تفسير مقاتل بن
سليمان الباب الخامس
الاسرائيليات فى تفسير مقاتل
1- الاسرائيليات.
2- اليهود والنصارى.
3- التوراة.
4- قصص الأنبياء بين القرآن والتوراة.
5- اقسام الاسرائيليات.
6- الاسرائيليات في تفسير مقاتل: (13 نموذج) . مقارنة.
7- راى ابن كثير فى الاسرائيليات.
8- الاسرائيليات بعد مقاتل فى كتب التفسير.
9- مسئولية المفسرين.
10- اعتذار الطوفى عن المفسرين.
11- تفنيد فرية.
12- تأثير الإسلام فى اليهودية.
(5/213)
- 1- الاسرائيليات
تمهيد:
نشا التفسير بالمأثور مقصورا على أحاديث رسول الله صلى الله
عليه وسلم. فقد انزل الله عليه القرآن عربيا مبينا، وكان
الصحابة يقرءون القرآن، فيتسابقون الى العمل بأحكامه، وامتثال
أوامره.
وربما أشكل على أحدهم معنى من المعاني او آية من الآيات، فيسأل
النبي صلى الله عليه وسلم، ويجيبه النبي فى بساطة ويسر.
ومن ذلك تفسيره عليه الصلاة والسلام الظلم بالشرك، وتفسيره
القوة بالرمي، وتفسيره المغضوب عليهم، باليهود والضالين
بالنصارى.
وكان التفسير مقصورا على ما أشكل معناه او غمض لفظه، فقد كانت
حياة النبي تطبيقا عمليا لاوامر القرآن ونواهيه، حتى قالت
عائشة رضى الله عنها، (كان خلقه القرآن) .
(ولعل الروعة الدينية لهذا العهد، والمستوى العقلي لأهله وتحدد
حاجات حياتهم العملية، كل أولئك جعلهم لا يقولون فى تفسير
القرآن الا بما روى عن صاحب الرسالة عليه الصلاة والسلام
توقيفا) «1» .
(وقد جمعت كتب الصحاح والسنن مقادير مختلفة من التفسير
بالمأثور، حتى لترى فى صحيح البخاري: كتابين هما: كتاب تفسير
القرآن، وكتاب فضائل القرآن، وهما يشغلان حيزا واضحا من الكتاب
ربما كان نحو الثمن منه) «2» .
ولما انتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى،
وبدا عصر الصحابة- زادت حاجة الناس الى التفسير، نظرا لاتساع
الرقعة الاسلامية، ولظهور احداث واقضية لم تكن موجودة فى عصر
النبي صلى الله عليه وسلم، ولدخول كثير من الأعاجم فى الإسلام،
مع ضعف المامهم بالعربية، وبعدهم عن البيئة التي نزل فيها
القرآن.
وفى هذا العصر- اعنى عصر الصحابة- بدا دخول الاسرائيليات فى
التفسير، وساعد على ذلك دخول عدد كثير من اليهود والنصارى فى
الإسلام، ومعهم ثقافاتهم وافكارهم، ومعلوماتهم الدينية، حول
كثير من قصص الأنبياء السابقين.
فلما كان عصر التابعين زادت الاسرائيليات، وزاد الوضع فى
التفسير.
__________
(1) دائرة المعارف الاسلامية مادة تفسير: 5/ 349.
(2) المرجع السابق.
(5/215)
- 2- اليهود والنصارى
وكان اليهود فى ماضيهم الطويل قد شرقوا راحلين من مصر، ومعهم
آثار حياتهم فيما معهم، ثم ابعدوا مشرقين الى بابل فى اسرهم،
ثم عادوا الى موطنهم وقد حملوا معهم ما حملوا.
ووفد على البيئة العربية الاسلامية من كل هذا المزيج وفد، الى
جانب ما بعثت إليها الديانات الاخرى التي دخلت تلك الجزيرة،
والقت الى أهلها ما القت من خبر او قصص ديني، وكل أولئك قد
تردد على آذان قارئي القرآن ومتفهميه، قبل ما خرجوا الى ما حول
جزيرتهم شرقا وغربا فاتحين.
ثم ملا آذانهم حين خالطوا اصحاب تلك البلاد التي نزلوا وعاشوا
بها، وان كان الذي اشتهر من ذلك هو اليهودي، لكثرة اهله، وظهور
أمرهم فاشتهرت تلك التزايدات التي اتصلت بمرويات التفسير
النقلى باسم الاسرائيليات «3» .
وكان اغلب الماليين فى الشام يهودا، واغلب أطباء القصور فى
بغداد نصارى.
واشتهر اليهود باحترافهم حرفا خاصة، كالصيرفة، ودباغة الجلود
والصباغة «4» ، «وكان عدد اليهود فى المملكة الاسلامية غير
العرب نحو ثلثمائة الف» فى سنة 560 هـ «5» .
وكان اليهود منتشرين على نهر دجلة والفرات، وفى جزيرة ابن عمر
والموصل، وعكيرة وواسط، وفى بغداد والحلة، والكوفة والبصرة،
وفى كثير من بلاد فارس «6» .
- 3- التوراة
وأهم منبع للثقافة اليهودية هو التوراة، وقد ذكرت فى القرآن
الكريم، ووصفت بأنها كتاب من كتب الله المنزلة: (إِنَّا
أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ) ونص القرآن على
بعض احكام وردت فى التوراة: (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها
أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ
وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ
بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ) .
__________
(3) أمين الخولي، دائرة المعارف الاسلامية مادة تفسير: 5/ 351.
(4) الجاحظ: الرد على النصارى، ص 17.
(5) احمد أمين: ضحى الإسلام 1/ 325، ونسب هذا القول الى رحالة
يهودي يدعى بنيامين.
(6) المرجع السابق.
(5/216)
وأشير فى الأحاديث كذلك الى التوراة وبعض
احكامها.
جاء فى تفسير مقاتل، وورد فى البخاري وابى داود: (ان نفرا من
اليهود دعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاهم فى بيت
المدارس، فقالوا:
يا أبا القاسم، ان رجلا منا زنى بامراة فاحكم، فرضعوا لرسول
الله صلى الله عليه وسلم وسادة فجلس عليها، ثم قال ائتوني
بالتوراة فأتى بها، فنزل الوسادة من تحته، ووضع التوراة عليها،
ثم قال آمنت بك وبمن أنزلك ثم قال ائتوني باعلمكم، فأتى بشاب
ثم ذكر قصة الرجم) «7» .
وكلمة التوراة يستعملها المسلمون كثيرا للدلالة على كل الكتب
المقدسة عند اليهود، فتشمل الزبور وغيره كما يستعملها اليهود
أنفسهم أحيانا بهذا الإطلاق.
وكان لليهود بجانب ذلك سنن ونصائح وشروح لم تنقل عن موسى عليه
السلام كتابة، وانما تداول الناس نقلها شفاها، ونمت على تعاقب
الأجيال، ثم دونت، وهي المسماة بالتلمود. والتلمود مختلف فيه
فيما بينهم، فمنهم من يقبله وهم طائفة الربانيين، ومنهم من لا
يقبله وهم طائفة القرائين.
فاما التوراة بالمعنى الدقيق فخمسة اسفار: سفر التكوين «8» ،
وسفر الخروج «9» ، وسفر اللاويين- اى الاخبار «10» - وسفر
العدد «11» ، وسفر التثنية «12» .
وفى العهد القديم غير التوراة: سفر يوشع. وهو فى استيلاء بنى
إسرائيل على فلسطين. ثم سفر القضاة اى الحكام، ثم اسفار الملوك
الاربعة:
الاول فى اخبار شمويل او سمويل وشاول او طالوت، والثاني فى ذكر
داود والثالث والرابع فى سليمان بن داود، ومن ملك بنى إسرائيل
من بعده..
واما التلمود فمجموعة من المناقشات الدينية الاولى، مع شروح
لرجال الدين من الأجيال المتعاقبة بسجل أفكار اليهود فى حياتهم
وتقاليدهم فى نحو الفى عام ويمزج مزجا تاما نواحي الشعب
الخلقية بنواحيهم الدينية «13» .
__________
(7) تفسير مقاتل مخطوطة احمد الثالث 1/ 100 اوانظر تحقيقي له
مجلد 1 ص 475. وانظر كذلك البخاري فى باب التوحيد وباب
الاعتصام وباب التفسير، وقد رواه ايضا ابو داود عن ابن عمر.
(8) وفيه خلق العالم، وقصة آدم وحواء وأولادهما ونوح والطوفان
وتبلبل الالسنة، ثم قصة ابراهيم عليه السلام وابنه اسحق وابنيه
يعقوب وعيصو ثم قصة يوسف.
(9) وفيه خروج اليهود من مصر وقصة موسى من ولادته وبعثته
وفرعون وخروج بنى إسرائيل من مصر، وصعود موسى الجبل وإيتاء
الله إياه الألواح.
(10) وفيه حكم القربان والطهارة.
(11) وفيه قصة البقرة واخبار بنى إسرائيل وبعض الشرائع.
[.....]
(12) اى اعادة الناموس.
(13) انظر احمد أمين: ضحى الإسلام: 1/ 329 ط 7.
(5/217)
وقد تسربت ثقافة اليهود الى العرب قبل
الإسلام وبعده.
وجاء فى الحديث عن ابن عباس: (كان هذا الحي- من الأنصار- وهم
اهل وثن، مع هذا الحي من اليهود وهم اهل الكتاب، فكانوا يرون
لهم فضلا عليهم فى العلم، وكانوا يقتدون بكثير من فعلهم) «14»
.
وفى الحديث عن ابى هريرة قال: (كان اهل الكتاب يقرءون التوراة
بالعبرانية ويفسرونها لأهل الإسلام بالعربية، فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: لا تصدقوا اهل الكتاب ولا تكذبوهم،
وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا، وَأُنْزِلَ
إِلَيْكُمْ والهنا وإلهكم واحد) «15» .
- 4- قصص الأنبياء بين القرآن والتوراة
عرض القرآن لكثير من قصص الأنبياء السابقين، مقتصرا على مواضع
العظة والعبرة، مكتفيا من القصة بما يحقق الهداية، ويوحى
بمتابعة الحق والايمان.
ولذا لم يتعرض للتفصيل، فلم يذكر تاريخ الوقائع، ولا اسماء
البلدان التي حصلت فيها، ولا اسماء الأشخاص الذين جرت على يدهم
بعض الحوادث، وانما تخير ما يمس جوهر الموضوع، وما يحرك العقول
للتفكير، وينبه القلوب الى الخير، وينفرها من عاقبة الشر.
ولنضرب لهذا مثلا قصة آدم عليه السلام، فقد ورد ذكرها فى
القرآن الكريم «16» ، كما ورد ذكرها فى التوراة. بيد ان القرآن
لم يتعرض لمكان الجنة، ولا لنوع الشجرة التي نهى آدم عن الاكل
منها، ولا لبيان الحيوان الذي تقمصه الشيطان ليزلهما، ولا ما
كان من تفصيل الحوار بين الله تعالى وآدم، ولا للبقعة التي طرد
إليها آدم بعد خروجه من الجنة.
__________
(14) أخرجه ابو داود وجاء فى تفسير مقاتل لقوله تعالى:
نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ... سورة البقرة: 223 نسخة احمد
الثالث: 37 اوانظر تحقيقنا له 1/ 192. كما جاء فى تفسير ابن
كثير لهذه الآية، وجاء فى اسباب نزول القرآن للواحدي والسيوطي.
(15) البخاري فى كتاب التفسير: 8 ط. 12 من فتح الباري.
(16) انظر الآيات التي وردت فى القرآن فى قصة آدم، ومنها آية
34 فى سورة البقرة، وآية 23 فى آل عمران، وآية 20 وما بعدها فى
الأعراف، وآية 61 فى الاسراء، والآيات 115- 122 فى طه، حيث
يقول سبحانه: (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ
فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً. وَإِذْ قُلْنا
لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ
أَبى. فَقُلْنا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ
وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى.
إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى، وَأَنَّكَ لا
تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى. فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ
قالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ
وَمُلْكٍ لا يَبْلى. فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما
سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ
الْجَنَّةِ، وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى. ثُمَّ اجْتَباهُ
رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى) .
(5/218)
ولكن التوراة تعرضت لكل ذلك واكثر منه
فابانت ان الجنة فى عدن شرقا، وان الشجرة التي نهيا عنها كانت
فى وسط الجنة، وانها شجرة الحياة، وذكرت ما انتقم الله به من
حواء بتعبها هي ونسلها فى حيلها.. إلخ «17» .
وقد نقل بعض المفسرين عن مقاتل بن سليمان قصة آدم وإبليس فى
تفسيرهم «18» . كما ذكروا كثيرا من الاسرائيليات بجوار تفسيرهم
للقرآن. ويهيأ للقارىء ان هذه الاسرائيليات التي لا نعرف صدقها
من كذبها بيان لمعنى قول الله سبحانه، وتفصيل ما أجمل فيه،
وحاشا لله ولكتابه من ذلك.
«وان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ اذن بالتحدث عنهم- أمرنا
الا نصدقهم ولا نكذبهم. فأي تصديق لرواياتهم وأقاويلهم أقوى من
ان نقرنها بكتاب الله ونضعها منه موضع التفسير او البيان؟!
اللهم غفرا» «19» .
- 5- اقسام الاسرائيليات
تنقسم الاخبار الاسرائيلية الى اقسام ثلاثة:
القسم الاول: ما يعلم صحته بان نقل عَنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نقلا صحيحا، او كان له من
الشرع شاهد يؤيده. ومنه تعيين اسم صاحب موسى عليه السلام بانه
الخضر، فقد جاء هذا الاسم صريحا فى حديث البخاري «20» . وهذا
القسم بنوعيه صحيح مقبول.
القسم الثاني: ما يعلم كذبه بان يناقض ما عرفناه من شرعنا، او
يكون مخالفا لما يقرره العقل، وهذا القسم لا يصح قبوله ولا
روايته.
القسم الثالث: هو المسكوت عنه، فلا هو من قبيل الاول، ولا هو
من قبيل الثاني. وهذا القسم نتوقف فيه فلا نصدقه ولا نكذبه.
__________
(17) العهد القديم، الاصحاح الاول من سفر التكوين ص 4- 5.
وانظر ايضا ضحى الإسلام:
1/ 232، 233، والتفسير والمفسرون: 1/ 168.
(18) تفسير مقاتل بن سليمان مخطوطة احمد الثالث 1/ 8 ب، 9 ا،
وانظر تحقيقي له مجلد 1/ 96- 98.
(19) احمد محمد شاكر: مقدمة كتاب عمدة التفسير لابن كثير ص 17.
(20) باب التفسير: 8/ 297 من فتح الباري.
(5/219)
وذهب ابن كثير الى جواز رواية هذا القسم
«21» ، ولم يوافقه فى ذلك احمد شاكر، لان رواية هذا القسم
بجوار تفسير القرآن إقرارا له وتصديق به «22» .
- 6- الاسرائيليات فى تفسير مقاتل
ما كان اغنى القرآن وتفسيره عن هذه الاسرائيليات التي نقلها
مقاتل عن اليهود والنصارى، «حتى ذكر فى تمييز خصيصته انه
(استمد علمه بالقرآن من اليهود والنصارى وجعله موافقا لما فى
كتبهم) » «23» .
وسأنقل لك عدة نماذج من هذه الاسرائيليات التي أوردها مقاتل فى
تفسيره.
وقد نقلها عنه بعض المفسرين، مع بعدها عن روح الإسلام، وهدى
القرآن.
1- جاء فى تفسير مقاتل «24» لقوله تعالى:
وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي
الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ
فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ
وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ
«25» ، قوله: فخلق آدم عَلَيْه السَّلام من طين أحمر واسود
وابيض، من السبخة والعذبة،
__________
(21) وقد تابعه فى هذا الشيخ محمد حسين الذهبي فى كتابه
التفسير والمفسرون ص 179، 180، ونقل كلام ابن كثير بدون ان
يعزوه اليه.
(22) عمدة التفسير عن الحافظ ابن كثير، تحقيق احمد شاكر ص 14
حيث قال ابن كثير:
«.. ولكن هذه الأحاديث الاسرائيلية تذكر للاستشهاد لا للاعتضاد
فانها على ثلاثة اقسام: أحدهما:
ما علمنا صحته مما بأيدينا مما نشهد له بالصدق فذاك صحيح.
والثاني ما علمنا كذبه عندنا مما يخالفه. والثالث ما هو مسكوت
عنه لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل، فلا نؤمن به ولا
نكذبه، وتجوز حكايته لما تقدم. وهو
حديث: (بلغوا عنى ولو آية، وحدثوا عن بنى إسرائيل ولا حرج.
ومن كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) .
وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود الى امر ديني، ولهذا يختلف
علماء اهل الكتاب فى مثل هذا كثيرا، ويختلف المفسرون عادة بسبب
ذلك، كما يذكرون فى مثل اسماء اصحاب الكهف ولون كلبهم وعدتهم،
وعصا موسى من اى شجر كانت؟ واسماء الطيور التي أحياها ابراهيم،
وتعيين البعض الذي ضرب به القتيل من البقرة، ونوع الشجرة التي
كلم الله منها موسى، الى غير ذلك مما أبهمه الله تعالى فى
القرآن، حيث لا فائدة منه تعود على المكلفين فى دنياهم او
دينهم، ولكن نقل الخلاف عنهم جائز، كما قال تعالى سَيَقُولُونَ
ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ ... الى آخر الآية. سورة
الكهف: 22.
ويعلق احمد شاكر بقوله: ان إباحة التحدث عنهم شيء، وذكر ذلك فى
تفسير القرآن شيء آخر، إذ انه يوهم البيان والتفصيل لكتاب
الله، وحاشا لله ولكتابه من ذلك.
(23) جولد زيهر، مذاهب التفسير الإسلامي، ترجمة دكتور عبد
الحليم النجار ص 76 نقلا عن ابن خلكان رقم 743.
(24) مخطوطة احمد الثالث 1/ 8 ا، ب وانظر تحقيقي له مجلد 1/
96- 98.
(25) سورة البقرة الآية 30. [.....]
(5/220)
فَمنْ ثَمّ نسله أبيض وأحمر وأسود، مؤمن
وكافر، فحسد إبليس تِلْكَ الصورة فَقَالَ للملائكة الَّذِين
هُمْ معه أرأيتم هَذَا الَّذِي لَمْ تروا شيئا من الخلق على
هيئته إن فضل عَلَيّ ماذا تصنعون؟ قَالوا نسمع ونطيع لأمر الله
وأسر عدو الله فِي نفسه لئن فضل آدم عَلَيْه لا يطيع،
وليستفزنه فترك آدم طينا أربعين سنة مصورا فجعل إبليس يدخل من
دبره ويخرج من فِيهِ وَيَقُولُ أَنَا نار وهذا طين أجوف والنار
تغلب الطين، لاغلبنه.
فذلك قوله عَزَّ وَجَلّ: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ
إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ يعنى قوله يومئذ: لاغلبنه) وقوله:
لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا يعني لأحتوين
عَلَى ذريته إِلَّا قليلا.
فَقَالَ الله للروح ادخلي هَذَا الجسد فقالت أَي رب أَيْنَ
تدخلني هذا الجسد المظلم؟
فَقَالَ اللَّه ادخليه كرها، فدخلته كرها وهي لا تخرج منه
إِلَّا كرها، ثُمّ نفخ فِيهِ الروح من قبل رأسه، فترددت الروح
فِيهِ حَتَّى بلغت نصف جسده موضع السرة، فعجل للقعود، فذلك
قوله (وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا) «26» .
وقد نقل المفسرون عن التوراة كثيرا مما يتعلق بخلق آدم وبدء
الخليقة، ومن السفر الاول وهو سفر التكوين او الخلق، وفى هذا
السفر خلق العالم وقصة آدم وحواء وأولادهما.
ومن أوائل من نقل هذا عن اهل الكتاب مقاتل بن سليمان.
وقد ساق الحافظ ابن كثير «27» كلاما قريبا من كلام مقاتل ثم
علق عليه قائلا:
هذا سياق غريب، وفيه أشياء فيها نظر تطول مناقشتها، وهذا
الاسناد الى ابن عباس يروى به تفسير مشهور، وقال السدى فى
تفسيره عن ابى مالك وعن ابى صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن
عباس وعن أناس من أصحاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ:
لما فرغ الله من خلق ما أحب استوى على العرش فجعل إبليس على
ملك السماء الدنيا، وكان من قبيلة من الملائكة يقال لهم الجن..
ثم ساق تفسيرا للآية يحتوي على تفسير مقاتل وعلق عليه قائلا:
فهذا الاسناد الى هؤلاء الصحابة مشهور فى تفسير السدى، وتقع
فيه إسرائيليات
__________
(26) تفسير مقاتل مخطوطة احمد الثالث: 1/ 8، وانظر تحقيقي له
مجلد 1/ 96 واتبع ذلك إسرائيليات عن تعليم آدم الأسماء، وتوبة
الله على آدم (1/ 9 ا) وانظر تحقيقي له مجلد 1/ 99- 100.
(27) تفسير ابن كثير: 1/ 76.
.
(5/221)
كثيرة، فلعل بعضها مدرج «28» ، ليس من كلام
الصحابة، او انهم أخذوه من بعض الكتب المتقدمة والله اعلم «29»
.
والحاكم يروى فى مستدركه بهذا الاسناد بعينه أشياء ويقول على
شرط البخاري «30» .
2- جاء فى تفسير مقاتل لآية الكرسي «31» ما يأتي:
(يحمل الكرسي أربعة أملاك، لكل ملك أربعة وجوه، أقدامهم تحت
الصَّخرة التي تحت الأرض السفلى مسيرة خمسمائة عام، وما بين كل
ارض مسيرة خمسمائة عام.
(ملك وجهه عَلَى صورة الإِنْسَان، وَهُوَ سيد الصور، وهو يسال
الله الرزق للآدميين.
(وملك وجهه عَلَى صورة سيد الانعام- وهو الثور- يسال الله
الرزق للبهائم.
(وملك وجهه عَلَى صورة سيد الطير- وَهُوَ النسر- وهو يسال الله
الرزق للطير.
(وملك على صورة سيد السباع- وهو الأسد- وهو يسال الله الرزق
للسباع) «32» .
وقد ساق مقاتل هذا الأثر بدون اسناد كما حذف الاسناد من جميع
تفسيره الا نادرا.
وقد أورد الملطي «33» هذا الأثر مسندا الى وهب بن منبه، وهذا
يؤكد انه من الاسرائيليات التي أخذها مقاتل عن اهل الكتاب.
وقريب من هذا الأثر حديث الأوعال، وفيه ان العرش يحمله ثمانية
أوعال «34» ما بين ركبهم واظلافهم كما بين السماء والأرض.
__________
(28) الإدراج هو ان يزاد فى الحديث ما ليس منه، ومدرج المتن:
هو ان يدخل فى حديث رسول الله (ص) شيء من كلام بعض الرواة
فيتوهم من يسمع الحديث ان هذا الكلام منه» (الباعث الحثيث شرح
اختصار علوم الحديث ط 3 ص 74) .
(29) تفسير ابن كثير: 1/ 76. 77.
(30) المرجع السابق.
(31) هي الآية 255 من سورة البقرة.
(32) تفسير مقاتل مخطوطة احمد الثالث 1/ 43 ا، ب، وانظر تحقيقي
له مجلد 1 ص 213.
(33) هو ابو الحسين محمد بن احمد الملطي المتوفى سنة 377 هـ.
وقد ساق الأثر فى كتابه التنبيه والرد على اهل الأهواء والبدع
ص 99 تحقيق محمد زاهد الكوثرى.
(34) الوعل هو التيس الجبلي.
(5/222)
وهذا الحديث فيه علل قادحة تمنع من قبوله،
وقد ساق الكوثرى سند حديث الأوعال ثم نقل عن احمد عن يحيى بن
العلاء ان (فى سنده كذابا يضع الحديث) «35» .
وقال ابو حيان فى تفسير قوله تعالى: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ
فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ3»
، وذكروا فى صفات هؤلاء الثمانية اشكالا متكاذبة ضربنا عن
ذكرها صفحا.
3- وجاء فى تفسير مقاتل للآية 258 من سورة البقرة، وهي: أَلَمْ
تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ
اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي
يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ
إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ
الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي
كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ.
(بهت نمروذ الجبار فلم يدر بخلده ما يرد عَلَى إِبْرَاهِيم
ثُمّ إن اللَّه عز وجل سلط على نمروذ بعوضة بعد ما أنجى الله
إبراهيم من النار، فعضت شفته، فأهوى إليها فطارت فى منخره،
فذهب ليأخذها فيستخرجها فدخلت فى خياشيمه، فذهب ليستخرجها
فدخلت دماغه فعذبه الله عز وجل أربعين يومًا ثُمّ مات منها.
وكان يضرب رأسه بالمطرقة فإذا ضرب سكنت البعوضة فإذا رفع
عَنْهَا تحركت. فَقَالَ اللَّه سُبْحَانَهُ وعزتي وجلالي لا
تقوم الساعة حَتَّى آتي بها- يعني الشمس- من قبل المغرب فيعلم
من يرى ذَلِكَ أني أَنَا اللَّه قادر عَلَى ان افعل ما شئت)
«37» .
4- وفى تفسير مقاتل للآية 259 من سورة البقرة وهي: أَوْ
كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى
عُرُوشِها.. الآية.
ذكر مقاتل ان اسم الشخص الذي مر على القرية عزيز، واسم القرية
سابورا على شاطئ دجلة بين واسط والمدائن «38» ، فى قصة منقولة
من الاسرائيليات، كما صرح بذلك الحافظ ابن كثير «39» .
__________
(35) الملطي فى التنبيه والرد ص 98، ومحمد زاهد الكوثرى فى
معال (اسطورة الأوعال) العدد 41 من سنة 1359 هـ: مجلة الإسلام.
ثم كتاب مقالات الكوثرى ص 308.
(36) سورة الحاقة الآية 17.
(37) تفسير مقاتل: 1/ 44 ا، وانظر تحقيقي له مجلد 1/ 216.
(38) تفسير مقاتل: 1/ 44 ا، ب، وانظر تحقيقي له مجلد 1 ص 124-
126.
(39) انظر مقدمة تفسير ابن كثير ص 4، وكتاب العمدة من تفسير
ابن كثير اختصار وتحقيق احمد شاكر ص 14. ومنهج الامام محمد
عبده فى تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاتة ص 137 مطابع
الشعب سنة 1963 م، حيث يقول الامام محمد عبده: (ونسكت عن تعيين
القرية كما سكت عنها القرآن..) (.. والقرآن لم يعين الزمان ولا
المكان، والعبرة المقصودة لا تتوقف على تعيين هذه الجزئيات..)
. [.....]
(5/223)
5- وفى تفسير الآيات 112، 113، 114 من سورة
المائدة حيث يقول سبحانه: إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يَا
عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ
يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ قالَ اتَّقُوا
اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ... والآيتين بعدها- ذكر
مقاتل وصفا تفصيليا للمائدة منقولا عن اهل الكتاب «40» .
6- وفى تفسير قوله تعالى: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ
لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا الأعراف الآية 143- يذكر مقاتل ان
الجبل صار دكا اى قطعا على ستة فرق فوقع ثلاثة بأجبل مكة:
ثبير، وغار ثور، وحزن، ووقع بالمدينة «ثلاثة» : رضوى، وورقان،
وجبل أحد. فذلك قوله جعله دكا «41» .
7- وفى تفسير قوله تعالى: وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ
مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً «42» .
يقول مقاتل: ( ... وكتبه اللَّه عَزَّ وَجَلّ بيده. فكتب فيها
إني أَنَا اللَّه الَّذِي لا إله إِلَّا أَنَا الرَّحْمَن
الرحيم، لا تشركوا بي شيئًا، وَلا تقتلوا النَّفْس، وَلا تزنوا
وَلا تقطعوا السبيل، وَلا تسبوا الوالدين، ووعظهم فِي ذَلِكَ.
والألواح من زمرد وياقوت) «43» .
ويلاحظ فى هذا النص تاثر مقاتل بالاسرائيليات، ونقله أفكار
المشبهة والمجسمة، عن اليهود.. قال الشهرستاني- فى الكلام على
المشبهة- انهم اجروا الأحاديث الواردة فى ذلك على ما يتعارف فى
صفات الأجسام «44» وزادوا فى الاخبار
__________
(40) تفسير مقاتل 1/ 112 ا. وانظر تحقيقي له مجلد 1 ص 518- 519
قال مقاتل: فنزلت من السماء «مائدة» عَلَيْهَا سمك طري وخبز
رقاق وتمر. وذكروا ان عيسى عليه السلام قَالَ لأصحابه وهم جلوس
فِي روضة هَلْ مَعَ أحد منكم شيء، فجاء شمعون بسمكتين صغيرتين
وخمسة أرغفة، وجاء آخر بشيء من سويق، فعمد عِيسَى- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقطعهما صغارا وكسر الخبز فوضعها
فلقا ووضع السويق، ثم توضأ وصلى ركعتين ودعا ربه عز وجل فالقى
عَلَى أصحابه شبه السبات، ففتح القوم أعينهم وقد زاد الطعام
حتى بلغ الركب، فقال عيسى للقوم كلوا وسموا اللَّه عَزَّ
وَجَلّ وَلا ترفعوا، وأمرهم ان يجلسوا حلقا حلقا، فجلسوا
فأكلوا حَتَّى شبعوا، وهم خمسة آلاف رَجُل وهذا ليلة الأحد
ويوم الأحد، فنادى عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ أكلتم؟ قَالُوا نعم، قَالَ لا ترفعوا، قَالُوا لا نرفع
فرفعوا فبلغ ما رفعوا من الْفَضْل أربعة وعشرين مكتلا فآمنوا
عند ذلك بعيسى، وصدقوا به. ثُمّ رجعوا إلى قومهم اليهود من بني
إِسْرَائِيل ومعهم فضل المائدة. فلم يزالوا بهم حَتَّى ارتدوا
عن الإسلام، فكفروا بِاللَّه وجحدوا بنزول المائدة. فمسخهم
اللَّه عَزَّ وَجَلّ وهم نيام خنازير، وليس فيهم صبي وَلا
امراة. اهـ.
ونقول لمقاتل ما قاله الأستاذ الامام: (ان العبرة المقصودة من
الآيات لا تتوقف على تعيين هذه الجزئيات) ، وان هذه التفاصيل
لا سند لها من النقل او من العقل.
(41) تفسير مقاتل 1/ 136 ا، وانظر تحقيقي له مجلد 2/ 61.
ونقول لمقاتل: كلام الله غنى عن هذه الأشياء التي لا سند لها
من العقل او النقل.
(42) الأعراف آية 145.
(43) تفسير مقاتل 1/ 136 اوانظر تحقيقي له مجلد 2/ 62- 63.
(44) انظر باب: مقاتل وعلم الكلام، والتشبيه عند مقاتل: 80-
84.
(5/224)
أكاذيب وضعوها ونسبوها الى النبي صلى الله
عليه وسلم، وأكثرها مقتبس من اليهود، فان التشبيه فيهم طباع
حتى قالوا فى الله تعالى اشتكت عيناه فعادته الملائكة، وبكى
على طوفان نوح حتى رمدت عيناه، وان العرش ليئط من تحته كاطيط
الرحل الجديد)
وروى المشبهة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لقيني ربى
فصافحني وكافحنى، ووضع يده بين كتفي حتى وجدت برد أنامله) «45»
.
ويقول فى موضع آخر (ولقد كان التشبيه صرفا خالصا فى اليهود لا
فى كلهم، بل فى القرائين منهم، إذ وجدوا فى التوراة ألفاظا
كثيرة تدل على ذلك) «46» .
8- وفى تفسير مقاتل للآية 29 من سورة الرعد، وهي: الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ.
يقول طُوبى لَهُمْ يعنى حسنى لهم وهي بلغة العرب. (وطوبى شجرة
في الجنة لو أن رجلا ركب فرسا أو نجيبة وطاف على ساقها لم يبلغ
المكان الذي ركب منه حتى يقتله الهرم، ولو أن طائرا طار من
ساقها لم يبلغ فرعها حتى يقتله الهرم، وكل ورقة منها تظل امة
من الأمم، وعلى كل ورقة منها ملك يذكر الله تعالى، ولو أن ورقة
منها وضعت في الأرض لأضاءت الأرض نورا كما تضيء الشمس، تحمل
هذه الشجرة لهم ما يشاءون من ألوان الحلي والحلل، والثمار غير
الشراب) «47» .
وإذا لاحظنا ان اسباب الضعف فى رواية التفسير بالمأثور ترجع
الى اسباب ثلاثة هي كثرة الوضع فى التفسير، ودخول الاسرائيليات
فيه، وحذف الأسانيد- قلنا ان وصف مقاتل للجنة لا يخرج عن ان
يكون من الموضوعات، او مما نقله من الاسرائيليات، وزاد مقاتل
انه حذف السند فوضع الشوك فى طريق تجريد التفسير من الموضوع
والدخيل.
9- وقد تحدثت سورة الأنبياء عن ابراهيم عليه السلام فى الآيات
51- 73.
وذكرت ان ابراهيم حطم الأصنام، وجعلها قطعا، وترك الصنم
الأكبر.
قال تعالى فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ
الأنبياء/ 58.
ويقول مقاتل: (.. يعني أكبر الأصنام، فلم يقطعه وهو من ذهب
ولؤلؤ، وعيناه ياقوتتان حمراوان تتوقدان في الظلمة، لهما بريق
كبريق النار، وهو في مقدم البيت، وضع الفاس فى يدي الصنم
الأكبر «لعلهم اليه يرجعون» اى يرجعون من عيدهم الى الصنم
الأكبر) «48» .
__________
(45) الشهرستاني: الملل والنحل ص 37، 38.
(46) الشهرستاني، الملل والنحل ص 31، وانظر احمد أمين ضحى
الإسلام: 1/ 336، 337 ط 7.
(47) تفسير مقاتل مخطوطة احمد الثالث: 1/ 189 ب، وانظر تحقيقي
له مجلد 2/ 377.
(48) تفسير مقاتل مخطوطة احمد الثالث 2/ 15 ا. وانظر تحقيقي له
مجلد 3/ 84.
(5/225)
وإذا ذكرنا ان هذا الوصف للصنم الأكبر لم
يرد فى القرآن ولا فى السنة الصحيحة- أدركنا انه من الموضوعات
او من الاسرائيليات.
10- ونجد فى سورة النمل حديثا عن نبى الله سليمان وبلقيس، وان
بلقيس أرسلت الى سليمان هدية تختبره بها. قال تعالى فى حكاية
ما قالته بلقيس: وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ
فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ النمل/ 35.
ويقول مقاتل فى وصف هذه الهدية: (.. فأرسلت بهدية مع الوفد
عليهم المنذر بن عمرو، والهدية مائة وصيف ووصيفة، وجعلت
للجارية قصة أمامها وقصة مؤخرها، وجعلت للغلام قصة أمامه
وذؤابة وسط رأسه، وألبستهم لباسا واحدا، وبعثت بحقة فيها
جوهرتان، إحداهما مثقوبة، والأخرى غير مثقوبة، وقالت للوفد إن
كان نبيا فسيميز بين الجواري والغلمان، ويخبر بما فى الحقة،
فلما انتهت إلى سليمان عليه السلام، ميز بين الوصفاء والوصائف
«49» ، وحرك الحقة، وجاء جبريل عليه السلام فأخبره بما فيها،
فقيل له: أدخل في المثقوبة خيطا من غير حيلة إنس ولا جان،
واثقب الأخرى من غير حيلة إنس ولا جان، وكانت الجوهرة المثقوبة
معوجة الثقب فاتته دودة تكون فى الفضفضة وهي الرطبة، فربط في
مؤخرها خيطا، فدخلت الجوهرة حتى أنفذت الخيط إلى الجانب الآخر
فجعل رزقها فى الفضفضة وجاءت الأرضة فقالت لسليمان اجعل رزقي
في الخشب والسقوف والبيوت قال: نعم فثقبت الجوهرة، فهذه حيلة
من غير إنس ولا جان. وسألوه ماء لم ينزل من السماء ولم يخرج من
الأرض فامر بالحيل فأجريت حتى عرقت، فجمع ماء العرق فى شيء حتى
صفا، وجعل فى قداح الزجاج، فعجب الوفد من عمله وجاء جبريل عليه
السلام فأخبره بما في الحقة، فأخبرهم سليمان بما فيها، ثم رد
سليمان الهدية وقال للوفد: «أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما
آتانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ» يقول فمما أعطاني الله
تعالى من الإسلام والنبوة والملك والجنود خيرا مما أعطاكم)
«50» .
وقد نقل النسفي فى تفسير الآية 35 من سورة النمل هذه، كلام
مقاتل ولم يعقب عليه بكلمة واحدة، (مع ان وصف الهدية هذا أشبه
ما يكون بقصة نسجها خيال شخص مسرف فى تخيله) «51» .
وعند ما فسر ابو السعود هذه الآية- نقل كلام مقاتل مع شيء من
التغيير، فقد ذكر مقاتل ان هدية بلقيس كانت مائة وصيف ووصيفة.
اما ابو السعود فقال:
(روى انها بعثت خمسمائة غلام عليهم ثياب الجواري وحليهم
الأسوار
__________
(49) يقصد بالوصفاء الذكور، وبالوصائف الإناث.
(50) تفسير مقاتل 2/ 59 ا، وانظر تحقيقي له مجلد 3/ 304- 306.
(51) التفسير والمفسرون: 1/ 208.
(5/226)
والاطواق..) «52» الى آخر ما ذكره من هذه
القصة. ولم يعقب عليها بكلمة واحدة.
ولعله اكتفى بان بدا القصة بكلمة روى للاشارة الى ضعفها.
ومن هذا نرى ان مقاتلا سن سنة سيئة للمفسرين حين وضع هذه
الاسرائيليات فى تفسيره لكتاب الله.
11- وفى أول سورة فاطر يقول سبحانه: يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما
يَشاءُ ويقول مقاتل: (وذلك أن في الجنة نهرا يقال له نهر
الحياة، يدخله كل يوم جبريل عليه السلام، بعد ثلاث ساعات من
النهار يغتسل فيه، وله جناحان ينشرهما في ذلك النهر، وجناحه
سبعون ألف ريشة، فيسقط من كل ريشة قطرة من ماء، فيخلق الله جل
وعز منها ملكا يسبح الله تعالى إلى يوم القيامة، فذلك قوله عز
وجل يَزِيدُ فِي الخلق ما يشاء) اهـ.
وغنى عن البيان ان هذا الكلام من الاسرائيليات التي لا يقبلها
العقل، ولم يرد بها اثر صحيح، فما أجدر تفسير كتاب الله ان
ينقى منها.
12- اما الكلام عن أنبياء الله ورسله واتهامهم بالنقائص فقد
نقله مقاتل عن التوراة وغيرها من الكتب السابقة بعد ان عبث بها
اليهود والنصارى.
يقول الله تعالى: وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ
تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ ص/ 21، ويقول مقاتل فى تفسيرها: (وذلك
أن داود قال: رب اتخذت إبراهيم خليلا، وكلمت موسى تكليما،
فوددت أنك أعطيتني من الذكر مثل ما أعطيتهما. فقال له: انى
ابتليتهما بما لم أبتلك به، فان شئت ابتليتك وأعطيتك مثل ما
أعطيتهما من الذكر، قال:
نعم، قال اعمل عملك، فمكث داود عليه السلام ما شاء الله عز وجل
يصوم نصف الدهر، ويقوم نصف الليل، إذ صلى في المحراب فجاء طير
حسن ملون فوقع إليه، فتناوله فصار إلى الكوة، فقام ليأخذه،
فوقع الطير في بستان، فأشرف داود فرأى امرأة تغتسل، فتعجب من
حسنها، وأبصرت المرأة ظله فنفضت شعرها فغطت جسمها، فزاده ذلك
بها عجبا، ودخلت المرأة منزلها وبعث داود غلاما فى اثرها.
فإذا هي بتسامع امراة أوريا بن حنان، وزوجها في الغزو في بعث
البلقاء الذي بالشام، مع ثواب بن صوريا ابن أخت داود عليه
السلام، فكتب داود إلى ابن أخته بعزيمة أن يقدم أوريا فيقاتل
أهل البلقاء ولا يرجع حتى يفتحها أو يقتل فقدمه فقتل رحمة الله
عليه، فلما انقضت عدة المرأة تزوجها داود، فولدت له سليمان بن
داود، فبعث الله عز وجل إلى داود عليه السلام ملكين ليستنقذه
بالتوبة، فاتوه يوم راس
__________
(52) تفسير ابى السعود: 4/ 131. وابو السعود هو محمد بن محمد
بن مصطفى العمادي الحنفي المولود سنة 892 هجرية، بقرية قريبة
من القسطنطينية والمتوفى بمدينة القسطنطينية سنة 982 هـ واسم
تفسيره (ارشاد العقل السليم الى مزايا الكتاب الكريم) وشهرته
تفسير ابى السعود.
(5/227)
المائة فى المحراب، وكان يوم عبادته،
والحرس حوله، فلما رآهما داود قد تسوروا «53» المحراب فزع داود
وقال في نفسه: لقد ضاع ملكي حين يدخل على بغير اذن ...
فقال أحدهما (إِنَّ هذا أَخِي) يعني الملك الذي معه (لَهُ
تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً) يعنى تسع وتسعون امراة وهكذا كن
لداود، فطلب منى ان اضم امراتى اليه..
فقال داود (لَقَدْ ظَلَمَكَ) بهذا الطلب. ثم صعد الملكان- فعلم
ان الله ابتلاه بذلك) «54» اهـ.
وهذه القصة التي ذكرها مقاتل عن داود عليه السلام نقدها
النسفي، وبين انها كذب وافتراء على أنبياء الله حيث قال:
(وما يحكى من ان داود بعث مرة بعد مرة أوريا الى غزوة البلقاء،
وأحب ان يقتل ليتزوجها- يعنى زوجة أوريا- فلا يليق من المتسمين
بالصلاح من افناء الناس فضلا عن بعض أعلام الأنبياء، وقال على
رضى الله عنه من حدثكم بحديث داود عليه السلام على ما يرويه
القصاص جلدته مائة وستين جلدة، وهو حد الفرية على الأنبياء)
«55» أهـ.
وقد نقل الخازن «56» فى تفسيره قصة داود وامراة أوريا كما ذكر
قصصا عن داود أشبه ما يكون بالخرافة، ولكنه عقب على هذا القصص
بقوله:
(فصل فى تنزيه داود عليه الصلاة والسلام عما لا يليق به وينسب
اليه) وفند فى هذا الفصل كل ما ذكره مما يتنافى مع عصمة نبى
الله داود عليه السلام «57» .
ومما يؤكد ان كتب اليهود هي التي وصمت الأنبياء بالنقائص،
واتهمتهم بالزنا وشرب الخمر وارتكاب الكبائر- ما ورد فى
الاصحاحين الحادي عشر والثاني عشر من سفر صموئيل الثاني:
ان داود زنى بامراة (أوريا) المجاهد المؤمن وحملت من ذلك الزنا
فخشي داود الفضيحة. وأراد تمويه الأمر على أوريا، فطلبه وامره
ان يدخل بيته، فأبى أوريا
__________
(53) فى الأصل تسوروا. [.....]
(54) تفسير مقاتل مخطوطة احمد الثالث 2/ 116 ا، ب. وانظر
تحقيقي له: 3/ 640- 641.
(55) تفسير النسفي: 4/ 29- 30. والنسفي هو ابو البركات عبد
الله بن احمد بن محمود النسفي الحنفي: نسبة الى نسف من بلاد ما
وراء النهر توفى سنة 701 هـ. ودفن بايذج بكرستان. وله عدة
تصانيف فى الفقه والأصول وغيرهما. ومن تصانيفه مدارك التنزيل
وحقائق التأويل وهو تفسير متداول بين الناس.
(56) هو علاء الدين ابو الحسن على بن محمد بن ابراهيم بن عمر
بن خليل الشيحى البغدادي الشافعي الصوفي المعروف بالخازن، ولد
ببغداد سنة 678 هـ. وتوفى بمدينة حلب سنة 741 هـ.
وقد ترك كتبا جمة فى فنون مختلفة منها تفسيره المسمى (لباب
التأويل فى معاني التنزيل) وشهرته تفسير الخازن.
(57) تفسير الخازن: 6/ 38- 42.
(5/228)
وقال: سيدي (يوآب) وعبيد سيدي نازلون على
وجه الصحراء، وانا آتى الى بيتي لآكل واشرب واضطجع مع امراتى،
وحياتك لا افعل هذا الأمر.
فلما يئس داود من التمويه اقامه عنده اليوم ودعاه فأكل عنده
وشرب واسكره، وفى الصباح كتب داود الى يوآب: اجعلوا أوريا فى
وجه الحرب الشديدة، وارجعوا من ورائه فيضرب ويموت. وقد فعل
يوآب ذلك فقتل أوريا، وأرسل الى داود يخبره بذلك، فضم داود
امراة أوريا الى بيته وصارت امراة له بعد انتهاء مناحتها على
بعلها.
وفى الاصحاح الاول من إنجيل متى: ان سليمان بن داود ولد من تلك
المراة.
(فتامل كيف تجرا هذا الواضع على الله؟ وكيف تصح نسبة هذا الفعل
الى من له ادنى غيرة وحمية، فضلا عن انه نبى من أنبياء الله؟
وكيف يجتمع هذا مع ما فى إنجيل لوقا من ان المسيح يجلس على
كرسي داود أبيه؟!!) «58» .
وأظنك ترى الشبه واضحا بين ما ورد فى كتب العهد القديم: فى سفر
صمويل وما ورد فى تفسير مقاتل، فليس هناك فارق سوى ان سفر
صمويل اتهم داود بالزنا مع امراة أوريا وان مقاتل جعله يحتال
على قتل زوجها ليظفر بها، وكلاهما افتراء على أنبياء الله.
وسفر صمويل من اسفار العهد القديم.
وفى العهد القديم غير التوراة سفر يوشع. ثم سفر القضاة، ثم
اربعة اسفار الملوك: الاول فى اخبار شمويل او سمويل او صمويل،
والثاني فى ذكر داود والثالث والرابع فى سليمان بن داود ومن
ملك بنى إسرائيل من بعده «59» .
13- ويطول بنا القول لو ذهبنا نذكر جميع الاسرائيليات التي
أوردها مقاتل وقبلها فى تفسيره، ولكني أحب ان أنبه على ان
كثيرا من المفسرين قد اغتروا بوجود هذه القصص فى كتب العهد
القديم والجديد، فنقلوه بجوار تفسيرهم للاستشهاد لا للاعتضاد،
فجاء من بعدهم وظنها من تفسير القرآن. او انها راى للمفسر فى
الآية.
ومع ورود النهى الشديد عن تصديق اهل الكتاب او تكذيبهم، فيما
لا نعرف صحته من باطله، ووجوب تكذيبهم فيما نعرف كذبه،
وتصديقهم فيما نعرف صدقه- رأينا بعض المفسرين يصدقونهم فيما صح
عندنا كذبه، وما ثبت لنا عن المعصوم صلى الله عليه وسلم انه
باطل وافتراء.
__________
(58) ابو القاسم الموسوي الخوئى: البيان فى تفسير القرآن: 1/
38 المطبعة العلمية بالنجف.
(59) ضحى الإسلام: 1/ 329 ط 7.
(5/229)
- 7- راى ابن كثير فى الاسرائيليات
(ا) قال ابن كثير فى تفسيره لاول سورة ق (وقد روى عن بعض السلف
انهم قالوا: ق جبل محيط بجميع الأرض، يقال له جبل قاف!! وكان
هذا- والله اعلم- من خرافات بنى إسرائيل التي أخذها عنهم بعض
الناس، لما راى من جواز الرواية عنهم مما لا يصدق ولا يكذب،
وعندي ان هذا وأمثاله وأشباهه من اختلاف بعض زنادقتهم، يلبسون
به على الناس امر دينهم، كما افترى فى هذه الامة- مع جلالة قدر
علمائها وحفاظها وأئمتها- أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم،
وَمَا بالعهد من قدم فكيف بامة بنى إسرائيل، مع طول المدى،
وقلة الحفاظ والنقاد فيهم، وشربهم الخمور، وتحريف علمائهم
الكلم عن مواضعه، وتبديل كتب الله وآياته. وانما أباح الشارع
الرواية عنهم فى قوله: «وحدثوا عن بنى إسرائيل ولا حرج» - فيما
قد يجيزه العقل فاما فيما تحيله العقول، ويحكم فيه بالبطلان،
ويغلب على الظنون كذبه- فليس من هذا القبيل والله اعلم. وقد
اكثر كثير من السلف من المفسرين وكذا طائفة كثيرة من الخلف. من
الحكاية عن كتب اهل الكتاب فى تفسير القرآن المجيد، وليس بهم
احتياج الى اخبارهم ولله الحمد والمنة.
حتى ان الامام أبا محمد عبد الرحمن بن ابى حاتم الرازي رحمة
الله عليه أورد هاهنا أثرا غريبا- لا يصح سنده- عن ابن عباس
رضى الله عنهما، فقال حدثنا ابى، قال حدثت عن محمد بن إسماعيل
المخزومي، حدثنا ليث بن ابى سليم، عن مجاهد، عن ابن عباس رضى
الله عنهما قال.
خلق الله تبارك وتعالى من وراء هذه الأرض بحرا محيطا بها، ثم
خلق من وراء ذلك البحر جبلا يقال له قاف، سماء الدنيا مرفوعة
عليه.. الحديث «60» .
قال ابن كثير: واسناد هذا الحديث فيه انقطاع. والذي رواه على
بن ابى طلحة عن ابن عباس رضى الله عنهما فى قوله عز وجل (ق) هو
اسم من اسماء الله عز وجل.
والذي ثبت عن مجاهد انه حرف من حروف الهجاء كقوله تعالى (ص- ن-
حم- طس- الم) ونحو ذلك. فهذه تبعد ما تقدم عن ابن عباس رضى
الله عنهما) «61» .
(ب) وتوالت حملات الحافظ ابن كثير على هذه الاسرائيليات وانتقد
ما أورده المفسرون من روايات إسرائيلية فى تفسير آيات معينة من
القرآن الكريم.
__________
(60) ذكر ابن كثير تمام الحديث حتى عد سبع ارضين وسبعة أبحر
وسبعة أجبل وسبع سموات (وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ
سَبْعَةُ أَبْحُرٍ) . انظر تفسير ابن كثير: 4/ 221.
(61) تفسير ابن كثير: 4/ 221.
(5/230)
فعند تفسيره للآية 50 من سورة الكهف «62» -
بعد ان ذكر أقوالا فى (إبليس) واسمه ومن اى قبيل هو؟! - قال:
(وقد روى فى هذا آثار كثيرة عن السلف.
وغالبها من الاسرائيليات التي تنقل لينظر فيها، والله اعلم
بحال كثير منها، ومنها ما يقطع بكذبه لمخالفته للحق الذي
بأيدينا) «63» .
(ج) وقد ذكر مقاتل فى تفسيره للآيات 74- 80 من سورة الانعام،
قصة ابراهيم عليه السلام، وان أباه حفر له سربا فى الأرض بعيدا
عن الناس، فلما راى ابراهيم الكواكب لاول مرة قال للكوكب هذا
ربى «64» .
وذكر ابن كثير عند تفسيره للآيات 51- 56 من سورة الأنبياء قصة
ابراهيم مع أبيه، ونظره الى الكواكب ثم قال: (وما يذكر من
الاخبار عنه فى إدخال أبيه له فى السرب وهو رضيع، وانه خرج به
بعد ايام، فنظر الى الكواكب والمخلوقات فتبصر فيها، وما قصه
كثير من المفسرين وغيرهم- فعامتها أحاديث بنى إسرائيل) «65» .
__________
(62) هي قوله تعالى: وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا
لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ
فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ، أَفَتَتَّخِذُونَهُ
وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ،
بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا.
(63) ابن كثير: 3/ 89، ويزيد ابن كثير قائلا: (وفى القرآن غنية
عن كل ما عداه من الاخبار المتقدمة، لأنها لا تكاد تخلو من
تبديل، وزيادة ونقصان. وقد وضع فيها أشياء كثيرة. وليس لهم من
الحفاظ المتقنين الذين ينفون عنها تحريف الغالين وانتحال
المبطلين- كما لهذه الامة من الائمة والعلماء، والسادة
والأتقياء، والبررة والنجباء، من الجهايذة النقاد والحفاظ
الجياد، الذين دونوا الحديث وحرروه، وبينوا صحيحه من حسنه من
ضعيفه، من منكره وموضوعه ومتروكه ومكذوبه، وعرفوا الوضاعين
والكذابين والمجهولين وغير ذلك من اصناف الرجال. كل ذلك صيانة
للجناب النبوي والمقام المحمدي وخاتم الرسل وسيد البشر- صلى
الله عليه وسلم- ان ينسب اليه كذب، او يحدث عنه بما ليس منه.
فرضي الله عنهم وأرضاهم. وجعل جنات الفردوس مأواهم. وقد فعل) .
(64) تفسير مقاتل مخطوطة احمد الثالث 1/ 119، وانظر تحقيقي له
1/ 569- 573. عند تفسيره لقوله تعالى: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ
لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً.. الآيات. وقد
ذكر مقاتل قصة طويلة فى تفسيره هذه الآية منها: (ان الكهنة
قالوا لنمروذ الجبار انه يولد فى هذه السنة غلام يفسد آلهة
الأرض، فامر النمروذ بقتل كل غلام يولد فى هذه السنة، فلما ولد
ابراهيم وضعه ابو فى السرب خوفا عليه، ونما ابراهيم نماء سريعا
ثم أخذ يبحث عن الإله، فلما جن الليل عليه دنا من باب السرب
فراى الزهرة، فقال هذا ربى، ثم قال ذلك للقمر ثم للشمس) .
(65) تفسير ابن كثير: 3/ 181، عند تفسيره لقوله تعالى:
وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا
بِهِ عالِمِينَ والآيات التي تليها من سورة الأنبياء من آية
74- 80.
ثم عنق ابن كثير بحديث طويل عن الاسرائيليات وأقسامها الثلاثة
وهي:
1- ما يعلم صدقه فنقبله.
2- ما يعلم كذبه فترفضه.
3- ما لا يعلم صدقه من كذبه فنتوقف عنه، فلا تصدقه ولا نكذبه.
(5/231)
(ذ) وفى تفسير الآية 102 من سورة البقرة
ورد ذكر هاروت وماروت. وأورد مقاتل فى تفسيره قصة نقلها عن بنى
إسرائيل «66» .
اما ابن كثير فانه بين فساد هذا المسلك من المفسرين فقال:
وقد روى فى قصة هاروت وماروت عن جماعة من التابعين، كمجاهد
والسدى والحسن البصري وقتادة وابى العالية والربيع بن انس
ومقاتل بن حيان وغيرهم، وقصها خلق من المفسرين، من المتقدمين
والمتأخرين، وحاصلها راجع فى تفصيلها الى اخبار بنى إسرائيل،
إذ ليس فيها حديث مرفوع صحيح متصل الاسناد الى الصادق المصدوق
المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، وظاهر سياق القرآن إجمال القصة
من غير بسط ولا اطناب فنحن نؤمن بما ورد فى القرآن على ما
اراده الله تعالى، والله اعلم بحقيقة الحال «67» .
(هـ) وعند تفسير الآيات 41- 44 من سورة النمل أورد مقاتل كثيرا
من الاسرائيليات عن بلقيس ملكة سبا «68» .
اما ابن كثير فقد ذكر طرفا من هذه الاسرائيليات ثم علق عليها
بقوله:
(والأقرب فى مثل هذه السياقات انها متلقاة عن اهل الكتاب، ومما
وجد فى صحفهم، كروايات كعب ووهب، سامحهما الله فيما نقلاه الى
هذه الامة من اخبار بنى إسرائيل، من الاوابد والغرائب
والعجائب، مما كان وما لم يكن، ومما حرف وبدل ونسخ. وقد أغنانا
الله سبحانه عن ذلك بما هو أصح منه وانفع وأوضح وابلغ. ولله
الحمد والمنة) «69» .
(و) وتعقيب ابن كثير فى تفسيره من هذه الاسرائيليات بالنقد
والتمحيص بعد روايتها. كما فى تفسيره للآية 46 من سورة
العنكبوت «70» ، وللآية 190 من سورة الأعراف، وللآية 79 من
سورة البقرة. حيث أورد كلمة لابن عباس رواها البخاري فى صحيحه
وهي قول ابن عباس: (يا معشر المسلمين كيف تسألون اهل الكتاب عن
شيء وكتابكم الذي انزل الله على نبيه أحدث اخبار الله، تقرءونه
محضا لم يشب!
__________
(66) تفسير مقاتل مخطوطة احمد الثالث 1/ 19 ا، وانظر تحقيقي له
مجلد 1/ 127، قال مقاتل:
كان هاروت وماروت من الملائكة مكانهما فى السماء واحد وكان ابو
صالح يروى عن الحسن انهما هبطا بالسحر ابتلاء من الله لخلقه
...
(67) انظر تفسير ابن كثير للآية 102 من سورة البقرة الجزء
الاول من ص 133- 148. [.....]
(68) تفسير مقاتل مخطوطة احمد الثالث 2/ 59 وانظر تحقيقي له
مجلد 3/ 304- 308.
(69) تفسير ابن كثير: 3/ 366.
(70) فقد روى ابن كثير حديث: (إذا حدثكم اهل الكتاب فلا
تصدقوهم ولا تكذبوهم) ثم قال (وليعلم ان اكثر ما يتحدثون به
غالبه كذاب وبهتان، لأنه قد دخله تحريف وتغيير وتاويل. وما اقل
الصدق فيه ثم ما اقل فائدته لو كان صحيحا)
(5/232)
وقد حدثكم الله ان اهل الكتاب قد بدلوا
كتاب الله وغيروه وكتبوا بأيديهم الكتاب، وقالوا: هو مِنْ
عِنْدِ اللَّهِ، لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا. أفلا
ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مساءلتهم؟ ولا والله ما رأينا
منهم أحدا قط سألكم عن الذي انزل إليكم) .
وهذه الموعظة القوية الرائعة، رواها البخاري فى ثلاثة مواضع من
صحيحه «71» .
- 8- الاسرائيليات فى كتب التفسير بعد مقاتل
نمت الاسرائيليات واتسعت فى كتب التفسير وخاصة المطولة التي
تعتمد المأثور منذ كتب الطبري والبغوي والخازن وابن كثير
والقرطبي وغيرهم.
ورغم تحذير بعض هؤلاء المفسرين من هذه الاسرائيليات ونقدهم
لبعضها فى كتبهم كما قدمنا عن ابن كثير، نراهم عند التطبيق قد
حشدوا كثيرا من هذه الروايات الاسرائيلية، خصوصا عند توضيح
جزئيات قصص القرآن، وعند ذكر الشخصيات والاحداث، وكيفياتها
ووقائعها وظروفها.
ومعظم هذه الروايات معزوة الى كعب الأحبار، وعبد الله بن سلام
وثعلبة ومحمد القرطبيين، وابن جريج، وابن نوف، وأبناء منبه،
وغيرهم من مسلمي اهل الكتاب وخاصة مسلمي اليهود.
وابن خلدون فى مقدمته يذكر من اسباب الاستكثار من هذه المرويات
اعتبارات اجتماعية، ودينية، اغرت المسلمين بهذا الأخذ والنقل،
الذي اتسعت له كتب التفسير المروي فاشتملت على الغث والسمين،
والمقبول والمردود، فيعد ابن خلدون من الاعتبارات الاجتماعية
غلبة البداوة والامية على العرب وتشوقهم لمعرفة ما تتشوق اليه
النفوس البشرية فى اسباب المكونات وبدء الخليقة واسرار الوجود،
وهم انما يسألون فى ذلك اهل الكتاب قبلهم، ثم يذكر من
الاعتبارات الدينية التي سوغت عنده هذا التلقي الكثير لمثل تلك
المرويات فى تساهل وعدم تحر للصحة، ان مثل هذه المنقولات ليست
مما يرجع الى الأحكام فيتحرى فيها الصحة التي يجب بها العمل.
فتساهل المفسرون فى مثل ذلك، وملئوا كتبهم بمنقولات عن عامة
اهل التوراة الذين كانوا بين العرب وكانوا بداة مثلهم، لا
يعرفون من ذلك الا ما تعرفه العامة من اهل الكتاب، ولا تعلق
لها بالاحكام الشرعية التي يحتاط لها «72» .
والحق ان هذه الروايات التي امتلأت بها كتب التفسير المذكورة
وغير المذكورة
__________
(71) انظر عمدة التفسير عن الحافظ ابن كثير، اختصار وتحقيق
احمد شاكر: 1/ 19. والمواضع الثلاثة التي روى فيها البخاري
موعظة ابن عباس هي ص 215 ج 5، ص 82، 414 ج 13 من فتح الباري.
(72) مقدمة ابن خلدون ص 383، 384 بتصرف.
(5/233)
والمطبوعة وغير المطبوعة- قد استغرقت حيزا
كبيرا، ان لم يكن الحيز الأكبر منها، وكادت تغطى على ما فى
القرآن من مبادئ واحكام ووصايا، هي جوهر القرآن ومحكمه الذي
فيه الهدى والذكر والموعظة والنور والفرقان، حتى كادت تشغل
المسلمين وتستغرق تفكيرهم.
ولقد كان كثير من القصص والشخصيات القرآنية مما ذكر فى الكتب
والاسفار التي كانت متداولة فى أيدي اهل الكتاب، ولم تكن هذه
الكتب والاسفار مترجمة الى العربية، فكان اليهود يقرءونها
بالعبرانية، ويفسرونها للسائلين بالعربية، ولم يكن لدى
المسلمين الوسيلة للتاكد من صدقهم فى الترجمة او تحريفهم لها.
ولذلك قال صلى الله عليه وسلم (لا تصدقوا اهل الكتاب ولا
تكذبوهم) «73» .
ونحن نرجح ان جل ما روى عن مسلمة اهل الكتاب كان اجوبة على
اسئلة من المسلمين عن جزئيات الاحداث والشخصيات والاعلام
والمسائل القرآنية، وانهم كانوا يعزون اجوبتهم الى ما فى
أيديهم من الاسفار، فيتقبله السامعون على علاته، ويرويه الرواة
ويدونه المدونون، لأنه لا سبيل الى التحقق من صحته، بالنسبة
للسائلين والرواة والمدونين، من اهل القرون الثلاثة الاولى.
ولا يمنع هذا، ان اهل الكتاب كانوا يسترسلون فى شرح الاجوبة
والتعليق عليها من عند أنفسهم.
- 9- مسئولية المفسرين
ان المسئولية الاولى عن هذه الاسرائيليات التي ملئت بها كتب
التفسير، لا تقع على عاتق اهل الكتاب وحدهم كما هو قائم فى
الأذهان، وانما تقع على عاتق الرواة والمدونين القدماء، سواء
الذين رووا ودونوا اجوبة اهل الكتاب وشروحهم لاول مرة فى كتب
لم تصل إلينا، او الذين دونوها فى الكتب التي وصلت إلينا نقلا
عن الكتب المتقدمة.
وكلهم مفروض فيه القدرة على تمييز الغث من السمين، والباطل من
الحق، والكذب من الصدق، وعلى لمح ما فى هذه الروايات من غلو
ومبالغات لا يصح كثير منها فى عقل او منطق او واقع، ولا يؤيدها
اثر صحيح.
ولا شك ان هناك مفسرين وقفوا من بعض هذه الروايات موقف المنكر
الناقد، غير ان الحق يقتضينا ان نقول ان هذا لم يكن شاملا ولا
عاما، وان الناقدين والمفكرين أنفسهم رووا كثيرا منها فى
مناسبات كثيرة بدون نقد او انكار.
__________
(73)
رواه البخاري عن ابى هريرة قال كان اهل الكتاب يقرءون التوراة
بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (لا تصدقوا اهل الكتاب ولا تكذبوهم،
وقولوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا
أُنْزِلَ الى ابراهيم وإسماعيل واسحق وَيَعْقُوبَ
وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ
النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ احد منهم
ونحن له مسلمون) .
(5/234)
الدارس لكتب التفسير القديمة يجد بيانات
مسهبة حول القصص والشخصيات والاعلام والاحداث القرآنية، معزوزة
الى بعض اصحاب رسول الله وتابعيهم، من غير مسلمي اهل الكتاب:
أمثال عبد الله بن مسعود، وابن عباس، وابى هريرة، وابى ذر،
وعبد الله بن جابر، ومسروق، ومجاهد، وعكرمة، والحسن، والضحاك
وسعيد بن جبير، وزيد بن اسلم، وعطاء، وطاوس، وابن اسحق،
وغيرهم. ويجد فى هذه البيانات اغرابا ومبالغة وخيالا وبعدا عن
المنطق والعقل والإمكان.
ومنها ما رووه بصيغة أحاديث نبوية غير واردة فى كتب الأحاديث
المعتبرة، بحيث تكون تسمية البيانات جميعها بالاسرائيليات ليس
صحيحا، وانما هو من قبيل التغليب.
ومن هذه البيانات ما يدور حول قصص وشخصيات وأعلام واحداث
قرآنية ليست واردة فى اسفار اهل الكتاب، وبخاصة اسفار العهد
القديم، مثل قصص هود وقومه عاد فى الأحقاف، وتبع، وصالح وقومه
ثمود فى الحجر، وشعيب وقومه فى مدين، واصحاب الايكة واهل الرس،
ولقمان، وذى القرنين، واصحاب الكهف، وغير ذلك مما هو عربي او
غير اسرائيلى بالاضافة الى البيانات التي تساق على هامش قصص
ابراهيم عليه السلام، والتي لم تذكر فى الاسفار «74» .
والامثلة على هذا القصص لا حصر لها فى كتب التفسير، ومن ذلك ما
يروى عن قتادة فى سياق إنشاء ابراهيم بيت الله مع إسماعيل «75»
، من ان آدم حين هبط الى الأرض كان رأسه فى السماء ورجلاه فى
الأرض، وانه طاف بالبيت فى مكة، ومد الله له فى خطوه فكان بين
كل خطوتين مفازة، فطاف آدم بالبيت، وطاف به من بعده الأنبياء
«76» .
ومن ذلك ما يروى عن السدى عن زيد بن اسلم فى سياق المناظرة بين
ابراهيم عليه السلام والملك نمروذ. وهذه القصة قد وردت فى
تفسير مقاتل «77» ، كما وردت فى تفسير ابن كثير «78» ، وفيها
ان الله سلط العوض على النمروذ وجنوده
__________
(74) محمد عزة دروزة، مقال بمجلة الوعى الإسلامي (بالكويت) ،
السنة الثانية عدد 19 رجب سنة 1386 هـ، اكتوبر 1966 م. والسيد
ابو القاسم الموسوي الخوئى، البيان فى تفسير القرآن:
1/ 35- 40 المطبعة العلمية بالنجف.
(75) انظر تفسير ابن كثير للآية 127 من سورة البقرة: (وَإِذْ
يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ
وَإِسْماعِيلُ ... الآية) .
(76) انظر تفسير ابن كثير للآية 127 من سورة البقرة.
(77) تفسير مقاتل للآية 258 من سورة البقرة: أَلَمْ تَرَ إِلَى
الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللَّهُ
الْمُلْكَ ... الآية: 1/ 215- 216.
(78) تفسير ابن كثير للآية 258 من سورة البقرة.
(5/235)
وقت طلوع الشمس فلم يروا عين الشمس، وسلطها
عليهم فأكلت لحومهم ودماءهم وتركتهم عظاما بادية، ودخلت واحدة
منها فى منخري الملك فمكثت فيها اربعمائة سنة يعذبه الله بها،
حتى كان يضرب رأسه بالمرزبة فى هذه المدة، ثم أهلكه الله بها
«79» .
على ان هناك وجها آخر لهذه المسالة، فنحن لا نعتقد ان هذه
البيانات العجيبة الغريبة سواء منها ما روى عن اصحاب رسول الله
وتابعيهم من غير مسلمي اهل الكتاب، ام ما روى عن مسلمي اهل
الكتاب، مخترعة من قبل الذين أوردوها جوابا عن سؤال او توضيحا
لمسالة من المسائل او قصة من القصص، لان هذا يقتضى ان يكونوا
جميعهم كذابين مفترين.
ونحن ننزههم عن ذلك، ونرجح ان هذه البيانات مما كان متداولا فى
بيئتهم.
ومن المحتمل جدا ان تكون واردة فى كتب وقراطيس لم تصل إلينا.
كما ان من المحتمل ان بعضها كان من بعض الناس، ثم لفقوا لها
الأسانيد.
وعلماء الحديث يذكرون ان من اسباب رفض الحديث ان يكون به علة
قادحة تمنع من قبوله.. وكم فى هذه الاسرائيليات من شذوذ وعلل
قادحة.
كثير من اخبار الأنبياء وقصصهم ورد ذكره فى القرآن، كما ورد فى
كتب العهد القديم والجديد.
ومع ذلك انفرد القرآن باخبار عن بعض هؤلاء الأنبياء لم ترد فى
الاسفار المتداولة اليوم، مثل المحاورة بين الله والملائكة فى
صدد خلق آدم وخلافته. وامر الله الملائكة بالسجود له، وامتناع
إبليس وتخلف احد أبناء نوح عن الركوب فى السفينة وغرقه.
وتوبة آدم وقبول الله لها. وقصص ابراهيم مع أبيه وقومه، واسكان
ابراهيم بعض ذريته فى منطقة المسجد الحرام، وبنائه البيت هو
وإسماعيل، وايمان سحرة فرعون. ومؤمن آل فرعون، وصنع داود
للدروع، وحكومة داود وسليمان فى الحرث الذي نفشت فيه غنم
القوم، وتسخير الخيل والطير لداود، وتسخير الجن والريح والطير
لسليمان، وبناء الجن له التماثيل والمحاريب، وغوصهم له،
وتقييده إياهم بالاغلال، وقصة الهدهد وملكة سبا وعرشها، والصرح
الممرد من القوارير، وإحضار الذي عنده العلم عرشها فى لمح
البصر. والجسد الملقى على عرشه والصافنات الجياد، ومائدة عيسى
وكلامه فى المهد وغير ذلك بكثير «80» .
__________
(79) المرجع السابق.
(80) انظر عبد الوهاب النجار: قصص الأنبياء، وكتاب الإنجيل
والصليب تأليف الأب عبد الأحد داود الآشورى العراقي، نقله من
التركية الى العربية مسلم عراقي طبع فى القاهرة 1351 هـ وبه
تعليقات-
(5/236)
وقد وردت أشياء كثيرة فى القرآن مغايرة
قليلا او كثيرا لما ورد فى الاسفار مثل نسبة صنع العجل للسامري
فى القرآن بدلا من هارون فى الاسفار، وشق قميص يوسف وهمه
بامراة العزيز، ومثل ما جاء مباينا للقرآن فى قصص يونس وأيوب
وزكريا ومريم وأمها وغير ذلك كثير ايضا.
(ونحن نرجح انه كانت هناك اسفار وقراطيس لم تصل إلينا فيها ما
هو المتطابق مع ما جاء فى القرآن، وانه كان فى هذه الاسفار
والقراطيس التي لم تصل إلينا كثير من البيانات التي تروى عن
مسلمي اهل الكتاب، وعن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
وتابعيهم من غير مسلمي اهل الكتاب.
وفى الاسفار المتداولة اليوم إشارات الى اسفار كانت موجودة فى
القديم ثم فقد تداولها فى هذه الأيام.
من جملتها توراة موسى التي كتبها بيده، ودون فيها تبليغات الله
تعالى ووصاياه، والألواح، ومدونة وصفت بالنشيد الرباني، واسفار
عديدة اخرى: مثل اسفار ياشر وعدى واخيلو وشيلو، واخبار ايام كل
ملك من ملوك إسرائيل ويهوذا.. إلخ، مما يمكن ان يكون مثالا
يقاس عليه) «81» .
وقد ذكر القرآن ان اليهود حرفوا التوراة «82» ، وكتموا بعض ما
انزل الله «83» ، وأضافوا الى التوراة ما ليس منها «84» ،
وجحدوا ما انزل الله كفرا وعنادا، قال تعالى:
وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا مَا
أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ
الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ
تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً،
وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ
قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ «85»
.
__________
هامة، انظر صفحات 141، 160 هامش كتاب الإنجيل والصليب المذكور،
وانظر مجلة الوعى الإسلامي عدد 19 رجب سنة 1386 هـ مقال محمد
عزة دروزة. [.....]
(81) المراجع السابقة، وانظر: «ابو القاسم الموسوي الخوئى:
البيان فى تفسير القرآن:
1/ 39» .
(82) فى الآية 75 من سورة البقرة. أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ
يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ
كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ
وَهُمْ يَعْلَمُونَ.
(83) فى الآية 76 من سورة البقرة.
(84) فى الآية 79 من سورة البقرة.
(85) الآية 91 من سورة الانعام.
(5/237)
- 10- اعتذار الطوفى عن المفسرين
وقد اعتذر الطوفى «86» عن المفسرين فى ملء تفاسيرهم
بالاسرائيليات (بان كثيرا من المفسرين قد دونوا من
الاسرائيليات ما يظنون به ان له نفعا لتبين بعض النواحي فى
انباء القرآن الحكيم، من معارف عصرهم، المتوارثة من اليهود
وغيرهم، تاركين امر غربلتها لمن بعدهم من النقاد، حرصا على
إيصال تلك المعارف الى من بعدهم، لاحتمال ان يكون فيها بعض
فائدة فى إيضاح ما أجمل من الأنباء فى الكتاب الكريم، لا لتكون
تلك الروايات حقائق فى نظر المسلمين، يراد اعتقاد صحتها والأخذ
بها على علاتها بدون تمحيص، فلا تثريب على من دون الاسرائيليات
بهذا القصد) .
ذكر الطوفى ذلك فى كتابه (الإكسير فى قواعد التفسير) ، ثم ضرب
لذلك مثلا بصنيع رواة الحديث حين عنوا بادئ ذى بدء بجمع
الروايات كلها تاركين امر التمييز بين صحاحها وضعافها لمن
بعدهم من النقاد «87» .
وذكر ابن كثير فى تفسيره كلاما قريبا من كلام الطوفى «88» .
بيد ان المحقق احمد محمد شاكر فند كلام ابن كثير ورفض اعتذاره
عن المفسرين، وعاب على ابن كثير إيراده كثيرا من الاسرائيليات
والأحاديث الواهية فى تفسيره، رغم النقد الشديد الذي وجهه ابن
كثير لمن يفعل ذلك، الا انه عند التطبيق خانه التوفيق.
يقول احمد محمد شاكر رحمه الله: (ان إباحة التحدث عن بنى
إسرائيل شيء، وذكر ذلك فى تفسير القرآن وجعله قولا او رواية
معنى الآيات، او فى تعيين ما لم يعين فيها او فى تفصيل ما أجمل
فيها- شيء آخر!، لان فى اثبات مثل ذلك بجوار كلام الله ما يوهم
ان هذا الذي لا نعرف صدقه ولا كذبه مبين لمعنى قول الله
سبحانه، ومفصل لما أجمل فيه! وحاشا لله ولكتابه من ذلك. وان
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ اذن بالتحدث عنهم- أمرنا ان
لا نصدقهم ولا نكذبهم. فأي تصديق لرواياتهم
__________
(86) هو نجم الدين ابو الربيع سليمان بن عبد القوى بن عبد
الكريم الطوفى نسبة الى طوفي وهي قرية من سواد بغداد. اختلف فى
سنة مولده: هل هي 657 او 675، وقد رجح الدكتور مصطفى زيد انه
ولد عام 675 هـ اما وفاته فقد اتفق على انها كانت سنة 716 هـ.
(المصلحة فى التشريع الإسلامي ونجم الدين الطوفى. للدكتور
مصطفى زيد ص 68، 69 ط 2) .
(87) مقالات الكوثرى ص 34 مطبعة الأنوار بالقاهرة، وذكر
الكوثرى ان اعتذار الطوفى عن المفسرين اعتذار وجيه. وفى معهد
المخطوطات بالجامعة العربية نسخة مصورة من كتاب الإكسير عن
مكتبة «جلبي زاده» بتركيا، وتقع هذه النسخة فى مائة وخمسين
ورقة، انظر وصف هذه النسخة وفكرة عامة عما جاء فيها فى كتاب
«المصلحة فى التشريع الإسلامي ونجم الدين الطوفى» ط 2 ص 96،
للدكتور مصطفى زيد.
(88) عمدة التفسير عن الحافظ ابن كثير ص 14، 15 تحقيق احمد
محمد شاكر.
(5/238)
وأقاويلهم أقوى من ان نقرنها بكتاب الله
ونضعها منه موضع التفسير او البيان؟! اللهم غفرا) «89» .
وأخيرا فانا نرى ان اعتذار الطوفى وغيره عن المفسرين لا يعفيهم
ابدا من المسئولية، ولا يعفى من نقل عنهم جيلا بعد جيل، تلك
البيانات والروايات الغريبة العجيبة التي شغلت الحيز الكبير من
كتب التفسير، وأدت الى تشويش الأذهان، والتغطية على محكم
القرآن، فوجود هذه الاسرائيليات فى اسفار اليهود وكتبهم لا
يسوغ إيرادها فى كتب التفسير على علاتها، حيث توهم من يقرؤها
انها بيان للقرآن وتوضيح لاهدافه. مع انها صارفة للذهن عما
اقتضت حكمة التنزيل إيراده.
«وبعضها من عمل القصاص ووضاع الحديث واهل الدس والكيد من
اليهود» «90» . قال الامام احمد: (ثلاثة امور ليس لها اصل
التفسير والملاحم والمغازي) ، ويريد من التفسير هنا التفسير
بالرواية، ويعنى بأنها ليس لها اصل:
انها ليس لها اسناد صحيح، ومعنى هذا ان كثيرا مما روى من هذا
النوع على كثرته مما يتوجه اليه الاتهام «91» .
وان على عاتقنا واجبا كبيرا نحو التفسير بالرواية، الا وهو نقد
هذه المجموعة المركومة من التفسير النقلى متنا وسندا، لنستبعد
منها كثيرا مما لا يستحق البقاء، ونريح الناظرين فى كتاب الله
من الاتصال به، إذا ما حاولوا تفهم آيه، فلا يقفون عند شيء لا
أساس له.
واما هذه الاسرائيليات، فعلينا ازاءها واجب آخر، هو جمع هذه
القصص ودرسها مردودة الى أصولها، مبينة مصادرها، ليدل ذلك على
مسالك التأثر والتأثير بين الأديان «92» .
__________
(89) المرجع السابق ص 15.
(90) محمد الزفزاف: التعريف بالقرآن والحديث ص 169.
(91) المرجع السابق.
(92) مثال ذلك: ان التوراة ذكرت فى الاصحاحين الثاني والثالث
من سفر التكوين، قصة آدم وحواء:
1- فنسبت لله المشي فى الجنة..
2- وفى الاصحاح الثاني عشر من التكوين ان ابراهيم ادعى امام
فرعون ان سارة أخته لا زوجته.
3- وفى الاصحاح التاسع عشر من سفر التكوين ان لوطا ضاجع ابنتيه
فانجبتا منه.
4- وفى الاصحاح السابع والعشرين من التكوين ان يعقوب خادع أباه
إسحاق حتى نال بركة النبوة، وكانت من نصيب (عيسو) .
5- وفى الثامن والثلاثين من سفر التكوين ان (يهوذا) بن يعقوب
زنى بزوجة ابنه.
كما نسب لداود الزنا بامراة أوريا، ولسليمان عبادة الأصنام،
وللنبي هوشع الزنا، وللمسيح شرب الخمر.
(البيان فى تفسير القرآن للخوئي 1/ 35- 40 طبع النجف) .
(5/239)
- 11- تفنيد فرية
إذا كان المسلمون قد تاثروا باليهود فى الاسرائيليات التي
تناقلها بعض المفسرين- وأفلح المصلحون، او كادوا- فى تطهير
العقول منها والرجوع بها الى الجادة الاسلامية. فان بعض
المستشرقين يتخذ من ذلك ذريعة للقول بان الإسلام نسخة من
اليهودية.
وهو قول خاطئ واشاعة رائجة «لم يبرأ منها رجل فى طبقة الدكتور
(شويتزر) فى الثقافة والخلق» «93» .
والحقيقة المجردة هي:
ان اليهودية دين سماوي، والإسلام دين سماوي ومصدر الوحى فى
القرآن، وغيره من الكتب السماوية، واحد، وهو الله جل وعلا.
وقد كان القرآن خاتم الكتب السماوية فمن الطبيعي ان يكون فى
القرآن ما فى هذه الكتب والرسالات السماوية من انباء وقصص، وان
كان بعضها على نحو ابسط وأوجز، هذا لا عجب فيه، ولو كان الأمر
غير هذا لكان هو العجب.
«من هنا، كان خطا بعض المستشرقين خطا كبيرا فى المنهج حين
يتعرضون لشيء مما حوى القرآن من تلك الأنباء وذلك القصص،
متخذين التوراة وحدها المقياس والمصدر لكل شيء من اخبار
الماضين، متناسين ان كلا من التوراة والقرآن من عند الله الذي
أودع فى كل من الكتابين ما شاء من العقائد وقصص الماضين، على
النحو الذي شاء من البسط او الإيجاز» «94» .
لا معنى إذا للقول بان القرآن أخذ هذه القصة او تلك عن
التوراة، او الادعاء بان الرسول كان يعرف التوراة وأخذ عنها.
هذا وذاك لا ضرورة لافتراضه، ما دام كل من الكتابين من عند
الله. وبخاصة انه قد تعارف الناس جميعا ان محمدا عليه الصلاة
والسلام كان اميا لا يقرا ولا يكتب، قال تعالى: وَما كُنْتَ
تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ
بِيَمِينِكَ 9» .
ثم كيف يفسر هؤلاء المتعنتون اشتمال القرآن على قصص وانباء لم
تجيء فى التوراة، بل لم تشر إليها ان كانت هي المصدر الذي أخذ
منه الرسول ما أخذ فى هذه الناحية؟ «96» .
__________
(93) عباس العقاد، ما يقال عن الإسلام ص 146.
(94) د. محمد يوسف موسى، دائرة المعارف الاسلامية مادة داود:
9/ 124. [.....]
(95) سورة العنكبوت الآية 48.
(96) د. محمد يوسف موسى. دائرة المعارف الاسلامية مادة داود:
9/ 124.
(5/240)
- 12- تأثير الإسلام فى اليهودية
ان المقارنة بين عادات اليهود قبل اتصالهم بالمسلمين وعباداتهم
بعد هذا الاتصال ببضعة اجيال تثبت ان القدوة بالمسلمين عادت
باليهود الى احياء السنن التي هجروها من عباداتهم الاولى
وعلمتهم سننا اخرى لم يعلموها ومنها شعائر فى صميم العبادة
كشعائر الوضوء والغسل ونظام الصلاة الجامعة وغيرها من الصلوات.
فلم يرد فى نصوص التلمود ذكر للوضوء اكثر من غسل اليدين، ولم
يرد امر بالغسل من الجنابة فى كتب اليهود. قال موسى بن ميمون
(انه لا يرى فى كتب السلف الأولين ما يوجد غسل الجنابة ولكنه
يغتسل بحكم العادة حيث عاش ونشا فى بلاد المسلمين) «97» .
وقد كانت صلاة الهمس تصلى فى المعابد الاسرائيلية، وكان جمهور
المصلين يتحدثون الى من بجوارهم ويبصقون ويثرثرون أثناء صلاة
الهمس، ظنا منهم ان الصلاة مقصورة على ما يهمس به الكاهن ولا
يسمعونه.
وكانت خير وسيلة للقضاء على هذه الحالة ان دعا بعض المصلحين
اليهود (مثل ميمون بن مهران) الى ان يسلك اليهود مسلك المسلمين
فى صلواتهم الجامعة. بعد الاقتداء بهم فى فرائض الوضوء
والتطهر، ورعاية ادب المسجد من جميع الوجوه.
وفى هذا كله تفنيد لخرافة القائلين بان الإسلام شعبة من
اليهودية او ان الإسلام مدين لها بشعائره واحكامه.
فالواقع ان اليهودية بعد الإسلام قد استفادت من آدابه وشعائره
كما استفادت من ثقافته فى علم الأصول وفى نحو اللغة وعروضها
وأوزان شعرها «98» .
واما قبل الإسلام فمصادر اليهودية فى المسائل المتفق عليها هي
مصادر الإسلام، كلاهما دين سماوي من عند الله، بيد ان اليهود
حرفوا كلام الله وكتموا بعض احكام التوراة بينما حفظ الله
القرآن الكريم من التحريف والتبديل: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا
الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) .
__________
(97) عباس العقاد: ما يقال عن الإسلام ص 150، نقلا عن كتاب
(تأثير الإسلام فى العبادة اليهودية) تأليف نفتالى فيدر.
(98) عباس العقاد: ما يقال عن الإسلام ص 150.
(5/241)
|