِيلِ نَصَبٍ،
قَالَ: وَلَوْ كَانَ: تَرَكْنَا عَلَيْهِ سَلَّامًا، كَانَ
صَوَابًا
(19/562)
وَقَوْلُهُ: {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي
الْمُحْسِنِينَ} [الصافات: 80] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ:
إِنَّا كَمَا فَعَلْنَا بِنُوحٍ مُجَازَاةً لَهُ عَلَى
طَاعَتِنَا وَصَبْرِهِ عَلَى أَذَى قَوْمِهِ فِي رِضَانَا
فَأَنْجَيْنَاهُ {وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ
وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} [الصافات: 77]
وَأَبْقَيْنَا عَلَيْهِ ثَنَاءً فِي [ص:563] الْآخَرِينَ
{كَذَلِكَ نَجْزِي} [يونس: 13] الَّذِينَ يُحْسِنُونَ
فَيُطِيعُونَنَا، وَيَنْتَهُونَ إِلَى أَمْرِنَا،
وَيَصْبِرُونَ عَلَى الْأَذَى فِينَا
(19/562)
وَقَوْلُهُ: {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا
الْمُؤْمِنِينَ} [الصافات: 81] يَقُولُ: إِنَّ نُوحًا مِنْ
عِبَادِنَا الَّذِينَ آمَنُوا بِنَا، فَوَحَّدُونَا،
وَأَخْلَصُوا لَنَا الْعِبَادَةَ، وَأَفْرَدُونَا
بِالْأُلُوهَةِ
(19/563)
وَقَوْلُهُ: {ثُمَّ أَغْرَقْنَا
الْآخَرِينَ} [الشعراء: 66] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ثُمَّ
أَغْرَقْنَا حِينَ نَجَّيْنَا نُوحًا وَأَهْلَهُ مِنَ
الْكَرْبِ الْعَظِيمِ مَنْ بَقِيَ مِنْ قَوْمِهِ وَبِنَحْوِ
الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(19/563)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
بِشْرٌ، قَالَ: يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ
{ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ} [الصافات: 82] قَالَ:
«أَنْجَاهُ اللَّهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ،
وَأَغْرَقَ بَقِيَّةَ قَوْمِهِ»
(19/563)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لِإِبْرَاهِيمَ إِذْ جَاءَ
رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ
مَاذَا تَعْبُدُونَ أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ
تُرِيدُونَ} [الصافات: 84] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِنَّ
مِنْ أَشْيَاعِ نُوحٍ عَلَى مِنْهَاجِهِ وَمِلَّتِهِ وَاللَّهِ
لِإِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ وَبِنَحْوِ الَّذِي
قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(19/563)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثنا مُعَاوِيَةُ،
عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {وَإِنَّ مِنْ
شِيعَتِهِ لِإِبْرَاهِيمَ} [الصافات: 83] يَقُولُ: «مِنْ
أَهْلِ دِينِهِ»
(19/564)
حَدَّثَنِي ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا
حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ
مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ
لِإِبْرَاهِيمَ} [الصافات: 83] قَالَ: «عَلَى مِنْهَاجِ نُوحٍ
وَسُنَّتِهِ»
(19/564)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ:
ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي
الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ،
جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ:
{وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لِإِبْرَاهِيمَ} [الصافات: 83] قَالَ:
«عَلَى مِنْهَاجِهِ وَسُنَّتِهِ»
(19/564)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ،
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ
لِإِبْرَاهِيمَ} [الصافات: 83] قَالَ: «عَلَى دِينِهِ
وَمِلَّتِهِ»
(19/564)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ،
قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ،
فِي قَوْلِهِ: {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لِإِبْرَاهِيمَ}
[الصافات: 83] قَالَ: «مِنْ أَهْلِ دِينِهِ» وَقَدْ زَعَمَ
بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: وَإِنَّ
مِنْ شِيعَةِ مُحَمَّدٍ لِإِبْرَاهِيمَ، وَقَالَ: ذَلِكَ
مِثْلُ قَوْلِهِ: {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا
ذُرِّيَّتَهُمْ} [يس: 41] بِمَعْنَى: أَنَّا حَمَلْنَا،
ذُرِّيَّةَ مَنْ هُمْ مِنْهُ، فَجَعَلَهَا ذُرِّيَّةً لَهُمْ،
وَقَدْ سَبَقَتْهُمْ
(19/564)
وَقَوْلُهُ: {إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ
سَلِيمٍ} [الصافات: 84] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِذْ جَاءَ
إِبْرَاهِيمُ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ مِنَ الشِّرْكِ،
مُخْلِصٌ لَهُ التَّوْحِيدَ
(19/565)
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا
يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {إِذْ جَاءَ
رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الصافات: 84] «وَاللَّهِ مِنَ
الشِّرْكِ»
(19/565)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا
أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي
قَوْلِهِ: {إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الصافات:
84] قَالَ: «سَلِيمٍ مِنَ الشِّرْكِ»
(19/565)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا
جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}
[الصافات: 84] قَالَ: «لَا شَكَّ فِيهِ»
(19/565)
وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا:
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا عَثَّامُ بْنُ عَلِيٍّ،
قَالَ: ثنا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " يَا بَنِيَّ لَا
تَكُونُوا لَعَّانِينَ، أَلَمْ تَرَوْا إِلَى إِبْرَاهِيمَ
لَمْ يَلْعَنْ شَيْئًا قَطُّ، فَقَالَ اللَّهُ: {إِذْ جَاءَ
رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الصافات: 84]
(19/565)
وَقَوْلُهُ: {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ
وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ} [الصافات: 85] يَقُولُ حِينَ
قَالَ: يَعْنِي إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ: أَيُّ
شَيْءٍ تَعْبُدُونَ
(19/565)
وَقَوْلُهُ: {أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ
اللَّهِ تُرِيدُونَ} [الصافات: 86] يَقُولُ: أَكَذِبًا
مَعْبُودًا غَيْرَ اللَّهِ تُرِيدُونَ
(19/565)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ فَنَظَرَ
نَظْرَةً فِي [ص:566] النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ
فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ
فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ}
[الصافات: 88] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ
إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ: {فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ
الْعَالَمِينَ} [الصافات: 87] ؟ يَقُولُ: فَأَيُّ شَيْءٍ
تَظُنُّونَ أَيُّهَا الْقَوْمُ أَنَّهُ يَصْنَعُ بِكُمْ إِنْ
لَقِيتُمُوهُ وَقَدْ عَبَدْتُمْ غَيْرَهُ
(19/565)
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا
يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {فَمَا ظَنُّكُمْ
بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات: 87] يَقُولُ: «إِذَا
لَقِيتُمُوهُ وَقَدْ عَبَدْتُمْ غَيْرَهُ»
(19/566)
وَقَوْلُهُ: {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي
النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات: 89] ذَكَرَ
أَنَّ قَوْمَهُ كَانُوا أَهْلَ تَنْجِيمٍ، فَرَأَى نَجْمًا
قَدْ طَلَعَ، فَعَصَبَ رَأْسَهُ وَقَالَ: إِنِّي مَطْعُونٌ،
وَكَانَ قَوْمُهُ يَهْرَبُونَ مِنَ الطَّاعُونِ، فَأَرَادَ
أَنْ يَتْرُكُوهُ فِي بَيْتِ آلِهَتِهِمْ، وَيَخْرُجُوا
عَنْهُ، لِيُخَالِفَهُمْ إِلَيْهَا فَيَكْسِرُهَا وَبِنَحْوِ
الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(19/566)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي،
قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،
قَوْلُهُ: {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي
سَقِيمٌ} [الصافات: 89] قَالَ: " قَالُوا لَهُ وَهُوَ فِي
بَيْتِ آلِهَتِهِمُ: اخْرُجْ، فَقَالَ: إِنِّي مَطْعُونٌ،
فَتَرَكُوهُ مَخَافَةَ الطَّاعُونِ "
(19/566)
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ
عُلَيَّةَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيِّبِ {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقَالَ
إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات: 89] «رَأَى نَجْمًا طَلَعَ»
(19/567)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ،
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيِّبِ، أَنَّهُ رَأَى نَجْمًا طَلَعَ فَقَالَ {إِنِّي
سَقِيمٌ} [الصافات: 89] قَالَ: " كَايَدَ نَبِيُّ اللَّهِ عَنْ
دِينِهِ، فَقَالَ: إِنِّي سَقِيمٌ "
(19/567)
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ،
قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {فَنَظَرَ
نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات:
89] " قَالُوا لِإِبْرَاهِيمَ وَهُوَ فِي بَيْتِ آلِهَتِهِمُ:
اخْرُجْ مَعَنَا، فَقَالَ لَهُمْ: إِنِّي مَطْعُونٌ،
فَتَرَكُوهُ مَخَافَةَ أَنْ يَعْدِيَهُمْ "
(19/567)
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، فِي
قَوْلِ اللَّهِ: {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقَالَ
إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات: 89] قَالَ: " أَرْسَلَ إِلَيْهِ
مَلِكُهُمْ، فَقَالَ: إِنَّ غَدًا عِيدَنَا، فَاحْضَرْ
مَعَنَا، قَالَ: فَنَظَرَ إِلَى نَجْمٍ فَقَالَ: إِنَّ ذَلِكَ
النَّجْمَ لَمْ يَطْلُعْ قَطُّ إِلَّا طَلَعَ بِسَقْمٍ لِي،
فَقَالَ: {إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات: 89]
(19/567)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا
سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي
النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات: 89] " يَقُولُ
اللَّهُ: {فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ} [الصافات: 90]
(19/567)
وَقَوْلُهُ: {إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات:
89] أَيْ طَعِينٌ، أَوْ لِسَقَمٍ كَانُوا يَهْرَبُونَ مِنْهُ
إِذَا سَمِعُوا بِهِ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ إِبْرَاهِيمُ أَنْ
[ص:568] يَخْرُجُوا عَنْهُ، لِيَبْلُغَ مِنْ أَصْنَامِهِمُ
الَّذِي يُرِيدُ وَاخْتُلِفَ فِي وَجْهِ قِيلِ إِبْرَاهِيمَ
لِقَوْمِهِ: {إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات: 89] وَهُوَ صَحِيحٌ،
فَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ إِلَّا
ثَلَاثَ كَذِبَاتٍ»
(19/567)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: ثني
هِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "
وَلَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ غَيْرَ ثَلَاثِ كَذَبَاتٍ،
ثِنْتَيْنِ فِي ذَاتِ اللَّهِ، قَوْلُهُ: {إِنِّي سَقِيمٌ}
[الصافات: 89] وَقَوْلُهُ: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا}
[الأنبياء: 63] ، وَقَوْلُهُ فِي سَارَةَ: هِيَ أُخْتِي "
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: ثنا أَبِي، قَالَ:
ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني أَبُو الزِّنَادِ،
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ فِي شَيْءٍ قَطُّ
إِلَّا فِي ثَلَاثٍ» ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ
(19/568)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا
جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: " مَا كَذَبَ إِبْرَاهِيمُ
غَيْرَ ثَلَاثِ كَذِبَاتٍ، قَوْلُهُ: {إِنِّي سَقِيمٌ}
[الصافات: 89] ، وَقَوْلُهُ: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ
هَذَا} [الأنبياء: 63] ، وَإِنَّمَا قَالَهُ مَوْعِظَةً،
وَقَوْلُهُ حِينَ سَأَلَهُ [ص:569] الْمَلِكُ، فَقَالَ أُخْتِي
لَسَارَةُ، وَكَانَتِ امْرَأَتَهُ "
(19/568)
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ،
قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ،
قَالَ: " إِنَّ إِبْرَاهِيمَ مَا كَذَبَ إِلَّا ثَلَاثَ
كَذِبَاتٍ، ثِنْتَانِ فِي اللَّهِ، وَوَاحِدَةٌ فِي ذَاتِ
نَفْسِهِ؛ فَأَمَّا الثِّنْتَانِ فَقَوْلُهُ: {إِنِّي سَقِيمٌ}
[الصافات: 89] ، وَقَوْلُهُ: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ
هَذَا} [الأنبياء: 63] وَقِصَّتُهُ فِي سَارَةَ، وَذَكَرَ
قِصَّتَهَا وَقِصَّةَ الْمَلِكِ " وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّ
قَوْلَهُ {إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات: 89] كَلِمَةٌ فِيهَا
مِعْرَاضٌ، وَمَعْنَاهَا أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ فِي عُقْبَةِ
الْمَوْتِ فَهُوَ سَقِيمٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ حِينَ
قَالَهَا سَقَمٌ ظَاهِرٌ، وَالْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِلَافِ هَذَا الْقَوْلِ،
وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
هُوَ الْحَقُّ دُونَ غَيْرِهِ
(19/569)
قَوْلُهُ: {فَتَوَلَّوْا عَنْهُ
مُدْبِرِينَ} [الصافات: 90] يَقُولُ: فَتَوَلَّوْا عَنْ
إِبْرَاهِيمَ مُدْبِرِينَ عَنْهُ، خَوْفًا مِنْ أَنْ
يَعْدِيَهُمُ السَّقَمُ الَّذِي ذَكَرَ أَنَّهُ بِهِ
(19/569)
كَمَا: حُدِّثْتُ عَنْ يَحْيَى بْنِ
زَكَرِيَّا، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ
جُبَيْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
{إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات: 89] يَقُولُ: «مَطْعُونٌ
فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ» قَالَ سَعِيدٌ: إِنْ كَانَ
الْفِرَارُ مِنَ الطَّاعُونِ لَقَدِيمًا
(19/569)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ،
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {فَتَوَلَّوْا} [الصافات:
90] «فَنَكَصُوا عَنْهُ» {مُدْبِرِينَ} [الصافات: 90]
«مُنْطَلِقِينَ»
(19/569)
وَقَوْلُهُ: {فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ}
[الصافات: 91] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَمَالَ إِلَى
آلِهَتِهِمْ بَعْدَمَا خَرَجُوا عَنْهُ وَأَدْبَرُوا؛ وَأَرَى
أَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ: رَاغَ فُلَانٌ عَنْ
فُلَانٍ: إِذَا حَادَ عَنْهُ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ إِذَا كَانَ
كَذَلِكَ: فَرَاغَ عَنْ قَوْمِهِ وَالْخُرُوجِ مَعَهُمْ إِلَى
آلِهَتِهِمْ؛ كَمَا قَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ:
[البحر الخفيف]
حِينَ لَا يَنْفَعُ الرَّوَاغُ وَلَا يَنْـ ... فَعُ إِلَّا
الْمُصَادِقُ النِّحْرِيرُ
يَعْنِي بِقَوْلِهِ: لَا يَنْفَعُ الرَّوَاغُ: الْحِيَادُ
أَمَّا أَهْلُ التَّأْوِيلِ فَإِنَّهُمْ فَسَّرُوهُ بِمَعْنَى
فَمَالَ
(19/570)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ
قَتَادَةَ {فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ} [الصافات: 91] " أَيْ
فَمَالَ إِلَى آلِهَتِهِمْ، قَالَ: ذَهَبَ "
(19/570)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا
أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ:
{فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ} [الصافات: 91] قَالَ: «ذَهَبَ»
(19/570)
وَقَوْلُهُ: {فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ
مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُونَ} [الصافات: 92] هَذَا خَبَرٌ مِنَ
اللَّهِ عَنْ قِيلِ إِبْرَاهِيمَ لِلْآلِهَةِ؛ وَفِي
الْكَلَامِ مَحْذُوفٌ اسْتَغْنَى بِدَلَالَةِ الْكَلَامِ
عَلَيْهِ مِنْ ذِكْرِهِ، وَهُوَ: فَقَرَّبَ إِلَيْهَا
الطَّعَامَ فَلَمْ يَرَهَا تَأْكُلُ، فَقَالَ لَهَا: {أَلَا
تَأْكُلُونَ} [الصافات: 91] فَلَمَّا لَمْ يَرَهَا تَأْكُلُ
[ص:571] قَالَ لَهَا: مَا لَكُمْ لَا تَأْكُلُونَ، فَلَمْ
يَرَهَا تَنْطِقُ، فَقَالَ لَهَا: {مَا لَكُمْ لَا
تَنْطِقُونَ} [الصافات: 92] مُسْتَهْزِئًا بِهَا، وَكَذَلِكَ
ذَكَرَ أَنَّهُ فَعَلَ بِهَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْخَبَرَ
بِذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْلُ
(19/570)
وَقَالَ قَتَادَةُ فِي ذَلِكَ مَا:
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ،
عَنْ قَتَادَةَ {فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ} [الصافات: 91]
«يَسْتَنْطِقُهُمْ» {مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ} [الصافات:
92] ؟ "
(19/571)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ
فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا
تَنْحِتُونَ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}
[الصافات: 94] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَمَالَ عَلَى
آلِهَةِ قَوْمِهِ ضَرْبًا لَهَا بِالْيَمِينِ بِفَأْسٍ فِي
يَدِهِ يَكْسَرُهُنَّ
(19/571)
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ،
قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ
أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَمَّا خَلَا جَعَلَ
يَضْرِبُ آلِهَتَهُمْ بِالْيَمِينِ» حُدِّثْتُ عَنِ
الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ:
أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، فَذَكَرَ
مِثْلَهُ
(19/571)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ،
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ
ضَرْبًا بِالْيَمِينِ} [الصافات: 93] «فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمْ
يَكْسَرُهُمْ»
(19/571)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا
سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: «ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ
كَمَا قَالَ اللَّهُ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ، ثُمَّ جَعَلَ
يَكْسَرُهُنَّ بِفَأْسٍ فِي يَدِهِ» [ص:572] وَكَانَ بَعْضُ
أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَتَأَوَّلُ ذَلِكَ بِمَعْنَى: فَرَاغَ
عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْقُوَّةِ وَالْقُدْرَةِ، وَيَقُولُ:
الْيَمِينُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْقُوَّةُ وَبَعْضُهُمْ
كَانَ يَتَأَوَّلُ الْيَمِينَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ:
الْحَلِفُ، وَيَقُولُ: جَعَلَ يَضْرِبُهُنَّ بِالْيَمِينِ
الَّتِي حَلَفَ بِهَا بِقَوْلِهِ: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ
أَصنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ} [الأنبياء:
57] ، وَذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ:
«فَرَاغَ عَلَيْهِمْ صَفْقًا بِالْيَمِينِ»
(19/571)
وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنِ الْحَسَنِ
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ،
قَالَ: ثنا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْجُشَمِيُّ، قَالَ:
سَمِعْتُ الْحَسَنَ، قَرَأَ: «فَرَاغَ عَلَيْهِمْ صَفْقًا
بِالْيَمِينِ» : أَيْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ
(19/572)
وَقَوْلُهُ: {فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ
يَزِفُّونَ} [الصافات: 94] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي
قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ
الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ:
{فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ} [الصافات: 94] بِفَتْحِ
الْيَاءِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ مِنْ قَوْلِهِمْ: زَفَّتِ
النَّعَامَةُ، وَذَلِكَ أَوَّلُ عَدْوِهَا وَآخَرُ مَشْيِهَا؛
وَمِنْهُ قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ:
[البحر الطويل]
وَجَاءَ قَرِيعُ الشَّوْلِ قَبْلَ إِفَالِهَا ... يَزِفُّ
وَجَاءَتْ خَلْفَهُ وَهْيَ زُفَّفُ
(19/572)
وَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ
الْكُوفَةِ: (يُزِفُّونَ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِ
الْفَاءِ مِنْ أَزَفَّ فَهُوَ يَزِفُّ وَكَانَ الْفَرَّاءُ
يَزْعُمُ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ فِي ذَلِكَ إِلَّا زَفَفَتْ،
وَيَقُولُ: لَعَلَّ قِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَهُ: (يُزِفُّونَ)
بِضَمِّ الْيَاءِ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: أَطْرَدْتُ
الرَّجُلَ: أَيْ صَيَّرْتُهُ طَرِيدًا، وَطَرَدْتَهُ: إِذَا
أَنْتَ خَسِئْتَهُ إِذَا قُلْتَ: اذْهَبْ عَنَّا؛ فَيَكُونُ
يُزِفُّونَ: أَيْ جَاءُوا عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ
بِمَنْزِلَةِ الْمَزْفُوفَةِ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ،
فَتَدْخُلُ الْأَلْفُ كَمَا تَقُولُ: أَحْمَدْتُ الرَّجُلَ:
إِذَا أَظْهَرْتَ حَمْدَهُ، وَهُوَ مُحَمَّدٍ: إِذَا رَأَيْتُ
أَمْرَهُ إِلَى الْحَمْدِ، وَلَمْ تَنْشُرْ حَمْدَهُ؛ قَالَ:
وَأَنْشَدَنِي الْمُفَضَّلُ:
[البحر الطويل]
تَمَنَّى حُصَيْنٌ أَنْ يَسُودَ جِذَاعَهُ ... فَأَمْسَى
حُصَيْنٌ قَدْ أَذَلَّ وَأَقْهَرَا
فَقَالَ: أَقْهَرَ، وَإِنَّمَا هُوَ قَهَرَ، وَلَكِنَّهُ
أَرَادَ صَارَ إِلَى حَالِ قَهْرٍ وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ
«يَزِفُونَ» بِفَتْحِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِ الْفَاءِ مِنْ
وَزِفَ يَزِفُ، وَذُكِرَ عَنِ الْكِسَائِيِّ أَنَّهُ لَا
يَعْرِفُهَا، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: لَا أَعْرِفُهَا إِلَّا
أَنْ تَكُونَ لُغَةً لَمْ أَسْمَعْهَا، وَذُكِرَ عَنْ
مُجَاهِدٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الْوَزِفُ: النَّسَلَانُ
(19/573)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ:
ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي
الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ،
جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ:
{إِلَيْهِ يَزِفُّونَ} [الصافات: 94] قَالَ: " الْوَزِيفُ:
النَّسَلَانُ " [ص:574] وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي
ذَلِكَ عِنْدَنَا قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ بِفَتْحِ الْيَاءِ
وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الصَّحِيحُ
الْمَعْرُوفُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، وَالَّذِي عَلَيْهِ
قِرَاءَةُ الْفُصَحَاءِ مِنَ الْقُرَّاءِ وَقَدِ اخْتَلَفَ
أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَاهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ:
مَعْنَاهُ: فَأَقْبَلَ قَوْمُ إِبْرَاهِيمَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ
يَجْرُونَ
(19/573)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ،
عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {فَأَقْبَلُوا
إِلَيْهِ يَزِفُّونَ} [الصافات: 94] «فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ
يَجْرُونَ» وَقَالَ آخَرُونَ: أَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَمْشُونَ
(19/574)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ
الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي
قَوْلِهِ: {فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ} [الصافات: 94]
قَالَ: يَمْشُونَ " وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: فَأَقْبَلُوا
يَسْتَعْجِلُونَ
(19/574)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ
زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ {فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ}
[الصافات: 94] قَالَ: " يَسْتَعْجِلُونَ، قَالَ: يَزِفُّ:
يَسْتَعْجِلُ "
(19/574)
وَقَوْلُهُ: {قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا
تَنْحِتُونَ} [الصافات: 95] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ
إِبْرَاهِيمُ لِقَوْمِهِ: أَتَعْبُدُونَ أَيُّهَا الْقَوْمُ
مَا تَنْحِتُونَ بِأَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَصْنَامِ
(19/575)
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا
يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {قَالَ
أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} [الصافات: 95] «الْأَصْنَامَ»
(19/575)
وَقَوْلُهُ: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا
تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ
مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ إِبْرَاهِيمَ لِقَوْمِهِ: وَاللَّهُ
خَلَقَكُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ وَمَا تَعْمَلُونَ وَفِي
قَوْلِهِ: {وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96] وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: مَا بِمَعْنَى
الْمَصْدَرِ، فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ حِينَئِذٍ:
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَعَمَلَكُمْ وَالْآخَرُ أَنْ يَكُونَ
بِمَعْنَى الَّذِي، فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ عِنْدَ
ذَلِكَ: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَالَّذِي تَعْمَلُونَهُ: أَيْ
وَالَّذِي تَعْمَلُونَ مِنْهُ الْأَصْنَامَ، وَهُوَ الْخَشَبُ
وَالنَّحَاسُ وَالْأَشْيَاءُ الَّتِي كَانُوا يَنْحِتُونَ
مِنْهَا أَصْنَامَهُمْ
(19/575)
وَهَذَا الْمَعْنَى الثَّانِي قَصَدَ إِنْ
شَاءَ اللَّهُ قَتَادَةُ بِقَوْلِهِ الَّذِي: حَدَّثَنَا
بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ
قَتَادَةَ: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}
[الصافات: 96] بِأَيْدِيكُمْ "
(19/575)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي
الْجَحِيمِ فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ
الْأَسْفَلِينَ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي
سَيَهْدِينِ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات: 98]
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ قَوْمُ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا
قَالَ لَهُمْ إِبْرَاهِيمُ: {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 95]
ابْنُوا لِإِبْرَاهِيمَ بُنْيَانًا ذُكِرَ أَنَّهُمْ بَنَوْا
لَهُ [ص:576] بُنْيَانًا يُشْبِهُ التَّنُّورَ، ثُمَّ نَقَلُوا
إِلَيْهِ الْحَطَبَ، وَأَوْقِدُوا عَلَيْهِ {فَأَلْقُوهُ فِي
الْجَحِيمِ} [الصافات: 97] وَالْجَحِيمُ عِنْدَ الْعَرَبِ:
جَمْرُ النَّارِ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ، وَالنَّارُ عَلَى
النَّارِ
(19/575)
وَقَوْلُهُ: {فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا}
[الصافات: 98] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَأَرَادَ قَوْمُ
إِبْرَاهِيمَ بِإِبْرَاهِيمَ كَيْدًا، وَذَلِكَ مَا كَانُوا
أَرَادُوا مِنْ إِحْرَاقِهِ بِالنَّارِ يَقُولُ اللَّهُ:
{فَجَعَلْنَاهُمْ} [الأنبياء: 70] أَيْ فَجَعَلْنَا قَوْمَ
إِبْرَاهِيمَ {الْأَسْفَلِينَ} [الصافات: 98] يَعْنِي
الْأَذَلِّينَ حُجَّةً، وَغَلَّبْنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمْ
بِالْحُجَّةِ، وَأَنْقَذْنَاهُ مِمَّا أَرَادُوا بِهِ مِنَ
الْكَيْدِ
(19/576)
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا
يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {وَأَرَادُوا
بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ} قَالَ: «فَمَا
نَاظَرَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى أَهْلَكَهُمْ»
(19/576)
وَقَوْلُهُ: {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى
رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الصافات: 99] يَقُولُ: وَقَالَ
إِبْرَاهِيمُ لَمَّا أَفْلَجَهُ اللَّهُ عَلَى قَوْمِهِ
وَنَجَّاهُ مِنْ كَيْدِهِمْ: {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي}
[الصافات: 99] يَقُولُ: إِنِّي مُهَاجِرٌ مِنْ بَلْدَةِ
قَوْمِي إِلَى اللَّهِ: أَيْ إِلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ،
وَمُفَارِقُهُمْ، فَمُعْتَزِلُهُمْ لِعِبَادَةِ اللَّهِ
(19/576)
وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا:
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ،
عَنْ قَتَادَةَ: {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي
سَيَهْدِينِ} [الصافات: 99] «ذَاهِبٌ بِعَمَلِهِ وَقَلْبِهِ
وَنِيَّتِهِ» وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ: إِنَّمَا قَالَ
إِبْرَاهِيمُ {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي} [الصافات: 99]
حِينَ أَرَادُوا أَنْ يُلْقُوهُ فِي النَّارِ
(19/576)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ:
ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، [ص:577] قَالَ: سَمِعْتُ
سُلَيْمَانَ بْنَ صَرَدَ، يَقُولُ: " لَمَّا أَرَادُوا أَنْ
يُلْقُوا إِبْرَاهِيمَ فِي النَّارِ {قَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ
إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الصافات: 99] فَجُمِعَ الْحَطَبُ،
فَجَاءَتْ عَجُوزٌ عَلَى ظَهْرِهَا حَطَبٌ، فَقِيلَ لَهَا:
أَيْنَ تُرِيدِينَ؟ قَالَتْ: أُرِيدُ أَذْهَبُ إِلَى هَذَا
الرَّجُلِ الَّذِي يُلْقَى فِي النَّارِ؛ فَلَمَّا أُلْقِيَ
فِيهَا، قَالَ: حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ، أَوْ
قَالَ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، قَالَ: فَقَالَ
اللَّهُ: {يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى
إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء: 69] ، قَالَ: فَقَالَ ابْنُ لُوطٍ،
أَوِ ابْنُ أَخِي لُوطٍ: إِنَّ النَّارَ لَمْ تُحْرِقْهُ مِنْ
أَجْلِيَ، وَكَانَ بَيْنَهُمَا قَرَابَةٌ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ
عَلَيْهِ عُنُفًا مِنَ النَّارِ فَأَحْرَقَتْهُ " وَإِنَّمَا
اخْتَرْتُ الْقَوْلَ الَّذِي قُلْتُ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّ
اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ذَكَرَ خَبَرَهُ وَخَبَرَ
قَوْمِهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، فَأُخْبِرَ أَنَّهُ لَمَّا
نَجَّاهُ مِمَّا حَاوَلَ قَوْمُهُ مِنْ إِحْرَاقِهِ قَالَ
{إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي} [العنكبوت: 26] فَفَسَّرَ
أَهْلُ التَّأْوِيلِ ذَلِكَ أَنَّ مَعْنَاهُ: إِنِّي مُهَاجِرٌ
إِلَى أَرْضِ الشَّامِ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {إِنِّي ذَاهِبٌ
إِلَى رَبِّي} [الصافات: 99] لِأَنَّهُ كَقَوْلِهِ: {إِنِّي
مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي} [العنكبوت: 26] وَقَوْلُهُ:
{سَيَهْدِينِ} [الصافات: 99] يَقُولُ: سَيُثَبِّتُنِي عَلَى
الْهُدَى الَّذِي أَبْصَرْتُهُ، وَيُعِينُنِي عَلَيْهِ
(19/576)
وَقَوْلُهُ: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ
الصَّالِحِينَ} [الصافات: 100] وَهَذَا مَسْأَلَةُ
إِبْرَاهِيمَ رَبَّهُ أَنْ يَرْزُقَهُ وَلَدًا صَالِحًا؛
يَقُولُ: قَالَ: يَا رَبِّ هَبْ لِي مِنْكَ وَلَدًا يَكُونُ
مِنَ الصَّالِحِينَ الَّذِينَ يُطِيعُونَكَ، وَلَا
يَعْصُونَكَ، وَيُصْلِحُونَ فِي الْأَرْضِ، وَلَا يُفْسِدُونَ
(19/577)
كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ:
ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: {رَبِّ هَبْ
لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات: 100] قَالَ: «وَلَدًا
صَالِحًا» [ص:578] وَقَالَ: مِنَ الصَّالِحِينَ، وَلَمْ
يَقُلْ: صَالِحًا مِنَ الصَّالِحِينَ، اجْتِزَاءً بِمَنْ
ذَكَرَ مِنَ الْمَتْرُوكِ، كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ:
{وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} [يوسف: 20] بِمَعْنَى
زَاهِدِينَ مِنَ الزَّاهِدِينَ
(19/577)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ فَلَمَّا بَلَغَ
مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي
الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ
يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ
اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات: 102] يَقُولُ تَعَالَى
ذِكْرُهُ: فَبَشَّرْنَا إِبْرَاهِيمَ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ،
يَعْنِي بِغُلَامٍ ذِي حِلْمٍ إِذَا هُوَ كَبُرَ، فَأَمَّا فِي
طُفُولَتِهِ فِي الْمَهْدِ، فَلَا يُوصَفُ بِذَلِكَ وَذُكِرَ
أَنَّ الْغُلَامَ الَّذِي بَشَّرَ اللَّهُ بِهِ إِبْرَاهِيمَ
إِسْحَاقَ
(19/578)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ،
قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ:
{فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} [الصافات: 101] قَالَ:
«هُوَ إِسْحَاقُ»
(19/578)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ،
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ
حَلِيمٍ} [الصافات: 101] " بُشِّرَ بِإِسْحَاقَ، قَالَ: لَمْ
يُثْنِ بِالْحِلْمِ عَلَى أَحَدٍ غَيْرَ إِسْحَاقَ
وَإِبْرَاهِيمَ "
(19/578)
وَقَوْلُهُ: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ
السَّعْيَ} [الصافات: 102] يَقُولُ: فَلَمَّا بَلَغَ
الْغُلَامُ الَّذِي بُشِّرَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ مَعَ
إِبْرَاهِيمَ الْعَمَلَ، وَهُوَ السَّعْيُ، وَذَلِكَ حِينَ
أَطَاقَ مَعُونَتَهُ عَلَى عَمَلِهِ [ص:579] وَقَدِ اخْتَلَفَ
أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ
نَحْوَ الَّذِي قُلْنَا فِيهِ
(19/578)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ،
عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {فَلَمَّا
بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} [الصافات: 102] يَقُولُ: «الْعَمَلَ»
(19/579)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ:
ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي
الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ،
جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي
قَوْلِهِ: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} [الصافات: 102]
قَالَ: «لَمَّا شَبَّ حَتَّى أَدْرَكَ سَعْيُهُ سَعْيَ
إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَمَلِ» حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ:
ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي
نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلُهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ:
لَمَّا شَبَّ حِينَ أَدْرَكَ سَعْيَهُ
(19/579)
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا
ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ
مُجَاهِدٍ {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} [الصافات: 102]
قَالَ: «سَعْيُ إِبْرَاهِيمَ»
(19/579)
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا
سَهْلُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ
مُجَاهِدٍ {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} [الصافات: 102]
«سَعْيُ إِبْرَاهِيمَ»
(19/579)
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ:
{فَلَمَّا بَلَغَ [ص:580] مَعَهُ السَّعْيَ} [الصافات: 102]
قَالَ: «السَّعْيُ هَاهُنَا الْعِبَادَةُ» وَقَالَ آخَرُونَ:
مَعْنَى ذَلِكَ: فَلَمَّا مَشَى مَعَ إِبْرَاهِيمَ
(19/579)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ
قَتَادَةَ {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} [الصافات: 102]
«أَيْ لَمَّا مَشَى مَعَ أَبِيهِ»
(19/580)
وَقَوْلُهُ: {قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي
أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات: 102]
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ
الرَّحْمَنِ لِابْنِهِ: {يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي
الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات: 102] وَكَانَ فِيمَا
ذُكِرَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ نَذَرَ حِينَ بَشَرَتْهُ
الْمَلَائِكَةُ بِإِسْحَاقَ وَلَدًا أَنْ يَجْعَلَهُ إِذَا
وَلَدَتْهُ سَارَةُ لِلَّهِ ذَبِيحًا؛ فَلَمَّا بَلَغَ
إِسْحَاقُ مَعَ أَبِيهِ السَّعْيَ أُرِيَ إِبْرَاهِيمُ فِي
الْمَنَامِ، فَقِيلَ لَهُ: أَوْفِ لِلَّهِ بِنَذْرِكَ،
وَرُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ يَقِينٌ، فَلِذَلِكَ مَضَى لَمَّا
رَأَى فِي الْمَنَامِ، وَقَالَ لَهُ ابْنُهُ إِسْحَاقُ مَا
قَالَ
(19/580)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ،
قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: " قَالَ
جَبْرَائِيلُ لِسَارَةَ: أَبْشِرِي بِوَلَدٍ اسْمُهُ
إِسْحَاقُ، وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبُ، فَضَرَبَتْ
جَبْهَتَهَا عَجَبًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {فَصَكَّتْ
وَجْهَهَا} [الذاريات: 29] ، وَ {قَالَتْ يَا وَيْلَتَى
أَأَلِدُ [ص:581] وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي} [هود: 72]
شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ إِلَى قَوْلِهِ:
{حُمَيْدٌ مَجِيدٌ} [هود: 73] قَالَتْ سَارَةُ لِجِبْرِيلَ:
مَا آيَةُ ذَلِكَ؟ فَأَخَذَ بِيَدِهِ عُودًا يَابِسًا،
فَلَوَّاهُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، فَاهْتَزَّ أَخْضَرَ، فَقَالَ
إِبْرَاهِيمُ: هُوَ لِلَّهِ إِذَنْ ذَبِيحٌ؛ فَلَمَّا كَبُرَ
إِسْحَاقُ أُتِيَ إِبْرَاهِيمُ فِي النَّوْمِ، فَقِيلَ لَهُ:
أَوْفِ بِنَذْرِكَ الَّذِي نَذَرْتَ، إِنَّ اللَّهَ رَزَقَكَ
غُلَامًا مِنْ سَارَةَ أَنْ تَذْبَحَهُ، فَقَالَ لِإِسْحَاقَ:
انْطَلِقْ نُقَرِّبْ قُرْبَانًا إِلَى اللَّهِ، وَأَخَذَ
سِكِّينًا وَحَبْلًا، ثُمَّ انْطَلَقَ مَعَهُ حَتَّى إِذَا
ذَهَبَ بِهِ بَيْنَ الْجِبَالِ قَالَ لَهُ الْغُلَامُ: يَا
أَبَتِ أَيْنَ قُرْبَانُكَ؟ {قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى
فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى،
قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنَّ
شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات: 102] فَقَالَ
لَهُ إِسْحَاقُ: يَا أَبَتِ أَشْدُدْ رِبَاطِي حَتَّى لَا
أَضْطَرِبُ، وَاكْفُفْ عَنِّي ثِيَابَكَ حَتَّى لَا يَنْتَضِحَ
عَلَيْهَا مِنْ دَمِي شَيْءٌ، فَتَرَاهُ سَارَةُ فَتَحْزَنُ،
وَأَسْرِعْ مَرَّ السِّكِّينِ عَلَى حَلْقِي لِيَكُونَ
أَهْوَنَ لِلْمَوْتِ عَلَيَّ، فَإِذَا أَتَيْتَ سَارَةَ
فَاقْرَأْ عَلَيْهَا مِنِّي السَّلَامَ؛ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ
إِبْرَاهِيمُ يُقَبِّلُهُ وَقَدْ رَبَطَهُ وَهُوَ يَبْكِي
وَإِسْحَاقُ يَبْكِي، حَتَّى اسْتَنْقَعَ الدُّمُوعُ تَحْتَ
خَدِّ إِسْحَاقَ، ثُمَّ إِنَّهُ جَرَّ السِّكِّينَ عَلَى
حَلْقِهِ، فَلَمْ تَحُكَّ السِّكِّينَ، وَضَرَبَ اللَّهُ
صَفِيحَةً مِنْ نُحَاسٍ عَلَى حَلْقِ إِسْحَاقَ؛ فَلَمَّا
رَأَى ذَلِكَ ضَرَبَ بِهِ عَلَى جَبِينَهُ، وَحَزَّ مِنْ
قَفَاهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {فَلَمَّا أَسْلَمَا} [الصافات:
103] يَقُولُ: سَلَّمَا لِلَّهِ الْأَمْرَ {وَتَلَّهُ
لِلْجَبِينِ} [الصافات: 103] فَنُودِيَ يَا إِبْرَاهِيمُ {قَدْ
صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} [الصافات: 105] بِالْحَقِّ فَالْتَفَتَ
فَإِذَا بِكَبْشٍ، فَأَخَذَهُ وَخَلَّى عَنِ ابْنِهِ،
فَأَكَبَّ عَلَى ابْنِهِ يُقَبِّلُهُ، وَهُوَ يَقُولُ:
الْيَوْمَ يَا بُنَيَّ وُهِبْتَ لِي؛ فَلِذَلِكَ يَقُولُ
اللَّهُ: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107]
فَرَجَعَ إِلَى سَارَةَ فَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ، فَجَزِعَتْ
سَارَةُ وَقَالَتْ: يَا إِبْرَاهِيمُ أَرَدْتَ أَنْ تَذْبَحَ
ابْنِي وَلَا تُعْلِمْنِي؟ "
(19/580)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ،
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {يَا بُنَيَّ
إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات:
102] قَالَ: «رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءُ حَقٌّ إِذَا رَأَوْا فِي
الْمَنَامِ شَيْئًا فَعَلُوهُ»
(19/582)
حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ:
ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ
عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ:
«رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ» ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ:
{إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات:
102]
(19/582)
قَوْلُهُ: {فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى}
[الصافات: 102] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ
قَوْلِهِ: {مَاذَا تَرَى} [الصافات: 102] ، فَقَرَأَتْهُ
عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ،
وَبَعْضُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ: {فَانْظُرْ مَاذَا
تَرَى} [الصافات: 102] بِفَتْحِ التَّاءِ، بِمَعْنَى: أَيَّ
شَيْءٍ تَأْمُرُ، أَوْ فَانْظُرْ مَا الَّذِي تَأْمُرُ،
وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: (مَاذَا تُرَى)
بِضَمِّ التَّاءِ، بِمَعْنَى: مَاذَا تُشِيرُ، وَمَاذَا تَرَى
مِنْ صَبْرِكَ أَوْ جَزَعِكَ مِنَ الذَّبْحِ؟ وَالَّذِي هُوَ
أَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ
قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ: {مَاذَا تَرَى} [الصافات: 102]
بِفَتْحِ التَّاءِ، بِمَعْنَى: مَاذَا تَرَى مِنَ الرَّأْيِ
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَوَكَانَ إِبْرَاهِيمُ يُؤَامِرُ
ابْنَهُ فِي الْمُضِيِّ لِأَمْرِ اللَّهِ، وَالِانْتِهَاءَ
إِلَى طَاعَتِهِ؟
(19/582)
قِيلَ: لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْهُ
مُشَاوَرَةً لِابْنِهِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَلَكِنَّهُ كَانَ
مِنْهُ لِيَعْلَمَ مَا عِنْدَ ابْنِهِ مِنَ الْعَزْمِ: هَلْ
هُوَ مِنَ الصَّبْرِ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ عَلَى مِثْلِ
الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ، فَيُسَرُّ بِذَلِكَ أَمْ لَا، وَهُوَ
فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا مَاضٍ لِأَمْرِ اللَّهِ
(19/583)
وَقَوْلُهُ: {قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا
تُؤْمَرُ} [الصافات: 102] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ
إِسْحَاقُ لِأَبِيهِ: يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا يَأْمُرُكَ بِهِ
رَبُّكَ مِنْ ذَبْحِي، {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ
الصَّابِرِينَ} [الصافات: 102] يَقُولُ: سَتَجِدُنِي إِنْ
شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا مِنَ الصَّابِرِينَ لِمَا يَأْمُرُنَا
بِهِ رَبُّنَا، وَقَالَ: افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ، وَلَمْ يَقُلْ:
مَا تُؤْمَرُ بِهِ، لِأَنَّ الْمَعْنَى: افْعَلِ الْأَمْرَ
الَّذِي تُؤْمَرُهُ، وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ
عَبْدِ اللَّهِ: «إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ. . . افْعَلْ
مَا أُمِرْتَ بِهِ»
(19/583)
|