تفسير مقاتل بن سليمان

سورة مريم

(2/609)


[سورة مريم (19) : الآيات 1 الى 98]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا (3) قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4)
وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7) قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8) قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً (9)
قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا (10) فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11) يَا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا (14)
وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا (17) قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا (19)
قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا (21) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا (22) فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا (23) فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24)
وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هارُونَ مَا كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29)
قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا (32) وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34)
مَا كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (36) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37) أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (38) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (39)
إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (40) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (41) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً (42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا (43) يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا (44)
يَا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا (45) قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46) قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا (47) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا (48) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنا نَبِيًّا (49)
وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (50) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا (51) وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا (52) وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا (53) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا (54)
وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (56) وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا (57) أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا (58) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)
إِلاَّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (60) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلاَّ سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62) تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا (63) وَما نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64)
رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65) وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66) أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً (67) فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا (69)
ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا (70) وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا (72) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (73) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً (74)
قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا حَتَّى إِذا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً (75) وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا (76) أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مَالا وَوَلَداً (77) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (78) كَلاَّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا (79)
وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينا فَرْداً (80) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (81) كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (82) أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83) فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (84)
يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً (85) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً (86) لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (87) وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا (89)
تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً (91) وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً (93) لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94)
وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً (95) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (96) فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا (97) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً (98)

(2/611)


سورة مريم «1» مكية كلها. إلا آية سجدتها فإنها مدنية «2» ، وهي ثمان وتسعون آية كوفى «3»
__________
(1) مقصود السورة مقصود السورة إجمالا ما يأتى:
وعد الله العباد بالكفاية والهداية، وإجابة دعاء زكريا والمنة عليه بولده يحيى، وإعطائه علم الكتاب، وذكر عجائب ولادة عيسى وأمه والخبر عن أحوال القيامة ونصيحة إبراهيم لآزر ومناظرة آزر له والإشارة إلى قربة موسى، وذكر صدق إسماعيل، وبيان رفعة درجة إبليس، وحكاية أهل الجنة، وذل الكفار فى القيامة، ومرور الخلق على عقبة الصراط، وابتلاء بعضهم بالعذاب والرد على الكفار فى افتخارهم بالمال وذل الأصنام، وعبادها فى القيامة، وبيان حال أهل الجنة والنار، وصعوبة قول الكفار فى جرأتهم على إثبات الولد والشريك للواحد القهار.
والمنة على الرسول بتيسير القرآن على لسانه وتهديد الكفار بعقوبة مثل عقوبة القرون الماضية فى قوله: هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً سورة مريم: 98.
مجموع فواصل آياتها (مدن) .
(2) هي الآية 58 من سورة مريم، وتمامها قوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا.
(3) وهو موافق لما فى مصحفنا على قراءة حفص الكوفي.

(2/619)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كهيعص- 1- كاف «1» هاد «2» عالم صادق.
هذا ثناء الرب- تبارك وتعالى- على نفسه يقول كافيا لخلقه هاديا لعباده، الياء من الهادي «3» ، عالم ببريته «4» ، صادق فى قوله- عز وجل-، ثم قال سبحانه:
ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ يعني نعمة ربك يا محمد عَبْدَهُ زَكَرِيَّا- 2- ابن برخيا وذلك أن الله- تعالى- ذكر «5» عبده زكريا بالرحمة إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا- 3- يقول إذ دعا ربه دعاء سرا، وإنما دعا ربه- عز وجل- سرا لئلا يقول الناس انظروا إلى هذا الشيخ الكبير يسأل الولد على كبره قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي يعني ضعف العظم مني وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً يعني بياضا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا- 4- يعني خائبا فيما خلا، كنت تستجيب لي فلا تخيبني في دعائي إياك بالولد وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً يقول خفت الكلالة وهم العصبة من بعد موتي أن يرثوا مالي فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا- 5- يعني من عندك ولدا «يَرِثُنِي» «6» يرث مالي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ابن ماثان علمهم ورياستهم فى الأحبار، وكان
__________
(1) فى أ: كافى، ل: كاف.
(2) فى أ: هادي، ل: هاد
(3) فى أ: هادي، ل: الهادي.
(4) فى أ: بريته، ل: ببريته.
(5) من أ، وفى ل: أنه ذكر.
(6) فى أ، ل: يرث.

(2/620)


يعقوب وعمران «أبو مريم» «1» أخوين ابنا ماثان ومريم ابنة عمران بن ماثان وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا- 6- يعني صالحا فاستجاب الله- عز وجل- لزكريا في الولد، فأتاه جبريل «2» وهو يصلي فقال: يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا- 7- لم يكن أحد من الناس فيما خلا يسمى يحيى، وإنما سماه يحيى لأنه «3» أحياه من بين شيخ كبير وعجوز عاقر فلما بشر ميتين بالولد «4» قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ يعني من أين يكون لي غلام وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً أيليشفع لا تلد وَقَدْ بَلَغْتُ أنا مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا- 8- يعني بؤسا وكان زكريا يومئذ ابن خمس وسبعين سنة قالَ له جبريل- عليه السلام-: كَذلِكَ يعني هكذا قالَ رَبُّكَ إنه ليكون لك غلام «هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ «5» » وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ أن تسألني الولد وَلَمْ تَكُ شَيْئاً- 9- قالَ زكريا: رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً يعني علما للحبل «6» فسأل الآية بعد مشافهة جبريل «7» قالَ جبريل- عليه السلام- آيَتُكَ «8» إذا جامعتها «9» على طهر فحبلت فإنك تصبح تلك الليلة لا تستنكر من
__________
(1) من ل، وليس فى: ا.
(2) فى أ: جبريل- عليهما السلام، ل: جبريل.
(3) هكذا فى أ، ل. والضمير عائد على الله- تعالى.
(4) هكذا فى أ، وفى ل: وإنما سمى يحيى لأنه أحياه من بين ميتين: شيخ كبير وعجوز عاقر.
(5) «هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ» : ساقط من أ، ل. وهو فى حاشية ا. [.....]
(6) قال: فى ازيادة. وليست فى ل.
(7) فى أ: جبريل- عليهما السلام، ل: جبريل.
(8) من ل. وفى أ: فقال «آيتك» .
(9) الضمير عائد على غير مذكور يفهم من سياق الكلام. والتقدير إذا جامعت زوجك.

(2/621)


نفسك خرسا ولا مرضا ولكن لا تستطيع الكلام «أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ «1» » ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا- 10- أنت فيهن سوي صحيح فأخذ بلسانه عقوبة حين سأل الآية بعد مشافهة جبريل- عليهما السلام- ولم يحبس الله- عز وجل- لسانه عن ذكره ولا عن الصلاة فَخَرَجَ زكريا عَلى قَوْمِهِ بني إسرائيل مِنَ الْمِحْرابِ يعني من المسجد فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا- 11-[222 ا] يقول كتب كتابا بيده وهو الوحي إليهم أن صلوا بالغداة والعشي يَا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ يعني التوراة بِقُوَّةٍ يعني بجد ومواظبة عليه «2» وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا- 12- يعني وأعطينا يحيى العلم والفهم وهو ابن ثلاث سنين وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا يقول رحمة من عندنا وَزَكاةً يعني جعله صالحا وطهره «3» من الذنوب وَكانَ تَقِيًّا- 13- يعني مسلما وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ
يقول وجعلناه مطيعا لوالديه وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً
يعني متكبرا عن عبادة الله- عز وجل- عَصِيًّا
- 14- يعنى ولا عاص لربه وَسَلامٌ عَلَيْهِ
يعني على يحيى- عليه السلام- يَوْمَ وُلِدَ
يعني حين ولد، مثل قوله سبحانه: فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ «4» يعني «حين» «5» خلق السموات، قال عيسى- صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا»
- يعني حين أموت وحين أبعث «وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ»
__________
(1) «أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ» : ليس فى أ، ولا فى ل.
(2) هكذا فى أ، ل. والضمير عائد على الكتاب.
(3) فى أ: وحوله، ل: وطهره. وفى حاشية أ: طهره محمد.
(4) سورة التوبة: 36.
(5) زيادة اقتضاها السياق. وحين: ليست فى أ، والجملة كلها: ليست فى ل.
(6) سورة مريم 33 وتمامها: «وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا» .

(2/622)


«وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا»
«1» - 15- يعنى حين يبعث بعد الموت وَاذْكُرْ
لأهل مكة فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ
يعني في القرآن ابنة عمران بن ماثان ويعقوب بن ماثان من نسل سليمان بن داود- عليهم السلام- إِذِ انْتَبَذَتْ
يعني إذ انفردت مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا
- 16- فجلست في المشرقة لأنه كان الشتاء فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً
يعني جبلا فجعلت الجبل بينها وبينهم فلم يرها أحد منهم كقوله في ص: حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ «2» يعني الجبل وهو دون ق بمسيرة سنة والشمس تغرب من ورائه فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا
يعني جبريل- عَلَيْهِ السَّلامُ- فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا
- 17- يعني إنسانا سويا يعني سوي الخلق على صورة شاب أمرد جعد الرأس فلما رأته حسبته إنسانا قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا
- 18- يعني مخلصا لله- عز وجل- تعبده قالَ
جبريل- عليه السلام- إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ
بأمر الله- عز وجل- غُلاماً زَكِيًّا
- 19- يعني مخلصا يقول صالحا.
قالَتْ مريم أَنَّى من أين يَكُونُ لِي غُلامٌ «3» وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ يعني ولم يكن لي زوج وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا- 20- يعني ولم أركب فاحشة قالَ جبريل- عليه السلام-: كَذلِكِ يعني هكذا قالَ رَبُّكِ إنه يكون لك ولد من غير زوج هُوَ عَلَيَّ على الله «4» هَيِّنٌ يعني يسير أن يخلق فى بطنك ولدا
__________
(1) ما بين القوسين ( ... ) : ساقط من أ، وهو: من ل.
(2) سورة ص: 32.
(3) فى حاشية أ: فى الأصل ولد. ولعله تفسير لغلام. وفى ل: ولد.
(4) فى أ، ل: «وهو على» الله. [.....]

(2/623)


من غير بشر وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً يقول ولكي نجعله عبرة لِلنَّاسِ يعني في بني إسرائيل وَرَحْمَةً يعني ونعمة مِنَّا لمن تبعه على دينه، مثل قوله- سبحانه-:
وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ «1» يعنى بالرحمة «2» نعمة لمن اتبعه «3» على دينه وَكانَ عيسى- صلى الله عليه- من غير بشر أَمْراً مَقْضِيًّا- 21- قد قضى الله- عز وجل- في اللوح المحفوظ أنه كائن لا بد «4» فَحَمَلَتْهُ [232 ب] أمه مريم- عليها السلام- وهي ابنة ثلاث عشرة سنة «5» ومكثت مع عيسى- عليه السلام- ثلاثا وثلاثين سنة وعاشت بعد ما رفع عيسى «6» ست سنين فماتت ولها اثنتان «7» وخمسون سنة فحملته أمه في ساعة واحدة وصور في ساعة واحدة وأرضعته في ساعة حين زالت الشمس من يومها وقد كانت حاضت حيضتين قبل «8» حمله فَانْتَبَذَتْ بِهِ يعني فانفردت بعيسى- صلى الله عليه وسلم- مَكاناً قَصِيًّا- 22- يعني نائيا من أهلها من وراء الحيل فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ يعني فألجأها ولم يكن لها سعف قالَتْ مريم: يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا الولد حياء من الناس، ثم قالت: وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا- 23- يعني كالشيء الهالك الذي لا يذكر فينسى فَناداها جبريل- عليه السلام- مِنْ تَحْتِها يعني من أسفل منها في الأرض وهي فوقه على رابية «9» وجبريل
__________
(1) سورة الأنبياء: 107.
(2) فى أ: بالترجمة، ل: بالرحمة.
(3) فى أ: تبعه، ل: اتبعه.
(4) هكذا فى أ، ل.
(5) فى أ، ل: ثلاثة عشر سنة.
(6) فى أ: عيسى- صلى الله عليه، ل: عيسى.
(7) فى أ، ل: اثنان.
(8) فى أ: قبله.
(9) فى أ: رأسه، ل: رابية، حميدية: رابية.

(2/624)


- عليه السلام «1» - يناديها بهذا «2» الكلام أَلَّا تَحْزَنِي ذلك حين تمنت الموت قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا- 24- يعني الجدول الصغير من الأنهار وقال جبريل- عليه السلام- لها: «وَهُزِّي إِلَيْكِ» «3» يعني وحركي إليك بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا- 25- يعني بالجني ما ترطب به من البسر وكانت شجرة يابسة فاخضرت وهي تنظر، وحملت الرطب مكانها وهي تنظر، ثم نضجت وهي تنظر، ثم أجرى الله- عز وجل- لها نهرا من الأردن حتى جاءها فكان بينهما وبين جبريل- عليه السلام- وهذا كلام جبريل لها وإنما جعل الله- عز وجل- ذلك لتؤمن بأمر عيسى- صلى الله عليه- ولا تعجب منه.
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، قَالَ: حدثني أبي، قال: حدثنا الهذيل، قال: قال مُقَاتِلُ: وَأُخْبِرْتُ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ:
«إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً» يَعْنِي صَمْتًا. فَكُلِي من النخلة وَاشْرَبِي من الماء العذب وَقَرِّي عَيْناً بالولد فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً يعنى صمتا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا- 26- فى عيسى- صلى الله عليه- فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها بالولد تَحْمِلُهُ إلى بني إسرائيل في حجرها ملفوفا في خرق قالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا- 27- يقول أتيت أمرا منكرا يَا أُخْتَ هارُونَ الذي هو أخو موسى.
__________
(1) فى أ، ل، حميدية: زيادة: على هبطة. وفى حاشية أ: على هضبة. وفى البيضاوي:
«فَناداها مِنْ تَحْتِها» عيسى وقيل جبريل كان يقبل الولد. وقيل تحتها أسفل من مكانها.
(2) فى الأصل: بعد.
(3) فى أ، ل: «هزي» .

(2/625)


حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي عن الْهُذَيْلِ، قَالَ: قَالَ مُقَاتِلُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّمَا عَنَوْا هَارُونَ أَخَا مُوسَى لأَنَّهَا كَانَتْ مِنْ نَسْلِهِ.
مَا كانَ أَبُوكِ عمران امْرَأَ سَوْءٍ يعنى بزان كقوله [223 ا] سبحانه-: مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً «1» يعني الزنا، وكقوله- سبحانه-:
مَا عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ «2» وكان عمران من عظماء بني إسرائيل وَما كانَتْ أُمُّكِ حنة بَغِيًّا- 28- بزانية فمن أين هذا الولد؟ فَأَشارَتْ إِلَيْهِ يعني إلى ابنها عيسى- صلى الله عليه- أن كلموه «قالُوا» «3» قال قومها: كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ يعني من هو فِي الْمَهْدِ يعني في حجر أمه ملفوفا في خرق صَبِيًّا- 29- فدنا زكريا من الصبي، فقال تكلم يا صبي بعذرك إن كان لك عذر ف قالَ الصبي وهو يومئذ ولد «4» إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ وكذبت النصارى فيما يقولون فأول ما «5» تكلم به «6» الصبي أنه «7» أقر لله «8» بالعبودية آتانِيَ الْكِتابَ يعني أعطاني الإنجيل فعلمنيه وَجَعَلَنِي نَبِيًّا- 30- وَجَعَلَنِي مُبارَكاً يعني معلما مؤدبا في الخير أَيْنَ ما كُنْتُ من الأرض وأوصانى ب إقامة الصلاة وإيتاء الزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا- 31- وَبَرًّا بِوالِدَتِي يقول وأوصانى أن
__________
(1) سورة يوسف: 25.
(2) سورة يوسف: 51. [.....]
(3) فى أ: (قال) وفى حاشية أ: الآية «قالوا» .
(4) هكذا: فى أ، ل. والأنسب: وليد.
(5) فى أ: من، وفى ل: ما.
(6) به: من أ، وليست فى ل.
(7) أنه: من ل، وليست فى ا.
(8) فى أ: لله- عز وجل، ل: لله.

(2/626)


أكون برا بوالدتي يعني مطيعا لأمي مريم وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً يعني متكبرا عن عبادة الله شَقِيًّا- 32- يعني عاصيا لله- عز وجل- وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ فلما ذكر الوالدة ولم يذكر الوالد ضمه زكريا إلى صدره، وقال: أشهد أنك عبد الله ورسوله، «وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ» يعني حين ولدت وَيَوْمَ أَمُوتُ يعني وحين أموت وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا- 33- يعني وحين أبعث حيا بعد الموت في الآخرة، ثم لم يتكلم بعد ذلك حتى كان بمنزلة غيره من الصبيان فلما قال: «وَبَرًّا بِوالِدَتِي» ضمه زكريا. يقول الله- عز وجل-: ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ يعنى هذا عيسى بن مريم قول العدل يعني الصدق الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ- 34- يعني الذي فيه يشكون في أمر عيسى- صلى الله عليه- وهم النصارى مَا كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ يعنى عيسى- صلى الله عليه- سُبْحانَهُ نزه نفسه- عز وجل- إِذا قَضى أَمْراً كان في علمه يعني عيسى- صلى الله عليه- فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ- 35- مرة واحدة لا يثني القول فيه مرتين.
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي عن الْهُذَيْلِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُقَاتِلٌ عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابن عباس أنه قال: كن فيكون بِالْفَارِسِيَّةِ: لا يُثَنِّي الْقَوْلَ مَرَّتَيْنِ، إِذَا قَالَ مَرَّةً كَانَ.
ثم قال عيسى- صلى الله عليه- لبني إسرائيل: وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ يعني فوحدوه هَذَا التوحيد صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ- 36- يعني دين الإسلام مستقيم وغير دين الإسلام أعوج ليس بمستقيم فَاخْتَلَفَ

(2/627)


الْأَحْزابُ
[332 ب] يعني النصارى «مِنْ بَيْنِهِمْ» «1» تحزبوا في عيسى- صلى الله عليه- ثلاث فرق النسطورية قالوا عيسى ابن الله- وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً «2» والمار يعقوبية قالوا عيسى هو الله- سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ «3» والملكانيون قالوا: إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ «4» .
يقول الله: «وحده لا شريك له «5» » : فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا يعني تحزبوا في عيسى- صلى الله عليه- مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ- 37- لديه، يعني يوم القيامة «6» أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يقول هم يوم القيامة «7» أسمع قوم «8» وأبصر بما كانوا فيه من الوعيد وغيره يَوْمَ يَأْتُونَنا في الآخرة، فذلك قوله- سبحانه-:
رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ «9» ، ثم قال سبحانه: لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ- 38- يعني المشركين اليوم في الدنيا في ضلال مبين فلا يسمعون اليوم، ولا يبصرون ما يكون في الآخرة وَأَنْذِرْهُمْ يعني كفار مكة يَوْمَ الْحَسْرَةِ يوم يذبح الموت كأنه كبش أملح.
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ الْهُذَيْلِ، عَنْ مُقَاتِلٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: يُجْعَلُ الْمَوْتُ فِي صُورَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ،
__________
(1) «مِنْ بَيْنِهِمْ» : ساقطة من أ، ل.
(2) «تَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً» : من أ، وليس فى ل. والآية رقم 43 من سورة الإسراء.
(3) «سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ» : من أ، وليس: فى ل، الآية رقم 43 من سورة الإسراء.
(4) سورة المائدة: 73.
(5) فى أ: يقول الله- وحده لا شريك له-، ل: يقول الله.
(6) فى أ: يعنى لشدته يوم القيامة، ل: لديه، يعنى يوم القيامة.
(7) من أ، وفى ل: هم يومئذ يوم القيامة.
(8) فى أ: قوما، ل: قوم. [.....]
(9) سورة السجدة: 12.

(2/628)


فَيَذْبَحُهُ جِبْرِيلُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَيُقَالُ لأَهْلِ الْجَنَّةِ خُلُودٌ فَلا مَوْتَ فِيهَا «1» . وَلأَهْلِ النَّارِ خُلُودٌ فَلا مَوْتَ فِيهَا «2» ، فَلَوْلا مَا قَضَى اللَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ- عَلَى أَهْلِ النَّارِ مِنْ تَعْمِيرِ «3» أَرْوَاحِهِمْ فِي أَبْدَانِهِمْ لَمَاتُوا مِنَ الْحَسْرَةِ- ثم قال سبحانه: إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ يعني إذا قضي العذاب وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ اليوم وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ- 39- يعني لا يصدقون بما يكون في الآخرة إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها يعني نميتهم ويبقى الرب- جل جلاله- ونرث أهل السماء وأهل الأرض، ثم قال- سبحانه-: وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ- 40- يعني في الآخرة بعد الموت وَاذْكُرْ يا محمد لأهل مكة فِي الْكِتابِ يعني في القرآن أمر إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً يعني مؤمنا بالله تعالى نَبِيًّا- 41- مثل قوله سبحانه: وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ «4» يعني مؤمنة إِذْ قالَ لِأَبِيهِ
آزر يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ
الصوت وَلا يُبْصِرُ
شيئا يعني الأصنام وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً
- 42- في الآخرة يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ يعنى البيان ما لَمْ يَأْتِكَ يعني ما يكون من بعد الموت فَاتَّبِعْنِي على ديني أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا- 43- يعني طريقا عدلا يعني دين الإسلام يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ يعني لا تطع «5» الشيطان في العبادة إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا- 44- يعني عاصيا ملعونا يَا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ يعني أن يصيبك عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ في الآخرة
__________
(1) فيها: ساقطة من أ، ومن حميدية، وهي فى ل.
(2) فى ل: خلود لا موت فيها، ا، ح: فلا موت فيها.
(3) فى أ: تغميم، ل: تعمير.
(4) سورة المائدة: 75.
(5) فى أ: لا تطبع، ل: لا تطع.

(2/629)


فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا- 45- يعنى قريبا فى [234 ا] الآخرة فرد عليه أبوه ف قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ يعني لئن لم تسكت لأشتمنك وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا- 46- يعني أيام حياتك ويقال طويلا واعتزلني وأطل هجراني وكل شيء في القرآن لأرجمنك يعني به القتل غير هذا.
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ مُقَاتِلٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَاعْتَزِلْنِي سَالِمَ الْعِرْضِ لا يُصِيبُكَ مِنِّي مَعَرَّةٌ قالَ إِبْرَاهِيمُ: سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا- 47- يَعْنِي لَطِيفًا رَحِيمًا وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ «وأعتزل ما تعبدون» «1» من دون الله «من» «2» الآلهة فكان اعتزاله إياهم أنه فارقهم من كوثا فهاجر منها إلى الأرض المقدسة، ثم قال إبراهيم: وَأَدْعُوا رَبِّي في الاستغفار لك عَسى أَلَّا «3» أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا- 48- يعني خائبا بدعائي لك بالمغفرة فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَواعتزل ما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ من الآلهة وهي الأصنام وذهب مهاجرا منها وَهَبْنا لَهُ بعد الهجرة إلى الأرض المقدسة إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنا نَبِيًّا- 49- يعنى إبراهيم، وإسحاق، يعقوب وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا يعني من نعمتنا وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا- 50- يعني ثناء حسنا رفيقا يثني عليهم جميع أهل الأديان بعدهم وَاذْكُرْ لأهل مكة فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً يعنى مسلما موحدا وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا- 51-
__________
(1) فى أ، ل: واعتزل قوما تعبدون.
(2) «من» : زيادة اقتضاها المقام ليست فى أ، ل.
(3) فى أ: أن لا.

(2/630)


وَنادَيْناهُ يعني دعوناه ليلة الجمعة مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ يعني من ناحية الجبل وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا- 52- يعني كلمناه من قرب وكان بينهما حجاب خفي سمع صرير القلم ويقال صريف القلم وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا- 53- فوهب الله- عز وجل- له أخاه هارون وذلك حين «1» سأل موسى- عليه السلام- ربه- عز وجل- فقال- وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي «2» وحين قال فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ «3» وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ يعني واذكر لأهل مكة فى القرآن أمر إِسْماعِيلَ بن إبراهيم لصلبه إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وذلك أن إسماعيل- عليه السلام- وعد رجلا أن يقيم مكانه حتى يرجع إليه. فأقام ثلاثة أيام للميعاد حتى رجع الرجل إليه وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا- 54- وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ كقوله- سبحانه- فى طه: وَأْمُرْ أَهْلَكَ «4» يعني قَوْمَكَ بِالصَّلاةِ وفي قراءة ابن مسعود «وكان يأمر قومه بالصلاة» وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا- 55- وَاذْكُرْ لأهل مكة فِي الْكِتابِ يعني القرآن إِدْرِيسَ وهو جد أبي نوح واسمه أخنوخ- عليه السلام-[234 ب] إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً يعني مؤمنا بتوحيد الله- عز وجل- نَبِيًّا- 56- وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا- 57- يعني في السماء الرابعة، وفيها مات وذلك حين دعا للملك الذي يسوق الشمس «5» أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بالنبوة مِنَ النَّبِيِّينَ
__________
(1) فى أ: أن حين، ل: حين.
(2) سورة طه: 29- 30.
(3) سورة الشعراء: 13.
(4) سورة طه: 132.
(5) من ل، وفى أ: وذلك حين دعا ربه الملك الذي يسوقه الشمس. [.....]

(2/631)


يعني هؤلاء «1» الذين سموا في هؤلاء الآيات مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ «2» ثم إدريس وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ في السفينة يقول ومن ذرية من حملنا مع نوح في السفينة وهو إبراهيم وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب وَمن ذرية إِسْرائِيلَ وهو يعقوب، وموسى، وهارون، وَمِمَّنْ هَدَيْنا للإسلام وَاجْتَبَيْنا واستخلصنا للرسالة والنبوة إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ يعني إذا قرئ عليهم كلام الرحمن يعني القرآن خَرُّوا سُجَّداً على وجوههم وَبُكِيًّا- 58- يعني يبكون نزلت في مؤمني أهل التوراة عبد الله بن سلام وأصحابه نظيرها في بني إسرائيل يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً «3» ، وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ «4» فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ يعني من بعد النبيين خلف السوء يعني اليهود، فهذا مثل ضربه الله- عز وجل- لأمة محمد- صلى الله عليه وسلم- يقول: ولا تكونوا خلف السوء مثل اليهود، ثم نعتهم فقال- سبحانه-: أَضاعُوا الصَّلاةَ يعني أخروها عن مواقيتها وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ يعني الذين استحلوا تزويج بنت الأخت من الأب نظيرها في النساء الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ «5» يعنى الزنا فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا- 59- في الآخرة وهو واد في جهنم إِلَّا مَنْ تابَ من الشرك وَآمَنَ بمحمد- صلى الله عليه وسلم- يعني وصدق بتوحيد الله- عز وجل- وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ يعنى ولا ينقضون شَيْئاً- 60- من أعمالهم
__________
(1) فى ل: هؤلاء، ا: بهؤلاء.
(2) فى أ: فهو، ل: ثم.
(3) سورة الإسراء: 107.
(4) سورة الإسراء: 109.
(5) سورة النساء: 27.

(2/632)


الحسنة حتى يجازوا بها فيجزيهم ربهم جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ المؤمنين على ألسنة الرسل في الدنيا بِالْغَيْبِ ولم يروه إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا- 61- يعني جائيا لا خلف له لا يَسْمَعُونَ فِيها يعني في الجنة لَغْواً يعني الحلف إذا شربوا الخمر يعني لا يحلفون كما يحلف أهل الدنيا إذا شربوا.
نظيرها في الواقعة «1» ، وفي الصافات، ثم قال: إِلَّا سَلاماً يعني سلام الملائكة عليهم فيها وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا- 62- يعني بالرزق الفاكهة على مقدار طرفي النهار في الدنيا، ثم أخبر عنهم فقال سبحانه: تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا- 63- يعني مخلصا لله- عز وجل- وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ وذلك
أن جبريل- عليه السلام- احتبس على «2» النبي- صلى الله عليه وسلم- أربعين يوما، ويقال ثلاثة أيام فقال مشركو «3» مكة [235 أ] : قد ودعه ربه وقلاه. فلما نزل جبريل- عليه السلام- قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: يا جبريل ما جئت حتى اشتقت إليك.
قال: وأنا إليك كنت أشد شوقا.
ونزل في قولهم وَالضُّحى، وَاللَّيْلِ إِذا سَجى، أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ ... جميعا «4» . وقال جبريل- عليه السلام-: «وَما نَتَنَزَّلُ» من السماء «إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ» ، لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينا من أمر الآخرة وَما خَلْفَنا من أمر الدنيا وَما بَيْنَ ذلِكَ يعني ما بين الدنيا والآخرة، يعني ما بين النفختين وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا- 64- لقول كفار مكة نسيه ربه وقلاه، يقول: لم ينسك ربك يا محمد رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعنى
__________
(1) سورة الواقعة: 25 وتمامها لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً.
(2) هكذا فى أ، ل، والأنسب: عن.
(3) فى أ: مشركي، مشركو. وأمام الواو ألف.
(4) أى نزلت سورة الضحى، وألم نشرح لك، جميعهما، للرد على المشركين.

(2/633)


والأرضين وَما بَيْنَهُما من الخلق فَاعْبُدْهُ يعني فوحده وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ يقول واصبر على توحيد الله- عز وجل- ولا تعجل حتى يأتيك أمري، ثم قال للنبي- صلى الله عليه وسلم-: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا- 65- يقول- جل جلاله- هل تعلم من الآلهة من شيء «1» اسمه الله- عز وجل-، لأن الله- تعالى ذكره- يمنعهم من ذلك. «وَيَقُولُ الْإِنْسانُ وهو أبى بن خلف الجمحي أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا- 66- من الأرض بعد الموت «2» » يقول ذلك تكذيبا بالبعث «3» .
يقول الله- عز وجل- يعظه ليعتبر أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ يقول أو لا يتذكر الإنسان في خلق نفسه أَنَّا خَلَقْناهُ أول مرة يعني أول خلق خلقناه «مِنْ قَبْلُ «4» » وَلَمْ يَكُ شَيْئاً- 67- فأقسم الرب- عز وجل- ليبعثنهم فى الآخرة فقال: فَوَ رَبِّكَ يا محمد لَنَحْشُرَنَّهُمْ يعني لنجمعنهم وَالشَّياطِينَ معهم الذين أضلوهم في الآخرة ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ يعني في جهنم جِثِيًّا- 68- يعني جميعا على الركب ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ يقول لنخرجن ثم نبدأ بهم من كل ملة أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا- 69- يعني عتوا في الكفر يعني القادة فيعذبهم في النار ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا- 70-
__________
(1) فى أ: شيئا، ل: شيء، تعلم من أخوات ظن تنصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر، إذا كانت بمعنى اعلم فإن كانت بمعنى تعلم الحساب ونحوه تعدت لواحد (منهج السالك إلى ألفية ابن مالك) : 182.
(2) تفسير الآية 66: ساقط من أ، وهو من ل.
(3) فى ل: بالبعث، ا: بالبعث أنه لا يبعث.
(4) «من قبل» : ساقطة من أ، ل.

(2/634)


يعني من هو أولى بها يعني القادة فى الكفر وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها يعني وما منكم أحد إلا داخلها يعني جهنم البر والفاجر.
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ: حدثني أبي، قال: حَدَّثَنَا الْهُذَيْلُ عَنْ مُقَاتِلٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ الأَزْرَقِ: أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنِ الْوُرُودِ فَقَالَ:
يَا نَافِعُ، أَمَّا أَنَا وَأَنْتَ فَنَدْخُلُهَا فَانْظُرْ هَلْ نَخْرُجُ مِنْهَا أَمْ لا «1» .
حَدَّثَنَا عبيد الله قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الهذيل عن مقاتل، عن الضحاك، عن ابن عَبَّاسٍ قَالَ: لِلْوُرُودِ «2» . فِي الْقُرْآنِ أَرْبَعَةُ «3» مَوَاضِعَ يَعْنِي بِهِ الدُّخُولَ.
وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها «4» يعنى داخلها.
فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ «5» يَعْنِي فَأَدْخَلَهُمْ.
حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ «6» يَعْنِي دَاخِلُونَ.
لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوها «7» يعنى ما دخلوها.
__________
(1) فى حاشية أ: وهذا كما أشار إليه بعضهم فقال: إنّى خائف لأنه- تعالى- ذكر الورود ولم يذكر الصدور وهذا وإن لم يذكر فى الآية هذه فهو مأخوذ من آيات أخر، وأحاديث كثيرة، بعدم خلود الموحدين ولو كانوا من أصحاب الكبائر.
وإنما قال هذا من قاله خوفا من سوء العاقبة، ظهر للكاتب. [.....]
(2) فى أ: للورود، ل: الورود.
(3) فى أ: أربع، ل: أربعة.
(4) سورة مريم: 71.
(5) سورة هود: 98.
(6) سورة الأنبياء: 98.
(7) سورة الأنبياء: 99.

(2/635)


حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، قال: حدثني الهذيل عن مقاتل، قال:
[234 ب] يجعل الله النار على المؤمنين يومئذ بردا وسلاما، كما جعلها على إبراهيم- عليه السلام-، فذلك قوله- عز وجل- كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا- 71- قال قضاء واجبا قد قضاه في اللوح المحفوظ، أنه كائن لا بد غير الأنبياء- عليهم السلام- فتكون على المؤمنين بردا وسلاما ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا الشرك منها يعني أهل التوحيد فنخرجهم منها وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ يعني المشركين فِيها يعني في جهنم جِثِيًّا- 72- على الركب وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا يعني القرآن بَيِّناتٍ يعني واضحات قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا وهم النضر بن الحارث بن علقمة وغيره لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وذلك أنهم لبسوا أحسن الثياب، ودهنوا الرءوس، ثم قالوا للمؤمنين أي الفريقين نحن أو أنتم خير يعني أفضل مقاما للمساكن من مساكن «1» مكة ومثله في حم الدخان وَمَقامٍ كَرِيمٍ «2» يعني ومساكن طيبة وَأَحْسَنُ نَدِيًّا- 73- يعني مجالسا، كقوله سبحانه: وَتَأْتُونَ «3» فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ «4» يعني في مجالسكم يقول الله- عز وجل- يخوفهم: وَكَمْ أَهْلَكْنا بالعذاب في الدنيا قَبْلَهُمْ قبل أهل مكة مِنْ قَرْنٍ يعني أمة كقوله- عز وجل-:
أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ «5» يعنى الأمم الخالية هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً يعنى ألين متاعا
__________
(1) فى أ، ل: للمساكين وهو تحريف.
(2) سورة الدخان: 26، وتمامها: «وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ» .
(3) فى أ: تأتون.
(4) سورة العنكبوت: 29.
(5) سورة يونس الآية 13 وتمامها «وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ» .

(2/636)


وَرِءْياً- 74- وأحسن منظرا من أهل مكة فأهلك الله- عز وجل- أموالهم وصورهم قُلْ لهم مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ يعني من هو في الشرك فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا في الخير لقولهم للمؤمنين «أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً» حَتَّى إِذا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ في الدنيا يعني القتل ببدر وَإِمَّا السَّاعَةَ يعني القيامة فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً يعني شر منزلا وَأَضْعَفُ جُنْداً- 75- يعني وأقل فئة هم أم المؤمنون وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً من الضلالة يعني يزيدهم إيمانا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ وهي أربع كلمات: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، من قالها فهو خَيْرٌ يعني أفضل عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَالآخرة خَيْرٌ مَرَدًّا- 76- يعني أفضل مرجعا من ثواب الكافر «1» النار ومرجعهم إليها. أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا آيات القرآن نزلت في العاص بن وائل بن هشام بن سعد بن سعيد بن عمرو بن هصيص بن كعب ابن لؤي السهمي وذلك أن خباب بن الأرت صاغ له شيئا «2» من الحلي. فلما طلب منه الأجر قال لخباب- وهو مسلم حين طلب أجر الصياغة-: ألستم تزعمون أن في الجنة الحرير والذهب والفضة وولدان «3» [236 ا] مخلدون. قال خباب ابن الأرت: نعم. قال العاص: فميعاد ما بيننا الجنة. وَقالَ «4» لَأُوتَيَنَّ في الجنة يعني في الآخرة مَالا وَوَلَداً- 77- أفضل مما أوتيت في الدنيا،
__________
(1) فى أ، ل: الكافر. والأنسب الكافرين.
(2) فى أ: شيء، ل: شيئا.
(3) فى أ: الولدان، ل: وولدان. [.....]
(4) فى أ، ل: ثم «قال» .

(2/637)


فأقضيك في الآخرة يقول ذلك مستهزئا لأنه «1» لا يؤمن بما في القرآن من الثواب والعقاب يقول الله- تعالى-: أَطَّلَعَ على الْغَيْبَ يعني العاص حين يقول أنه «2» يعطى في الآخرة ما يعطى المؤمنون أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً- 78- يقول أم اعتقد عند الرحمن التوحيد كَلَّا لا يعطى العاص ما يعطي المؤمنون، ثم استأنف فقال سبحانه: سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ يعنى من الحفظة من الملائكة تكتب ما يقول العاص أنه يعطى ما يعطى المؤمنون في الجنة، وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا- 79- يعني الذي لا انقطاع له وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ أنه يعطى في الجنة ما يعطى المؤمنون فنرثه عنه ويعطاه غيره، ثم قال- سبحانه-:
وَيَأْتِينا فَرْداً- 80- العاص في الآخرة ليس معه شيء من دنياه. ثم ذكر كفار مكة العاص، والنضر، وأبا جهل، وغيرهم فقال سبحانه: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً يعني اللات، والعزى، ومناة، وهبل، لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا- 81- يعني منعا يمنعونهم من الله- عز وجل- نظيرها في يس وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ «3» يعني يمنعون، يقول الله- عز وجل-: كَلَّا لا تمنعهم الآلهة من الله، ثم استأنف فقال: سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ يقول ستبرأ الآلهة في الآخرة من كل من كان يعبدها في الدنيا وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا- 82- يقول تكون آلهتهم يومئذ لهم أعداء، كقوله سبحانه: لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ «4» يعنى للناس، وكقوله
__________
(1) فى أ: بالآية، ل: لأنه.
(2) فى أ: «يعطا» ، بالألف.
(3) سورة يس: 74.
(4) سورة البقرة: 143.

(2/638)


سبحانه: وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ «1» يعني للنصب أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ يعني المستهزئين من قريش حين قال سبحانه لإبليس وهو الشيطان وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ ... «2» يعني بدعائك إلى آخر الآية، ثم قال سبحانه: تَؤُزُّهُمْ أَزًّا- 83- يعني تزعجهم إزعاجا وتغريهم إغراء تزين لهم الذي هم عليه من الشرك ويقول إن الأمر الذي أنتم عليه لأمر حق فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ يقول للنبي- صلى الله عليه وسلم- فلا تستعجل لهم بالعذاب إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ آجالهم عَدًّا- 84- يعني الأنفاس ثم ننزل بهم العذاب يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ الشرك يعنى الموحدين إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً- 85- على النجائب على رحلاتها «3» منابر «4» الحضر وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً- 86- يرونها فى الدخول [236 ب] وهم عطاش لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ يقول لا تقدر الملائكة «5» على الشفاعة لأحد، ثم استثنى فقال: إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً- 87- يعني إلا من اعتقد التوحيد عند الرحمن- جل جلاله- وهي شهادة ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً- 88- من الملائكة حين قالوا إنهن بنات الله- تعالى- منهم النضر ابن الحارث، يقول الله- عز وجل-: لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا- 89- يقول قلتم قولا عظيما نظيرها في بني إسرائيل: إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيماً «6» حين
__________
(1) سورة المائدة: 3.
(2) سورة الإسراء: 64.
(3) فى أ: رحالتها، ل: رحلاتها.
(4) فى أ: المياثر الخضر، ل: منابر الحضر.
(5) فى أ، ل: المليكة.
(6) سورة الإسراء: 40.

(2/639)


قالوا الملائكة بنات الرحمن- عز وجل- تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ يعني مما قالوا أن الملائكة بنات الرحمن وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ من أطرفها وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا- 90- يعني وقعا «1» وإنما ذكر السموات، والأرض، والجبال لعظمهن وشدتهن، مما قالوا من البهتان أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً- 91- أن قالوا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً- 92- إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ من الملائكة وغيرهم وعزير، وعيسى، ومريم، وغيرهم فهؤلاء في الأرض إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً- 93- يقول إلا وهو مقر له بالعبودية لَقَدْ أَحْصاهُمْ يقول أحصى أسماءهم في اللوح المحفوظ وَعَدَّهُمْ عَدًّا- 94- يقول- سبحانه- علم عددهم وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يقول وكل من فيهما «2» جائيه في الآخرة يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً- 95- يعني وحده ليس معه من دنياه شيء إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا- 96- يقول يجعل محبتهم في قلوب المؤمنين فيحبونهم فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ يقول فإنما بيناه على لسانك يا محمد يعني القرآن لِتُبَشِّرَ بِهِ يعني بما في القرآن الْمُتَّقِينَ الشرك يعني الموحدين وَتُنْذِرَ بِهِ يعني بما في القرآن من الوعيد قَوْماً لُدًّا- 97- يعنى جدلاء خصماء بالبطل نظيرها فى البقرة وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ «3» يعني جدلا خصما بالباطل: الأخنس بن شريق ثم خوف كفار مكة فقال- سبحانه-:
__________
(1) فى أ، ل: وقعا. والأنسب: وقوعا.
(2) فى أ، ل: فيها.
(3) سورة البقرة: 204 وتمامها: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ» . [.....]

(2/640)


وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ يعني بالعذاب في الدنيا مِنْ قَرْنٍ يعني قبل كفار مكة من أمة هَلْ تُحِسُّ يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- يقول هل ترى مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً- 98- يعني صوتا يحذر بمثل عذاب الأمم الخالية لئلا يكذبوا محمدا- صلى الله عليه وسلم.
آخر الجزء الأول من تفسير مقاتل بن سليمان.
يليه «1» فى أول الجزء الثاني أول سورة طه.
__________
(1) نسخة ل (كوبريلى) نسخة متصلة ليس فيها جزء أول وثان.
أما نسخة ا (أحمد الثالث) فجزءان. جزء أول من أول القرآن إلى آخر سورة مريم. والثاني من سورة طه إلى القرآن.
وقد جاء فى آخر الجزء الأول من نسخة أ (أحمد الثالث) فى الحاشية ما يأتى:
والحمد لله رب العالمين. نقلت هذا الجزء من نسخة المحمودية بالقاهرة المحروسة وليس فيها بل ولا فى غيرها القرآن مميزا بالأحمر، وإن وجد فنادر فرأيت تميزه عن التفسير لتسهل مراجعته، وما كان فيه التقدير بارز بين المعطوفات، كما فى قوله تعالى فى سورة مريم- وقد مر قريبا- «خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَ» الآخرة «خَيْرٌ مَرَدًّا» فإن كان صوابا فمن فضل الله، وإن كان غير ذلك فليصلح بالأسود، وفيه أيضا مواضع القرآن فيها متروك فربما ظن ظان أنه سقط من الكاتب. وقد كتبت بعض ذلك على الهامش فليعلم، والحمد لله وحده.
وكتبه العبد الفقير محمد أحمد عمر السنبلاوينى الشافعي مذهبا. الأشعرى معتقدا بالقاهرة المحروسة غفر الله له، ولوالديه ولجميع المسلمين آمين.
وكان الفراغ من تعلقته يوم الإثنين المبارك خامس عشر ذى الحجة الحرام سنة ست وثمانمائة وحسبنا الله ونعم الوكيل.
أقول، ومن هذا التعليق نعرف أن كاتب نسخة أحمد الثالث محمد أحمد عمر. قد ميز القرآن بالخط الأحمر.
تفسير مقاتل- 41

(2/641)


__________
ونعرف كذلك أن النسخة الأصلية- وهي نسخة المحمودية- كانت خلوا من هذا التمييز.
وفى مواضع متعددة تجد القرآن قد أدمج فى التفسير وسبك به من غير تميز للقرآن فكان الكاتب كتبه على ذلك فى الحاشية حينا ويترك التنبيه أحيانا. وقد وضحت كل هذا أثناء التحقيق والحمد لله.
كما نعرف أن القرآن كان يختلط بغيره فى النسخة الأصلية- التي نقل عنها الناسخ. فعمد الناسخ إلى إظهار القرآن وتميزه عن المقدر بين المعطوفات. مثل «خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَ» الآخرة «خَيْرٌ مَرَدًّا» فقد كانت كلمة الآخرة تختلط بالقرآن. فميزها.
تم الجزء الثاني من تفسير مقاتل بن سليمان ويليه الجزء الثالث وأوله تفسير سورة طه

(2/642)