تفسير مقاتل بن سليمان

سورة النّمل

(3/285)


[سورة النمل (27) : الآيات 1 الى 93]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ (1) هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (3) إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (4)
أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (5) وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6) إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها وَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (8) يَا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9)
وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) إِلاَّ مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11) وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (12) فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14)
وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ (19)
وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ (24)
أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26) قالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ (27) اذْهَبْ بِكِتابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ماذا يَرْجِعُونَ (28) قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ (29)
إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (30) أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33) قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ (34)
وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35) فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ (37) قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39)
قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ (41) فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) وَصَدَّها مَا كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ (43) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها قالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (44)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ (45) قالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46) قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47) وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (48) قالُوا تَقاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (49)
وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (53) وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54)
أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55) فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56) فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ (57) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (58) قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59)
أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ مَا كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (61) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ تَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (64)
قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65) بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ (66) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ (67) لَقَدْ وُعِدْنا هَذَا نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (68) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69)
وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (70) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (71) قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72) وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (73) وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ (74)
وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (75) إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (78) فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79)
إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80) وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (81) وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ (82) وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83) حَتَّى إِذا جاؤُ قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (84)
وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ (85) أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86) وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ (87) وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ (88) مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (89)
وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (90) إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93)

(3/287)


سورة النمل «1» سورة النمل مكية.
وهي ثلاث وتسعون آية كوفية «2» .
__________
(1) المقصود الإجمالى لسورة النمل تضمنت سورة النمل المعاني الآتية:
بيان شرف القرآن، ومدح المؤمنين، وذم المشركين والإشارة إلى ذكر الوادي المقدس، وموسى ابن عمران وذكر خبر داود وسليمان، وفضل الله- تعالى- عليهما بتعليمهما منطق الطير وسائر الحيوان، وقصة النمل، وذكر الهدهد وخير بلقيس، ورسالة الهدهد إليها من سليمان، ومشاورتها أركان الدولة، وبيان أثر الملوك إذا نزلوا فى مكان، وإهداء بلقيس إلى سليمان وتهديده لها، ودعوة آصف لإحضار تخت بلقيس فى أسرع وقت، وتغيير حال العرش لتجربتها، وإسلامها على يدي سليمان، وحديث صالح، ومكر قومه فى حقه، وطرف من حديث قوم لوط أولى الطغيان، والبرهان فى الحدائق، والأشجار، والبحار، والأنهار، وإجابة الحق دعاء أهل التضرع، والابتهال إلى الرحمن، وهداية الله الخلق فى ظلمات البر، والبحر، واطلاع الحق- تعالى- على أسرار الغيب، وتسلية الرسول- صلّى الله عليه وسلم- فى إعراض المنكرين من قبول القرآن، وقبول الإيمان وخروج الدابة، وظهور علامة القيامة، والإخبار عن حال الجبال فى ذلك اليوم، وبيان جزاء المجرمين وإعراض الرسول عن المشركين، وإقباله على القرآن الكريم، وأمر الله له بالحمد على إظهار الحجة أعنى القرآن فى قوله «وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ ... » : 3.
وسميت سورة النمل لاشتمالها على حديث النملة عن سليمان فى قوله: «حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ....» : 18.
(2) فى أ: وهي ثلاث وسبعون آية كوفية: وهو تصحيف، فكتب علوم القرآن تذكر أنها ثلاث وتسعون فى عد الكوفة: وخمس وتسعون فى عدا الحجاز، وأربع وتسعون فى عد الشام.
انظر بصائر ذوى التمييز للفيروزآبادي: 348.
وفى المصحف (27) سورة النمل مكية، وآياتها 93 نزلت بعد سورة الشعراء. [.....]

(3/295)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ- 1- يعني بين ما فيه من أمره ونهيه هُدىً يعني بيان من الضلالة لمن عمل به وَبُشْرى لما فيه من الثواب لِلْمُؤْمِنِينَ- 2- يعني للمصدقين بالقرآن بأنه مِنَ اللَّه- عَزَّ وَجَلّ، ثم نعتهم فقال- سبحانه- الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ يعني يتمون الصلاة المكتوبة وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ يعني ويعطون الزكاة المفروضة وَهُمْ بِالْآخِرَةِ يعني بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال هُمْ يُوقِنُونَ- 3- إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يعني لا يصدقون بالبعث زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ يعني ضلالتهم فَهُمْ يَعْمَهُونَ- 4- يعني يترددون فيها أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ يعني شدة الْعَذابِ في الآخرة وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ- 5- وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى يعنى لتؤتى الْقُرْآنَ كقوله- سبحانه-: «وَما يُلَقَّاها ... » «1»
يعني وما يؤتاها، ثم قال: مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ فى أمره عَلِيمٍ- 6- بأعمال الحلق إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ يعني امرأته حين رأى النار إِنِّي آنَسْتُ ناراً يقول إني رأيت نارا وهو نور رب العزة- جل ثناؤه- رآه ليلة الجمعة عن يمين «2» الجبل «بالأرض المقدسة» «3» سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أين الطريق وقد [57 أ]
__________
(1) سورة فصلت: 35 وتمامها «وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ» .
(2) فى أ: من سن، ل، ز: عن يمين.
(3) وردت «بأرض المقدسة» فى: ا، ل، ز، والأنسب بالأرض المقدسة.

(3/296)


كان تحير وترك الطريق. ثم قال: «فإن لم أجد من يخبرني الطريق» «1» :
أَوْ آتِيكُمْ» «2» بِشِهابٍ قَبَسٍ يقول آتيكم «بنار قبسة» «3» مضيئة لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ- 7- من البرد فَلَمَّا جاءَها «4» يعني النار «5» وهو «6» نور رب العزة- تبارك وتعالى- نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها يعنى الملائكة وَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ- 8- في التقديم، ثم قال: يَا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ يقول إن النور الذي رأيتَ أنا الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ- 9- وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ يعني تحرك كَأَنَّها جَانٌّ يعني كأنها كانت حية وَلَّى مُدْبِراً من الخوف من الحية وَلَمْ يُعَقِّبْ يعني ولم يرجع يقول الله- عز وجل-: يا مُوسى لا تَخَفْ من الحية إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ يعنى عندي الْمُرْسَلُونَ- 10- إِلَّا مَنْ ظَلَمَ نفسه من الرسل فإنه يخاف فكان منهم آدم ويونس وسليمان وإخوة يوسف وموسى بقتله النفس، - عليهم السلام- ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ يعني فمن بدل إحسانا بعد إساءته فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ- 11- وَأَدْخِلْ يَدَكَ اليمنى فِي جَيْبِكَ يعني جيب المدرعة من قبل صدره وهي مضربة «7» تَخْرُجْ اليد من المدرعة بَيْضاءَ لها شعاع كشعاع الشمس مِنْ غَيْرِ سُوءٍ يعني من غير برص ثم انقطع الكلام، يقول
__________
(1) فى أ: فإن لم أجد الطريق.
(2) فى ا، ز: «آتيكم» وفى حاشية أ: «أو آتيكم» .
(3) من أ: وفى ز: بنار أقتبسه لكم.
(4) من ا، وفى ز: «فلما جاءها» .
(5) من ز، وفى أ: إلى النار، وفى حاشية أ: يحتمل أنها أى النار.
(6) فى ا، ز: وهو، بالضمير المذكر أى الضوء.
(7) فى ز: وهي مضربة. وفى أ: وهي مضربة، فلعل معناها أنه يدخل يده فى جيب مدرعته حال كونها مضروبة عليها أو ملبوسة.

(3/297)


الله- تبارك وتعالى- لمحمد- صلى الله عليه وسلم-: فِي تِسْعِ آياتٍ يعني «أعطي» «1» تسع آيات. اليد، والعصا، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والسنين، والطمس، فآيتان منهما أعطي موسى- عليه السلام- «بالأرض المقدسة» «2» اليد والعصى، حين أرسل إلى فرعون، وأعطي سبع آيات بأرض مصر حين كذبوه فكان أولها اليد وآخرها الطمس، يقول: إِلى فِرْعَوْنَ واسمه فيطوس وَقَوْمِهِ أهل مصر إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ- 12- يعنى عاصين «فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا» «3» مُبْصِرَةً يعني مبينة معاينة يرونها قالُوا: يا موسى هَذَا الذي جئت به سِحْرٌ مُبِينٌ- 13- يعني بين. يقول الله- عز وجل-: وَجَحَدُوا بِها يعني بالآيات يعني بعد المعرفة، فيها تقديم وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ أنها من الله- عز وجل- وأنها ليست بسحر ظُلْماً شركا وَعُلُوًّا تكبرا «4» فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ- 14- في الأرض بالمعاصي، كان عاقبتهم الغرق، وإنما استيقنوا بالآيات أنها من الله لدعاء موسى ربه أن يكشف عنهم الرجز فكشفه عنهم. [57 ب] وقد علموا ذلك وَلَقَدْ آتَيْنا يعني أعطينا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً بالقضاء وبكلام الطير وبكلام الدواب وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ
__________
(1) «أعطى» : زيادة اقتضاها السياق.
(2) فى الأصل: بأرض المقدسة.
(3) فى ا، ز: «فلما جاءهم» موسى «بآياتنا» .
(4) فى افسر هذه الآية هكذا:
«جحدوا بها، ظلما وعلوا، واستيقنتها أنفسهم، فانظر كيف كان عاقبة المفسدين» . وقد أعدت ترتيب الآية كما وردت فى المصحف الشريف، وترتيب ز مثل ا، قالت «وجحدوا بها» - ظلما وعلوا. [.....]

(3/298)


- 15- يعني بالقضاء والنبوة والكتاب وكلام البهائم والملك الذي أعطاهما الله- عز وجل- وكان سليمان أعظم ملكا من داود وأفطن منه وكان داود أكثر تعبدا من سليمان «1» وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ يعني ورث سليمان علم داود وملكه وَقالَ سليمان لبنى إسرائيل: يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يعنى أعطنا الملك والنبوة والكتاب والرياح وسخرت لنا الشياطين، ومنطق الدواب ومحاريب وتماثيل وجفان كالجوابي «2» وقدور راسيات وعين الفطر يعني عين الصفر إِنَّ هَذَا الذي أعطينا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ- 16- يعني البين وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ يعني وجمع لسليمان جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ طائفة وَمن الْإِنْسِ وَمن الطَّيْرِ طائفة فَهُمْ يُوزَعُونَ- 17- يعني يساقون، وكان سليمان استعمل عليهم جندا يرد الأول على الآخر حتى ينام الناس وقال- عز وجل- حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ من أرض الشام قالَتْ نَمْلَةٌ واسمها الجرمي «3» يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا وهن خارجات فقالت ادخلوا مَساكِنَكُمْ يعني بيوتكم لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ يعني لا يهلكنكم سليمان وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ- 18- بهلاككم فسمع سليمان قولها من ثلاثة أميال فانتهى إليها سليمان حين قالت «وَهُمْ لا يشعرون» فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها ضحك من ثناءها على سليمان بعدله في ملكه، أنه لو يشعر بكم لم يحطمكم، يعنى
__________
(1) من أ، وفى ز: وكان داود أفضلهما وكل فاضل.
(2) فى أ: الجوابي، وفى المصحف «وَجِفانٍ كَالْجَوابِ» سورة سبأ: 13.
(3) إن الله أبهم النملة ولم يحدد اسمها إذ لا تتوقف على ذكره فائدة ثم هو مما لا يوقف عليه إلا بنقل، ولم يصح نقل، فى اسم هذه النملة، فوضح أن تحديد اسمها لا يكون إلا من الإسرائيليات أو من الموضوعات.

(3/299)


بالضحك، الكشر، وقال سليمان: لقد علمت النمل أنه. لك لا بغي فيه ولا فخر، ولئن علم بنا قبل أن يغشانا لم نوطأ «1» . ثم وقف سليمان بمن معه من الجنود ليدخل النمل مساكنهم، ثم حمد ربه- عز وجل- حين علمه منطق كل شيء فسمع كلام النملة وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي يعني ألهمني أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ من قبلي يعني أبويه داود وأمه بتشايع بنت اليائن «2» وَالهمنى أَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ يعني بنعمتك فِي يعني مع عِبادِكَ الصَّالِحِينَ- 19- الجنة وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ يعني الهدهد حين سار من بيت المقدس قبل اليمن فلما مر بالمدينة وقف فقال إن الله- عز وجل- سيبعث من هاهنا نبينا طوبى لمن تبعه «3» ، [58 أ] فلما أراد أن ينزل فَقالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ والميم ها هنا صلة، كقوله- تعالى-: «أَمْ عِنْدَهُمُ» يعنى أعندهم «الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ» «4» أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ- 20- لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً يعني لأنتفن ريشه فلا يطير مع الطير حولا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ يعني لأقتلنه أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ- 21- يعني حجة بينة أعذره بها فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ يقول لم يلبث إلا قليلا حتى جاء الهدهد فوقع بين يدي سليمان- عليه السلام- فجعل ينكث بمنقاره ويومى «5»
__________
(1) كذا فى ا، ز، كأن هذه الجملة من المفهوم المقابل لكلام النملة.
(2) فى أ: وأمه بنشايع ابنت الباتن، وفى ز: وبتشايع بنت اليائن.
(3) فى أ: زيادة: لم يكن بها يومئذ أحد ثم سار فمر بمكة فقال: إن الله- عز وجل- سيبعث منك رسولا طوبى لمن تبعه، وليست هذه الزيادة فى ز.
(4) سورة الطور: 41، وسورة القلم: 47.
(5) فى الأصل: يومى.

(3/300)


برأسه إلى سليمان فَقالَ لسليمان: أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ يقول علمت ما لم تعلم به وَجِئْتُكَ بأمر لم تخبرك به الجن ولم تنصحك فيه ولم يعلم به الإنس وبلغت ما لم تبلغه أنت ولا جنودك وجئتك مِنْ أرض سَبَإٍ باليمن بِنَبَإٍ يَقِينٍ- 22- يقول بحديث يقين لا شك فيه فقال سليمان وما ذلك؟ قال الهدهد: إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ يعني تملك أهل سبأ وَأُوتِيَتْ يعني وأعطيت مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يكون باليمن يعني العلم والمال والجنود والسلطان والزينة وأنواع الخير فهذا كله من كلام الهدهد، وقال الهدهد: وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ- 23- يعني ضخم ثمانون ذراعا في ثمانين ذراعا، وارتفاع السرير من الأرض أيضا» «1» ثمانون ذراعا في ثمانين ذراعا مكلل بالجوهر والمرأة اسمها بلقيس بنت أبي سرح «2» ، وهي من الإنس وأمها «3» من الجن اسمها فازمة بنت الصخر «4» ، ثم قال: وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ السيئة يعني سجودهم للشمس فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ يعني عن الهدى فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ- 24- ثم قال الهدهد: أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ يعنى الغيث فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ «وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ
__________
(1) فى أ: وارتفاع السرير من الأرض ثمانون ذراعا.
فى ز: وارتفاع السرير من الأرض أيضا، ثمانون ذراعا فى ثمانين ذراعا.
فكلمة أيضا، وجملة فى ثمانين ذراعا الأخيرة من ز وحدها.
(2) من أ، وفى ز: بلقيس بنت اليسرح.
(3) فى أ: وأهلها وفى ف، ز: وأمها.
(4) فى ل، أ: الصخر، ز: الطحن.

(3/301)


في قلوبكم وَما تُعْلِنُونَ- 25- بألسنتكم» «1» اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ- 26- يعنى بالعظيم العرش «2» .
قالَ سليمان للهدهد دلنا على الماء: سَنَنْظُرُ فيما تقول أَصَدَقْتَ في قولك أَمْ كُنْتَ يعني أم أنت مِنَ الْكاذِبِينَ- 27- مثل قوله- عز وجل- «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ» «3» وكان الهدهد يدلهم على قرب الماء من الأرض إذا نزلوا فدلهم على ماء فنزلوا واحتفروا الركايا «4» وروى الناس والدواب، وكانوا قد عطشوا فدعا سليمان الهدهد وقال: اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ يعني إلى أهل سبأ ثُمَّ تَوَلَّ يقول ثم انصرف عَنْهُمْ فَانْظُرْ ماذا يَرْجِعُونَ- 28- الجواب، فحمل الهدهد الكتاب بمنقاره، فطار حتى وقف على رأس المرأة، فرفرف ساعة والناس
__________
(1) ما بين القوسين « ... » ورد فى أ: «فى قلوبهم (وما يعلنون) بألسنتهم» .
وفى ز: « (ويعلم ما يخفون وما يعلنون) بألسنتهم.
(2) كذا فى أ، ز، والمراد أن العظيم صفة للعرش.
وفى أزيادة: ليست فى ف ولا، ل، ولا، ز، أى أنها زيادة ليست فى جميع النسخ سوى أ، وهي:
قال أبى: قال أبو صالح عن مقاتل: الحب ما خبأته السماء من غيثها والأرض من نباتها وهو قوله تعالى-: «كانَتا رَتْقاً» يعنى متلاصقتين «فَفَتَقْناهُما» يعنى الأرض بالنبات والسماء بالمطر وهو قوله- سبحانه-: «وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ» بالمطر «وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ» بالنبات والله أعلم. قال عبد الله: قال الأثرم: قال أبو عبيدة: الرتق الذي يكون فى السماء والأرض، أى لم يكن فى السماء ثقب للمطر، ولا فى الأرض، فثقبت السماء بالمطر والأرض بالنبات.
أقول وهي زيادة فى أوحدها. وفى هذه الزيادة اضطراب وفساد فأصلحت فسادها. [.....]
(3) سورة آل عمران: 110.
(4) كذا فى أ، ل، ف، ز، وهي مضبوطة فى ز: الركابا.

(3/302)


ينظرون، فرفعت المرأة رأسها، فألقى الهدهد الكتاب في حجرها، فلما رأت الكتاب ورأت الخاتم رعدت وخضعت وخضع من معها من الجنود، لأن ملك سليمان- عليه السلام- كان في خاتمه فعرفوا أن الذي أرسل هذا الطير أعظم ملكا من ملكها، فقالت: إن ملكا رسله الطير، إن ذلك الملك لملك عظيم، فقرأت هي الكتاب، وكانت عربية من قوم تبع بن أبي شراحيل الحميري وقومها من قوم تبع وهم عرب فأخبرتهم بما في الكتاب ولم يكن فيه شيء غير: «إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ» ألا تعظموا علي «وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ» .
قال أبو صالح: ويقال مختوم «1» ف قالَتْ المرأة لهم: يا أَيُّهَا الْمَلَأُ يعني الأشراف إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ- 29- يعني كتاب حسن إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ- 30- أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ- 31- ثم قالت إن يكن «2» هذا الملك يقاتل على الدنيا فإنا نمده بما أراد من الدنيا، وإن يكن يقاتل لربه فإنه لا يطلب الدنيا ولا يريدها ولا يقبل منا شيئا غير الإسلام، ثم استشارتهم «3» ف قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ يعنى الأشراف، وهم: ثلاثمائة وثلاثة عشر قائدا مع كل قائد مائةُ ألفٍ وهم أهل مشورتها فقالت لهم: أَفْتُونِي فِي أَمْرِي من هذا مَا كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ
__________
(1) من أوحدها. والمعنى ويقال إن الكتاب كان مختوما.
(2) فى أ: إن يكن. وفى حاشية أ: فى الأصل إن يكون، وفى ز: إن كان.
(3) فى ل: استشارتهم، وهي ساقطة من ز، وفى أ: ثم استبانتهم. وفى حاشية أ: صورة ما فى الأصل ثم استئابهم.

(3/303)


- 32- تقول ما كنت قاضية أمرا حتى تحضرون قالُوا لها نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ يعني عدة كثيرة في الرجال «1» كقوله: « ... فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ «2» ... » يعنى بالرجال وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ في الحرب يعني الشجاعة وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ يقول قد أخبرناك بما عندنا وما نجاوز ما تقولين فَانْظُرِي ماذا تَأْمُرِينَ- 33- يعني ماذا تشيرين علينا، كقول فرعون لقومه: « ... فَماذا تَأْمُرُونَ» «3» يعني ماذا تشيرون علي قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها يعنى أهلكوها، كقوله- عز وجل-: « ... لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ «4» ... » يعنى لهلكتها ومن فيهن، ثم قال- عز وجل-: وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً يعني أهانوا أشرافها وكبراءها لكي يستقيم لهم الأمر، يقول [59 أ] الله- عز وجل-: وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ- 34- كما قالت، ثم قالت المرأة لأهل مشورتها وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ أصانعهم على ملكي إن كانوا أهل دنيا فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ- 35- من عنده بالجواب فأرسلت بالهدية»
مع الوفد عليهم المنذر بن عمرو الهدية مائة وصيف، ومائة وصيفة وجعلت للجارية قصة أمامها وقصة مؤخرها وجعلت للغلام قصة أمامه وذؤابة وسط رأسه وألبستهم لباسا واحدا وبعثت بحقة فيها جوهرتان إحداهما مثقوبة والأخرى غير مثقوبة. وقالت للوفد: إن كان نبيا
__________
(1) فى أ: يعنى بالرجال، ز: يعنى عدة كثيرة الرجال، والمثبت من ل.
(2) سورة الكهف: 95.
(3) سورة الشعراء: 35، وسورة الأعراف: 110، وكلاهما «فَماذا تَأْمُرُونَ» ، وقد كتبت أ: «ماذا تأمرون» وصوابها «فماذا تأمرون» .
(4) سورة البقرة: 251 ومنها «وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ» .
(5) فى ز: بالهدية، أ، بهدية، ف: بهدية.

(3/304)


فسيميز بين الجواري والغلمان ويخبر بما في الحقة ويرد الهدية فلا يقبلها، وإن كان ملكا فسيقبل الهدية ولا يعلم ما في الحقة فلما انتهت الهدية «إلى سليمان» «1» - عليه السلام- ميز بين الوصفاء والوصائف من قبل الوضوء وذلك أنه أمرهم بالوضوء فكانت الجارية تصب الماء على بطن ساعدها والغلام على ظهر ساعده فميز بين الوصفاء والوصائف وحرك الحقة، وجاء جبريل- عليه السلام- فأخبره بما فيها فقيل له أدخل في المثقوبة خيطا من غير حيلة إنس ولا جان واثقب الأخرى من غير حيلة إنس ولا جان، وكانت الجوهرة المثقوبة معوجة فأتته دودة تكون فى الفضفضة وهي الرطبة فربط في مؤخرها خيطا فدخلت الجوهرة حتى أنفذت الخيط إلى الجانب الآخر، فجعل رزقها فى الفضفضة، وجاءت الأرضة فقالت لسليمان: اجعل رزقي «في الخشب والسقوف والبيوت «2» .
قال:» نعم فثقبت «3» الجوهرة فهذه حيلة من غير إنس ولا جان «4» .
«وسألوه» «5» ماء لم ينزل من السماء ولم يخرج من الأرض. فأمر «6» بالخيل فأجريت حتى عرقت فجمع العرق في شيء حتى صفا وجعله فى قداح الزجاج «7» فعجب الوفد
__________
(1) فى أ: سليمان إليه، وفى ف: سليمان.
(2) فى أ: «فى الخشب فقال» ، والمثبت من ز.
(3) فى أ: فنهبت.
(4) لم يرد مثل هذا القصص فى الكتاب او السنة الصحيحة فلم يبق إلا أن يكون من أقاصيص بنى إسرائيل، وما أغنى كتابنا عنها، خصوصا وأن فهم الآية لا يتوقف عليها، والقرآن ذكر أنها أرسلت هدية مبهمة، ولو علم أن فى تحديدها ووصفها فائدة لنا لذكره. [.....]
(5) من أ، وفى ز: وقال له أمير الوفد: أسألك ماء......
(6) فى ز: فأمر، وفى أ: فأمرت.
(7) فى ز: وجعله فى القوارير. والمثبت من أ.

(3/305)


«من علمه» «1» وجاء جبريل- عليه السلام- فأخبره بما في الحقة فأخبرهم سليمان بما فيها، «ثم رد «2» سليمان» «3» الهدية «فَلَمَّا جاءَ «4» سُلَيْمانَ» قال للوفد:
أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ يقول فما أعطاني الله- تعالى- من الإسلام والنبوة والملك والجنود خير مما أعطاكم بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ- 36- يعني إذا أهدى بعضكم إلى بعض «5» ، فأما أنا فلا أفرح بها إنما أريد منكم الإسلام، ثم قال سليمان لأمير الوفد: ارْجِعْ إِلَيْهِمْ بالهدية فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها لا طاقة لهم بها من الجن والإنس وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ- 37- يعنى مذلين بالإنس والجن.
ثم قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ- 38- يعنى مخلصين [59 ب] بالتوحيد وإنما علم سليمان أنها تسلم لأنه أوحى إليه ذلك، فلذلك قال: «قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ» فيحرم علي سريرها، لأن الرجل «6» إذا أسلم حرم ما له ودمه وكان سريرها من ذهب قوائمه اللؤلؤ والجوهر مستور بالحرير والديباج عليه الحجلة قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ يعنى مارد من الجن اسمه الحقيق «7»
__________
(1) فى أ: من عمله، وفى ز: فعجب أمير الوفد من علمه.
(2) فى أ، وفى ز: فرد سليمان.
(3) ورد وصف هذه الهدية فى النسفي وغيره، قريبا مما ورد فى تفسير مقاتل، وكله منقول عن الإسرائيليات، وما أغنى كتاب الله عن هذه الإسرائيليات.
(4) ما بين القوسين « ... » ساقط من أ، ز.
(5) من ف، ز. وفى أ: إلى.
(6) المراد الإنسان سواء أكان رجلا أو امرأة.
(7) فى أ: الحقيق، وفى ز: حنقوق.

(3/306)


أَنَا آتِيكَ بِهِ يعني سريرها قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ يعني من مجلسك وكان سليمان- عليه السلام- يجلس للناس غدوة فيقضي بينهم حتى يضحى الضحى الأكبر، ثم يقوم، فقال: أنا آتيك به قبل أن تحضر مقامك «1» وذلك أني «2» أضع قدمي عند منتهى بصري فليس شيء أسرع مني فآتيك بالعرش وأنت في مجلسك وَإِنِّي عَلَيْهِ يعني على حمل السرير لَقَوِيٌّ على حمله أَمِينٌ- 39- على ما في السرير من المال، قال سليمان أريد أسرع من ذلك قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ وهو رجل من الإنس من بني إسرائيل كان يعلم اسم الله الأعظم، وكان الرجل اسمه آصف بن برخيا بن شمعيا بن دانيال أَنَا آتِيكَ بِهِ بالسرير قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ الذي هو على منتهى بصرك وهو جاءٍ «3» إليك فقال سليمان: لقد أسرعت إن فعلت ذلك فدعا الرجل باسم الله الأعظم «4» ومنه ذو الجلال والإكرام فاحتمل السرير احتمالا فوضع بين يدي سليمان وكانت المرأة قد أقبلت إلى سليمان حين جاءها الوفد وخلفت السرير في أرضها باليمن في سبعة أبيات بعضها في بعض أقفالها من حديد ومعها مفاتيح الأبيات السبعة «فَلَمَّا رَآهُ» «5» فلما رأى سليمان العرش مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ تعجب منه ف قالَ هَذَا السرير مِنْ فَضْلِ رَبِّي أعطانيه لِيَبْلُوَنِي يقول ليختبرني: أَأَشْكُرُ الله-
__________
(1) كذا فى أ، ز.
وفى النسفي: قبل أن تنتهي من مجلس حكمك وقضائك.
(2) فى ف: أتى، وفى أ: أنا.
(3) جائي: فى أ، ز.
(4) من أ، وفى ز: بالاسم الأعظم. [.....]
(5) فى أ: «فلما، رأى» ، وفى حاشية أ: الآية رآه.

(3/307)


عز وجل- فى نعمه حين أتيت بالعرش أَمْ أَكْفُرُ بنعم الله إذا رأيت من هو دوني أعلم مني «1» فعزم الله- عز وجل- له على الشكر فقال- عز وجل-:
وَمَنْ شَكَرَ في نعمه فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ يقول فإنما يعمل لنفسه وَمَنْ كَفَرَ النعم فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ عن عبادة خلقه كَرِيمٌ- 40- مثلها في لقمان «فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ» «2» قالَ سليمان: «نَكِّرُوا لَها عَرْشَها» «3» زيدوا في السرير وانقصوا منه نَنْظُرْ إذا جاءت أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ- 41- يقول أتعرف العرش أم تكون من الذين لا يعرفون فَلَمَّا جاءَتْ المرأة قِيلَ لها أَهكَذا عَرْشُكِ؟ فأجابتهم ف قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وقد عرفته ولكنها شبهت عليهم كما شبهوا عليها، ولو قيل لها هذا [60 أ] عرشك لقالت: نعم، قيل لها: فإنه عرشك فما أغنى «عنه» «4» إغلاق الأبواب؟، يقول سليمان:
وَأُوتِينَا الْعِلْمَ من الله- عز وجل- مِنْ قَبْلِها يعني من قبل أن يجيء العرش والصرح وغيره وَكُنَّا مُسْلِمِينَ- 42- يعني وكنا مخلصين بالتوحيد من قبلها وَصَدَّها عن الإسلام مَا كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ من عبادة الشمس إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ- 43-يلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ
وهو قصر من قوارير على الماء تحته السمك لَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً
يعنى غدير الماء كَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها
يعني رجليها لتخوض الماء إلى سليمان وهو على السرير في مقدم البيت وذلك أنها لما أقبلت قالت الجن لقد لقينا من سليمان
__________
(1) كذا فى أ، ز، ل.
(2) من ز، وليست فى أ، والآية: 12 فى سورة لقمان « ... فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ» .
(3) ما بين القوسين « ... » ساقط من أ، ل، ف.
(4) «عنه» : من ز، وليست فى أ.

(3/308)


ما لقينا من التعب فلو قد اجتمع سليمان وهذه المرأة وما عندها من العلم لهلكنا وكانت أمها جنية فقالوا: تعالوا نبغضها إلى سليمان نقول إن رجليها مثل حوافر الدواب، لأن أمها كانت جنية، ففعلت، فأمر سليمان فبنى لها بيتا من قوارير فوق الماء، وأرسل فيه السمك لتحسب أنه الماء «فتكشف» «1» عن رجليها فينظر سليمان أَصَدَقَتْهُ الجنُّ أم كذَبتْه وجعل سريره في مقدم البيت: «فلما رأت الصرح» «2» حسبته لجة الماء وكشفت عن ساقيها فنظر إليها سليمان فإذا هي من أحسن الناس قدمين ورأى على ساقها شعرا كثيرا فكره سليمان ذلك، فقالت:
إن الرمانة لا تدري ما هي حتى تذوقها، قال سليمان: ما لا يحلو في العين لا يحلو «الفم» «3» . فلما رأت الجن أن سليمان رأى ساقيها قالت الجن لا تكشفي عن ساقيك.
الَ»
«4» نَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ يعنى أملس نْ قَوارِيرَ
فلما رأت السرير والصرح علمت أن ملكها ليس بشيء عند ملك سليمان وأن ملكه من ملك الله- عز وجل- ف الَتْ
حين دخلت الصرح بِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي
يعنى بعبادتها الشمس أَسْلَمْتُ
يعنى أخلصت عَ سُلَيْمانَ
بالتوحيدلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ
- 44- خرت لله- عز وجل- ساجدة وتابت إلى الله- عز وجل- من شركها واتخذها سليمان- عليه السلام- لنفسه فولدت له داود بن سليمان بن داود- عليهم السلام-، وأمر لها بقرية من الشام
__________
(1) فى أ: فكشفت، وفى ل: فتكشف.
(2) فى أ: «فلما رأته» ، وفى ف: «فلما رأت الصرح» .
(3) فى أ: القلب، وفى ز، ل: الفم.
(4) القائل هو سليمان- عليه السلام-، وأنظر النسفي ج 3 ص 164 وفيه: (قال المحققون لا يحتمل أن يحتال سليمان لينظر إلى ساقيها وهي أجنبية فلا يصح القول بمثله) .

(3/309)


يجبى لها خراجها، «وكانت عذراء فاتخذ الحمامات من أجلها» «1» . «و
قال» «2» النبي- صلى الله عليه وسلم- كانت من أحسن نساء العالمين ساقين «3» ، وهي «4» من أزواج سليمان في الجنة، فقالت عائشة- رضي الله عنها- للنبي- صلى الله عليه وسلم-. هي أحسن ساقين مني، قال النبي- صلى الله عليه وسلم- أنت أحسن [60 ب] ساقين منها في الجنة «5» .
وكان سليمان- عليه السلام- يسير بها معه إذا سار وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ يعني وحدوا الله فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ- 45- «مؤمنين وكافرين» «6» وكانت خصومتهم الآية التي في الأعراف «قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ، قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ، فَعَقَرُوا النَّاقَةَ ... »
«7» ووعدهم صالح العذاب فقالوا:
« ... يَا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ» «8» فرد «9» عليهم صالح:
قالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ يقول لم تستعجلون بالعذاب
__________
(1) من أ، وفى ز: وكانت عذرا. فاتخذت الجن الحمامات من أجلها.
(2) فى أ، ز: فقال.
(3) رسول الله أجل من أن يقول مثل هذا.
(4) فى أ: فهي، وفى ز: وهي.
(5) الكلام مكرر فى أفأسقطت سطر كتب مرتين. [.....]
(6) من ز، وفى أ، ف: مؤمنون وكافرون.
(7) من سورة الأعراف: 75- 70.
(8) سورة الأعراف: 77، وفى أ: إن كنت من الصادقين.
(9) فى أ: فقال.

(3/310)


قبل العافية لَوْلا يعني هلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ من الشرك لَعَلَّكُمْ يعني لكي تُرْحَمُونَ- 46- فلا تعذبوا في الدنيا ف قالُوا يا صالح اطَّيَّرْنا يعنى تشاء منا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ على دينك وذلك أنه قحط المطر عنهم وجاعوا فقالوا أصابنا «1» هذا الشر من شؤمك وشؤم أصحابك ف قالَ لهم- عليه السلام- إنما طائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ يقول الذي أصابكم هو «2» مكتوب في أعناقكم بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ- 47- يعني تبتلون وإنما ابتليتم بذنوبكم وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ قرية صالح: الحجر، تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ يعني يعملون في الأرض بالمعاصي وَلا يُصْلِحُونَ- 48- يعنى ولا يطيعون الله- عز وجل- فيما منهم قدار بن سالف بن جدع، عاقر الناقة، واسم أمه قديرة، ومصدع، وداب، ويباب إخوة «بني» «3» مهرج، وعائذ بن عبيد، وهذيل، وذو أعين وهما أخوان ابنا عمرو «4» وهديم، وصواب فعقروا الناقة ليلة الأربعاء. وأهلكهم الله- عز وجل- يوم السبت بصيحة جبريل- عليه السلام- قالُوا تَقاسَمُوا بِاللَّهِ يعني تحالفوا بالله- عز وجل لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ليلا بالقتل يعني صالحا وأهله ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ يعنى ذا رحم صالح أن اسألوا عنه ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ قالوا:
ما ندري من قتل صالحا «5» وأهله، ما نعرف الذين قتلوه وَإِنَّا لَصادِقُونَ- 49- فيما نقول، يقول- عز وجل-: وَمَكَرُوا مَكْراً حين أرادوا قتل صالح- عليه
__________
(1) فى أ: أصبنا، وفى ز: أصابنا.
(2) فى أ: فهو، وفى ز: هو.
(3) فى الأصل: «بنو» .
(4) كذا فى أ، ز.
(5) فى أ: صالح، ز: صالحا.

(3/311)


السلام- وأهله، يقول الله- تعالى-: وَمَكَرْنا مَكْراً حين جثم الجبل عليهم وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ- 50- فَانْظُرْ يا محمد كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ يعني عاقبة عملهم وصنيعهم أَنَّا دَمَّرْناهُمْ يعني التسعة يعنى أهلكنا هم بالجبل حين جثم عليهم وَدمرنا قَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ- 51- بصيحة جبريل- عليه السلام- فلم نبق منهم أحدا، فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً يعنى «1» خربة [61 أ] ليس بها سكان «2» بِما ظَلَمُوا يعني بما أشركوا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً يعني أن في هلاكهم لعبرة لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ- 52- بتوحيد الله- عز وجل- وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا يعني الذين صدقوا، من العذاب وَكانُوا يَتَّقُونَ- 53- الشرك وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ يعني المعاصي يعني بالمعصية إتيان الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ يعني ولكن أنتم قَوْمٌ تَجْهَلُونَ- 55- فَما كانَ جَوابَ «قَوْمِهِ قوم لوط» «3» حين نهاهم عن المعاصي إِلَّا أَنْ قالُوا بعضهم لبعض: أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ يعني لوطا وابنتيه «4» مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ- 56- يعني لوطا وحده «يتطهرون» مثلها في الأعراف «5» «يتطهرون» يعني يتنزهون عن إتيان الرجال فإنا لا نحب أن يكون بين أظهرنا من ينهانا عن عملنا، يقول الله- عز وجل-: فَأَنْجَيْناهُ من
__________
(1) فى أ: خالية، وفى ف، ل: خربة.
(2) من أ، وفى ف: ليس لها سكان.
(3) فى أ: «قوم لوط» .
(4) فى أ: وابنته، وفى ف: وابنتيه.
(5) سورة الأعراف: 82 وهي «وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ» . [.....]

(3/312)


العذاب وَأَهْلَهُ يعني وابنتية ريثا وزعوثا «1» ، ثم استثنى فقال- سبحانه-:
إِلَّا امْرَأَتَهُ لم ننجها قَدَّرْناها يقول قدرنا تركها «مِنَ» «2» الْغابِرِينَ- 57- وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً يعني الحجارة فَساءَ يعني فبئس مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ- 58- يعني الذين أنذروا بالعذاب، فذلك قوله- عز وجل-:
«وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا» «3» يعنى عذابنا، وقُلِ يا محمد الْحَمْدُ لِلَّهِ في هلاك الأمم الخالية يعني ما ذكر في هذه السورة من هلاك فرعون وقومه وثمود وقوم لوط، وقل الحمد لله الذي علمك هذا الأمر الذي ذكر، ثم قال:
وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى يعني الذين اختارهم الله- عز وجل- لنفسه للرسالة، - فسلام الله على الأنبياء «4» - عليهم السلام-، ثم قال الله- عز وجل-: آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ- 59- به يقول:
الله- تبارك وتعالى- أفضل، أم الآلهة التي تعبدونها؟ يعني كفار مكة
كان النبي صلى الله عليه وسلم- إذا قرأ هذه الآية قال: بل الله خير وأبقى وأجل وأكرم»
أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ يعني حيطان النخل والشجر ذاتَ بَهْجَةٍ يعني ذات حسن ما كانَ لَكُمْ يعني ما ينبغي لكم أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها فتجعلوا للالهة نصيبا مما أخرج الله- عز وجل- لكم من الأرض بالمطر، ثم قال- سبحانه- استفهام: أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ؟ يعينه على صنعه- جل جلاله- ثم قال
__________
(1) فى أ: وزعرتا، وفى ف: وزغوثا، وفى ز وزعوثا.
(2) فى أ: مع، وفى حاشية أ: الآية «من» .
(3) سورة القمر: 36.
(4) من أ، وفى ف: وصلى الله على الأنبياء.

(3/313)


- تعالى-: بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ- 60- يعني يشركون يعني كفار مكة، ثم قال- سبحانه-: أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً يعني مستقرا لا تميد بأهلها وَجَعَلَ خِلالَها يعني فجر نواحي الأرض أَنْهاراً فهي تطرد «1» وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ يعني الجبال، فتثبت «2» بها الأرض لئلا تزول [61 ب] بمن على ظهرها وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ الماء المالح والماء العذب حاجِزاً حجز الله- عز وجل- بينهما بأمره فلا يختلطان أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ يعينه على صنعه- عز وجل- بَلْ أَكْثَرُهُمْ يعني لكن أكثرهم يعني أهل مكة لا يَعْلَمُونَ- 61- بتوحيد ربهم أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ يعني الضر وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ يعينه على صنعه قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ- 62- يقول ما أقل «ما تذكرون» «3» أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ يقول أم من يرشدكم في أهوال الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ يقول يبسط السحاب قدام المطر، كقوله في «عسق» : «وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ» «4» يعني ويبسط رحمته بالمطر أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ يعينه على صنعه- عز وجل- ثم قال: تَعالَى اللَّهُ يعني ارتفع الله يعظم نفسه- جل جلاله- عَمَّا يُشْرِكُونَ- 63- به من الآلهة، ثم قال- تعالى-: أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ يقول من بدأ الخلق فخلقهم ولم يكونوا شيئا ثم بعيده فى الآخرة وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ يعنى
__________
(1) كذا فى أ، ز.
(2) كذا فى أ، ف.
(3) فى أ: ما يذكرون، وفى ز: ما تذكرون.
(4) سورة الشورى: 28.

(3/314)


المطر وَالْأَرْضِ يعني النبت أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ يعينه على صنعه- عز وجل- قُلْ لكفار مكة: هاتُوا بُرْهانَكُمْ يعني هلموا بحجتكم بأنه صنع شيئا من هذا غير الله- عز وجل- من الآلهة فتكون لكم الحجة على الله- تعالى- إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ- 64- بأن مع الله آلهة كما زعمتم يعني الملائكة قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ يعني الملائكة وَالْأَرْضِ الناس الْغَيْبَ يعني البعث يعني غيب الساعة إِلَّا اللَّهُ وحده- عز وجل-. ثم قال- عز وجل- وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ- 65- يقول لكفار مكة وما يشعرون متى يبعثون بعد الموت لأنهم يكفرون بالبعث بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ يقول علموا في الآخرة حين عاينوها ما شكوا فيه، وعموا عنه في الدنيا «1» بَلْ هُمْ اليوم فِي شَكٍّ مِنْها يعني من الساعة بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ- 66- فى الدنيا وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ- 67- من القبور أحياء نزلت في أبي طلحة وشيبة ومشافع وشرحبيل والحارث وأبوه وأرطاة بن شرحبيل لَقَدْ وُعِدْنا هَذَا الذي يقول محمد- صلى الله عليه وسلم- يعنون البعث نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ يعنون من قبلنا إِنْ هَذَا الذي يقول محمد- صلى الله عليه وسلم-:
إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ- 68- يعني أحاديث الأولين وكذبهم قُلْ لكفار مكة: سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ- 69- يعني كفار الأمم الخالية كيف كان عاقبتهم في الدنيا الهلاك يخوف كفار مكة مثل عذاب الأمم الخالية لئلا يكذبوا محمدا- صلى الله عليه وسلم- وقد رأوا [62 أ] هلاك قوم لوط وعاد وثمود، ثم قال للنبي- صلى الله عليه وسلم-: وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ
__________
(1) فى أ: ما شكوا فيه وعموا عنها فى الدنيا. وفى ز: ما شكوا وعموا عنها فى الدنيا.

(3/315)


يعني على كفار مكة إن تولوا عنك ولم يجيبوك وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ- 70- يقول لا يضيق صدرك بما يقولون هذا دأبنا ودأبك أيام الموسم، وهم الخراصون وهم المستهزءون وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ يعنون العذاب إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ- 71- يعني النبي- صلى الله عليه وسلم- وحده بأن العذاب نازل بنا قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ يعنى قريب لكم بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ- 72- فكان بعض العذاب القتل ببدر وسائر العذاب لهم فيما بعد الموت، ثم قال: وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ يعني على كفار مكة حين لا يعجل عليهم بالعذاب حين أرادوه وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يعني أكثر أهل مكة لا يَشْكُرُونَ- 73- الرب- عز وجل- في تأخير العذاب عنهم وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ يعني ما تسر قلوبهم وَما يُعْلِنُونَ- 74- بألسنتهم وَما مِنْ غائِبَةٍ يعني علم غيب ما يكون من العذاب فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وذلك حين استعجلوه بالعذاب إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ- 75- يقول إلا هو بين في اللوح المحفوظ إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يعني في القرآن يَخْتَلِفُونَ- 76- يقول هذا القرآن مبين لأهل الكتاب اختلافهم وَإِنَّهُ لَهُدىً من الضلالة وَرَحْمَةٌ من العذاب لمن آمن به، فذلك قوله- عز وجل-: لِلْمُؤْمِنِينَ- 77- بالقرآن أنه من ربك إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يعني بين بني إسرائيل بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ- 78- فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ يعني فثق بالله- عز وجل- وذلك حين دعيَ إلى ملة آبائه فأمره أن يثق بالله- عز وجل- ولا يهوله قول أهل مكة إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ- 79- يعني على الدين البين وهو الإسلام،

(3/316)


ثم ضرب لكفار مكة مثلا، فقال- سبحانه-: «إِنَّكَ» «1» يا محمد لا تُسْمِعُ الْمَوْتى في النداء فشبه كفار مكة بالأموات كما لا يسمع الميت النداء كذلك لا تسمع الكفار النداء «ولا تفقهه» «2» وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ- 80- يقول إن الأصم إذا ولى مدبرا ثم ناديته لم يسمع الدعاء وكذلك الكافر لا يسمع الإيمان إذا دعي إليه، ثم قال- عز وجل- للنبي- صلى الله عليه وسلم-: وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ إلى الإيمان عَنْ ضَلالَتِهِمْ يعني عن كفرهم إِنْ تُسْمِعُ يقول ما تسمع الإيمان إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا إلا من يصدق بالقرآن أنه من الله- عز وجل- فَهُمْ مُسْلِمُونَ- 81- يقول فهم مخلصون بتوحيد الله- عز وجل- وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ يقول إذا نزل العذاب بهم أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تخرج من الصفا الذي بمكة تُكَلِّمُهُمْ بالعربية تقول أَنَّ النَّاسَ يعني كفار مكة كانُوا بِآياتِنا يعني بخروج الدابة لا يُوقِنُونَ- 82- هذا قول الدابة للناس إن الناس بخروجي لا يوقنون لأن خروجها آية من آيات الله- عز وجل-[62 ب] فإذا «رآها» «3» الناس كلهم عادت إلى مكانها من حيث خرجت لها أربع قوائم وزغب وريش ولها جناحان واسمها «أفضى» «4» «فإذا خرجت بلغ رأسها السحاب» «5» وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً يعني زمرا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ- 83- يعنى فهم يساقون إلى النار
__________
(1) فى أ: فإنك.
(2) فى أ: ولا تفقه، وفى ز: ولا تفقهه.
(3) فى أ: وأو، وفى ف: رأوها، وفى ز: رآها.
(4) كذا فى أ، ز.
(5) من ز، وفى أ: لا يخرج منها إلا رأسها فبلغ رأسها السحاب. [.....]

(3/317)


حَتَّى إِذا جاؤُ قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي يعنى بالساعة وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً أنها باطل أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ- 84- وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ يعنى ونزل العذاب بهم بِما ظَلَمُوا يعني بما أشركوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ- 85- يعني لا يتكلمون فيها، ثم وعظ كفار مكة ليعتبروا في صنعه فيوحدوه- عز وجل- فقال- تعالى-:
أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ يقول إن فيهما لعبرة لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ- 86- يعني لقوم يصدقون بتوحيد الله- عز وجل- وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ يقول فمات مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ من شدة الخوف والفزع إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ يعني جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت- عليهم السلام وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ- 87- يعني وكل البر والفاجر أتوه في الآخرة صاغرين وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً يعني تحسبها مكانها وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ فتستوي في الأرض صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ يعني الذي أحكم كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ- 88- يعني إنه خبير بما فعلتم، نظيرها في الروم مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ في الآخرة يعني بلا إله إلا الله فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها فيها تقديم يقول له منها خير «وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ» «1» - 89-.
حَدَّثَنِي الْهُذَيْلِ، عَنْ مُقَاتِلٍ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عن كعب عُجْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي قَوْلِهِ- عَزَّ وَجَلَّ- «مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ ... » ،
«مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ ... » ، قَالَ هَذِهِ تُنْجِي وَهَذِهِ تُرْدِي.
وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ يعنى بالشرك فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ ثم تقول لهم خزنة جهنم هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ- 90- من الشرك
__________
(1) ما بين القوسين « ... » ساقطة من أ، ل، ز.

(3/318)


إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ يعني مكة الَّذِي حَرَّمَها من القتل والسبي وحرم فيها الصيد وغيره فلا يستحل فيها ما لا ينبغي وَلَهُ ملك كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ- 91- يعنى من المخلصين بالتوحيد وَأمرت أَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ عليكم يا أهل مكة فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ عن الإيمان بالقرآن مثلها في الزمر «1» فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ- 92- يعني من المرسلين يعني أنا كأحد الرسل وَقُلِ يا محمد الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ يعني العذاب في الدنيا فَتَعْرِفُونَها «2» أنها حق وذلك أن النبي- صلى الله عليه وسلم- أخبرهم بالعذاب أنه نازل بهم فكذبوه فنزلت «سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ» يعني القتل ببدر إذا نزل بكم فلا تستعجلون، ثم قال- سبحانه-:
وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ «3» - 93- هذا وعيد فعذبهم الله- عز وجل- بالقتل وضربت الملائكة وجوههم وأدبارهم وعجل الله بأرواحهم إلى النار «4» .
__________
(1) سورة الزمر: 41: «فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها.» .
(2) تكرر تفسير هذا الجزء من الآية 93، فحذفت المكرر.
(3) فى أ: يعملون، وفى تفسير القرطبي: 510: قراءة حفص «تعلمون» .
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي بالياء. أهـ. أى كما هو فى تفسير مقاتل.
(4) فى ز، تذييل فى آخر سورة النمل فى وصف عصا موسى، وفيه تهويل أشبه بخرافات بنى إسرائيل ولذا آثرت تركه.

(3/319)