تفسير الطبري
جامع البيان ط هجر سُورَةُ التَّكْوِيرِ مَكِّيَّةٌ
وَآيَاتُهَا تِسْعٌ وَعِشْرُونَ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ
(24/128)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ
انْكَدَرَتْ وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ وَإِذَا الْعِشَارُ
عُطِّلَتْ} [التكوير: 2] اخْتَلَفَ أَهْلُ الْتَأْوِيلِ فِي
تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1]
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: إِذَا الشَّمْسُ ذَهَبَ
ضَوْءُهَا
(24/128)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَرِيقِ، قَالَ: ثنا الْفَضْلُ بْنُ
مُوسَى، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ
أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، قَالَ: ثني أُبَيُّ بْنُ
كَعْبٍ، قَالَ: سِتُّ آيَاتٍ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ:
بَيْنَا النَّاسُ فِي أَسْوَاقِهِمْ، إِذْ ذَهَبَ ضَوْءُ
الشَّمْسِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ، إِذْ تَنَاثَرَتِ
النُّجُومُ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ، إِذْ وَقَعَتِ
الْجِبَالُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، فَتَحَرَّكَتْ
وَاضْطَرَبَتْ وَاحْتَرَقَتْ، وَفَزِعَتِ الْجِنُّ إِلَى
الْإِنْسِ، وَالْإِنْسُ إِلَى الْجِنِّ، وَاخْتَلَطَتِ
الدَّوَابُّ وَالطَّيْرُ وَالْوَحْشُ، وَمَاجُوا بَعْضُهُمْ
فِي بَعْضِ {وَإِذَا الْوحُوشُ حُشِرَتْ} [التكوير: 5] قَالَ:
اخْتَلَطَتْ {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ} [التكوير: 4]
قَالَ: أَهْمَلَهَا أَهْلُهَا {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ}
[التكوير: 6] قَالَ: قَالَتِ الْجِنُّ لِلْإِنْسُ: نَحْنُ
نَأْتِيكُمْ بِالْخَبَرِ؛ قَالَ: فَانْطَلَقُوا إِلَى
الْبِحَارِ، فَإِذَا هِيَ نَارٌ تَأَجَّجُ؛ قَالَ: فَبَيْنَمَا
هُمْ كَذَلِكَ إِذْ تَصَدَّعَتِ الْأَرْضُ صَدْعَةً وَاحِدَةً،
إِلَى الْأَرْضِ السَّابِعَةِ السُّفْلَى، وَإِلَى السَّمَاءِ
السَّابِعَةِ الْعُلْيَا؛ قَالَ: فَبَيْنَمَا هُمْ [ص:129]
كَذَلِكَ إِذْ جَاءَتْهُمُ الرِّيحُ فَأَمَاتَتْهُمْ
(24/128)
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو
صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1]
يَقُولُ: أَظْلَمَتْ
(24/129)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ:
ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ
أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {إِذَا الشَّمْسُ
كُوِّرَتْ} [التكوير: 1] يَعْنِي: ذَهَبَتْ
(24/129)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ،
حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا
إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، {إِذَا
الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1] قَالَ: اضْمَحَلَّتْ
وَذَهَبَتْ
(24/129)
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، وَابْنُ
الْمُثَنَّى، قَالَا: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا
شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {إِذَا الشَّمْسُ
كُوِّرَتْ} [التكوير: 1] قَالَ: ذَهَبَ ضَوْءُهَا [ص:130]
فَلَا ضَوْءَ لَهَا
(24/129)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا
يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، فِي
قَوْلِهِ: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1] قَالَ:
غُوِّرَتْ، وَهِيَ بِالْفَارِسِيَّةِ، كَوَّرَ تَكَوَّرُ
(24/130)
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ:
سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ، فِي قَوْلِهِ: {إِذَا
الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1] أَمَّا تَكْوِيرُ
الشَّمْسِ: فَذَهَابُهَا
(24/130)
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا
ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ،
فِي قَوْلِهِ {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1] قَالَ:
كُوِّرَتْ كَوْرًا بِالْفَارِسِيَّةِ وَقَالَ آخَرُونَ:
مَعْنَى ذَلِكَ: رُمِيَ بِهَا
(24/130)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا عَثَّامُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، فِي
قَوْلِهِ: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1] قَالَ:
نُكِّسَتْ [ص:131] حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ الْمَسْرُوقِيُّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
بِشْرٍ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ مِثْلَهُ
(24/130)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى،
قَالَ: ثنا بَدَلُ بْنُ الْمُحَبَّرِ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ،
قَالَ: سَمِعْتُ إِسْمَاعِيلَ، سَمِعَ أَبَا صَالِحٍ، فِي
قَوْلِهِ {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1] قَالَ:
أُلْقِيَتْ
(24/131)
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا
وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي يَعْلَى،
عَنْ رَبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ، {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}
[التكوير: 1] قَالَ: رُمِيَ بِهَا حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ،
قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
أَبِي يَعْلَى، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ، مِثْلَهُ
وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا: أَنْ
يُقَالَ {كُوِّرَتْ} [التكوير: 1] كَمَا قَالَ اللَّهُ جَلَّ
ثَنَاؤُهُ وَالتَّكْوِيرُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: جَمْعُ
بَعْضِ الشَّيْءِ إِلَى بَعْضٍ، وَذَلِكَ كَتَكْوِيرِ
الْعِمَامَةِ، وَهُوَ لَفُّهَا عَلَى الرَّأْسِ،
وَكَتَكْوِيِرِ الْكَارِهِ، وَهِيَ جَمْعُ الثِّيَابِ
بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ، وَلَفُّهَا، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ:
{إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1] إِنَّمَا مَعْنَاهُ:
جَمْعُ بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ، ثُمَّ لُفَّتْ فَرُمِيَ بِهَا،
وَإِذَا فُعِلَ ذَلِكَ بِهَا ذَهَبَ ضَوْءُهَا. فَعَلَى
الْتَأْوِيلِ الَّذِي تَأَوَّلْنَاهُ لِكِلَا الْقَوْلَيْنِ
اللَّذَيْنِ ذَكَرْتُ عَنْ أَهْلِ الْتَأْوِيلِ وَجْهٌ
صَحِيحٌ، وَذَلِكَ أَنَّهَا إِذَا كُوِّرَتْ وَرُمِيَ بِهَا،
ذَهَبَ ضَوْءُهَا
(24/131)
وَقَوْلُهُ: {وَإِذَا النُّجُومُ
انْكَدَرَتْ} [التكوير: 2] يَقُولُ: وَإِذَا النُّجُومُ
تَنَاثَرَتْ مِنَ السَّمَاءِ فَتَسَاقَطَتْ، وَأَصْلُ
الِانْكِدَارِ: الِانْصِبَابُ، كَمَا قَالَ الْعَجَّاجُ:
[البحر الرجز]
أَبْصَرَ خِرْبَانَ فَضَاءٍ فَانْكَدَرْ
يَعْنِي بِقَوْلِهِ: انْكَدَرَ: انْصَبَّ
(24/132)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ أَبِي يَعْلَى، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ،
{وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ} [التكوير: 2] قَالَ:
تَنَاثَرَتْ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ،
عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي يَعْلَى، عَنِ
الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ، مِثْلَهُ
(24/132)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ،
قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
إِسْرَائِيلُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ،
{وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ} [التكوير: 2] قَالَ:
تَنَاثَرَتْ
(24/132)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْرُوقِيُّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ
بْنُ بِشْرٍ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ،
فِي قَوْلِهِ {وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ} [التكوير: 2]
قَالَ: انْتَثَرَتْ
(24/132)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ،
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، {وَإِذَا النُّجُومُ
انْكَدَرَتْ} [التكوير: 2] قَالَ: تَسَاقَطَتْ وَتَهَافَتَتْ
(24/133)
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ:
{وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ} [التكوير: 2] قَالَ: رُمِيَ
بِهَا مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ وَقَالَ آخَرُونَ:
انْكَدَرَتْ: تَغَيَّرَتْ
(24/133)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ،
عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، {وَإِذَا النُّجُومُ
انْكَدَرَتْ} [التكوير: 2] يَقُولُ: تَغَيَّرَتْ
(24/133)
وَقَوْلُهُ: {وَإِذَا الْجِبَالُ
سُيِّرَتْ} [التكوير: 3] يَقُولُ: وَإِذَا الْجِبَالُ
سَيَّرَهَا اللَّهُ، فَكَانَتْ سَرَابًا، وَهَبَاءً مُنْبَثًّا
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ
الْتَأْوِيلِ
(24/133)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ
مُجَاهِدٍ، {وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ} [التكوير: 3]
قَالَ: ذَهَبَتْ
(24/133)
قَوْلُهُ: {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ}
[التكوير: 4] وَالْعِشَارُ: جَمْعُ عُشَرَاءَ، وَهِيَ الَّتِي
قَدْ أَتَى عَلَيْهَا عَشَرَةُ أَشْهُرٍ مِنْ حَمْلِهَا.
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِذَا هَذِهِ الْحَوَامِلُ
الَّتِي يَتَنَافَسُ أَهْلُهَا فِيهَا أُهْمِلَتْ فَتُرِكَتْ،
مِنْ شِدَّةِ الْهَوْلِ النَّازِلِ بِهِمْ، فَكَيْفَ
بِغَيْرِهَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ
أَهْلُ الْتَأْوِيلِ
(24/134)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
الْحُسَيْنُ بْنُ الْحُرَيْثِ، قَالَ: ثنا الْفَضْلُ بْنُ
مُوسَى، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ
أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، قَالَ: ثني أُبَيُّ بْنُ
كَعْبٍ {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ} [التكوير: 4] قَالَ:
إِذَا أَهْمَلَهَا أَهْلُهَا
(24/134)
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا
وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي يَعْلَى،
عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ، {وَإِذَا الْعِشَارُ
عُطِّلَتْ} [التكوير: 4] قَالَ: خَلَا مِنْهُ أَهْلُهَا لَمْ
تُحْلَبْ وَلَمْ تُصَرَّ
(24/134)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا
مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي يَعْلَى،
عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ}
[التكوير: 4] قَالَ: لَمْ تُحْلَبْ وَلَمْ تُصَرَّ، وَتَخَلَّى
مِنْهَا أَرْبَابُهَا
(24/134)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ،
قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ
اللَّهِ: {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ} [التكوير: 4] قَالَ:
سُيِّبَتْ: تُرِكَتْ
(24/135)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ:
ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي
الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ،
جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي
قَوْلِ اللَّهِ: {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ} [التكوير: 4]
قَالَ: عِشَارُ الْإِبِلِ
(24/135)
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا
هَوْذَةُ، قَالَ: ثنا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، {وَإِذَا
الْعِشَارُ عُطِّلَتْ} [التكوير: 4] قَالَ: سَيَّبَهَا
أَهْلُهَا فَلَمْ تُصَرَّ، وَلَمْ تُحْلَبْ، وَلَمْ يَكُنْ فِي
الدُّنْيَا مَالٌ أَعْجَبَ إِلَيْهِمْ مِنْهَا
(24/135)
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى،
قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ،
{وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ} [التكوير: 4] قَالَ: عِشَارُ
الْإِبِلِ سُيِّبَتْ
(24/135)
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ:
سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {وَإِذَا
الْعِشَارُ عُطِّلَتْ} [التكوير: 4] يَقُولُ: لَا رَاعِيَ
لَهَا
(24/135)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ وَإِذَا الْبِحَارُ
سُجِّرَتْ وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ وَإِذَا
الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ وَإِذَا
الصُّحُفُ نُشِرَتْ} اخْتَلَفَ أَهْلُ الْتَأْوِيلِ فِي
مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَإِذَا الْوحُوشُ حُشِرَتْ} [التكوير: 5]
فَقَالَ [ص:136] بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: مَاتَتْ
(24/135)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ الطُّوسِيُّ، قَالَ: ثنا عَبَّادُ بْنُ
الْعَوَّامِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: {وَإِذَا الْوحُوشُ
حُشِرَتْ} [التكوير: 5] قَالَ: حَشْرُ الْبَهَائِمِ:
مَوْتُهَا، وَحَشْرُ كُلِّ شَيْءٍ: الْمَوْتُ، غَيْرَ الْجِنِّ
وَالْإِنْسِ، فَإِنَّهُمَا يُوقَفَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
(24/136)
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا
وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي يَعْلَى،
عَنْ رَبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ {وَإِذَا الْوحُوشُ حُشِرَتْ}
[التكوير: 5] قَالَ: أَتَى عَلَيْهَا أَمْرُ اللَّهِ قَالَ
سُفْيَانُ، قَالَ أَبِي، فَذَكَرْتُهُ لِعِكْرِمَةَ، فَقَالَ:
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حَشْرُهَا: مَوْتُهَا حَدَّثَنَا ابْنُ
حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ أَبِي يَعْلَى، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ،
بِنَحْوِهِ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَإِذَا
الْوحُوشُ اخْتَلَطَتْ
(24/136)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ، قَالَ: ثنا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى،
عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، [ص:137] عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ
أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، قَالَ: ثني أُبَيُّ بْنُ
كَعْبٍ {وَإِذَا الْوحُوشُ حُشِرَتْ} [التكوير: 5] قَالَ:
اخْتَلَطَتْ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: جُمِعَتْ
(24/136)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ
قَتَادَةَ، {وَإِذَا الْوحُوشُ حُشِرَتْ} [التكوير: 5] إِنَّ
هَذِهِ الْخَلَائِقَ مُوَافِيَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،
فَيَقْضِي اللَّهُ فِيهَا مَا يَشَاءُ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ
فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى حُشِرَتْ:
جُمِعَتْ، فَأُمِيتَتْ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ فِي كَلَامِ
الْعَرَبِ مِنْ مَعْنَى الْحَشْرِ: الْجَمْعُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ
اللَّهِ {وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً} [ص: 19] يَعْنِي:
مَجْمُوعَةً. وَقَوْلُهُ: {فَحَشَرَ فَنَادَى} [النازعات: 23]
وَإِنَّمَا يُحْمَلُ تَأْوِيلُ الْقُرْآنِ عَلَى الْأَغْلَبِ
الظَّاهِرِ مِنْ تَأْوِيلِهِ، لَا عَلَى الْأَنْكَرِ
الْمَجْهُولِ
(24/137)
وَقَوْلُهُ: {وَإِذَا الْبِحَارُ
سُجِّرَتْ} [التكوير: 6] اخْتَلَفَتْ أَهْلُ الْتَأْوِيلِ فِي
مَعْنَى ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَإِذَا
الْبِحَارُ اشْتَعَلَتْ نَارًا وَحُمِيَتْ
(24/137)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ، قَالَ: ثنا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى،
قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ
أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، قَالَ: ثني أُبَيُّ بْنُ
كَعْبٍ {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير: 6] قَالَ:
قَالَتِ الْجِنُّ لِلْإِنْسِ: نَحْنُ نَأْتِيكُمْ بِالْخَبَرِ،
فَانْطَلَقُوا إِلَى الْبِحَارِ، فَإِذَا هِيَ تَأَجَّجُ
نَارًا
(24/137)
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ
عُلَيَّةَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ،
قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ لِرَجُلٍ مِنَ
الْيَهُودِ: أَيْنَ جَهَنَّمُ؟ فَقَالَ: الْبَحْرُ، فَقَالَ:
مَا أُرَاهُ إِلَّا صَادِقًا {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ}
[الطور: 6] (وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِرَتْ) مُخَفَّفَةً
(24/138)
حَدَّثَنِي حَوْثَرَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْمِنْقَرِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: ثنا
مُجَالِدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنِي شَيْخٌ، مِنْ بَجِيلَةَ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}
[التكوير: 1] قَالَ: كَوَّرَ اللَّهُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ
وَالنُّجُومَ فِي الْبَحْرِ، فَيَبْعَثُ عَلَيْهَا رِيحًا
دَبُورًا، فَتَنْفُخُهُ حَتَّى يَصِيرَ نَارًا، فَذَلِكَ
قَوْلُهُ: {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير: 6]
(24/138)
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ:
{وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير: 6] قَالَ: إِنَّهَا
تُوقَدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، زَعَمُوا ذَلِكَ التَّسْجِيرَ
فِي كَلَامِ الْعَرَبِ
(24/138)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا
يَعْقُوبُ، عَنْ حَفْصِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ شِمْرِ بْنِ
عَطِيَّةَ، فِي قَوْلِهِ: {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} [الطور:
6] قَالَ: بِمَنْزِلَةِ التَّنُّورِ الْمَسْجُورِ {وَإِذَا
الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير: 6] مِثْلَهُ
(24/138)
قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ،
{وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير: 6] قَالَ: أُوقِدَتْ
وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: فَاضَتْ
(24/138)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ أَبِي يَعْلَى، عَنْ رَبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ،
{وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير: 6] قَالَ: فَاضَتْ
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ
سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي يَعْلَى، عَنْ رَبِيعٍ،
مِثْلَهُ
(24/139)
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى،
قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْكَلْبِيِّ،
فِي قَوْلِهِ: {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير: 6]
قَالَ: مُلِئَتْ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ: {وَالْبَحْرِ
الْمَسْجُورِ} [الطور: 6]
(24/139)
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ:
سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {وَإِذَا
الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير: 6] يَقُولُ: فُجِّرَتْ
وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ أَنَّهُ ذَهَبَ
مَاؤُهَا
(24/139)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ
قَتَادَةَ، {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير: 6]
قَالَ: ذَهَبَ مَاؤُهَا فَلَمْ يَبْقَ فِيهَا قَطْرَةٌ
(24/139)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ
قَتَادَةَ {وَإِذَا [ص:140] الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير:
6] قَالَ: غَارَ مَاؤُهَا فَذَهَبَ
(24/139)
حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ
الذَّارِعُ، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ، فِي هَذَا الْحَرْفِ {وَإِذَا
الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير: 6] قَالَ: يَبِسَتْ
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ
بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ،
بِمِثْلِهِ
(24/140)
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ
عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ:
{وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير: 6] قَالَ: يَبِسَتْ
وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ: قَوْلُ مَنْ
قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: مُلِئَتْ حَتَّى فَاضَتْ،
فَانْفَجَرَتْ وَسَالَتْ كَمَا وَصَفَهَا اللَّهُ بِهِ فِي
الْمَوْضِعِ الْآخَرِ، فَقَالَ: {وَإِذَا الْبِحَارُ
سُجِّرَتْ} [التكوير: 6] وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِلنَّهْرِ أَوْ
لِلرَّكِيِّ الْمَمْلُوءِ: مَاءٌ مَسْجُورٌ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ
لَبِيدٍ:
[البحر الكامل]
فَتَوَسَّطَا عُرْضَ السَّرِيِّ وَصَدَّعَا ... مَسْجُورَةً
مُتَجَاوِرًا قُلَّامُهَا
وَيَعْنِي بِالْمَسْجُورَةِ: الْمَمْلُوءَةَ مَاءً
وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ
عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ: {سُجِّرَتْ}
[التكوير: 6] : [ص:141] بِتَشْدِيدِ الْجِيمِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ
بَعْضُ قُرَّاءِ الْبَصْرَةِ بِتَخْفِيفِ الْجِيمِ،
وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا
قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى،
فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ
(24/140)
وَقَوْلُهُ: {وَإِذَا النُّفُوسُ
زُوِّجَتْ} [التكوير: 7] اخْتَلَفَ أَهْلُ الْتَأْوِيلِ فِي
تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُلْحِقَ كُلُّ إِنْسَانٍ
بِشَكْلِهِ، وَقُرِنَ بَيْنَ الضُّرَبَاءِ وَالْأَمْثَالِ
(24/141)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ
سِمَاكٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ عُمَرَ، رِضَى
اللَّهُ عَنْهُ {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} [التكوير: 7]
قَالَ: هُمَا الرَّجُلَانِ يَعْمَلَانِ الْعَمَلَ الْوَاحِدَ
يَدْخُلَانِ بِهِ الْجَنَّةَ، وَيَدْخُلَانِ بِهِ النَّارَ
(24/141)
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ
حَرْبٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ، رَضَى اللَّهُ عَنْهُ {وَإِذَا النُّفُوسُ
زُوِّجَتْ} [التكوير: 7] قَالَ: هُمَا الرَّجُلَانِ
يَعْمَلَانِ الْعَمَلَ، فَيَدْخُلَانِ بِهِ الْجَنَّةَ،
وَقَالَ: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ}
[الصافات: 22] قَالَ: ضُرَبَاءَهُمْ
(24/141)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا
مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنِ
النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ،
رِضَى اللَّهُ عَنْهُ {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ}
[التكوير: 7] قَالَ: هُمَا الرَّجُلَانِ يَعْمَلَانِ
الْعَمَلَ، يَدْخُلَانِ بِهِ الْجَنَّةَ أَوِ النَّارَ
(24/141)
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ
بْنِ حَرْبٍ، أَنَّهُ سَمِعَ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ،
يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَهُوَ يَخْطُبُ،
قَالَ: {وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً فَأَصْحَابُ
الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحَابُ
الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ وَالسَّابِقُونَ
السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} [الواقعة: 8] ثُمَّ
قَالَ: {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} [التكوير: 7] قَالَ:
أَزْوَاجٌ فِي الْجَنَّةِ، وَأَزْوَاجٌ فِي النَّارِ
(24/142)
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا أَبُو
الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ،
قَالَ: سُئِلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رِضَى اللَّهُ عَنْهُ،
عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ}
[التكوير: 7] قَالَ: يُقْرَنُ بَيْنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ
مَعَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ فِي الْجَنَّةِ، وَبَيْنَ الرَّجُلِ
السُّوءِ مَعَ الرَّجُلِ السُّوءِ فِي النَّارِ
(24/142)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ، قَالَ:
ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ الدُّولَابِيُّ، عَنِ
الْوَلِيدِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَالنُّعْمَانِ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: {وَإِذَا النُّفُوسُ
زُوِّجَتْ} [التكوير: 7] قَالَ: الضُّرَبَاءُ كُلُّ رَجُلٍ
مَعَ كُلِّ قَوْمٍ كَانُوا يَعْمَلُونَ عَمَلَهُ، وَذَلِكَ
أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً
فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ
وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ
وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} [الواقعة: 8] قَالَ: هُمُ
الضُّرَبَاءُ
(24/142)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ:
ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ
أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {وَإِذَا النُّفُوسُ
زُوِّجَتْ} [التكوير: 7] قَالَ: ذَلِكَ حِينَ يَكُونُ النَّاسُ
أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً
(24/143)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ،
قَالَ: ثنا هَوْذَةُ، قَالَ: ثنا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي
قَوْلِهِ: {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} [التكوير: 7] قَالَ:
أُلْحِقَ كُلُّ امْرِئٍ بِشِيعَتِهِ
(24/143)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ:
ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي
الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ،
جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ:
{وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} [التكوير: 7] قَالَ:
الْأَمْثَالُ مِنَ النَّاسِ جُمِعَ بَيْنَهُمْ
(24/143)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ،
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، {وَإِذَا النُّفُوسُ
زُوِّجَتْ} [التكوير: 7] قَالَ: لَحِقَ كُلُّ إِنْسَانٍ
بِشِيعَتِهِ، الْيَهُودُ بِالْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى
بِالنَّصَارَى
(24/143)
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا
وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي يَعْلَى،
عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ، {وَإِذَا النُّفُوسُ
زُوِّجَتْ} [التكوير: 7] قَالَ: يُحْشَرُ الْمَرْءُ مَعَ
صَاحِبِ عَمَلِهِ
(24/143)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا
مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي يَعْلَى،
عَنِ [ص:144] الرَّبِيعِ: قَالَ: يَجِيءُ الْمَرْءُ مَعَ
صَاحِبِ عَمَلِهِ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ
أَنَّ الْأَرْوَاحَ رُدَّتْ إِلَى الْأَجْسَادِ فَزُوِّجَتْ
بِهَا: أَيْ جُعِلَتْ لَهَا زَوْجًا
(24/143)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، {وَإِذَا
النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} [التكوير: 7] قَالَ: الْأَرْوَاحُ
تَرْجِعُ إِلَى الْأَجْسَادِ
(24/144)
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا
ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ،
أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {وَإِذَا النُّفُوسُ
زُوِّجَتْ} [التكوير: 7] قَالَ: زُوِّجَتِ الْأَجْسَادُ
فَرُدَّتِ الْأَرْوَاحُ فِي الْأَجْسَادِ
(24/144)
حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ أَسْبَاطِ بْنِ
مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ
{وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} [التكوير: 7] قَالَ: رُدَّتِ
الْأَرْوَاحُ فِي الْأَجْسَادِ حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ
زُرَيْقٍ الطُّهَوِيُّ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ عِكْرِمَةَ، مِثْلَهُ
(24/144)
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ
عُلَيَّةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا دَاوُدُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ،
فِي قَوْلِهِ: {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} [التكوير: 7]
قَالَ: زُوِّجَتِ الْأَرْوَاحُ الْأَجْسَادَ [ص:145] وَأَوْلَى
الْتَأْوِيلِ يْنِ فِي ذَلِكَ بِالصِّحَّةِ، الَّذِي
تَأَوَّلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رِضَى اللَّهُ عَنْهُ
لِلْعِلَّةِ الَّتِي اعْتَلَّ بِهَا، وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ
تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً}
[الواقعة: 7] وَقَوْلُهُ: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا
وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات: 22] وَذَلِكَ لَا شَكَّ
الْأَمْثَالُ وَالْأَشْكَالُ، فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ،
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ}
[التكوير: 7] بِالْقُرَنَاءِ وَالْأَمْثَالِ فِي الْخَيْرِ
وَالشَّرِّ
(24/144)
وَحَدَّثَنِي مَطَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ
الضَّبِّيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ،
قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ الْقَسْمَلِيُّ،
عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، فِي
قَوْلِهِ: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1] قَالَ:
سَيَأْتِي أَوَّلُهَا وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ، وَسَيَأْتِي
آخِرُهَا إِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ
(24/145)
وَقَوْلُهُ: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ
سُئِلَتْ بِأَيْ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي
قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَهُ أَبُو الضُّحَى مُسْلِمُ بْنُ
صُبَيْحٍ: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سَأَلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ
قُتِلَتْ) بِمَعْنَى: سَأَلَتِ الْمَوْءُودَةُ الْوَائِدِينَ:
بِأَيِّ ذَنْبٍ قَتَلُوهَا
(24/145)
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنِي
أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ
الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَإِذَا
الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ} قَالَ: طَلَبَتْ بِدِمَائِهَا
(24/145)
حَدَّثَنَا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الْعَنْبَرِيُّ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ
الْأَعْمَشِ، قَالَ: قَالَ أَبُو الضُّحَى: (وَإِذَا
الْمَوْءُودَةُ سَأَلَتْ) قَالَ: سَأَلَتْ قَتَلَتَهَا وَلَوْ
قَرَأَ قَارِئٌ مِمَّنْ قَرَأَ (سَأَلَتْ) : (بِأَيِّ ذَنْبٍ
قُتِلْتُ) كَانَ لَهُ وَجْهٌ، وَكَانَ يَكُونُ مَعْنَى ذَلِكَ
مَعْنَى مَنْ قَرَأَ {بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير: 9]
غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ حِكَايَةً جَازَ فِيهِ
الْوَجْهَانِ، كَمَا يُقَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: بِأَيِّ
ذَنْبٍ ضُرِبَ؛ كَمَا قَالَ عَنْتَرَةُ:
[البحر الكامل]
الشَّاتِمَيْ عِرْضِي وَلَمْ أَشْتُمْهُمَا ...
وَالنَّاذِرَيْنِ إِذَا لَقِيتُهُمَا دَمِي
وَذَلِكَ أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ: إِذَا لَقِينَا
عَنْتَرَةَ لَنَقْتُلَنَّهُ. فَحَكَى عَنْتَرَةُ قَوْلَهُمَا
فِي شِعْرِهِ؛ وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْآخَرِ:
[البحر الرجز]
رَجُلَانِ مِنْ ضَبَّةَ أَخْبَرَانَا ... إِنَّا رَأَيْنَا
رَجُلًا عُرْيَانَا
بِمَعْنَى: أَخْبَرَانَا أَنَّهُمَا، وَلَكِنَّهُ جَرَى
الْكَلَامُ عَلَى مَذْهَبِ الْحِكَايَةِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ
بَعْضُ عَامَّةِ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ: {وَإِذَا
الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} بِمَعْنَى:
سُئِلَتِ الْمَوْءُودَةُ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ، وَمَعْنَى
قُتِلَتْ: قُتِلَتْ، غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ رُدَّ إِلَى
الْخَبَرِ عَلَى وَجْهِ الْحِكَايَةِ عَلَى نَحْوِ الْقَوْلِ
الْمَاضِي قَبْلُ، وَقَدْ يَتَوَجَّهُ مَعْنَى
(24/146)
ذَلِكَ إِلَى أَنْ يَكُونَ: وَإِذَا
الْمَوْءُودَةُ سَأَلَتْ قَتَلَتَهَا وَوَائِدُوهَا، بِأَيِّ
ذَنْبٍ قَتَلُوهَا؟ ثُمَّ رُدَّ ذَلِكَ إِلَى مَا لَمْ يُسَمَّ
فَاعِلُهُ، فَقِيلَ: بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ وَأَوْلَى
الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ:
قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ {سُئِلَتْ} [التكوير: 8] بِضَمِّ
السِّينِ {بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير: 9] عَلَى وَجْهِ
الْخَبَرِ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ
وَالْمَوْءُودَةُ: الْمَدْفُونَةُ حَيَّةً، وَكَذَلِكَ كَانَتِ
الْعَرَبُ تَفْعَلُ بِبَنَاتِهَا؛ وَمِنْهُ قَوْلُ
الْفَرَزْدَقِ بْنِ غَالِبٍ:
[البحر الطويل]
وَمِنَّا الَّذِي أَحْيَا الْوَئِيدَ وَغَائِبٌ ... وَعَمْرٌو،
وَمِنَّا حَامِلُونَ وَدَافِعُ
يُقَالَ: وَأَدَهُ فَهُوَ يَئِدُهُ وَأْدًا، وَوَأْدَةً
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ
الْتَأْوِيلِ
(24/147)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ
قَتَادَةَ، {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ} : هِيَ فِي
بَعْضِ الْقِرَاءَاتِ: (سَأَلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) لَا
بِذَنْبٍ، كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمُ
ابْنَتَهُ، وَيَغْذُو كَلْبَهُ، فَعَابَ اللَّهُ ذَلِكَ
عَلَيْهِمْ
(24/147)
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى،
قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ،
قَالَ: جَاءَ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ التَّمِيمِيُّ إِلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي
وَأَدَتْ ثَمَانِيَ بَنَاتٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، قَالَ:
«فَأَعْتِقْ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ بَدَنَةً»
(24/147)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا
مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي يَعْلَى،
عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ، {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ
سُئِلَتْ} قَالَ: كَانَتِ الْعَرَبُ مِنْ أَفْعَلِ النَّاسِ
لِذَلِكَ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ
سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي يَعْلَى، عَنْ رَبِيعِ
بْنِ خُثَيْمٍ بِمِثْلِهِ
(24/148)
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ هَبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ:
{وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ} قَالَ: الْبَنَاتُ الَّتِي
كَانَتْ طَوَائِفُ الْعَرَبِ يَقْتُلُونَهُنَّ، وَقَرَأَ:
{بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير: 9]
(24/148)
وَقَوْلُهُ: {وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ}
[التكوير: 10] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِذَا صُحُفُ
أَعْمَالِ الْعِبَادِ نُشِرَتْ لَهُمْ، بَعْدَ أَنْ كَانَتْ
مَطْوِيَّةً عَلَى مَا فِيهَا مَكْتُوبٌ، مِنَ الْحَسَنَاتِ
وَالسَّيِّئَاتِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ
أَهْلُ الْتَأْوِيلِ
(24/148)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ
قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ} [التكوير:
10] صَحِيفَتُكَ يَا ابْنَ آدَمَ، تُمْلِي مَا فِيهَا، ثُمَّ
تُطْوَى، ثُمَّ تُنْشَرُ عَلَيْكَ [ص:149] يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ
عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ {نُشِرَتْ} [التكوير: 10]
بِتَخْفِيفِ الشِّينِ، وَكَذَلِكَ قَرَأَهُ أَيْضًا بَعْضُ
الْكُوفِيِّينِ، وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ مَكَّةَ
وَعَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ بِتَشْدِيدِ الشِّينِ.
وَاعْتَلَّ مَنِ اعْتَلَّ مِنْهُمْ لِقِرَاءَتِهِ ذَلِكَ
كَذَلِكَ، بِقَوْلِ اللَّهِ: {أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا
مُنَشَّرَةً} [المدثر: 52] وَلَمْ يَقُلْ مَنْشُورَةً،
وَإِنَّمَا حَسُنَ التَّشْدِيدُ فِيهِ، لِأَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ
جَمَاعَةٍ، كَمَا يُقَالُ: هَذِهِ كِبَاشٌ مُذَبَّحَةٌ، وَلَوْ
أَخْبَرَ عَنِ الْوَاحِدِ بِذَلِكَ كَانَتْ مُخَفَّفَةً،
فَقِيلَ مَذْبُوحَةٌ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ مَنْشُورَةٌ
(24/148)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ وَإِذَا الْجَحِيمُ
سُعِّرَتْ وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا
أَحْضَرَتْ فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوَارِ
الْكُنَّسِ} [التكوير: 12] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِذَا
السَّمَاءُ نُزِعَتْ وَجُذِبَتْ، ثُمَّ طُوِيَتْ وَبِنَحْوِ
الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ الْتَأْوِيلِ
(24/149)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا
عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ،
قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ،
عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {كُشِطَتْ} [التكوير: 11] قَالَ:
جُذِبَتْ [ص:150] وَذُكِرَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ:
(قُشِطَتْ) بِالْقَافِ، وَالْقَشْطُ وَالْكَشْطُ: بِمَعْنَى
وَاحِدٍ، وَذَلِكَ تَحْوِيلٌ مِنَ الْعَرَبِ الْكَافَ قَافًا،
لِتَقَارُبِ مَخْرَجَيْهِمَا، كَمَا قِيلَ لِلْكَافُورِ
قَافُورٌ، وِلِلْقِسْطِ: كِسْطٌ، وَذَلِكَ كَثِيرٌ فِي
كَلَامِهِمْ، إِذَا تَقَارَبَ مَخْرَجُ الْحَرْفَيْنِ،
أَبْدَلُوا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ،
كَقَوْلِهِمْ لِلْأَثَافِي: أَثَاثِي، وَثَوْبٌ فُرْقُبِيٌّ
وَثُرْقُبِيٌّ
(24/149)
وَقَوْلُهُ {وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ}
[التكوير: 12] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِذَا الْجَحِيمُ
أُوقِدَ عَلَيْهَا فَأُحْمِيَتْ
(24/150)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ،
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، {وَإِذَا الْجَحِيمُ
سُعِّرَتْ} [التكوير: 12] : سَعَّرَهَا غَضَبُ اللَّهِ،
وَخَطَايَا بَنِي آدَمَ وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي
قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ
الْمَدِينَةِ {سُعِّرَتْ} [التكوير: 12] بِتَشْدِيدِ
عَيْنِهَا، بِمَعْنَى أُوقِدَ عَلَيْهَا مَرَّةً بَعْدَ
مَرَّةٍ، وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ
بِالتَّخْفِيفِ. وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا
قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ
الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ
(24/150)
وَقَوْلُهُ: {وَإِذَا الْجَنَّةُ
أُزْلِفَتْ} [التكوير: 13] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِذَا
الْجَنَّةُ قُرِّبَتْ وَأُدْنِيَتْ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا
فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ الْتَأْوِيلِ
(24/150)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ أَبِي يَعْلَى، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ:
{وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ}
[التكوير: 13] قَالَ: إِلَى هَذَيْنِ مَا جَرَى الْحَدِيثُ:
فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ، وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ
(24/151)
حَدَّثَنِي ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا
مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي يَعْلَى،
عَنِ الرَّبِيعِ {وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ وَإِذَا
الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ} [التكوير: 13] قَالَ: إِلَى هَذَيْنِ
مَا جَرَى الْحَدِيثُ: فَرِيقٌ إِلَى الْجَنَّةِ، وَفَرِيقٌ
إِلَى النَّارِ يَعْنِي الرَّبِيعُ بِقَوْلِهِ: إِلَى هَذَيْنِ
مَا جَرَى الْحَدِيثُ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْخَبَرِ {إِذَا
الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1] إِلَى قَوْلِهِ: {وَإِذَا
الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ} [التكوير: 12] إِنَّمَا عُدِّدَتِ
الْأُمُورُ الْكَائِنَةُ الَّتِي نِهَايَتُهَا أَحَدُ هَذَيْنِ
الْأَمْرَيْنِ، وَذَلِكَ الْمَصِيرُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ،
وَإِمَّا إِلَى النَّارِ
(24/151)
وَقَوْلُهُ: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا
أَحَضَرَتْ} [التكوير: 14] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ:
عَلِمَتْ نَفْسٌ عِنْدَ ذَلِكَ مَا أَحَضَرَتْ مِنْ خَيْرٍ،
فَتَصِيرُ بِهِ إِلَى الْجَنَّةِ، أَوْ شَرٍّ فَتَصِيرُ بِهِ
إِلَى النَّارِ، يَقُولُ: يَتَبَيَّنُ لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ مَا
كَانَ جَاهِلًا بِهِ، وَمَا الَّذِي كَانَ فِيهِ صَلَاحُهُ
مِنْ غَيْرُهُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ
أَهْلُ الْتَأْوِيلِ
(24/151)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ
قَتَادَةَ، {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا [ص:152] أَحَضَرَتْ}
[التكوير: 14] مِنْ عَمَلٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ رِضَى اللَّهُ عَنْهُ: وَإِلَى هَذَا جَرَى
الْحَدِيثُ وَقَوْلُهُ: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحَضَرَتْ}
[التكوير: 14] جَوَابٌ لِقَوْلِهِ: {إِذَا الشَّمْسُ
كُوِّرَتْ} [التكوير: 1] وَمَا بَعْدَهَا، كَمَا يُقَالُ:
إِذَا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ قَعَدَ عَمْرٌو
(24/151)
وَقَوْلُهُ: {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ
الْجَوَارِ الْكُنَّسِ} [التكوير: 16] اخْتَلَفَ أَهْلُ
الْتَأْوِيلِ فِي الْخُنَّسِ الْجَوَارِ الْكُنَّسِ. فَقَالَ
بَعْضُهُمْ: هِيَ النُّجُومُ الدَّرَارِيُّ الْخَمْسَةُ،
تَخْنِسُ فِي مُجْرَاهَا فَتَرْجِعُ، وَتَكْنِسُ فَتَسْتَتَرُ
فِي بُيُوتِهَا، كَمَا تَكْنِسُ الظِّبَاءُ فِي الْمُغَارِ،
وَالنُّجُومُ الْخَمْسَةُ: بَهْرَامُ، وَزُحَلُ، وَعَطَارِدُ،
وَالزُّهْرَةُ، وَالْمُشْتَرِي
(24/152)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ
خَالِدِ بْنِ عَرْعَرَةَ، أَنَّ رَجُلًا، قَامَ إِلَى عَلِيٍّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: مَا {الْجَوَارِ الْكُنَّسِ}
[التكوير: 16] قَالَ: هِيَ الْكَوَاكِبُ
(24/152)
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ
بْنِ حَرْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ خَالِدَ بْنَ عَرْعَرَةَ، قَالَ:
سَمِعْتُ عَلِيًّا، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَسُئِلَ عَنْ {لَا
أَقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوَارِ الْكُنَّسِ} قَالَ: هِيَ
النُّجُومُ تَخْنِسُ بِالنَّهَارِ، وَتَكْنِسُ [ص:153]
بِاللَّيْلِ
(24/152)
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا
وَكِيعٌ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عَرْعَرَةَ، عَنْ
عَلِيٍّ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: النُّجُومُ
(24/153)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا
مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ رَجُلٍ
مِنْ مُرَادٍ، عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّهُ قَالَ: هَلْ تَدْرُونَ
مَا الْخُنَّسُ؟ هِيَ النُّجُومُ تَجْرِي بِاللَّيْلِ،
وَتَخْنِسُ بِالنَّهَارِ
(24/153)
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ثني جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، أَنَّهُ
سَمِعَ الْحَسَنَ، يُسْأَلُ، فَقِيلَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ مَا
الْجَوَارِي الْكُنَّسِ؟ قَالَ: النُّجُومُ
(24/153)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ،
قَالَ: ثنا هَوْذَةُ بْنُ خَلِيفَةَ، قَالَ: ثنا عَوْفٌ، عَنْ
بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فِي قَوْلِهِ: {فَلَا أُقْسِمُ
بِالْخُنَّسِ الْجِوَارِ الْكُنَّسِ} [التكوير: 16] قَالَ:
هِيَ النُّجُومُ الدَّرَارِيُّ، الَّتِي تَجْرِي تَسْتَقْبِلُ
الْمَشْرِقَ
(24/153)
حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا
أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ:
هِيَ النُّجُومُ
(24/153)
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا
وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ رَجُلٍ،
مِنْ [ص:154] مُرَادٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِي
اللَّهُ عَنْهُ {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجِوَارِ
الْكُنَّسِ} [التكوير: 16] قَالَ: يَعْنِي النُّجُومَ،
تَكْنِسُ بِالنَّهَارِ، وَتَبْدُو بِاللَّيْلِ
(24/153)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ،
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {فَلَا
أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجِوَارِ الْكُنَّسِ} [التكوير: 16]
قَالَ: هِيَ النُّجُومُ تَبْدُوَ بِاللَّيْلِ وَتَخْنِسُ
بِالنَّهَارِ
(24/154)
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى،
قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي
قَوْلِهِ {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجِوَارِ الْكُنَّسِ}
[التكوير: 16] قَالَ: هِيَ النُّجُومُ تَخْنِسُ بِالنَّهَارِ،
وَالْجِوَارِ الْكُنَّسِ: سَيْرُهُنَّ إِذَا غِبْنَ
(24/154)
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ:
{الْخُنَّسِ الْجِوَارِ الْكُنَّسِ} قَالَ: الْخُنَّسُ
وَالْجَوَارِي الْكُنَّسُ: النُّجُومُ الْخُنَّسُ، إِنَّهَا
تَخْنِسُ تَتَأَخَّرُ عَنْ مَطْلَعِهَا، هِيَ تَتَأَخَّرُ
كُلَّ عَامٍ لَهَا فِي كُلِّ عَامٍ تَأَخُّرٌ عَنْ تَعْجِيلِ
ذَلِكَ الطُّلُوعِ تَخْنِسُ عَنْهُ. وَالْكُنَّسُ: تَكْنِسُ
بِالنَّهَارِ فَلَا تُرَى. قَالَ: وَالْجَوَارِي تَجْرِي
بَعْدُ، فَهَذَا {الْخُنَّسِ الْجَوَارِي الْكُنَّسِ} وَقَالَ
آخَرُونَ: هِيَ بَقَرُ الْوَحْشِ الَّتِي تَكْنِسُ فِي
كِنَاسِهَا
(24/154)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ،
عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ
السَّبِيعِيِّ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي [ص:155] مَيْسَرَةَ:
مَا الْجَوَارِي الْكُنَّسِ؟ قَالَ: فَقَالَ بَقَرُ الْوَحْشِ
قَالَ: فَقَالَ: وَأَنَا أَرَى ذَلِكَ
(24/154)
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا
يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي
مَيْسَرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، فِي قَوْلِهِ {الْجِوَارِ
الْكُنَّسِ} [التكوير: 16] : قَالَ: بَقَرُ الْوَحْشِ
(24/155)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا
مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ
عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ، قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: يَا
عَمْرُو مَا الْجَوَارِي الْكُنَّسِ، أَوْ مَا تَرَاهَا؟ قَالَ
عَمْرٌو: أُرَاهَا الْبَقَرَ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَأَنَا
أُرَاهَا الْبَقَرَ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا
وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي
مَيْسَرَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ عَنْهَا عَبْدَ اللَّهِ، فَذَكَرَ
نَحْوَهُ
(24/155)
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ثني جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، قَالَ: ثني
الْحَجَّاجُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا
الشَّعْثَاءِ جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ، عَنِ الْجَوَارِي
الْكُنَّسِ، قَالَ: هِيَ الْبَقَرُ إِذَا كَنَسَتْ
كَوَانِسَهَا قَالَ يُونُسُ: قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
وَهْبٍ: هِيَ الْبَقَرُ إِذَا فَرَّتْ مِنَ الذِّئَابِ،
فَذَلِكَ الَّذِي أَرَادَ بِقَوْلِهِ: كَنَسَتْ كَوَانِسَهَا
[ص:156] حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
قَالَ: قَالَ جَرِيرٌ، وَحَدَّثَنِي الصَّلْتُ بْنُ رَاشِدٍ،
عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَ ذَلِكَ
(24/155)
حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا
أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي
قَوْلِهِ: {الْجِوَارِ الْكُنَّسِ} [التكوير: 16] قَالَ: هِيَ
بَقَرُ الْوَحْشِ
(24/156)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا
جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، قَالَ: سُئِلَ مُجَاهِدٌ وَنَحْنُ
عِنْدَ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ قَوْلِهِ {الْجِوَارِ الْكُنَّسِ}
[التكوير: 16] قَالَ: لَا أَدْرِي، فَانْتَهَرَهُ إِبْرَاهِيمُ
وَقَالَ: لِمَ لَا تَدْرِي؟ فَقَالَ: إِنَّهُمْ يَرْوُونَ عَنْ
عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَكُنَّا نَسْمَعُ أَنَّهَا
الْبَقَرُ، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: هِيَ الْبَقَرُ.
(الْجَوَارِي الْكُنَّسِ) : حُجْرَةُ بَقَرِ الْوَحْشِ الَّتِي
تَأْوِي إِلَيْهَا، وَالْخُنَّسُ الْجَوَارِي: الْبَقَرُ
(24/156)
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا
هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ،
وَمُجَاهِدٍ، أَنَّهُمَا تَذَاكَرَا هَذِهِ الْآيَةَ {فَلَا
أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجِوَارِ الْكُنَّسِ} [التكوير: 16]
فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ لِمُجَاهِدٍ: قُلْ فِيهَا مَا سَمِعْتَ،
قَالَ: فَقَالَ مُجَاهِدٌ: كُنَّا نَسْمَعُ فِيهَا شَيْئًا،
وَنَاسٌ يَقُولُونَ: إِنَّهَا النُّجُومُ؛ قَالَ: فَقَالَ
إِبْرَاهِيمُ: إِنَّهُمْ يَكْذِبُونَ عَلَى عَلِيٍّ رَضِي
اللَّهُ عَنْهُ هَذَا كَمَا رَوَوْا عَنْ عَلِيٍّ رَضِي
اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ ضَمِنَ الْأَسْفَلُ الْأَعْلَى،
وَالْأَعْلَى الْأَسْفَلَ
(24/156)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا
مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: سُئِلَ
[ص:157] مُجَاهِدٌ (عَنِ الْجَوَارِي الْكُنَّسِ) قَالَ: لَا
أَدْرِي، يَزْعُمُونَ أَنَّهَا الْبَقَرُ؛ قَالَ: فَقَالَ
إِبْرَاهِيمُ: مَا لَا تَدْرِي هِيَ الْبَقَرُ؛ قَالَ:
يَذْكُرُونَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهَا
النُّجُومُ، قَالَ: يَكْذِبُونَ عَلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ
السَّلَامُ وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ الظِّبَاءُ
(24/156)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي،
قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي
قَوْلِهِ: {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجِوَارِ
الْكُنَّسِ} [التكوير: 16] يَعْنِي: الظِّبَاءَ
(24/157)
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا
ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ جَعْفَرٍ،
عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ}
[التكوير: 15] قَالَ: الظِّبَاءُ
(24/157)
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ
عُلَيَّةَ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ،
فِي قَوْلِهِ: {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجِوَارِ
الْكُنَّسِ} [التكوير: 16] قَالَ: كُنَّا نَقُولُ: أَظُنُّهُ
قَالَ: الظِّبَاءُ، حَتَّى زَعَمَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ
أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْهَا، فَأَعَادَ عَلَيْهِ
قِرَاءَتهَا
(24/157)
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ:
سَمِعْتُ
(24/157)
الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ:
{الْخُنَّسِ الْجِوَارِ الْكُنَّسِ} يَعْنِي الظِّبَاءَ
وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ: أَنْ
يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَقْسَمَ
بِأَشْيَاءَ تَخْنِسُ أَحْيَانًا: أَيْ تَغِيبُ، وَتَجْرِي
أَحْيَانًا وَتَكْنِسُ أُخْرَى، وَكُنُوسُهَا: أَنْ تَأْوِيَ
فِي مَكَانِسِهَا، وَالْمَكَانِسُ عِنْدَ الْعَرَبِ، هِيَ
الْمَوَاضِعُ الَّتِي تَأْوِي إِلَيْهَا بَقَرُ الْوَحْشِ
وَالظِّبَاءِ، وَاحِدُهَا مَكْنِسٌ وَكِنَاسٌ، كَمَا قَالَ
الْأَعْشَى:
[البحر الطويل]
فَلَمَّا لَحِقْنَا الْحَيَّ أَتْلَعَ أُنَّسٌ ... كَمَا
أَتْلَعَتْ تَحْتَ الْمَكَانِسِ رَبْرَبُ
فَهَذِهِ جَمْعُ مَكْنِسٍ، وَكَمَا قَالَ فِي الْكِنَاسِ
طَرَفَةُ بْنُ الْعَبْدِ:
[البحر الطويل]
كَأَنَّ كِنَاسَيْ ضَالَّةٍ يَكْنُفَانِهَا ... وَأُطْرَ
قِسٍيٍّ تَحْتَ صُلْبٍ مُؤَيَّدِ
وَأَمَّا الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ الْكِنَاسَ قَدْ يَكُونُ
لِلظِّبَاءِ، فَقَوْلُ أَوْسِ بْنِ حَجَرٍ:
[البحر الطويل]
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مُزْنَةً ... وَعُفْرُ
الظِّبَاءِ فِي الْكِنَاسِ تَقَمَّعُ
فَالْكِنَاسُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مَا وَصَفْتُ، وَغَيْرُ
مُنْكَرٍ أَنْ يُسْتَعَارَ ذَلِكَ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي
تَكُونُ بِهَا النُّجُومُ مِنَ السَّمَاءِ، فَإِذَا كَانَ
ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى
أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ النُّجُومُ دُونَ الْبَقَرِ، وَلَا
الْبَقَرُ دُونَ الظِّبَاءِ، فَالصَّوَابُ أَنْ يَعُمَّ
بِذَلِكَ كُلَّ مَا كَانَتْ صِفَتُهُ الْخُنُوسَ أَحْيَانًا،
وَالْجَرْيَ أُخْرَى، وَالْكُنُوسُ بِآنَاتٍ عَلَى مَا وَصَفَ
جَلَّ ثَنَاؤُهُ مِنْ صِفَتِهَا
(24/158)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {وَالَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ وَالصُّبْحِ إِذَا
تَنَفَّسَ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِندَ
ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} أَقْسَمَ رَبُّنَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ
بِاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ، يَقُولُ: وَأُقْسِمُ بِاللَّيْلِ
إِذَا عَسْعَسَ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْتَأْوِيلِ فِي قَوْلِهِ
{وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} [التكوير: 17] فَقَالَ
بَعْضُهُمْ: عَنَى بِقَوْلِهِ: {إِذَا عَسْعَسَ} [التكوير: 17]
إِذَا أَدْبَرَ
(24/159)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ،
عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {وَاللَّيْلِ
إِذَا عَسْعَسَ} [التكوير: 17] يَقُولُ: إِذَا أَدْبَرَ
(24/159)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ:
ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ
أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {وَاللَّيْلِ إِذَا
عَسْعَسَ} [التكوير: 17] يَعْنِي: إِذَا أَدْبَرَ
(24/159)
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ
السُّكَّرِيُّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي
ظَبْيَانَ، قَالَ: كُنْتُ أَتْبَعُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي
طَالِبٍ، رَضِي اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ خَارِجٌ نَحْوَ
الْمَشْرِقِ، فَاسْتَقْبَلَ الْفَجْرَ، فَقَرَأَ هَذِهِ
الْآيَةَ {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} [التكوير: 17]
(24/159)
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا
ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ
سَعْدِ [ص:160] بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، قَالَ: خَرَجَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ
مِمَّا يَلِي بَابَ السُّوقِ، وَقَدْ طَلَعَ الصُّبْحُ أَوِ
الْفَجْرُ، فَقَرَأَ: {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ وَالصُّبْحِ
إِذَا تَنَفَّسَ} [التكوير: 18] أَيْنَ السَّائِلُ عَنِ
الْوِتْرِ؟ نِعْمَ سَاعَةُ الْوِتْرِ هَذِهِ
(24/159)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ:
ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي
الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ،
جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ:
{وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} [التكوير: 17] قَالَ:
إِقْبَالُهُ، وَيُقَالُ: إِدْبَارُهُ
(24/160)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ،
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ {وَاللَّيْلِ
إِذَا عَسْعَسَ} [التكوير: 17] : إِذَا أَدْبَرَ
(24/160)
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى،
قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ
{إِذَا عَسْعَسَ} [التكوير: 17] قَالَ: إِذَا أَدْبَرَ
(24/160)
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ:
سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ، فِي قَوْلِهِ: {إِذَا
عَسْعَسَ} [التكوير: 17] : إِذَا أَدْبَرَ
(24/160)
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا
وَكِيعٌ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي
عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: خَرَجَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ
السَّلَامُ بَعْدَ مَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ بِالصُّبْحِ،
فَقَالَ: {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ وَالصُّبْحِ إِذَا
تَنَفَّسَ} [التكوير: 18] أَيْنَ السَّائِلُ عَنِ الْوِتْرِ؟
قَالَ: نِعْمَ [ص:161] سَاعَةُ الْوِتْرِ هَذِهِ
(24/160)
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ
{وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} [التكوير: 17] قَالَ: عَسْعَسَ:
تَوَلَّى، وَقَالَ: تَنَفَّسَ الصُّبْحُ مِنْ هَاهُنَا،
وَأَشَارَ إِلَى الْمَشْرِقِ اطِّلَاعَ الْفَجْرِ وَقَالَ
آخَرُونَ: عُنِيَ بِقَوْلِهِ: {إِذَا عَسْعَسَ} [التكوير: 17]
: إِذَا أَقْبَلَ بِظَلَامِهِ
(24/161)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ
مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ، {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ}
[التكوير: 17] قَالَ: إِذَا غَشِيَ النَّاسَ
(24/161)
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ
الصُّدَائِيُّ، قَالَ: ثني أَبِي، عَنِ الْفُضَيْلِ، عَنْ
عَطِيَّةَ، {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} [التكوير: 17] قَالَ:
أَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْمَغْرِبِ وَأَوْلَى الْتَأْوِيلِ
يْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي: قَوْلُ مَنْ قَالَ:
مَعْنَى ذَلِكَ: إِذَا أَدْبَرَ، وَذَلِكَ بِقَوْلِهِ:
{وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} [التكوير: 18] فَدَلَّ بِذَلِكَ
عَلَى أَنَّ الْقَسَمَ بِاللَّيْلِ مُدْبِرًا، وَبِالنَّهَارِ
مُقْبِلًا، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: عَسْعَسَ اللَّيْلُ،
وَسَعْسَعَ اللَّيْلُ: إِذَا أَدْبَرَ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ
إِلَّا الْيَسِيرُ؛ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ رُؤْبَةَ بْنِ
الْعَجَّاجِ:
[البحر الرجز]
يَا هِنْدُ مَا أَسْرَعَ مَا تَسَعْسَعَا ... وَلَوْ رَجَا
تَبْعَ الصَّبَا تَتَبَّعَا
(24/161)
فَهَذِهِ لُغَةُ مَنْ قَالَ: سَعْسَعَ؛
وَأَمَّا لُغَةُ مَنْ قَالَ: عَسْعَسَ، فَقَوْلُ عَلْقَمَةَ
بْنِ قُرْطٍ:
[البحر الرجز]
حَتَّى إِذَا الصُّبْحُ لَهَا تَنَفَّسَا ... وَانْجَابَ
عَنْهَا لَيْلُهَا وَعَسْعَسَا
يَعْنِي أَدْبَرَ. وَقَدْ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ
بِكَلَامِ الْعَرَبِ، يَزْعُمُ أَنَّ عَسْعَسَ: دَنَا مِنْ
أَوَّلِهِ وَأَظْلَمَ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: كَانَ أَبُو
الْبِلَادِ النَّحْوِيُّ يُنْشِدُ بَيْتًا:
[البحر الرجز]
عَسْعَسَ حَتَّى لَوْ يَشَاءُ إِدَّنَا ... كَانَ لَهُ مِنْ
ضَوْئِهِ مَقْبَسُ
يَقُولُ: لَوْ يَشَاءُ إِذْ دَنَا، وَلَكِنَّهُ أَدْغَمَ
الذَّالَ فِي الدَّالِ، قَالَ الْفَرَّاءُ: فَكَانُوا يَرَوْنَ
أَنَّ هَذَا الْبَيْتَ مَصْنُوعٌ
(24/162)
وَقَوْلُهُ: {وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ}
[التكوير: 18] يَقُولُ: وَضَوْءِ النَّهَارِ إِذَا أَقْبَلَ
وَتَبَيَّنَ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ
أَهْلُ الْتَأْوِيلِ
(24/162)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَشْعَثَ،
عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَالصُّبْحِ
إِذَا تَنَفَّسَ} [التكوير: 18] قَالَ: إِذَا نَشَأَ
(24/162)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ،
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، {وَالصُّبْحِ إِذَا
تَنَفَّسَ} [التكوير: 18] : إِذَا أَضَاءَ وَأَقْبَلَ
(24/163)
وَقَوْلُهُ: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ
كَرِيمٍ} [الحاقة: 40] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ هَذَا
الْقُرْآنَ لَتَنْزِيلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ، يَعْنِي جِبْرِيلَ،
نَزَّلَهُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَبِنَحْوِ
الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ الْتَأْوِيلِ
(24/163)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ
قَتَادَةَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ
كَرِيمٍ} [التكوير: 19] يَعْنِي: جِبْرِيلَ
(24/163)
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى،
قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ،
أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ}
[التكوير: 19] قَالَ: هُوَ جِبْرِيلُ
(24/163)
وَقَوْلُهُ: {ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي
الْعَرْشِ مَكِينٍ} [التكوير: 20] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ:
ذِي قُوَّةٍ، يَعْنِي جَبْرَائِيلَ عَلَى مَا كُلِّفَ مِنْ
أَمْرٍ غَيْرَ عَاجِزٍ
(24/163)
{عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} [التكوير:
20] يَقُولُ: هُوَ مَكِينٌ عِنْدَ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ
(24/163)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ وَمَا صَاحِبُكُمْ
بِمَجْنُونٍ وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ وَمَا هُوَ
عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ
رَجِيمٍ فَأَيْنَ [ص:164] تَذْهَبُونَ} [التكوير: 22] يَقُولُ
تَعَالَى ذِكْرُهُ: {مُطَاعٍ ثَمَّ} [التكوير: 21] يَعْنِي
جِبْرِيلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُطَاعٍ فِي
السَّمَاءِ تُطِيعُهُ الْمَلَائِكَةُ {أَمِينٍ} [الأعراف: 68]
يَقُولُ: أَمِينٌ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى وَحْيِهِ
وَرِسَالَتِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا ائْتَمَنَهُ عَلَيْهِ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ
الْتَأْوِيلِ
(24/163)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا عُمَرُ بْنُ شَبِيبٍ
الْمُسْلِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ
أَبِي صَالِحٍ: {مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} [التكوير: 21] قَالَ:
جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَمِينٌ عَلَى أَنْ يَدْخُلَ
سَبْعِينَ سُرَادِقًا مِنْ نُورٍ بِغَيْرِ إِذْنٍ حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الطُّوسِيُّ، قَالَ: ثنا عُمَرُ بْنُ
شَبِيبٍ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، قَالَ:
لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا عَنْ أَبِي صَالِحٍ، مِثْلَهُ
(24/164)
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عُمَرَ بْنِ
خَالِدٍ الْأَقْطَعُ، قَالَ: ثني أَبِي عُمَرُ بْنُ خَالِدٍ،
عَنْ مَعْقِلِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْجَزَرِيِّ، قَالَ:
قَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ فِي قَوْلِهِ: {مُطَاعٍ ثَمَّ
أَمِينٍ} [التكوير: 21] قَالَ: ذَاكُمْ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ
السَّلَامُ
(24/164)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ:
ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ [ص:165]
أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {ذِي قُوَّةٍ
عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ}
[التكوير: 21] قَالَ: يَعْنِي جِبْرِيلَ
(24/164)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ،
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {ذِي قُوَّةٍ
عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطَاعٍ} [التكوير: 21] مُطَاعٍ
عِنْدَ اللَّهِ {ثَمَّ أَمِينٍ} [التكوير: 21]
(24/165)
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ:
سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {مُطَاعٍ ثَمَّ
أَمِينٍ} [التكوير: 21] يَعْنِي جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ
(24/165)
وَقَوْلُهُ: {وَمَا صَاحِبُكُمْ
بِمَجْنُونٍ} [التكوير: 22] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا
صَاحِبُكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ مُحَمَّدٌ بِمَجْنُونٍ،
فَيَتَكَلَّمُ عَنْ جِنَّةٍ، وَيَهْذِي هَذَيَانَ
الْمَجَانِينِ، بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ، وَصَدَّقَ
الْمُرْسَلِينَ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ
أَهْلُ الْتَأْوِيلِ
(24/165)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
سُلَيْمَانُ بْنُ عُمَرَ بْنِ خَالِدٍ الْبَرْقِيُّ، قَالَ:
ثنا أَبِي عُمَرُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ عُبَيْدِ
اللَّهِ الْجَزَرِيِّ، قَالَ: قَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ:
{وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} [التكوير: 22] قَالَ: ذَاكُمْ
مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(24/165)
وَقَوْلُهُ: {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ
الْمُبِينِ} [التكوير: 23] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ:
وَلَقَدْ رَآهُ أَيْ مُحَمَّدٌ جِبْرِيلَ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صُورَتِهِ بِالنَّاحِيَةِ الَّتِي
تُبَيِّنُ الْأَشْيَاءَ، فَتُرَى مِنْ قِبَلِهَا، وَذَلِكَ
مِنْ نَاحِيَةِ مَطْلِعَ الشَّمْسِ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ
الْتَأْوِيلِ
(24/166)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا
عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ،
قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبَى نَجِيحٍ،
عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} [التكوير:
23] الْأَعْلَى. قَالَ: بِأُفُقٍ مِنْ نَحْوِ أَجْيَادٍ
(24/166)
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى،
قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ،
{بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} [التكوير: 23] قَالَ: كُنَّا
نُحَدِّثُ أَنَّ الْأُفُقَ حَيْثُ تَطْلُعُ الشَّمْسُ
(24/166)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ،
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {وَلَقَدْ
رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} [التكوير: 23] كُنَّا نُحَدِّثُ
أَنَّهُ الْأُفُقُ الَّذِي يَجِيءُ مِنْهُ النَّهَارُ
(24/166)
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ:
{وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} [التكوير: 23] قَالَ:
رَأَى جِبْرِيلَ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ
(24/166)
حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ
عِيسَى الرَّمْلِيُّ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ عِيسَى، عَنِ
الْأَعْمَشِ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْعَيْزَارِ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا الْأَحْوَصِ، يَقُولُ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ
[ص:167]: {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} [التكوير:
23] قَالَ: رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ فِي
صُورَتِهِ
(24/166)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا
جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: مَا رَأَى
جِبْرِيلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
صُورَتِهِ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، وَكَانَ يَأْتِيهِ فِي
صُورَةِ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ دِحْيَةُ، فَأَتَاهُ يَوْمَ رَآهُ
فِي صُورَتِهِ قَدْ سَدَّ الْأُفُقَ كُلَّهُ عَلَيْهِ سُنْدُسٌ
أَخْضَرُ مُعَلَّقُ الدُّرِّ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ:
{وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} [التكوير: 23]
وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي: إِذَا الشَّمْسُ
كُوِّرَتْ {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} [التكوير: 19]
فِي جِبْرِيلَ، إِلَى قَوْلِهِ: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ
بِضَنِينٍ} [التكوير: 24] يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ
(24/167)
وَقَوْلُهُ: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ
بِضَنِينٍ} [التكوير: 24] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي
قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ
الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ {بِضَنِينٍ} [التكوير: 24]
بِالضَّادِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ غَيْرُ بِخَيْلٍ عَلَيْهِمْ
بِتَعْلِيمِهِمْ مَا عَلَّمَهُ اللَّهُ، وَأَنْزَلَ إِلَيْهِ
مِنْ كِتَابِهِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمَكِّيِّينَ
وَبَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ: (بِظَنِينٍ) بِالظَّاءِ، بِمَعْنَى
أَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِيمَا يُخْبِرُهُمْ عَنِ اللَّهِ
مِنَ الْأَنْبَاءِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ بِالضَّادِ،
وَتَأَوَّلَهُ عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنَ الْتَأْوِيلِ مِنْ
أَهْلِ الْتَأْوِيلِ:
(24/167)
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ
[ص:168] زِرٍّ، (وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ) قَالَ:
الظَّنِينُ: الْمُتَّهَمُ. وَفِي قِرَاءَتِكُمْ: {بِضَنِينٍ}
[التكوير: 24] وَالضَّنِينُ: الْبَخِيلُ، وَالْغَيْبُ:
الْقُرْآنُ
(24/167)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا خَالِدُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: ثنا مُغِيرَةُ،
عَنْ إِبْرَاهِيمَ، {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ}
[التكوير: 24] بِبَخِيلٍ
(24/168)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ:
ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي
الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ،
جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ:
{وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} [التكوير: 24] قَالَ:
مَا يَضِنُّ عَلَيْكُمْ بِمَا يَعْلَمُ
(24/168)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ،
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {وَمَا هُوَ
عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} [التكوير: 24] قَالَ: إِنَّ هَذَا
الْقُرْآنَ غَيْبٌ، فَأَعْطَاهُ اللَّهُ مُحَمَّدًا،
فَبَذَلَهُ وَعَلَّمَهُ وَدَعَا إِلَيْهِ، وَاللَّهِ مَا ضَنَّ
بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(24/168)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا
مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ (وَمَا
هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ) قَالَ: فِي قِرَاءَتِنَا
بِمُتَّهَمٍ، وَمَنْ قَرَأَهَا {بِضَنِينٍ} [التكوير: 24]
يَقُولُ: بِبَخِيلٍ
(24/168)
حَدَّثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ،
{وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} [التكوير: 24] قَالَ:
بِبَخِيلٍ
(24/168)
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ:
{وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} [التكوير: 24]
الْغَيْبُ: الْقُرْآنُ، لَمْ يَضِنَّ بِهِ عَلَى أَحَدٍ مِنَ
النَّاسِ أَدَّاهُ وَبَلَّغَهُ، بَعَثَ اللَّهُ بِهِ الرُّوحَ
الْأَمِينَ جِبْرِيلَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَدَّى جِبْرِيلُ مَا اسْتَوْدَعَهُ
اللَّهُ إِلَى مُحَمَّدٍ، وَأَدَّى مُحَمَّدٌ مَا
اسْتَوْدَعَهُ اللَّهُ وَجِبْرِيلُ إِلَى الْعِبَادِ، لَيْسَ
أَحَدٌ مِنْهُمْ ضَنَّ، وَلَا كَتَمَ، وَلَا تَخَرَّصَ
(24/169)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا
جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَامِرٍ، {وَمَا هُوَ عَلَى
الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} [التكوير: 24] يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
بِالظَّاءِ، وَتَأَوَّلَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَهْلِ
الْتَأْوِيلِ
(24/169)
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا
الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَرَأَ: (بِظَنِينٍ) قَالَ: لَيْسَ
بِمُتَّهَمٍ
(24/169)
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي
الْمُعَلَّى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّهُ كَانَ
يَقْرَأُ هَذَا الْحَرْفَ (وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ
بِظَنِينٍ) فَقُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: مَا الظَّنِينُ؟
قَالَ: لَيْسَ بِمُتَّهَمٍ
(24/169)
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ
عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي الْمُعَلَّى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَرَأَ (وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ
بِظَنِينٍ) قُلْتُ: وَمَا الظَّنِينُ؟ قَالَ: الْمُتَّهَمُ
(24/169)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ:
ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ [ص:170]
أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: (وَمَا هُوَ عَلَى
الْغَيْبِ بِظَنِينٍ) يَقُولُ: لَيْسَ بِمُتَّهَمٍ عَلَى مَا
جَاءَ بِهِ، وَلَيْسَ يَظُنُّ بِمَا أُوتِيَ
(24/169)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا خَالِدُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: ثنا الْمُغِيرَةُ،
عَنْ إِبْرَاهِيمَ، (وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ)
قَالَ: بِمُتَّهَمٍ
(24/170)
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا
وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ: (وَمَا
هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ) قَالَ: الْغَيْبُ: الْقُرْآنُ
وَفِي قِرَاءَتِنَا (بِظَنِينٍ) مُتَّهَمٍ
(24/170)
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ:
سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: (بِظَنِينٍ)
قَالَ: لَيْسَ عَلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِمُتَّهَمٍ وَقَدْ
تَأَوَّلَ ذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّ
مَعْنَاهُ: وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَعِيفٍ، وَلَكِنَّهُ
مُحْتَمِلٌ لَهُ مُطِيقٌ، وَوَجَّهَهُ إِلَى قَوْلِ الْعَرَبِ
لِلرَّجُلِ الضَّعِيفِ: هُوَ ظَنُونٌ وَأَوْلَى
الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ: مَا
عَلَيْهِ خُطُوطُ مَصَاحِفِ الْمُسْلِمِينَ مُتَّفِقَةٌ،
وَإِنِ اخْتَلَفَتْ قِرَاءَتُهُمْ بِهِ، وَذَلِكَ {بِضَنِينٍ}
[التكوير: 24] بِالضَّادِ، لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ كَذَلِكَ
فِي خُطُوطِهَا فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَأَوْلَى
الْتَأْوِيلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَنْ
تَأَوَّلَهُ: وَمَا مُحَمَّدٌ عَلَى مَا عَلَّمَهُ اللَّهُ
مِنْ وَحْيِهِ وَتَنْزِيلِهِ بِبَخِيلٍ بِتَعْلِيمُكُمُوهُ
أَيُّهَا النَّاسُ، بَلْ هُوَ حَرِيصٌ عَلَى أَنْ تُؤْمِنُوا
بِهِ وَتَتَعَلَّمُوهُ
(24/170)
وَقَوْلُهُ: {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ
شَيْطَانٍ رَجِيمٍ} [التكوير: 25] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ:
وَمَا هَذَا الْقُرْآنُ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ مَلْعُونٍ
مَطْرُودٍ، وَلَكِنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ وَوَحْيُهُ
(24/171)
وَقَوْلُهُ: {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ}
[التكوير: 26] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَأَيْنَ
تَذْهَبُونَ عَنْ هَذَا الْقُرْآنِ، وَتَعْدِلُونَ عَنْهُ؟
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ
الْتَأْوِيلِ
(24/171)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ
قَتَادَةَ، {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ} [التكوير: 26] يَقُولُ:
فَأَيْنَ تَعْدِلُونَ عَنْ كِتَابِي وَطَاعَتِي وَقِيلَ:
{فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ} [التكوير: 26] وَلَمْ يَقُلْ: فَإِلَى
أَيْنَ تَذْهَبُونَ، كَمَا يُقَالُ: ذَهَبْتُ الشَّأْمَ،
وَذَهَبْتُ السُّوقَ. وَحُكِيَ عَنِ الْعَرَبِ سَمَاعًا:
انْطَلَقَ بِهِ الْغَوْرَ، عَلَى مَعْنَى إِلْغَاءِ الصِّفَةِ،
وَقَدْ يُنْشَدُ لِبَعْضِ بَنِي عُقَيْلٍ:
[البحر الوافر]
تَصِحُّ بِنَا حَنِيفَةُ إِذْ رَأَتْنَا ... وَأَيُّ الْأَرْضِ
تَذْهَبُ لِلصِّيَاحِ
بِمَعْنَى: إِلَى أَيِّ الْأَرْضِ تَذْهَبُ؟ وَاسْتُجِيزَ
إِلْغَاءُ الصِّفَةِ فِي ذَلِكَ لِلِاسْتِعْمَالِ
(24/171)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ لِمَنْ
شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ
يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} يَقُولُ تَعَالَى
ذِكْرُهُ: {إِنْ} [البقرة: 6] هَذَا الْقُرْآنُ، وَقَوْلُهُ:
{هُوَ} [البقرة: 29] مِنْ ذِكْرِ الْقُرْآنِ {إِلَّا ذِكْرٌ
لِلْعَالَمِينَ} [يوسف: 104] يَقُولُ: إِلَّا تَذْكِرَةً
وَعِظَةً لِلْعَالَمِينَ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ. {لِمَنْ
[ص:172] شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} [التكوير: 28]
فَجَعَلَ ذَلِكَ تَعَالَى ذِكْرُهُ، ذِكْرًا لِمَنْ شَاءَ مِنَ
الْعَالَمِينَ أَنْ يَسْتَقِيمَ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ ذِكْرًا
لِجَمِيعِهِمْ، فَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: {لِمَنْ شَاءَ
مِنْكُمْ} [المدثر: 37] إِبْدَالٌ مِنَ اللَّامِ فِي
لِلْعَالَمِينَ. وَكَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ: إِنْ هُوَ إِلَّا
ذِكْرٌ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ عَلَى سَبِيلِ
الْحَقِّ فَيَتَّبِعَهُ، وَيُؤْمَنَ بِهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي
قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ الْتَأْوِيلِ
(24/171)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا
عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ،
قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ،
عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ
يَسْتَقِيمَ} [التكوير: 28] قَالَ: يَتَّبِعُ الْحَقَّ
(24/172)
وَقَوْلُهُ: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ
يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} يَقُولُ تَعَالَى
ذِكْرُهُ: وَمَا تَشَاءُونَ أَيُّهَا النَّاسُ الِاسْتِقَامَةَ
عَلَى الْحَقِّ، إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ذَلِكَ لَكُمْ
(24/172)
وَذُكِرَ أَنَّ السَّبَبَ الَّذِي مِنْ
أَجْلِهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مَا: حَدَّثَنَا ابْنُ
حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَعِيدِ
بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، لَمَّا
نَزَلَتْ {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} [التكوير:
28] قَالَ أَبُو جَهْلٍ: ذَلِكَ إِلَيْنَا، إِنْ شِئْنَا
اسْتَقَمْنَا، فَنَزَلَتْ: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ
يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}
(24/172)
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، قَالَ:
لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ
[ص:173] أَنْ يَسْتَقِيمَ} [التكوير: 28] قَالَ أَبُو جَهْلٍ:
الْأَمْرُ إِلَيْنَا، إِنْ شِئْنَا اسْتَقَمْنَا، وَإِنْ
شِئْنَا لَمْ نَسْتَقِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَمَا
تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}
(24/172)
حَدَّثَنِي ابْنُ الْبَرْقِيِّ، قَالَ: ثنا
عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ
بْنِ مُوسَى، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {لِمَنْ
شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} [التكوير: 28] قَالَ أَبُو
جَهْلٍ: ذَلِكَ إِلَيْنَا، إِنْ شِئْنَا اسْتَقَمْنَا، وَإِنْ
شِئْنَا لَمْ نَسْتَقِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَمَا
تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}
(24/173)
سُورَةُ الِانْفِطَارِ مَكِّيَّةٌ
وَآيَاتُهَا تِسْعَ عَشْرَةَ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ
(24/174)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ وَإِذَا الْكَوَاكِبُ
انْتَثَرَتْ وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ وَإِذَا الْقُبُورُ
بُعْثِرَتْ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ}
[الانفطار: 2] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {إِذَا السَّمَاءُ
انْفَطَرَتْ} [الانفطار: 1] : انْشَقَّتْ وَإِذَا كَوَاكِبُهَا
انْتَثَرَتْ مِنْهَا فَتَسَاقَطَتْ. {وَإِذَا الْبِحَارُ
فُجِّرَتْ} [الانفطار: 3] يَقُولُ: فَجَّرَ اللَّهُ بَعْضَهَا
فِي بَعْضٍ، فَمَلَأَ جَمِيعَهَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا
فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ الْتَأْوِيلِ عَلَى اخْتِلَافٍ
مِنْهُمْ فِي بَعْضِ ذَلِكَ
(24/174)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ،
عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَإِذَا
الْبِحَارُ فُجِّرَتْ} [الانفطار: 3] يَقُولُ: بَعْضُهَا فِي
بَعْضِ
(24/174)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ،
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: {وَإِذَا
الْبِحَارُ فُجِّرَتْ} [الانفطار: 3] فُجِّرَ عَذْبُهَا فِي
مَالِحِهَا، وَمَالِحُهَا فِي عَذْبِهَا
(24/174)
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى،
قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ،
{وَإِذَا [ص:175] الْبِحَارُ فُجِّرَتْ} [الانفطار: 3] قَالَ:
فُجِّرَ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ، فَذَهَبَ مَاؤُهَا. وَقَالَ
الْكَلْبِيُّ: مُلِئَتْ
(24/174)
وَقَوْلُهُ: {وَإِذَا الْقُبُورُ
بُعْثِرَتْ} [الانفطار: 4] يَقُولُ: وَإِذَا الْقُبُورُ
أُثِيرَتْ، فَاسْتُخْرِجَ مَنْ فِيهَا مِنَ الْمَوْتَى
أَحْيَاءً. يُقَالُ: بَعْثَرَ فُلَانٌ حَوْضَ فُلَانٍ: إِذَا
جَعَلَ أَسْفَلَهُ أَعْلَاهُ، يُقَالُ: بَعْثَرَهُ
وَبَحْثَرَهُ: لُغَتَانِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي
ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ الْتَأْوِيلِ
(24/175)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ،
عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَإِذَا
الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ} [الانفطار: 4] يَقُولُ: بُحِثَتْ
(24/175)
وَقَوْلُهُ: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا
قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} [الانفطار: 5] يَقُولُ تَعَالَى
ذِكْرُهُ: عَلِمَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا قَدَّمَتْ لِذَلِكَ
الْيَوْمِ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ يَنْفَعُهُ، وَأَخَّرَتْ
وَرَاءَهُ مِنْ شَيْءٍ سَنَّهُ فَعُمِلَ بِهِ وَاخْتَلَفَ
أَهْلُ الْتَأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ
بِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ
(24/175)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ
سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: ثني عَنِ الْقُرَظِيُّ،
أَنَّهُ قَالَ فِي: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ
وَأَخَّرَتْ} [الانفطار: 5] قَالَ: مَا قَدَّمَتْ مِمَّا
عَمِلَتْ، وَأَمَّا مَا أَخَّرَتْ فَالسُّنَّةُ يَسُنُّهَا
الرَّجُلُ، يَعْمَلُ بِهَا مَنْ بَعْدَهُ وَقَالَ آخَرُونَ:
عُنِيَ بِذَلِكَ: مَا قَدَّمَتْ مِنَ الْفَرَائِضِ الَّتِي
أَدَّتْهَا، وَمَا أَخَّرَتْ مِنَ الْفَرَائِضِ الَّتِي
ضَيَّعَتْهَا
(24/176)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، {عَلِمَتْ نَفْسٌ
مَا قَدَّمَتْ} [الانفطار: 5] قَالَ: مَا افْتُرِضَ عَلَيْهَا
وَمَا أَخَّرَتْ قَالَ: مِمَّا افْتُرِضَ عَلَيْهَا
(24/176)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ:
ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ
أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ
وَأَخَّرَتْ} [الانفطار: 5] قَالَ: تَعْلَمُ مَا قَدَّمَتْ
مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ، وَمَا أَخَّرَتْ مِمَّا أُمِرَتْ بِهِ
مِنْ حَقٍّ لِلَّهِ عَلَيْهِ لَمْ تَعْمَلْ بِهِ
(24/176)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ،
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُ: {عَلِمَتْ نَفْسٌ
مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} [الانفطار: 5] قَالَ: مَا
قَدَّمَتْ مِنْ خَيْرٍ، وَأَخَّرَتْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ
عَلَيْهَا لَمْ تَعْمَلْ بِهِ
(24/176)
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى،
قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {مَا
قَدَّمَتْ [ص:177] وَأَخَّرَتْ} [الانفطار: 5] قَالَ: مَا
قَدَّمَتْ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَمَا أَخَّرَتْ مِنْ حَقِّ
اللَّهِ
(24/176)
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ:
{عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} [الانفطار: 5]
قَالَ: مَا قَدَّمَتْ: عَمِلَتْ، وَمَا أَخَّرَتْ: تَرَكَتْ
وَضَيَّعَتْ، وَأَخَّرَتْ مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ الَّذِي
دَعَاهَا اللَّهُ إِلَيْهِ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى
ذَلِكَ: مَا قَدَّمَتْ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، وَأَخَّرَتْ
مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ
(24/177)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
الْعَوَّامُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، قَالَ: ذَكَرُوا
عِنْدَهُ هَذِهِ الْآيَةَ {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ
وَأَخَّرَتْ} [الانفطار: 5] قَالَ: أَنَا مِمَّا أَخَّرَ
الْحَجَّاجَ وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الْقَوْلَ الَّذِي
ذَكَرْنَاهُ، لِأَنَّ كُلَّ مَا عَمِلَ الْعَبْدُ مِنْ خَيْرٍ
أَوْ شَرٍّ فَهُوَ مِمَّا قَدَّمَهُ، وَأَنَّ مَا ضَيَّعَ مِنْ
حَقِّ اللَّهِ عَلَيْهِ وَفَرَّطَ فِيهِ فَلَمْ يَعْمَلْهُ،
فَهُوَ مِمَّا قَدْ قَدَّمَ مِنْ شَرٍّ، وَلَيْسَ ذَلِكَ
مِمَّا أَخَّرَ مِنَ الْعَمَلِ، لِأَنَّ الْعَمَلَ هُوَ مَا
عَمِلَهُ، فَأَمَّا مَا لَمْ يَعْمَلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ
سَيِّئَةٌ قَدَّمَهَا، فَلِذَلِكَ قُلْنَا: مَا أَخَّرَ: هُوَ
مَا سَنَّهُ مِنْ سُنَّةٍ حَسَنَةٍ وَسَيِّئَةٍ، مِمَّا إِذَا
عَمِلَ بِهِ الْعَامِلُ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الْعَامِلِ
بِهَا أَوْ وِزْرُهُ
(24/177)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ
الْكَرِيمِ الَّذِي [ص:178] خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ
فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار: 7] يَقُولُ
تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ الْكَافِرُ،
أَيُّ شَيْءٍ غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ، غَرَّ
الْإِنْسَانَ بِهِ عَدُوَّهُ الْمُسَلَّطُ عَلَيْهِ
(24/177)
كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا
يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، {مَا غَرَّكَ
بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار: 6] شَيْءٌ مَا غَرَّ ابْنَ
آدَمَ هَذَا الْعَدُوُّ الشَّيْطَانُ
(24/178)
وَقَوْلُهُ: {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ}
[الانفطار: 7] يَقُولُ: الَّذِي خَلَقَكَ أَيُّهَا
الْإِنْسَانُ فَسَوَّى خَلْقَكَ {فَعَدَلَكَ} [الانفطار: 7]
وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ
عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَالشَّامِ
وَالْبَصْرَةِ: (فَعَدَّلَكَ) بِتَشْدِيدِ الدَّالِ، وَقَرَأَ
ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ بِتَخْفِيفِهَا؛
وَكَأَنَّ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ بِالتَّشْدِيدِ، وَجَّهَ مَعْنَى
الْكَلَامِ إِلَى أَنَّهُ جَعَلَكَ مُعْتَدِلًا مُعَدَّلَ
الْخَلْقِ مُقَوَّمًا، وَكَأَنَّ الَّذِينَ قَرَءُوهُ
بِالتَّخْفِيفِ، وَجَّهُوا مَعْنَى الْكَلَامِ إِلَى صَرَفَكَ،
وَأَمَالَكَ إِلَى أَيِّ صُورَةٍ شَاءَ، إِمَّا إِلَى صُورَةٍ
حَسَنَةٍ، وَإِمَّا إِلَى صُورَةٍ قَبِيحَةٍ، أَوْ إِلَى
صُورَةِ بَعْضِ قَرَابَاتِهِ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي
ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمَا
قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ،
صَحِيحَتَا الْمَعْنَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ
فَمُصِيبٌ، غَيْرَ أَنَّ أَعْجَبَهُمَا إِلَيَّ أَنْ أَقْرَأَ
بِهِ، قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ بِالتَّشْدِيدِ، لِأَنَّ
دُخُولَ فِي لِلتَّعْدِيلِ أَحْسَنُ فِي
(24/178)
الْعَرَبِيَّةِ مِنْ دُخُولِهَا
لِلْعَدْلَ، أَلَا تَرَى أَنَّكَ تَقُولُ: عَدَّلْتُكَ فِي
كَذَا، وَصَرَّفْتُكَ إِلَيْهِ، وَلَا تَكَادُ تَقُولُ:
عَدَلْتُكَ إِلَى كَذَا وَصَرَفْتُكَ فِيهِ، فَلِذَلِكَ
اخْتَرْتُ التَّشْدِيدَ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ
وَذَكَرْنَا أَنَّ قَارِئِي ذَلِكَ تَأَوَّلُوهُ، جَاءَتِ
الرِّوَايَةُ عَنْ أَهْلِ الْتَأْوِيلِ أَنَّهُمْ قَالُوهُ
(24/179)
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا
عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ،
قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ،
عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا
شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار: 8] قَالَ: فِي أَيِّ شَبَهٍ: أَبٍ
أَوْ أُمٍّ أَوْ خَالٍ أَوْ عَمٍّ
(24/179)
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا
وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، فِي قَوْلِهِ:
{مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار: 8] قَالَ: إِنْ شَاءَ فِي
صُورَةِ كَلْبٍ، وَإِنْ شَاءَ فِي صُورَةِ حِمَارٍ
(24/179)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا
مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي
صَالِحٍ، {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار:
8] قَالَ: خِنْزِيرًا أَوْ حِمَارًا
(24/179)
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ
عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي
قَوْلِهِ: {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار:
8] قَالَ: إِنْ شَاءَ فِي صُورَةِ قِرْدٍ، وَإِنْ شَاءَ فِي
صُورَةِ خِنْزِيرٍ
(24/179)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ
الْقَزَّازُ، قَالَ: ثنا مُطَهَّرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالَ:
ثنا مُوسَى بْنُ عُلَيِّ بْنِ رَبَاحٍ اللَّخْمِيُّ، قَالَ:
ثني أَبِي، عَنْ جَدِّي، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «مَا وُلِدَ لَكَ» ؟ قَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا عَسَى أَنْ يُولَدَ لِي إِمَّا
غُلَامٌ، وَإِمَّا جَارِيَةٌ، قَالَ: «فَمَنْ يُشْبِهُ؟»
قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ عَسَى أَنْ يُشْبِهَ؟ إِمَّا
أَبَاهُ، وَإِمَّا أُمَّهُ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهَا: " مَهْ، لَا تَقُولَنَّ
هَكَذَا، إِنَّ النُّطْفَةَ إِذَا اسْتَقَرَّتْ فِي الرَّحِمِ
أَحْضَرَ اللَّهُ كُلَّ نَسَبٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ آدَمَ،
أَمَا قَرَأْتَ هَذِهِ الْآيَةَ فِي كِتَابِ اللَّهِ {فِي
أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار: 8] قَالَ:
سَلَكَكَ
(24/180)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدَّيْنِ وَإِنَّ
عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا
تَفْعَلُونَ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} [الانفطار: 10]
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَيْسَ الْأَمْرُ أَيُّهَا
الْكَافِرُونَ كَمَا تَقُولُونَ، مِنْ أَنَّكُمْ عَلَى
الْحَقِّ فِي عِبَادَتِكُمْ غَيْرَ اللَّهِ، وَلَكِنَّكُمْ
تُكَذِّبُونَ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ؛ وَالْجَزَاءِ
وَالْحِسَابِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ
{بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدَّيْنِ} [الانفطار: 9] قَالَ أَهْلُ
الْتَأْوِيلِ
(24/180)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا
عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ،
قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ،
عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {بَلْ تُكَذِّبُونَ
بِالدَّيْنِ} [الانفطار: 9] قَالَ: بِالْحِسَابِ
(24/181)
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا
الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي
نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {تُكَذِّبُونَ بِالدَّيْنِ}
[الانفطار: 9] قَالَ: بِيَوْمِ الْحِسَابِ
(24/181)
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى،
قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ،
قَوْلُهُ: {بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدَّيْنِ} [الانفطار: 9]
قَالَ: يَوْمَ شِدَّةٍ، يَوْمَ يَدِينُ اللَّهُ الْعِبَادَ
بِأَعْمَالِهِمْ
(24/181)
وَقَوْلُهُ: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ
لَحَافِظِينَ} [الانفطار: 10] يَقُولُ: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ
رُقَبَاءَ حَافِظَيْنَ يَحْفَظُونَ أَعْمَالَكُمْ،
وَيُحْصُونَهَا عَلَيْكُمْ
(24/181)
{كِرَامًا كَاتِبِينَ} [الانفطار: 11]
يَقُولُ: كِرَامًا عَلَى اللَّهِ كَاتِبِينَ، يَكْتُبُونَ
أَعْمَالَكُمْ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ
أَهْلُ الْتَأْوِيلِ
(24/181)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: قَالَ بَعْضُ
أَصْحَابِنَا، عَنْ أَيُّوبَ، فِي قَوْلِهِ: {وَإِنَّ
عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ} [الانفطار: 11]
قَالَ: يَكْتُبُونَ مَا تَقُولُونَ وَمَا تَعْنُونَ
(24/181)
وَقَوْلُهُ: {يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ}
[الانفطار: 12] يَقُولُ: يَعْلَمُ هَؤُلَاءِ الْحَافِظُونَ مَا
تَفْعَلُونَ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، يُحْصَوْنَ ذَلِكَ
عَلَيْكُمْ
(24/182)
وَقَوْلُهُ: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي
نَعِيمٍ} [الانفطار: 13] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: إِنَّ
الَّذِينَ بَرُّوا بِأَدَاءِ فَرَائِضِ اللَّهِ، وَاجْتِنَابِ
مَعَاصِيهِ لَفِي نَعِيمِ الْجِنَّانِ يُنَعَّمُونَ فِيهَا
(24/182)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ يَصْلَوْنَهَا
يَوْمَ الدِّينِ وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ وَمَا
أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ
الدِّينِ يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا
وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار: 15] يَقُولُ
تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَإِنَّ الْفُجَّارَ} [الانفطار: 14]
الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ {لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار:
14]
(24/182)
وَقَوْلُهُ: {يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ
الدِّينِ} [الانفطار: 15] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: يُصْلَى
هَؤُلَاءِ الْفُجَّارُ الْجَحِيمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَوْمَ
يُدَانُ الْعِبَادُ بِالْأَعْمَالِ، فَيُجَازَوْنَ بِهَا
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ
الْتَأْوِيلِ
(24/182)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ،
عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {يَوْمَ
الدِّينِ} [الانفطار: 15] مِنْ أَسْمَاءِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ،
عَظَّمَهُ اللَّهُ، وَحَذَّرَهُ عِبَادَهُ
(24/182)
وَقَوْلُهُ: {وَمَا هُمْ عَنْهَا
بِغَائِبِينَ} [الانفطار: 16] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ:
وَمَا هَؤُلَاءِ الْفُجَّارُ مِنَ الْجَحِيمِ بِخَارِجِينَ
أَبَدًا فَغَائِبِينَ عَنْهَا، وَلَكِنَّهُمْ فِيهَا
مُخَلَّدُونَ مَاكِثُونَ، وَكَذَلِكَ [ص:183] الْأَبْرَارُ فِي
النَّعِيمِ، وَذَلِكَ نَحْوُ قَوْلِهِ: {وَمَا هُمْ مِنْهَا
بِمُخْرَجِينَ} [الحجر: 48]
(24/182)
وَقَوْلُهُ: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ
الدِّينِ} [الانفطار: 17] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ
لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَا
أَدْرَاكَ يَا مُحَمَّدُ، أَيْ وَمَا أَشْعَرَكَ مَا يَوْمُ
الدِّينِ؟ يَقُولُ: أَيُّ شَيْءٍ يَوْمُ الْحِسَابِ
وَالْمُجَازَاةِ، مُعَظِّمًا شَأْنَهُ جَلَّ ذِكْرُهُ،
بِقِيلِهِ ذَلِكَ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ
أَهْلُ الْتَأْوِيلِ
(24/183)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ
قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ}
[الانفطار: 17] تَعْظِيمًا لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ، يَوْمَ
تُدَانُ فِيهِ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ
(24/183)
وَقَوْلُهُ: {ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا
يَوْمُ الدِّينِ} [الانفطار: 18] يَقُولُ: ثُمَّ أَيُّ شَيْءٍ
أَشْعَرَكَ أَيُّ شَيْءٍ يَوْمُ الْمُجَازَاةِ وَالْحِسَابِ
يَا مُحَمَّدُ، تَعْظِيمًا لَأَمْرِهِ. ثُمَّ فَسَّرَ جَلَّ
ثَنَاؤُهُ بَعْضَ شَأْنِهِ فَقَالَ: {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ
نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا} [الانفطار: 19] يَقُولُ: ذَلِكَ
الْيَوْمُ، يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ، يَقُولُ: يَوْمَ لَا
تُغْنِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا، فَتَدْفَعُ عَنْهَا
بَلِيَّةً نَزَلَتْ بِهَا، وَلَا تَنْفَعُهَا بِنَافِعَةٍ،
وَقَدْ كَانَتْ فِي الدُّنْيَا تَحْمِيهَا، وَتَدْفَعُ عَنْهَا
مَنْ بَغَاهَا سُوءًا، فَبَطَلَ ذَلِكَ يَوْمَئِذٍ، لِأَنَّ
الْأَمْرَ صَارَ لِلَّهِ الَّذِي لَا يَغْلِبُهُ غَالِبٌ،
وَلَا يَقْهَرُهُ قَاهِرٌ، وَاضْمَحَلَّتْ هُنَالِكَ
الْمَمَالِكُ، وَذَهَبَتِ الرِّيَاسَاتُ، وَحَصَلَ الْمُلْكُ
لِلْمَلِكِ الْجَبَّارِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَالْأَمْرُ
يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار: 19] يَقُولُ: وَالْأَمْرُ
كُلُّهُ يَوْمَئِذٍ، يَعْنِي الدِّينَ لِلَّهِ دُونَ سَائِرِ
خَلْقِهِ، لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ مَعَهُ يَوْمَئِذٍ
أَمْرٌ وَلَا نَهْيٌ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ
قَالَ أَهْلُ الْتَأْوِيلِ
(24/183)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ
مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، {وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ}
[الانفطار: 19] قَالَ: لَيْسَ ثَمَّ أَحَدٌ يَوْمَئِذٍ يَقْضِي
شَيْئًا، وَلَا يَصْنَعُ شَيْئًا إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ
(24/184)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ،
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ {يَوْمَ لَا
تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ
لِلَّهِ} [الانفطار: 19] وَالْأَمْرُ وَاللَّهِ الْيَوْمَ
لِلَّهِ، وَلَكِنَّهُ يَوْمَئِذٍ لَا يُنَازِعُهُ أَحَدٌ
وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: {يَوْمَ
لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ} [الانفطار: 19] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ
قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْكُوفَةِ بِنَصْبِ يَوْمٍ إِذْ
كَانَتْ إِضَافَتُهُ غَيْرَ مَحْضَةٍ. وَقَرَأَهُ بَعْضُ
قُرَّاءِ الْبَصْرَةِ بِضَمِّ يَوْمٍ وَرَفْعِهِ رَدًّا عَلَى
الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، وَالرَّفْعُ فِيهِ أَفْصَحُ فِي كَلَامِ
الْعَرَبِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْيَوْمَ مُضَافٌ إِلَى يَفْعَلُ،
وَالْعَرَبُ إِذَا أَضَافَتِ الْيَوْمَ إِلَى تَفْعَلُ أَوْ
يَفْعَلُ أَوْ أَفْعَلُ رَفَعُوهُ فَقَالُوا: هَذَا يَوْمُ
أَفْعَلُ كَذَا، وَإِذَا أَضَافَتْهُ إِلَى فِعْلٍ مَاضٍ
نَصَبُوهُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الطويل]
عَلَى حِينَ عَاتَبْتُ الْمَشِيبَ عَلَى الصِّبَا ... وَقُلْتُ
أَلَمَّا تَصْحُ وَالشِّيبُ وَازِعُ
(24/184)
سُورَةُ الْمُطَفِّفِينَ مَكِّيَّةٌ
وَآيَاتُهَا سِتٌّ وَثَلَاثُونَ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ
(24/185)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا
اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ
أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ
أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ
النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 2] يَقُولُ
تَعَالَى ذِكْرُهُ: الْوَادِي الَّذِي يَسِيلُ مِنْ صَدِيدِ
أَهْلِ جَهَنَّمَ فِي أَسْفَلِهَا لِلَّذِينَ يُطَفِّفُونَ،
يَعْنِي: لِلَّذِينَ يَنْقُصُونَ النَّاسَ، وَيَبْخَسُونَهُمْ
حُقُوقَهُمْ فِي مَكَايِيلِهِمْ إِذَا كَالُوهُمْ، أَوْ
مَوَازِينِهِمْ إِذَا وَزَنَوْا لَهُمْ عَنِ الْوَاجِبِ لَهُمْ
مِنَ الْوَفَاءِ؛ وَأَصْلُ ذَلِكَ مِنَ الشَّيْءِ الطَّفِيفِ،
وَهُوَ الْقَلِيلُ النَّزْرُ، وَالْمُطَفِّفُ: الْمُقَلِّلُ
حَقَّ صَاحِبِ الْحَقِّ عَمَّا لَهُ مِنَ الْوَفَاءِ
وَالتَّمَامِ فِي كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ؛ وَمِنْهُ قِيلَ
لِلْقَوْمِ الَّذِي يَكُونُونَ سَوَاءً فِي حِسْبَةٍ أَوْ
عَدَدٍ: هُمْ سَوَاءٌ كَطَفِّ الصَّاعِ، يَعْنِي بِذَلِكَ:
كَقُرْبِ الْمُمْتَلِئِ مِنْهُ نَاقِصٌ عَنِ الْمِلْءِ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ
الْتَأْوِيلِ
(24/185)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ ضِرَارٍ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا
عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ لَيُوفُونَ
الْكَيْلَ، قَالَ: وَمَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ أَنْ يُوفُوا
الْكَيْلَ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ}
[المطففين: 1] حَتَّى بَلَغَ [ص:186]: {يَوْمَ يَقُومُ
النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 6]
(24/185)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا
يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ،
عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْمَدِينَةَ كَانُوا مِنْ أَخْبَثِ النَّاسِ كَيْلًا،
فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1]
فَأَحْسَنُوا الْكَيْلَ
(24/186)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ
خِدَاشٍ، قَالَ: ثنا سَلْمُ بْنُ قُتَيْبَةَ، عَنْ قَسَّامٍ
الصَّيْرَفِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ كُلَّ
كَيَّالٍ وَوَزَّانٍ فِي النَّارِ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ،
فَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْهُمْ أَحَدٌ يَزِنُ كَمَا
يَتَّزِنُ، وَلَا يَكِيلُ كَمَا يَكْتَالُ، وَقَدْ قَالَ
اللَّهُ: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1]
(24/186)
وَقَوْلُهُ: {الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا
عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ} [المطففين: 2] يَقُولُ تَعَالَى
ذِكْرُهُ: الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا مِنَ النَّاسِ مَا
لَهُمْ قِبَلَهُمْ مِنْ حَقٍّ، يَسْتَوْفُونَ لِأَنْفُسِهِمْ
فَيَكْتَالُونَهُ مِنْهُمْ وَافِيًا؛ وَعَلَى وَمَنْ فِي هَذَا
الْمَوْضِعِ يَتَعَاقَبَانِ غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا قِيلَ:
اكْتَلْتُ مِنْكَ، يُرَادُ: اسْتَوْفَيْتُ مِنْكَ
(24/186)
وَقَوْلُهُ: {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ
وَزَنُوهُمْ} [المطففين: 3] يَقُولُ: وَإِذَا هُمْ كَالُوا
لِلنَّاسِ أَوْ وَزَنَوْا لَهُمْ. وَمِنْ لُغَةِ أَهْلِ
الْحِجَازِ أَنْ يَقُولُوا: وَزَنْتُكَ حَقَّكَ، وَكِلْتُكَ
طَعَامَكَ، بِمَعْنَى: وَزَنْتُ لَكَ وَكِلْتُ لَكَ. وَمَنْ
وَجَّهَ الْكَلَامَ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى، جَعَلَ الْوَقْفَ
عَلَى
(24/186)
هُمْ، وَجَعَلَ هُمْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ.
وَكَانَ عِيسَى بْنُ عُمَرَ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ
يَجْعَلُهُمَا حَرْفَيْنِ، وَيَقِفُ عَلَى كَالُوا، وَعَلَى
وَزَنَوْا، ثُمَّ يَبْتَدِئُ: هُمْ يُخْسِرُونَ. فَمَنْ
وَجَّهَ الْكَلَامَ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى، جَعَلَ هُمْ فِي
مَوْضِعِ رَفْعٍ، وَجَعَلَ كَالُوا وَوَزَنُوا مُكْتَفِيَيْنِ
بِأَنْفُسِهِمَا وَالصَّوَابُ فِي ذَلِكَ عِنْدِي: الْوَقْفُ
عَلَى هُمْ، لِأَنَّ كَالُوا وَوَزَنُوا لَوْ كَانَا
مُكْتَفِيَيْنِ، وَكَانَتْ هُمْ كَلَامًا مُسْتَأْنَفًا،
كَانَتْ كِتَابَةُ كَالُوا وَوَزَنُوا بِأَلِفٍ فَاصِلَةٍ
بَيْنَهَا وَبَيْنَ هُمْ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، إِذْ
كَانَ بِذَلِكَ جَرَى الْكِتَابُ فِي نَظَائِرِ ذَلِكَ، إِذَا
لَمْ يَكُنْ مُتَّصِلًا بِهِ شَيْءٌ مِنْ كِنَايَاتِ
الْمَفْعُولِ، فَكِتَابُهُمْ ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
بِغَيْرِ أَلِفٍ أَوْضَحُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ:
هُمْ إِنَّمَا هُوَ كِنَايَةُ أَسْمَاءِ الْمَفْعُولِ بِهِمْ.
فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا
وَصَفْنَا، عَلَى مَا بَيَّنَّا
(24/187)
وَقَوْلُهُ: {يُخْسِرُونَ} [المطففين: 3]
يَقُولُ: يَنْقُصُونَهُمْ
(24/187)
وَقَوْلُهُ: {أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ
أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ} [المطففين: 5]
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَلَا يَظُنُّ هَؤُلَاءِ
الْمُطَفِّفُونَ النَّاسَ فِي مَكَايِيلِهِمْ
وَمَوَازِينِهِمْ، أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ
بَعْدَ مَمَاتِهِمِ، لِيَوْمٍ عَظِيمٍ شَأْنُهُ، هَائِلٍ
أَمْرُهُ، فَظِيعٍ هَوْلُهُ
(24/187)
وَقَوْلُهُ: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ
لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 6] فَيَوْمَ يَقُومُ
تَفْسِيرٌ عَنِ الْيَوْمِ [ص:188] الْأَوَّلِ الْمَخْفُوضِ،
وَلَكِنَّهُ لَمَّا لَمْ يُعْدِ عَلَيْهِ اللَّامَ، رُدَّ
إِلَى مَبْعُوثُونَ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَلَا يَظُنُّ
أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ؟
وَقَدْ يَجُوزُ نَصْبُهُ وَهُوَ بِمَعْنَى الْخَفْضِ،
لِأَنَّهَا إِضَافَةٌ غَيْرُ مَحْضَةٍ، وَلَوْ خُفِضَ رَدًّا
عَلَى الْيَوْمِ الْأَوَّلِ لَمْ يَكُنْ لَحْنًا، وَلَوْ
رُفِعَ جَازَ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل]
وَكُنْتُ كَذِي رِجْلَيْنِ: رِجْلٍ صَحِيحَةٍ ... وَرِجْلٍ
رَمَى فِيهَا الزَّمَانُ فَشَلَّتِ
وَذُكِرَ أَنَّ النَّاسَ يَقُومُونَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يُلْجِمَهُمُ الْعَرَقُ، فَبَعْضٌ
يَقُولُ: مِقْدَارَ ثَلَاثِمِائَةِ عَامٍ، وَبَعْضٌ يَقُولُ:
مِقْدَارَ أَرْبَعِينَ عَامًا
(24/187)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الْكِنْدِيُّ، قَالَ: ثنا عِيسَى بْنُ
يُونُسَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي
قَوْلِهِ: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}
[المطففين: 6] قَالَ: «يَقُومُ أَحَدُكُمْ فِي رَشْحِهِ إِلَى
أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ»
(24/188)
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا
أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ،
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}
[المطففين: 6] قَالَ: «يَغِيبُ أَحَدُهُمْ فِي رَشْحِهِ إِلَى
أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ»
(24/188)
حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ،
قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عَوْنٍ،
عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: {يَوْمَ يَقُومُ
النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 6] حَتَّى يَقُومَ
أَحَدُهُمْ فِي رَشْحِهِ [ص:189] إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ
(24/188)
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا
جَرِيرٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ
ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «إِنَّ النَّاسَ يُوقَفُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
لِعَظَمَةِ اللَّهِ، حَتَّى إِنَّ الْعَرَقَ لَيُلْجِمُهُمْ
إِلَى أَنْصَافِ آذَانِهِمْ»
(24/189)
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا
يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ
نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: {يَوْمَ يَقُومُ
النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 6] «يَوْمَ
الْقِيَامَةِ لِعَظَمَةِ الرَّحْمَنِ» ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ
(24/189)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ
الْعَسْقَلَانِيُّ، قَالَ: ثنا آدَمٌ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ
بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ
عُمَرَ، قَالَ: تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ
الْعَالَمِينَ} [المطففين: 6] «يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى
يَغِيبَ أَحَدُهُمْ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ فِي رَشْحِهِ»
(24/189)
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
حَبِيبٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا
أَبِي عَنْ صَالِحٍ، قَالَ ثنا نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}
[المطففين: 6] «وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يَتَغَيَّبَ
أَحَدُهُمْ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ فِي رَشْحِهِ»
(24/189)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا
حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ
[ص:190] دِثَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، فِي قَوْلِهِ: {يَوْمَ
يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 6] قَالَ:
يَقُومُونَ مِائَةَ سَنَةٍ
(24/189)
حَدَّثَنَا تَمِيمُ بْنُ الْمُنْتَصِرِ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: سَمِعْتُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: {يَوْمَ
يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 6]
«يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى إِنَّ الْعَرَقَ لَيُلْجِمُ
الرَّجُلَ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ» حَدَّثَنَا ابْنُ
حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
إِسْحَاقَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِهِ
(24/190)
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ
وَكِيعٍ، قَالَا: ثنا يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ
نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ
الْعَالَمِينَ حَتَّى يَقُومَ أَحَدُهُمْ فِي رَشْحِهِ إِلَى
أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ»
(24/190)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
السَّلِيمِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ صُدْرَانَ، قَالَ: ثنا
يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ
عَجْلَانَ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ الْمَدَنِيُّ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ لِبَشِيرٍ الْغِفَارِيِّ: «كَيْفَ أَنْتَ
صَانِعٌ فِي يَوْمٍ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ
مِقْدَارَ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا،
لَا يَأْتِيهِمْ خَبَرٌ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَا يُؤْمَرُ
[ص:191] فِيهِمْ بِأَمْرٍ؟» قَالَ بَشِيرٌ: الْمُسْتَعَانُ
اللَّهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «إِذَا أَنْتَ أَوَيْتَ
إِلَى فِرَاشِكَ فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ كَرْبِ يَوْمِ
الْقِيَامَةِ، وَسُوءِ الْحِسَابِ»
(24/190)
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ طَلْحَةَ
الْيَرْبُوعِيُّ، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ
الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مَسْعُودٍ، فِي قَوْلِهِ: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ
الْعَالَمِينَ} [المطففين: 6] قَالَ: يَمْكُثُونَ أَرْبَعِينَ
عَامًا رَافِعِي رُءُوسِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ، لَا
يُكَلِّمُهُمْ أَحَدٌ، قَدْ أَلْجَمَ الْعَرَقُ كُلَّ بَرٍّ
وَفَاجِرٍ، قَالَ: فَيُنَادِي مُنَادٍ: أَلَيْسَ عَدْلًا مِنْ
رَبِّكُمْ أَنْ خَلَقَكُمْ ثُمَّ صَوَّرَكُمْ، ثُمَّ
رَزَقَكُمْ، ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ غَيْرَهُ، أَنْ يُوَلِّيَ
كُلَّ عَبْدٍ مِنْكُمْ مَا تَوَلَّى فِي الدُّنْيَا؟ قَالُوا:
بَلَى ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ
(24/191)
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا
أَبُو بَكْرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ
عَمْرٍو، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَكَنٍ، قَالَ: حَدَّثَ عَبْدُ
اللَّهِ، وَهُوَ عِنْدَ عُمَرَ {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ
لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 6] قَالَ: إِذَا كَانَ
يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَقُومُ النَّاسُ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّ
الْعَالَمِينَ أَرْبَعِينَ عَامًا، شَاخِصَةً أَبْصَارَهُمْ
إِلَى السَّمَاءِ، حُفَاةً عُرَاةً يُلْجِمُهُمُ الْعَرَقُ،
وَلَا يُكَلِّمُهُمْ بَشَرٌ أَرْبَعِينَ عَامًا ثُمَّ ذَكَرَ
نَحْوَهُ
(24/191)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ،
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {يَوْمَ
يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 6] قَالَ:
ذُكِرَ لَنَا أَنَّ كَعْبًا كَانَ يَقُولُ: يَقُومُونَ
ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ
(24/191)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا
مِهْرَانُ وَسَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ
لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 6] قَالَ: كَانَ كَعْبٌ
يَقُولُ: يَقُومُونَ مِقْدَارَ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ
(24/192)
قَالَ قَتَادَةُ: وَحَدَّثَنَا الْعَلَاءُ
بْنُ زِيَادٍ الْعَدَوِيُّ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنْ يَوْمَ،
الْقِيَامَةِ يَقْصُرُ عَلَى الْمُؤْمِنِ، حَتَّى يَكُونَ
كِإِحْدَى صَلَاتِهِ الْمَكْتُوبَةِ
(24/192)
قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، قَالَ: ثنا
الْعُمَرِيُّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:
سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
{يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:
6] قَالَ: «يَقُومُ الرَّجُلُ فِي رَشْحِهِ إِلَى أَنْصَافِ
أُذُنَيْهِ»
(24/192)
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ
عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ
عُمَرَ، قَالَ: {يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}
[المطففين: 6] حَتَّى يَقُومَ أَحَدُهُمْ فِي رَشْحِهِ إِلَى
أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ قَالَ يَعْقُوبُ، قَالَ إِسْمَاعِيلُ،
قُلْتُ لِابْنِ عَوْنٍ: ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ؟ قَالَ: نَعَمْ إِنْ
شَاءَ اللَّهُ
(24/192)
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكُ
بْنُ أَنَسٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَقُومُ
النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَهُمْ
لَيَغِيبُ فِي رَشْحِهِ إِلَى نِصْفِ أُذُنَيْهِ»
(24/192)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ
وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ كِتَابٌ مَرْقُومٌ وَيْلٌ
يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ
الدِّينِ} [المطففين: 8] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: كَلَّا،
أَيْ لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا يَظُنُّ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ،
أَنَّهُمْ غَيْرُ مَبْعُوثِينَ وَلَا مُعَذَّبِينَ، إِنَّ
كِتَابَهُمُ الَّذِي كَتَبَ فِيهِ أَعْمَالَهُمُ الَّتِي
كَانُوا يَعْمَلُونَهَا فِي الدُّنْيَا {لَفِي سِجِّينٍ}
[المطففين: 7] وَهِيَ الْأَرْضُ السَّابِعَةُ السُّفْلَى،
وَهُوَ فِعِّيلٌ مِنَ السِّجْنِ، كَمَا قِيلَ: رَجُلٌ سِكِّيرٌ
مِنَ السَّكَرِ، وَفِسِّيقٌ مِنَ الْفِسْقِ وَقَدِ اخْتَلَفَ
أَهْلُ الْتَأْوِيلِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ:
مِثْلَ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ
(24/193)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا
سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ مُغِيثِ بْنِ
سُمَيٍّ: {إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ}
[المطففين: 7] قَالَ: فِي الْأَرْضِ السَّابِعَةِ
(24/193)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا
مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ،
عَنْ مُغِيثِ بْنِ سُمَيٍّ، قَالَ: {إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ
لَفِي سِجِّينٍ} [المطففين: 7] قَالَ: الْأَرْضُ السُّفْلَى،
قَالَ: إِبْلِيسُ مُوثَقٌ بِالْحَدِيدِ وَالسَّلَاسِلِ فِي
الْأَرْضِ السُّفْلَى
(24/193)
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ
سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ، عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ
هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا إِلَى كَعْبٍ
أَنَا وَرَبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ، وَخَالِدُ بْنُ عَرْعَرَةَ،
وَرَهْطٌ، مِنْ أَصْحَابِنَا، فَأَقْبَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ،
فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِ كَعْبٍ، فَقَالَ: يَا كَعْبُ،
أَخْبِرنِي عَنْ سِجِّينٍ، فَقَالَ كَعْبٌ: [ص:194] أَمَّا
سِجِّينٍ: فَإِنَّهَا الْأَرْضُ السَّابِعَةُ السُّفْلَى،
وَفِيهَا أَرْوَاحُ الْكُفَّارِ تَحْتَ حَدِّ إِبْلِيسَ
(24/193)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ،
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {إِنَّ كِتَابَ
الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ} [المطففين: 7] ذُكِرَ أَنَّ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو كَانَ يَقُولُ: هِيَ الْأَرْضُ
السُّفْلَى، فِيهَا أَرْوَاحُ الْكُفَّارِ، وَأَعْمَالُهُمْ
أَعْمَالُ السُّوءِ
(24/194)
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى،
قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {فِي
سِجِّينٍ} قَالَ: فِي أَسْفَلِ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ
(24/194)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ:
ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ
أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ كِتَابَ
الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ} [المطففين: 7] يَقُولُ:
أَعْمَالُهُمْ فِي كِتَابٍ فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى
(24/194)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ:
ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي
الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ،
جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي
قَوْلِ اللَّهِ: {فِي سِجِّينٍ} قَالَ: عَمَلُهُمْ فِي
الْأَرْضِ السَّابِعَةِ لَا يَصْعَدُ حَدَّثَنِي الْحَارِثُ،
قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي
نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ.
(24/194)
حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ
مُجَالِدٍ، قَالَ: ثنا مُطَرِّفُ بْنُ مَازِنٍ: قَاضِي
الْيَمَنِ، [ص:195] عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ:
{سِجِّينٍ} [المطففين: 7] الْأَرْضُ السَّابِعَةُ
(24/194)
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ:
سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {لَفِي سِجِّينٍ}
[المطففين: 7] يَقُولُ: فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى
(24/195)
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا
سُلَيْمَانٌ، قَالَ: ثنا أَبُو هِلَالٍ، قَالَ: ثنا قَتَادَةُ،
فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ}
[المطففين: 7] قَالَ: الْأَرْضُ السَّابِعَةُ السُّفْلَى
(24/195)
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ:
{كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ} [المطففين:
7] قَالَ: يُقَالُ سِجِّينٌ: الْأَرْضُ السَّافِلَةُ،
وَسِجِّينٌ: بِالسَّمَاءِ الدُّنْيَا وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ
ذَلِكَ حَدُّ إِبْلِيسَ
(24/195)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنْ
حَفْصِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ شِمْرٍ، قَالَ: جَاءَ ابْنُ
عَبَّاسٍ إِلَى كَعْبِ الْأَحْبَارِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ
عَبَّاسٍ: حَدَّثَنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: {إِنَّ كِتَابَ
الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ} [المطففين: 7] الْآيَةُ، قَالَ
كَعْبٌ: إِنَّ رُوحَ الْفَاجِرِ يُصْعَدُ بِهَا إِلَى
السَّمَاءِ، فَتَأْبَى السَّمَاءُ أَنْ تَقْبَلَهَا،
وَيُهْبَطُ بِهَا إِلَى الْأَرْضِ، فَتَأْبَى الْأَرْضُ أَنْ
تَقْبَلَهَا، فَتَهْبِطُ فَتَدْخُلُ تَحْتَ سَبْعِ أَرَضِينَ،
حَتَّى يَنْتَهِيَ بِهَا إِلَى سِجِّينٍ، وَهُوَ حَدُّ
إِبْلِيسَ، فَيَخْرُجُ لَهَا مِنْ سِجِّينٍ مِنْ تَحْتِ حَدِّ
إِبْلِيسَ رَقٌّ، فَيُرْقَمُ وَيُخْتَمُ، يُوضَعُ تَحْتَ حَدِّ
إِبْلِيسَ بِمَعْرِفَتِهَا الْهَلَاكُ إِلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ
(24/195)
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا
ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ،
فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ}
[المطففين: 7] قَالَ: تَحْتَ حَدِّ إِبْلِيسَ وَقَالَ
آخَرُونَ: هُوَ جُبٌّ فِي جَهَنَّمَ مَفْتُوحٌ، وَرَوَوْا فِي
ذَلِكَ خَبَرًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ
(24/196)
حَدَّثَنَا بِهِ إِسْحَاقُ بْنُ وَهْبٍ
الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: ثنا مَسْعُودُ بْنُ مُوسَى بْنِ
مُسْكَانَ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: ثنا نَضْرُ بْنُ خُزَيْمَةَ
الْوَاسِطِيُّ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ صَفْوَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ:
قَالَ: «الْفَلَقُ جُبٌّ فِي جَهَنَّمَ مُغَطًّى، وَأَمَّا
سِجِّينٌ فَمَفْتُوحٌ» وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ:
ذَكَرُوا أَنَّ {سِجِّينٍ} [المطففين: 7] : الصَّخْرَةُ
الَّتِي تَحْتَ الْأَرْضِ، قَالَ: وَيُرَى أَنَّ {سِجِّينٍ}
[المطففين: 7] صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهَا، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ
لَهَا اسْمًا لَمْ يُجْرَ، قَالَ: وَإِنْ قُلْتَ أَجْرَيْتُهُ
لِأَنِّي ذَهَبْتُ بِالصَّخْرَةِ إِلَى أَنَّهَا الْحَجَرُ
الَّذِي فِيهِ الْكِتَابُ كَانَ وَجْهًا وَإِنَّمَا اخْتَرْتُ
الْقَوْلَ الَّذِي اخْتَرْتُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: {سِجِّينٍ}
[المطففين: 7] لِمَا:
(24/196)
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا
ابْنُ نُمَيْرٍ، قَالَ: ثنا الْأَعْمَشُ، قَالَ: ثنا
الْمِنْهَالُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ زَاذَانَ أَبِي عَمْرٍو، عَنِ
[ص:197] الْبَرَاءِ، قَالَ: {سِجِّينٍ} [المطففين: 7]
الْأَرْضُ السُّفْلَى
(24/196)
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا
أَبُو بَكْرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ
زَاذَانَ، عَنِ الْبَرَاءِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَذَكَرَ نَفْسَ الْفَاجِرِ،
وَأَنَّهُ يُصْعَدُ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ قَالَ: "
فَيَصْعَدُونَ بِهَا فَلَا يَمُرُّونَ بِهَا عَلَى مَلَإٍ مِنَ
الْمَلَائِكَةِ إِلَّا قَالُوا: مَا هَذَا الرُّوحُ
الْخَبِيثُ؟ قَالَ: فَيَقُولُونَ فُلَانٌ بِأَقْبَحِ
أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانَ يُسَمَّى بِهَا فِي الدُّنْيَا
حَتَّى يَنْتَهُوا بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا،
فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ، فَلَا يُفْتَحُ لَهُ " ثُمَّ قَرَأَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لَا
تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ
الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخَيَّاطِ}
[الأعراف: 40] " فَيَقُولُ اللَّهُ: اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي
أَسْفَلِ الْأَرْضِ فِي سِجِّينٍ فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى "
(24/197)
حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ:
ثنا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ،
عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ
الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ} [المطففين: 7] قَالَ: سِجِّينٌ:
صَخْرَةٌ فِي الْأَرْضِ السَّابِعَةِ، فَيُجْعَلُ كِتَابُ
الْفُجَّارِ تَحْتَهَا
(24/197)
وَقَوْلُهُ: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا
سِجِّينٌ} [المطففين: 8] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ
لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
وَأَيُّ شَيْءٍ أَدْرَاكَ يَا مُحَمَّدُ، أَيُّ شَيْءٍ ذَلِكَ
الْكِتَابُ. ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ تَعَالَى ذِكْرُهُ، فَقَالَ:
{كِتَابٌ مَرْقُومٌ} [المطففين: 9] وَعُنِيَ بِالْمَرْقُومِ:
الْمَكْتُوبُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ
أَهْلُ الْتَأْوِيلِ
(24/197)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ
مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، {كِتَابٌ مَرْقُومٌ} [المطففين: 9]
قَالَ: كِتَابٌ مَكْتُوبٌ
(24/198)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ،
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، {وَمَا أَدْرَاكَ مَا
سِجِّينٌ كِتَابٌ مَرْقُومٌ} [المطففين: 9] قَالَ: رُقِمَ
لَهُمْ بِشَرٍّ
(24/198)
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {كِتَابٌ
مَرْقُومٌ} [المطففين: 9] قَالَ: الْمَرْقُومُ: الْمَكْتُوبُ
(24/198)
وَقَوْلُهُ: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ
لِلْمُكَذِّبِينَ} [المرسلات: 15] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ:
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ بِهَذِهِ الْآيَاتِ
(24/198)
{الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ
الدِّينِ} [المطففين: 11] يَقُولُ: الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ
بِيَوْمِ الْحِسَابِ وَالْمُجَازَاةِ
(24/198)
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ:
{الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ} [المطففين: 11]
قَالَ أَهْلُ الشِّرْكِ يُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ، وَقَرَأَ:
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ
يُنَبِّئُكُمْ} [سبأ: 7] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ
(24/198)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ
أَثِيمٍ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ
الْأَوَّلِينَ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَّا
كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 13] يَقُولُ تَعَالَى
ذِكْرُهُ: وَمَا يُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ {إِلَّا كُلُّ
مُعْتَدٍ} [المطففين: 12] اعْتَدَى عَلَى اللَّهِ فِي
قَوْلِهِ، فَخَالَفَ أَمْرَهُ {أَثِيمٍ} [البقرة: 276]
بِرَبِّهِ:
(24/198)
كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا
يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، {وَيْلٌ
يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} [المرسلات: 15] قَالَ اللَّهُ:
{وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ}
[المطففين: 12] أَيْ بِيَوْمِ الدِّينِ، إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ
فِي قَوْلِهِ، أَثِيمٍ بِرَبِّهِ
(24/199)
{إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا}
[القلم: 15] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِذَا قُرِئَ عَلَيْهِ
حُجَجُنَا وَأَدِّلَتُنَا الَّتِي بَيَّنَّاهَا فِي كِتَابِنَا
الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ
(24/199)
{قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [القلم:
15] يَقُولُ: قَالَ: هَذَا مَا سَطَّرَهُ الْأَوَّلُونَ
فَكَتَبُوهُ، مِنَ الْأَحَادِيثِ وَالْأَخْبَارِ
(24/199)
وَقَوْلُهُ: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى
قُلُوبِهِمْ} [المطففين: 14] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ
مُكَذِّبًا لَهُمْ فِي قِيلِهِمْ ذَلِكَ: كَلَّا، مَا ذَلِكَ
كَذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ يَقُولُ:
غَلَبَ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَغَمَرَهَا، وَأَحَاطَتْ بِهَا
الذُّنُوبُ فَغَطَّتْهَا؛ يُقَالُ مِنْهُ: رَانَتِ الْخَمْرُ
عَلَى عَقْلِهِ، فَهِيَ تَرِينُ عَلَيْهِ رَيْنًا، وَذَلِكَ
إِذَا سَكِرَ، فَغَلَبَتْ عَلَى عَقْلِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ
أَبِي زُبَيْدٍ الطَّائِيِّ:
[البحر الخفيف]
ثُمَّ لَمَّا رَآهُ رَانَتْ بِهِ الْخَمْـ ... ـرُ وَأَنْ لَا
تَرِينَهُ بِاتِّقَاءِ
يَعْنِي تَرِينَهُ بِمَخَافَةٍ، يَقُولُ: سَكِرَ فَهُوَ لَا
يَنْتَبِهُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ:
[البحر الرجز]
لَمْ نَرْوَ حَتَّى هَجَّرَتْ وَرِينَ بِي ... وَرِينَ
بِالسَّاقِي الَّذِي أَمْسَى مَعِي
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ
الْتَأْوِيلِ، وَجَاءَ الْأَثَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(24/199)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا أَبُو خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ
عَجْلَانَ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي
صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا أَذْنَبَ الْعَبْدُ
نُكِتَ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فَإِنْ تَابَ صُقِلَ
مِنْهَا، فَإِنْ عَادَ عَادَتْ حَتَّى تَعْظُمَ فِي قَلْبِهِ،
فَذَلِكَ الرَّانُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ {كَلَّا بَلْ رَانَ
عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14] "
(24/200)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ،
قَالَ: ثنا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى، قَالَ: ثنا ابْنُ
عَجْلَانَ، عَنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ
ذَنْبًا كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ، فَإِنْ
تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صَقَلَتْ قَلْبَهُ فَإِنْ زَادَ
زَادَتْ حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ، فَذَلِكَ الرَّانُ الَّذِي
قَالَ اللَّهُ: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا
كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14]
(24/200)
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ:
ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ،
عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَذْنَبَ ذَنْبًا
كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ
مِنْهَا صُقِلَ قَلْبُهُ، فَإِنْ زَادَ زَادَتْ، فَذَلِكَ
قَوْلُ اللَّهِ: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا
كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14]
(24/200)
حَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ الضَّرَارِيُّ
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي طَارِقُ بْنُ
عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنِ الْقَعْقَاعِ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ
خَطِيئَةً كَانَتْ نُكْتَةٌ فِي قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ
وَاسْتَغْفَرَ وَنَزَعَ صَقَلَتْ قَلْبَهُ، وَذَلِكَ الرَّانُ
الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ
مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14] قَالَ أَبُو صَالِحٍ:
كَذَا قَالَ: صَقَلَتْ، وَقَالَ غَيْرُهُ: سَقَلَتْ
(24/201)
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ
الرَّمْلِيُّ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ، عَنْ خُلَيْدٍ، عَنِ
الْحَسَنِ، قَالَ: وَقَرَأَ {بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا
كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14] قَالَ: الذَّنْبُ عَلَى
الذَّنْبِ حَتَّى يَمُوتَ قَلْبُهُ
(24/201)
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ
عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ:
{كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا
يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14] قَالَ: الذَّنْبُ عَلَى الذَّنْبِ
حَتَّى يَعْمَى الْقَلْبُ فَيَمُوتَ
(24/201)
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ طَلْحَةَ
الْيَرْبُوعِيُّ، قَالَ: ثنا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ
مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى
قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14] قَالَ:
الْعَبْدُ يَعْمَلُ بِالذُّنُوبِ، فَتُحِيطُ بِالْقَلْبِ،
ثُمَّ تَرْتَفِعُ، حَتَّى تَغْشَى الْقَلْبَ
(24/201)
حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ
عِيسَى الرَّمْلِيُّ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ عِيسَى، عَنِ
الْأَعْمَشِ، قَالَ: أَرَانَا مُجَاهِدٌ بِيَدِهِ، قَالَ،
كَانُوا يَرَوْنَ الْقَلْبَ فِي مِثْلِ هَذَا، يَعْنِي
الْكَفَّ، فَإِذَا أَذْنَبَ الْعَبْدُ ذَنْبًا ضُمَّ مِنْهُ،
وَقَالَ بِأُصْبُعِهِ الْخِنْصَرِ هَكَذَا، فَإِذَا أَذْنَبَ
ضَمَّ أُصْبُعًا أُخْرَى، فَإِذَا أَذْنَبَ ضَمَّ أُصْبُعًا
أُخْرَى، حَتَّى ضَمَّ أَصَابِعَهُ كُلَّهَا، ثُمَّ يُطْبَعُ
[ص:202] عَلَيْهِ بِطَابَعٍ، قَالَ مُجَاهِدٌ: وَكَانُوا
يَرَوْنَ أَنَّ ذَلِكَ الرَّيْنُ
(24/201)
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا
وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: الْقَلْبُ
مِثْلُ الْكَفِّ، فَإِذَا أَذْنَبَ الذَّنْبَ قَبَضَ
أُصْبُعًا، حَتَّى يَقْبِضَ أَصَابِعَهُ كُلَّهَا، وَإِنَّ
أَصْحَابَنَا يَرَوْنَ أَنَّهُ الرَّانُ
(24/202)
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مَرَّةً أُخْرَى
بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: الْقَلْبُ مِثْلُ
الْكَفِّ، وَإِذَا أَذْنَبَ انْقَبَضَ، وَقَبَضَ أُصْبُعَهُ،
فَإِذَا أَذْنَبَ انْقَبَضَ، حَتَّى يَنْقَبِضْ كُلُّهُ، ثُمَّ
يُطْبَعُ عَلَيْهِ، فَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ
الرَّانُ {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا
يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14]
(24/202)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ:
ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي
نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ {بَلْ رَانَ
عَلَى قُلُوبِهِمْ} [المطففين: 14] قَالَ: الْخَطَايَا حَتَّى
غَمَرَتْهُ
(24/202)
حَدَّثَنَا الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا
الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ،
عَنْ مُجَاهِدٍ {بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [المطففين: 14]
انْبَثَّتْ عَلَى قَلْبِهِ الْخَطَايَا حَتَّى غَمَرَتْهُ
(24/202)
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو
صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، [ص:203] قَوْلُهُ: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى
قُلُوبِهِمْ} [المطففين: 14] يَقُولُ: يُطْبَعُ
(24/202)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ:
ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ
أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {كَلَّا بَلْ رَانَ
عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14]
قَالَ: طَبَعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَسَبُوا
(24/203)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا
مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ عَطَاءٍ،
{كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا
يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14] قَالَ: غَشِيَتْ عَلَى
قُلُوبِهِمْ فَهَوَتْ بِهَا، فَلَا يَفْزَعُونَ، وَلَا
يَتَحَاشَوْنَ
(24/203)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا
مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْحَسَنِ {كَلَّا بَلْ رَانَ
عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14]
قَالَ: هُوَ الذَّنْبُ حَتَّى يَمُوتَ الْقَلْبُ
(24/203)
قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ،
عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى
قُلُوبِهِمْ} [المطففين: 14] قَالَ: الرَّانُ: الطَّبْعُ
يَطْبَعُ الْقَلْبَ مِثْلَ الرَّاحَةِ، فَيُذْنِبُ الذَّنْبَ،
فَيَصِيرُ هَكَذَا، وَعَقَدَ سُفْيَانُ الْخِنْصَرَ، ثُمَّ
يُذْنِبُ الذَّنْبَ فَيَصِيرُ هَكَذَا، وَقَبَضَ سُفْيَانُ
كَفَّهُ، فَيُطْبَعُ عَلَيْهِ
(24/203)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ،
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {كَلَّا بَلْ
رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:
14] أَعْمَالُ السُّوءِ، إِي وَاللَّهِ ذَنْبٌ عَلَى ذَنْبٍ،
وَذَنْبٌ عَلَى ذَنْبٍ حَتَّى مَاتَ قَلْبُهُ وَاسْوَدَّ
(24/203)
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى،
قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي
قَوْلِهِ {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [المطففين:
14] قَالَ: هَذَا الذَّنْبُ عَلَى الذَّنْبِ، حَتَّى يَرِينَ
عَلَى الْقَلْبِ [ص:204] فَيُسَوَّدَ
(24/203)
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ:
{كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [المطففين: 14] قَالَ:
غَلَبَ عَلَى قُلُوبِهِمْ ذُنُوبُهُمْ، فَلَا يَخْلُصُ
إِلَيْهَا مَعَهَا خَيْرٌ
(24/204)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا
جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ
{كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا
يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14] قَالَ: الرَّجُلُ يُذْنِبُ
الذَّنْبَ، فَيُحِيطُ الذَّنْبُ بِقَلْبِهِ، حَتَّى تَغْشَى
الذُّنُوبُ عَلَيْهِ. قَالَ مُجَاهِدٌ: وَهِيَ مِثْلُ الْآيَةِ
الَّتِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً
وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ
هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 81]
(24/204)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ
لَمَحْجُوبُونَ ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ ثُمَّ
يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} [المطففين:
16] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا الْأَمْرُ كَمَا يَقُولُ
هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ، مِنْ أَنَّ
لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ زُلْفَةً، إِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ عَنْ
رَبِّهِمْ لَمَحْجُوبُونَ، فَلَا يَرَوْنَهُ، وَلَا يَرَوْنَ
شَيْئًا مِنْ كَرَامَتِهِ يِصِلُّ إِلَيْهِمْ وَقَدِ اخْتَلَفَ
أَهْلُ الْتَأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: {إِنَّهُمْ عَنْ
رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] فَقَالَ
بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: إِنَّهُمْ مَحْجُوبُونَ عَنْ
كَرَامَتِهِ
(24/204)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ، مُسْلِمٌ، عَنْ
خُلَيْدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، {كَلَّا [ص:205] إِنَّهُمْ عَنْ
رَبِّهِمْ، يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] هُوَ
لَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ
(24/204)
حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو
السَّكُونِيُّ، قَالَ: ثنا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ:
ثنا جَرِيرٌ، قَالَ: ثني نِمْرَانُ أَبُو الْحَسَنِ
الذِّمَارِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّهُ كَانَ
يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ {إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ
يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] قَالَ:
الْمَنَّانُ، وَالْمُخْتَالُ، وَالَّذِي يَقْتَطِعُ أَمْوَالَ
النَّاسِ بِيَمِينِهِ بِالْبَاطِلِ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ
مَعْنَى ذَلِكَ: إِنَّهُمْ مَحْجُوبُونَ عَنْ رُؤْيَةِ
رَبِّهِمْ
(24/205)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ عَمَّارٍ الرَّازِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو
مَعْمَرٍ الْمِنْقَرِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ
سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي
قَوْلِهِ: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ، يَوْمَئِذٍ
لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] قَالَ: يَكْشِفُ الْحِجَابَ
فَيَنْظُرُ إِلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ كُلَّ يَوْمٍ غُدْوَةً
وَعَشِيَّةً، أَوْ كَلَامًا هَذَا مَعْنَاهُ وَأَوْلَى
الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ: أَنْ يُقَالَ: إِنَّ
اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ عَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ
أَنَّهُمْ عَنْ رُؤْيَتِهِ مَحْجُوبُونَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ
يَكُونَ مُرَادًا بِهِ الْحِجَابُ عَنْ كَرَامَتِهِ،
(24/205)
وَأَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِهِ الْحِجَابُ
عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَلَا دَلَالَةَ فِي الْآيَةِ تَدُلُّ
عَلَى أَنَّهُ مُرَادٌ بِذَلِكَ الْحِجَابُ عَنْ مَعْنًى
مِنْهُ دُونَ مَعْنًى، وَلَا خَبَرَ بِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَتْ حُجَّتُهُ.
فَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: هُمْ مَحْجُوبُونَ عَنْ
رُؤْيَتِهِ، وَعَنْ كَرَامَتِهِ، إِذْ كَانَ الْخَبَرُ عَامًا،
لَا دَلَالَةَ عَلَى خُصُوصِهِ
(24/206)
وَقَوْلُهُ: {ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو
الْجَحِيمِ} [المطففين: 16] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ثُمَّ
إِنَّهُمْ لَوَارِدُو الْجَحِيمِ، فَمَشْوِّيُونَ فِيهَا
(24/206)
{ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ
بِهِ تُكَذِّبُونَ} [المطففين: 17] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ:
ثُمَّ يُقَالُ لِهَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ بِيَوْمِ الدِّينِ:
هَذَا الْعَذَابُ الَّذِي أَنْتُمْ فِيهِ الْيَوْمَ، هُوَ
الْعَذَابُ الَّذِي كُنْتُمْ فِي الدُّنْيَا تُخْبَرُونَ
أَنَّكُمْ ذَائِقُوهُ، فَتُكَذِّبُونَ بِهِ، وَتُنْكِرُونَهُ،
فَذُوقُوهُ الْآنَ، فَقَدْ صَلَيْتُمْ بِهِ
(24/206)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي
عِلِّيِّينَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ كِتَابٌ
مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ إِنَّ الْأَبْرَارَ
لَفِي نَعِيمٍ} [المطففين: 19] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ:
{كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ}
[المطففين: 18] وَالْأَبْرَارُ: جَمْعُ بَرٍّ، وَهُمُ
الَّذِينَ بَرُّوا اللَّهَ بِأَدَاءِ فَرَائِضِهِ،
وَاجْتِنَابِ مَحَارِمِهِ وَقَدْ كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ:
هُمُ الَّذِينَ لَا يُؤْذُونَ شَيْئًا حَتَّى الذَّرَّ
(24/206)
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا هِشَامٌ، عَنْ شَيْخٍ، عَنِ
الْحَسَنِ، قَالَ: سُئِلَ عَنِ الْأَبْرَارِ، قَالَ: الَّذِينَ
لَا يُؤْذُونَ الذَّرَّ
(24/206)
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ زَيْدٍ
الْخَطَّابِيُّ، قَالَ: ثنا الْفِرْيَابِيُّ، عَنِ السَّرِيِّ
بْنِ يَحْيَى، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: الْأَبْرَارُ: هُمُ
الَّذِينَ لَا يُؤْذُونَ الذَّرَّ
(24/206)
وَقَوْلُهُ: {لَفِي عِلِّيِّينَ}
[المطففين: 18] اخْتَلَفَ أَهْلُ الْتَأْوِيلِ فِي مَعْنَى
عِلِّيِّينَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ السَّمَاءُ
السَّابِعَةُ
(24/206)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي
جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شِمْرِ بْنِ
عَطِيَّةَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ، قَالَ: سَأَلَ ابْنُ
عَبَّاسٍ كَعْبًا وَأَنَا حَاضِرٌ، عَنِ الْعِلِّيِّينَ،
فَقَالَ كَعْبٌ: «هِيَ السَّمَاءُ السَّابِعَةُ، وَفِيهَا
أَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ»
(24/207)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا
يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، يَعْنِي
الْعَتَكِيَّ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ {إِنَّ كِتَابَ
الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} [المطففين: 18] قَالَ: فِي
السَّمَاءِ الْعُلْيَا
(24/207)
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ
الْأَزْدِيُّ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ
أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ
كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} [المطففين: 18]
قَالَ: فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ
(24/207)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ:
ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي
الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ،
جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ:
{عِلِّيِّينَ} [المطففين: 18] قَالَ: السَّمَاءُ السَّابِعَةُ
(24/207)
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ،
قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {لَفِي
عِلِّيِّينَ} [المطففين: 18] فِي السَّمَاءِ عِنْدَ اللَّهِ
وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الْعِلِّيُّونَ: قَائِمَةُ الْعَرْشِ
الْيُمْنَى
(24/207)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ
قَتَادَةَ، {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي
عِلِّيِّينَ} [المطففين: 18] ذُكِرَ لَنَا أَنَّ كَعْبًا كَانَ
يَقُولُ: هِيَ قَائِمَةُ الْعَرْشِ الْيُمْنَى
(24/208)
حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ
مُجَالِدٍ، قَالَ: ثنا مُطَرِّفُ بْنُ مَازِنٍ، قَاضِي
الْيَمَنِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ:
{إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} [المطففين:
18] قَالَ: عِلِّيُّونَ: قَائِمَةُ الْعَرْشِ الْيُمْنَى
(24/208)
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى،
قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ «فِي
عِلِّيِّينَ» قَالَ فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، عِنْدَ
قَائِمَةِ الْعَرْشِ الْيُمْنَى
(24/208)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ لَنَا
يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنْ حَفْصٍ، عَنْ شِمْرٍ، عَنْ
عَطِيَّةَ، قَالَ: جَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى كَعْبِ
الْأَحْبَارِ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: حَدِّثْنِي عَنْ قَوْلِ
اللَّهِ، {إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ}
[المطففين: 18] الْآيَةُ، فَقَالَ كَعْبٌ: إِنَّ الرُّوحُ
الْمُؤْمِنَةَ إِذَا قُبِضَتْ، صُعِدَ بِهَا، فَفُتِحَتْ لَهَا
أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتَلَقَّتْهَا الْمَلَائِكَةُ
بِالْبُشْرَى، ثُمَّ عَرَجُوا مَعَهَا حَتَّى يَنْتَهُوا إِلَى
الْعَرْشِ، فَيَخْرُجُ لَهَا مِنْ عِنْدِ الْعَرْشِ رَقٌّ،
فَيُرْقَمُ، ثُمَّ يُخْتَمُ بِمَعْرِفَتِهَا النَّجَاةَ
بِحِسَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَتَشْهَدُ الْمَلَائِكَةُ
الْمُقَرَّبُونَ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ
بِالْعِلِّيِّينَ: الْجَنَّةُ
(24/208)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثنا مُعَاوِيَةُ،
عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {إِنَّ كِتَابَ
الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} [المطففين: 18] قَالَ:
الْجَنَّةُ وَقَالَ آخَرُونَ: عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى
(24/209)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبُزُورِيُّ، مِنْ أَهْلِ
الْكُوفَةِ، قَالَ: ثنا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، عَنِ
الْأَجْلَحِ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: إِذَا قُبِضَ رُوحُ
الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ،
فَتَنْطَلِقُ مَعَهُ الْمُقَرَّبُونَ إِلَى السَّمَاءِ
الثَّانِيَةِ، قَالَ الْأَجْلَحُ: قُلْتُ: وَمَا
الْمُقَرَّبُونَ؟ قَالَ: أَقْرَبُهُمْ إِلَى السَّمَاءِ
الثَّانِيَةِ، فَتَنْطَلِقُ مَعَهُ الْمُقَرَّبُونَ إِلَى
السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، ثُمَّ الرَّابِعَةِ، ثُمَّ
الْخَامِسَةِ، ثُمَّ السَّادِسَةِ، ثُمَّ السَّابِعَةِ، حَتَّى
تَنْتَهِيَ بِهِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى. قَالَ
الْأَجْلَحُ: قُلْتُ لِلضَّحَّاكِ: لِمَ تُسَمَّى سِدْرَةَ
الْمُنْتَهَى؟ قَالَ: لِأَنَّهُ يَنْتَهِي إِلَيْهَا كُلُّ
شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ لَا يَعْدُوهَا، فَتَقُولُ: رَبِّ
عَبْدُكَ فُلَانٌ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْهُمْ، فَيَبْعَثُ
اللَّهُ إِلَيْهِمْ بِصَكٍّ مَخْتُومٍ يُؤَمِّنُهُ مِنَ
الْعَذَابِ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ
الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا
عِلِّيُّونَ كِتَابٌ مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ}
[المطففين: 19] وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ
بِالْعِلِّيِّينَ: فِي السَّمَاءِ عِنْدَ اللَّهِ
(24/209)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي،
قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،
قَوْلُهُ: {إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ}
[المطففين: 18] يَقُولُ: أَعْمَالُهُمْ فِي كِتَابٍ عِنْدَ
اللَّهِ فِي السَّمَاءِ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي
ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ
أَخْبَرَ أَنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ فِي عِلِّيِّينَ؛
وَالْعِلِّيُّونَ: جَمْعٌ، مَعْنَاهُ: شَيْءٌ فَوْقَ شَيْءٍ،
وَعُلُوٌّ فَوْقَ عُلُوٍّ، وَارْتِفَاعٌ بَعْدَ ارْتِفَاعٍ،
فَلِذَلِكَ جُمِعَتْ بِالْيَاءِ وَالنُّونِ، كَجَمْعِ
الرِّجَالِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بِنَاءٌ مِنْ وَاحِدِهِ
وَاثْنَيْهِ، كَمَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ سَمَاعًا:
أَطْعِمْنَا مَرَقَةَ مَرَقِينَ: يَعْنِي اللَّحْمَ
الْمَطْبُوخَ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الرجز]
قَدْ رَوِيَتْ إِلَّا الدُّهَيْدِهِينَا ... قُلَيِّصَاتٍ
وَأُبَيْكِرِينَا
فَقَالَ: وَأُبَيْكِرِينَا، فَجَمَعَهَا بِالنُّونِ إِذْ لَمْ
يَقْصِدْ عَدَدًا مَعْلُومًا مِنَ الْبَكَارَةِ، بَلْ أَرَادَ
عَدَدًا لَا يُحَدُّ آخِرُهُ، وَكَمَا قَالَ الْآخَرُ:
[البحر الوافر]
فَأَصْبَحَتِ الْمَذَاهِبُ قَدْ أَذَاعَتْ ... بِهَا
الْإِعْصَارُ بَعْدَ الْوَابِلِينَا
(24/210)
يَعْنِي: مَطَرًا بَعْدَ مَطَرٍ غَيْرَ
مَحْدُودِ الْعَدَدِ، وَكَذَلِكَ تَفْعَلُ الْعَرَبُ فِي كُلِّ
جَمْعٍ لَمْ يَكُنْ بِنَاءٌ لَهُ مِنْ وَاحِدِهِ وَاثْنَيْهِ،
فَجَمَعَهُ فِي جَمِيعِ الْإِنَاثِ، وَالذُّكْرَانِ بِالنُّونِ
عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ
لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ: عِشْرُونَ وَثَلَاثُونَ. فَإِذَا
كَانَ ذَلِكَ كَالَّذِي ذَكَرْنَا، فَبَيِّنٌ أَنَّ قَوْلَهُ:
{لَفِي عِلِّيِّينَ} [المطففين: 18] مَعْنَاهُ: فِي عُلُوٍّ
وَارْتِفَاعٍ، فِي سَمَاءٍ فَوْقَ سَمَاءٍ، وَعُلُوٍّ فَوْقَ
عُلُوٍّ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إِلَى السَّمَاءِ
السَّابِعَةِ، وَإِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَإِلَى
قَائِمَةِ الْعَرْشِ، وَلَا خَبَرَ يَقْطَعُ الْعُذْرَ
بِأَنَّهُ مَعْنِيٌّ بِهِ بَعْضُ ذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ
وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ فِي ذَلِكَ، كَمَا قَالَ جَلَّ
ثَنَاؤُهُ: إِنَّ كِتَابَ أَعْمَالِ الْأَبْرَارِ لَفِي
ارْتِفَاعٍ إِلَى حَدٍّ قَدْ عَلِمَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ
مُنْتَهَاهُ، وَلَا عِلْمَ عِنْدَنَا بِغَايَتِهِ، غَيْرَ
أَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْصُرُ عَنِ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ،
لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنْ أَهْلِ الْتَأْوِيلِ عَلَى ذَلِكَ
(24/211)
وَقَوْلُهُ: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا
عِلِّيُّونَ} [المطففين: 19] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ
لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
مُعَجِّبُهُ مِنْ عِلِّيِّينَ: وَأَيُّ شَيْءٍ أَشْعَرَكَ يَا
مُحَمَّدُ مَا عِلِّيُّونَ؟
(24/211)
وَقَوْلُهُ: {كِتَابٌ مَرْقُومٌ}
[المطففين: 9] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: إِنَّ كِتَابَ
الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ، كِتَابٌ مَرْقُومٌ: أَيْ
مَكْتُوبٌ بِأَمَانٍ مِنَ اللَّهِ إِيَّاهُ مِنَ النَّارِ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَالْفَوْزِ بِالْجَنَّةِ، كَمَا قَدْ
ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ وَالضَّحَّاكِ
بْنِ مُزَاحِمٍ
(24/211)
وَكَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا
يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، {كِتَابٌ
مَرْقُومٌ} [المطففين: 9] رُقِمَ
(24/211)
وَقَوْلُهُ: {يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ}
[المطففين: 21] يَقُولُ: يَشْهَدُ ذَلِكَ الْكِتَابَ
الْمَكْتُوبَ بِأَمَانِ اللَّهِ [ص:212] لِلْبَرِّ مِنْ
عِبَادِهِ مِنَ النَّارِ، وَفَوْزِهِ بِالْجَنَّةِ،
الْمُقَرَّبُونَ مِنْ مَلَائِكَتِهِ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مِنَ
السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ
قَالَ أَهْلُ الْتَأْوِيلِ
(24/211)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي،
قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،
{يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين: 21] قَالَ: كُلُّ
أَهْلِ السَّمَاءِ
(24/212)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ،
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {يَشْهَدُهُ
الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين: 21] مِنْ مَلَائِكَةِ اللَّهِ
(24/212)
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ:
سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {يَشْهَدُهُ
الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين: 21] قَالَ: يَشْهَدُهُ مُقَرَّبُو
أَهْلِ كُلِّ سَمَاءٍ
(24/212)
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ:
{يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين: 21] قَالَ:
الْمَلَائِكَةُ
(24/212)
وَقَوْلُهُ: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي
نَعِيمٍ} [الانفطار: 13] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ
الْأَبْرَارَ الَّذِينَ بَرُّوا بِاتِّقَاءِ اللَّهِ،
وَأَدَاءِ فَرَائِضِهِ، لَفِي نَعِيمٍ دَائِمٍ، لَا يَزُولُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَذَلِكَ نَعِيمُهُمْ فِي الْجِنَّانِ
(24/212)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ تَعْرِفُ فِي
وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ
مَخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ [ص:213]
فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين: 24] يَعْنِي
تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: {عَلَى الْأَرَائِكِ
يَنْظُرُونَ} [المطففين: 23] عَلَى السُّرُرِ فِي الْحِجَالِ،
مِنَ اللُّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ، يَنْظُرُونَ إِلَى مَا
أَعْطَاهُمُ اللَّهُ مِنَ الْكَرَامَةِ وَالنَّعِيمِ،
وَالْحَبْرَةِ فِي الْجِنَّانِ
(24/212)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ:
ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي
الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ،
جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ:
{عَلَى الْأَرَائِكِ} [المطففين: 23] قَالَ: مِنَ اللُّؤْلُؤِ
وَالْيَاقُوتِ
(24/213)
قَالَ: ثنا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا
وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ، {الْأَرَائِكِ} [المطففين: 23] السُّرُرُ فِي
الْحِجَالِ
(24/213)
وَقَوْلُهُ: {تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ
نَضْرَةَ النَّعِيمِ} [المطففين: 24] يَقُولُ تَعَالَى
ذِكْرُهُ: تَعْرِفُ فِي الْأَبْرَارِ الَّذِينَ وَصَفَ اللَّهُ
صِفَتَهُمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ، يَعْنِي حُسْنُهُ وَبَرِيقَهُ
وَتَلَأْلُؤُهُ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ
قَوْلِهِ: {تَعْرِفُ} [الحج: 72] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ
قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ سِوَى أَبِي جَعْفَرٍ الْقَارِئِ
{تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ} [المطففين: 24] بِفَتْحِ التَّاءِ
مِنْ تَعْرِفُ عَلَى وَجْهِ الْخِطَابِ {نَضْرَةَ النَّعِيمِ}
[المطففين: 24] بِنَصْبِ نَضْرَةَ. وَقَرَأَ ذَلِكَ أَبُو
جَعْفَرٍ: (تُعْرَفُ) بِضَمِّ التَّاءِ عَلَى وَجْهِ مَا لَمْ
يُسَمَّ فَاعِلُهُ، فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةُ النَّعِيمِ،
بِرَفْعِ نَضْرَةَ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ
عِنْدَنَا: مَا عَلَيْهِ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ، وَذَلِكَ
فَتْحُ التَّاءِ [ص:214] مِنْ {تَعْرِفُ} [الحج: 72] وَنَصْبُ
{نَضْرَةَ} [الإنسان: 11]
(24/213)
وَقَوْلُهُ: {يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ
مَخْتُومٍ} [المطففين: 25] يَقُولُ: يُسْقَى هَؤُلَاءِ
الْأَبْرَارُ مِنْ خَمْرٍ صِرْفٍ لَا غِشَّ فِيهَا وَبِنَحْوِ
الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ الْتَأْوِيلِ
(24/214)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ،
عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {يُسْقَوْنَ
مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ} [المطففين: 25] قَالَ: مِنَ الْخَمْرِ
(24/214)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ:
ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ
أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {يُسْقَوْنَ مِنْ
رَحِيقٍ مَخْتُومٍ} [المطففين: 25] يَعْنِي بِالرَّحِيقِ:
الْخَمْرَ
(24/214)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ:
ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي
الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ،
جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ:
{يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ} [المطففين: 25] قَالَ:
خَمْرٌ
(24/214)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا
مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ،
قَالَ: الرَّحِيقُ: الْخَمْرُ
(24/214)
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى،
قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ،
{رَحِيقٍ} [المطففين: 25][ص:215] قَالَ: هُوَ الْخَمْرُ
(24/214)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ،
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {يُسْقَوْنَ
مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ} [المطففين: 25] يَقُولُ: الْخَمْرُ
(24/215)
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ:
{يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ} [المطففين: 25]
الرَّحِيقُ الْمَخْتُومُ: الْخَمْرُ قَالَ حَسَّانٌ:
[البحر الكامل]
يَسْقُونَ مَنْ وَرَدَ الْبَرِيصَ عَلَيْهِمُ ... بَرَدَى
يُصَفَّقُ بِالرَّحِيقِ السَّلْسَلِ
(24/215)
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ
عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ:
{يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ} [المطففين: 25] قَالَ:
هُوَ الْخَمْرُ
(24/215)
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا
وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ،
عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: الرَّحِيقُ:
الْخَمْرُ وَأَمَّا قَوْلُهُ: {مَخْتُومٌ خِتَامُهُ مِسْكٌ}
[المطففين: 26] فَإِنَّ أَهْلَ الْتَأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي
تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: مَمْزُوجٌ
مَخْلُوطٌ، مِزَاجُهُ وَخِلْطُهُ مِسْكٌ
(24/215)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ
أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ
مُعَاوِيَةَ، وَعَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مَسْعُودٍ، {خِتَامُهُ مِسْكٌ} [المطففين: 26] قَالَ: لَيْسَ
بِخَاتَمٍ، وَلَكِنْ خِلْطٌ
(24/216)
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا
يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَا: ثنا
سُفْيَانُ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ
مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مَسْعُودٍ {خِتَامُهُ مِسْكٌ} [المطففين: 26] قَالَ: أَمَا
إِنَّهُ لَيْسَ بِالْخَاتَمِ الَّذِي يُخْتَمُ، أَمَا
سَمِعْتُمُ الْمَرْأَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ تَقُولُ: طِيبُ كَذَا
وَكَذَا خِلْطُهُ مِسْكٌ
(24/216)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ
الْمُحَارِبِيُّ، قَالَ: ثنا أَيُّوبُ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ
أَبِي الشَّعْثَاءِ، عنْ مَنْ ذَكَرَهُ، عَنْ عَلْقَمَةَ، فِي
قَوْلِهِ: {خِتَامُهُ مِسْكٌ} [المطففين: 26] قَالَ: خِلْطُهُ
مِسْكٌ
(24/216)
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا
وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ،
عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ {مَخْتُومٍ} [المطففين:
25] قَالَ: مَمْزُوجٌ {خِتَامُهُ مِسْكٌ} [المطففين: 26]
قَالَ: طَعْمُهُ وَرِيحُهُ
(24/216)
قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ
مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَلْقَمَةَ {خِتَامُهُ مِسْكٌ} [المطففين:
26] قَالَ: طَعْمُهُ وَرِيحُهُ مِسْكٌ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ
مَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّ آخِرَ شَرَابِهِمْ يُخْتَمُ بِمِسْكٍ
يُجْعَلُ فِيهِ
(24/217)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ،
عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {رَحِيقٍ
مَخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ} [المطففين: 26] يَقُولُ:
الْخَمْرُ: خُتِمَ بِالْمِسْكِ
(24/217)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ:
ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ
أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {خِتَامُهُ مِسْكٌ} [المطففين:
26] قَالَ: طَيَّبَ اللَّهُ لَهُمُ الْخَمْرَ، فَكَانَ آخِرُ
شَيْءٍ جُعِلَ فِيهَا حَتَّى تُخْتَمَ، الْمِسْكَ
(24/217)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ،
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، {خِتَامُهُ مِسْكٌ}
[المطففين: 26] قَالَ: عَاقِبَتُهُ مِسْكٌ، قَوْمٌ تُمْزَجُ
لَهُمْ بِالْكَافُورِ، وَتُخْتَمُ بِالْمِسْكِ
(24/217)
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى،
قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ
{خِتَامُهُ مِسْكٌ} [المطففين: 26] قَالَ: عَاقِبَتُهُ مِسْكٌ
(24/217)
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ:
سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {خِتَامُهُ
مِسْكٌ} [المطففين: 26] قَالَ طَيَّبَ اللَّهُ لَهُمُ
الْخَمْرَ، فَوَجَدُوا فِيهَا فِي آخِرِ شَيْءٍ مِنْهَا، رِيحَ
الْمِسْكِ
(24/218)
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى،
قَالَ: ثنا حَاتِمُ بْنُ وَرْدَانَ، قَالَ: ثنا أَبُو
حَمْزَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَالْحَسَنِ، فِي هَذِهِ
الْآيَةِ: {خِتَامُهُ مِسْكٌ} [المطففين: 26] قَالَ:
عَاقِبَتُهُ مِسْكٌ
(24/218)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا
يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا أَبُو حَمْزَةَ، عَنْ
جَابِرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، عَنْ أَبِي
الدَّرْدَاءِ، {خِتَامُهُ مِسْكٌ} [المطففين: 26] فَالشَّرَابُ
أَبْيَضُ مِثْلُ الْفَضْلَةِ، يَخْتُمُونَ بِهِ شَرَابَهُمْ،
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا أَدْخَلَ
أُصْبُعَهُ فِيهِ ثُمَّ أَخْرَجَهَا، لَمْ يَبْقَ ذُو رُوحٍ
إِلَّا وَجَدَ طِيبَهَا وَقَالَ آخَرُونَ: عُنِيَ بِقَوْلِهِ:
{مَخْتُومٍ} [المطففين: 25] مُطَيَّنٌ {خِتَامُهُ مِسْكٌ}
[المطففين: 26] طِينُهُ مِسْكٌ
(24/218)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا
عِيسَى، وَحَدَّثَنِي [ص:219] الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا
الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي
نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {مَخْتُومٍ خِتَامُهُ
مِسْكٌ} [المطففين: 26] قَالَ: طِينُهُ مِسْكٌ
(24/218)
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ:
{مَخْتُومٍ} [المطففين: 25] الْخَمْرُ {خِتَامُهُ مِسْكٌ}
[المطففين: 26] خِتَامُهُ عِنْدَ اللَّهِ مِسْكٌ، وَخِتَامُهَا
الْيَوْمَ فِي الدُّنْيَا طِينٌ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي
ذَلِكَ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ: قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى
ذَلِكَ: آخِرُهُ وَعَاقِبَتُهُ مِسْكٌ: أَيْ هِيَ طَيِّبَةُ
الرِّيحِ، إِنَّ رِيحَهَا فِي آخِرِ شُرْبِهِمْ، يُخْتَمُ
لَهَا بِرِيحِ الْمِسْكِ وَإِنَّمَا قُلْنَا: ذَلِكَ أَوْلَى
الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصِّحَّةِ، لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ
لِلْخَتْمِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ إِلَّا الطَّبْعُ،
وَالْفَرَاغُ كَقَوْلِهِمْ: خَتَمَ فُلَانٌ الْقُرْآنَ: إِذَا
أَتَى عَلَى آخِرِهِ، فَإِذَا كَانَ لَا وَجْهَ لِلطَّبْعِ
عَلَى شَرَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، يُفْهَمُ إِذَا كَانَ
شَرَابُهُمْ جَارِيًا جَرْيَ الْمَاءِ فِي الْأَنْهَارِ،
وَلَمْ يَكُنْ مُعَتَّقًا فِي الدِّنَانِ، فَيُطَيَّنُ
عَلَيْهَا وَتَخْتَمُ، تَعَيَّنَ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ ذَلِكَ
الْوَجْهُ الْآخَرُ، وَهُوَ الْعَاقِبَةُ وَالْمَشْرُوبُ
آخِرًا، وَهُوَ الَّذِي خُتِمَ بِهِ الشَّرَابُ. وَأَمَّا
الْخَتْمُ بِمَعْنَى الْمَزْجِ، فَلَا نَعْلَمُهُ مَسْمُوعًا
مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي
قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ
الْأَمْصَارِ: {خِتَامُهُ
(24/219)
مِسْكٌ} [المطففين: 26] سِوَى
الْكِسَائِيِّ، فَإِنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ: (خَاتَمُهُ
مِسْكٌ) وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ:
مَا عَلَيْهِ قَرَأَةُ الْأَمْصَارِ، وَهُوَ {خِتَامُهُ}
[المطففين: 26] لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ
عَلَيْهِ، وَالْخِتَامُ وَالْخَاتَمُ، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي
اللَّفْظِ، فَإِنَّهُمَا مُتَقَارِبَانِ فِي الْمَعْنَى،
غَيْرَ أَنَّ الْخَاتَمَ اسْمٌ، وَالْخِتَامُ مَصْدَرٌ؛
وَمِنْهُ قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ:
[البحر الوافر]
فَبِتْنَ بِجَانِبَيَّ مُصَرَّعَاتٍ ... وَبِتُّ أَفُضُّ
أَغْلَاقَ الْخِتَامِ
وَنَظِيرُ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: هُوَ كَرِيمُ الطَّبَائِعِ
وَالطِّبَاعِ
(24/220)
وَقَوْلُهُ: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ
الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين: 26] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ:
وَفِي هَذَا النَّعِيمِ الَّذِي وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ
أَنَّهُ أَعْطَى هَؤُلَاءِ الْأَبْرَارَ فِي الْقِيَامَةِ،
فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ. وَالتَّنَافُسُ: أَنْ
يَنْفِسَ الرَّجُلُ عَلَى الرَّجُلِ بِالشَّيْءِ يَكُونُ لَهُ،
وَيَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ لَهُ دُونَهُ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ
مِنَ الشَّيْءِ النَّفِيسِ، وَهُوَ الَّذِي تَحْرِصْ عَلَيْهِ
نُفُوسُ النَّاسِ، وَتَطْلُبُهُ وَتَشْتَهِيهِ، وَكَانَ
مَعْنَاهُ فِي ذَلِكَ: فَلْيَجِدَّ النَّاسُ فِيهِ، وَإِلَيْهِ
فَلْيَسْتَبِقُوا فِي طَلَبِهِ، وَلْتَحْرِصْ عَلَيْهِ
نُفُوسُهُمْ
(24/220)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا
الْمُقَرَّبُونَ إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ
الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} [المطففين: 28] يَقُولُ
تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمِزَاجُ هَذَا الرَّحِيقِ مِنْ
تَسْنِيمٍ؛ وَالتَّسْنِيمُ: التَّفْعِيلُ مِنْ قَوْلِ [ص:221]
الْقَائِلِ: سَنَّمْتُهُمُ الْعَيْنَ تَسْنِيمًا: إِذَا
أَجْرَيْتُهَا عَلَيْهِمْ مِنْ فَوْقِهِمْ، فَكَانَ مَعْنَاهُ
فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: وَمِزَاجُهُ مِنْ مَاءٍ يَنْزِلُ
عَلَيْهِمْ مِنْ فَوْقِهِمْ فَيَنْحَدِرُ عَلَيْهِمْ. وَقَدْ
كَانَ مُجَاهِدٌ وَالْكَلْبِيُّ يَقُولَانِ فِي ذَلِكَ
كَذَلِكَ
(24/220)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ:
ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي
الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ،
جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ:
{تَسْنِيمٍ} [المطففين: 27] قَالَ: تَسْنِيمٍ: يَعْلُو
(24/221)
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى،
قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْكَلْبِيِّ،
فِي قَوْلِهِ: {تَسْنِيمٍ} [المطففين: 27] قَالَ: تَسْنِيمٌ
يَنْصَبُّ عَلَيْهِمْ مِنْ فَوْقِهِمْ، وَهُوَ شَرَابُ
الْمُقَرَّبِينَ وَأَمَّا سَائِرُ أَهْلِ الْتَأْوِيلِ،
فَقَالُوا: هُوَ عَيْنٌ يُمْزَجُ بِهَا الرَّحِيقُ لِأَصْحَابِ
الْيَمِينِ، وَأَمَّا الْمُقَرَّبُونَ، فَيَشْرَبُونَهَا
صَرْفًا
(24/221)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ، فِي قَوْلِهِ: {مِنْ تَسْنِيمٍ} [المطففين: 27]
قَالَ: عَيْنٌ فِي الْجَنَّةِ يَشْرَبُهَا الْمُقَرَّبُونَ،
وَتُمْزَجُ لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ
(24/221)
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ {وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ} [المطففين: 27]
قَالَ: يَشْرَبُهُ الْمُقَرَّبُونَ صَرْفًا، وَيُمْزَجُ
لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ
(24/222)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا
مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ
الْحَارِثِ، عَنْ مَسْرُوقٍ، {وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ}
[المطففين: 27] قَالَ: عَيْنٌ فِي الْجَنَّةِ يَشْرَبُهَا
الْمُقَرَّبُونَ صَرْفًا، وَتُمْزَجُ لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ
(24/222)
قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ،
عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ
مَسْرُوقٍ {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ}
[المطففين: 28] قَالَ: يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ
صِرْفًا، وَتُمْزَجُ لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ
(24/222)
حَدَّثَنِي طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى
الْيَرْبُوعِيُّ، قَالَ: ثنا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ
مَنْصُورٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ، فِي قَوْلِهِ:
{وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ} [المطففين: 27] قَالَ: فِي
الْجَنَّةِ عَيْنٌ يَشْرَبُ مِنْهَا الْمُقَرَّبُونَ صِرْفًا،
وَتُمْزَجُ لِسَائِرِ أَهْلِ الْجَنَّةِ
(24/222)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا
يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا أَبُو حَمْزَةَ، عَنْ
عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ
عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين: 28]
صِرْفًا، وَيُمْزَجُ فِيهَا لِمَنْ دُونَهُمْ
(24/222)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا
جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ، فِي
قَوْلِهِ: {وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ} [المطففين: 27] قَالَ:
التَّسْنِيمُ عَيْنٌ فِي الْجَنَّةِ يَشْرَبُهَا
الْمُقَرَّبُونَ صِرْفًا وَتُمْزَجُ لِسَائِرِ أَهْلِ
الْجَنَّةِ
(24/223)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا
يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا أَبُو حَمْزَةَ، عَنْ
عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ}
[المطففين: 27] قَالَ: عَيْنٌ يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ،
وَيُمْزَجُ فِيهَا لِمَنْ دُونَهُمْ
(24/223)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ:
ثني أَبِي. قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ
أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ {وَمِزَاجُهُ مِنْ
تَسْنِيمٍ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين:
28] عَيْنًا مِنْ مَاءِ الْجَنَّةِ، تُمْزَجُ بِهِ الْخَمْرُ
(24/223)
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ
عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ:
{وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ} [المطففين: 27] قَالَ: خَفَايَا
أَخْفَاهَا اللَّهُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ
(24/223)
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى،
قَالَ: ثنا عِمْرَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ،
عَنْ أَبِي صَالِحٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَمِزَاجُهُ مِنْ
تَسْنِيمٍ} [المطففين: 27] قَالَ: هُوَ أَشْرَفُ شَرَابٍ فِي
الْجَنَّةِ، هُوَ لِلْمُقَرَّبِينَ صِرْفٌ، وَهُوَ لِأَهْلِ
الْجَنَّةِ مِزَاجٌ
(24/223)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ،
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ {وَمِزَاجُهُ
مِنْ تَسْنِيمٍ} [المطففين: 27] شَرَابٌ شَرِيفٌ، عَيْنٌ فِي
الْجَنَّةِ يَشْرَبُهَا الْمُقَرَّبُونَ صِرْفًا، وَتُمْزَجُ
لِسَائِرِ أَهْلِ الْجَنَّةِ
(24/224)
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {مِنْ
تَسْنِيمٍ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين:
28] قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّهَا عَيْنٌ تَخْرُجُ مِنْ تَحْتِ
الْعَرْشِ، وَهِيَ مِزَاجُ هَذِهِ الْخَمْرِ: يَعْنِي مِزَاجَ
الرَّحِيقِ
(24/224)
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ:
سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {مِنْ تَسْنِيمٍ}
[المطففين: 27] شَرَابٌ اسْمُهُ تَسْنِيمٌ، وَهُوَ مِنْ
أَشْرَفِ الشَّرَابِ فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ وَمِزَاجُ
الرَّحِيقِ مِنْ عَيْنٍ تُسَنَّمُ عَلَيْهِمْ مِنْ فَوْقِهِمْ،
فَتَنْصَبُّ عَلَيْهِمْ {يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ}
[المطففين: 28] مِنَ اللَّهِ صِرْفًا، وَتُمْزَجُ لِأَهْلِ
الْجَنَّةِ وَاخْتَلَفَتْ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ
نَصْبِ قَوْلِهِ: {عَيْنًا} [البقرة: 60] قَالَ بَعْضُ
نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: إِنْ شِئْتَ جَعَلْتَ نَصْبَهُ عَلَى
يُسْقَوْنَ عَيْنًا. وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَهُ مَدْحًا،
فَيُقْطَعُ مِنْ أَوَّلِ الْكَلَامِ، فَكَأَنَّكَ تَقُولُ:
أَعْنِي عَيْنًا وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: نَصْبُ
الْعَيْنِ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُنْوَى مِنْ
تَسْنِيمٍ عَيْنٌ، فَإِذَا نُوِّنَتْ نُصِبَتْ، كَمَا قَالَ:
{أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا} [البلد:
15] وَكَمَا قَالَ: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا
(24/224)
أَحْيَاءً} [المرسلات: 25] وَالْوَجْهُ
الْآخَرُ: أَنْ يُنْوَى مِنْ مَاءٍ سُنِّمَ عَيْنًا،
كَقَوْلِكَ: رَفَعَ عَيْنًا يُشْرَبُ بِهَا. قَالَ: وَإِنْ
لَمْ يَكُنِ التَّسْنِيمُ اسْمًا لِلْمَاءِ، فَالْعَيْنُ
نَكِرَةٌ، وَالتَّسْنِيمُ مَعْرِفَةٌ، وَإِنْ كَانَ اسْمًا
لِلْمَاءِ، فَالْعَيْنُ نَكِرَةٌ فَخَرَجَتْ نَصْبًا. وَقَالَ
آخَرُ مِنَ الْبَصْرِيِّينَ: {مِنْ تَسْنِيمٍ} [المطففين: 27]
مَعْرِفَةٌ، ثُمَّ قَالَ {عَيْنًا} [البقرة: 60] فَجَاءَتْ
نَكِرَةً، فَنَصَبَتْهَا صِفَةٌ لَهَا. وَقَالَ آخَرُ نُصِبَتْ
بِمَعْنَى: مِنْ مَاءٍ يُتَسَنَّمُ عَيْنًا وَالصَّوَابُ مِنَ
الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا: أَنَّ التَّسْنِيمَ اسْمٌ
مَعْرِفَةٌ، وَالْعَيْنُ نَكِرَةٌ، فَنُصِبَتْ لِذَلِكَ إِذْ
كَانَتْ صِفَةً لَهُ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: ذَلِكَ هُوَ
الصَّوَابُ لَمَا قَدْ قَدَّمْنَا مِنَ الرِّوَايَةِ عَنْ
أَهْلِ الْتَأْوِيلِ، أَنَّ التَّسْنِيمَ هُوَ الْعَيْنُ،
فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّ الْعَيْنَ إِذْ كَانَتْ
مَنْصُوبَةً وَهِيَ نَكِرَةٌ، أَنَّ التَّسْنِيمَ مَعْرِفَةٌ
(24/225)
وَقَوْلُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا
كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} [المطففين: 29]
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ الَّذِينَ اكْتَسَبُوا
الْمَآثِمَ، فَكَفَرُوا بِاللَّهِ فِي الدُّنْيَا، كَانُوا
فِيهَا مِنَ الَّذِينَ أَقَرُّوا بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ،
وَصَدَّقُوا بِهِ، يَضْحَكُونَ، اسْتِهْزَاءً مِنْهُمْ بِهِمْ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ
الْتَأْوِيلِ
(24/225)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ
قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا
مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} [المطففين: 29] فِي
الدُّنْيَا، يَقُولُونَ: وَاللَّهِ إِنَّ هَؤُلَاءِ [ص:226]
لِكَذِبَةٌ، وَمَا هُمْ عَلَى شَيْءٍ، اسْتِهْزَاءً بِهِمْ
(24/225)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ وَإِذَا
انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ وَإِذَا
رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ وَمَا
أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ} [المطففين: 31] يَقُولُ
تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكَانَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَجْرَمُوا
إِذَا مَرَّ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ؛
يَقُولُ: كَانَ بَعْضُهُمْ يَغْمِزُ بَعْضًا بِالْمُؤْمِنِ،
اسْتِهْزَاءً بِهِ وَسُخْرِيَةً
(24/226)
وَقَوْلُهُ: {وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى
أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ} [المطففين: 31] يَقُولُ:
وَكَانَ هَؤُلَاءِ الْمُجْرِمُونَ إِذَا انْصَرَفُوا إِلَى
أَهْلِهِمْ مِنْ مَجَالِسِهِمُ انْصَرَفُوا نَاعِمِينَ
مُعْجَبِينَ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ
أَهْلُ الْتَأْوِيلِ
(24/226)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ،
عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، {انْقَلَبُوا فَاكِهِينَ}
قَالَ: مُعْجَبِينَ
(24/226)
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ:
{وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ}
[المطففين: 31] قَالَ: انْقَلَبَ نَاعِمًا، قَالَ: هَذَا فِي
الدُّنْيَا، ثُمَّ أُعْقِبَ النَّارَ فِي الْآخِرَةِ وَقَدْ
كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ يُفَرِّقُ
بَيْنَ مَعْنَى فَاكِهِينَ وَفَكِهِينَ، فَيَقُولُ: مَعْنَى
فَاكِهِينَ نَاعِمِينَ، وَفَكِهِينَ: مَرِحِينَ. وَكَانَ
غَيْرُهُ يَقُولُ: ذَلِكَ بِمَعْنَى وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا هُوَ
بِمَنْزِلَةِ طَامِعٍ وَطَمِعٍ، وَبَاخِلٍ وَبَخِلٍ
(24/226)
وَقَوْلُهُ: {وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا
إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ} [المطففين: 32] يَقُولُ تَعَالَى
ذِكْرُهُ: وَإِذَا رَأَى الْمُجْرِمُونَ الْمُؤْمِنِينَ
قَالُوا لَهُمْ: إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ، عَنْ مَحَجَّةِ
الْحَقِّ، وَسَبِيلِ الْقَصْدِ
(24/227)
{وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ}
[المطففين: 33] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَمَا بُعِثَ
هَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ الْقَائِلُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ إِنَّ
هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ، حَافِظَيْنِ عَلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ
يَقُولُ: إِنَّمَا كُلِّفُوا الْإِيمَانَ بِاللَّهِ،
وَالْعَمَلَ بِطَاعَتِهِ، وَلَمْ يُجْعَلُوا رُقَبَاءَ عَلَى
غَيْرِهِمْ يَحْفَظُونَ عَلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ
وَيَتَفَقَّدُونَهَا
(24/227)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ
يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ هَلْ ثُوِّبَ
الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المطففين: 35] يَقُولُ
تَعَالَى ذِكْرُهُ: {فَالْيَوْمَ} [الأعراف: 51] وَذَلِكَ
يَوْمُ الْقِيَامَةِ {الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: 14]
بِاللَّهِ فِي الدُّنْيَا {مِنَ الْكُفَّارِ} [التوبة: 123]
فِيهَا {يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ}
[المطففين: 34] يَقُولُ: عَلَى سُرُرِهِمُ الَّتِي فِي
الْحِجَالِ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِمْ، وَهُمْ فِي الْجَنَّةِ،
وَالْكُفَّارُ فِي النَّارِ يُعَذَّبُونَ وَبِنَحْوِ الَّذِي
قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ الْتَأْوِيلِ
(24/227)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي،
قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،
قَوْلُهُ: {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ
يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ} [المطففين: 35]
قَالَ: يَعْنِي السُّرُرَ الْمَرْفُوعَةَ عَلَيْهَا
الْحِجَالُ. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ السُّورَ
الَّذِي بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ يُفْتَحُ لَهُمْ فِيهِ
أَبْوَابٌ، فَيَنْظُرُ الْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِ النَّارِ،
وَالْمُؤْمِنُونَ عَلَى السُّرُرِ يَنْظُرُونَ كَيْفَ
يُعَذَّبُونَ، فَيَضْحَكُونَ مِنْهُمْ، فَيَكُونُ ذَلِكَ
مِمَّا أَقَرَّ [ص:228] اللَّهُ بِهِ أَعْيُنَهُمْ، كَيْفَ
يَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُمْ
(24/227)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ،
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ
آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ} [المطففين: 34] ذُكِرَ
لَنَا أَنَّ كَعْبًا كَانَ يَقُولُ: إِنَّ بَيْنَ الْجَنَّةِ
وَالنَّارِ كُوًى، فَإِذَا أَرَادَ الْمُؤْمِنُ أَنْ يَنْظُرَ
إِلَى عَدُوٍّ كَانَ لَهُ فِي الدُّنْيَا، اطَّلَعَ مِنْ
بَعْضِ الْكُوَى، قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {فَاطَّلَعَ
فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 55] أَيْ فِي
وَسَطِ النَّارِ. وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ رَأَى جَمَاجِمَ
الْقَوْمِ تَغْلِي
(24/228)
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى،
قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ،
قَالَ كَعْبٌ: إِنَّ بَيْنَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَبَيْنَ أَهْلِ
النَّارِ كُوًى، لَا يَشَاءُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ
أَنْ يَنْظُرَ إِلَى غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ إِلَّا
فَعَلَ
(24/228)
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ:
سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {فَالْيَوْمَ
الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى
الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ} [المطففين: 35] كَانَ ابْنُ
عَبَّاسٍ يَقُولُ: السُّورُ بَيْنَ أَهْلِ الْجَنَّةِ
وَالنَّارِ، فَيُفْتَحُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ أَبْوَابٌ،
فَيَنْظُرُونَ وَهُمْ عَلَى السُّرُرِ إِلَى أَهْلِ النَّارِ
كَيْفَ يُعَذَّبُونَ، فَيَضْحَكُونَ مِنْهُمْ، وَيَكُونُ
ذَلِكَ مِمَّا يُقِرُّ اللَّهُ بِهِ أَعْيُنَهُمْ أَنْ
يَنْظُرُوا إِلَى عَدُوِّهِمْ كَيْفَ يَنْتَقِمُ اللَّهُ
مِنْهُمْ
(24/228)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا
مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا
مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ} [المطففين: 34] قَالَ: يُجَاءُ
بِالْكُفَّارِ، حَتَّى يَنْظُرُوا إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ فِي
الْجَنَّةِ، عَلَى [ص:229] سُرُرٍ، فَحِينَ يَنْظُرُونَ
إِلَيْهِمْ تُغْلَقُ دُونَهُمُ الْأَبْوَابُ، وَيَضْحَكُ
أَهْلُ الْجَنَّةِ مِنْهُمْ، فَهُوَ قَوْلُهُ: {فَالْيَوْمَ
الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى
الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ} [المطففين: 35]
(24/228)
وَقَوْلُهُ: {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا
كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المطففين: 36] يَقُولُ تَعَالَى
ذِكْرُهُ: هَلْ أُثِيبَ الْكُفَّارُ وَجُزُوا ثَوَابَ مَا
كَانُوا فِي الدُّنْيَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ
سُخْرِيَتِهِمْ مِنْهُمْ، وَضَحِكِهِمْ بِهِمْ، بِضَحِكِ
الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ فِي الْآخِرَةِ، وَالْمُؤْمِنُونَ
عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ، وَهُمْ فِي النَّارِ
يُعَذَّبُونَ وَ {ثُوِّبَ} [المطففين: 36] فُعِّلَ مِنَ
الثَّوَابِ وَالْجَزَاءِ، يُقَالُ مِنْهُ: ثَوَّبَ فُلَانٌ
فُلَانًا عَلَى صَنِيعِهِ، وَأَثَابَهُ مِنْهُ وَبِنَحْوِ
الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ الْتَأْوِيلِ
(24/229)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا
عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ،
قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ،
عَنْ مُجَاهِدٍ، {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا
يَفْعَلُونَ} [المطففين: 36] قَالَ: جُزِيَ
(24/229)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا
مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ: {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا
كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المطففين: 36] حِينَ كَانُوا
يَسْخَرُونَ
(24/229)
سُورَةُ الِانْشِقَاقِ مَكِّيَّةٌ
وَآيَاتُهَا خَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ
(24/230)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا
وَحُقَّتْ وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا
وَتَخَلَّتْ وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} [الانشقاق: 2]
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِذَا السَّمَاءُ تَصَدَّعَتْ
وَتَقَطَّعَتْ فَكَانَتْ أَبْوَابًا
(24/230)
قَوْلُهُ: {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا
وَحُقَّتْ} [الانشقاق: 2] يَقُولُ: وَسَمِعَتِ السَّمَوَاتُ
فِي تَصَدُّعِهَا وَتَشَقُّقِهَا لِرَبِّهَا، وَأَطَاعَتْ لَهُ
فِي أَمْرِهِ إِيَّاهَا. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: أَذِنَ لَكَ فِي
هَذَا الْأَمْرِ إِذْنًا بِمَعْنَى: اسْتَمَعَ لَكَ، وَمِنْهُ
الْخَبَرُ الَّذِي رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ كَإِذْنِهِ
لِنَبِيٍّ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ» يَعْنِي بِذَلِكَ: مَا
اسْتَمَعَ اللَّهُ لِشَيْءٍ كَاسْتِمَاعِهِ لِنَبِيٍّ
يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر البسيط]
صُمٌّ إِذَا سَمِعُوا خَيْرًا ذُكِرْتُ بِهِ ... وَإِنْ
ذُكِرْتُ بِسُوءٍ عِنْدَهُمْ أَذِنُوا
وَأَصْلُ قَوْلِهِمْ فِي الطَّاعَةِ: سَمِعَ لَهُ مِنَ
الِاسْتِمَاعِ، يُقَالُ مِنْهُ: سَمِعْتُ لَكَ، بِمَعْنَى
سَمِعْتُ قَوْلَكَ وَأَطَعْتُ فِيمَا قُلْتَ وَأَمَرْتَ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَأَذِنَتْ
لِرَبِّهَا} [الانشقاق: 2] قَالَ أَهْلُ الْتَأْوِيلِ
(24/230)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي،
قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،
قَوْلُهُ: {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} [الانشقاق: 2]
قَالَ: سَمِعَتْ لِرَبِّهَا
(24/231)
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا
ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ،
فِي قَوْلِهِ: {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} [الانشقاق:
2] قَالَ: سَمِعَتْ وَأَطَاعَتْ
(24/231)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ:
ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي
الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ،
جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي
قَوْلِهِ: {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} [الانشقاق: 2]
قَالَ: سَمِعَتْ حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ،
قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ
مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
(24/231)
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى،
قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي
قَوْلِهِ {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} [الانشقاق: 2]
قَالَ: سَمِعَتْ وَأَطَاعَتْ
(24/231)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ،
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ {وَأَذِنَتْ
لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} [الانشقاق: 2] : أَيْ سَمِعَتْ
وَأَطَاعَتْ
(24/231)
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ:
سَمِعْتُ [ص:232] الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ:
{وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} [الانشقاق: 2] قَالَ:
سَمِعَتْ وَأَطَاعَتْ
(24/231)
وَقَوْلُهُ: {وَحُقَّتْ} [الانشقاق: 2]
يَقُولُ: وَحَقَّقَ اللَّهُ عَلَيْهَا الِاسْتِمَاعَ
بِالِانْشِقَاقِ، وَالِانْتِهَاءِ إِلَى طَاعَتِهِ فِي ذَلِكَ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ
الْتَأْوِيلِ
(24/232)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي،
قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي
قَوْلِهِ {وَحُقَّتْ} [الانشقاق: 2] قَالَ: حُقِّقَتْ
لِطَاعَةِ رَبِّهَا
(24/232)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا
جَرِيرٌ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، {وَحُقَّتْ} [الانشقاق: 2] وَحُقَّ
لَهَا
(24/232)
وَقَوْلُهُ: {وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ}
[الانشقاق: 3] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِذَا الْأَرْضُ
بُسِطَتْ، فَزِيدَ فِي سَعَتِهَا؛ كَالَّذِي:
(24/232)
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى،
قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ،
عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ
مَدَّ اللَّهُ الْأَرْضَ حَتَّى لَا يَكُونُ لِبَشَرٍ مِنَ
النَّاسِ إِلَّا مَوْضِعُ قَدَمَيْهِ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ
يُدْعَى، وَجِبْرِيلُ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ، وَاللَّهِ مَا
رَآهُ قَبْلَهَا، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ إِنَّ هَذَا
أَخْبَرَنِي أَنَّكَ أَرْسَلْتَهُ إِلَيَّ، فَيَقُولُ: صَدَقَ،
ثُمَّ أَشْفَعُ فَأَقُولُ: يَا رَبِّ عِبَادُكَ عَبَدُوكَ فِي
أَطْرَافِ الْأَرْضِ، قَالَ: وَهُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ "
(24/232)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ:
ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي
الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ،
جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ:
{مُدَّتْ} [الانشقاق: 3] قَالَ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ
(24/233)
وَقَوْلُهُ: {وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا
وَتَخَلَّتْ} [الانشقاق: 4] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ:
وَأَلْقَتِ الْأَرْضُ مَا فِي بَطْنِهَا مِنَ الْمَوْتَى إِلَى
ظَهْرِهَا وَتَخَلَّتْ مِنْهُمْ إِلَى اللَّهِ وَبِنَحْوِ
الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ الْتَأْوِيلِ
(24/233)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا
عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ،
قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ،
عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا
وَتَخَلَّتْ} [الانشقاق: 4] قَالَ: أَخْرَجَتْ مَا فِيهَا مِنَ
الْمَوْتَى
(24/233)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ،
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، {وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا
وَتَخَلَّتْ} [الانشقاق: 4] قَالَ: أَخْرَجَتْ أَثْقَالَهَا
وَمَا فِيهَا
(24/233)
وَقَوْلُهُ: {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا
وَحُقَّتْ} [الانشقاق: 2] يَقُولُ: وَسَمِعَتِ الْأَرْضُ فِي
إِلْقَائِهَا مَا فِي بَطْنِهَا مِنَ الْمَوْتَى إِلَى
ظَهْرِهَا أَحْيَاءً، أَمْرَ رَبِّهَا وَأَطَاعَتْ {وَحُقَّتْ}
[الانشقاق: 2] يَقُولُ:
(24/233)
وَحَقَّقَهَا اللَّهُ لِلِاسْتِمَاعِ
لَأَمْرِهِ فِي ذَلِكَ، وَالِانْتِهَاءِ إِلَى طَاعَتِهِ
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَوْقِعِ جَوَابِ
قَوْلِهِ: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] ،
وَقَوْلُهُ: {وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ} [الانشقاق: 3]
فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: {إِذَا السَّمَاءُ
انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِ: {يَا
أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا
فَمُلَاقِيهِ} [الانشقاق: 6] إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ،
عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي
الْكُوفَةِ: قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: جَوَابُ {إِذَا
السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] قَوْلُهُ: {وَأَذِنَتْ}
[الانشقاق: 2] قَالَ: وَنَرَى أَنَّهُ رَأْيٌ ارْتَآهُ
الْمُفَسِّرُ، وَشَبَّهَهُ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {حَتَّى
إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} لَأَنَّا لَمْ
نَسْمَعْ جَوَابًا بِالْوَاوِ فِي إِذَا مُبْتَدَأَةٍ، وَلَا
كَلَامَ قَبْلَهَا، وَلَا فِي إِذَا، إِذَا ابْتُدِئَتْ؛
قَالَ: وَإِنَّمَا تُجِيبُ الْعَرَبُ بِالْوَاوِ فِي قَوْلِهِ:
حَتَّى إِذَا كَانَ، وَفَلَمَّا أَنْ كَانَ، لَمْ يُجَاوِزُوا
ذَلِكَ؛ قَالَ: وَالْجَوَابُ فِي {إِذَا السَّمَاءُ
انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] وَفِي {إِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ}
[الانشقاق: 3] كَالْمَتْرُوكِ، لِأَنَّ الْمَعْنَى مَعْرُوفٌ
قَدْ تَرَدَّدَ فِي الْقُرْآنِ مَعْنَاهُ، فَعُرِفَ، وَإِنْ
شِئْتَ كَانَ جَوَابُهُ: يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ، كَقَوْلِ
الْقَائِلِ: إِذَا كَانَ كَذَا وَكَذَا، فَيَا أَيُّهَا
النَّاسُ تَرَوْنَ مَا عَمِلْتُمْ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ،
تَجْعَلُ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ هُوَ الْجَوَّابُ،
وَتُضْمِرُ فِيهِ الْفَاءَ، وَقَدْ فُسِّرَ جَوَابُ {إِذَا
السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] فِيمَا يَلْقَى
الْإِنْسَانُ مِنْ ثَوَابٍ وَعِقَابٍ، فَكَأَنَّ الْمَعْنَى:
تَرَى الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ
وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا: أَنَّ
جَوَابَهُ مَحْذُوفٌ، تُرِكَ اسْتِغْنَاءً بِمَعْرِفَةِ
(24/234)
الْمُخَاطَبِينَ بِهِ بِمَعْنَاهُ.
وَمَعْنَى الْكَلَامِ: إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ رَأَى
الْإِنْسَانُ مَا قَدَّمَ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، وَقَدْ
بَيَّنَ ذَلِكَ قَوْلُهُ: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ
كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ} [الانشقاق: 6]
وَالْآيَاتُ بَعْدَهَا
(24/235)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى
رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ
بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا
وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا} [الانشقاق: 7]
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ
عَامِلٌ إِلَى رَبِّكَ عَمَلًا فَمُلَاقِيهِ بِهِ: خَيْرًا
كَانَ عَمَلُكَ ذَلِكَ أَوْ شَرًّا؛ يَقُولُ: فَلْيَكُنْ
عَمَلُكَ مِمَّا يُنْجِيَكَ مِنْ سَخَطِهِ، وَيُوجِبُ لَكَ
رِضَاهُ، وَلَا يَكُنْ مِمَّا يُسْخِطُهُ عَلَيْكَ فَتَهْلِكَ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ
الْتَأْوِيلِ
(24/235)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي،
قَالَ: ثَنَّى أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، {يَا
أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا
فَمُلَاقِيهِ} [الانشقاق: 6] يَقُولُ: تَعْمَلُ عَمَلًا
تَلْقَى اللَّهَ بِهِ خَيْرًا كَانَ أَوْ شَرًّا
(24/235)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ،
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {يَا أَيُّهَا
الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا
فَمُلَاقِيهِ} [الانشقاق: 6] إِنَّ كَدْحَكَ يَا ابْنَ آدَمَ
لَضَعِيفٌ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَكُونَ كَدْحُهُ فِي
طَاعَةِ اللَّهِ فَلْيَفْعَلْ، وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ
(24/235)
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى،
قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي
قَوْلِهِ: {إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا} [الانشقاق:
6] قَالَ: عَامِلٌ لَهُ عَمَلًا
(24/236)
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: وَسَمِعْتُهُ
يَقُولُ فِي ذَلِكَ {إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا}
[الانشقاق: 6] قَالَ: عَامِلٌ إِلَى رَبِّكَ عَمَلًا، قَالَ:
كَدْحًا: الْعَمَلُ
(24/236)
وَقَوْلُهُ: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ
كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} [الحاقة: 19] يَقُولُ تَعَالَى
ذِكْرُهُ: فَأَمَّا مَنْ أُعْطِيَ كِتَابَ أَعْمَالِهِ
بِيَمِينِهِ {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا}
[الانشقاق: 8] بِأَنْ يُنْظُرَ فِي أَعْمَالِهِ، فَيُغْفَرَ
لَهُ سَيِّئُهَا، وَيُجَازَى عَلَى حَسَنِهَا وَبِنَحْوِ
الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ الْتَأْوِيلِ،
وَجَاءَ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ
(24/236)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ حَمْزَةَ، عَنْ
عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ
عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ حَاسِبْنِي حِسَابًا
يَسِيرًا» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْحِسَابُ
الْيَسِيرُ؟ قَالَ: «أَنْ يَنْظُرَ فِي سَيِّئَاتِهِ
فَيَتَجَاوَزَ عَنْهُ، إِنَّهُ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ
يَوْمَئِذٍ هَلَكَ»
(24/236)
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ
عُلَيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني عَبْدُ
الْوَاحِدِ بْنُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي بَعْضِ
صَلَاتِهِ: «اللَّهُمَّ حَاسِبْنِي [ص:237] حِسَابًا يَسِيرًا»
فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا
الْحِسَابُ الْيَسِيرُ؟ قَالَ: «يَنْظُرُ فِي كِتَابِهِ
وَيَتَجَاوَزُ لَهُ عَنْهُ، إِنَّهُ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ
يَوْمَئِذٍ يَا عَائِشَةُ هَلَكَ»
(24/236)
حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ
الْجَهْضَمِيُّ، قَالَ: ثنا مُسْلِمٌ، عَنِ الْحَرِيشِ بْنِ
الْخِرِّيتِ أَخِي الزُّبَيْرِ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ،
عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ، أَوْ مَنْ
حُوسِبَ عُذِّبَ، قَالَ: ثُمَّ قَالَتْ: إِنَّمَا الْحِسَابُ
الْيَسِيرُ: عَرْضٌ عَلَى اللَّهِ وَهُوَ يَرَاهُمْ
(24/237)
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا
عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: ثنا أَيُّوبُ، وَحَدَّثَنِي
يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَيُّوبُ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
«مَنْ حُوسِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عُذِّبَ» فَقُلْتُ:
أَلَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا
يَسِيرًا} [الانشقاق: 8] قَالَ: «لَيْسَ ذَلِكَ الْحِسَابُ،
إِنَّمَا ذَلِكَ الْعَرْضُ، وَلَكِنْ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ عُذِّبَ»
(24/237)
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا
رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، قَالَ: ثنا أَبُو عَامِرٍ الْخَزَّازُ،
عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ
لَيْسَ أَحَدٌ يُحَاسَبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا
مُعَذَّبًا» فَقُلْتُ: أَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ: {فَسَوْفَ
يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق: 8] قَالَ: «ذَلِكَ
الْعَرْضُ، إِنَّهُ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ عُذِّبَ» وَقَالَ
بِيَدِهِ عَلَى أُصْبُعِهِ كَأَنَّهُ [ص:238] يَنْكُتُهُ
(24/237)
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ:
{فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق: 8] قَالَ:
الْحِسَابُ الْيَسِيرُ: الَّذِي يَغْفِرُ ذُنُوبَهُ،
وَيَتَقَبَّلُ حَسَنَاتِهِ، وَيَسِيرُ الْحِسَابِ: الَّذِي
يُعْفَى عَنْهُ، وَقَرَأَ: {وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ}
[الرعد: 21] وَقَرَأَ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ
عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ
سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ} [الأحقاف: 16]
(24/238)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا
مِهْرَانُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ، قَالَ: ثني ابْنُ
أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق: 8]
قَالَ: «ذَلِكَ الْعَرْضُ يَا عَائِشَةُ، وَمَنْ نُوقِشَ
الْحِسَابَ هَلَكَ»
(24/238)
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا
عُثْمَانُ بْنُ عَمْرٍو وَأَبُو دَاوُدَ، قَالَا: ثنا أَبُو
عَامِرٍ الْخَزَّازُ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ
عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَنْ حُوسِبَ عُذِّبَ» قَالَتْ:
فَقُلْتُ: أَلَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ
حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق: 8] قَالَ: «ذَلِكَ الْعَرْضُ
يَا عَائِشَةُ، وَمَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ عُذِّبَ» إِنْ قَالَ
قَائِلٌ: وَكَيْفَ قِيلَ: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ} [الانشقاق: 8]
وَالْمُحَاسَبَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا مِنِ [ص:239] اثْنَيْنِ،
وَاللَّهُ الْقَائِمُ بِأَعْمَالِهِمْ، وَلَا أَحَدَ لَهُ
قِبَلَ رَبِّهِ طِلْبَةٌ فَيُحَاسِبُهُ؟ قِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ
تَقْرِيرٌ مِنَ اللَّهِ لِلْعَبْدِ بِذُنُوبِهِ، وَإِقْرَارٌ
مِنَ الْعَبْدِ بِهَا، وَبِمَا أَحْصَاهُ كِتَابُ عَمَلِهِ،
فَذَلِكَ الْمُحَاسَبَةُ عَلَى مَا وَصَفْنَا، وَلِذَلِكَ
قِيلَ: يُحَاسَبُ
(24/238)
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ:
ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ أَبِي يُونُسَ الْقُشَيْرِيِّ،
عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ،
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ أَحَدٌ يُحَاسَبُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ إِلَّا هَلَكَ» قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ
فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق: 8] فَقَالَ:
«ذَلِكَ الْعَرْضُ، لَيْسَ أَحَدٌ يُحَاسَبُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ إِلَّا هَلَكَ»
(24/239)
وَقَوْلُهُ: {وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ
مَسْرُورًا} [الانشقاق: 9] يَقُولُ: وَيَنْصَرِفُ هَذَا
الْمُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا إِلَى أَهْلِهِ فِي الْجَنَّةِ
مَسْرُورًا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ
أَهْلُ الْتَأْوِيلِ
(24/239)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ
قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ
مَسْرُورًا} [الانشقاق: 9] قَالَ: إِلَى أَهْلٍ أَعَدَّ
اللَّهُ لَهُمُ الْجَنَّةَ
(24/239)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ
فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا وَيَصْلَى سَعِيرًا إِنَّهُ كَانَ
فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَّنْ يَحُورَ
بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا} [الانشقاق:
11][ص:240] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَمَّا مَنْ أُعْطِيَ
كِتَابَهُ مِنْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ يَوْمَئِذٍ وَرَاءَ
ظَهْرِهِ، وَذَلِكَ أَنْ جَعَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى إِلَى
عُنُقِهِ، وَجَعَلَ الشِّمَالَ مِنْ يَدَيْهِ وَرَاءَ
ظَهْرِهِ، فَيَتَنَاوَلُ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ مِنْ وَرَاءِ
ظَهْرِهِ، وَلِذَلِكَ وَصَفَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَحْيَانًا،
أَنَّهُمْ يُؤْتَوْنَ كُتُبَهُمْ بِشَمَائِلِهِمْ،
وَأَحْيَانًا أَنَّهُمْ يُؤْتَوْنَهَا مِنْ وَرَاءِ
ظُهُورِهِمْ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ أَهْلِ
الْتَأْوِيلِ
(24/239)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا
عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ،
قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ،
عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ
وَرَاءَ ظَهْرِهِ} [الانشقاق: 10] قَالَ: يَجْعَلُ يَدَهُ مِنْ
وَرَاءِ ظَهْرِهِ
(24/240)
وَقَوْلُهُ: {فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا}
[الانشقاق: 11] يَقُولُ: فَسَوْفَ يُنَادِي بِالْهَلَاكِ،
وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: وَاثُبُورَاهُ، وَاوَيْلَاهُ، وَهُوَ
مِنْ قَوْلِهِمْ: دَعَا فُلَانٌ لَهْفَهُ: إِذَا قَالَ:
وَالَهْفَاهُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ
أَهْلُ الْتَأْوِيلِ وَقَدْ ذَكَرْنَا مَعْنَى الثُّبُورِ
فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهِ، وَمَا فِيهِ مِنَ الرِّوَايَةِ
(24/240)
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ:
سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {يَدْعُو
ثُبُورًا} [الانشقاق: 11] قَالَ: يَدْعُو بِالْهَلَاكِ
(24/240)
وَقَوْلُهُ: {وَيَصْلَى سَعِيرًا}
[الانشقاق: 12] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ،
فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ
وَالشَّامِ: (وَيُصَلَّى) بِضَمِّ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِ
اللَّامِ، بِمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ يُصْلِيهِمْ تَصْلِيَةً
بَعْدَ تَصْلِيَةٍ، وَإِنْضَاجَةً بَعْدَ إِنْضَاجَةٍ، كَمَا
قَالَ تَعَالَى: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ
بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} [النساء: 56]
وَاسْتَشْهَدُوا لِتَصْحِيحِ قِرَاءَتِهِمْ ذَلِكَ كَذَلِكَ،
بِقَوْلِهِ: {ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ} [الحاقة: 31]
وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمَدَنِيِّينَ وَعَامَّةُ قُرَّاءِ
الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ: {وَيَصْلَى} [الانشقاق: 12]
بِفَتْحِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ، بِمَعْنَى: أَنَّهُمْ
يَصْلَوْنَهَا وَيَرُدُّونَهَا، فَيَحْتَرِقُونَ فِيهَا،
وَاسْتَشْهَدُوا لِتَصْحِيحِ قِرَاءَتِهِمْ ذَلِكَ كَذَلِكَ،
بِقَوْلِ اللَّهِ: {يَصْلَوْنَهَا} [إبراهيم: 29] وَ {إِلَّا
مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 163] وَالصَّوَابُ مِنَ
الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي: أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ
مَعْرُوفَتَانِ صَحِيحَتَا الْمَعْنَى، فَبِأَيَّتِهِمَا
قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ
(24/241)
وَقَوْلُهُ: {إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ
مَسْرُورًا} [الانشقاق: 13] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ:
إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ فِي الدُّنْيَا مَسْرُورًا، لَمَا
فِيهِ مِنْ خِلَافِهِ أَمْرَ اللَّهِ، وَرُكُوبِهِ مَعَاصِيَهُ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ
الْتَأْوِيلِ
(24/241)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ
قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا}
[الانشقاق: 13] : أَيْ فِي الدُّنْيَا
(24/241)
وَقَوْلُهُ: {إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ
يَحُورَ بَلَى} [الانشقاق: 15] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ:
إِنَّ هَذَا الَّذِي أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ظَنَّ فِي الدُّنْيَا أَنْ لَنْ يَرْجِعَ
إِلَيْنَا، وَلَنْ يُبْعَثَ بَعْدَ مَمَاتِهِ، فَلَمْ يَكُنْ
يُبَالِي مَا رَكِبَ مِنَ الْمَآثِمِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ
يَرْجُو ثَوَابًا، وَلَمْ يَكُنْ يَخْشَى عِقَابًا؛ يُقَالُ
مِنْهُ: حَارَ فُلَانٌ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ: إِذَا رَجَعَ
عَنْهُ، وَمِنْهُ الْخَبَرُ الَّذِي رُوِيَ عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ
يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ
الْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ» يَعْنِي بِذَلِكَ: مِنَ
الرُّجُوعِ إِلَى الْكُفْرِ، بَعْدَ الْإِيمَانِ وَبِنَحْوِ
الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ الْتَأْوِيلِ
(24/242)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ،
عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {إِنَّهُ ظَنَّ
أَنْ لَنْ يَحُورَ} [الانشقاق: 14] يَقُولُ: يُبْعَثُ
(24/242)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ:
ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي
الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ،
جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ:
{إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ بَلَى} [الانشقاق: 15]
قَالَ: أَنْ لَا يَرْجِعَ إِلَيْنَا
(24/242)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ،
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {إِنَّهُ ظَنَّ
أَنْ لَنْ يَحُورَ} [الانشقاق: 14] : أَنْ لَا مَعَادَ لَهُ
وَلَا رَجْعَةَ
(24/242)
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى،
قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {أَنْ
لَنْ يَحُورَ} [الانشقاق: 14] قَالَ: أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ:
يَقُولُ: أَنْ لَنْ يُبْعَثَ
(24/243)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا
مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، {ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ}
[الانشقاق: 14] قَالَ: يَرْجِعَ
(24/243)
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {أَنْ
لَنْ يَحُورَ} [الانشقاق: 14] قَالَ: أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ
(24/243)
وَقَوْلُهُ: {بَلَى} [البقرة: 81] يَقُولُ
تَعَالَى ذِكْرُهُ: بَلَى لَيَحُورَنَّ وَلَيَرْجِعَنَّ إِلَى
رَبِّهِ حَيًّا، كَمَا كَانَ قَبْلَ مَمَاتِهِ
(24/243)
وَقَوْلُهُ: {إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ
بَصِيرًا} [الانشقاق: 15] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: إِنَّ
رَبَّ هَذَا الَّذِي ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ، كَانَ بِهِ
بَصِيرًا، إِذْ هُوَ فِي الدُّنْيَا، بِمَا كَانَ يَعْمَلُ
فِيهَا مِنَ الْمَعَاصِي، وَمَا إِلَيْهِ يَصِيرُ أَمْرُهُ فِي
الْآخِرَةِ، عَالِمٌ بِذَلِكَ كُلِّهِ
(24/243)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ وَاللَّيْلِ وَمَا
وَسَقَ وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ
طَبَقٍ فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ وَإِذَا قُرِئَ
عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: 17]
وَهَذَا قَسَمٌ أَقْسَمَ رَبُّنَا بِالشَّفَقِ، وَالشَّفَقُ:
الْحُمْرَةُ فِي الْأُفُقِ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَغْرِبِ مِنَ
الشَّمْسِ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ
الْتَأْوِيلِ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ
الْحُمْرَةُ كَمَا قُلْنَا، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ
مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ. [ص:244] وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ
النَّهَارُ
(24/243)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَحْمَسِيُّ، قَالَ: ثنا
مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: ثنا الْعَوَّامُ بْنُ
حَوْشَبٍ، قَالَ: قُلْتُ لِمُجَاهِدٍ: الشَّفَقُ، قَالَ: لَا
تَقُلِ الشَّفَقَ، إِنَّ الشَّفَقَ مِنَ الشَّمْسِ، وَلَكِنْ
قُلْ: حُمْرَةُ الْأُفُقِ
(24/244)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ:
ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي
الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ،
جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ:
الشَّفَقِ، قَالَ: النَّهَارُ كُلُّهُ
(24/244)
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا
وَكِيعٌ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ
مُجَاهِدٍ، {فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ} [الانشقاق: 16]
قَالَ: النَّهَارُ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا
مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ،
مِثْلَهُ وَقَالَ آخَرُونَ: الشَّفَقُ: هُوَ اسْمٌ
لِلْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ، وَقَالُوا: هُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ
وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي: أَنْ
يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَقْسَمَ بِالنَّهَارِ مُدْبِرًا،
وَاللَّيْلِ مُقْبِلًا. وَأَمَّا الشَّفَقُ الَّذِي تَحِلُّ
بِهِ صَلَاةُ الْعِشَاءِ، فَإِنَّهُ لِلْحُمْرَةِ عِنْدَنَا،
لِلْعِلَّةِ الَّتِي قَدْ بَيَّنَّاهَا فِي كِتَابِنَا كِتَابِ
الصَّلَاةِ
(24/244)
وَقَوْلُهُ: {وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ}
[الانشقاق: 17] يَقُولُ: وَاللَّيْلِ وَمَا جَمَعَ، مِمَّا
سَكَنَ وَهَدَأَ فِيهِ مِنْ ذِي رُوحٍ كَانَ يَطِيرُ، أَوْ
يَدِبُّ نَهَارًا، يُقَالُ مِنْهُ: وَسَقْتُهُ أَسِقُهُ
وَسْقًا، وَمِنْهُ: طَعَامٌ مَوْسُوقٌ، وَهُوَ الْمَجْمُوعُ
فِي غَرَائِرَ أَوْ وِعَاءٍ، وَمِنْهُ الْوَسَقُ، وَهُوَ
الطَّعَامُ الْمُجْتَمِعُ الْكَثِيرُ، مِمَّا يُكَالُ أَوْ
يُوزَنُ، يُقَالُ: هُوَ سِتُّونَ صَاعًا، وَبِهِ جَاءَ
الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ
الْتَأْوِيلِ
(24/245)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ،
عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {وَمَا وَسَقَ}
[الانشقاق: 17] يَقُولُ: وَمَا جَمَعَ
(24/245)
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي
بِشْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي هَذِهِ
الْآيَةِ {وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ} [الانشقاق: 17] قَالَ:
وَمَا جَمَعَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
[البحر الرجز]
مُسْتَوْسِقَاتٍ لَوْ يَجِدْنَ سَائِقَا
(24/245)
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ
عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، قَالَ: سَأَلَ حَفْصٌ
الْحَسَنَ عَنْ قَوْلِهِ: {وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ}
[الانشقاق: 17] قَالَ: وَمَا جَمَعَ
(24/246)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ:
ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي
الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ،
جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ،
{وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ} [الانشقاق: 17] قَالَ: وَمَا
جَمَعَ، يَقُولُ: مَا آوَى فِيهِ مِنْ دَابَّةٍ
(24/246)
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا
وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ
{وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ} [الانشقاق: 17] : وَمَا لَفَّ
(24/246)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا
مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ،
{وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ} [الانشقاق: 17] قَالَ: وَمَا
أَظْلَمَ عَلَيْهِ، وَمَا أُدْخِلَ فِيهِ. وَقَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: مُسْتَوْسِقَاتٍ لَوْ يَجِدْنَ حَادِيًا
(24/246)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ،
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {وَاللَّيْلِ
وَمَا وَسَقَ} [الانشقاق: 17] يَقُولُ: وَمَا جَمَعَ مِنْ
نَجْمٍ أَوْ دَابَّةٍ
(24/246)
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى،
قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ
{وَمَا وَسَقَ} [الانشقاق: 17] قَالَ: وَمَا جَمَعَ
(24/246)
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ:
{وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ} [الانشقاق: 17] قَالَ: وَمَا
جَمَعَ، مُجْتَمِعٌ فِيهِ الْأَشْيَاءُ الَّتِي يَجْمَعُهَا
اللَّهُ، الَّتِي تَأْوِي إِلَيْهِ، وَأَشْيَاءُ تَكُونُ فِي
اللَّيْلِ لَا تَكُونُ فِي النَّهَارِ، مَا جَمَعَ مِمَّا
فِيهِ مَا يَأْوِي إِلَيْهِ، فَهُوَ مِمَّا جَمَعَ
(24/247)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا
حَكَّامٌ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ
{وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ} [الانشقاق: 17] يَقُولُ: مَا لُفَّ
عَلَيْهِ قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ،
مِثْلَهُ
(24/247)
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ،
عَنْ مُجَاهِدٍ {وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ} [الانشقاق: 17]
قَالَ: وَمَا دَخَلَ فِيهِ
(24/247)
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا
وَكِيعٌ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، {وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ} [الانشقاق:
17] : وَمَا جَمَعَ
(24/247)
قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ نَافِعِ بْنِ
عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
{وَمَا وَسَقَ} [الانشقاق: 17] : وَمَا جَمَعَ، أَلَمْ
تَسْمَعْ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
[البحر الرجز]
مُسْتَوْسِقَاتٍ لَمْ يَجِدْنَ سَائِقَا
(24/247)
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا أَبُو
الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ:
{وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ} [الانشقاق: 17] قَالَ: مَا حَازَ
إِذَا جَاءَ اللَّيْلُ وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ:
وَمَا سَاقَ
(24/247)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: ثنا
عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: ثنا حُسَيْنٌ، قَالَ: سَمِعْتُ
عِكْرِمَةَ، وَسُئِلَ، {وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ} [الانشقاق:
17] قَالَ: مَا سَاقَ مِنْ ظُلْمَةٍ، فَإِذَا كَانَ اللَّيْلُ،
ذَهَبَ كُلُّ شَيْءٍ إِلَى مَأْوَاهُ
(24/248)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا
يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، عَنْ عِكْرِمَةَ
{وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ} [الانشقاق: 17] يَقُولُ: مَا سَاقَ
مِنْ ظُلْمَةٍ، إِذَا جَاءَ اللَّيْلُ سَاقَ كُلَّ شَيْءٍ
إِلَى مَأْوَاهُ
(24/248)
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ:
سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ، فِي قَوْلِهِ: {وَاللَّيْلِ
وَمَا وَسَقَ} [الانشقاق: 17] قَالَ: مَا سَاقَ مَعَهُ مِنْ
ظُلْمَةٍ إِذَا أَقْبَلَ
(24/248)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ:
ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ
أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {وَاللَّيْلِ وَمَا
وَسَقَ} [الانشقاق: 17] يَعْنِي: وَمَا سَاقَ اللَّيْلُ مِنْ
شَيْءٍ جَمَعَهُ النُّجُومُ، وَيُقَالُ: وَاللَّيْلِ وَمَا
جَمَعَ
(24/248)
وَقَوْلُهُ: {وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ}
[الانشقاق: 18] يَقُولُ: وَبِالْقَمَرِ إِذَا تَمَّ وَاسْتَوَى
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ
الْتَأْوِيلِ
(24/248)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ،
عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {وَالْقَمَرِ
إِذَا اتَّسَقَ} [الانشقاق: 18] يَقُولُ: إِذَا اسْتَوَى
(24/248)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ:
ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ
أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ}
[الانشقاق: 18] قَالَ: إِذَا اجْتَمَعَ وَاسْتَوَى
(24/249)
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا أَبُو
الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، {وَالْقَمَرِ
إِذَا اتَّسَقَ} [الانشقاق: 18] قَالَ: إِذَا اسْتَوَى
(24/249)
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ
عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، قَالَ: سَأَلَ حَفْصٌ
الْحَسَنَ، عَنْ قَوْلِهِ: {وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ}
[الانشقاق: 18] قَالَ: إِذَا اجْتَمَعَ، إِذَا امْتَلَأَ
(24/249)
حَدَّثَنِي أَبُو كُدَيْنَةَ، قَالَ: ثنا
ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي
الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَالْقَمَرِ إِذَا
اتَّسَقَ} [الانشقاق: 18] قَالَ: لِثَلَاثَ عَشْرَةَ
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ،
قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ،
مِثْلَهُ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ،
عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، قَالَ: ثنا
عَمْرٌو، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. قَالَ:
ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
(24/249)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ:
ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي [ص:250]
الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ،
جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ
{إِذَا اتَّسَقَ} [الانشقاق: 18] قَالَ: إِذَا اسْتَوَى
(24/249)
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا
وَكِيعٌ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، {وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ}
[الانشقاق: 18] : إِذَا اسْتَوَى
(24/250)
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى،
قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، "
{إِذَا اتَّسَقَ} [الانشقاق: 18] : إِذَا اسْتَدَارَ "
(24/250)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ،
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، " {وَالْقَمَرِ إِذَا
اتَّسَقَ} [الانشقاق: 18] : إِذَا اسْتَوَى "
(24/250)
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ:
سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: " {وَالْقَمَرِ
إِذَا اتَّسَقَ} [الانشقاق: 18] قَالَ: إِذَا اجْتَمَعَ
فَاسْتَوَى "
(24/250)
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ:
{وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ} [الانشقاق: 18] قَالَ: «إِذَا
اسْتَوَى» وَقَوْلُهُ: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ}
[الانشقاق: 19] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَتِهِ،
فَقَرَأَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُ مَسْعُودٍ
وَأَصْحَابُهُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَامَّةُ قُرَّاءِ مَكَّةَ
وَالْكُوفَةِ: (لَتَرْكَبَنَّ) بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْبَاءِ.
وَاخْتَلَفَ قَارِئُو ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي مَعْنَاهُ، فَقَالَ
بَعْضُهُمْ: لَتَرْكَبَنَّ [ص:251] يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ
حَالًا بَعْدَ حَالٍ، وَأَمْرًا بَعْدَ أَمْرٍ مِنَ
الشَّدَائِدِ
(24/250)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
بِشْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، كَانَ
يَقْرَأُ: «لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ» يَعْنِي
نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَالًا بَعْدَ
حَالٍ "
(24/251)
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا
ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ، عَنْ رَجُلٍ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي
{لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} [الانشقاق: 19] قَالَ:
مَنْزِلًا بَعْدَ مَنْزِلٍ "
(24/251)
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو
صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: " {لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَنْ
طَبَقٍ} [الانشقاق: 19] يَقُولُ: حَالًا بَعْدَ حَالٍ "
(24/251)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ:
ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ
أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " {لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَنْ
طَبَقٍ} [الانشقاق: 19] يَعْنِي: مَنْزِلًا بَعْدَ مَنْزِلٍ،
وَيُقَالُ: أَمْرًا بَعْدَ أَمْرٍ، وَحَالًا بَعْدَ حَالٍ "
(24/251)
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي
بِشْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
{لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} [الانشقاق: 19] قَالَ:
«مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»
(24/251)
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا أَبُو
الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ "
{لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} [الانشقاق: 19] قَالَ:
حَالًا بَعْدَ حَالٍ "
(24/252)
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا
هَوْذَةُ، قَالَ: ثنا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ "
{لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} [الانشقاق: 19] قَالَ:
حَالًا بَعْدَ حَالٍ "
(24/252)
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ
عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، قَالَ: سَأَلَ حَفْصٌ
الْحَسَنَ عَنْ قَوْلِهِ: " {لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَنْ
طَبَقٍ} [الانشقاق: 19] قَالَ: مَنْزِلًا عَنْ مَنْزِلٍ،
وَحَالًا، عَنْ حَالٍ "
(24/252)
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ
أَبِي عَائِشَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ مُرَّةَ عَنْ قَوْلِهِ: "
{لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} [الانشقاق: 19] قَالَ:
حَالًا بَعْدَ حَالٍ "
(24/252)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا
يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، " {لَتَرْكَبَنَّ
طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} [الانشقاق: 19] قَالَ: حَالًا بَعْدَ
حَالٍ "
(24/252)
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا
وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، "
{لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} [الانشقاق: 19] قَالَ:
حَالًا عَنْ حَالٍ "
(24/252)
قَالَ ثنا وَكِيعٌ، عَنْ نَصْرٍ، عَنْ
عِكْرِمَةَ، قَالَ: «حَالًا بَعْدَ حَالٍ»
(24/252)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ:
ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي
الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ،
جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، [ص:253]
قَوْلُهُ: " {لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} [الانشقاق:
19] قَالَ: لَتَرْكَبَنَّ الْأُمُورَ حَالًا بَعْدَ حَالٍ "
(24/252)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ،
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: "
{لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} [الانشقاق: 19] يَقُولُ:
حَالًا بَعْدَ حَالٍ، وَمَنْزِلًا عَنْ مَنْزِلٍ "
(24/253)
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ،
قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: "
{لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} [الانشقاق: 19] مَنْزِلًا
بَعْدَ مَنْزِلٍ، وَحَالًا بَعْدَ حَالٍ "
(24/253)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا
حَكَّامٌ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ
مُجَاهِدٍ: " {لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} [الانشقاق:
19] قَالَ: أَمْرًا بَعْدَ أَمْرٍ "
(24/253)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا
جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: "
{لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} [الانشقاق: 19] قَالَ:
أَمْرًا بَعْدَ أَمْرٍ " وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ قَرَأَ
هَذِهِ الْمَقَالَةَ، وَقَرَأَ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ عُنِيَ
بِذَلِكَ: لَتَرْكَبَنَّ أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ سَمَاءً بَعْدَ
سَمَاءٍ
(24/253)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ
قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ وَأَبُو الْعَالِيَةِ: "
{لَتَرْكَبَنَّ} [الانشقاق: 19] يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} [الانشقاق:
19] السَّمَوَاتِ "
(24/253)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا
مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي
الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ،: {لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَنْ
طَبَقٍ} [الانشقاق: 19] قَالَ: أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ سَمَاءً
عَنْ سَمَاءٍ "
(24/253)
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا
وَكِيعٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ:
«سَمَاءً بَعْدَ سَمَاءٍ»
(24/254)
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا
وَكِيعٌ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ
عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «سَمَاءً فَوْقَ
سَمَاءٍ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ:
لَتَرْكَبَنَّ الْآخِرَةَ بَعْدَ الْأُولَى
(24/254)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ
زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: " {لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ}
[الانشقاق: 19] قَالَ: الْآخِرَةَ بَعْدَ الْأُولَى " وَقَالَ
آخَرُونَ مِمَّنْ قَرَأَ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ: إِنَّمَا عُنِيَ
بِذَلِكَ أَنَّهَا تَتَغَيَّرُ ضُرُوبًا مِنَ التَّغْيِيرِ،
وَتُشَقُّ بِالْغَمَامِ مَرَّةً، وَتَحْمَرُّ أُخْرَى،
فَتَصِيرُ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ، وَتَكُونُ أُخْرَى
كَالْمُهْلِ
(24/254)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا
ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ
قَيْسِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: "
{لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} [الانشقاق: 19] قَالَ:
السَّمَاءَ مَرَّةً كَالدِّهَانِ، وَمَرَّةً تَشَقَّقُ "
(24/254)
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الزَّرْقَاءِ
الْهَمْدَانِيَّ، وَلَيْسَ بِأَبِي الزَّرْقَاءِ الَّذِي
يُحَدِّثُ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ، قَالَ:
سَمِعْتُ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيَّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ
اللَّهِ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: " {لَتَرْكَبَنَّ
طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} [الانشقاق: 19] قَالَ: السَّمَاءَ "
(24/255)
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ
الْكِنْدِيُّ، قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ غُرَابٍ، عَنِ
الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فِي
قَوْلِهِ: " {لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} [الانشقاق:
19] قَالَ: هِيَ السَّمَاءُ تَغْبَرُّ وَتَحْمَرُّ وَتَشَقَّقُ
"
(24/255)
حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثني
أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ، فِي قَوْلِهِ: " {لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا عَنْ
طَبَقٍ} [الانشقاق: 19] قَالَ: هِيَ السَّمَاءُ تَشَقَّقُ،
ثُمَّ تَحْمَرُّ، ثُمَّ تَنْفَطِرُ "؛ قَالَ: وَقَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: حَالًا بَعْدَ حَالٍ
(24/255)
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ
الْمَسْعُودِيُّ، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
جَدِّهِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قَرَأَ
عَبْدُ اللَّهِ هَذَا الْحَرْفَ: " {لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا
عَنْ طَبَقٍ} [الانشقاق: 19] قَالَ: السَّمَاءَ حَالًا بَعْدَ
حَالٍ، وَمَنْزِلَةً بَعْدَ مَنْزِلَةٍ "
(24/255)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا
مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ
إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: " {لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا
عَنْ طَبَقٍ} [الانشقاق: 19] قَالَ: هِيَ السَّمَاءُ "
(24/255)
حَدَّثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ
أَبِي فَرْوَةَ، عَنْ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودِ: "
أَنَّهُ قَرَأَهَا نَصْبًا، قَالَ: هِيَ السَّمَاءُ "
(24/255)
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا
وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ، قَالَ: «هِيَ السَّمَاءُ تُغَيِّرُ لَوْنًا بَعْدَ
لَوْنٍ» وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ
وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: {لَتَرْكَبُنَّ} [الانشقاق: 19]
بِالتَّاءِ، وَبِضَمِّ الْبَاءِ، عَلَى وَجْهِ الْخِطَابِ
لِلنَّاسِ كَافَّةً، أَنَّهُمْ يَرْكَبُونَ أَحْوَالَ
الشِّدَّةِ حَالًا بَعْدَ حَالٍ. وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ
أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ بِالْيَاءِ، وَبِضَمِّ الْبَاءِ، عَلَى
وَجْهِ الْخَبَرِ عَنِ النَّاسِ كَافَّةً، أَنَّهُمْ
يَفْعَلُونَ ذَلِكَ. وَأَوْلَى الْقِرَاءَاتِ فِي ذَلِكَ
عِنْدِي بِالصَّوَابِ: قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ بِالتَّاءِ
وَبِفَتْحِ الْبَاءِ، لِأَنَّ تَأْوِيلَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
مِنْ جَمِيعِهِمْ بِذَلِكَ وَرَدَ وَإِنْ كَانَ لِلْقِرَاءَاتِ
الْأُخَرِ وُجُوهٌ مَفْهُومَةٌ. وَإِذَا كَانَ الصَّوَابُ مِنَ
الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَا، فَالصَّوَابُ مِنَ
التَّأْوِيلِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: (لَتَرْكَبَنَّ) أَنْتَ يَا
مُحَمَّدُ حَالًا بَعْدَ حَالٍ، وَأَمْرًا بَعْدَ أَمْرٍ مِنَ
الشَّدَائِدِ. وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْخِطَابُ
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مُوَجَّهًا، جَمِيعُ النَّاسِ، أَنَّهُمْ يَلْقَوْنَ مِنْ
شَدَائِدِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَأَهْوَالِهِ أَحْوَالًا.
وَإِنَّمَا قُلْنَا: عُنِيَ بِذَلِكَ مَا ذَكَرْنَا، أَنَّ
الْكَلَامَ قَبْلَ قَوْلِهِ: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ
طَبَقٍ} [الانشقاق: 19] جَرَى بِخِطَابِ الْجَمِيعِ،
وَكَذَلِكَ بَعْدَهُ، فَكَانَ أَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ
نَظِيرَ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ. وَقَوْلُهُ: {طَبَقًا
عَنْ طَبَقٍ} [الانشقاق: 19] مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: وَقَعَ
فُلَانٌ فِي بَنَاتِ طَبَقٍ: إِذَا وَقَعَ فِي أَمْرٍ شَدِيدٍ
(24/256)
وَقَوْلُهُ: {فَمَا لَهُمْ لَا
يُؤْمِنُونَ} [الانشقاق: 20] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَمَا
لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ لَا [ص:257] يُصَدِّقُونَ
بِتَوْحِيدِ اللَّهِ، وَلَا يُقِرُّونَ بِالْبَعْثِ بَعْدَ
الْمَوْتِ، وَقَدْ أَقْسَمَ لَهُمْ رَبُّهُمْ بِأَنَّهُمْ
رَاكِبُونَ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ، مَعَ مَا قَدْ عَايَنُوا مِنْ
حُجَجِهِ بِحَقِيقَةِ تَوْحِيدِهِ
(24/256)
وَقَدْ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي
قَوْلِهِ " {فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [الانشقاق: 20] :
قَالَ: وَبِهَذَا الْحَدِيثِ، وَبِهَذَا الْأَمْرِ "
(24/257)
وَقَوْلُهُ: {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ
الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: 21] يَقُولُ تَعَالَى
ذِكْرُهُ: وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمْ كِتَابُ رَبِّهِمْ لَا
يَخْضَعُونَ وَلَا يَسْتَكِينُونَ؛ وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى
السُّجُودِ قَبْلُ بِشَوَاهِدِهِ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ
إِعَادَتِهِ
(24/257)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ
تَعَالَى: {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ
أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} [الانشقاق: 23]
(24/257)
قَوْلُهُ: {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا
يَكْذِبُونَ} [الانشقاق: 22] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: بَلِ
الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ
وَتَنْزِيلِهِ. وَقَوْلُهُ: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا
يُوعُونَ} [الانشقاق: 23] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ:
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تُوعِيهِ صُدُورُ هَؤُلَاءِ
الْمُشْرِكِينَ، مِنَ التَّكْذِيبِ بِكِتَابِ اللَّهِ
وَرَسُولِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ
أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(24/257)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا
عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ،
قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ،
عَنْ مُجَاهِدٍ، [ص:258] قَوْلُهُ: " {يُوعُونَ} [الانشقاق:
23] قَالَ: يَكْتُمُونَ "
(24/257)
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: "
{وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ} [الانشقاق: 23] قَالَ:
الْمَرْءُ يُوعِي مَتَاعَهُ وَمَالَهُ هَذَا فِي هَذَا،
وَهَذَا فِي هَذَا، هَكَذَا يَعْرِفُ اللَّهُ مَا يُوعُونَ
مِنَ الْأَعْمَالِ، وَالْأَعْمَالُ السَّيِّئَةُ مِمَّا
تُوعِيهِ قُلُوبُهُمْ، وَيَجْتَمِعُ فِيهَا مِنْ هَذِهِ
الْأَعْمَالِ الْخَيْرُ وَالشَّرُّ، فَالْقُلُوبُ وِعَاءُ
هَذِهِ الْأَعْمَالِ كُلِّهَا، الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، يَعْلَمُ
مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ، وَلَقَدْ وَعَى لَكُمْ مَا
لَا يَدْرِي أَحَدٌ مَا هُوَ مِنَ الْقُرْآنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ،
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُدْخِلُوا عَلَى
مَكَارِمِ هَذِهِ الْأَعْمَالِ بَعْضَ هَذِهِ الْخُبُثٍ مَا
يُفْسِدُهَا "
(24/258)
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى،
قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي
قَوْلِهِ: " {يُوعُونَ} [الانشقاق: 23] قَالَ فِي صُدُورِهِمْ
"
(24/258)
وَقَوْلُهُ: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ
أَلِيمٍ} [آل عمران: 21] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَبَشِّرْ
يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ،
بِعَذَابٍ أَلِيمٍ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ مُوجِعٍ
(24/258)
{إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ} [الشعراء: 227] يَقُولُ: إِلَّا الَّذِينَ
تَابُوا مِنْهُمْ وَصَدَّقُوا، وَأَقَرُّوا بِتَوْحِيدِهِ،
وَنُبُوَّةِ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَبِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَمَاتِ {وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ} [البقرة: 25] يَقُولُ: وَأَدُّوا فَرَائِضَ
اللَّهِ، وَاجْتَنَبُوا رُكُوبَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ
عَلَيْهِمْ رُكُوبَهُ
(24/258)
وَقَوْلُهُ: {لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ
مَمْنُونٍ} [فصلت: 8] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لِهَؤُلَاءِ
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، ثَوَابٌ غَيْرُ
مَحْسُوبٍ وَلَا مَنْقُوصٍ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي
ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
(24/258)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي
عَلِيٌّ، قَالَ ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ،
عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: " {لَهُمْ
أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} [الانشقاق: 25] يَقُولُ: غَيْرُ
مَنْقُوصٍ "
(24/259)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا
مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ
مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: " {أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} [الانشقاق:
25] يَعْنِي: غَيْرُ مَحْسُوبٍ "
(24/259)
|