تفسير مقاتل بن
سليمان سورة الإسراء
(2/497)
[سورة الإسراء (17) : الآيات 1 الى 111]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ
الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا
حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ
الْبَصِيرُ (1) وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً
لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً
(2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً
شَكُوراً (3) وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ
لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ
عُلُوًّا كَبِيراً (4)
فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً
لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ
وَعْداً مَفْعُولاً (5) ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ
عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ
وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً (6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ
أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها فَإِذا
جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا
الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا
مَا عَلَوْا تَتْبِيراً (7) عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ
وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ
حَصِيراً (8) إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ
أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ
الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (9)
وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا
لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (10) وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ
دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً (11)
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ
اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا
فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ
وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً (12)
وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ
وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ
مَنْشُوراً (13) اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ
عَلَيْكَ حَسِيباً (14)
مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ
فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ
أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً
(15) وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا
مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ
فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً (16) وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ
الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ
عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (17) مَنْ كانَ يُرِيدُ
الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها مَا نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ
ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً
(18) وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ
مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً (19)
كُلاًّ نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما
كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً (20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا
بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ
وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً (21) لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً
آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً (22) وَقَضى رَبُّكَ
أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ
إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما
أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما
وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ
الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما
رَبَّيانِي صَغِيراً (24)
رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا
صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً (25) وَآتِ
ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا
تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا
إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً
(27) وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ
رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً (28) وَلا
تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها
كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (29)
إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ
إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (30) وَلا
تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ
نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً
كَبِيراً (31) وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً
وَساءَ سَبِيلاً (32) وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي
حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً
فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي
الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (33) وَلا تَقْرَبُوا مالَ
الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ
أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ
مَسْؤُلاً (34)
وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ
الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (35) وَلا
تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ
وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً
(36) وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ
الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً (37) كُلُّ ذلِكَ
كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً (38) ذلِكَ مِمَّا
أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ
اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً
مَدْحُوراً (39)
أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ
الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً
عَظِيماً (40) وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ
لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُوراً (41) قُلْ
لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لابْتَغَوْا
إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً (42) سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا
يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً (43) تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ
السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ
إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ
تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (44)
وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ
الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً
(45) وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ
وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي
الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً (46)
نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ
إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ
تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (47) انْظُرْ كَيْفَ
ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ
سَبِيلاً (48) وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً
أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (49)
قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً (50) أَوْ خَلْقاً مِمَّا
يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ
الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ
رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ
قَرِيباً (51) يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ
وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً (52) وَقُلْ
لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ
يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ
عَدُوًّا مُبِيناً (53) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ
يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَما
أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (54)
وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ
وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (55) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ
زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ
عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً (56) أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ
يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ
وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ
رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً (57) وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ
نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ
مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ
مَسْطُوراً (58) وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ
إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ
النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ
بِالْآياتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً (59)
وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ وَما
جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً
لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ
وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْياناً كَبِيراً
(60) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ
فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ
طِيناً (61) قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ
لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ
ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً (62) قالَ اذْهَبْ فَمَنْ
تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً
مَوْفُوراً (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ
بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ
وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما
يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً (64)
إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى
بِرَبِّكَ وَكِيلاً (65) رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ
الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ
كانَ بِكُمْ رَحِيماً (66) وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي
الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا
نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ
كَفُوراً (67) أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ
الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا
لَكُمْ وَكِيلاً (68) أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ
تارَةً أُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ
فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ
عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً (69)
وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ
وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ
عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً (70) يَوْمَ
نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ
بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا
يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (71) وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى
فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً (72) وَإِنْ
كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ
لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً
(73) وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ
إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً (74)
إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ
لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً (75) وَإِنْ كادُوا
لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها
وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً (76) سُنَّةَ
مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَلا تَجِدُ
لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً (77) أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ
الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ
قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً (78) وَمِنَ اللَّيْلِ
فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ
مَقاماً مَحْمُوداً (79)
وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي
مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً
نَصِيراً (80) وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ
الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً (81) وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا
هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ
الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَساراً (82) وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى
الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ
الشَّرُّ كانَ يَؤُساً (83) قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى
شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً
(84)
وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ
رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (85)
وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ
ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً (86) إِلاَّ
رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً
(87) قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ
يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ
وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (88) وَلَقَدْ
صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ
فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً (89)
وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ
الْأَرْضِ يَنْبُوعاً (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ
نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً
(91) أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً
أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً (92) أَوْ
يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ
وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا
كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاَّ
بَشَراً رَسُولاً (93) وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا
إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلاَّ أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ
بَشَراً رَسُولاً (94)
قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ
مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً
رَسُولاً (95) قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي
وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (96)
وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ
فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ
يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً
وَصُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ
سَعِيراً (97) ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا
بِآياتِنا وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا
لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (98) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ
اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى
أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ
فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً (99)
قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي
إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَكانَ الْإِنْسانُ
قَتُوراً (100) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ
فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ
فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسى مَسْحُوراً (101)
قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا
فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً (102) فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ
مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً (103)
وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا
الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ
لَفِيفاً (104)
وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَما
أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (105) وَقُرْآناً
فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ
وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً (106) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا
تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ
إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً
(107) وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا
لَمَفْعُولاً (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ
وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (109)
قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا مَا
تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ
بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ
سَبِيلاً (110) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ
يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ
وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ
تَكْبِيراً (111)
(2/499)
سورة الإسراء «1» «2»
__________
(1) أهداف السورة ومقاصدها يمكن أن نجمل مقاصد سورة الإسراء
فيما يأتى:
تنزيه الحق- تعالى- والإسراء بالنبي- صلى الله عليه وسلم- إلى
المسجد الأقصى، شكر نوح- عليه السلام-، وفساد حال بنى إسرائيل،
ومكافأة الإحسان والإساءة، وتقويم القرآن الخلائق، وتخليق
الليل والنهار، وبيان الحكمة فى سير الشمس والقمر ودورهما،
وقراءة الكتب فى القيامة، وبيان الحكمة فى إرسال الرسل،
والشكوى من القرون الماضية، وذكر طلب الدنيا والآخرة، وتفضيل
بعض الخلق على بعض، وجعل بر الوالدين بعد التوحيد، والأمر
بالإحسان إلى الأقارب، وترك الإسراف، وذم البخل والنهى عن قتل
الأولاد وعن الزنا، وعن قتل النفس ظلما، وعن أكل مال اليتيم،
وعن التكبر، وكراهية جميع ذلك، والسؤال عن المقول والمسموع،
والرد على المشركين، وتسبيح الموجودات وتعبير الكفار بطعنهم فى
القرآن، ودعوة الحق الخلق، وإجابتهم له- تعالى- وتفضيل بعض
الأنبياء على بعض، وتقرب المقربين إلى حضرة الحلال، وإهلاك
القرى قبيل القيامة، وفتنة الناس برؤيا النبي- صلى الله عليه
وسلم-، وإباء إبليس من السجدة لآدم، وتسليط الله إياه على
الخلق، وتعديد النعم على العباد، وإكرام بنى آدم، بيان أن قل
أحد يدعى فى القيامة بكتابه، ودينه، وإمامه، وقصد المشركين إلى
إضلال الرسول- صلى الله عليه وسلم- وإذلاله، والأمر بإقامة
الصلوات الخمس فى أوقاتها، وأمر الرسول- صلى الله عليه وسلم-
بقيام الليل، ووعده بالمقام المحمود، وتخصيصه بمدخل صدق، ومخرج
صدق، ونزول القرآن بالشفاء والرحمة، وبيان أن كل أحد يصدر منه
ما يليق به، والإشارة إلى جواب مسألة الروح، وعجز الخلق عن
الإتيان بمثل القرآن، واقتراحات المشركين على رسول الله- صلى
الله عليه وسلم- وتفضيل حالهم فى عقوبات الآخرة: وبيان معجزات
موسى، ومناظرة فرعون إياه، وبيان الحكمة فى تفرقة القرآن،
وتنزيه الحق- تعالى- عن الشريك والولد فى: «الْحَمْدُ لِلَّهِ
الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ
فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ
وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً» .
(بصائر ذوى التمييز للفيروزآبادي: 288)
(2) فى المصحف «سورة الإسراء» ولكنها فى النسخ «سورة بنى
إسرائيل» .
(2/511)
سورة بني إسرائيل مكية كلها إلا هذه الآيات
فإنهن مدنيات وهي قوله- تعالى:
«وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ ... » «1» الآية.
وقوله- تعالى-: «إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ
قَبْلِهِ ... » إلى قوله « ... خُشُوعاً «2» » .
وقوله- تعالى-: «إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ ... «3» »
الآية.
وقوله- تعالى-: «وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ ... «4» »
الآية.
وقوله- تعالى-: «وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ ... «5» » الآيتين.
وقوله- تعالى-: «وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ
الْأَرْضِ....» «6» الآية.
عددها مائة وإحدى عشرة آية كوفية.
__________
(1) الآية 80 من سورة الإسراء.
(2) الآيات 107، 108، 109.
(3) الآية 60.
(4) الآية 73.
(5) آية 74، 75.
(6) آية 71. [.....]
(2/512)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سُبْحانَ يعنى عجب الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ في رجب يعني
النبي- صلى الله عليه وسلم- لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ
الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى يعني بيت المقدس «1»
قبل الهجرة بسنة وفرضت عليه الصلوات الخمس تلك الليلة وعرضت
__________
(1) فى أزيادة كالآتى:
حدثنا عبيد الله قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الْهُذَيْلِ،
قَالَ: قَالَ مُقَاتِلُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه
وسلم: (لا تشد الرحال إلا لثلاث: المسجد الحرام ومسجدى هذا
والمسجد الأقصى) يعنى مسجد بيت المقدس. قال وإن أول بقعة يبست
من الأرض موضع صخرة بيت المقدس وهي أقرب إلى السماء بثمانية
عشر ميلا، وضحرة بيت المقدس موصولة بالصخرة التي ذكر الله- عز
وجل- فى القرآن وقال إن الله- عز وجل- تكفل لمن سكن بيت المقدس
إن فاته المال لم يفته الرزق. ومن مات مقيما محتسبا بيت المقدس
فكأنما مات فى السماء ومن مات حول بيت المقدس فكأنما مات فى
بيت المقدس. وما نقص من الأرضين زيد فى الأرض التي حول بيت
المقدس والمياه العذبة كلها تخرج من تحت صخرة بيت المقدس. وأول
أرض بارك الله فيها أرض بيت المقدس وجعل الرب- تبارك وتعالى-
مقامه يوم القيامة فى أرض بيت المقدس (كذا) وجعل صفوته من
الأرضين كلها أرض بيت المقدس، وأرض بيت المقدس الأرض التي
ذكرها الله- عز وجل- فى القرآن، فقال- سبحانه: «إِلَى
الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ» وقال الله-
عز وجل- لموسى بن عمران- عليه السلام- «انطلق إلى أرض بيت
المقدس فإن فيها ناري ونوري وتنورى» يعنى وفار التنور، وكلم
الله تعالى موسى فى أرض بيت المقدس، ورأى موسى- عليه السلام-
نور رب العالمين- جل جلاله- فى أرض بيت المقدس وتجلى للجبل فى
أرض بيت المقدس- والصخرة التي فى بيت المقدس هي أوسط الأرضين
كلها فإذا قال الرجل للرجل انطلق بنا إلى بيت المقدس ففعلا
يقول الله- عز وجل- طوبى للقائل والمقول له. وتاب الله- عز
وجل- على داود، وسليمان- عليهما السلام- وغفر ذنوبهما ببيت
المقدس، وغفر الله- عز وجل- خطايا بنى إسرائيل ببيت تفسير
مقاتل- 33
(2/513)
__________
المقدس وبشر الله- عز وجل- إبراهيم، وسارة، بإسحاق ببيت
المقدس، وفهم الله- تبارك وتعالى- سليمان الحكم، والعلم،
وأعطاه ملكا لا ينبغي لأحد من بعده ببيت المقدس، وسخر الله- عز
وجل- الريح، والشياطين لسليمان ببيت المقدس، وتسورت الملائكة
على داود- عليه السلام- ببيت المقدس وكانت الأنبياء تقرب إلى
الله- عز وجل- القربان ببيت المقدس وتهبط الملائكة كل ليلة إلى
بيت المقدس، وأوتيت مريم- عليها السلام- فاكهة الصيف فى الشتاء
وفاكهة الشتاء فى الصيف ببيت المقدس، وأجرى الله- عز وجل- لها
نهرا من الأردن إلى بيت المقدس وأثبت الله- عز وجل- لها النخلة
ببيت المقدس وكلم عيسى- عليه السلام- الناس فى [221 أ] المهد
ببيت المقدس وولد عيسى- عليه السلام- فى بيت المقدس ورفع إلى
السماء ببيت المقدس وينزل عيسى- عليه السلام- من السماء فى أرض
بيت المقدس، ونزلت عليه المائدة فى أرض بيت المقدس، وتغلب
يأجوج ومأجوج على الأرض كلها غير بيت المقدس، ويهلك الله- عز
وجل- يأجوج ومأجوج ببيت المقدس وينظر الله- عز وجل- كل يوم
بخير إلى بيت المقدس، وأعطى الله- عز وجل- البراق سليمان بأرض
بيت المقدس.
وأوصى آدم- عليه السلام حين مات بأرض الهند أن يدفن ببيت
المقدس، وأوصى إبراهيم وإسحاق ويعقوب- عليهم السلام- حين ماتوا
أن يدفنوا ببيت المقدس، وأوصى يوسف- عليه السلام- حين مات بمصر
أن يدفن ببيت المقدس، وهاجر إبراهيم- عليه السلام- من كوثى؟؟؟
إلى بيت المقدس وتكون الهجرة فى آخر الزمان إلى بيت المقدس،
ورفع التابوت والسكينة من أرض بيت المقدس وصلى النبي- صلى الله
عليه وسلم- والمسلمون زمانا إلى بيت المقدس، ورأى النبي- صلى
الله عليه وسلم- مالكا خارن النار ببيت المقدس، وركب النبي-
صلى الله عليه وسلم- البراق إلى بيت المقدس وأسرى به من مكة
إلى بيت المقدس وصلى بالنبيين كلهم حين مثلوا له ببيت المقدس
وبأرض بيت المقدس المحشر والمنشر ويأتى الله- عز وجل- فى ظلل
من الغمام مع الملائكة بأرض بيت المقدس وينصب الصراط من أرض
بيت المقدس إلى الجنة والنار، وتوضع الموازين ببيت المقدس، إلى
الجنة والنار، وتوضع الموازين ببيت المقدس وصفوف الملائكة يوم
القيامة ببيت المقدس. وتصير الخلائق ترابا غير الثقلين ببيت
المقدس، والعرض والحساب ببيت المقدس وطوبى لمن أتى بيت المقدس
متعمدا ليصلى فيه ركعتين فإن سليمان بن داود- عليه السلام- سأل
ربه أن يغفر لمن أتى بيت المقدس ليصلى فيه محتسبا، ويزف البيت
الحرام والحجر الأسود إلى بيت
(2/514)
على النبي- صلى الله عليه وسلم-[211 ب]
ثلاثة أنهار: نهر من لبن، ونهر من عسل، ونهر من خمر، فلم يشرب
النبي- صلى الله عليه وسلم- الخمر فقال «جبريل» (جبريل: ساقطة
أ، ل) : أما إن الله حرمها على أمتك الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ
يعنى
__________
المقدس ويشهد لمن استلمه (فى أ: استخلصه، وفيها تشطيب. وفى
نسخة حميدية: استخلصه.) مخلصا بالوفاء ويخرج المحرمون (فى أ:
المحرمون، وفى حميدية: المجرمون.) من قبورهم يلبون نحو بيت
المقدس، وينفخ إسرافيل- عليه السلام- فى الصور من صخرة بيت
المقدس، وقوله «أيتها العظام البالية، واللحوم المتمزقة
والأشعار الساقطة والجلود المتمزقة والعروق المتقطعة اخرجوا
إلى حساب ربكم لينفخ أرواحكم وتجازون بأعمالكم» ويتفرق الناس
من بيت المقدس إلى الجنة والنار، فذلك قوله- سبحانه:
«يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ» (سورة الروم: 13) ، «يَوْمَئِذٍ
يَصَّدَّعُونَ» (سورة الروم: 43) فريق فى الجنة وفريق فى
السعير.
أهـ أقول ورد هذا الوصف فى نسخة أحمد الثالث (أ) وفى نسخة
حميدية وأمانة، ولم يرد فى نسخة كوبريلى (ل) .
وهو فى جملته مأخوذ من الإسرائيليات.
ولا يصح لنا منه سوى حديث أخرجه البخاري. وهو «لا تشد الرحال
إلا لثلاث ... » الحديث.
ولهذا آثرت أن ينقل فى الهامش لا فى أصل التفسير.
(2/515)
بالبركة الماء، والشجر والخير لِنُرِيَهُ
مِنْ آياتِنا فكان مما رأى من الآيات «1» البراق والرجال «2»
والملائكة وصلى بالنبيين تلك إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ
الْبَصِيرُ- 1- وذلك
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- أصبح بمكة ليلة أسري به من مكة،
فقال لأم هانئ بنة أبي طالب وزوجها هبيرة بن أبي وهب المخزومي.
لقد رأيت الليلة عجبا. قالت: وما ذلك؟ بأبي أنت وأمي. قال:
لقد صليت في مصلاي هذا صلاة العشاء، وصلاة الفجر، وصليت فيما
بينهما في بيت المقدس. فقالت: وكيف فعلت؟ قال أتاني جبريل-
عليه السلام-: وقد أخذت مضجعي من الفراش قبل أن أنام وأخذ بيدي
وأخرجني من الباب، وميكائيل- عليه السلام- بالباب ومعه دابة
فوق الحمار ودون البغل ووجهها كوجه الإنسان وخدها كخد الفرس
وعرفها كعرف الفرس بلقاء سيلاء مضطربة الخلق لها جناحان ذنبها
كذنب البقر وحافرها كأظلاف البقر خطوها عند منتهى بصرها كان
سليمان بن داود- عليه السلام- يغدو عليها مسيرة شهر فحملاني
عليها ثم أخذا يزفان «3» بي حتى أتيت بيت المقدس، ومثل لي
النبيون فصليت بهم ورأيت ورأيت. فلما أراد النبي- صلى الله
عليه وسلم-
__________
(1) فى ل: فكان مما رأى من الآيات، وفى أ: فكان أدنى الآيات.
(2) فى ل: الرجال، أ: الدجال.
(3) فى ل: يرفان. وفى أ، وحميدية: يدقان بى، وعليها علامة
تمريض فى أ.
ولعل الأصل «يزفان بى» أى يسرعان بى ويمسكان بركابى- وقد ورد
فى الحديث- أن جبريل كان فى ركاب النبي ليلة الإسراء. وفى
المصباح: 1/ 272 [زف الرجل يزف] من باب ضرب:
أسرع، والاسم الزفيف، [وزفت العروس إلى زوجها زفا] من باب قتل،
والاسم [الزفاف] مثل كتاب وهو إهداؤها إليه.
(2/516)
أن يقوم فيخرج أخذت أم هانئ بحبرته قالت:
أين تخرج؟ قال: أخرج إلى قريش، فأخبرهم بالذي رأيت فقالت: لا
تفعل فوالله ليجترأن «1» عليك المكذب وليمترين «2» فيك المصدق.
قال: وإن كذبوني لأخرجن ونزع يدها من حبرته فخرج إلى المسجد،
فإذا فيه شيوخ من شيوخ قريش جلوس في الحجر. فقام عليهم فقال:
ألا أحدثكم بالعجب. قالوا: أخبرنا فإن أمرك كله عجب.
قال: لقد صليت في هذا الوادي صلاة العشاء، وصلاة الفجر، وصليت
فيما بينهما ببيت المقدس، ومثل لي النبيون فصليت بهم وكلمت
بعضهم، فصدقه المؤمنون، وكذبه المشركون. فقال المطعم بن عدي بن
نوفل بن عبد مناف:
ما ثكلتني يدي «3» على هذا الكذاب ألا لن أكون ذلك اليوم جزعا
«4» فآخذك بيدي أخذا، تخبرنا أنك صليت ببيت المقدس ورجعت من
ليلتك ونحن لا نبلغه إلا في أربعين ليلة بعد شق الأنفس، أشهد
أنك كذاب ساحر، فبينما هم كذلك إذ جاء أبو بكر الصديق- رضوان
الله عليه- فقالت قريش: يا أبا بكر ألا تسمع ما يقول صاحبك،
يزعم أنه صلى العشاء الآخرة والفجر بمكة، وصلى فيما بينهما
ببيت المقدس، قال أبو بكر الصديق- رضي الله عنه-: إن كان قال
ذلك فقد صدق [212 أ] «5» وقال أبو بكر- رضي الله عنه- للنبي-
صلى
__________
(1) فى أ، ل: ليجترين.
(2) من ل، وفى أ: وليجترين.
(3) فى أ: ما ثكلثنى، ل: يا ثكلثى. وهي غير واضحة فيهما. وفى
المصباح: 1/ 91 «ثكلت المرأة ولدها فقدته» فالمعنى ما فقدتني
يدي.
(4) فى أ: جزعا، ل: جدعا، والمقصود أل؟؟؟ سأستغل يدي فى إيذاء
محمد والتشهير به.
وفى المصباح: جزع فهو جزع إذا ضعفت منته عن حمل ما نزل به ولم
يجد صبرا.
(5) فى أ: فقال، ل: وقال.
(2/517)
الله عليه وسلم-: بأبي أنت وأمي حدثني عن
باب بيت المقدس، وعن البيت وعن سواريه وعن الصخرة وعن هذا كله.
فأخبره النبي- صلى الله عليه وسلم- فالتزمه أبو بكر «1» فقال:
أشهد أنك صادق. فسمي يومئذ الصديق اسمه عتيق ابن عثمان بن عمرو
بن كعب بن سعد بن مرة فقال المسلمون: يا رسول الله، كيف رأيت
الأنبياء- عليهم السلام-؟ قال: رأيت عيسى بن مريم- صلى الله
عليه وسلم- رجلا «2» أبيض فوق الربعة ودون الطويل ظاهر الدم
عريض الصدر جعد الرأس يعلوه صهوبة «3» ، أشبه الناس بعروة بن
معتب الثقفي.
ورأيت موسى- عليه السلام- رجلا طويلا آدم شديد الأدمة ضرب
اللحم سبط الشعر أشعر كأنه من رجال أزد شنوءة لو لبس قميصين
لرؤى «4» شعره منهما.
ورأيت إبراهيم- عليه السلام- أشبه الناس بي خَلقا وخُلقا
فبدأني بالسلام والمصافحة والترحم.
ورأيت الدجال رجلا جسيما لحيما آدم جعد الرأس كث اللحية ممسوح
العين أحلى الجبهة «5» براق الثنايا مكتوب بين عينيه كافر،
شبيه بفطن «6» بن عبد العزى.
__________
(1) من ل، وفى أ: فالتزمه الصديق أبو بكر- صلى الله عليه.
(2) فى أ: رجل، وفى ل: رجلا.
(3) فى أ: صهوبة، وفى ل صهوبه، بدون إعجام الباء، والصهوبة:
إحمرار الشعر. [.....]
(4) فى أ: لرأى، ل: لرؤى.
(5) هكذا فى أ، ل.
(6) فى أ: قطن، ل قطن بدون إعجام.
(2/518)
ورأيت عمرو بن ربيعة بن يحيى بن قمعة بن
خندف الخزاعي، والحارث ابن كعب بن عمرو وعليهما وفرة يجران
قصبهما فى النار يعنى أمعاء هما «1» . قيل للنبي- صلى الله
عليه وسلم-: ولم؟ قال: لأنهما أول من سيبا «2» السائبة، واتخذا
البحيرة والوصيلة والحام، وأول من سميا اللات والعزى، وأمرا
بعبادتهما، وغيرا دين الحنيفية ملة إبراهيم- عليه السلام-
ونصبا الأوثان حول الكعبة، فأما عمرو بن ربيعة فهو رجل قصير
أشبه الناس به هذا يعني أكثم بن الجون الخزاعي. فقال أكثم: يا
رسول الله أيضرني شبهه؟ قال: لا أنت مؤمن وهو كافر، فقال رجل
من كفار قريش للمطعم بن عدي: عجلت على ابن أخيك، ثم قال كهيئة
المستهزئ: رويدك يا محمد حتى نسألك عن عيرنا: هل رأيتها في
الطريق؟ قال: نعم. قال: فأين رأيتها؟ قال: رأيت عير بني فلان
بالروحاء نزولا قد ضلت لهم ناقة وهم في طلبها فمررت على رجالهم
وليس بها أحد منهم، فوجدت في إناء لهم ماء فشربت منه وتوضأت،
فاسألوهم إذا أتوكم، هل كان ذلك؟ قالوا: هذه آية. قال ومررت
على عير بني فلان، في وادي كذا وكذا، في ساعة كذا وكذا من
الليل، ومعي جبريل وميكائيل- عليهما السلام- فنفرت منا إبلهم
فوقعت ناقة حمراء فانكسرت فهم يجبرونها، فاسألوهم إذا أتوكم.
هل كان ذلك؟ قالوا: نعم، هذه آية. قال رجل منهم [212 ب] :
فأين تركت عيرنا؟ قال: تركتها بالتنعيم قبيل «3» ، قال: فإن
كنت صادقا فهي
__________
(1) فى أ، ل: أمعاهما.
(2) فى ل: سيب.
(3) فى أ: قبل، وفى ل: قبيل. [وقيل] خلاف بعد ظرف مبهم لا يفهم
معناه إلا بالإضافة لفظا أو تقديرا. المصباح.
(2/519)
قادمة الآن. قال: نعم. قال: فأخبرنا بعدتها
وأحمالها وما فيها. قال: كنت عن ذلك مشغولا غير أن برنسا كان
لهم على البعير الذي يقدم الركب فسقط البرنس فرجع حبشي من
القوم فأصابه فوضعه على آخر الركاب. فاسألوهم، إذا أتوكم هل
كان ذلك فبينا هو- صلى الله عليه وسلم- يحدثهم إذ مثل الله- عز
وجل- له كل شيء حتى نظر إلى عدتها وأحمالها ومن فيها، فقال
النبي- صلى الله عليه وسلم-: أين السائل آنفا عن إبله فإن
عدتها وأحمالها ومن فيها كذا وكذا ويقدمها جمل أورق وهي قادمة
الآن فانطلقوا يسعون فإذا هي منحدرة من عتبة التنعيم، وإذا «1»
هي وأحمالها وعدتها وما فيها كما قال النبي- صلى الله عليه
وسلم.
فقال المشركون: لقد صدق الوليد بن المغيرة، إن هذا لساحر مبين.
وما يدرى محمد- صلى الله عليه وسلم- وهو بين أظهرنا متى تقدم
عيرنا وما حالها وأحمالها ومن فيها فكفوا بعض الأذى سنة، ثم
قال سبحانه:
وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ يقول أعطينا موسى التوراة
وَجَعَلْناهُ هُدىً يعني التوراة هدى لِبَنِي إِسْرائِيلَ من
الضلالة أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا- 2- يعني
وليا فيها تقديم يا ذُرِّيَّةَ آدم مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ
في السفينة ألا تتخذوا من دوني وكيلا يعني الأهل يعني وليا ثم
أثنى على نوح بن لمك النبي- صلى الله عليه وسلم «2» - فقال
سبحانه: إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً- 3- فكان من شكره أنه
كان يذكر الله- عز وجل- حين يأكل، ويشرب، ويحمد الله- تعالى-
حين يفرغ، ويذكر الله- سبحانه-
__________
(1) فى أ: فإذا.
(2) هكذا فى أ، ل. والمراد أن نوحا نبيا- صلى الله عليه وسلم-.
(2/520)
حين يقوم، ويقعد، ويذكر الله- جل ثناؤه-
حين يستجد الثوب الجديد، وحين يخلق، ويذكر الله- عز وجل- حين
يدخل، ويخرج، وينام، ويستيقظ، ويذكر الله- جل ثناؤه- بكل خطوة
يخطوها، وبكل عمل يعمله، فسماه الله- عز وجل- عبدا شكورا. ثم
قال سبحانه:
وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ يقول وعهدنا
إليهم في التوراة لَتُفْسِدُنَّ لتهلكن فِي الْأَرْضِ
مَرَّتَيْنِ فكان بين الهلاكين مائتا سنة وعشر سنين
وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً- 4- يقول ولتقهرن قهرا شديدا
حتى تذلوا وذلك بمعصيتهم «1» الله- عز وجل-. فذلك قوله- تعالى
«2» : فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما يعني وقت أول الهلاكين
بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ
بختنصر المجوسي ملك بابل وأصحابه فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ
يعني فقتل «3» الناس في الأزقة وسبى ذراريهم وخرب بيت المقدس
وألقى فيه الجيف وحرق التوراة ورجع بالسبي إلى بابل، فذلك قوله
سبحانه: وَكانَ وَعْداً مَفْعُولًا- 5- يعني وعدا كائنا لا بد
منه فكانوا ببابل سبعين سنة ثم إن الله- عز وجل- استنقذهم [213
أ] على يد كروس «4» بن مزدك «5» الفارس فردهم إلى بيت المقدس،
فذلك قوله- عز وجل-:
__________
(1) أ: بمعاصيهم، ل: بمعصيتهم.
(2) من ل، وفى أ: فقال سبحانه.
(3) فى أ، ل: فقتلوا.
(4) من ل، وفى أ: زيادة ويقال كرووس وعلى الواو الأولى علامة
تمريض؟؟؟، أقول والصواب أنه كورش أو قورش. انظر خطر اليهودية:
24.
(5) فى أ: مدرك، ل: مزدك.
(2/521)
ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ
عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ حتى كثروا،
فذلك قوله- عز وجل-: وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً- 6-
يعني أكثر رجالا منكم قبل ذلك فكانوا بها مائتي سنة وعشر سنين،
فيهم أنبياء «1» ، ثم قال سبحانه: إِنْ أَحْسَنْتُمْ العمل لله
بعد هذه المرة أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فلا تهلكوا وَإِنْ
أَسَأْتُمْ فَلَها يعني وإن عصيتم فعلى أنفسكم فعادوا إلى
المعاصي الثانية فسلط الله عليهم أيضا انطباخوس بن سيس «2»
الرومي ملك أرض نينوى، فذلك قوله- عز وجل-:
فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ يعنى وقت آخر الهلاكين
لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ يعني ليقبح وجوهكم، فقتلهم وسبى
ذراريهم وخرب بيت المقدس وألقى فيه الجيف وقتل علماءهم وحرق
التوراة، فذلك قوله- عز وجل-: وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ يعنى
بيت المقدس أنطياخوس بن سيس «3» ومن معه بيت المقدس كَما
دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ يقول كما دخله بختنصر المجوسي
وأصحابه قبل ذلك، قال سبحانه: وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا
تَتْبِيراً- 7- يقول- عز وجل- وليدمروا ما علوا يقول ما ظهروا
عليه تدميرا، كقوله سبحانه في الفرقان:
وَكُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيراً «4» يعني وكلا دمرنا تدميرا ثم
قال: عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ فلا يسلط عليكم القتل
والسبي. ثم إن الله- عز وجل- استنقذهم على يدي المقياس «5»
فردهم إلى بيت المقدس فعمروه، ورد الله- عز وجل-
__________
(1) هكذا فى أ، ل. [.....]
(2) فى أ: تسنس، ل بيس. والكلمة فى كلاهما غير واضحة وعليها
علامة تمريض فى أ.
(3) فى ل: سيس، أ: سس بدون إعجام وتشبه سيس.
(4) سورة الفرقان: 39.
(5) فى أ، ل: المقياس.
(2/522)
إليهم ألفتهم وبعث فيهم أنبياء ثم قال لهم:
وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا يقول وإن عدتم إلى المعاصي عدنا عليكم
بأشد مما أصابكم يعني من القتل والسبي فعادوا إلى الكفر وقتلوا
يحيى بن زكريا فسلط الله عليهم ططس بن استاتوس «1» الرومي،
ويقال اصطفابوس «2» فقتل على دم يحيى بن زكريا مائة ألف
وثمانين ألفا «3» من اليهود فهم الذين قتلوا الرقيب على عيسى
الذي كان شبه لهم وسبى ذراريهم وأحرق التوراة وخرب بيت المقدس
وألقى فيه الجيف وذبح فيه الخنازير فلم يزل خرابا حتى جاء
الإسلام فعمره «4» المسلمون وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ
لِلْكافِرِينَ حَصِيراً- 8- يعني محبسا لا يخرجون منها أبدا
كقوله- عز وجل-: «لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا» «5» يعني
حبسوا في سبيل الله إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي يعنى يدعو
لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ يعني أصوب وَيُبَشِّرُ القرآن
الْمُؤْمِنِينَ يعني المصدقين الَّذِينَ يَعْمَلُونَ
الصَّالِحاتِ من الأعمال بما فيه «6» من الثواب، فذلك قوله
سبحانه: أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً- 9- يعني جزاء عظيما في
الآخرة «وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ» «7»
يعني بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً
أَلِيماً [213 ب]- 10- يعنى عذابا
__________
(1) فى أ: اشبانوس، ل: استنانوس.
(2) فى أ: اصطفابوس، ل: افطنابوس.
(3) فى أ: ألف، ل: ألفا.
(4) فى أ: فعمروه.
(5) سورة البقرة: 273.
(6) هكذا فى أ، ل. والمراد بما فيه أى بما فى العمل من الثواب
والأنسب بما فيها.
(7) ما بين الأقواس « ... » : ساقط من أ، هو موجود فى ل.
(2/523)
وجيعا وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ على
نفسه يعني النضر بن الحارث حين قال:
«ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ» »
دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ كدعائه بالخير لنفسه وَكانَ الْإِنْسانُ
عَجُولًا- 11- يعنى دم- عليه السلام- حين نفخ فيه الروح من قبل
رأسه فلما بلغت الروح وسطه عجل فأراد أن يجلس قيل أن تتم الروح
وتبلغ إلى قدميه، فقال الله- عز وجل-: «وَكانَ الْإِنْسانُ
عَجُولًا» وكذلك النضر يستعجل بالدعاء على نفسه كعجلة آدم-
عليه السلام- في خلق نفسه، إذ أراد أن يجلس قبل أن يتم دخول
الروح فيه فتبلغ الروح إلى قدميه، فعجله «2» الناس كلهم ورثوها
عن أبيهم آدم- عليه السلام- فذلك قوله سبحانه:
«وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا» وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ
وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ يعني علامتين مضيئتين فكان ضوء القمر
مثل ضوء الشمس، فلم يعرف الليل من النهار، يقول «3» الله-
تعالى: فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ يعني علامة القمر فالمحو
السواد الذي في وسط القمر، فمحى من القمر تسعة وستين «4» جزءا
فهو جزء واحد من سبعين جزءا «5» من الشمس فعرف «6» الليل من
النهار وَجَعَلْنا آيَةَ يعني علامة النَّهارَ وهي الشمس
مُبْصِرَةً يعني أقررنا «7» ضوءها فيها لِتَبْتَغُوا فَضْلًا
مِنْ رَبِّكُمْ يعني رزقا وَلِتَعْلَمُوا بها عَدَدَ
السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ
تَفْصِيلًا- 12- يعني بيناه تبيانا وَكُلَّ إِنسانٍ
أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ يعنى عمله
__________
(1) سورة الأنفال: 32.
(2) فى أ: فعجلت.
(3) فى أ: لقول. [.....]
(4) فى أ، ل: وستون.
(5) فى ل: فمحى من القمر تسعة وستون حروا فهو على حرو واحد من
سبعين حروا.
(6) فى ل: فعرف، أ: يعرف.
(7) فى أ: قررنا، ل: أقررنا.
(2/524)
الذي عمل خيرا كان أو شرا فهو فِي عُنُقِهِ
لا يفارقه حتى يحاسب عليه وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ
كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً- 13- وذلك أن ابن آدم إذا ما طويت
صحيفته التي فيها عمله فإذا كان يوم القيامة نشر كتابه فدفع
إليه منشورا، ثم يقال له: اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ
الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً- 14- يعني شهيدا فلا شاهد عليك
أفضل من نفسك وذلك حين قالوا: وَاللَّهِ رَبِّنا مَا كُنَّا
مُشْرِكِينَ «1» ختم الله على ألسنتهم، ثم أمر الجوارح فشهدت
عليه «2» بشركه وتكذيبه، وذلك قوله سبحانه: كَفى بِنَفْسِكَ
الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً، وذلك قوله- عز وجل-: بَلِ
الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ
«3» يعني جوارحهم حين شهدت عليهم أنفسهم وألسنتهم وأيديهم
وأرجلهم مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ الخير
وَمَنْ ضَلَّ عن الهدى فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها «4» أي على
نفسه، يقول فعلى نفسه إثم ضلالته وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ
أُخْرى يقول لا تحمل نفس خطيئة نفس أخرى وَما كُنَّا
مُعَذِّبِينَ فى الدنيا أحدا حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا- 15-
لينذرهم بالعذاب في الدنيا بأنه نازل بهم، كقوله سبحانه: وَما
أَهْلَكْنا في الدنيا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ
«5» وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً
بالعذاب فى الدنيا أَمَرْنا مُتْرَفِيها
[214 أ] يقوله أكثرنا جبابرتها فيطروا في المعيشة فَفَسَقُوا
فِيها
يقول فعصوا في القرية
__________
(1) سورة الأنعام: 23.
(2) هكذا فى: أ، ل فشهدت عليه بشركه وتكذيبه فأعاد الضمير على
المفرد.
(3) سورة القيامة: 14.
(4) فى أ: (على) نفسه.
(5) سورة الشعراء: 208.
(2/525)
فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ
يعني فوجب عليهم الذي سبق لهم في علم الله- عز وجل-
فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً
- 16- يقول فأهلكناها بالعذاب هلاكا يخوف كفار مكة بمثل عذاب
الأمم الخالية، فقال سبحانه: وَكَمْ أَهْلَكْنا بالعذاب في
الدنيا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفى بِرَبِّكَ
بِذُنُوبِ عِبادِهِ يقول كفار مكة خَبِيراً بَصِيراً- 17- يقول
الله- عز وجل- فلا أحد أخبر بذنوب العباد من الله- عز وجل-
يعني كفار مكة مَنْ كانَ يُرِيدُ فى الدنيا الْعاجِلَةَ
عَجَّلْنا لَهُ فِيها يعني في الدنيا مَا نَشاءُ لِمَنْ
نُرِيدُ من المال ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يقول ثم نصيره
إلى جهنم يَصْلاها مَذْمُوماً عند الله مَدْحُوراً- 18- يعني
مطرودا في النار نزلت في ثلاثة نفر من ثقيف في: فرقد بن يمامة،
وأبى «1» فاطمة بن البختري، وصفوان، وفلان، وفلان وَمَنْ
أَرادَ الْآخِرَةَ من الأبرار بعمله الحسن وهو مؤمن يعني
بالدار الآخرة «2» وَسَعى لَها سَعْيَها يقول عمل للآخرة عملها
وَهُوَ مُؤْمِنٌ يعني مصدق بتوحيد الله- عز وجل- فَأُولئِكَ
كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً- 19- فشكر الله- عز وجل- سعيهم
فجزاهم بعملهم الجنة نزلت في بلال المؤذن وغيره. ثم قال-
سبحانه: كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ البر والفاجر يعني
هؤلاء النفر من المسلمين وهؤلاء النفر من ثقيف مِنْ عَطاءِ
رَبِّكَ يعني رزق ربك وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ يعني رزق ربك
مَحْظُوراً- 20- يعني ممسكا يعني ممنوعا انْظُرْ كَيْفَ
فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ يعنى الفجار
__________
(1) فى ل: وأبى، أ: وأبو.
(2) فى أ: الآخرة، ل: يعنى الدار الآخرة.
(2/526)
يعني من كفار ثقيف على بعض في الرزق في
الدنيا يعني الأبرار بلال بن رباح ومن معه وَلَلْآخِرَةُ
أَكْبَرُ دَرَجاتٍ في الآخرة يعني أعظم فضائل وَأَكْبَرُ يعني
وأعظم تَفْضِيلًا- 21- من فضائل الدنيا فلما صار «1» هؤلاء إلى
الآخرة أعطى هؤلاء المؤمنون بلال ومن معه أعطوا في الآخرة فضلا
كبيرا أكثر مما أعطي «2» الفجار في الدنيا يعني ثقيفا لا
تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ يقول للنبي- صلى الله عليه
وسلم- لا تضف مع الله إلها وذلك حين دعى النبي- صلى الله عليه
وسلم- إلى ملة آبائه فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً ملوما تلام عند
الناس مَخْذُولًا- 22- فى عذاب الله- تعالى.
حدثنا عبيد اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ
الْهُذَيْلِ، عَنْ مقاتل، عن الضحاك، عن ابن مَسْعُودٍ،
أَنَّهُ كَانَ فِي الْمُصْحَفِ وَوَصَّى رَبُّكَ فالتزق الواو
بالصاد «3» ، فقال: وَقَضى رَبُّكَ يَعْنِي وَعَهِدَ رَبُّكَ
أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ يَعْنِي أَلا تُوَحِّدُوا
غَيْرَهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً بِرًّا بهما إِمَّا
يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ يعنى أبويه [214 أ] يَعْنِي
سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ أَحَدُهُما يَعْنِي أَحَدَ
الأَبَوَيْنِ أَوْ كِلاهُما فَبَرَّهُمَا فَلا «4» تَقُلْ
لَهُما أُفٍّ يَعْنِي الْكَلامَ الرَّدِيءَ أَنْ تَقُولَ:
اللَّهُمَّ أَرِحْنِي مِنْهُمَا أَوْ تُغْلِظُ عَلَيْهِمَا فِي
الْقَوْلِ عِنْدَ كبرهما ومعالجتك إياهما وعند ميط الْقَذَرِ
عَنْهُمَا وَلا تَنْهَرْهُما عِنْدَ الْمُعَالَجَةِ يَعْنِي
تُغْلِظُ لَهُمَا الْقَوْلَ وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً-
23- يعنى حسنا لينا
__________
(1) فى أ: صاروا، ل: صار.
(2) فى أ: أعطو، ل: أعطى.
(3) فى أ: الضاد، ل: الصاد. [.....]
(4) فى أ: (ولا) .
(2/527)
وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ
الرَّحْمَةِ يقول تلين جناحك لهما رحمة بهما وَقُلْ رَبِّ
ارْحَمْهُما عند ما تعالج منهما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً- 24-
يعنى كما عالجا ذلك منى صغيرا فالطف بهما، واعصهما في الشرك
فإنه ليس معصيتك إياهما في الشرك قطيعة لهما، ثم نسخت رَبِّ
ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً، مَا كانَ لِلنَّبِيِّ
وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ
وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى «1» ثم قال تعالى:
رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ يقول هو أعلم بما في
نفوسكم منكم من البر للوالدين عند كبرهما، فذلك قوله تعالى:
إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ يعني محتسبين مما تعالجون منهما أو
لا تحتسبون «2» فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً- 25-
يعنى المتراجعين «3» من الذنوب إلى طاعة الوالدين غفورا. وَآتِ
يعنى فأعط ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ يعني صلته ثم قال تعالى:
وَالْمِسْكِينَ يعني السائل فتصدق عليه وَحق ابْنَ السَّبِيلِ
أن تحسن «4» إليه وهو الضيف نازل عليه، قوله سبحانه: وَلا
تُبَذِّرْ تَبْذِيراً- 26- يعني المنفقين في غير حق، ثم قال:
إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ يعني المنفقين- يعني كفار مكة- فى غير
حق كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ في المعاصي وَكانَ
الشَّيْطانُ يعني إبليس وحده لِرَبِّهِ كَفُوراً- 27- يعنى عاص
ثم رجع
__________
(1) سورة التوبة: 113.
(2) فى أزيادة: نسخت «رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي
صَغِيراً» ، «مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ
يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى»
. أهـ أقول وهي مكررة فقد سبق أن ذكرت قبل سطرين.
(3) فى ل: الراجعين، أ: المتراجعين، والأنسب: للمتراجعين.
(4) ليست فى ل، وهي من أ.
(2/528)
إلى المسكين وابن السبيل فقال: وَإِمَّا
تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ نزلت في خباب، وبلال، ومهجع، وعمار،
ونحوهم من الفقراء كانوا يسألون النبي- صلى الله عليه وسلم-
فلا يجد ما يعطيهم فيعرض عنهم، فيسكت، ثم قال- عز وجل-:
ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها يعني انتظار رزق من
ربك «تَرْجُوها» من الله أن يأتيك فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا
مَيْسُوراً- 28- يقول اردد عليهم معروفا يعني العدة الحسنة:
أنه سيكون فأعطيكم، ثم علمه كيف يعمل في النفقة؟ فقال- سبحانه:
وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ يقول ولا تمسك
يدك من البخل عن النفقة فى حق وَلا تَبْسُطْها يعني في العطية
كُلَّ الْبَسْطِ فلا تبقي عندك فإن سئلت لم تجد ما تعطيهم
كقوله: يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ «1» .
فَتَقْعُدَ مَلُوماً يلومك الناس مَحْسُوراً- 29- يعني منقطعا
بك كقوله- سبحانه- «فى تبارك الملك» : [215 أ] وَهُوَ حَسِيرٌ
«2» يعني منقطع به إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ يعنى يوسع
الرزق لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ يعني ويقتر على من يشاء
إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بأمر الرزق بالسعة والتقتير
بَصِيراً- 30- به وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ يعني دفن
البنات وهن أحياء خَشْيَةَ إِمْلاقٍ يعني مخافة للفقر نَحْنُ
نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً يعني
إثما كَبِيراً- 31- قوله- سبحانه:
وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً يعنى معصية
وَساءَ سَبِيلًا
__________
(1) سورة المائدة آية 64، وأولها: وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ
اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما
قالُوا بَلْ يَداهُ، مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ....
(2) سورة الملك: 4.
(2/529)
- 32- يعني المسلك لم يكن يومئذ في الزنا
حد حتى نزل الحد بالمدينة فى سورة النور. وَلا تَقْتُلُوا
النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ قتلها يعني باغيا «1»
إِلَّا بِالْحَقِّ الذي يقتل فيقتل به وَمَنْ قُتِلَ
مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ يعني ولي المقتول
سُلْطاناً يعني مسلطا على القتلى إن شاء قتله، وإن شاء عفا
عنه، وإن شاء أخذ الدية، ثم قال لولي المقتول: فَلا يُسْرِفْ
فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً- 33- من أمر الله- عز
وجل- في كتابه جعل الأمر إليه ولا تقتلن غير القاتل فإن من قتل
غير القاتل فقد أسرف لقوله سبحانه: إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً
وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ
أَحْسَنُ إلا لتنمى ماله بالأرباح نسختها إِنْ تُخالِطُوهُمْ
فَإِخْوانُكُمْ «2» حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ يعني ثماني عشرة
سنة «3» وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ فيما بينكم وبين الناس إِنَّ
الْعَهْدَ إذا نقض كانَ مَسْؤُلًا- 34- يقول الله سائلكم عنه
في الآخرة وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا
بِالْقِسْطاسِ يعني بالميزان بلغة الروم الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ
الوفاء خَيْرٌ من النقصان وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا- 35- يعني
وخير عاقبة في الآخرة وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ
يقول ولا ترم «4» بالشرك فإنه ليس لك به علم أن لي شريكا ثم
حذرهم إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ يعنى
__________
(1) فى ل: عيا، وفى أ: باغيا. أهـ. والمراد لا تقتل النفس
باغيا معتديا.
(2) سورة البقرة: 220. بينا فى دراستنا عن تفسير مقاتل أن هذا
ليس نسخا. فالآيتان يلتقيان على معنى واحد وهو الأمر برعاية
اليتيم واستثمار ماله بأحسن الطرق.
(3) فى أ: ثمانية عشر سنة، ل: ثماني عشرة سنة.
(4) فى أ، ل: ولا ترم. والمراد ولا تقل بالشرك ولا تذهب فيذهب
المشركون.
(2/530)
القلب كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ
مَسْؤُلًا- 36- يعني عن الشرك مسئولا في الآخرة وَلا تَمْشِ
فِي الْأَرْضِ مَرَحاً يعني بالعظمة، والخيلاء، والكبرياء
إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ إذا مشيت بالخيلاء، والكبرياء
وَلَنْ تَبْلُغَ رأسك الْجِبالَ طُولًا- 37- إذا تكبرت كُلُّ
ذلِكَ يعنى كل ما «1» أمر الله- عز وجل- به ونهى عنه في هؤلاء
الآيات كانَ سَيِّئُهُ يعني ترك ما أمر الله- عز وجل- به ونهى
عنه في هؤلاء الآيات. أي «وركوب ما نهى عنه كان عِنْدَ رَبِّكَ
مَكْرُوهاً- 38- ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ أي ذلك
الذي أمر الله به ونهى عنه في هؤلاء الآيات مِنَ الْحِكْمَةِ
«2» » التي أوحاها إليك يا محمد، ثم قال للنبي- صلى الله عليه
وسلم-: وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فإن فعلت
فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً تلوم نفسك يومئذ مَدْحُوراً-
39- يعني مطرودا في النار كقوله سبحانه: وَيُقْذَفُونَ مِنْ
كُلِّ جانِبٍ دُحُوراً «3» يعني طردا، قل يا محمد لكفار مكة
أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ نزلت هذه الآية بعد
قوله: قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ «4» إلى
آيات [215 ب] يعني مشركي العرب حين قالوا الملائكة بنات
الرحمن. وَاتَّخَذَ لنفسه مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً يعنى
البنات إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيماً- 40- حين
تقولون إن الملائكة
__________
(1) فى أ: كلما.
(2) ما بين الأقواس « ... » من ل، وهو ساقط من أ. كما أن
(مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ) ساقطة من ل أيضا.
(3) سورة الصافات: 8- 9. [.....]
(4) سورة الإسراء: 42.
(2/531)
بنات الله- عز وجل- وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي
هذَا الْقُرْآنِ في أمور شتى»
لِيَذَّكَّرُوا فيعتبروا وَما يَزِيدُهُمْ القرآن إِلَّا
نُفُوراً- 41- يعني إلا تباعدا عن الإيمان بالقرآن كقوله
تعالى: بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ «2» يعني تباعدا
«3» قُلْ لكفار مكة لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ
حين يزعمون أن الملائكة بنات الرحمن فيعبدونهم ليشفعوا لهم عند
الله- عز وجل- في الآخرة «4» إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي
الْعَرْشِ سَبِيلًا- 42- ليغلبوه ويقهروه كفعل ملوك الأرض
بعضهم ببعض يلتمس بعضهم أن يقهر صاحبه ويعلوه، ثم قال:
سُبْحانَهُ نزه نفسه- تعالى- عن قول البهتان فقال: وَتَعالى
يعني وارتفع عَمَّا يَقُولُونَ من البهتان عُلُوًّا كَبِيراً-
43- نظيرها في المؤمنين «5» ثم عظم نفسه- جل جلاله- فقال
سبحانه: تُسَبِّحُ لَهُ يعنى تذكره السَّماواتُ السَّبْعُ
وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ يعني وما من
شيء إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ يقول إلا يذكر الله بأمره
يعني من نبت «6» إذا كان في معدنه يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ
رَبِّهِمْ «7» كقوله سبحانه:
__________
(1) فى أ، زيادة حسبها من القرآن هنا وليست منه، ونص الزيادة:
(من كل) شيء (مثل) يعنى من كل شبه.
وهذه الزيادة جزء من الآية 54 من سورة الكهف وهي: وَلَقَدْ
صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ
وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا.
(2) سورة الملك: 21.
(3) فى ل: تباعدا، أ: تباعد.
(4) فى ل: حين زعموا أن الملائكة بنات الرحمن فيعبدوا ربهم
ليشفعوا لهم عند الله فى الآخرة.
(5) يشير إلى الآية 91 من سورة المؤمنون: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ
مِنْ وَلَدٍ ... الآية.
(6) هكذا فى أ، ل.
(7) الزمر: 75، غافر: 7، الشورى: 5 وكلها (يُسَبِّحُونَ
بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) بدون الواو.
(2/532)
وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ «1» يعني
بأمره، من نبت، أو دابة، أو خلق «2» وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ
تَسْبِيحَهُمْ يقول ولكن لا تسمعون ذكرهم الله- عز وجل-
إِنَّهُ كانَ حَلِيماً عنهم يعني عن شركهم غَفُوراً- 44- يعني
ذو تجاوز عن قولهم لقوله: لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كما يزعمون
إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا بأن الملائكة
بنات الله حين لا يعجل عليهم بالعقوبة، «غفورا» في تأخير
العذاب عنهم إلى المدة «3» مثلها فى سورة الملائكة قوله
سبحانه: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ
تَزُولا ... «4» آخر الآية.
«إِنَّهُ كانَ حَلِيماً» يعنى ذو تجاوز عن شركهم «غفورا» في
تأخير العذاب عنهم إلى المدة «5» .
وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ في الصلاة أو غير الصلاة جَعَلْنا
بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يعني
لا يصدقون بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال حِجاباً مَسْتُوراً-
45- نزلت في أبي لهب وامرأته، وأبى البختري، وزمعة اسمه عمرو
بن الأسود، وسهيل، وحويطب، كلهم من قريش يعنى بالحجاب المستور،
قوله- تعالى: وَجَعَلْنا «6» عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً يعني
الغطاء على القلوب أَنْ يَفْقَهُوهُ لئلا يفقهوا القرآن وَفِي
آذانِهِمْ وَقْراً يعنى
__________
(1) سورة الرعد: 13.
(2) أو خلق: فى أ، ل، وعليها علامة تمريض فى أ.
(3) فى أ، ل: المدة- أهـ والمعنى إلى المدة المحددة لنزوله.
(4) سورة فاطر: 41.
(5) تكرر تفسير «إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً» فى أ، ل، أى
فسرت مرتين.
(6) فى أ، ل: «إنا جعلنا» . [.....]
(2/533)
ثقلا لئلا يسمعوا «1» القرآن وَإِذا
ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ فقلت لا إله إلا
الله وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً- 46- يعنى أعرضوا عن
التوحيد ونفروا عنه «2» [216 أ] كراهية التوحيد وذلك حين
قال لهم النبي- صلى الله عليه وسلم- يوم دخلوا على أبي طالب
وهم الملأ فقال: قولوا لا إله إلا الله تملكون بها العرب وتدين
لكم العجم
نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ
إِلَيْكَ يا محمد وأنت تقرأ القرآن وَإِذْ هُمْ نَجْوى فبين
نجواهم فى سورة الأنبياء: «وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ
ظَلَمُوا» يعني فيما بينهم هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ
مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ
«3» . فذلك قوله سبحانه: إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ يعني
الوليد بن المغيرة وأصحابه إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا
مَسْحُوراً- 47- يعني بالمسحور المغلوب على عقله نظيرها في
الفرقان:
وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا
مَسْحُوراً «4» انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ يعني
كيف وصفوا لك الأنبياء حين قالوا أنك ساحر فَضَلُّوا عن الهدى
فَلا يَسْتَطِيعُونَ يعنى فلا يجدون سَبِيلًا- 48- يعنى لا
يقدرون على مخرج مما قالوا لك بأنك ساحر وَقالُوا أَإِذا
كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً يعني ترابا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ
بعد الموت خَلْقاً جَدِيداً- 49- يعني البعث وقُلْ لهم يا
محمد: كُونُوا حِجارَةً في القوة أَوْ حَدِيداً- 50- في الشدة
فسوف يميتكم ثم يبعثكم ثم تحيون من الموت أَوْ خَلْقاً مِمَّا
يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ
__________
(1) فى أ: يستمعوا، ل: يسمعوا.
(2) فى أ، ل: نفروا عنه أهـ. فضمن نفر معنى ابتعد.
(3) سورة الأنبياء: 3.
(4) سورة الفرقان: 8.
(2/534)
يعني مما يعظم في قلوبكم، قل لو كنتم أنتم
الموت لأمتكم ثم بعثتكم في الآخرة فَسَيَقُولُونَ مَنْ
يُعِيدُنا يعني من يبعثنا أحياء من بعد الموت قُلِ الَّذِي
فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ يعني خلقكم أول مرة في الدنيا ولم
تكونوا شيئا فهو الذي يبعثكم في الآخرة فَسَيُنْغِضُونَ
إِلَيْكَ يعني يهزون إليك رُؤُسَهُمْ استهزاء وتكذيبا بالبعث
وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ يعنون البعث قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ
البعث قَرِيباً- 51- ثم أخبر عنهم، فقال- سبحانه-: يَوْمَ
يَدْعُوكُمْ من قبوركم في الآخرة فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ
يعني تجيبون الداعي بأمره وَتَظُنُّونَ يعني وتحسبون إِنْ يعني
ما لَبِثْتُمْ في القبور إِلَّا قَلِيلًا- 52- وذلك أن إسرافيل
قائم على صخرة بيت المقدس يدعو أهل القبور في قرن: فيقول أيتها
اللحوم المتفرقة، وأيتها العروق المتقطعة، وأيتها الشعور
المتفرقة، اخرجوا إلى فصل القضاء لتنفخ فيكم أرواحكم وتجازون
بأعمالكم فيخرجون ويديم المنادي الصوت، فيخرجون من قبورهم
ويسمعون الصوت فيسعون إليه، فذلك قوله- سبحانه-: فَإِذا هُمْ
جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ «1» وَقُلْ لِعِبادِي يعني عمر
بن الخطاب- رضي الله عنه- يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
ليرد خيرا على من شتمه وذلك أن رجلا من كفار مكة شتمه فهم به
عمر- رضي الله عنه- فأمره الله- عز وجل- بالصفح والمغفرة
نظيرها في الجاثية: قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا ... إلى آخر الآية
«2» [216 ب] إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ يعنى يغرى
بينهم
__________
(1) سورة يس: 53.
(2) سورة الجاثية 14 وتمامها: قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا
يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ
لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ.
(2/535)
إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ
عَدُوًّا مُبِيناً- 53- رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ من غيره
إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ فيتوب عليكم أَوْ إِنْ يَشَأْ
يُعَذِّبْكُمْ فيميتكم على الكفر نظيرها في الأحزاب:
لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ «1» وَما
أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا- 54- يعني مسيطرا عليهم
وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ منهم من
كلم الله، ومنهم من اتخذه الله خليلا، ومنهم من سخر الله له
الطير، والجبال، ومنهم من أعطي ملكا عظيما، ومنهم من يحيي
الموتى، ويبرئ الأكمه والأبرص، ومنهم من رفعه الله- عز وجل-
إلى السماء، فكل واحد منهم فضل بأمر لم يعطه غيره فهذا تفضيل
بعضهم على بعض، ثم قال سبحانه: وَآتَيْنا يعني وأعطينا داوُدَ
زَبُوراً- 55- مائة وخمسين سورة ليس فيها حكم، ولا حد، ولا
فريضة، ولا حلال، ولا حرام، وإنما هو شاء على الله- عز وجل-
وتمجيد، وتحميد «2» قُلِ لكفار مكة ادْعُوا الَّذِينَ
زَعَمْتُمْ أنهم آلهة مِنْ دُونِهِ من دون الله يعني الملائكة
فليكشفوا الضر عنكم يعني الجوع سبع سنين إذا نزل بكم، ثم أخبر
عن الملائكة الذين عبدوهم، فقال- سبحانه-:
فَلا يَمْلِكُونَ يعني لا يقدرون على كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ
يعني الجوع الذي أصابهم بمكة سبع سنين حتى أكلوا الميتة،
والكلاب، والجيف، فيرفعونه عنكم وَلا تَحْوِيلًا- 56- يقول ولا
تقدر الملائكة على تحويل هذا الضر عنكم إلى غيره فكيف
تعبدونهم. مثلها فى سورة سبأ: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ
زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ
ذَرَّةٍ
__________
(1) سورة الأحزاب: 73.
(2) فى: وتمجيدا وتحميدا، ل: وتمجيد وتحميد.
(2/536)
«1» يعني أصغر النمل التي لا تكاد أن ترى
من الصغر وهي النملة الحمراء. ثم قال يعظهم: أُولئِكَ
الَّذِينَ يَدْعُونَ يقول أولئك الملائكة الذين تعدونهم
يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ يعني الزلفة وهي
القربة بطاعتهم أَيُّهُمْ أَقْرَبُ إلى الله درجة مثل قوله
سبحانه: وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ «2» يعني القربة
إلى الله- عز وجل- وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ يعني جنته نظيرها في
البقرة أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ «3» يعني جنة
الله- عز وجل- وَيَخافُونَ عَذابَهُ يعني الملائكة إِنَّ
عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً- 57- يقول يحذره الخائفون له.
فابتغوا إليه الزلفة كما تبتغي الملائكة وخافوا أنتم عذابه كما
يخافون وارجوا أنتم رحمته كما يرجون إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ «4»
كانَ مَحْذُوراً وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ يقول وما من قرية طالحة
أو صالحة إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ
أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً فأما الصالحة فهلاكها
بالموت وأما الطالحة فيأخذها العذاب في الدنيا كانَ ذلِكَ يعني
هلاك الصالحة بالموت وعذاب الطالحة في الدنيا فِي الْكِتابِ
مَسْطُوراً- 58- يعنى فى أم الكتاب مكتوبا «5» [217 أ] يعني
اللوح المحفوظ فتموت أو ينزل بها ذلك وَما مَنَعَنا أَنْ
نُرْسِلَ بِالْآياتِ مع محمد- صلى الله عليه وسلم- وذلك أن عبد
الله بن أبي أمية بن المغيرة والحارث بن هشام بن المغيرة
المخزوميين
__________
(1) سورة سبأ: 22.
(2) سورة المائدة: 35.
(3) سورة البقرة: 218.
(4) ربك: ساقطة من أ.
(5) فى أ: يعنى أم الكتاب مكتوب. ل: يعنى فى الكتاب مكتوبا.
(2/537)
سألا النبي- صلى الله عليه وسلم- أن يريهم
الله الآيات كما فعل بالقرون الأولى وسؤالهما «1» النبي- صلى
الله عليه وسلم- أنهما قالا فى هذه السورة: «وَقالُوا لَنْ
نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً
... » إلى آخر الآيات «2» فأنزل الله- عز وجل-: «وَما مَنَعَنا
أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ» إلى قومك كما سألوا إِلَّا أَنْ
كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ يعني الأمم الخالية فعذبتهم ولو
جئتهم بآية فردوها وكذبوا بها أهلكناهم، كما فعلنا بالقرون
الأولى، فلذلك أخرنا الآيات عنهم، ثم قال سبحانه: وَآتَيْنا
يعني وأعطينا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً يعني معاينة
يبصرونها فَظَلَمُوا بِها يعني فجحدوا بها أنها ليست من الله-
عز وجل- ثم عقروها، ثم قال- عز وجل-: وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ
إِلَّا تَخْوِيفاً- 59- للناس فإن لم يؤمنوا بها عذبوا في
الدنيا وَإِذْ يعني وقد قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ
بِالنَّاسِ يعني حين أحاط علمه بأهل مكة أن يفتحها على النبي-
صلى الله عليه وسلم-، ثم قال سبحانه: وَما جَعَلْنَا
الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ يعني
الإسراء ليلة أسري به إلى بيت المقدس فكانت لأهل مكة فتنة، ثم
قال سبحانه: وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ يعني
شجرة الزقوم، ثم قال سبحانه: وَنُخَوِّفُهُمْ بها يعني بالنار
والزقوم فَما يَزِيدُهُمْ التخويف إِلَّا طُغْياناً يعني إلا
ضلالا كَبِيراً- 60- يعني شديدا، وقال أيضا في الصافات «3»
لقولهم الزقوم: التمر
__________
(1) فى أ: فى سؤالهما، ل: وسؤالهم. [.....]
(2) سورة الإسراء: 90- 93.
(3) فى أ: والصافات، ل: الصافات والآية من سورة الصافات: 62-
63.
(2/538)
والزبد «إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي
أَصْلِ الْجَحِيمِ، طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ»
ولا يشبه طلع النخل وذلك أن الله- عز وجل- ذكر شجرة الزقوم في
القرآن فقال أبو جهل: يا معشر قريش إن محمدا «1» يخوفكم بشجرة
الزقوم ألستم تعلمون أن النار تحرق الشجر ومحمد «2» يزعم أن
النار تنبت الشجرة. فهل تدرون ما الزقوم؟
فقال عبد الله بن الزبعري السهمي: إن الزقوم بلسان بربر التمر
والزبد. قال أبو الجهل: يا جارية ابغنا «3» تمرا فجاءته. فقال
لقريش وهم حوله تزقموا من هذا الزقوم الذي يخوفكم به محمد «4»
فأنزل الله تبارك- وتعالى «وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ
إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً» يعني شديدا.
وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ منهم إبليس
فَسَجَدُوا ثم استثنى فقال: إِلَّا إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ
لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً- 61- وأنا خلقتني من نار يقول ذلك
تكبرا، ثم قالَ إبليس لربه- عز وجل- أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي
كَرَّمْتَ عَلَيَّ يعنى فضلته على بالسجود يعنى آدم. أنا ناري
[217 ب] وهو طيني لَئِنْ أَخَّرْتَنِ يقول لئن متعتني إِلى
يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ يعني لأحتوين ذُرِّيَّتَهُ
ذرية آدم إِلَّا قَلِيلًا- 62- حتى يطيعوني يعني بالقليل الذي
أراد الله- عز وجل- فقَالَ: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ
عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ «5» يعنى ملكا. ثم قالَ اذْهَبْ فَمَنْ
تَبِعَكَ مِنْهُمْ على دينك يعنى من
__________
(1) فى أ: إن محمدا صلى الله عليه وسلم، ل: إن محمدا.
(2) فى ل: ومحمد، أ: ومحمد- صلى الله عليه وسلم.
(3) فى ل: أبغينا، أ: ابعثى.
(4) فى أ: محمد- صلى الله عليه وسلم.
(5) سورة الحجر: 42.
(2/539)
ذرية آدم فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ
بأعمالكم الخبيثة جَزاءً يعني الكفر جزاء مَوْفُوراً- 63- يعني
وافرا لا يفتر عنهم من عذابها شيء. ثم قال- سبحانه:
وَاسْتَفْزِزْ يقول واستزل مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ
بِصَوْتِكَ يعني بدعائك وَأَجْلِبْ يعني واستعن عَلَيْهِمْ
بِخَيْلِكَ يعني كل راكب يسير في معصيته وَرَجِلِكَ يعني كل
راجل «1» يمشي في معصية الله- عز وجل «2» - من الجن والإنس من
يطيعك منهم وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ يقول زين لهم في
الأموال يعني كل مال حرام، وما حرموا من الحرث والأنعام
وَالْأَوْلادِ.
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي عَنِ
الْهُذَيْلِ، عَنْ مُقَاتِلٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنَّ الزِّنَا، وَالْغَصْبَ «3» ،
وَالأَوْلادَ، يَعْنِي كُلَّ وَلَدٍ مِنْ حَرَامٍ، فَهَذَا
كُلُّهُ مِنْ طَاعَةِ إِبْلِيسَ وَشِرْكَتِهِ.
ثم قال سبحانه: وَعِدْهُمْ يعنى ومنيهم الغرور ألا بعث وَما
يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً- 64- يعني باطلا الذي
ليس بشيء إِنَّ عِبادِي المخلصين لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ
سُلْطانٌ ملك في الكفر والشرك أن تضلهم عن الهدى وَكَفى
بِرَبِّكَ وَكِيلًا- 65- يعني حرزا ومانعا فلا أحد أمنع من
الله- عز وجل- فلا يخلص إليهم إبليس رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي
لَكُمُ يعني يسوق لكم الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا
مِنْ فَضْلِهِ الرزق إنّه «كان» «4»
__________
(1) فى ل: راجل، أ: رجل.
(2) فى ل: الله، أ: الله- عز وجل.
(3) فى أ: الغضب، ل: الغضب، وفى الحديث ( ... فإن الغضب من
الشيطان) .
(4) «كان» : ساقطة من الأصل.
(2/540)
بِكُمْ رَحِيماً- 66- وَإِذا مَسَّكُمُ
الضُّرُّ يقول إذا أصابكم «1» فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ
تَدْعُونَ يعني بطل مثل قوله- عز وجل: أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ
«2» يعني أبطل، من تدعون من الآلهة يعني تعبدون فلا تدعونهم
إنما تدعون الله- عز وجل-، فذلك قوله سبحانه: إِلَّا إِيَّاهُ
يعني نفسه- عز وجل- فَلَمَّا نَجَّاكُمْ الرب- جل جلاله- من
البحر إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ عن الدعاء في الرخاء فلا
تدعون الله- عز وجل- وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً- 67- للنعم
حين أنجاه الله- تعالى- من أهوال البحر إلى البر فلم يعبده، ثم
خوفهم فقال سبحانه: أَفَأَمِنْتُمْ إذ أخرجتم من البحر إلى
الساحل أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ يعني ناحية من
البر أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ في البر حاصِباً يعني الحجارة
ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا- 68- يقول ثم لا تجدوا
مانعا يمنعكم من الله- عز وجل-، ثم قال سبحانه: أَمْ
أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ في البحر تارَةً أُخْرى
يعني مرة أخرى نظيرها في طه: وَفِيها «3» نُعِيدُكُمْ وَمِنْها
نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى «4» فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً
يعني عاصفا مِنَ الرِّيحِ وهي الشدة فَيُغْرِقَكُمْ بِما
كَفَرْتُمْ النعم حين أنجاكم [218 ا] من الغرق ونقضتم العهد
وأنتم في البر ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ
تَبِيعاً- 69- يقول لا تجدوا علينا به تبعة مما أصبناكم به من
العذاب، ثم ذكرهم النعم فقال- سبحانه: وَلَقَدْ كَرَّمْنا
بَنِي آدَمَ يقول فضلناهم على غيرهم من الحيوان غير الملائكة
حين أكلوا
__________
(1) فى أ: أصابكم، ل: أصابتكم.
(2) سورة محمد: 1.
(3) فى أ، ل: فيها. [.....]
(4) سورة طه: 55.
(2/541)
وشربوا بأيديهم وسائر الطير والدواب يأكلون
بأفواههم، ثم قال- عز وجل-:
وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ على الرطب «1» يعنى الدواب
وَحملناهم فى الْبَحْرِ على اليابس يعني السفن وَرَزَقْناهُمْ
من غير رزق الدواب مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى
كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا من الحيوان تَفْضِيلًا- 70- يعني
بالتفضيل أكلهم بأيديهم «2» يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ
بِإِمامِهِمْ «3» يعني كل أمة بكتابهم الذي عملوا في الدنيا من
الخير والشر، مثل قوله- عز وجل- في يس: وَكُلَّ شَيْءٍ
أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ «4» وهو اللوح المحفوظ فَمَنْ
أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ
كِتابَهُمْ الذي عملوه في الدنيا وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا-
71- يعني بالفتيل القشر الذي يكون في شق النواة وَمَنْ كانَ
فِي هذِهِ النعم أَعْمى يعني الكافر، عمي عنها وهو معاينها فلم
يعرف أنها من الله- عز وجل- فيشكو ربها فيعرفه فيوحده- تبارك
وتعالى- فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى يقول فهو عما غاب عنه من
أمر الآخرة من البعث والحساب والجنة والنار أعمى وَأَضَلُّ
سَبِيلًا- 72- يعني وأخطأ طريقا.
وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ يعني ثقيفا يقول وقد كادوا أن
يفتنوك يعني قد هموا أن يصدوك عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا
إِلَيْكَ كقوله- سبحانه- فى المائدة
__________
(1) فى أ: الركب ثم أصلحها الرطب، وفى ل: الرطب، وفى م: الرطب.
(2) فى أ، ل: فسر هذه الآية بعد أن خالف ترتيبها فقدم آخرها
على وسطها هكذا: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ
وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ والبحر وفضلناهم على كثير مما
خلقنا تفضيلا، ورزقناهم» وقد أعدت ترتيب الآية كما وردت فى
المصحف.
(3) فى أ، ل: فسر الآية اللاحقة قيل هذه الآية أى فسر آية 72
من سورة الإسراء قبل الآية 71. وقد أعدت ترتيب الآيات
والتفسير.
(4) سورة يس: 12.
(2/542)
وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ يعني يصدوك
عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ «1» وذلك
أن ثقيفا أتوا النبي- صلى الله عليه وسلم- فقالوا: نحن إخوانك،
وأصهارك، وجيرانك ونحن خير أهل نجد لك سلما، وأضره عليك حربا
فإن نسلم تسلم نجد كلها وإن نحاربك يحاربك من وراءنا، فأعطنا
الذي نريد. فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: وما تريدون؟
قالوا: نسلم على ألا نجش «2» ولا نعش «3» ولا نحنى. يقولون:
على ألا نصلي، ولا نكسر أصنامنا «4» بأيدينا، وكل ربا لنا على
الناس فهو لنا، وكل ربا للناس فهو عنا موضوع ومن وجدناه في
وادي وج يقطع شجرها انتزعنا عنه ثيابه، وضربنا ظهره وبطنه،
وحرمته كحرمة مكة وصيد، وطيره وشجره، وتستعمل على بني مالك
رجلا وعلى الأحلاف «5» رجلا وأن تمتعنا باللات، والعزى سنة ولا
نكسرها بأيدينا من غير أن نعبدها ليعرف الناس كرامتنا عليك
وفضلنا عليهم. فقال لهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم-:
أما قولكم لا تجشي ولا نعشي والربا فلكم [218 ب] ، وأما قولكم
لا نحنى فإنه لا خير في دين ليس فيه ركوع ولا سجود. قالوا:
نفعل ذلك وإن كان علينا فيه دناءة. وأما قولكم لا نكسر أصنامنا
بأيدينا فإنا سنأمر من يكسرها غيركم.
ثم سكت النبي- صلى الله عليه وسلم- فقالوا تمتعنا باللات سنة
فأعرض عنهم وجعل يكره أن يقول لا فيأبون الإسلام. فقالت ثقيف
للنبي- صلى الله عليه
__________
(1) سورة المائدة الآية 49، وقد وردت هكذا: «واحذرهم أن يفتنوك
عن بعض ما أوحينا إليك» .
(2) فى ل: على ألا نحمس، ا: نجش.
(3) فى ل: ولا نعشر، ا: نعش.
(4) فى أ: أصناما، ل: أصنامنا.
(5) فى أ: الأحلاف، ل: الأخلاف.
(2/543)
وسلم-: إن كان بك ملامة العرب في كسر
أصنامهم وترك أصنامنا، فقل لهم:
إن ربي أمرني أن أقر «1» اللات بأرضهم سنة. فقال عمر بن
الخطاب- رضي الله عنه- عند ذلك أحرقتم قلب النبي- صلى الله
عليه وسلم- بذكر اللات أحرق الله أكبادكم، لا، ولا نعمة، غير
أن الله- عز وجل- لا يدع الشرك في أرض يعبد الله- تعالى- فيها،
فإما أن تسلموا كما يسلم الناس وإما أن تلحقوا بأرضكم فأنزل
الله- عز وجل-: وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ
يقول وإن كادوا ليصدونك عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ
لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ يقول سبحانه لتقول علينا غيره
ما لم نقل لقولهم للنبي- صلى الله عليه وسلم- قل:
إن الله أمرني أن أقرها. وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا- 73-
يعني محبا نظيرها في الفرقان فُلاناً خَلِيلًا «2» يعني محبا
«لطواعيتكم إياهم على ما أرادوك عليه، إذا لأحبوك» «3»
وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ يا محمد بالسكوت، فأمرت بكسر «4»
الآلهة إذا لركنت إلى المعصية لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ يقول لقد
هممت سويعة أن تميل إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا- 74- يعني
أمرا يسيرا، يقول: لقد هممت سويعة كقوله «5» فَتَوَلَّى
بِرُكْنِهِ «6» يعني بميله أمرا يسيرا يقول لقد هممت سويعة أن
تميل إليهم ولو أطعتهم فيما سألوك إِذاً لَأَذَقْناكَ العذاب
فى الدنيا والآخرة
__________
(1) هكذا فى أ، ل، أى اترك.
(2) سورة الفرقان: 28.
(3) من: ل، وفى أ: لو أطعتهم على ما أرادوا عليه لأحبوك.
(4) هكذا فى أ، ل، وقد يكون أصلها بعدم كسر. [.....]
(5) كقوله: ساقطة من أ، وهي من ل.
(6) سورة الذاريات: 39.
(2/544)
فذلك قوله- سبحانه: إِذاً لَأَذَقْناكَ
ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ يقول سبحانه: إذا لأذقناك
ضعف «1» العذاب في الدنيا في حياتك، وفي مماتك بعد «2» ثُمَّ
لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً- 75- يعنى مانعا يمنعك منا
وَإِنْ يعنى وقد كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ يعنى ليستزلونك
مِنَ الْأَرْضِ يعني أرض المدينة نزلت في حيي بن أخطب واليهود
وذلك أنهم كرهوا قدوم النبي- صلى الله عليه وسلم- المدينة
وحسدوه وقالوا: يا محمد إنك لتعلم أن هذه الأرض ليست بأرض
الأنبياء إنما أرض الأنبياء والرسل أرض المحشر أرض الشام ومتى
رأيت الله بعث «3» الأنبياء في أرض تهامة فإن كنت نبيا فأخرج
إليها فإنما يمنعك منها مخافة أن يغلبك الروم، فإن كنت نبيا
فسيمنعك الله كما منع الأنبياء قبلك فخرج النبي- صلى الله عليه
وسلم- متوجها إلى الشام فعسكر على رأس ثلاثة أميال بذي الحليفة
لتنضم «4» إليه أصحابه فأتاه جبريل [219 ا]- عليه السّلام-
بهذه الآية وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ
لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا
قَلِيلًا- 76- يقول- سبحانه- لو فعلوا ذلك لم ينظروا من بعدك
إلا يسيرا حتى يعذبوا في الدنيا فرجع النبي- صلى الله عليه
وسلم- سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا
يقول الله- سبحانه- كذلك سنة الله- عز وجل- في أهل المعاصي
يعني الأمم الخالية إن كذبوا رسلهم أن يعذبوا وَلا «5» تَجِدُ
لِسُنَّتِنا تَحْوِيلًا- 77- إن قوله حق في أمر العذاب يقول
السنة واحدة فيما مضى
__________
(1) ضعف: ساقطة أ، وهي من ل.
(2) هكذا فى: ا، ل، والمراد وفى مماتك بعد حياتك.
(3) من ل، وفى أ: ومتى رأيت بعث الله- عز وجل-.
(4) فى ل: لينام، ا: لتعلم.
(5) فى حاشية أ: فى الأصل: ولن، وفى ل: ولن.
(2/545)
وفيما بقي أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ
الشَّمْسِ يعنى إذا زالث الشمس عن بطن السماء يعني عند صلاة
الأولى والعصر إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ يعني ظلمة الليل إذا ذهب
الشفق يعني صلاة المغرب والعشاء وَقُرْآنَ الْفَجْرِ يعنى قرآن
صلاة الغداة إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً- 78-
تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار، جمع صلاة «1» الخمس في هذه
الآية كلها «2» . ثم قال- عز وجل-:
وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ بعد المغفرة
لأن الله- عز وجل- قد غَفَرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ
وَمَا تأخر، فما كان من عمل فهو نافلة، مثل قوله سبحانه:
وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ حين سأل الولد وَيَعْقُوبَ نافِلَةً
«3» يعني فضلا على مسألته عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ
مَقاماً مَحْمُوداً- 79- يعني مقام الشفاعة في أصحاب الأعراف
يحمده الخلق كلهم والعسى من الله- عز وجل- واجب. فرجع النبي-
صلى الله عليه وسلم- وقال له جبريل- عليه السلام-: وَقُلْ
رَبِّ أَدْخِلْنِي المدينة مُدْخَلَ صِدْقٍ يعني آمنا على رغم
أنف اليهود وَأَخْرِجْنِي من المدينة إلى مكة مُخْرَجَ صِدْقٍ
يعني آمنا على رغم أنف كفار مكة ظاهرا عليهم وَاجْعَلْ لِي
مِنْ لَدُنْكَ يعني من عندك سُلْطاناً نَصِيراً- 80- يعني
النصر على أهل مكة ففعل الله- تعالى- ذلك به فافتتحها فلما
افتتحها رأى ثلاثمائة وستين صنما حول الكعبة وأساف، ونائلة،
أحدهما عند الركن، والآخر عند الحجر الأسود وفي يدي النبي- صلى
الله عليه وسلم- قضيب فجعل
__________
(1) فى أ، ل: صلاة والأنسب الصلوات.
(2) كلها راجعة إلى الصلاة: أى جمع الصلوات الخمس كلها فى هذه.
(3) سورة الأنبياء: 73.
(2/546)
النبي- صلى الله عليه وسلم- يضرب رؤوسهم
ويقول: «وَقُلْ» «1» جاءَ الْحَقُّ يعني الإسلام وَزَهَقَ
الْباطِلُ يعني وذهب عبادة الشيطان يعني الأوثان إِنَّ
الْباطِلَ يعني إن عبادة الشيطان يعني عبادة الأصنام كانَ
زَهُوقاً- 81- يعني ذاهبا مثل قوله سبحانه: فَإِذا هُوَ زاهِقٌ
«2» يعنى ذاهب وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ
للقلوب يعني بيانا «3» للحلال والحرام وَرَحْمَةٌ من العذاب
لمن آمن بالقرآن، قوله «4» - سبحانه-: «وَرَحْمَةٌ»
لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ القرآن الظَّالِمِينَ إِلَّا
خَساراً- 82- يعنى خسرانا وَإِذا أَنْعَمْنا [219 ب] عَلَى
الْإِنْسانِ يعني الكافر بالخير يعني الرزق أَعْرَضَ عن الدعاء
وَنَأى بِجانِبِهِ يقول وتباعد بجانبه وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ
يعنى وإذا أصابه الفقر كانَ يَؤُساً- 83- يعني آيسا من الخير
قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ المحسن والمسيء على
شاكلته على جديلته التي هو عليها فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ
هُوَ أَهْدى سَبِيلًا- 84- وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ نزلت
في أبي جهل وأصحابه قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وهو ملك
عظيم على صورة إنسان أعظم من كل مخلوق غير العرش فهو حافظ على
الملائكة وجهه كوجه الإنسان، ثم قال سبحانه: وَما أُوتِيتُمْ
مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا- 85- عندي كثيرا عندكم وذلك أن
اليهود قالوا للنبي- صلى الله عليه وسلم- إن في التوراة علم كل
شيء وقال الله- تبارك وتعالى- للنبي- صلى الله عليه وسلم- قل
لليهود
__________
(1) ليست فى أ، ولا فى ل.
(2) سورة الأنبياء: 18.
(3) فى أ: بيان، ل: بيانا.
(4) فى أ، ل: قوله، والأنسب: فذاك قوله. [.....]
(2/547)
وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا
قَلِيلًا عندي كثيرا عندكم وعلم التوراة عندكم كثير،
فقالوا للنبي- صلى الله عليه وسلم-: من قال هذا؟ فو الله ما
قاله لك إلا عدو لنا يعنون جبريل- عليه السلام-، ثم قالوا
للنبي- صلى الله عليه وسلم-:
خاصة لنا أنا لم نؤت من العلم إلا قليلا. فقال النبي- صلى الله
عليه وسلم:
بل الناس كلهم عامة. فقالوا للنبي- صلى الله عليه وسلم-: ولا
أنت ولا أصحابك. فقال: نعم. فقالوا: كيف تجمع بين هاتين؟ تزعم
أنك أوتيت الحكمة ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وتزعم
أنك لم نؤت من العلم إلا قليلا. فنزلت وَلَوْ أَنَّما فِي
الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ ... إلى آخر الآية «1» ،
ونزلت قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً ... إلى آخر الآية «2»
. ثم قال سبحانه: وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي
أَوْحَيْنا إِلَيْكَ من القرآن وذلك حين دعى النبي- صلى الله
عليه وسلم- إلى دين آبائه ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا
وَكِيلًا- 86- يعني مانعا يمنعك منا فاستثنى- عز وجل- إِلَّا
رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ يعني القرآن كان رحمة من ربك اختصك بها
إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً- 87- يعني عظيما حين
اختصك بذلك قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ وذلك
أن الله- عز وجل- أنزل في سورة هود: قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ
سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ «3» فلم يطيقوا ذلك. فقال الله-
تبارك وتعالى- لهم فى سورة يونس فَأْتُوا بِسُورَةٍ «4»
__________
(1) سورة لقمان 27.
(2) سورة الكهف: 109.
(3) سورة هود: 13.
(4) سورة يونس 38، والنص فيها.. قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ
مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ ...
(2/548)
واحدة مثله، فلم يطيقوا ذلك، وأخبر الله-
تبارك وتعالى- النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: قُلْ لَئِنِ
اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ فعان بعضهم بعضا عَلى أَنْ
يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ
يقول لا يقدرون على أن يأتوا بمثله وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ
لِبَعْضٍ ظَهِيراً- 88- يعنى معينا وَلَقَدْ صَرَّفْنا
لِلنَّاسِ يعنى ضربنا فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ
يعني من كل شبه في أمور شتى فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا
كُفُوراً- 89- يعني إلا كفرا بالقرآن وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ
لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً [220 أ]-
90- يعني من أرض مكة ينبوعا يعني عينا تجري وذلك
أن أبا جهل قال للنبي- صلى الله عليه وسلم-: سير «1» لنا
الجبال، أو ابعث لنا الموتى فنكلمهم، أو سخر لنا الريح، فقال
النبي- صلى الله عليه وسلم: - لا أطيق ذلك
، فقال عبد الله بن أبي أمية «2» بن المغيرة المخزومي، وهو ابن
عم أبي جهل، والحارث بن هشام، وهما ابنا عم فقالا: يا محمد، إن
كنت لست «3» فاعلا لقومك شيئا مما سألوك فأرنا كرامتك على الله
بأمر تعرفه «4» فجر لبني أبيك، ينبوعا بمكة مكان زمزم فقد شق
علينا الميح أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ يعني بستانا مِنْ
نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها
تَفْجِيراً- 91- يقول تجري العيون في وسط النخيل والأعناب
والشجر أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا
كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا-
92- أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ
__________
(1) فى أ: تسير، ل: سير.
(2) فى أ: بن أمية، ل: بن أبى أمية.
(3) لست: من ل، وليست فى ا.
(4) فى ل: بأمر نعرفه، ا: بأمر نعرفه.
(2/549)
يعني من ذهب فإن لم تستطع شيئا من هذا
فأسقط السماء كما زعمت «1» علينا كسفا يعني جانبا من السماء
كما زعمت فى سورة سبأ: إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ
أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً يعني جانبا مِنَ السَّماءِ
«2» ، ثم قال: والذي يحلف به عبد الله لا أصدقك ولا أؤمن بك
حتى تسند سلما فترقى فيها «3» إلى السماء وأنا أنظر إليك فتأتي
بكتاب من عند الله- عز وجل- بأنك رسوله أو يأمرنا باتباعك
وتجيء الملائكة يشهدون أن الله كتبه «4» . ثم قال:
والله ما أدري إن فعلت ذلك أؤمن بك أم لا «5» . فذلك قوله
سبحانه: «أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ» معاينة فيخبرنا أنك نبي
رسول أو تأتي وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا يعني كفيلا يشهدون بأنك
رسول الله- عز وجل-، فذلك قوله: «أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ
وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى» «6» تُنَزِّلَ «7»
عَلَيْنا يعني من السماء كِتاباً نَقْرَؤُهُ من الله- عز وجل-
بأنك رسوله خاصة، فأنزل الله- تعالى قُلْ لكفار مكة سُبْحانَ
رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا- 93- نزه نفسه- جل
جلاله- عن تكذيبهم إياه لقولهم لم يبعث محمدا- صلى الله عليه
وسلم- رسولا، يقول ما أنا إلا رسول من البشر وَما مَنَعَ
النَّاسَ يعني رءوس كفار مكة أَنْ يُؤْمِنُوا يعني أن يصدقوا
بالقرآن إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى
__________
(1) كما زعمت: من ل، وليست: فى ا.
(2) سورة سبأ: 9.
(3) فى أ، ل: فيها، والأنسب: فيه.
(4) من ل، وفى ا: أن كتبه الله.
(5) أم لا: ساقطة من أ، وهي من ل.
(6) ما بين القوسين « ... » : ساقط من: ا، ل، وترتيب الآيات
مضطرب فيهما فكلاهما قدمت جزءا من 93 على 92. [.....]
(7) فى أ: «أو تنزل علينا» .
(2/550)
يعني البيان وهو القرآن لأن القرآن هدى من
الضلالة إِلَّا أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً
رَسُولًا- 94- نزلت فى المستهزئين والمطعمين ببدر فأنزل- تبارك
وتعالى- قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ
مُطْمَئِنِّينَ يعني مقيمين بها، مثل قوله- سبحانه- في النساء:
فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ يقول فإذا أقمتم فَأَقِيمُوا
الصَّلاةَ «1» . لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ
مَلَكاً رَسُولًا- 95- قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي
وَبَيْنَكُمْ يقول فلا أحد أفضل من الله شاهدا بأني رسول الله
إليكم إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً- 96- حين
اختص محمدا- صلى الله عليه وسلم- بالرسالة وَمَنْ يَهْدِ
اللَّهُ لدينه فَهُوَ الْمُهْتَدِ «2» وَمَنْ يُضْلِلْ عن دينه
فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ يعنى أصحابا من
دون الله [220 ب] يهدونهم إلى الإسلام من الضلالة
وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ بعد الحساب عَلى
وُجُوهِهِمْ
قالوا للنبي- صلى الله عليه وسلم-: «كيف يمشون على وجوههم؟ قال
لهم النبي- صلى الله عليه وسلم-: من أمشاهم على أقدامهم؟
قالوا: الله أمشاهم. قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: فإن الذي
أمشاهم على أقدامهم هو الذي يمشيهم على وجوههم،
ثم قال- سبحانه: عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا وذلك إذا قيل لهم
اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ «3» فصاروا فيها «4» عميا لا
يبصرون أبدا، وصما لا يسمعون أبدا، ثم قال: مَأْواهُمْ يعني
مصيرهم جَهَنَّمُ، قوله سبحانه:
__________
(1) سورة النساء: 103
(2) فى أ: المهتدى.
(3) سورة المؤمنون: 108.
(4) فى أ: فيه، ل: فيها.
(2/551)
كُلَّما خَبَتْ وذلك إذا أكلتهم النار فلم
يبق منهم غير العظام وصاروا فحما سكنت النار هو الخبت «1»
زِدْناهُمْ سَعِيراً- 97- وذلك أن النار إذا أكلتهم بدلوا
جلودا غيرها جددا «في «2» » النار، فتسعر عليهم، فذلك قوله-
سبحانه-:
«زِدْناهُمْ سَعِيراً» يعنى وقودا فهذا أمرهم أبدا، وذلِكَ
العذاب والنار «جَزاؤُهُمْ» «3» بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا
بِآياتِنا يعنى بآيات القرآن وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً
وَرُفاتاً يعني ترابا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً
جَدِيداً
- 98- يعنون البعث سيرة الخلق الأول «4» منهم أبي بن خلف، وأبو
الأشدين، يقول الله ليعتبروا: أَوَلَمْ يَرَوْا يقول أو لم
يعلموا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ
قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ يعني مثل خلقهم في
الآخرة. يقول لأنهم مقرون بأن الله خلقهم وَلَئِنْ
سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ
لَيَقُولُنَّ اللَّهُ «5» . ولا يقدرون أن يقولوا غير ذلك وهم
مع «6» ذلك يعبدون غير الله- عز وجل- كما خلقهم في الدنيا،
فخلق السموات والأرض أعظم وأكبر من خلق الإنسان لأنهم مقرون
بأن الله خلقهم وخلق السموات والأرض وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا
مسمى يبعثون فيه لا رَيْبَ فِيهِ يعني لا شك فيه في البعث أنه
كائن فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً- 99- يعنى إلا
كفرا بالبعث يعنى مشركي
__________
(1) الأنسب: وهو الخبت.
(2) فى أ، ل: جدد النار، فجعلتها جددا فى النار.
(3) جزاؤهم: ساقطة من أ، ل.
(4) هكذا فى أ، ل.
(5) سورة لقمان: 25.
(6) فى أ، ل: فى، وقد جعلتها: مع.
(2/552)
مكة قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ
خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي يعني مفاتيح الرزق يعني مقاليد
السموات يقول لو كان الرزق بأيديكم وكنتم تقسمونه إِذاً
لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ لأمسكتموه مخافة الفقر
والفاقة وَكانَ الْإِنْسانُ يعني الكافر قَتُوراً- 100- يعني
بخيلا ممسكا عن نفسه وَلَقَدْ آتَيْنا يعني أعطينا مُوسى
تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ يعني واضحات اليد، والعصا بالأرض
المقدسة وسبع آيات بأرض مصر الطوفان، والجراد، والقمل،
والضفادع، والدم، والسنين والطمس على الدنانير، والدراهم،
أولها العصا وآخرها الطمس فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ عن ذلك
إِذْ جاءَهُمْ موسى بالهدى فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي
لَأَظُنُّكَ [221 أ] يقول إنى لأحسبك يا مُوسى مَسْحُوراً-
101- يعني مغلوبا على عقله قالَ موسى لفرعون: لَقَدْ عَلِمْتَ
يا فرعون مَا أَنْزَلَ هؤُلاءِ هؤلاء الآيات التسع إِلَّا
رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ يعني تبصره وتذكرة ولن
يقدر أحد على أن يأتى أحد بآية واحدة مثل هذه وَإِنِّي
لَأَظُنُّكَ يعني لأحسبك يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً- 102- يعني
ملعونا اسمه فيطوس فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ
الْأَرْضِ يعني أن يخرجهم من أرض مصر مثل قوله سبحانه: وَإِنْ
كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ
مِنْها «1» يعني أرض المدينة فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ
جَمِيعاً- 103- من الجنود وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ يعني من بعد
فرعون لِبَنِي إِسْرائِيلَ وهم سبعون ألفا من وراء نهر الصين
معهم التوراة اسْكُنُوا الْأَرْضَ وذلك من بعد موسى ومن بعد
«2» يوشع
__________
(1) سورة الإسراء: 76.
(2) فى ل: ومن بعد، ا: وبعد.
(2/553)
ابن نون فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ
يعني ميقات الآخرة يعني يوم القيامة جِئْنا بِكُمْ وبقوم موسى
لَفِيفاً- 104- يعني جميعا فهم وراء الصين «1» فساروا من بيت
المقدس في سنة ونصف سنة ستة آلاف فرسخ وبينهم وبين الناس نهر
من رمل يجري اسمه أردف، يجمد كل سبت وذلك أن بني إسرائيل قتلوا
الأنبياء وعبدوا الأوثان، فقال المؤمنون منهم: اللهم «2» فرق
بيننا وبينهم فضرب الله- عز وجل- سربا في الأرض من بيت المقدس
إلى وراء «3» الصين فجعلوا يسيرون فيه يفتح أمامهم ويسد خلفهم
وجعل لهم عمودا من نار فأنزل الله- عز وجل- عليهم المن والسلوى
كل ذلك في المسير وهم الذين ذكرهم «4» الله- عز وجل- في
الأعراف: وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ
وَبِهِ يَعْدِلُونَ «5» فلما أسرى بالنبي- صلى الله عليه وسلم-
تلك الليلة أتاهم فعلمهم الأذان والصلاة وسورا من القرآن
فأسلموا فهم القوم المؤمنون ليست لهم ذنوب وهم يجامعون نساءهم
بالليل وأتاهم جبريل- عليه السلام- مع النبي- صلى الله عليه
وسلم- فسلموا عليه قبل أن يسلم عليهم، فقالوا للنبي- صلى الله
عليه وسلم-: لولا الخطايا التي في أمتك لصافحتهم الملائكة
وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ لما كذب كفار مكة يقول الله- تبارك
وتعالى-: وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ من اللوح المحفوظ يعني
القرآن على محمد- صلى الله عليه وسلم- وَبِالْحَقِّ نَزَلَ به
جبريل- عليه السلام- لم ينزله باطلا لغير شيء وَما
أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً بالجنة وَنَذِيراً
__________
(1) فى أ، ل: الصين. [.....]
(2) فى أ: الله، ل: اللهم.
(3) فى أ، ل: وراء، والأنسب: ما وراء.
(4) فى أ: ذكر.
(5) سورة الأعراف: 159.
(2/554)
- 105- من النار وَقُرْآناً فَرَقْناهُ
يعني قطعناه يعني فرقناه بين أوله وآخره عشرون سنة تترى «1» لم
ننزله جملة واحدة مثلها فى الفرقان [221 ب] لَوْلا نُزِّلَ
عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً «2» ل كي لِتَقْرَأَهُ عَلَى
النَّاسِ عَلى مُكْثٍ يعني على ترتيل للحفظة وَنَزَّلْناهُ
تَنْزِيلًا- 106- في ترسل آيات ثم بعد آيات «3» يعني القرآن
قُلْ لكفار مكة: آمِنُوا بِهِ يعني القرآن أَوْ لا تُؤْمِنُوا
يقول صدقوا بالقرآن أو لا تصدقوا به إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا
الْعِلْمَ بالتوراة مِنْ قَبْلِهِ يعني من قبل هذا القرآن إِذا
يُتْلى عَلَيْهِمْ يعني القرآن يعني عبد الله بن سلام وأصحابه
يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يعنى يقعون لوجوههم سُجَّداً- 107-
وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا الذي أنزله يعني القرآن أنه من
الله- عز وجل- إِنْ كانَ يعني لقد كان «4» وَعْدُ رَبِّنا في
التوراة لَمَفْعُولًا- 108- أنه «5» منزله على محمد- صلى الله
عليه وسلم- فكان فاعلا «6» وَيَخِرُّونَ يعني ويقعون
«لِلْأَذْقانِ» «7» لوجوههم سجدا يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ
خُشُوعاً- 109- يقول يزيدهم القرآن تواضعا، لما في القرآن من
الوعد والوعيد قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ
وذلك أن رجلا من المسلمين دعا الله- عز وجل- ودعا الرحمن في
صلاته فقال أبو جهل بن هشام: أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم
يعبدون ربا واحدا فما بال هذا يدعو ربين اثنين أو لستم تعلمون
أن الله اسم، والرحمن اسم. قالوا:
بلى، فأنزل الله- تبارك وتعالى قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ
ادْعُوا الرَّحْمنَ
فدعا النبي-
__________
(1) فى أ: تعرى، ل تترى.
(2) سورة الفرقان: 32.
(3) من ل، وفى أ: آيات ثم آيات.
(4) من أ، وفى ل: لو كان.
(5) من ا، وفى ل: أنه له.
(6) السطور السابقة مضطربة فى: ل، وهي من اوحدها.
(7) «للأذقان» : ساقطة من أ، ل، وهي فى حاشية ا.
(2/555)
صلى الله عليه وسلم- الرجل فقال: يا فلان
ادع الله أو ادع الرحمن ورغم لآناف «1» المشركين
أَيًّا «2» ما تَدْعُوا يقول فأيهما تدعو فَلَهُ الْأَسْماءُ
الْحُسْنى يعني الأسماء الحسنى التي في آخر الحشر وسائر ما فى
القرآن وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وذلك أن النبي- صلى الله عليه
وسلم- كان بمكة يصلي إلى جانب دار أبي سفيان «3» عند الصفا
فجهر بالقرآن في صلاة الغداة فقال أبو جهل: لم تفتري على الله،
فإذا سمع ذلك منه خفض صوته فلا يسمع أصحابه القرآن. فقال أبو
جهل:
ألم تروا يا معشر قريش، ما فعلت بابن أبي كبشة حتى خفض صوته
فأنزل الله- تعالى ذكره-: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ يعنى
بقراءتك فى صلاتك فيسمع المشركون فيؤذوك «4» وَلا تُخافِتْ
بِها يقول ولا تسر بها يعني بالقرآن فلا يسمع أصحابك وَابْتَغِ
بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا- 110- يعني مسلكا يعني بين الخفض والرفع
وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وذلك أن اليهود قالوا عزير ابن الله،
وقالت النصارى المسيح ابن الله، وقالت العرب إن لله- عز وجل-
شريكا من الملائكة فأكذبهم الله- عز وجل- فيها فنزه نفسه-
تبارك وتعالى- مما قالوا فأنزل الله جل جلاله: وَقُلِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الذي علمك هذه الآية الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ
وَلَداً عزيرا وعيسى وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ من الملائكة
فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ يعني صاحبا ينتصر به
مِنَ الذُّلِّ كما يلتمس الناس النصر إن فاجأهم أمر يكرهونه
وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً- 111- يقول وعظمه يا محمد تعظيما فإنه
من قال إن لله- عز وجل- ولدا أو شريكا لم يعظمه. يقول: نزهه عن
هذه الخصال التي قالت النصارى واليهود والعرب «5» .
__________
(1) فى أ: لأنف، ل: لآناف.
(2) فى أ: «فأيما» .
(3) هكذا فى: أ، ل. [.....]
(4) فى أ: فيؤذوك، ل: فيؤذونك.
(5) النصارى واليهود والعرب: ساقطة من أ، وهي من ل.
(2/556)
|