تفسير يحيى بن
سلام سُورَةُ الأَنْبِيَاءِ
تَفْسِيرُ سُورَةِ الأَنْبِيَاءِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَوْلُهُ: {اقْتَرَبَ
لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ} [الأنبياء: 1] أَيْ: إِنَّ ذَلِكَ
قَرِيبٌ.
- حَدَّثَنِي أَبُو الأَشْهَبِ وَالْمُبَارَكُ عَنِ الْحَسَنِ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ السَّاعَةِ كَهَاتَيْنِ
فَمَا فَضْلُ إِحْدَاهِمَا عَلَى الأُخْرَى» .
وَجَمَعَ بَيْنَ إِصْبَعِهِ الْوُسْطَى وَالَّتِي يَقُولُ
النَّاسُ: السَّبَّابَةُ.
فِي حَدِيثِ أَبِي الأَشْهَبِ.
وقَالَ الْمُبَارَكُ: قَالَ: كَهَاتَيْنِ يَعْنِي: إِصْبَعَهُ
الْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِي الإِبْهَامِ.
- نا خِدَاشٌ، عَنْ أَبِي عَامِرٍ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ
الْجَوْنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حِينَ بُعِثَ إِلَيَّ، بُعِثَ إِلَى
صَاحِبِ الصُّورِ، فَأَهْوَى بِهِ إِلَى فِيهِ وَقَدَّمَ
رِجْلًا، وَأَخَّرَ أُخْرَى، مَتَى يُؤْمَرُ يَنْفُخُ، أَلا
فَاتَّقُوا النَّفْخَةَ» .
قَوْلُهُ: {وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء: 1]
يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ فِي غَفْلَةٍ مِنَ
(1/297)
الآخِرَةِ مُعْرِضُونَ عَنِ الْقُرْآنِ.
{مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ}
[الأنبياء: 2] يَعْنِي الْقُرْآنَ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: كُلَّمَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْءٌ
أَعْرَضُوا عَنْهُ.
قَالَ: {إِلا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأنبياء: 2]
يَسْمَعُونَهُ بِآذَانِهِمْ وَلا تَقْبَلُهُ قُلُوبُهُمْ.
نا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ
الآيَةُ، قَالَ أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ الضَّلالَةِ: زَعَمَ
صَاحِبُكُمْ هَذَا أَنَّ السَّاعَةَ قَدِ اقْتَرَبَتْ،
فَتَنَاهَوْا قَلِيلًا.
قَالَ يَحْيَى: لَيْسَ يَعْنِي عَنْ شِرْكِهِمْ.
قَالَ قَتَادَةُ: ثُمَّ عَادُوا إِلَى أَعْمَالِهِمْ،
أَعْمَالِ السُّوءِ.
فَلَمَّا نَزَلَ: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ}
[النحل: 1] قَالَ أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ الضَّلالَةِ: يَزْعُمُ
هَذَا الرَّجُلُ أَنَّهُ قَدْ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ،
فَتَنَاهَوْا قَلِيلًا ثُمَّ عَادُوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي سُورَةِ هُودٍ: {وَلَئِنْ أَخَّرْنَا
عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ
مَا يَحْبِسُهُ} [هود: 8] قَالَ اللَّه: {أَلا يَوْمَ
يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ} [هود: 8] يَعْنِي
الْعَذَابَ.
قَوْلُهُ: {لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ} [الأنبياء: 3] قَالَ
قَتَادَةُ: غَافِلَةً قُلُوبُهُمْ عَنْهُ.
قَوْلُهُ: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا}
[الأنبياء: 3] الَّذِينَ أَشْرَكُوا، أَسَرُّوا ذَلِكَ فِيمَا
بَيْنَهُمْ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: {هَلْ هَذَا}
[الأنبياء: 3] يَعْنُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
{إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ} [الأنبياء:
3] يَعْنُونَ الْقُرْآنَ، أَيْ:
(1/298)
أَفَتُصَدِّقُونَ بِهِ.
{وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} [الأنبياء: 3] أَنَّهُ سِحْرٌ.
قَالَ اللَّهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
قُلْ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ يَعْنِي: السِّرَّ.
{فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}
[الأنبياء: 4] لا أَسْمَعَ مِنْهُ وَلا أَعْلَمَ مِنْهُ.
ثُمَّ قَالَ: {بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ} [الأنبياء: 5]
يَعْنُونَ الُقْرَآنَ، أَيْ أَخْلاطُ أَحْلامٍ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَذِبُ أَحْلامٍ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: فِعْلُ أَحْلامٍ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ: {أَضْغَاثُ أَحْلامٍ}
[الأنبياء: 5] أَهَاوِيلُهَا.
قَالَ: {بَلِ افْتَرَاهُ} [الأنبياء: 5] مُحَمَّدٌ.
{بَلْ هُوَ} [الأنبياء: 5] بَلْ مُحَمَّدٌ.
{شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ}
[الأنبياء: 5] قَالَ قَتَادَةُ: كَمَا أُرْسِلَ مُوسَى
وَعِيسَى فِيمَا يَزْعُمُ مُحَمَّدٌ.
قَالَ اللَّهُ: {مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ
أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ} [الأنبياء: 6] سَعِيدٌ،
عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: يَقُولُ: إِنَّ الرُّسُلَ إِذَا جَاءَتْ
بِالآيَاتِ هَلَكَتِ الأُمَمُ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ عِنْدَ
ذَلِكَ يُؤْمِنُونَ.
أَيْ: إِنَّ الْقَوْمَ إِذَا كَذَّبُوا رُسُولَهُمْ
وَسَأَلُوهُ الآيَةَ، فَجَاءَتْهُمُ الآيَةُ، فَلَمْ
(1/299)
يُؤْمِنُوا أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ، أَفَهُمْ
يُؤْمِنُونَ إِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ؟ أَيْ: لا يُؤْمِنُونَ
إِنْ جَاءَتْهُمُ الآيَةُ.
ثُمَّ قَالَ: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلا رِجَالا نُوحِي
إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} [الأنبياء: 7]
يَعْنِي أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ ذَلِكَ، وَهُوَ أَهْلُ
التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ.
أَهْلُ التَّوْرَاةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ وَأَصْحَابُهُ
الْمُؤْمِنُونَ، يَعْنِي مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ.
وَقَوْلُهُ: {إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء: 7]
وَهُمْ لا يَعْلَمُونَ.
وَهِيَ كَلِمَةٌ عَرَبِيَّةٌ.
يَقُولُ: إِنْ كُنْتَ لا تُصَدِّقُ فَاسْأَلْ، وَهُوَ يَعْلَمُ
أَنَّهُ قَدْ كَذَّبَ.
قَوْلُهُ: {وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا} [الأنبياء: 8]
يَعْنِي النَّبِيِّينَ.
{لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} [الأنبياء: 8] أَيْ: وَلَكِنَّا
جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ.
وَقَدْ قَالَ الْمُشْرِكُونَ: قَالَ: {مَالِ هَذَا الرَّسُولِ
يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ} [الفرقان: 7]
نا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: جَسَدًا
لَيْسَ فِيهِ رُوحٌ.
قَوْلُهُ: {وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ} [الأنبياء: 8] نا
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: وَمَا كَانُوا يُخَلَّدُونَ
فِي الدُّنْيَا، لا يَمُوتُونَ.
قَوْلُهُ: {ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ} [الأنبياء: 9]
كَانَتِ الرُّسُلُ تُحَذِّرُ قَوْمَهَا عَذَابَ اللَّهِ فِي
الدُّنْيَا وَعَذَابَهُ فِي الآخِرَةِ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا.
فَلَمَّا لَمْ يُؤْمِنُوا صَدَقَ اللَّهُ رُسُلَهُ الْوَعْدَ،
فَأَنْزَلَ الْعَذَابَ عَلَى قَوْمِهِمْ.
(1/300)
قَالَ: {فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ}
[الأنبياء: 9] يَعْنِي النَّبِيَّ وَالْمُؤْمِنِينَ.
{وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ} [الأنبياء: 9] قَالَ
قَتَادَةُ: الْمُشْرِكِينَ.
قَوْلُهُ: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا}
[الأنبياء: 10] الْقُرْآنَ.
{فِيهِ ذِكْرُكُمْ} [الأنبياء: 10] فِيهِ شَرَفُكُمْ، يَعْنِي:
قُرَيْشًا، أَيْ لِمَنْ آمَنَ بِهِ.
{أَفَلا تَعْقِلُونَ} [الأنبياء: 10] يَقُولُهُ
لِلْمُشْرِكِينَ.
قَوْلُهُ: {وَكَمْ قَصَمْنَا} [الأنبياء: 11] أَيْ
أَهْلَكْنَا.
{مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً} [الأنبياء: 11] يَعْنِي
مُشْرِكَةً، يَعْنِي أَهْلَهَا.
{وَأَنْشَأْنَا} [الأنبياء: 11] أَيْ: وَخَلَقْنَا.
{بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ} [الأنبياء: 11] قَالَ: {فَلَمَّا
أَحَسُّوا} [الأنبياء: 12] رَأَوْا.
{بَأْسَنَا} [الأنبياء: 12] يَعْنِي عَذَابَنَا، يَعْنِي
قَبْلَ أَنْ يُهْلَكُوا.
رَجَعَ إِلَى قِصَّةِ مَنْ هَلَكَ.
{إِذَا هُمْ مِنْهَا} [الأنبياء: 12] مِنَ الْقَرْيَةِ.
{يَرْكُضُونَ} [الأنبياء: 12] يَفِرُّونَ مِنَ الْعَذَابِ
حِينَ جَاءَهُمْ.
يَقُولُ اللَّهُ: {لا تَرْكُضُوا} [الأنبياء: 13] قَالَ
مُجَاهِدٌ: لا تَفِرُّوا.
{وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ} [الأنبياء: 13]
يَعْنِي نَعِيمَهُمُ الَّذِي كَانُوا فِيهِ.
نا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: يَقُولُ: ارْجِعُوا إِلَى
دُنْيَاكُمُ الَّتِي أَتْرَفْتُمْ فِيهَا.
{وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 13]
مِنْ دُنْيَاكُمْ شَيْئًا، اسْتِهْزَاءً بِهِمْ.
أَيْ: لا
(1/301)
تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَلا يَكُونُ
ذَلِكَ.
{قَالُوا يَا وَيْلَنَا} [الأنبياء: 14] وَهَذَا حِينَ
جَاءَهُمُ الْعَذَابُ.
{إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} [الأنبياء: 14] قَالَ اللَّهُ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ}
[الأنبياء: 15] يَعْنِي قَوْلَهُمْ: {يَا وَيْلَنَا إِنَّا
كُنَّا ظَالِمِينَ} [الأنبياء: 14] يَعْنِي: فَمَا زَالَ
ذَلِكَ قَوْلُهُمْ.
{حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ} [الأنبياء: 15] نا
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: يَقُولُ: لَمَّا رَأَوُا
الْعَذَابَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ هِجِّيرَى إِلا قَوْلُهُمْ:
{يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} [الأنبياء: 14] ،
{يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} [الأنبياء: 14] ،
حَتَّى أُهْلَكُوا.
وَقَوْلُهُ: {حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ}
[الأنبياء: 15] حَتَّى أُهْلَكُوا.
قَوْلُهُ: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا
بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ} [الأنبياء: 16] تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ:
مَا خَلَقْنَا مِنْ جَنَّةٍ، وَلا نَارٍ، وَلا مَوْتٍ، وَلا
بَعْثٍ، وَلا حِسَابٍ لاعِبِينَ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: أَيْ: إِنَّا لَمْ نَخْلُقْهُمَا وَمَا
بَيْنَهُمَا بَاطِلًا.
قَالَ يَحْيَى: أَيْ: إِنَّمَا خَلَقْنَاهُمَا لِلْبَعْثِ
وَالْحِسَابِ، وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ.
قَوْلُهُ: {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا} [الأنبياء:
17] وَاللَّهْوُ: الْمَرْأَةُ بِلِسَانِ الْيَمَنِ، فِيمَا
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ عَنِ الْحَسَنِ.
(1/302)
قَالَ السُّدِّيُّ: لَهْوًا، يَعْنِي
صَاحِبَةً وَوَلَدًا.
قَالَ: {لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا} [الأنبياء: 17] قَالَ
مُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ: مِنْ عِنْدِنَا.
{إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 17] قَالَ قَتَادَةُ
وَالسُّدِّيُّ: أَيْ مَا كُنَّا فَاعِلِينَ، وَذَلِكَ أَنَّ
الْمُشْرِكِينَ قَالُوا: إِنَّ الْمَلائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ.
وَقَدْ قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ
وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ} [الأنعام: 101] قَالَ: {بَلْ
نَقْذِفُ بِالْحَقِّ} [الأنبياء: 18] بِالْقُرْآنِ.
{عَلَى الْبَاطِلِ} [الأنبياء: 18] عَلَى بَاطِلِهِمْ، يَعْنِي
شِرْكِهِمْ.
نا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ}
[الأنبياء: 18] وَهُوَ كِتَابُ اللَّهِ، قَذَفَهُ اللَّهُ
عَلَى بَاطِلِهِمْ.
قَالَ: {فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} [الأنبياء: 18]
دَاحِضٌ، أَيْ: ذَاهِبٌ.
قَالَ: {وَلَكُمُ الْوَيْلُ} [الأنبياء: 18] الْعَذَابُ.
{مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء: 18] قَالَ قَتَادَةُ: مِمَّا
تَكْذِبُونَ، لِقَوْلِهِمْ: إِنَّ الْمَلائِكَةَ بَنَاتُ
اللَّهِ.
قَوْلُهُ: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ
عِنْدَهُ} [الأنبياء: 19] يَعْنِي الْمَلائِكَةَ.
{لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ}
[الأنبياء: 19]
(1/303)
قَالَ مُجَاهِدٌ: وَلا يُحْسَرُونَ أَيْ:
لا يُعْيَوْنَ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: أَيْ: وَلا يُعْيَوْنَ.
- {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ}
[الأنبياء: 20] حَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ
حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي
تَفْسِيرِهَا قَالَ: انْظُرْ إِلَى بَصَرِكَ هَلْ يَئودُكَ؟
أَيْ: هَلْ يَثْقُلُ عَلَيْكَ؟ وَانْظُرْ إِلَى سَمْعِكَ هَلْ
يئُودُكَ؟ وَانْظُرْ إِلَى نَفْسِكَ هَلْ يَئودُكَ؟ فَكَذَلِكَ
الْمَلائِكَةُ.
- نا الْفُرَاتُ بْنُ سَلْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ
الْجَزَرِيِّ عَنْ مَنْ حَدَّثَهُ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُمَا قَالا: إِنَّ
أَهْلَ الْجَنَّةِ يُلْهَمُونَ الْحَمْدُ وَالتَّسْبِيحُ كَمَا
تُلْهَمُونَ النَّفَسُ.
نا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مِثْلَ ذَلِكَ.
- نا الْحَسَنُ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ
يُلْهَمُونَ الْحَمْدُ وَالتَّسْبِيحُ كَمَا تُلْهَمُونَ
النَّفَسُ» .
- وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَطَّتِ السَّمَاءُ وَحَقَّ
لَهَا أَنْ تَئِطَّ، لَيْسَ فِيهَا مَوْضِعُ شِبْرٍ إِلا
وَعَلَيْهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ أَوْ رَاكِعٌ» .
- وَفِي حَدِيثِ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنِّي أَسْمَعُ
أَطِيطَ السَّمَاءِ وَلَيْسَ فِيهَا مَوْضِعٌ إِلا وَعَلَيْهِ
مَلَكٌ قَائِمٌ، أَوْ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ» .
(1/304)
وَحَدَّثَنِي الْفُرَاتُ بْنُ سَلْمَانَ،
عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ:
لَيْسَ فِي السَّمَوَاتِ السَّبْعِ مَوْضِعُ شِبْرٍ إِلا
وَعَلَيْهِ مَلَكٌ قَائِمٌ أَوْ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ.
قَوْلُهُ: {أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الأَرْضِ هُمْ
يُنْشِرُونَ} [الأنبياء: 21] تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: هُمْ
يُحْيُونَ الْمَوْتَى، عَلَى الاسْتِفْهَامِ.
أَيْ: قَدِ اتَّخَذُوا آلِهَةً لا يُنْشِرُونَ وَلا يُحْيُونَ
الْمَوْتَى.
وَقَالَ قَتَادَةُ: {هُمْ يُنْشِرُونَ} [الأنبياء: 21]
الْمَوْتَى، أَيْ إِنَّهُمْ لا يَبْعَثُونَ الأَمْوَاتَ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {هُمْ يُنْشِرُونَ} [الأنبياء: 21]
يَعْنِي هُمْ يَبْعَثُونَ، أَيْ يَبْعَثُونَ الأَمْوَاتَ.
قَالَ: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا} [الأنبياء: 22] يَعْنِي: فِي
السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ.
{آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ} [الأنبياء: 22] غَيْرُ اللَّهِ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] لَهَلَكَتَا.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ} [الأنبياء: 22]
يُنَزِّهُ نَفْسَهُ عَمَّا يَقُولُونَ.
{عَمَّا يَصِفُونَ} [الأنبياء: 22] أَيْ: عَمَّا يَكْذِبُونَ.
قَوْلُهُ: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}
[الأنبياء: 23]
(1/305)
قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ: لا يُسْأَلُ عَمَّا
يَفْعَلُ بِعِبَادِهِ، وَالْعِبَادُ يُسْأَلُونَ عَنْ
أَعْمَالِهِمْ.
قَوْلُهُ: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً} [الأنبياء:
24] عَلَى الاسْتِفْهَامِ، أَيْ: قَدِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ
آلِهَةً.
وَهَذَا الاسْتِفْهَامُ وَمَا أَشْبَاهُهُ اسْتِفْهَامٌ عَلَى
مَعْرِفَةٍ.
قَالَ: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} [الأنبياء: 24] يَعْنِي:
بَيِّنَتَكُمْ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: حُجَّتَكُمْ عَلَى مَا تَقُولُونَ إِنَّ
اللَّهَ أَمَرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً.
قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ: لَيْسَتْ عِنْدَهُمْ بِذَلِكَ
بَيِّنَةٌ وَلا حُجَّةٌ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ يَعْنِي: حُجَّتَكُمْ بِأَنَّ مَعَهُ
آلِهَةً.
قَوْلُهُ: {هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ} [الأنبياء: 24] قَالَ
قَتَادَةُ: يَعْنِي الْقُرْآنَ فِيهِ ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ.
يَعْنِي مَا فِيهِ مِنَ الْحَلالِ وَالْحَرَامِ.
{وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي} [الأنبياء: 24] يَقُولُ: مِنْ
أَخْبَارِ الأُمَمِ السَّالِفَةِ وَأَعْمَالِهِمْ، يَعْنِي
مَنْ أَهْلَكَ اللَّهُ مِنَ الأُمَمِ وَمَنْ نَجَّى مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ، لَيْسَ فِيهِ اتِّخَاذُ آلِهَةٍ دُونَ
اللَّهِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ
قَبْلِي} [الأنبياء: 24] يَقُولُ: خَبَرُ مَنْ مَعِيَ وَخَبَرُ
مَنْ كَانَ قَبْلِي.
(1/306)
قَالَ: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ
الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء: 24] يَعْنِي
بِقَوْلِهِ: أَكْثَرُهُمْ جَمَاعَتُهُمْ.
وَقَوْلُهُ: {فَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء: 24] يَعْنِي:
عَنِ الْقُرْآنِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: عَنْ كِتَابِ اللَّهِ وَهُوَ وَاحِدٌ.
قَوْلُهُ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا
نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ}
[الأنبياء: 25] أَيْ: لا تَعْبُدُوا غَيْرِي، بِذَلِكَ
أَرْسَلَ الرُّسُلَ جَمِيعًا.
ابْنُ لَهِيعَةَ....
يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو
قَالَ: إِنَّ إِدْرِيسَ كَانَ قَبْلَ نُوحٍ، بَعَثَهُ اللَّهُ
إِلَى قَوْمِهِ، يَأْمُرُهُمْ أَنْ يَقُولُوا: لا إِلَهَ إِلا
اللَّهُ، وَيَعْمَلُوا مَا شَاءُوا، فَأَبَوْا، فَأَهْلَكَهُمُ
اللَّهُ.
قَوْلُهُ: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا}
[الأنبياء: 26] سَعِيدٌ، عَن قَتَادَةَ قَالَ: قَالَتِ
الْيَهُودُ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى صَاهَرَ
الْجِنَّ فَكَانَتْ مِنْ بَيْنِهِمُ الْمَلائِكَةُ.
قَالَ اللَّهُ: {سُبْحَانَهُ} [الأنبياء: 26] يُنَزِّهُ
نَفْسَهُ عَمَّا قَالُوا.
{بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} [الأنبياء: 26] يَعْنِي
الْمَلائِكَةَ هُمْ كِرَامٌ عَلَى اللَّهِ.
{لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ} [الأنبياء: 27] فَيَقُولُونَ
شَيْئًا لَمْ يَقْبَلُوهُ عَنِ اللَّهِ.
قَالَ: {وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ {27} يَعْلَمُ مَا
بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} [الأنبياء: 27-28] مِنْ أَمْرِ الآخِرَةِ.
(1/307)
{وَمَا خَلْفَهُمْ} [الأنبياء: 28] مِنْ
أَمْرِ الدُّنْيَا إِذَا كَانَتِ الآخِرَةُ.
وَتَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ
وَمَا خَلْفَهُمْ} [الأنبياء: 28] يَعْنِي: يَعْلَمُ مَا كَانَ
مِنْ قَبْلِ خَلْقِ الْمَلائِكَةِ، وَمَا كَانَ بَعْدَ
خَلْقِهِمْ.
قَالَ: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء:
28] لِمَنْ رَضِيَ عَنْهُ.
تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ.
{وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء: 28] أَيْ:
خَائِفُونَ فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ.
{وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ
نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}
[الأنبياء: 29] وَقَالَ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ: هَذِهِ فِي
إِبْلِيسَ خَاصَّةً لَمَّا قَالَ مَا قَالَ دَعَا إِلَى
عِبَادَةِ نَفْسِهِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: وَمَنْ يَقُلْ ذَلِكَ مِنْهُمْ، إِنْ
قَالُوهُ وَلا يَقُولُهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ.
وَكَانَ يَقُولُ: إِنَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ.
{أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الأنبياء: 30] هَذَا
عَلَى الْخَبَرِ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {أَوَلَمْ يَرَ} [الأنبياء: 30] يَعْنِي:
أَوَ لَمْ يَعْلَمِ الَّذِينَ كَفَرُوا.
{أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا
فَفَتَقْنَاهُمَا} [الأنبياء: 30] كَانَتَا مُلْتَزِقَتَيْنِ
إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ،
{فَفَتَقْنَاهُمَا} [الأنبياء: 30] فَوَضَعَ الأَرْضَ،
وَرَفَعَ السَّمَاءَ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: إِنَّ السَّمَاءَ كَانَتْ رَتْقًا لا
يَنْزِلُ مِنْهَا مَاءً، فَفَتَقَهَا اللَّهُ
(1/308)
بِالْمَاءِ، وَفَتَقَ الأَرْضَ
بِالنَّبَاتِ.
وَتَفْسِيرُ قَتَادَةَ: كَانَتَا جَمِيعًا، فَفَصَلَ اللَّهُ
بَيْنَهُمَا بِهَذَا الْهَوَاءِ فَجَعَلَهُ بَيْنَهُنَّ.
وَتَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: كُنَّ مُطْبَقَاتٍ فَفَتَقَهُنَّ،
أَحْسَبُهُ قَالَ: بِالْمَطَرِ.
وَقَالَهُ غَيْرُهُ.
قَالَ مُجَاهِدٌ: وَلَمْ تَكُنِ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ
مُتَمَاسَّتَيْنِ.
وَفِي حَدِيثِ الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ
مُجَاهِدٍ قَالَ: كُنَّ مُنْطَبِقَاتٍ فَفَتَقَهُنَّ.
قَوْلُهُ: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ
أَفَلا يُؤْمِنُونَ} [الأنبياء: 30] يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ.
وَكُلُّ شَيْءٍ حَيٍّ فَإِنَّمَا خُلِقَ مِنَ الْمَاءِ.
- حَدَّثَنِي هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي
مَيْمُونَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: أَتَيْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي إِذَا رَأَيْتُكَ طَابَتْ
نَفْسِي، وَقَرَّتْ عَيْنِي، فَأَنْبِئْنِي عَنْ كُلِّ شَيْءٍ.
فَقَالَ: «كُلُّ شَيْءٍ خُلِقَ مِنَ الْمَاءِ»
- قُلْتُ: أَنْبِئْنِي بِعَمَلٍ إِذَا أَخَذْتُ بِهِ دَخَلْتُ
الْجَنَّةَ.
قَالَ: «أَفْشِ السَّلامَ، وَأَطِبِ الْكَلامَ، وَصِلِ
الأَرْحَامَ، وَقُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ،
وَادْخُلِ الْجَنَّةَ بِسَلامٍ» .
قَوْلُهُ: {وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ} [الأنبياء:
31] يَعْنِي الْجِبَالَ.
{أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ} [الأنبياء: 31] لأَنْ لا تُحَرَّكَ
بِهِمْ.
{وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلا} [الأنبياء: 31] قَالَ
قَتَادَةُ: طُرُقًا أَعْلامًا.
{لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} [الأنبياء: 31] لِكَيْ يَهْتَدُوا
الطُّرُقَ.
(1/309)
وَقَالَ السُّدِّيُّ: لَعَلَّهُمْ
يَعْرِفُونَ الطُّرُقَ.
قَوْلُهُ: {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا}
[الأنبياء: 32] عَلَى مَنْ تَحْتَهَا، مَحْفُوظًا مِنْ كُلِّ
شَيْطَانٍ رَجِيمْ كَقَوْلِهِ: {وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ
شَيْطَانٍ رَجِيمٍ} [الحجر: 17] .
وَإِنَّمَا كَانَتْ هَاهُنَا مَحْفُوظًا لأَنَّهُ قَالَ:
{سَقْفًا مَحْفُوظًا} [الأنبياء: 32] ، فَوَقَعَ الْحِفْظُ
فِيهَا عَلَى السَّقْفِ، وَفِي الآيَةِ الأُخْرَى عَلَى
السَّمَاءِ.
نا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: هِيَ سَقْفٌ مَحْفُوظٌ،
وَمَوْجٌ مَكْفُوفٌ.
قَوْلُهُ: {وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا} [الأنبياء: 32] تَفْسِيرُ
ابْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ: يَعْنِي الشَّمْسَ،
وَالْقَمَرَ، وَالنُّجُومَ.
{مُعْرِضُونَ} [الأنبياء: 32] لا يَتَفَكَّرُونَ فِيمَا
يَرَوْنَ فِيهَا، فَيَعْرِفُونَ أَنَّ لَهُمْ مِعَادًا
فَيُؤْمِنُوا.
وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي
السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ
عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} [يونس: 101] قَوْلُهُ: {وَهُوَ
الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ
وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [الأنبياء: 33]
قَالَ قَتَادَةُ: فِي فَلَكِ السَّمَاءِ.
حَدَّثَنِي الصَّلْتُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ
عَوْفٍ الْبِكَالِيِّ قَالَ: إِنَّ السَّمَاءَ خُلِقَتْ مِثْلُ
الْقُبَّةِ، وَإِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ
لَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ لازِقٌ، وَإِنَّهَا تَجْرِي فِي فَلَكٍ
دُونَ السَّمَاءِ، وَإِنَّ أَقْرَبَ الأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ
بَيْتُ الْمَقْدِسِ بِاثْنَيْ عَشَرَ مِيلًا، وَإِنَّ أَبْعَدَ
الأَرْضِ مِنَ السَّمَاءِ الأُبُلَّةُ.
- هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: إِنَّ
(1/310)
الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وُجُوهُهُمَا إِلَى
السَّمَاءِ، وَأَقْفَاؤُهُمَا إِلَى الأَرْضِ يُضِيئَانِ فِي
السَّمَاءِ كَمَا يُضِيئَانِ فِي الأَرْضِ ثُمَّ تَلا هَذِهِ
الآيَةَ: {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ
سَمَوَاتٍ طِبَاقًا {15} وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا
وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا {16} } [نوح: 15-16]
- وحَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي قَبِيلٍ، عَنْ
يَزِيدَ بْنِ أَبِي جحض قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَمْرٍو: مَا بَالُ الشَّمْسِ تَصْلانَا أَحْيَانًا وَتَبْرُدُ
أَحْيَانًا؟ قَالَ: أَمَّا فِي الشِّتَاءِ فَهِيَ فِي
السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ، وَأَمَّا فِي الصَّيْفِ فَهِيَ فِي
السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَقُلْتُ: إِنَّمَا كُنَّا نَرَاهَا
فِي هَذِهِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا.
قَالَ: لَوْ كَانَتْ فِي هَذِهِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا لَمْ
يَقْمُ لَهَا شَيْءٌ.
الْحَسَنُ، عَنْ صَاحِبٍ لَهُ، عَنِ الأَعْمَشِ ذَكَرَهُ
بِإِسْنَادِهِ قَالَ: إِنَّ الشَّمْسَ أُدْنِيَتْ مِنْ أَهْلِ
الأَرْضِ فِي الشِّتَاءِ لِيَنْتَفِعُوا بِهَا، وَرُفِعَتْ فِي
الصَّيْفِ لِئَلا يُؤْذِيهِمْ حَرُّهَا.
قَوْلُهُ: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [الأنبياء: 33]
حَدَّثَنِي الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ
قَالَ: {يَسْبَحُونَ} [الأنبياء: 33] يَدُورُونَ كَمَا يَدُورُ
فَلَكُ الْمِغْزَلِ.
وَتَفْسِيرُ ابْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: {يَسْبَحُونَ}
[الأنبياء: 33] ، يَجْرُونَ كَهَيْئَةِ حَدِيدَةِ الرَّحَى.
وَفِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ
وَالنُّجُومَ فِي طَاحُونَةٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ
كَهَيْئَةِ فَلَكِ الْمِغْزَلِ يَدُورُونَ فِيهَا، وَلَوْ
كَانَتْ مُلْتَصِقَةً فِي السَّمَاءِ لَمْ تَجْرِ.
(1/311)
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: {يَسْبَحُونَ}
[الأنبياء: 33] يَجْرُونَ.
قَالَ: وَأَخْبَرَنِي عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ أَنَّ مُجَاهِدًا
قَالَ فِي قَوْلِهِ: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ}
[الرحمن: 5] قَالَ: حُسْبَانٌ كَحُسْبَانِ الرَّحَى.
قَوْلُهُ: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ
أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء: 34] عَلَى
الاسْتِفْهَامِ، أَيْ: لا يَخْلُدُونَ.
قَالَ: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ
بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء: 35] قَالَ
قَتَادَةُ: بِالشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ.
{فِتْنَةً} [الأنبياء: 35] أَيْ: بَلاءٌ، أَيِ: اخْتِبَارٌ.
{وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء: 35] يَوْمَ
الْقِيَامَةِ.
قَوْلُهُ: {وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الأنبياء: 36]
يَقُولُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
{إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ
آلِهَتَكُمْ} [الأنبياء: 36] يَقُولُهُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ
أَيْ: يَعِيبُهَا وَيَشْتُمُهَا.
قَالَ اللَّهُ: {وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ}
[الأنبياء: 36] قَوْلُهُ: {خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ}
[الأنبياء: 37] خُلِقَ آدَمُ آخِرَ سَاعَاتِ النَّهَارِ مِنْ
يَوْمِ الْجُمُعَةِ بَعْدَ مَا خُلِقَ الْخَلْقُ، فَلَمَّا
أَحْيَا الرُّوحُ عَيْنَيْهِ وَرَأْسَهُ وَلَمْ يَبْلُغْ
أَسْفَلَهُ قَالَ: رَبِّ اسْتَعْجِلْ بِخَلْقِي، قَدْ غَرَبَتِ
الشَّمْسُ.
هَذَا تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ.
(1/312)
- نا خِدَاشٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ،
فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةُ، وَفِيهِ
هَبَطَ مِنْهَا، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، وَفِيهِ سَاعَةٌ،
ثُمَّ قَبَضَ يَدَهُ يُقَلِّلُهَا، لا يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ
يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا إِلا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ» .
قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ: قَدْ عَلِمْتُ
أَيَّ سَاعَةٍ هِيَ، هِيَ آخِرُ سَاعَاتِ النَّهَارِ مِنْ
يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَهِيَ السَّاعَةُ الَّتِي خَلَقَ اللَّهُ
فِيهَا آدَمُ.
قَالَ اللَّهُ: {خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ
آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ} [الأنبياء: 37] وقَالَ
قَتَادَةُ: {خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء: 37]
خُلِقَ عَجُولًا.
قَالَ اللَّه: {سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ}
[الأنبياء: 37] وَذَلِكَ لَمَّا كَانُوا يَسْتَعْجِلُونَ بِهِ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمَّا
خَوَّفَهُمْ بِهِ مِنَ الْعَذَابِ، وَذَلِكَ مِنْهُمُ
اسْتِهْزَاءٌ وَتَكْذِيبٌ.
قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي الْمَوْعِدَ الَّذِي وَعَدَهُ
اللَّهُ فِي الدُّنْيَا: الْقَتْلُ لَهُمْ، وَالنَّصْرُ
عَلَيْهِمْ، وَالْعَذَابُ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ.
قَوْلُهُ: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ
صَادِقِينَ} [الأنبياء: 38] هَذَا قَوْلُ الْمُشْرِكِينَ
لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَتَى هَذَا
الَّذِي تَعِدُنَا بِهِ مِنْ أَمْرِ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ
اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ
كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا
عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ} [الأنبياء: 39]
وَفِيهَا تَقْدِيمٌ.
أَيْ: أَنَّ الْوَعْدَ الَّذِي كَانُوا يَسْتَعْجِلُونَ بِهِ
فِي الدُّنْيَا هُوَ يَوْمٌ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ
النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ لَوْ
يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا.
قَوْلُهُ: {بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً} [الأنبياء: 40]
يَعْنِي: الْقِيَامَةَ.
{فَتَبْهَتُهُمْ} [الأنبياء: 40] مُبَاهَتَةً.
{فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ}
[الأنبياء: 40] أَيْ: وَلا هُمْ يُؤَخَّرُونَ.
(1/313)
قَوْلُهُ: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ
مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ}
[الأنبياء: 41] كَذَّبُوهُمْ وَاسْتَهْزَءُوا بِهِمْ، فَحَاقَ
بِهِمْ.
{مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الأنعام: 5] الْعَذَابُ
الَّذِي كَانُوا يُكَذِّبُونَ بِهِ، وَيَسْتَهْزِئُونَ
بِالرُّسُلِ إِذَا خَوَّفُوهُمْ بِهِ.
قَوْلُهُ: {قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ} [الأنبياء: 42] ....
قَالَ: مَنْ يَحْفَظُكُمْ وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ.
قَالَ: {بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ}
[الأنبياء: 42] أَيْ: هُمْ مِنَ الْمَلائِكَةِ كَقَوْلِهِ:
{يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد: 11] أَيْ: هُمْ
مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، وَهُمْ مَلائِكَةُ اللَّهِ، هُمْ
حَفَظَةٌ مِنَ اللَّهِ لِبَنِي آدَمَ وَلأَعْمَالِهِمْ،
يَتَعَاقَبُونَ فِيهِمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، مَلائِكَةٌ
بِاللَّيْلِ وَمَلائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، فَيَجْتَمِعُونَ
عِنْدَ صَلاةِ الصُّبْحِ، وَعِنْدَ صَلاةِ الْعَصْرِ،
فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهْم: كَيْفَ
تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: أَتَيْنَاهُمْ
وَهُمْ يُصَلُّونَ وَتَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ،
يَحْفَظُونَ الْعِبَادَ مِمَّا لَمْ يُقَدَّرْ لَهُمْ،
وَيَحْفَظُونَ عَلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ.
عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ
مُجَاهِدٍ قَالَ: مَا مِنْ آدَمِيٍّ إِلا وَمَعَهُ مَلَكَانِ
يَحْفَظَانِهِ فِي لَيْلِهِ، وَنَهَارِهِ، وَنَوْمِهِ،
وَيَقَظَتِهِ مِنَ الْجِنِّ، وَالإِنْسِ، وَالدَّوَابِّ،
وَالسِّبَاعِ وَالْهَوَامِّ، وَأَحْسَبُهُ قَالَ: وَالطَّيْرِ،
كُلَّمَا أَرَادَهُ شَيْءٌ قَالَ: إِلَيْكَ حَتَّى يَأْتِيَ
الْقَدَرُ.
حَدَّثَنِي حَمَّادٌ، عَنْ أَبِي غَالِبِ بْنِ أَبِي أُمَامَةَ
قَالَ: مَا مِنْ آدَمِيٍّ إِلا وَمَعَهُ مَلَكَانِ أَحَدُهُمَا
يَكْتُبُ عَمَلَهُ، وَالآخَرُ يَقِيهِ مِمَّا لَمْ يُقَدَّرْ
عَلَيْهِ.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ أَنَّهْمُ أَرْبَعَةُ أَمْلاكٍ
يَتَعَاقَبُونَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، يَعْنِي
يَصْعَدُ هَذَانِ، وَيَنْزِلُ هَذَانِ.
(1/314)
قَوْلُهُ: {بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ
رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء: 42] يَعْنِي
الْمُشْرِكِينَ، مُعْرِضُونَ عَنِ الْقُرْآنِ.
قَوْلُهُ: {أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا}
[الأنبياء: 43] أَيْ: قَدِ اتَّخَذُوا آلِهَةً لا تَمْنَعُهُمْ
مِنْ دُونِنَا.
{لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ} [الأنبياء: 43] لا
تَسْتَطِيعُ الآلِهَةُ لأَنْفُسِهَا نَصْرًا.
{وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ} [الأنبياء: 43] لا يُصْحَبُونَ
مِنَ اللَّهِ بِخَيْرٍ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: {وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ}
[الأنبياء: 43] وَلا مَنْ عَبَدَهَا مِنَّا يُجَارُونَ.
أَيْ لَيْسَ لَهُمْ مَنْ يُجِيرُهُمْ، أَيْ يَمْنَعُهُمْ
مِنَّا.
وَقَالَ الْحَسَنُ: لا تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ
أَرَادَ عَذَابَهُمْ {وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ}
[الأنبياء: 43] وَلا مَنْ يَعْبُدُهَا مِنَّا يُجَارُونَ، أَيْ
لَيْسَ لَهُمْ مَنْ يُجِيرُهُمْ، أَيْ يَمْنَعُهُمْ مِنَّا
إِنْ أَرَادَ اللَّهُ عَذَابَهُمْ.
وَكَانَ يَقُولُ: إِنَّمَا تُعَذَّبُ الشَّيَاطِينُ الَّتِي
دَعَتْهُمْ إِلَى عِبَادَةِ الأَصْنَامِ، وَلا تُعَذَّبُ
الأَصْنَامُ.
قَوْلُهُ: {لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ} [الأنبياء:
43] لا يَسْتَطِيعُونَ تِلْكَ الأَصْنَامُ نَصْرَ أَنْفُسِهَا
إِنْ أَرَادَ أَنْ يُعَذِّبَهَا.
قَوْلُهُ: {بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلاءِ وَآبَاءَهُمْ} [الأنبياء:
44] يَعْنِي: قُرَيْشًا.
{حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ} [الأنبياء: 44] لَمْ
يَأْتِهِمْ رَسُولٌ حَتَّى جَاءَهُمْ مُحَمَّدٌ.
{أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ
أَطْرَافِهَا} [الأنبياء: 44] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَوْتُ
عُلَمَائِهَا وَفُقَهَائِهَا.
(1/315)
قَالَ يَحْيَى: وَبَلَغَنِي عَنْ أَبِي
جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: مَوْتُ عَالِمٍ
أَحَبُّ إِلَى إِبْلِيسَ مِنْ مَوْتِ أَلْفِ عَابِدٍ.
- نا عَمَّارٌ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «مَوْتُ الْعَالِمِ ثُلْمَةٌ فِي الإِسْلامِ لا
يَسُدُّهَا شَيْءٌ أَبَدًا» .
نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ
قَالَ: نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا، قَالَ: الْمَوْتُ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَقَتَادَةُ: نَنْقُصُهَا مِنْ
أَطْرَافِهَا بِالْمَوْتِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ فِي تَفْسِيرِ سَعِيدٍ: {أَفَلا يَرَوْنَ
أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا}
[الأنبياء: 44] بِالْفُتُوحِ عَلَى النَّبِيِّ أَرْضًا
فَأَرْضًا أَفَلا تَسْمَعُهُ يَقُولُ: {أَفَهُمُ
الْغَالِبُونَ} [الأنبياء: 44] أَيْ: لَيْسُوا بِالْغَالِبِينَ
وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ هُوَ الْغَالِبُ.
- عَمَّارٌ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «مَوْتُ عَالِمٍ ثُلْمَةٌ فِي الإِسْلامِ لا
يَسُدُّهَا شَيْءٌ أَبَدًا» .
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا}
[الأنبياء: 44] يَعْنِي: أَرْضَ مَكَّةَ.
وَقَوْلُهُ: {نَنْقُصُهَا} [الأنبياء: 44] يَعْنِي: إِذَا
أَسْلَمَ أَحَدٌ مِنَ الْكُفَّارِ نَقَصَ مِنْهُمْ وَزَادَ فِي
الْمُسْلِمِينَ.
وَهُوَ قَوْلُهُ: {أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الأنبياء: 44] .
وَفِي تَفْسِيرِ عَمْرٍو، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ الأَحْنَفِ
بْنِ قَيْسٍ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَبْعَثُ
نَارًا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ تَطْرُدُ النَّاسَ مِنْ
أَطْرَافِ الأَرْضِ إِلَى
(1/316)
الشَّامِ، تَنْزِلُ مَعَهُمْ إِذَا
نَزَلُوا، وَتَرْتَحِلُ مَعَهُمْ إِذَا ارْتَحَلُوا، فَتَقُومُ
عَلَيْهِمُ الْقِيَامَةُ بِالشَّامِ وَهُوَ قَوْلُهُ:
{نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} [الأنبياء: 44] قَوْلُهُ:
{قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ} [الأنبياء: 45]
قَالَ قَتَادَةُ: بِالْقُرْآنِ، أُنْذِرُكُمْ بِهِ عَذَابَ
الدُّنْيَا وَعَذَابَ الآخِرَةِ،
يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ.
قَوْلُهُ: {وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ} [الأنبياء: 45]
يَعْنِي النِّدَاءَ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{إِذَا مَا يُنْذَرُونَ} [الأنبياء: 45] وَالصُّمُّ هَاهُنَا
الْكُفَّارُ، صُمُّوا عَنِ الْهُدَى.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: عَنِ الإِيمَانِ، وَهُوَ وَاحِدٌ.
قَالَ قَتَادَةُ: إِنَّ الْكَافِرَ أَصَمُّ عَنْ كِتَابِ
اللَّهِ، لا يَسْمَعُهُ وَلا يَعْقِلُهُ.
قَوْلُهُ: {وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ
رَبِّكَ} [الأنبياء: 46] قَالَ قَتَادَةُ: عُقُوبَةٌ مِنْ
عَذَابِ رَبِّكَ.
قَالَ يَحْيَى: وَهِيَ النَّفْخَةُ الأُولَى الَّتِي يُهْلِكُ
اللَّهُ بِهَا كُفَّارَ آخِرِ هَذِهِ الأُمَّةِ بِكُفْرِهِمْ
وَجُحُودِهِمْ.
{لَيَقُولُنَّ} [الأنبياء: 46] إِذَا جَاءَهُمُ الْعَذَابُ.
{يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} [الأنبياء: 46]
وَهِيَ مِثْلُ الآيَةِ الأُولَى فِي أَوَّلِ السُّورَةِ.
{فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا} [الأعراف:
5] عَذَابُنَا {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ} [الأنعام: 14] ،
{إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} [الأنبياء: 46]
(1/317)
قَوْلُهُ: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ
الْقِسْطَ} [الأنبياء: 47] يَعْنِي الْعَدْلَ.
{لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء: 47]
- حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ
أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ
قَالَ: يُوضَعُ الْمِيزَانُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَوْ
وُضِعَ فِي كِفَّةٍ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ لَوَسِعَتْهُمَا.
فَتَقُولُ الْمَلائِكَةُ: رَبَّنَا مَا هَذَا؟ فَيَقُولُ:
أَزِنُ بِهِ لِمَنْ شِئْتُ مِنْ خَلْقِي.
فَتَقُولُ الْمَلائِكَةُ: رَبَّنَا مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ
عِبَادَتِكَ.
- نا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ بَعْضُ
أَهْلِهِ، قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنِي صَاحِبٌ لِي، عَنْ
هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهَا عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ هَلْ يَذْكُرُ الرَّجُلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
حَمِيمَهُ؟ فَقَالَ: " ثَلاثَةُ مَوَاطِنَ لا يَذْكُرُ فِيهَا
أَحَدٌ حَمِيمَهُ: عِنْدَ الْمِيزَانِ حَتَّى يَنْظُرَ
أَيَثْقُلُ مِيزَانُهُ أَمْ يَخِفُّ، وَعِنْدَ الصِّرَاطِ
حَتَّى يَنْظُرَ أَيَجُوزُ أَوْ لا يَجُوزُ، وَعِنْدَ
الصُّحُفِ حَتَّى يَنْظُرَ
أَيُعْطَى كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ أَمْ بِشِمَالِهِ ".
قَوْلُهُ: {فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} [الأنبياء: 47]
يَقُولُ: فَلا تُنْقَصُ مِنْ ثَوَابِ عَمَلِهَا شَيْئًا.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ يَحْيَى: لا يُنْقَصُ الْمُؤْمِنُ مِنْ حَسَنَاتِهِ
شَيْئًا وَلا يُزَادُ عَلَيْهِ مِنْ سَيِّئَاتِ غَيْرِهِ، وَلا
يُزَادُ عَلَى الْكَافِرِ مِنْ سَيِّئَاتِ غَيْرِهِ، وَلا
يُجَازَى فِي الآخِرَةِ بِحَسَنَةٍ قَدِ اسْتَوْفَاهَا فِي
الدُّنْيَا.
قَالَ: {وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ}
[الأنبياء: 47] أَيْ: وَزْنُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ.
{أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء: 47]
يَعْنِي عَالِمِينَ.
(1/318)
وَقَالَ الْحَسَنُ: لا يَعْلَمُ حِسَابَ
مَثَاقِيلِ الذَّرِّ وَالْخَرْدَلِ إِلا اللَّهُ، وَلا
يُحَاسِبُ الْعِبَادَ إِلا هُوَ.
- وَحَدَّثَنِي النَّضْرُ بْنُ مَعْبَدٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ
سِيرِينَ حَدَّثَهُ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ طَعَامَهُ وَمَعَهُ أَبُو
بَكْرٍ إِذْ نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ: {إِذَا زُلْزِلَتِ
الأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة: 1] إِلَى آخِرِهَا،
فَأَمْسَكَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
مَا مِنْ خَيْرٍ عَمِلْتُ إِلا رَأَيْتَ وَلا مِنْ شَرٍّ
عَمِلْتُ إِلا رَأَيْتَ، فَقَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ مَا
رَأَيْتَ مِمَّا تَكْرَهُ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ مَثَاقِيلُ
الشَّرِّ، وَأَمَّا
مَثَاقِيلُ الْخَيْرِ فَتَلْقَاكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَنْ
يَهْتِكَ اللَّهُ سَتْرَ عَبْدٍ فِيهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ
خَيْرٍ» .
قَالَ يَحْيَى: وَبَلَغَنِي فِي الْكَافِرِ أَنَّهُ مَا عَمِلَ
فِي الدُّنْيَا مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ فِي
الدُّنْيَا، وَمَا عَمِلَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ شَرًّا
يَرَهُ فِي الآخِرَةِ.
- أَبُو أُمَيَّةَ بْنُ يَعْلَى الثَّقَفِيُّ، عَنْ سَعِيدٍ
الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَأَيُّهَا
النَّاسُ لا تَغْتَرُّوا بِاللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ لَوْ كَانَ
مُغْفِلًا شَيْئًا لأَغْفَلَ الذَّرَّةَ وَالْخَرْدَلَةَ
وَالْبَعُوضَةَ» .
قَوْلُهُ: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ}
[الأنبياء: 48] تَفْسِيرُ ابْنِ مُجَاهِدٍ: الْكِتَابَ.
وَتَفْسِيرُ قَتَادَةَ: يَعْنِي التَّوْرَاةَ.
وَفُرْقَانُهَا، حَلالُهَا وَحَرَامُهَا، فَرَّقَ فِيهَا
حَلالَهَا وَحَرَامَهَا.
(1/319)
وَقَالَ السُّدِّيُّ: الْفُرْقَانُ يَعْنِي
الْمَخْرَجَ فِي الدِّينِ مِنَ الشُّبْهَةِ وَالضَّلالَةِ.
{وَضِيَاءً} [الأنبياء: 48] يَعْنِي نُورًا.
{وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ} [الأنبياء: 48] يَذْكُرُونَ بِهِ
الآخِرَةَ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {وَضِيَاءً} [الأنبياء: 48] يَعْنِي مَا
فِي التَّوْرَاةِ مِنَ الْبَيَانِ.
قَوْلُهُ: {الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ}
[الأنبياء: 49]
حَدَّثَنِي حَمَّادٌ، عَنْ يُونُسَ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ
مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ
أَوَّابٍ حَفِيظٍ {32} مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ
وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ {33} } [ق: 32-33] قَالَ: الرَّجُلُ
يَذْكُرُ ذُنُوبَهُ فِي الْخَلاءِ فَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ
مِنْهَا.
قَوْلُهُ: {وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء:
49] خَائِفُونَ مِنْ شَرِّ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَهُمُ
الْمُؤْمِنُونَ.
قَوْلُهُ: {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ
أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} [الأنبياء: 50] قَالَ
قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: يَعْنِي الْقُرْآنَ: {وَهَذَا ذِكْرٌ
مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ}
[الأنبياء: 50] يَعْنِي بِذَلِكَ الْمُشْرِكِينَ، عَلَى
الاسْتِفْهَامِ، أَيْ قَدْ أَنْكَرْتُمُوهُ.
قَوْلُهُ: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ
قَبْلُ} [الأنبياء: 51] قَالَ قَتَادَةُ: هُدَاهُ.
هُدَاهُ صَغِيرًا فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ.
(1/320)
وَقَالَ الْحَسَنُ: النُّبُوَّةَ.
{وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ} [الأنبياء: 51] أَنَّهُ
سَيُبَلِّغُ عَنِ اللَّهِ الرِّسَالَةَ وَيَمْضِي لأَمْرِهِ.
وَهُوَ كَقَوْلِهِ: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ
رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124] قَوْلُهُ: {إِذْ قَالَ}
[الأنبياء: 52] إِبْرَاهِيمُ.
{لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ} [الأنبياء:
52] قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي الأَصْنَامَ.
{الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [الأنبياء: 52] يَعْنِي:
لَهَا عَابِدُونَ.
{قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ {53} قَالَ
لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ
{54} } [الأنبياء: 53-54] يَعْنِي: بَيِّنٍ.
{قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ
اللَّاعِبِينَ} [الأنبياء: 55] أهُزْءٌ هَذَا الَّذِي
جِئْتَنَا بِهِ أَمْ مِنْكَ حَقٌّ؟ {قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ
رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ}
[الأنبياء: 56] الَّذِي خَلَقَهُنَّ وَلَيْسَتْ هَذِهِ
الآلِهَةُ الَّتِي تَعْبُدُونَهَا.
{وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} [الأنبياء: 56]
أَنَّهُ رَبُّكُمْ.
{وَتَاللَّهِ} [الأنبياء: 57] يَمِينٌ أَقْسَمَ بِهِ.
{لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا
مُدْبِرِينَ} [الأنبياء: 57] قَالَ قَتَادَةُ: نَرَى أَنَّهُ
قَالَ ذَلِكَ حَيْثُ لا يَسْمَعُونَ.
اسْتَنْفَعُوهُ لِيَوْمِ عِيدٍ لَهُمْ
(1/321)
يَخْرُجُونَ فِيهِ مِنَ الْمَدِينَةِ
فَأَبَى، فَقَالَ: {إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات: 89] اعْتَلَّ
لَهُمْ بِذَلِكَ ثُمَّ قَالَ لَمَّا وَلَّوْا: {وَتَاللَّهِ
لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ}
[الأنبياء: 57] فَسَمِعَ وَعِيدَهُ لأَصْنَامِهِمْ رَجُلٌ
مِنْهُمُ اسْتَأْخَرَ مِنَ الْقَوْمِ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ:
{سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ}
[الأنبياء: 60] قَالَ: {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا} [الأنبياء: 58]
قَالَ قَتَادَةُ: قِطَعًا، قَطَّعَ أَيْدِيَهَا وَأَرْجُلَهَا
وَفَقَأَ أَعْيُنَهَا، وَنَجَرَ وُجُوهَهَا.
{إِلا كَبِيرًا لَهُمْ} [الأنبياء: 58] قَالَ قَتَادَةُ:
يَعْنِي لِلآلِهَةِ وَأَعْظَمِهَا فِي أَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ
أَوْثَقَ الْفَأْسَ فِي يَدِ كَبِيرِ تِلْكَ الأَصْنَامِ.
{لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ} [الأنبياء: 58] قَالَ
قَتَادَةُ: كَادَهُمْ بِذَلِكَ لَعَلَّهُمْ يُبْصِرُونَ
فَيُؤْمِنُوا.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ثُمَّ جَعَلَ إِبْرَاهِيمُ الْفَأْسَ
الَّتِي أَهْلَكَ اللَّهُ بِهَا أَصْنَامَهُمْ مُسْنَدَةً
إِلَى صَدْرِ كَبِيرِهِمُ الَّذِي تَرَكَ.
فَلَمَّا رَجَعُوا فَرَأَوْا مَا صُنِعَ بِأَصْنَامِهِمْ.
{قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ
الظَّالِمِينَ {59} قَالُوا} [الأنبياء: 59-60] قَالَ الَّذِي
اسْتَأْخَرَ مِنْهُمْ وَسَمِعَ وَعِيدَ إِبْرَاهِيمَ
أَصْنَامَهُمْ.
(1/322)
{سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ
لَهُ إِبْرَاهِيمُ {60} قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ
النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ {61} } [الأنبياء: 60-61]
أَنَّهُ كَسَرَهَا فَتَكُونُ لَكُمْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ.
قَالَ قَتَادَةُ: كَرِهُوا أَنْ يَأْخُذُوهُ إِلا بِبَيِّنَةٍ
فَجَاءُوا بِهِ.
فَـ {قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا
إِبْرَاهِيمُ {62} قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا
فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ {63} فَرَجَعُوا
إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ
الظَّالِمُونَ {64} } [الأنبياء: 62-64] قَالَ قَتَادَةُ:
وَهِيَ هَذِهِ الْمَكِيدَةُ الَّتِي كَادَهُمْ بِهَا.
وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنَّ كَذِبَهُ فِي مَكِيدَتِهِ إِيَّاهُمْ
مَوْضُوعٌ عَنْهُ.
- وَحَدَّثَنِي هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ذَكَرَ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ حَيْثُ يَأْتُونَ
آدَمَ، ثُمَّ نُوحًا، ثُمَّ إِبْرَاهِيمَ، ثُمَّ مُوسَى، ثُمَّ
عِيسَى، ثُمَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَذَكَرَ مَا يَقُولُ كُلُّ نَبِيٍّ مِنْهُمْ، فَذَكَرَ فِي
قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ حِينَ سَأَلُوهُ أَنْ يَشْفَعَ لَهُمْ:
إِنِّي لَسْتُ هُنَالِكُمْ، وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي
أَصَابَ، ثَلاثَ كَذَبَاتٍ كَذَبَهُنَّ، قَوْلُهُ: {إِنِّي
سَقِيمٌ}
[الصافات: 89] وَقَوْلُهُ: {فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا}
[الأنبياء: 63] وَقَوْلُهُ لامْرَأَتِهِ: إِنْ سَأَلُوكِ مَنْ
أَنْتِ مِنْهُ، فَقُولِي إِنَّكِ أُخْتِي.
قَوْلُهُ: {ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ} [الأنبياء: 65]
خِزْيًا قَدْ حَجَّهُمْ وَقَالَ قَتَادَةُ: أَصَابَ الْقَوْمَ
خِزْيَةُ سُوءٍ فَقَالُوا: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ
يَنْطِقُونَ {65} قَالَ} [الأنبياء: 65-66] لَهُمْ.
(1/323)
{أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا
لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلا يَضُرُّكُمْ} [الأنبياء: 66]
يَعْنِي أَصْنَامَهُمْ.
{أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا
تَعْقِلُونَ} [الأنبياء: 67] وَهِيَ الَّتِي كَادَهُمْ بِهَا.
{قَالُوا حَرِّقُوهُ} [الأنبياء: 68] بِالنَّارِ.
{وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ}
[الأنبياء: 68] قَالَ الْحَسَنُ: فَجَمَعُوا الْحَطَبَ
زَمَانًا، حَتَّى إِنَّ الشَّيْخَ الْكَبِيرَ الَّذِي لَمْ
يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ قَبْلَ ذَلِكَ زَمَانًا كَانَ يَجِيءُ
بِالْحَطَبِ، فَيُلْقِيهِ، يَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى آلِهَتِهِمْ
فِيمَا يَزْعُمُ، ثُمَّ جَاءُوا بِإِبْرَاهِيمَ فَأَلْقَوْهُ
فِي تِلْكَ النَّارِ.
قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنِي أَنَّهُمْ رَمَوْا بِهِ فِي
الْمِنْجَنِيقِ، فَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ مَا صُنِعَ
الْمِنْجَنِيقُ.
قَالَ اللَّهُ: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا
عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء: 69]
- نا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَيْخٍ، عَنْ عَلِيٍّ
قَالَ: قَالَ اللَّهُ: {يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا} [الأنبياء:
69] فَكَادَتْ تَقْتُلُهُ مِنَ الْبَرْدِ، وَقَالَ:
{وَسَلامًا} [الأنبياء: 69] لا تَضُرُّهُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {وَسَلامًا} [الأنبياء: 69] يَعْنِي:
وَسَلامَةً مِنْ حَرِّ النَّارِ وَمِنْ بَرْدِهَا.
نا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ كَعْبًا قَالَ: مَا
انْتَفَعَ بِهَا يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، وَمَا
أَحْرَقَتْ مِنْهُ يَوْمَئِذٍ إِلَى وِثَاقِهِ.
عَمَّارٌ، عَنْ أَبِي هِلالٍ الرَّاسِبِيِّ، عَنْ بَكْرِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ قَالَ: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا
أَرَادُوا أَنْ يُلْقُوهُ فِي النَّارِ جَاءَتْ عَامَّةُ
الْخَلِيقَةِ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ: يَا رَبِّ، خَلِيلُكَ
يُلْقَى فِي النَّارِ، فَأْذَنَ لَنَا نُطْفِئُ عَنْهُ.
فَقَالَ: هُوَ خَلِيلِي لَيْسَ لِي فِي الأَرْضِ خَلِيلٌ
غَيْرَهُ وَأَنَا إِلَهُهُ لَيْسَ لَهُ إِلَهٌ غَيْرِي، فَإِنِ
اسْتَغَاثَكُمْ فَأَغِيثُوهُ وَإِلا فَدَعُوهُ.
قَالَ فَجَاءَ مَلَكُ الْقَطْرِ فَقَالَ: يَا رَبِّ خَلِيلُكَ
يُلْقَى فِي النَّارِ فَأْذَنْ لِي أُطْفِئُ عَنْهُ
بِالْقَطْرِ.
فَقَالَ: هُوَ خَلِيلِي لَيْسَ
(1/324)
لِي فِي الأَرْضِ خَلِيلٌ غَيْرَهُ،
وَأَنَا إِلَهُهُ لَيْسَ لَهُ فِي الأَرْضِ إِلَهٌ غَيْرِي،
فَإِنِ اسْتَغَاثَكَ فَأَغِثْهُ، وَإِلا فَدَعْهُ.
قَالَ: فَأُلْقِيَ فِي النَّارِ فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
لِلنَّارِ: {يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى
إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء: 69] قَالَ: فَبَرَدَتْ عَلَى أَهْلِ
الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، فَمَا أُنْضِجَ بِهَا يَوْمَئِذٍ
كِرَاعٌ.
- نا سَعِيدٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أُمِّ
سِيَابَةَ الأَنْصَارِيَّةِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَهَا أَنَّ
إِبْرَاهِيمَ لَمَّا أُلْقِيَ فِي النَّارِ كَانَتِ
الدَّوَابُّ كُلُّهَا تُطْفِئُ عَنْهُ النَّارَ إِلا
الْوَزَغَةَ فَإِنَّهَا كَانَتْ تَنْفُخُ عَلَيْهِ، فَأَمَرَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِقَتْلِهَا.
قَوْلُهُ: {وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا} [الأنبياء: 70]
بِتَحْرِيقِهِمْ إِيَّاهُ.
{فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ} [الأنبياء: 70] فِي النَّارِ،
خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَخَسِرُوا الْجَنَّةَ.
قَوْلُهُ: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي
بَارَكْنَا فِيهَا} [الأنبياء: 71] يَعْنِي الأَرْضَ
الْمُقَدَّسَةَ.
{لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 71] يَعْنِي جَمِيعَ
الْعَالَمِينَ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
هَاجَرَ مِنْ أَرْضِ الْعِرَاقِ إِلَى أَرْضِ الشَّامِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: نَجَّاهُ اللَّهُ مِنْ أَرْضِ الْعِرَاقِ
إِلَى أَرْضِ الشَّامِ.
وَكَانَ يُقَالُ: إِنَّ الشَّامَ عِمَادُ دَارِ الْهِجْرَةِ.
قَوْلُهُ: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً}
[الأنبياء: 72] وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: ابْنُ ابْنٍ فِي
تَفْسِيرِ قَتَادَةَ وَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ، غَيْرَ أَنَّ
الْحَسَنَ قَالَ: عَطِيَّةً.
(1/325)
قَالَ: {وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ}
[الأنبياء: 72] يَعْنِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ.
قَوْلُهُ: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا}
[الأنبياء: 73] يَعْنِي يَدْعُونَ بِأَمْرِنَا.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: يُهْتَدَى بِهِمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ.
قَوْلُهُ: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ}
[الأنبياء: 73] وَهِيَ الأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ.
{وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ} [الأنبياء: 73]
قَالَ: {وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} [الأنبياء: 73] قَوْلُهُ:
{وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: 74]
النُّبُوَّةُ فِيهَا الْحُكْمُ وَالْعِلْمُ.
{وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ
الْخَبَائِثَ} [الأنبياء: 74] يَعْنِي أَنَّ أَهْلَهَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ الْخَبَائِثَ، وَكَانُوا مِمَّا يَعْمَلُونَ
إِتْيَانُهُمُ الرِّجَالِ فِي أَدْبَارِهِمْ.
قَالَ: {إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ}
[الأنبياء: 74] يَعْنِي مُشْرِكِينَ وَالشِّرْكُ أَعْظَمُ
الْفِسْقِ.
قَالَ: {وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا} [الأنبياء: 75]
يَعْنِي لُوطًا، وَرَحْمَتُنَا هَاهُنَا: الْجَنَّةُ.
{إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} [الأنبياء: 75] وَالصَّالِحُونَ
أَهْلُ الْجَنَّةِ.
قَوْلُهُ: {وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ} [الأنبياء: 76]
وَهَذَا حَيْثُ أُمِرَ بِالدُّعَاءِ عَلَى قَوْمِهِ.
{فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ} [الأنبياء:
76] قَالَ الْحَسَنُ: {وَأَهْلَهُ} [الأنبياء: 76] : أُمَّتَهُ
الْمُؤْمِنِينَ، نَجَّيْنَاهُ.
{مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} [الأنبياء: 76] يَعْنِي: مِنَ
الْغَرَقِ وَالْعَذَابِ.
(1/326)
وَقَالَ قَتَادَةُ: نَجَا مَعَ نُوحٍ فِي
السَّفِينَةِ امْرَأَتُهُ، وَثَلاثَةُ بَنِينَ لَهُ،
وَنِسَاؤُهُمْ سَامٌ، وَحَامٌ، وَيَافِثُ، وَنِسَاؤُهُمْ
فَجَمِيعُهُمْ ثَمَانِيَةٌ.
قَوْلُهُ: {وَنَصَرْنَاهُ} [الأنبياء: 77] يَعْنِي نُوحًا.
{مِنَ الْقَوْمِ} [الأنبياء: 77] يَعْنِي عَلَى الْقَوْمِ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} [الأنبياء: 77] كَقَوْلِهِ:
{رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ} [المؤمنون: 26]
فَأَغْرَقَهُمُ اللَّهُ.
قَالَ: {إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ
أَجْمَعِينَ} [الأنبياء: 77] قَوْلُهُ: {وَدَاوُدَ
وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ
فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ} [الأنبياء: 78] وَقَعَتْ فِيهِ غَنَمُ
الْقَوْمِ لَيْلًا فَأَفْسَدَتْهُ.
نا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: النَّفَشُ بِاللَّيْلِ
وَالْهَمَلُ بِالنَّهَارِ.
قَالَ قَتَادَةُ: وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ غَنَمَ الْقَوْمِ
وَقَعَتْ فِي زَرْعٍ لَيْلًا، فَرُفِعَ ذَلِك إِلَى دَاوُدَ
فَقَضَى بِالْغَنَمِ لِصَاحِبِ الزَّرْعِ.
فَقَالَ سُلَيْمَانُ: لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ لَهُ
نَسْلُهَا وَرِسْلُهَا، وَعَوَارِضُهَا، وَجِزَازُهَا،
وَيُزْرَعُ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ الزَّرْعِ، حَتَّى إِذَا كَانَ
مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ أُكِلَ،
دُفِعَتِ الْغَنَمُ إِلَى رَبِّهَا، يَعْنِي صَاحِبَهَا
وَقَبَضَ صَاحِبُ الزَّرْعِ زَرْعَهُ.
قَالَ اللَّهُ: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الأنبياء: 79]
وَفِي تَفْسِيرِ الْكَلْبِيِّ: أَنَّ أَصْحَابَ الْحَرْثِ
اسْتَعَدُوا عَلَى أَصْحَابِ
(1/327)
الْغَنَمِ فَنَظَرَ دَاوُدُ ثَمَنَ
الْحَرْثِ فَإِذَا هُوَ قَرِيبٌ مِنْ ثَمَنِ الْغَنَمِ،
فَقَضَى بِالْغَنَمِ لِصَاحِبِ الْحَرْثِ.
فَمَرُّوا بِسُلَيْمَانَ فَقَالَ: كَيْفَ قَضَى فِيكُمْ
نَبِيُّ اللَّهِ؟ فَأَخْبَرُوهُ.
فَقَالَ: نِعْمَ مَا قَضَى، وَغَيْرُهُ كَانَ أَرْفَقَ
بِالْفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا.
فَدَخَلَ أَصْحَابُ الْغَنَمِ عَلَى دَاوُدَ فَأَخْبَرُوهُ.
فَأَرْسَلَ إِلَى سُلَيْمَانَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ، فَعَزَمَ
عَلَيْهِ دَاوُدُ بِحَقِّ النُّبُوَّةِ وَبِحَقِّ الْمُلْكِ،
وَحَقِّ الْوَالِدِ لَمَا حَدَّثْتَنِي كَيْفَ رَأَيْتَ فِيمَا
قَضَيْتُ.
فَقَالَ سُلَيْمَانُ: قَدْ عَدَلَ النَّبِيُّ وَأَحْسَنَ،
وَغَيْرُهُ كَانَ أَرْفَقَ.
قَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: تُدْفَعُ الْغَنَمُ إِلَى أَهْلِ
الْحَرْثِ فَيَنْتَفِعُونَ بِسَمْنِهَا، وَلَبَنِهَا،
وَأَصْوَافِهَا، وَأَوْلادِهَا عَامَهُمْ هَذَا وَعَلَى أَهْلِ
الْغَنَمِ أَنْ يَزْرَعُوا لأَهْلِ الْحَرْثِ مِثْلَ الَّذِي
أَفْسَدَتْ غَنَمُهُمْ، فَإِذَا كَانَ مِثْلَهُ حِينَ
أَفْسَدُوهُ قَبَضُوا غَنَمَهُمْ.
قَالَ لَهُ دَاوُدُ: نِعْمَ مَا قَضَيْتَ.
نا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ:
كَانَ عِنَبًا.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: وَكَانَ الْحَرْثُ عِنَبًا.
وَتَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: أَنَّ دَاوُدَ أَعْطَى صَاحِبَ
الْحَرْثِ رِقَابَ الْغَنَمِ بِأَكْلِهَا الْحَرْثَ.
وَحَكَمَ سُلَيْمَانُ بِجَزَّةِ الْغَنَمِ وَأَلْبَانِهَا
لأَهْلِ الْحَرْثِ، وَعَلَى أَهْلِ الْحَرْثِ رِعْيَتُهَا،
وَيَحْرُثُ لَهُمْ أَهْلُ الْغَنَمِ حَتَّى يَكُونَ
كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ أُكِلَ، ثُمَّ يَدْفَعُونَهُ إِلَى
أَهْلِهِ وَيَأْخُذُونَ غَنَمَهُمْ.
قَوْلُهُ: {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} [الأنبياء: 78]
يَعْنِي دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ، لِقَضَائِهِمْ شَاهِدِينَ.
(1/328)
{فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الأنبياء:
79] قَالَ يَحْيَى: كَانَ هَذَا الْقَضَاءُ يَوْمَئِذٍ، وَقَدْ
تَكُونُ لأُمَّةٍ شَرِيعَةٌ وَلأُمَّةٍ أُخْرَى شَرِيعَةٌ
غَيْرَهَا، وَقَضَاءٌ غَيْرُ قَضَاءِ الأُمَّةِ الأُخْرَى.
- وَحَدَّثَنِي بَحْرٌ السَّقَّاءُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَحَرَامِ بْنِ مُحَيِّصَةَ، عَنِ
الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ نَاقَةً لَهُ وَقَعَتْ فِي
حَائِطِ قَوْمٍ فَأَفْسَدَتْ فِيهِ.
فَاخْتَصَمُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَا أَجِدُ لَكُمْ إِلا قَضَاءَ
سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ.
إِنَّهُ قَضَى عَلَى أَهْلِ الْمَوَاشِي حِفْظَ مَوَاشِيهِمْ
بِاللَّيْلِ وَقَضَى عَلَى أَهْلِ الْحَوَائِطِ حِفْظَ
حَوَائِطِهِمْ بِالنَّهَارِ» .
قَالَ يَحْيَى: إِنَّمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ
يَضْمَنُ مَا يَكُونُ مِنَ الْمَاشِيَةِ بِاللَّيْلِ، وَلَيْسَ
فِيهِ كَيْفَ الْقَضَاءُ فِي ذَلِكَ الْفَسَادِ الْيَوْمَ.
وَإِنَّمَا الْقَضَاءُ الْيَوْمَ فِي ذَلِكَ الْفَسَادِ مَا
بَلَغَ الْفَسَادُ مِنَ النُّقْصَانِ.
وَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ
أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ شَاةً أَكَلَتْ غَزْلَ
حَائِكٍ قَالَ: فَأَتَوْا شُرَيْحًا: قَالَ: فَقَرَأَ شُرَيْحٌ
هَذِهِ الآيَةَ: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ
فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ}
[الأنبياء: 78] وقَالَ: وَالنَّفَشُ لا يَكُونُ إِلا
بِاللَّيْلِ.
إِنْ كَانَ لَيْلًا ضُمِنَ، وَإِنْ كَانَ نَهَارًا لَمْ
يُضْمَنْ.
- قَالَ: وَحَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ زِيَادٍ، وَحَدَّثَنِي عُثْمَانُ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كِلاهُمَا قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«الدَّابَّةُ الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ، وَالْبِئْرُ جُبَارٌ،
وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» .
(1/329)
قَالَ يَحْيَى: هِيَ عِنْدَنَا فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي نَاقَةِ الْبَرَاءِ بْنِ
عَازِبٍ أَنَّهُ بِالنَّهَارِ، وَأَمَّا إِذَا أُفْسِدَتْ
بِاللَّيْلِ فَصَاحِبُهَا ضَامِنٌ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: {وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء:
79] يَعْنِي: أَعْطَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا، يَعْنِي:
وَعَقْلًا.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ، يَعْنِي بِذَلِكَ: دَاوُدَ
وَسُلَيْمَانَ.
قَالَ: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ
وَالطَّيْرَ} [الأنبياء: 79] كَانَتْ جَمِيعُ الْجِبَالِ
وَجَمِيعُ الطَّيْرِ تَسْبَحُ مَعَ دَاوُدَ بِالْغَدَاةِ
وَالْعَشِيِّ وَيَفْقَهُ تَسْبِيحَهَا.
نا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: {يُسَبِّحْنَ}
[الأنبياء: 79] قَالَ: يُصَلِّينَ، يَفْقَهُ ذَلِكَ دَاوُدُ.
قَوْلُهُ: {وَكُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 79] أَيْ: قَدْ
فَعَلْنَا ذَلِكَ بِدَاوُدَ.
قَوْلُهُ: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ}
[الأنبياء: 80] يَعْنِي دُرُوعُ الْحَدِيدِ.
{لِتُحْصِنَكُمْ} [الأنبياء: 80] بِهِ، يَعْنِي:
تُجَنِّبُكُمْ.
{مِنْ بَأْسِكُمْ} [الأنبياء: 80] وَالْبَأْسُ: الْقِتَالُ.
{فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ} [الأنبياء: 80] فَكَانَ دَاوُدُ
أَوَّلَ مَنْ عَمِلَ الدُّرُوعَ، وَكَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ
صَفَائِحُ.
(1/330)
قَوْلُهُ: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ}
[الأنبياء: 81] أَيْ: وَسَخَّرْنَا لِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ.
{عَاصِفَةً} [الأنبياء: 81] لا تُؤْذِيهِ.
{تَجْرِي بِأَمْرِهِ} [الأنبياء: 81] مُسَخَّرَةً.
قَوْلُهُ: {تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي
بَارَكْنَا فِيهَا} [الأنبياء: 81] وَهِيَ أَرْضُ الشَّامِ
وَأَفْضَلُهَا فِلَسْطِينُ.
قَالَ: {وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ} [الأنبياء: 81]
قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ
جَابِرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُوسَى، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ
وَسَّاجٍ قَالَ: مَا يُنْقَصُ مِنَ الأَرْضِ يُزَادُ فِي
الشَّامِ، وَمَا يُنْقَصُ مِنَ الشَّامِ يُزَادُ
بِفِلَسْطِينَ.
نا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: مَا نَقَصَ مِنَ الأَرْضِ
زِيدَ فِي الشَّامِ، وَمَا نَقَصَ مِنَ الشَّامِ زِيدَ فِي
فِلَسْطِينَ.
وَذَلِكَ أَنَّهُ يُقَالُ: إِنَّهَا أَرْضُ الْمَحْشَرِ
وَالْمَنْشَرِ، وَبِهَا يَجْتَمِعُ النَّاسُ.
- قَالَ قَتَادَةُ: وَحَدَّثَ أَبُو قِلابَةَ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رَأَيْتُ
فِيمَا يَرَى النَّائِمُ كَأَنَّ الْمَلائِكَةَ حَمَلَتْ
عَمُودَ الْكِتَابِ فَوَضَعَتْهُ بِالشَّامِ، فَأَوَّلْتُهَا
فَضْلَ الشَّامِ، إِنَّ الْفِتَنَ إِذَا وَقَعَتْ كَانَ
الإِيمَانُ بِالشَّامِ» .
الصَّلْتُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ نَوْفٍ
الْبِكَالِيِّ قَالَ: تُخْرَبُ الأَمْصَارُ قَبْلَ الشَّامِ
بِأَرْبَعِينَ عَامًا، وَإِنَّمَا ضَمِنَتْ لأَهْلِهَا بُرًّا
وَزَيْتًا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ وَإِنَّ بِهَا قَبْرَ
اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ نَبِيًّا، وَإِنَّ إِلَيْهَا
الْمَحْشَرَ وَالْمَنْشَرَ، وَإِنَّ بِهَا الْمِيزَانَ،
وَإِنَّ
(1/331)
الصَّخْرَةَ تَخْرُجُ مِنْ تَحْتِهَا
أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ: سَيْحُونُ، وَجَيْحُونُ، وَالنِّيلُ،
وَالْفُرَاتُ.
قَوْلُهُ: {وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ}
[الأنبياء: 82] وَهَذَا عَلَى الْجَمَاعَةِ.
{وَيَعْمَلُونَ عَمَلا دُونَ ذَلِكَ} [الأنبياء: 82] دُونَ
الْغَوْصِ.
وَكَانُوا يَغُوصُونَ فِي الْبَحْرِ فَيُخْرِجُونَ لَهُ
اللُّؤْلُؤَ.
وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ} [ص:
37] .
وَقَالَ قَتَادَةُ: وَرَّثَ اللَّهُ سُلَيْمَانَ دَاوُدَ
نُبُوَّتَهُ، وَمُلْكَهُ، وَزَادَ سُلَيْمَانَ عَلَى ذَلِكَ
أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَخَّرَ لَهُ الرِّيحَ
وَالشَّيَاطِينَ.
قَوْلُهُ: {وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ} [الأنبياء: 82]
حَفِظَهُمُ اللَّهُ عَلَيْهِ أَلا يَذْهَبُوا وَيَتْرُكُوهُ،
فَكَانُوا مُسَخَّرِينَ لَهُ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: لَمْ يُسَخَّرْ لَه فِي هَذِهِ الأَعْمَالِ
وَفِيمَا يُصَفَّدُ، يَجْعَلُهُمْ فِي السَّلاسِلِ مِنَ
الْجِنِّ، إِلا الْكُفَّارَ مِنْهُمْ.
وَاسْمُ الشَّيْطَانِ لا يَقَعُ إِلا عَلَى الْكَافِرِ مِنَ
الْجِنِّ.
حَدَّثَنِي قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ
قَالَ: أَمَرَ سُلَيْمَانُ بِبِنَاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ،
فَقَالُوا لَهُ: زَوْبَعَةُ الشَّيْطَانُ لَهُ عَيْنٌ فِي
جَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ، يَرِدُهَا كُلَّ سَبْعَةٍ أَيَّامٍ
يَوْمًا.
فَأَتَوْهَا، فَنَزَحُوهَا ثُمَّ صَبُّوا فِيهَا خَمْرًا.
فَجَاءَ لِوِرْدِهِ، فَلَمَّا أَبْصَرَ الْخَمْرَ قَالَ فِي
كَلامٍ لَهُ: مَا عَلِمْتُ أَنَّكِ إِذَا شَرِبَكِ صَاحِبُكِ
لَمَمًا يَظْهَرُ عَلَيْهِ عَدُوُّهُ، فِي أَسَاجِعَ.
لا أَذُوقُكِ الْيَوْمَ.
فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ لِظَمَأٍ آخَرَ.
فَلَمَّا رَآهَا قَالَ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ.
ثُمَّ ذَهَبَ فَلَمْ يَشْرَبْ.
ثُمَّ جَاءَ لِظَمَأٍ آخَرَ لإِحْدَى وَعِشْرِينَ لَيْلَةً،
قَالَ: مَا عَلِمْتُ أَنَّكِ لَتُذْهِبِينَ الْهَمَّ، فِي
سَجْعٍ لَهُ.
فَشَرِبَ مِنْهَا، فَسَكِرَ.
فَجَاءُوا إِلَيْهِ، فَأَرَوْهُ خَاتَمَ السُّخْرَةِ
فَانْطَلَقَ مَعَهُمْ إِلَى سُلَيْمَانَ.
فَأَمَرَهُمْ بِالْبِنَاءِ، فَقَالَ زَوْبَعَةُ: دُلُّونِي
عَلَى بَيْضِ الْهُدْهُدِ.
فَدُلَّ
(1/332)
عَلَى عُشِّهِ.
فَأَكَبَّ عَلَيْهِ جُمْجُمَةً، يَعْنِي زُجَاجَةً.
فَجَاءَ الْهُدْهُدُ فَجَعَلَ لا يَصِلُ إِلَيْهِ،
فَانْطَلَقَ، فَجَاءَ بِالْمَاسِ الَّذِي يُثْقَبُ بِهِ
الْيَاقُوتُ، فَوَضَعَهُ عَلَيْهَا، فَقَطَّ الزُّجَاجَةَ
نِصْفَيْنِ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَأْخُذَهُ فَأَعْجَزَهُ،
فَجَاءُوا بِالْمَاسِ إِلَى سُلَيْمَانَ، فَجَعَلُوا
يَسْتَعْرِضُونَ الْجِبَالَ كَأَنَّمَا يَخُطُّونَ فِي
نَوَاحِيهَا فِي طِينٍ.
قَوْلُهُ: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ
الضُّرُّ} [الأنبياء: 83] قَالَ قَتَادَةُ: الْمَرَضُ.
وَقَالَ الْحَسَنُ كَقَوْلِهِ: {أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ
بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} [ص: 41] قَالَ الْحَسَنُ: إِنَّ إِبْلِيسَ
قَالَ: يَا رَبِّ، هَلْ مِنْ عَبِيدِكَ عَبْدٌ إِنْ
سَلَطَّتَنِي عَلَيْهِ امْتَنَعَ مِنِّي؟ قَالَ: نَعَمْ،
عَبْدِي أَيُّوبُ.
قَالَ: فَسَلَّطَهُ عَلَيْهِ لِيَجْهَدَ جَهْدَهُ، وَيُضِلَّهُ
بِخَبَالِهِ وَغُرُورِهِ فَامْتَنَعَ مِنْهُ.
قَالَ إِبْلِيسُ: يَا رَبِّ، إِنَّهُ قَدِ امْتَنَعَ مِنِّي،
فَسَلِّطْنِي عَلَى مَالِهِ.
فَسَلَّطَهُ عَلَى مَالِهِ فَجَعَلَ يُهْلِكُ مَالَهُ صِنْفًا
صِنْفًا وَيَأْتِيهِ فَيَقُولُ: يَا أَيُّوبَ هَلَكَ مَالُكَ
فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ،
اللَّهُمَّ أَنْتَ أَعْطَيْتَهُ، وَأَنْتَ أَخَذْتَهُ مِنِّي،
إِنْ تُبْقِ لِي نَفْسِي أَحْمَدْكَ عَلَى بَلائِكَ.
قَالَ إِبْلِيسُ: يَا رَبِّ إِنَّ أَيُّوبَ لا يُبَالِي
بِمَالِهِ، فَسَلِّطْنِي عَلَى جَسَدِهِ.
فَسَلَّطَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَمَكَثَ سَبْعَ سِنِينَ
وَأَشْهُرًا فِي الْعَذَابِ حَتَّى وَقَعَتِ الأَكَلَةُ فِي
جَسَدِهِ.
قَالَ يَحْيَى: وَبَلَغَنِي أَنَّ الدُّودَةَ كَانَتْ تَقَعُ
مِنْ جَسَدِهِ فَيَرُدَّهَا فِي مَكَانِهَا وَيَقُولُ: كُلِي
مِمَّا رَزَقَكِ اللَّهُ.
قَالَ الْحَسَنُ: فَدَعَا رَبَّهُ: {أَنِّي مَسَّنِيَ
الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} [ص: 41] وَقَالَ فِي هَذِهِ
الآيَةِ: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ
الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء: 83] فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ
أَنِ: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ} [ص: 42] فَرَكَضَ بِرِجْلِهِ
رَكْضَةً وَهُوَ لا يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ.
فَإِذَا عَيْنٌ فَاغْتَسَلَ مِنْهَا، فَأَذْهَبَ اللَّهُ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى ظَاهِرَ دَائِهِ، ثُمَّ مَشَى عَلَى
رِجْلَيْهِ أَرْبَعِينَ
(1/333)
ذِرَاعًا، ثُمَّ قِيلَ لَهُ: {ارْكُضْ
بِرِجْلِكَ} [ص: 42] أَيْضًا، فَرَكَضَ بِرِجْلِهِ رَكْضَةً
أُخْرَى، فَإِذَا عَيْنٌ، فَشَرِبَ مِنْهَا، فَأَذْهَبَ
اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بَاطِنَ دَائِهِ، وَرَدَّ
عَلَيْهِ أَهْلَهُ، وَوَلَدَهُ وَأَمْوَالَهُ مِنَ الْبَقَرِ،
وَالْغَنَمِ، وَالْحَيَوَانِ، وَكُلِّ شَيْءٍ هَلَكَ
بِعَيْنِهِ.
ثُمَّ أَبْقَاهُ اللَّهُ فِيهَا حَتَى وَهَبَ لَهُ مِنْ
نُسُولِهَا أَمْثَالَهَا، فَهُوَ قَوْلُهُ: {وَوَهَبْنَا لَهُ
أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ} [ص: 43] قَالَ قَتَادَةُ:
أَحْيَا اللَّهُ لَهُ أَهْلَهُ بِأَعْيَانِهِمْ، وَأَعْطَاهُ
مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
أَحْيَا وَلَدَ أَيُّوبَ بِأَعْيَانِهِمْ، وَكَانُوا مَاتُوا
قَبْلَ آجَالِهِمْ تَسْلِيطًا مِنَ اللَّهِ لِلشَّيْطَانِ
عَلَيْهِمْ، فَأَحْيَاهُمُ اللَّهُ، فَوَفَّاهُمْ آجَالَهُمْ.
وَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَبْقَاهُ فِيهِمْ
حَتَّى أَعْطَاهُ مِنْ نُسُولِهِمْ مِثْلَهُمْ.
وَإِنَّ إِبْلِيسَ قَالَ: يَا أَيُّوبُ وَهُوَ يَأْتِيهِ
عِيَانًا، اذْبَحْ لِي سَخْلَةً مِنْ غَنَمِكَ، قَالَ: لا وَلا
كَفًّا مِنْ تُرَابٍ.
- الصَّلْتُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ
قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: لا
يَبْلُغُ عَبْدٌ الْكُفْرَ وَالإِشْرَاكَ حَتَّى يَذْبَحَ
لِغَيْرِ اللَّهِ، أَوْ يُصَلِّيَ لِغَيْرِ اللَّهِ، أَوْ
يَدْعُوَ غَيْرَ اللَّهِ.
وَحَدَّثَنِي أَبُو أُمَيَّةَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: إِنَّ
اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَحْتَجُّ عَلَى النَّاسِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ بِثَلاثَةٍ مِنَ الأَنْبِيَاءِ، فَيَجِيءُ
الْعَبْدُ فَيَقُولُ: أَعْطَيْتَنِي جَمَالًا فِي الدُّنْيَا
فَأُعْجِبْتُ بِهِ، وَلَوْلا ذَلِكَ لَعَمِلْتُ بِطَاعَتِكَ.
فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: الْجَمَالُ
الَّذِي أَعْطَيْتُ فِي الدُّنْيَا أَفْضَلُ أَوِ الْجَمَالُ
الَّذِي أُعْطِيَ يُوسُفَ؟ فَيَقُولُ الْعَبْدُ: لا،
الْجَمَالُ الَّذِي أُعْطِيَ يُوسُفَ.
فَيَقُولُ اللَّهُ: إِنَّ يُوسُفَ كَانَ يَعْمَلُ بِطَاعَتِي،
فَيَحْتَجُّ عَلَيْهِ بِذَلِكَ.
وَيَأْتِي الْعَبْدُ فَيَقُولُ: ابْتَلَيْتَنِي فِي
الدُّنْيَا، وَلَوْلا ذَلِكَ لَعَمِلْتُ بِطَاعَتِكَ.
فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: الْبَلاءُ الَّذِي ابْتُلِيتَ بِهِ
فِي الدُّنْيَا أَشَدُّ أَوِ الْبَلاءُ الَّذِي ابْتُلِيَ بِهِ
أَيُّوبُ؟ فَيَقُولُ الْعَبْدُ: الْبَلاءُ الَّذِي ابْتُلِيَ
بِهِ أَيُّوبُ.
فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: قَدْ كَانَ
أَيُّوبُ يَعْمَلُ بِطَاعَتِي، فَيَحْتَجُّ عَلَيْهِ بِذَلِكَ.
وَيَجِيءُ الْعَبْدُ فَيَقُولُ: أَعْطَيْتَنِي مُلْكًا فِي
الدُّنْيَا فَأُعْجَبْتُ بِهِ، وَلَوْلا ذَلِكَ لَعَمِلْتُ
بِطَاعَتِكَ.
فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: الْمُلْكُ الَّذِي
أَعْطَيْتُكَ فِي الدُّنْيَا أَفْضَلُ أَوِ الْمَلْكُ الَّذِي
أُعْطِيَ سُلَيْمَانَ؟ فَيَقُولُ الْعَبْدُ: الْمُلْكُ الَّذِي
أُعْطِيَ سُلَيْمَانَ.
فَيَقُولُ اللَّهُ: قَدْ كَانَ سُلَيْمَانُ يَعْمَلُ
بِطَاعَتِي، فَيَحْتَجُّ اللَّهُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ.
(1/334)
وَحَدَّثَنِي أَبُو أُمَيَّةَ عَنِ
الْحَسَنِ أَنَّ أَيُّوبَ لَمْ يَبْلُغْهُ شَيْءٌ يَقُولُهُ
النَّاسُ كَانَ أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِمْ: لَوْ كَانَ
نَبِيًّا مَا ابْتُلِيَ بِالَّذِي ابْتُلِيَ بِهِ.
فَدَعَا اللَّهَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ
أَنِّي لَمْ أَعْمَلْ حَسَنَةً فِي الْعَلانِيَةِ إِلا
عَمِلْتُ فِي الشَّرِّ مِثْلَهَا فَاكْشِفْ مَا بِي مِنْ ضُرٍّ
وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.
فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ، فَوَقَعَ سَاجِدًا، وَأَمْطَرَ
عَلَيْهِ فِرَاشُ الذَّهَبِ فَجَعَلَ يَلْتَقِطُهُ
وَيَجْمَعُهُ.
قَوْلُهُ: {رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ}
[الأنبياء: 84] يَعْنِي أَنَّ الَّذِي كَانَ ابْتُلِيَ بِهِ
أَيُّوبُ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَوَانِهِ عَلَى اللَّهِ، وَلَكِنَّ
اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَرَادَ كَرَامَتَهُ بِذَلِكَ
وَجَعَلَ ذَلِكَ عَزَاءً لِلْعَابِدِينَ بَعْدَهُ فِيمَا
يُبْتَلَوْنَ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَذِكْرَى
لِلْعَابِدِينَ} [الأنبياء: 84] قَوْلُهُ: {وَإِسْمَاعِيلَ
وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ}
[الأنبياء: 85]
- سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ
الأَشْعَرِيَّ قَالَ: إِنَّ ذَا الْكِفْلِ لَمْ يَكُنْ
نَبِيًّا وَلَكِنَّهُ كَانَ عَبْدًا صَالِحًا، تَكَفَّلَ
بِعَمَلِ رَجُلٍ صَالِحٍ عِنْدَ مَوْتِهِ كَانَ يُصَلِّي
لِلَّهِ كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ صَلاةٍ فَأَحْسَنَ اللَّهُ
عَلَيْهِ الثَّنَاءَ.
عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: إِنَّ ذَا
الْكِفْلِ كَانَ رَجُلًا صَالِحًا وَلَيْسَ بِنَبِيٍّ،
تَكَفَّلَ لِنَبِيٍّ بِأَنْ يَكْفُلَ لَهُ أَمْرَ قَوْمِهِ،
وَيُقِيمَهُ لَهُمْ، وَيَقْضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْعَدْلِ.
قَوْلُهُ: {وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا} [الأنبياء: 86]
يَعْنِي الْجَنَّةَ.
{إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ} [الأنبياء: 86]
وَالصَّالِحُونَ هُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ.
قَوْلُهُ: {وَذَا النُّونِ} [الأنبياء: 87] يَعْنِي يُونُسَ.
وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {كَصَاحِبِ الْحُوتِ} [القلم: 48]
وَالْحُوتُ، النُّونُ.
{إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا} [الأنبياء: 87] يَعْنِي مُكَابِدًا
لِدِينِ رَبِّهِ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
{فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} [الأنبياء: 87] قَالَ
قَتَادَةُ: فَظَنَّ أَنْ لَنْ نُعَاقِبَهُ بِمَا صَنَعَ.
قَالَ: وَبَلَغَنَا أَنَّ يُونُسَ دَعَا قَوْمَهُ زَمَانًا
إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ وَأَبَوْا
(1/335)
أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنَّ الْعَذَابَ
يَأْتِيهِمْ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا.
فَلَمَّا دَنَا الْوَقْتُ تَنَحَّى عَنْهُمْ، فَلَمَّا كَانَ
قَبْلَ الْوَقْتِ بِيَوْمٍ جَاءَ فَجَعَلَ يَطُوفُ
بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ يَبْكِي وَيَقُولُ: غَدًا يَأْتِيكُمُ
الْعَذَابُ.
فَسَمِعَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَانْطَلَقَ إِلَى الْمَلِكِ
فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ يُونُسَ يَبْكِي وَيَقُولُ: غَدًا
يَأْتِيكُمُ الْعَذَابُ.
فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ الْمَلِكُ دَعَا قَوْمَهُ،
فَأَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ وَقَالَ: إِنْ كَانَ هَذَا حَقًّا
فَسَيَأْتِيكُمُ الْعَذَابُ غَدًا، فَاجْتَمِعُوا حَتَّى
نَنْظُرَ فِي أَمْرِنَا.
فَاجْتَمَعُوا، فَخَرَجُوا مِنَ الْمَدِينَةِ مِنَ الْغَدِ،
فَنَظَرُوا فَإِذَا بِظُلْمَةٍ وَرِيحٍ شَدِيدَةٍ قَدْ
أَقْبَلَتْ نَحْوَهُمْ.
فَعَلِمُوا أَنَّهُ الْحَقُّ، فَفَرَّقُوا بَيْنَ الصِّبْيَانِ
وَبَيْنَ أُمَّهَاتِهِمْ، وَبَيْنَ الْبَهَائِمِ وَبَيْنَ
أُمَّهَاتِهَا، وَلَبِسُوا الشَّعْرَ، وَجَعَلُوا الرَّمَادَ
وَالتُّرَابَ عَلَى رُءُوسِهِمْ تَوَاضُعًا لِلَّهِ
وَتَضَرَّعُوا إِلَيْهِ، وَبَكَوْا، وَآمَنُوا.
فَصَرَفَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْعَذَابَ.
وَاشْتَرَطَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ أَلا يَكْذِبَ مِنْهُمْ
أَحَدٌ كَذِبَةً إِلا قَطَعُوا لِسَانَهُ.
فَجَاءَ يُونُسُ مِنَ الْغَدِ، فَنَظَرَ فَإِذَا الْمَدِينَةُ
عَلَى حَالِهَا، وَإِذَا النَّاسُ دَاخِلُونَ وَخَارِجُونَ.
فَقَالَ: أَمَرَنِي رَبِّي أَنْ أُخْبِرَ قَوْمِي أَنَّ
الْعَذَابَ يَأْتِيهِمْ فَلَمْ يَأْتِهِمْ، فَكَيْفَ
أَلْقَاهُمْ؟ فَانْطَلَقَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَاحِلِ
الْبَحْرِ، فَإِذَا سَفِينَةٌ فِي الْبَحْرِ، فَأَشَارَ
إِلَيْهِمْ، فَأَتَوْهُ، فَحَمَلُوهُ وَلا يَعْرِفُونَهُ.
فَانْطَلَقَ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ السَّفِينَةِ، فَتَقَنَّعَ
وَرَقَدَ.
فَمَا مَضَى إِلا قَلِيلًا حَتَّى جَاءَتْهُمْ رِيحٌ كَادَتْ
تُغْرِقُ السَّفِينَةَ.
فَاجْتَمَعَ أَهْلُ السَّفِينَةِ، فَدَعُوا اللَّهَ ثُمَّ
قَالُوا: أَيْقِظُوا الرَّجُلَ يَدْعُو اللَّهَ مَعَنَا
فَفَعَلُوا.
فَدَعَا اللَّهَ مَعَهُمْ، فَرَفَعَ اللَّهُ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى عَنْهُمْ تِلْكَ الرِّيحَ.
ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى مَكَانِهِ فَرَقَدَ.
فَجَاءَتْ رِيحٌ كَادَتِ السَّفِينَةُ تَغْرَقُ.
فَأَيْقَظُوهُ وَدَعَوُا اللَّهَ، فَارْتَفَعَتِ الرِّيحُ.
ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى مَكَانِهِ فَرَقَدَ.
فَجَاءَتْ رِيحٌ كَادَتِ السَّفِينَةُ تَغْرَقُ، فَأَيْقَظُوهُ
وَدَعَوُا اللَّهَ، فَارْتَفَعَتْ.
فَتَفَكَّرَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ يُونُسُ فَقَالَ: هَذَا مِنْ
خَطِيئَتِي أَوْ قَالَ: مِنْ ذَنْبِي أَوْ كَمَا قَالَ.
فَقَالَ لأَهْلِ السَّفِينَةِ: شُدُّونِي وِثَاقًا
وَأَلْقُونِي فِي الْبَحْرِ.
فَقَالُوا: مَا كُنَّا لِنَفْعَلَ وَحَالُكَ حَالُكَ،
وَلَكِنَّا نَقْتَرِعُ، فَمَنْ
(1/336)
أَصَابَتْهُ الْقُرْعَةُ أَلْقَيْنَاهُ فِي
الْبَحْرِ.
فَاقْتَرَعُوا، فَأَصَابَتْهُ الْقُرْعَةُ، فَقَالَ: قَدْ
أَخْبَرْتُكُمْ، فَقَالُوا: مَا كُنَّا لِنَفْعَلَ وَلَكِنِ
اقْتَرِعُوا الثَّانِيَةَ، فَاقْتَرَعُوا، فَأَصَابَتْهُ
الْقُرْعَةُ.
ثُمَّ اقْتَرَعُوا الثَّالِثَةَ فَأَصَابَتْهُ الْقُرْعَةُ
وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ
الْمُدْحَضِينَ} [الصافات: 141] أَيْ: مِنَ الْمَقْرُوعِينَ.
وَيُقَالُ: مِنَ الْمَسْهُومِينَ، يَعْنِي أَنَّهُ وَقَعَ
السَّهْمُ عَلَيْهِ.
فَانْطَلَقَ إِلَى صَدْرِ السَّفِينَةِ لِيُلْقِي نَفْسَهُ فِي
الْبَحْرِ، فَإِذَا هُوَ بِحُوتٍ فَاتِحٍ فَاهُ، ثُمَّ
انْطَلَقَ إِلَى ذَنَبِ السَّفِينَةِ، فَإِذَا هُوَ بِالْحُوتِ
فَاتِحٍ فَاهُ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى جَانِبِ السَّفِينَةِ،
فَإِذَا هُوَ بِالْحُوتِ فَاتِحٍ فَاهُ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى
الْجَانِبِ الآخَرِ، فَإِذَا هُوَ بِالْحُوتِ فَاتِحٍ فَاهُ،
فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَلْقَى نَفْسَهُ فِي الْبَحْرِ،
فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ.
فَأَوْحَى اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى الْحُوتِ:
إِنِّي لَمْ أَجْعَلْهُ لَكَ رِزْقًا وَلَكِنْ جَعَلْتُ
بَطْنَكَ لَهُ سِجْنًا.
فَمَكَثَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً.
{فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ} [الأنبياء: 87] كَمَا قَالَ
اللَّهُ: {أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي
كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87] قَالَ اللَّهُ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ
مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء:
88] فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى الْحُوتِ أَنْ يُلْقِيَهُ إِلَى
الْبَرِّ.
قَالَ اللَّهُ: {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ}
[الصافات: 145] وَهُوَ ضَعِيفٌ مِثْلُ الصَّبِيِّ الرَّضِيعِ.
فَأَصَابَتْهُ حَرَارَةُ الشَّمْسِ، فَأَنْبَتَ اللَّهُ
عَلَيْهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {شَجَرَةً مِنْ
(1/337)
يَقْطِينٍ} [الصافات: 146] وَهِيَ
الْقَرْعُ، فَأَظَلَّتْهُ فَنَامَ، فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ
يَبِسَتْ، فَحَزِنَ عَلَيْهَا، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ:
أَحَزِنْتَ عَلَى هَذِهِ الشَّجَرَةِ وَأَرَدْتَ أَنْ أُهْلِكَ
مِائَةَ أَلْفٍ مِنْ خَلْقِي أَوْ يَزِيدُونَ؟ فَعَلِمَ عِنْدَ
ذَلِكَ أَنَّهُ قَدِ ابْتُلِيَ.
فَانْطَلَقَ، فَإِذَا هُوَ بِذَوْدٍ مِنْ غَنَمٍ.
فَقَالَ لِلرَّاعِي: اسْقِنِي لَبَنًا.
فَقَالَ: مَا هَاهُنَا شَاةٌ لَهَا لَبَنٌ.
فَأَخَذَ شَاةً مِنْهَا فَمَسَحَ بِيَدِهِ عَلَى ظَهْرِهَا،
فَدَرَّتْ فَشَرِبَ مِنْ لَبَنِهَا.
فَقَالَ لَهُ الرَّاعِي: مَنْ أَنْتَ يَا عَبْدَ اللَّهِ؟
أَخْبَرَنِي.
فَقَالَ لَهُ: أَنَا يُونُسُ.
فَانْطَلَقَ الرَّاعِي إِلَى قَوْمِهِ، فَبَشَّرَهُمْ بِهِ.
فَأَخَذُوهُ وَجَاءُوا مَعَهُ إِلَى مَوْضِعِ الْغَنَمِ فَلَمْ
يَجِدُوا يُونُسَ.
فَقَالُوا: إِنَّا قَدْ شَرَطْنَا لِرَبِّنَا أَلا يَكْذِبَ
مِنَّا أَحَدٌ إِلا قَطَعْنَا لِسَانَهُ.
فَتَكَلَّمَتِ الشَّاةُ بِإِذْنِ اللَّهِ فَقَالَتْ: قَدْ
شَرِبَ مِنْ لَبَنِي.
وَقَالَتْ شَجَرَةٌ كَانَ اسْتَظَلَّ تَحْتَهَا: قَدِ
اسْتَظَلَّ بِظِلِّي، فَطَلَبُوهُ فَأَصَابُوهُ، فَرَجَعَ
إِلَيْهِمْ.
فَكَانَ فِيهِمْ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ.
وَهِيَ مَدِينَةٌ يُقَالُ لَهَا: نِينَوَى مِنْ أَرْضِ
الْمَوْصِلِ، وَهِيَ عَلَى دِجْلَةٍ.
- نا يَحْيَى قَالَ: وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ أَنَّ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: فِي دِجْلَةَ رَكِبَ
السَّفِينَةَ، وَفِيهَا الْتَقَمَهُ الْحُوتُ ثُمَّ أَفْضَى
بِهِ إِلَى الْبَحْرِ.
فَدَارَ فِي الْبَحْرِ ثُمَّ رَجَعَ فِي دِجْلَةَ، فَثَمَّ
نَبَذَهُ بِالْعَرَاءِ، وَهُوَ الْبَرُّ.
قَوْلُهُ: {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ} [الأنبياء: 87] يَعْنِي
ظُلْمَةَ الْبَحْرِ، وَظُلْمَةَ اللَّيْلِ، وَظُلْمَةَ بَطْنِ
الْحُوتِ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ
الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87] يَعْنِي بِخَطِيئَتِهِ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ
نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء: 88]
- نا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ
(1/338)
أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ:
{لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ
الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87] ".
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا مُسْلِمٌ رَبَّهُ فِي شَيْءٍ
إِلا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ» .
قَوْلُهُ: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا
تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} [الأنبياء:
89] فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ.
قَالَ: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى
وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} [الأنبياء: 90] قَالَ قَتَادَةُ:
كَانَتْ عَاقِرًا فَجَعَلَهَا اللَّهُ وَلُودًا.
وَقَالَ سُفْيَانُ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ قَالَ: كَانَ فِي
لِسَانِهَا طُولٌ.
وَوَهَبَ لَهُ مِنْهَا يَحْيَى.
قَالَ: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ}
[الأنبياء: 90] يَعْنِي الأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ.
{وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} [الأنبياء: 90] يَعْنِي
طَمَعًا وَخَوْفًا.
{وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 90] نا عَاصِمُ بْنُ
حَكِيمٍ أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: مُتَوَاضِعِينَ.
قَوْلُهُ: {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} [الأنبياء: 91]
أَحْصَنَتْ جَيْبَ دِرْعِهَا عَنِ الْفَوَاحِشِ.
{فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا} [الأنبياء: 91] وَذَلِكَ
أَنَّ جِبْرِيلَ تَنَاوَلَ بِأُصْبَعِهِ جَيْبَهَا فَنَفَخَ
فِيهِ، فَصَارَ إِلَى بَطْنِهَا فَحَمَلَتْ.
قَالَ: {وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ}
[الأنبياء: 91] وَلَدَتْهُ مِنْ غَيْرِ رَجُلٍ، آيَةً.
(1/339)
قَالَ قَتَادَةُ: يَقُولُ: خُلِقَ لا
وَالِدَ لَهُ، آيَةً، وَوَالِدَتُهُ وَلَدَتْهُ مِنْ غَيْرِ
رَجُلٍ، آيَةً.
قَوْلُهُ: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ} [الأنبياء: 92]
مِلَّتَكُمْ.
{أُمَّةً وَاحِدَةً} [الأنبياء: 92] يَعْنِي مِلَّةً
وَاحِدَةً.
وَقَالَ قَتَادَةُ: أَيْ: دِينُكُمْ دِينٌ وَاحِدٌ:
الإِسْلامُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ} [الأنبياء:
92] يَعْنِي مِلَّتَكُمْ {أُمَّةً وَاحِدَةً} [الأنبياء: 92]
يَعْنِي مِلَّةً وَاحِدَةً: الإِسْلامَ.
قَالَ: {وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 92]
قَوْلُهُ: {وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} [الأنبياء:
93] يَعْنِي أَهْلَ الْكِتَابِ.
قَالَ السُّدِّيُّ: تَفَرَّقُوا دِينَهُمُ الإِسْلامَ الَّذِي
أُمِرُوا بِهِ فَدَخَلُوا فِي غَيْرِهِ.
- نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ، عَنْ أَبِي
أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «افْتَرَقَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى
سَبْعِينَ فِرْقَةً، وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَسَائِرُهُمْ
فِي النَّارِ، وَلَتَزِيدَنَّ هَذِهِ الأُمَّةُ عَلَيْهِمْ
وَاحـ ...
تَفْتَرِقُ عَلَى وَاحِدَةٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَاحِدَةٌ
فِي الْجَنَّةِ وَسَائِرُهُمْ فِي النَّارِ» .
قَالَ يَحْيَى: وَسَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ يُحَدِّثُ
بِهَذَا الْحَدِيثِ.
قَالَ: {كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ} [الأنبياء: 93] يَعْنِي
الْبَعْثَ.
قَوْلُهُ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ
مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ} [الأنبياء: 94]
لِعَمَلِهِ.
{وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ} [الأنبياء: 94] تُكْتَبُ لَهُ
حَسَنَاتُهُ حَتَّى يُجْزَى بِهَا الْجَنَّةَ.
(1/340)
قَوْلُهُ: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ
أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ} [الأنبياء: 95]
- نا سُفْيَانُ وَالْمُعَلَّى بْنُ هِلالٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ
أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
وَالْمُعَلَّى، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ
بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ
يَقْرَأُهَا: وَحِرْمٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا
وَفَسَّرَهَا فِي حَدِيثِ سُفْيَانَ وَالْمُعَلَّى قَالَ: أَيْ
وَجَبَ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَمْ
يَكُونُوا لِيُؤْمِنُوا.
وَقَالَ سُفْيَانُ: وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنَّهْمُ لا
يُؤْمِنُونَ.
نا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ: {أَنَّهُمْ لا
يَرْجِعُونَ} [الأنبياء: 95] يَعْنِي: لا يَتُوبُونَ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ
أَهْلَكْنَاهَا} [الأنبياء: 95] أَيْ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنَّهَا
إِذَا هَلَكَتْ لا يَرْجِعُونَ إِلَى دُنْيَاهُمْ.
قَالَ يَحْيَى: وَالْعَامَّةُ يَقْرَءُونَهَا: {وَحَرَامٌ}
[الأنبياء: 95] وَتَفْسِيرُهَا عِنْدَهُمْ: حَرَامٌ عَلَيْهِمْ
أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ.
وَهِيَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي التَّفْسِيرِ: إِلَى
التَّوْبَةِ وَإِلَى الدُّنْيَا.
قَوْلُهُ: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ}
[الأنبياء: 96] يَعْنِي: فَلَمَّا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ
وَمَأْجُوجُ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: يَمُوجُونَ فِي الأَرْضِ فَيُفْسِدُونَ
فِيهَا.
- نا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو
بْنِ جَعْدَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: قَالَتْ أُمُّ
سَلَمَةَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ نَائِمًا فِي بَيْتِهِ فَاسْتَيْقَظَ مُحْمَرَّةً
عَيْنَاهُ، فَقَالَ: «لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ثَلاثًا، وَيْلٌ
لِلْعَرَبِ مِنْ أَمْرٍ قَدِ اقْتَرَبَ، قَدْ فُتِحَ الْيَوْمَ
مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذَا» ، وَعَقَدَ يُونُسُ
بِيَدِهِ تِسْعِينَ مَفْرَجَةً شَيْئًا.
حَدَّثَنِي أَبُو أُمَيَّةَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ
أَبِي الضَّيْفِ، عَنْ كَعْبٍ
(1/341)
الأَحْبَارِ قَالَ: إِنَّ يَأْجُوجَ
وَمَأْجُوجَ يَنْقُرُونَ كُلَّ يَوْمٍ بِمَنَاقِرِهِمْ فِي
السَّدِّ فَيُسْرِعُونَ فِيهِ، فَإِذَا أَمْسَوْا قَالُوا:
نَرْجِعُ غَدًا فَنَفْرُغُ مِنْهُ.
فَيُصْبِحُونَ وَقَدْ عَادَ كَمَا كَانَ.
فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى خُرُوجَهُمْ،
قَذَفَ عَلَى أَلْسُنِ بَعْضِهِمُ الاسْتِثْنَاءَ فَقَالُوا:
نَرْجِعُ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَنَفْرُغُ مِنْهُ،
فَيُصْبِحُونَ وَهُوَ كَمَا تَرَكُوهُ، فَيَنْقُرُونَهُ،
فَيَخْرُجُونَ عَلَى النَّاسِ، فَلا يَأْتُونَ عَلَى شَيْءٍ
إِلا أَفْسَدُوهُ.
فَيَمُرُّ أَوَّلُهُمْ عَلَى الْبُحَيْرَةِ فَيَشْرَبُونَ
مَاءَهَا، وَيَمُرُّ أَوْسَطُهُمْ فَيَلْحَسُونَ طِينَهَا
وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فَيَقُولُ: قَدْ كَانَ هَاهُنَا مَاءٌ
مَرَّةً فَيَقْهَرُونَ النَّاسَ، وَيَفِرُّ النَّاسُ مِنْهُمْ
فِي الْبَرِّيَّةِ وَالْجِبَالِ.
فَيَقُولُونَ: قَدْ قَهَرْنَا أَهْلَ الأَرْضِ فَهَلَمُّوا
إِلَى أَهْلِ السَّمَاءِ.
فَيَرْمُونَ نِبَالَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فَتَرْجِعُ تَقْطُرُ
دَمًا.
فَيَقُولُونَ: قَدْ فَرَغْنَا مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ وَأَهْلِ
السَّمَاءِ.
فَيَبْعَثُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَضْعَفَ خَلْقِهِ: النَّغَفَ
وَهِيَ دُودٌ تَأْخُذُهُمْ فِي رِقَابِهِمْ فَتَقْتُلُهُمْ،
حَتَّى تُنْتِنَ الأَرْضُ مِنْ جِيَفِهِمْ.
وَيُرْسِلُ اللَّهُ الطَّيْرَ فَتَنْقُلُ جِيَفَهُمْ إِلَى
الْبَحْرِ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
السَّمَاءَ فَتُطَهِّرُ الأَرْضَ.
وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَطَاءِ
بْنِ يَزِيدَ: وَيَسْتَوْقِدِ الْمُسْلِمُونَ مِنْ
قِسِيِّهِمْ، وَجِعَابِهِمْ، وَنِشَابِهِمْ، وَأَتْرِسَتِهِمْ
سَبْعَ سِنِينَ.
قَالَ كَعْبٌ: وَتُخْرِجُ الأَرْضُ زَهْرَتَهَا وَبَرَكَتَهَا،
وَيَتَرَاجَعُ النَّاسُ، حَتَّى إِنَّ الرُّمَّانَةَ
لَتُشْبِعُ السَّكْنَ.
قِيلَ: وَمَا السَّكْنُ؟ قَالَ: أَهْلُ الْبَيْتِ.
قَالَ: وَتَكُونُ سُلْوَةً مِنْ عَيْشٍ.
فَبَيْنَمَا النَّاسُ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَهُمْ خَبَرٌ أَنَّ
ذَا السُّوَيْقَتَيْنِ صَاحِبَ الْجَيْشِ قَدْ غَزَا
الْبَيْتَ.
فَيَبْعَثُ الْمُسْلِمُونَ جَيْشًا، فَلا يَصِلُونَ إِلَيْهِمْ
وَلا يَرْجِعُونَ إِلَى أَصْحَابِهِمْ حَتَّى يَبْعَثَ اللَّهُ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى رِيحًا طَيِّبَةً يَمَانِيَّةً مِنْ
تَحْتِ الْعَرْشِ، فَتَكْفِتُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ.
ثُمَّ لا أَجِدُ مَثَلَ السَّاعَةِ إِلا كَرَجُلٍ أَنْتَجَ
مُهْرًا فَهُوَ يَنْتَظِرُ مَتَى يَرْكَبُهُ، فَمَنْ تَكَلَّفَ
مِنْ أَمْرِ السَّاعَةِ مَا وَرَاءَ هَذَا فَهُوَ مُتَكَلِّفٌ.
(1/342)
- نا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي
رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ يَأْجُوجَ
وَمَأْجُوجَ يَخْرِقُونَهُ كُلَّ يَوْمٍ حَتَّى إِذَا كَادُوا
يَرَوْنَ شُعَاعَ الشَّمْسِ قَالَ الَّذِينَ عَلَيْهِمُ:
ارْجِعُوا، فَسَتَخْرِقُونَهُ غَدًا، فَيُعِيدُهُ اللَّهُ
كَأَشَدَّ مَا كَانَ، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ مُدَّتُهُمْ
وَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَهُمْ عَلَى النَّاسِ حَفَرُوا،
حَتَّى إِذَا كَادُوا يَرَوْنَ شُعَاعَ الشَّمْسِ قَالَ
الَّذِينَ عَلَيْهِمْ: ارْجِعُوا
فَسَتَخْرِقُونَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ غَدًا، فَيَعُودُونَ
إِلَيْهِ وَهُوَ كَهَيْئَتِهِ حِينَ تَرَكُوهُ فَيَخْرِقُونَهُ
فَيَخْرُجُونَ عَلَى النَّاسِ، فَيَنْشِفُونَ الْمِيَاهَ
وَيَتَحَصَّنُ النَّاسُ مِنْهُمْ فِي حُصُونِهِمْ، فَيَرْمُونَ
نِشَابَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرْجِعُ فِيهَا كَهَيْئَةِ
الدَّمِ فَيَقُولُونَ: قَهَرْنَا أَهْلَ الأَرْضِ وَعَلَوْنَا
أَهْلَ السَّمَاءِ، فَيَبْعَثُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نَغَفًا فِي
أَقْفَائِهِمْ فَيَقْتُلُهُمْ بِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي
بِيَدِهِ إِنَّ دَوَابَّ
الأَرْضِ لَتَسْمَنُ وَتَشْكُرُ مِنْ لُحُومِهِمْ شَكَرًا ".
- نا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ
الْخُدْرِيَّ قَالَ: إِنَّ النَّاسَ يَحُجُّونَ،
وَيَعْتَمِرُونَ وَيَغْرِسُونَ بَعْدَ خُرُوجِ يَأْجُوجَ
وَمَأْجُوجَ.
قَوْلُهُ: {وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} [الأنبياء:
96] نا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: مِنْ كُلِّ أَكَمَةٍ
وَمِنْ كُلِّ نَجْوٍ يَنْسِلُونَ يَخْرُجُونَ.
نا عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: جَمْعُ
النَّاسِ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ جَاءُوا مِنْهُ
(1/343)
يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَهُوَ حَدَبٌ.
- نا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ نَوْفٍ الْبِكَالِيِّ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: إِنَّ اللَّهَ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَلَقَ الْمَلائِكَةَ، وَالْجِنَّ،
وَالإِنْسَ فَجَزَّأَهُمْ عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ، تِسْعَةُ
أَجْزَاءٍ مِنْهَا الْمَلائِكَةُ، وَجُزْءٌ وَاحِدٌ الْجِنُّ
وَالإِنْسُ.
وَجَزَّأَ الْمَلائِكَةَ عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ، تِسْعَةُ
أَجْزَاءٍ مِنْهُمُ الْكَرُوبِيُّونَ الَّذِينَ يُسَبِّحُونَ
اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ، وَجُزْءٌ مِنْهُمْ
وَاحِدٌ لِرِسَالَتِهِ، وَلِخَزَائِنِهِ، وَمَا يَشَاءُ مِنْ
أَمْرِهِ.
وَجَزَّأَ الْجِنَّ وَالإِنْسَ عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ، تِسْعَةُ
أَجْزَاءٍ مِنْهُمُ الْجِنُّ وَالإِنْسُ جُزْءٌ وَاحِدٌ، فَلا
يُولَدُ مِنَ الإِنْسِ مَوْلُودٌ إِلا وُلِدَ مِنَ الْجِنِّ
تِسْعَةٌ.
وَجَزَّأَ الإِنْسَ عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ، تِسْعَةُ أَجْزَاءٍ
مِنْهُمْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ، وَسَائِرُهُمْ بَنُو آدَمَ.
قَالَ يَحْيَى: يَعْنِي مَا سِوَى يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِنْ
وَلَدِ آدَمَ.
وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: الإِنْسُ كُلُّهُمْ مِنْ عِنْدِ
آخِرِهِمْ وَلَدُ آدَمَ، وَالْجِنُّ كُلُّهُمْ مِنْ عِنْدِ
آخِرِهِمْ وَلَدُ إِبْلِيسَ.
- نا الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ آلِ مَسْعُودٍ
الثَّقَفِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي أَوِ ابْنِ أَخِي أَوِ
ابْنِ عَمِّي قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو:
يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ الأَذْرُعُ هُمْ أَمِ الأَشْبَارُ؟
فَقَالَ: يَابْنَ أَخِي مَا أَجِدُ مِنْ وَلَدِ آدَمَ
بِأَعْظَمَ مِنْهُمْ وَلا أَطْوَلَ، وَلا يَمُوتُ الْمَيِّتُ
مِنْهُمْ حَتَّى يُولَدُ لَهُ أَلْفٌ فَصَاعِدًا.
فَقُلْتُ: مَا طَعَامُهُمْ؟ قَالَ: هُمْ فِي مَاءٍ مَا
شَرِبُوا، وَفِي شَجَرٍ مَا هَضَمُوا، وَفِي نِسَاءٍ مَا
نَكَحُوا.
حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
بَلَغَنِي أَنَّ هَؤُلاءِ التُّرْكَ مِمَّا سَقَطَ مِنْ دُونِ
الرَّدْمِ مِنْ وَلَدِ يَأْجُوجِ وَمَأْجُوجِ.
(1/344)
قَوْلُهُ: {وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ
الْحَقُّ} [الأنبياء: 97] يَعْنِي النَّفْخَةَ الآخِرَةَ.
{فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا}
[الأنبياء: 97] إِلَى إِجَابَةِ الدَّاعِي إِلَى بَيْتِ
الْمَقْدِسِ.
{يَا وَيْلَنَا} [الأنبياء: 97] يَقُولُونَ: {قَدْ كُنَّا فِي
غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا} [الأنبياء: 97] يَعْنُونَ تَكْذِيبَهُمْ
بِالسَّاعَةِ.
{بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ} [الأنبياء: 97] لأَنْفُسِنَا.
قَوْلُهُ: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ
حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 98]
نا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبْحَرَ، عَنْ
عِكْرِمَةَ وَهُوَ تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: {حَصَبُ جَهَنَّمَ}
[الأنبياء: 98] حَطَبُ جَهَنَّمَ يَحْصَبُ بِهِمْ فِيهَا.
{أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} [الأنبياء: 98] دَاخِلُونَ.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: يَعْنِي الشَّيَاطِينَ الَّذِينَ
دَعَوْهُمْ إِلَى عِبَادَةِ الأَوْثَانِ، لأَنَّهُمْ
بِعِبَادَتِهِمُ الأَوْثَانَ عَابِدُونَ لِلشَّيَاطِينِ وَهُوَ
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا
بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ} [يس: 60] وَفِي
تَفْسِيرِ الْكَلْبِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ مُقَابِلَ بَابِ الْكَعْبَةِ ثُمَّ
قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ، فَوَجِدَ أَهْلُ مَكَّةَ مِنْهَا
وَجْدًا شَدِيدًا.
فَقَالَ ابْنُ الزِّبْعَرَى: يَا مُحَمَّدُ، أَرَأَيْتَ
الآيَةَ الَّتِي قَرَأْتُ آنِفًا، أَفِينَا وَفِي آلِهَتِنَا
خَاصَّةً، أَمْ فِي الأُمَمِ وَآلِهَتِهِمْ مَعَنَا؟ فَقَالَ:
لا، بَلْ فِيكُمْ، وَفِي آلِهَتِكُمْ، وَفِي الأُمَمِ، وَفِي
آلِهَتِهِمْ.
قَالَ: خَصَمْتُكَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ.
قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ النَّصَارَى يَعْبُدُونَ عِيسَى
وَأُمَّهُ، وَأَنَّ طَائِفَةً مِنَ النَّاسِ يَعْبُدُونَ
الْمَلائِكَةَ، أَفَلَيْسَ هَؤُلاءِ مَعَ آلِهَتِنَا فِي
النَّارِ؟ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ،
وَضَحِكَتْ قُرَيْشٌ وَضَجُّوا.
(1/345)
فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ
مَرْيَمَ مَثَلا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} [الزخرف:
57] يَعْنِي: يَضِجُّونَ.
{وَقَالُوا} [الزخرف: 58] يَعْنِي قُرَيْشًا {أَآلِهَتُنَا
خَيْرٌ أَمْ هُوَ} [الزخرف: 58] قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلا جَدَلا بَلْ هُمْ قَوْمٌ
خَصِمُونَ} [الزخرف: 58] وقَالَ هَاهُنَا فِي هَذِهِ الآيَةِ
فِي جَوَابِ قَوْلِهِمْ: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ
مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء:
101] وَهُمْ عِيسَى وَعُزَيْرٌ، وَالْمَلائِكَةُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ}
[الأنبياء: 101] عِيسَى، وَعُزَيْرٌ، وَالْمَلائِكَةُ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: إِنَّ الْيَهُودَ قَالَتْ: أَلَسْتُمْ
تَزْعُمُونَ أَنَّ عُزَيْرًا فِي الْجَنَّةِ، وَأَنَّ عِيسَى
فِي الْجَنَّةِ، وَقَدْ عُبِدَا مِنْ دُونِ اللَّهِ؟
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ
سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا
مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101] فَعِيسَى وَعُزَيْرٌ مِمَّنْ
سَبَقَتْ لَهُمُ الْحُسْنَى وَهِيَ الْجَنَّةُ.
وَمَا عُبِدُوا مِنَ الْحِجَارَةِ، وَالْخَشَبِ، وَمِنَ
الْجِنِّ، وَعِبَادَةُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، فَهُمْ وَمَا
عَبَدُوا حَصَبُ جَهَنَّمَ.
- قَالَ يَحْيَى: حَدَّثَنِي أَبِي وَبَحْرُ بْنُ كُنَيْزٍ
السَّقَّاءُ وَخَالِدُ وَدُرُسْتُ، عَنْ يَزِيدَ
الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الشَّمْسُ
وَالْقَمَرُ ثَوْرَانِ عَقِيرَانِ فِي النَّارِ» .
قَالَ دُرُسْتُ ثُمَّ قَالَ يَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ: أَلَسْتُمْ
تَقْرَءُونَ: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ
حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 98] قَالَ يَحْيَى: أَظُنُّهُمَا
يُمَثَّلانِ لِمَنْ عَبَدَهُمَا فِي النَّارِ، يُوَبَّخُونَ
بِذَلِكَ.
قَالَ: {لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا}
[الأنبياء: 99] وَفِي كِتَابِ اللَّهِ أَنَّ الشَّمْسَ
وَالْقَمَرَ يَسْجُدَانِ لِلَّهِ.
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ
يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ
وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} [الحج: 18]
(1/346)
- حَدَّثَنِي الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ وَهْبِ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: إِنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ
مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ الْفَجْرُ، وَتَغِيبُ مِنْ حَيْثُ
يَغِيبُ الْفَجْرُ، فَإِذَا أَرَادَتْ أَنْ تَطْلُعَ
تَقَاعَسَتْ حَتَّى تُضْرَبَ بِالْعمدِ وَتَقُولُ: يَا رَبِّ،
إِنِّي إِذَا طَلَعْتُ عُبِدْتُ دُونَكَ.
فَتَطْلُعُ عَلَى وَلَدِ آدَمَ كُلِّهِمْ، فَتَجْرِي إِلَى
الْمَغْرِبِ فَتَغْرُبُ، فَتُسَلِّمُ، فَيُرَدُّ عَلَيْهَا،
وَتَسْجُدُ، فَيُنْظَرُ إِلَيْهَا، ثُمَّ تَسْتَأْذِنُ،
فَيُؤْذَنُ لَهَا حَتَّى تَأْتِيَ الْمَشْرِقَ، وَالْقَمَرُ
كَذَلِكَ.
حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهَا يَوْمٌ تَغْرُبُ فِيهِ فَتُسَلِّمُ
فَلا يُرَدُّ عَلَيْهَا، وَتَسْجُدُ فَلا يُنْظَرُ إِلَيْهَا،
ثُمَّ تَسْتَأْذِنُ فَلا يُؤْذَنُ لَهَا.
فَتَقُولُ: يَا رَبِّ إِنَّ الْمَشْرِقَ بَعِيدٌ وَلا
أَبْلُغُهُ إِلا بِجَهْدٍ، فَتُحْبَسُ حَتَّى يَجِيءَ
الْقَمَرُ، فَيُسَلِّمُ فَلا يُرَدُّ عَلَيْهِ، فَيَسْجُدُ
فَلا يُنْظَرُ إِلَيْهِ، وَيَسْتَأْذِنُ فَلا يُؤْذَنُ لَهُ،
ثُمَّ يُقَالُ لَهُمَا: ارِجْعَا مِنْ حَيْثُ جِئْتُمَا.
فَيَطْلُعَانِ مِنَ الْمَغْرِبِ كَالْبَعِيرَيْنِ
الْمُقْتَرِنَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا
أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ
يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ
رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ
مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام:
158] وَهُوَ طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنَ الْمَغْرِبِ.
قَالَ: {لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا}
[الأنبياء: 99] يَعْنِي جَهَنَّمَ مَا دَخَلُوهَا،
لامْتَنَعُوا بِآلِهَتِهِمْ.
قَالَ: {وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ} [الأنبياء: 99]
الْعَابِدُونَ وَالْمَعْبُودُونَ.
قَوْلُهُ: {لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ} [الأنبياء: 100] قَالَ
الْحَسَنُ: الزَّفِيرُ اللَّهَبُ، تَرْفَعُهُمْ بِلَهَبِهَا،
حَتَّى إِذَا كَانُوا فِي أَعْلاهَا ضُرِبُوا بِمَقَامِعِ
الْحَدِيدِ فَهَوَوْا إِلَى أَسْفَلِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا.
وَقَالَ قَتَادَةُ: إِنَّ أَهْلَ النَّارِ يَدْعُونَ مَالِكًا
فَيَذَرُهُمْ مِقْدَارَ أَرْبَعِينَ عَامًا لا يُجِيبُهُمْ
ثُمَّ يَقُولُ: {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف: 77] ثُمَّ
يَدْعُونَ رَبَّهُمْ فَيَذَرُهُمْ قَدْرَ عُمُرِ الدُّنْيَا
مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ يُجِيبُهُمْ: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلا
تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 108] قَالَ: فَمَا نَبَسُوا
بَعْدَهَا بِكَلِمَةٍ، وَلا كَانَ إِلا الزَّفِيرُ
وَالشَّهِيقُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ.
فَشَبَّهَ أَصْوَاتَهُمْ بِأَصْوَاتِ الْحَمِيرِ، أَوَّلُهُ
زَفِيرٌ وَآخِرُهُ شَهِيقٌ قَوْلُهُ: {وَهُمْ فِيهَا لا
يَسْمَعُونَ} [الأنبياء: 100]
(1/347)
- قَالَ يَحْيَى: وَبَلَغَنِي عَنِ ابْنِ
مَسْعُودٍ قَالَ: إِذَا خَرَجَ مَنْ خَرَجَ مِنَ النَّارِ
وَبَقِيَ فِي النَّارِ مَنْ يَخْلُدُ فِيهَا جُعِلُوا فِي
تَوَابِيتَ مِنْ نَارٍ فِيهَا مَسَامِيرُ مِنْ نَارٍ، ثُمَّ
جُعِلَتِ التَّوَابِيتُ فِي تَوَابِيتَ أُخَرَ، تِلْكَ
التَّوَابِيتُ فِي تَوَابِيتَ أُخَرَ، فَلا يَرَوْنَ أَنَّ
أَحَدًا يُعَذَّبُ فِي النَّارِ غَيْرَهُمْ ثُمَّ قَرَأَ ابْنُ
مَسْعُودٍ: {لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لا
يَسْمَعُونَ} [الأنبياء: 100]
قَالَ الْحَسَنُ: ذَهَبَ الزَّفِيرُ بِسَمْعِهِمْ فَلا
يَسْمَعُونَ مَعَهُ شَيْئًا.
قَوْلُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا
الْحُسْنَى} [الأنبياء: 101] يَعْنِي الْجَنَّةَ.
{أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101] قَدْ
فَسَّرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا الْمَوْضِعِ فِي أَمْرِ عِيسَى
وَعُزَيْرٍ وَالْمَلائِكَةِ.
قَوْلُهُ: {لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا} [الأنبياء: 102]
يَعْنِي صَوْتَهَا فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حَسِيسَهَا: مَسَّهَا.
قَالَ: وَلا صَوْتًا، وَإِنَّهَا تَلْتَظِي عَلَى أَهْلِهَا.
قَوْلُهُ: {وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ}
[الأنبياء: 102] قَالَ يَحْيَى: يَعْنِي إِنَّ أَهْلَ
الْجَنَّةِ يَكُونُ الطَّعَامُ فِي فِي أَحَدِهِمْ فَيَخْطُرُ
عَلَى قَلْبِهِ طَعَامٌ آخَرُ، فَيَتَحَوَّلُ فِي فِيهِ ذَلِكَ
الطَّعَامُ الَّذِي اشْتَهَى.
وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ
الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا
خَالِدُونَ} [الزخرف: 71] قَوْلُهُ: {لا يَحْزُنُهُمُ
الْفَزَعُ الأَكْبَرُ} [الأنبياء: 103] قَالَ الْحَسَنُ:
النَّفْخَةُ الآخِرَةُ.
قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: بَلَغَنِي أَنَّهُ إِذَا
أُخْرِجَ مِنَ النَّارِ مَنْ أُخْرِجَ فَلَمْ يَبْقَ فِيهَا
إِلا أَهْلُ الْخُلُودِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ أَهْلُ
النَّارِ: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا
فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [المؤمنون: 107] فَيَقُولُ اللَّهُ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ}
[المؤمنون: 108] فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ أُطْبِقَتْ
(1/348)
عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا
أَحَدٌ.
فَذَلِكَ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ.
قَوْلُه: {وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ} [الأنبياء: 103]
قَالَ الْحَسَنُ: تَلْقَاهُمْ بِالْبِشَارَةِ حِينَ
يُخْرَجُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ وَتَقُولُ: {هَذَا يَوْمُكُمُ
الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [الأنبياء: 103] قَوْلُهُ:
{يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ}
[الأنبياء: 104] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَطَيِّ
الصَّحِيفَةِ فِيهَا الْكِتَابُ.
مَعْمَرُ بْنُ عِيسَى أَنَّ الْحَسَنَ قَالَ: إِنَّ السَّمَاءَ
إِنَّمَا تُطْوَى مِنْ أَعْلاهَا كَمَا يَطْوِي الْكِتَابُ
الصَّحِيفَةَ مِنْ أَعْلاهَا إِذَا كُتِبَ.
قَوْلُهُ: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ}
[الأنبياء: 104] عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ:
حُفَاةً، عُرَاةً، غُرْلا، غُلْفًا.
وَفِي تَفْسِيرِ الْكَلْبِيِّ: إِذَا أَرَادَ اللَّهُ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يَبْعَثَ الْمَوْتَى عَادَ النَّاسُ
كُلُّهُمْ نُطَفًا، ثُمَّ عَلَقًا، ثُمَّ مُضَغًا، ثُمَّ
عِظَامًا، ثُمَّ لَحْمًا، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ.
فَكَذَلِكَ كَانَ بَدْؤُهُمْ.
- قَالَ يَحْيَى: وَبَلَغَنِي عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:
يُنَزِّلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَطَرًا مَنِيًّا
كَمَنِيِّ الرِّجَالِ فَتَنْبُتُ بِهِ جُسْمَانُهُمْ
وَلُحْمَانُهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ، كَمَا تَنْبُتُ
الأَرْضُ مِنَ الثَّرَى.
قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ:
{وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا
فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأَرْضَ
بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ} [فاطر: 9] يَعْنِي
الْبَعْثَ.
قَوْلُهُ: {وَعْدًا عَلَيْنَا} [الأنبياء: 104] يَعْنِي:
كَائِنًا، الْبَعْثَ.
{إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 104] أَيْ نَحْنُ
فَاعِلُونَ.
قَوْلُهُ: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ
الذِّكْرِ} [الأنبياء: 105] تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: يَعْنِي
بِالزَّبُورِ الْكُتُبَ، التَّوْرَاةَ، وَالإِنْجِيلَ،
وَالْقُرْآنَ، {مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ} [الأنبياء: 105]
الْكِتَابُ عِنْدَ اللَّهِ
(1/349)
الَّذِي فِي السَّمَاءِ، وَهُوَ أَمُّ
الْكِتَابِ.
{أَنَّ الأَرْضَ} [الأنبياء: 105] يَعْنِي أَرْضَ الْجَنَّةِ.
{يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: 105] وَفِي
تَفْسِيرِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي
الزَّبُورِ} [الأنبياء: 105] يَعْنِي زَبُورَ دَاوُدَ {مِنْ
بَعْدِ الذِّكْرِ} [الأنبياء: 105] مِنْ بَعْدِ التَّوْرَاةِ
{أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}
[الأنبياء: 105] يَعْنِي أُمَّةَ مُحَمَّدٍ.
قَوْلُهُ: {إِنَّ فِي هَذَا} [الأنبياء: 106] الْقُرْآنِ.
{لَبَلاغًا} [الأنبياء: 106] إِلَى الْجَنَّةِ.
{لِقَوْمٍ عَابِدِينَ} [الأنبياء: 106] الَّذِي يُصَلُّونَ
الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ.
وَفِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي
الزَّبُورِ} [الأنبياء: 105] يَعْنِي: زَبُورَ دَاوُدَ، {مِنْ
بَعْدِ الذِّكْرِ} [الأنبياء: 105] يَعْنِي: التَّوْرَاةَ،
{أَنَّ الأَرْضَ} [الأنبياء: 105] يَعْنِي: أَرْضَ الْجَنَّةِ،
{يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: 105] وَكَتَبَ
اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ذَلِكَ فِي هَذَا الْقُرْآنِ
فَقَالَ: {إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ}
[الأنبياء: 106] أَيْ عَامِلِينَ.
قَوْلُهُ: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}
[الأنبياء: 107] يَعْنِي لِمَنْ آمَنَ مِنَ الإِنْسِ
وَالْجِنِّ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ وَغَيْرِهِ.
يَحْيَى، عَنْ صَاحِبٍ لَهُ، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ تَمَّتْ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ فِي الدُّنْيَا
وَالآخِرَةِ، وَمَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ عُوفِيَ
مِمَّا عُذِّبَتْ بِهِ الأمم، وله فِي الآخرة النار.
قَالَ يَحْيَى: لأَنَّ تَفْسِيرَ النَّاسِ أَنَّ اللَّهَ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَخَّرَ عَذَابَ كُفَّارِ هَذِهِ
الأُمَّةِ
(1/350)
بِالاسْتِئْصَالِ إِلَى النَّفْخَةِ
الأُولَى بِهَا يَكُونُ هَلاكُهُمْ.
قَوْلُهُ: {قُلْ إِنَّمَا} [الأنبياء: 108] أَنَا بَشَرٌ
مِثْلُكُمْ.
{يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ
أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [الأنبياء: 108] وَكَذَلِكَ جَاءَتِ
الرُّسُلُ.
قَالَ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا
نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ}
[الأنبياء: 25] ، لا تَعْبُدُوا غَيْرِي.
قَوْلُهُ: {فَإِنْ تَوَلَّوْا} [الأنبياء: 109] يَعْنِي
كَفَرُوا.
{فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الأنبياء: 109] يَعْنِي
عَلَى أَمْرٍ بَيِّنٍ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
وَقَالَ قَتَادَةَ: عَلَى مَهَلٍ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: مَنْ كَذَّبَ بِي فَهُوَ عِنْدِي سَوَاءٌ،
أَيْ جِهَادُهُمْ كُلُّهُمْ سَوَاءٌ عِنْدِي وَهُوَ
كَقَوْلِهِ: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً
فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الأنفال: 58] أَيْ
لِيَكُونَ حُكْمُكَ فِيهِمْ سَوَاءً: الْجِهَادُ وَالْقَتْلُ
لَهُمْ أَوْ يُؤْمِنُوا.
وَهَؤُلاءِ مُشْرِكُو الْعَرَبِ.
وَيُقَاتِلُ أَهْلُ الْكِتَابِ حَتَّى يُسْلِمُوا أَوْ
يُقِرُّوا بِالْجِزْيَةِ.
وَجَمِيعُ الْمُشْرِكِينَ مَا خَلا الْعَرَبِ بِتِلْكَ
الْمَنْزِلَةِ.
وَأَمَّا نَصَارَى الْعَرَبِ فَقَدْ فَسَّرْنَا أَمْرَهُمْ فِي
غَيْرِ هَذِهِ السُّورَةِ.
{وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ}
[الأنبياء: 109] يَعْنِي بِهِ السَّاعَةَ.
قَوْلُهُ: {إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ
وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ} [الأنبياء: 110] يَعْنِي مَا
تُسِرُّونَ.
وَفِي تَفْسِيرِ السُّدِّيِّ: إِنَّهُ يَعْلَمُ مَا كَانَ
قَبْلَ الْخَلْقِ وَمَا يَكُونُ بَعْدَهُ.
قَوْلُهُ: {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ}
[الأنبياء: 111] تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: لَعَلَّ مَا أَنْتُمْ
فِيهِ مِنَ الدُّنْيَا مِنَ السَّعَةِ وَالرَّخَاءِ، وَهُوَ
مُنْقَطِعٌ زَائِلٌ.
{فِتْنَةٌ لَكُمْ} [الأنبياء: 111] يَعْنِي بَلِيَّةً لَكُمْ.
{وَمَتَاعٌ} [الأنبياء: 111] تَسْتَمْتِعُونَ بِهِ، يَعْنِي
بِذَلِكَ الْمُشْرِكِينَ.
وَقَوْلُهُ: {إِلَى حِينٍ} [الأنبياء: 111]
(1/351)
إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
تَفْسِيرُ الْحَسَنِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: إِلَى الْمَوْتِ.
قَوْلُهُ: {قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ} [الأنبياء: 112]
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَتِ الأَنْبِيَاءُ
تَقُولُ: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا
بِالْحَقِّ} [الأعراف: 89] فَأَمَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى نَبِيَّهُ أَنْ يَقُولَ: {قَالَ رَبِّ احْكُمْ
بِالْحَقِّ} [الأنبياء: 112] أَيِ: اقْضِ بِالْحَقِّ.
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَلِمَ أَنَّهُ عَلَى الْحَقِّ، وَإِنَّ عَدُوَّهُ عَلَى
الْبَاطِلِ، فَكَانَ إِذَا لَقِيَ الْعَدُوَّ يَقُولُ: {قَالَ
رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ} [الأنبياء: 112] وَكَانَ النَّبِيُّ
إِذَا سَأَلَ اللَّهَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
قَوْمِهِ بِالْحَقِّ هَلَكُوا.
وَقَالَ الْحَسَنُ: أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَدْعُوَ أَنْ
يَنْصُرَ أَوْلِيَاءَهُ عَلَى أَعْدَائِهِ، فَنَصَرَهُ اللَّهُ
عَلَيْهِمْ.
قَوْلُهُ: {وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا
تَصِفُونَ} [الأنبياء: 112] قَالَ قَتَادَةُ: عَلَى مَا
تَكْذِبُونَ، يَعْنِي بِهِ الْمُشْرِكِينَ.
(1/352)
|