تفسير يحيى بن سلام

سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
- تَفْسِيرُ سُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا
قَوْلُهُ: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] قَدْ سَعِدَ الْمُؤْمِنُونَ، وَالسُّعَدَاءُ أَهْلُ الْجَنَّةِ.
سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ كَعْبًا قَالَ: لَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ بِيَدِهِ إِلا ثَلاثَةً، خَلَقَ آدَمَ بِيَدِهِ، وَكَتَبَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ، وَغَرَسَ الْجَنَّةَ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ لَهَا: تَكَلَّمِي، فَقَالَتْ: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] الْمُعَلَّى بْنُ هِلالٍ ذَكَرَهُ بِإِسْنَادٍ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْجَنَّةَ بِيَدِهِ، فَجَعَلَ لَبِنَةَ ذَهَبٍ، وَلَبِنَةَ فِضَّةٍ، وَمِلاطُهَا الْمِسْكُ، ثُمَّ جَعَلَ فِيهَا مَا جَعَلَ ثُمَّ نَظَرَ فِيهَا فَقَالَ: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1]
، ثُمَّ أَغْلَقَ بَابَهَا فَلَيْسَ يَعْلَمُ مَا فِيهَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ.
قَالَ: فَالَّذِي يُوجَدُ مِنْ بَرْدِ السَّحَرِ وَطِيبِهِ فَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنْ خَلَلِ الْبَابِ.
قَوْلُهُ: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 2] عُثْمَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: الْخُشُوعُ: الْخَوْفُ الثَّابِتُ فِي الْقَلْبِ.
عُثْمَانُ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: الْخُشُوعُ: غَضُّ الْبَصَرِ وَخَفْضُ الْجَنَاحِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَ أَهْلُ الْعِلْمِ يَكْرَهُونَ إِذَا قَامَ الرَّجُلُ فِي صَلاتِهِ أَنْ يَعْبَثَ بِشَيْءٍ مِنْ هَكَذَا يَدَيْهِ، أَوْ يَلْتَفِتُ، أَوْ يَهْتَمُّ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا.

(1/392)


- الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ إِذَا قَامَ فِي الصَّلاةِ خَفَضَ فِيهَا بَصَرَهُ، وَيَدَيْهِ وَصَوْتَهُ.
خِدَاشٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: كَانُوا يَلْتَفِتُونَ فِي صَلاتِهِمْ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، فَغَضُّوا أَبْصَارَهُمْ.
فَكَأَنَّ أَحَدَهُمْ يَنْظُرُ إِلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 2] أَيْ خَائِفُونَ.
قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون: 3] وَاللَّغْوُ: الْبَاطِلُ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
وَيُقَالُ: الْكَذِبُ.
وَهُوَ وَاحِدٌ، وَهُوَ الشِّرْكُ.
قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} [المؤمنون: 4] يُؤَدُّونَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ.
قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] مِنَ الزِّنَا.
{إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ} [المؤمنون: 6] إِنْ شَاءَ تَزَوَّجَ وَاحِدَةً، وَإِنْ شَاءَ تَزَوَّجَ اثْنَتَيْنِ، وَإِنْ شَاءَ ثَلاثًا، وَإِنْ شَاءَ أَرْبَعًا، لا يَحِلُّ لَهُ مَا فَوْقَ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] يَطَأُ بِمِلْكِ يَمِينِهِ كَمْ شَاءَ.
قَالَ: {فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 6] فِي أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ، لا لَوْمَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ، أَيْ لا إِثْمَ عَلَيْهِمْ.
قَوْلُهُ: {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ} [المؤمنون: 7] وَرَاءَ أَزْوَاجِهِ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ.
{فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 7] الزُّنَاةُ تَعَدُّوا الْحَلالَ إِلَى الْحَرَامِ.
وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ: مَنْ تَعَدَّى الْحَلالَ أَصَابَ الْحَرَامَ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 7] أَيْ: فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ، أَيِ: الظَّالِمُونَ أَنْفَسَهُمْ بِرُكُوبِ الْمَعْصِيَةِ.
قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} [المؤمنون: 8] يُؤَدُّونَ الأَمَانَةَ وَيُوفُونَ بِالْعَهْدِ.
قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [المؤمنون: 9] يُحَافِظُونَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ.
قَالَ قَتَادَةُ: عَلَى وُضُوئِهَا، وَمَوَاقِيتِهَا، وَرُكُوعِهَا، وَسُجُودِهَا.
- سَعِيدٌ وَهَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ حَنْظَلَةَ الْكَاتِبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، عَلَى وُضُوئِهِنَّ وَمَوَاقِيتِهِنَّ وَرُكُوعِهِنَّ وَسُجُودِهِنَّ، وَعَلِمَ أَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ عَلَيْهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ، أَوْ قَالَ: وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ ".

(1/393)


وَقَالَ سَعِيدٌ: حُرِّمَ عَلَى النَّارِ.
قَالَ: {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ} [المؤمنون: 10] لَيْسَ مِنْ وَاحِدٍ إِلا قَدْ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ مَنْزِلًا وَأَهْلًا فِي الْجَنَّةِ، فَإِنْ أَطَاعَ اللَّهَ صَارَ إِلَى مَا أَعَدَّ لَهُ، وَإِنْ عَصَى اللَّهَ صَرَفَ اللَّهُ ذَلِكَ الْمَنْزِلَ عَنْهُ فَأَعْطَاهُ الْمُؤْمِنَ، مَا أَعَدَّ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ، فَوَرَّثَ الْمُؤْمِنِينَ تِلْكَ الْمَنَازِلَ وَالأَزْوَاجَ.
فَهُوَ قَوْلُهُ: {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ} [المؤمنون: 10] قَالَ: {الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون: 11] وَالْفِرْدَوْسُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْجَنَّةِ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
قَالَ يَحْيَى: وَبَلَغَنِي أَنَّهَا بِالرُّومِيَّةِ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: هِيَ رَبْوَةُ الْجَنَّةِ، وَأَوْسَطُهَا، وَأَفْضَلُهَا.
- إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: الْفِرْدَوْسُ: جَبَلٌ فِي الْجَنَّةِ تُفَجَّرُ مِنْهُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ.
قَوْلُهُ: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ} [المؤمنون: 12] قَالَ: وَالسُّلالَةُ النُّطْفَةُ تَنْسَلُّ مِنَ الرَّجُلِ، وَكَانَ بَدْءُ ذَلِكَ مِنْ طِينٍ.
خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ بَعْدُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ، ضَعِيفٍ يَعْنِي النُّطْفَةَ.
قَوْلُهُ: {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} [المؤمنون: 13] الرَّحِمِ.
قَوْلُهُ: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً} [المؤمنون: 14] يَكُونُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ نُطْفَةً أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ عَلَقَةً أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً أَرْبَعِينَ لَيْلَةً.
قَالَ: فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عَظْمًا يَعْنِي جَمَاعَةَ الْعِظَامِ فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهَا: عَظْمًا.
وَهِيَ تُقْرَأُ: عِظَامًا يَعْنِي جَمَاعَةَ الْعِظَامِ عَظْمًا عَظْمًا.
{فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ} [المؤمنون: 14] وَبَعْضُهُمْ يَقْرَأُهَا الْعَظْمَ.
{لَحْمًا} [المؤمنون: 14] وَهِيَ مِثْلُ الأُولَى.
قَالَ: {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} [المؤمنون: 14] أَبُو سَهْلٍ، عَنْ أَبِي هِلالٍ الرَّاسِبِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: أَنْبَتَ عَلَيْهِ الشَّعْرَ.

(1/394)


سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ: قَالَ أَنْبَتَ بِهِ الشَّعْرَ.
قَالَ قَتَادَةُ: وَقَالَ الْحَسَنُ: الرُّوحُ.
وَفِي تَفْسِيرِ عَمْرٍو عَنِ الْحَسَنِ: ذَكَرًا وَأُنْثَى.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: الرُّوحُ وَهُوَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ: حِينَ اسْتَوَى بِهِ الشَّبَابُ.
قَالَ: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ} [المؤمنون: 14] وَهُوَ مِنْ بَابِ الْبَرَكَةِ كَقَوْلِهِ: {فَتَعَالَى اللَّهُ} [المؤمنون: 116] قَوْلُهُ: {أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: 14] إِنَّ الْعِبَادَ قَدْ يَخْلُقُونَ، يُشَبِّهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ، وَلا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَنْفُخُوا فِيهِ الرُّوحَ.
- الرَّبِيعُ بْنُ صُبَيْحٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْمُصَوِّرُونَ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ ".
- أَبُو أُمَيَّةَ بْنُ يَعْلَى الثَّقَفِيُّ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَالَ اللَّهُ: مَنْ أَظْلَمَ مِمَّنْ يَخْلُقُ كَخَلْقِي، فَلَيْخُلُقُوا ذِبَّانًا أَوْ ذَرَّةً، أَوْ بَعُوضَةً ".
- حَمَّادٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ» .
- حَمَّادٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: " وَافَقَنِي رَبِّي، أَوْ وَافَقْتُ رَبِّي فِي أَرْبَعٍ، قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ} [المؤمنون: 12] إِلَى آخِرِ الآيَةِ قُلْتُ: تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: يَا عُمَرُ لَقَدْ خَتَمَهَا اللَّهُ بِمَا قُلْتَ.
وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوِ اتَّخَذْنَا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى.
فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ حُجِبَتِ النِّسَاءُ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْهِنَّ الصَّالِحُ وَغَيْرُهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الْحِجَابِ.
وَكَانَ بَيْنَ

(1/395)


نَبِيِّ اللَّهِ وَبَيْنَ نِسَائِهِ شَيْءٌ فَقُلْتُ: لَتَنْتَهُنَّ أَوْ لَيُبَدِّلَنَّهُ اللَّهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} [التحريم: 5]
قَوْلُهُ: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ} [المؤمنون: 15] بَعْدَمَا يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ.
{لَمَيِّتُونَ} [المؤمنون: 15] إِذَا جَاءَ أَجَلُهُ.
{ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 16] قَوْلُهُ: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ} [المؤمنون: 17] تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ سَبْعَ سَمَوَاتٍ، طَبَقَةً طَبَقَةً بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ كَقَوْلِهِ: {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا} [نوح: 15] طَبَقَةً، بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ.
قَوْلُهُ: {وَمَا كُنَّا عَن الْخَلْقِ غَافِلِينَ} [المؤمنون: 17] أَنْ نُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ مَا يُحْيِيهِمْ وَمَا يُصْلِحُهُمْ مِنْ هَذَا الْمَطَرِ.
- قَوْلُهُ: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ} [المؤمنون: 18] عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ، ْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا عَامٌ بِأَكْثَرَ مِنْ عَامٍ مَطَرًا.
أَوْ قَالَ: مَا مِنْ عَامٍ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يُصَرِّفُهُ حَيْثُ شَاءَ.
وَقَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ} [الفرقان: 50]
- الْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ عَنْ عَمْرٍو أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: إِنَّ هَذَا الرِّزْقَ يَتَنَزَّلُ مِنَ السَّمَاءِ كَقَطْرِ الْمَطَرِ إِلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَتَبَ اللَّهُ لَهَا.
- عَمَّارٌ، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: كُلُّ النَّخْلِ يَنْبُتُ فِي مُسْتَنْقَعِ الْمَاءِ الأَوَّلِ إِلا الْعَجْوَةَ فَإِنَّهَا مِنَ الْجَنَّةِ.
قَالَ: {فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ} [المؤمنون: 18] قَالَ الْكَلْبِيُّ: يَعْنِي الأَنْهَارَ، وَالْعُيُونَ، وَالرَّكِيَّ، يَعْنِي الآبَارَ.
{وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ} [المؤمنون: 18] عَلَى أَنْ نَذْهَبَ بِذَلِكَ الْمَاءِ.
{لَقَادِرُونَ} [المؤمنون: 18] قَوْلُهُ: {فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ} [المؤمنون: 19] خَلَقْنَا لَكُمْ بِهِ، أَيْ أَنْبَتْنَا لَكُمْ بِهِ، بِذَلِكَ الْمَاءِ.

(1/396)


{جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا} [المؤمنون: 19] فِي تِلْكَ الْجَنَّاتِ.
{فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ} [المؤمنون: 19] يَعْنِي أَنْوَاعَ الْفَاكِهَةِ.
{وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} [المؤمنون: 19] قَوْلُهُ: {وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ} [المؤمنون: 20] وَهِيَ الزَّيْتُونَةُ.
وَالطُّورُ: الْجَبَلُ وَسَيْنَاءُ: الْحَسَنُ، كَقَوْلِهِ {وَطُورِ سِينِينَ} [التين: 2] الْجَبَلُ الْحَسَنُ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ.
يَعْنِي جَبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ، سَيْنَاءُ: الْمُبَارَكُ، أَيِ الْجَبَلُ الْمُبَارَكُ، طُورُ سِينِينَ.
قَوْلُهُ: {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} [المؤمنون: 20] وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ: تُثْمِرُ بِهِ.
{وَصِبْغٍ لِلآكِلِينَ} [المؤمنون: 20]
- عُثْمَانُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «الزَّيْتُ شَجَرَةٌ مُبَارَكَةٌ فَائْتَدِمُوا بِهِ وَادَّهِنُوا» .
قَوْلُهُ: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً} [المؤمنون: 21] الآيَةَ.
{نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا} [المؤمنون: 21] يَعْنِي اللَّبَنَ.
{وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ} [المؤمنون: 21] فِي أَلْبَانِهَا، وَظُهُورِهَا، وَكُلُّ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْهَا.
قَالَ: {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} [المؤمنون: 19] يَعْنِي لُحُومَهَا.
قَوْلُهُ: {وَعَلَيْهَا} [المؤمنون: 22] أَيْ وَعَلَى الإِبِلِ.
{وَعَلَى الْفُلْكِ} [المؤمنون: 22] السُّفُنِ.
{تُحْمَلُونَ} [المؤمنون: 22] وَقَدْ يُقَالُ إِنَّهَا سُفُنُ الْبَرِّ.
وَقَدْ قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ {41}

(1/397)


وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ {42} } [يس: 41-42] .
وقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ} [الزخرف: 12] قَوْلُهُ: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ {23} فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [المؤمنون: 23-24] يَقُولُهُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ.
{يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ} [المؤمنون: 24] بِالرِّسَالَةِ وَمَا لَهُ عَلَيْكُمْ مِنْ فَضْلٍ.
{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَنْزَلَ مَلائِكَةً} [المؤمنون: 24] وَلَوْ أَنْزَلَ مَلائِكَةً لآمَنَّا.
{مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ} [المؤمنون: 24] أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى النُّبُوَّةَ.
{إِنْ هُوَ إِلا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ} [المؤمنون: 25] جُنُونٌ.
{فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ} [المؤمنون: 25] قَالَ بَعْضُهُمْ: حَتَّى يَمُوتَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: حَتَّى يَسْتَبِينَ جُنُونُهُ.
{قَالَ} [المؤمنون: 26] نُوحٌ: {رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ} [المؤمنون: 26] وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ} [القمر: 10] قَالَ اللَّه: {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} [المؤمنون: 27] وَقَدْ فَسَّرْنَا ذَلِكَ كُلَّهُ فِي سُورَةِ هُودٍ.
قَوْلُهُ: {فَاسْلُكْ فِيهَا} [المؤمنون: 27] أَيْ: فَاحْمِلْ فِيهَا.
{مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} [المؤمنون: 27] مِنْ كُلِّ صِنْفَيْنِ اثْنَيْنِ.
يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَالْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: نُبِّئْتُ أَنَّ بَعْضَ أُمَرَاءِ الْمُؤْمِنِينَ سَأَلَ صَاحِبًا لِكَعْبٍ: هَلْ سَمِعْتَ كَعْبًا يَقُولُ فِي الطِّلاءِ شَيْئًا؟

(1/398)


قَالَ: نَعَمْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: لَمَّا هَبَطَ نُوحٌ مِنَ السَّفِينَةِ أُعْطِيَ مِثَالًا، فَجَعَلَ يَنْظُرُ فِيهِ وَجَعَلَ يَأْمُرُهُمْ أَنْ يُخْرِجُوا، فَأَخْرَجُوا حَتَّى بَقِيَ حَبَلَتَانِ مِنْ عِنَبٍ.
فَجَاءَ الرَّسُولُ فَقَالَ: لا أَجِدُهُمَا.
فَأَمَرَهُ، فَرَجَعَ فَقَالَ: لا أَجِدُهُمَا، ثُمَّ أَمَرَهُ فَرَجَعَ فَقَالَ: لا أَجِدُهُمَا: فَقَامَ قَائِمًا وَاسْتَقْبَلَهُ مَلَكٌ أَوْ جِبْرِيلُ فَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ فَقَدْ ذَهَبَ بِهِمَا الشَّيْطَانُ، وَقَدْ ذَهَبَ مَنْ يَجِيءُ بِهِمَا.
فَجِيءَ بِالْحَبَلَتَيْنِ وَبِالشَّيْطَانِ فَقَالَ لِنُوحٍ: إِنَّهُ شَرِيكُكَ فَأَحْسِنْ شِرْكَهُ.
فَقَالَ: لِي الثُّلُثَانِ وَلَهُ الثُّلُثُ.
فَقِيلَ: إِنَّهُ شَرِيكُكَ فَأَحْسِنْ شِرْكَهُ.
قَالَ: لِي النِّصْفُ وَلَهُ النِّصْفُ.
فَقِيلَ: إِنَّهُ شَرِيكُكَ فَأَحْسِنْ شِرْكَهُ فَقَالَ: لِي الثُّلُثُ وَلَهُ الثُّلُثَانِ فَقِيلَ: أَحْسَنْتَ وَأَنْتَ مِحْسَانٌ، تَأْكُلُهُ عِنَبًا، وَتَأْكُلُهُ زَبِيبًا، وَتَشْرَبُهُ عَصِيرًا وَتَطْبُخُهُ حَتَّى يَذْهَبُ ثُلُثَاهُ ثُمَّ تَشْرَبُهُ.
قَوْلُهُ: {وَأَهْلَكَ} [المؤمنون: 27] أَيْ: وَاحْمِلْ فِيهَا أَهْلَكَ.
{إِلا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ} [المؤمنون: 27] ابْنُهُ الَّذِي غَرِقَ.
وَالْقَوْلُ: الْغَضَبُ.
{وَلا تُخَاطِبْنِي} [المؤمنون: 27] أَيْ: وَلا تُرَاجِعْنِي.
{فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ {27} فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ} [المؤمنون: 27-28] كَانَ مَعَهُ امْرَأَتُهُ وَثَلاثٌ هَكَذَا بَنِينَ لَهُ: سَامٌ، وَحَامٌ، وَيَافِثُ، وَنِسَاؤُهُمْ.
فَجَمِيعُ مَنْ كَانَ فِي السَّفِينَةِ ثَمَانِيَةٌ.
{فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [المؤمنون: 28] الْمُشْرِكِينَ.
وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [هود: 41] عُثْمَانُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ لَكُمْ مَا تَقُولُونَ إِذَا رَكِبْتُمْ فِي الْبَرِّ، وَمَا تَقُولُونَ إِذَا رَكِبْتُمْ فِي الْبَحْرِ.
إِذَا رَكِبْتُمْ فِي الْبَرِّ قُلْتُمْ: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ {13} وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ {14} } [الزخرف: 13-14] وَإِذَا رَكِبْتُمْ فِي الْبَحْرِ قُلْتُمْ: {بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [هود: 41] وَقَالَ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ: يُعَلِّمُكُمْ كَيْفَ تَقُولُونَ إِذَا رَكِبْتُمْ، فَإِذَا رَكِبْتُمْ قُلْتُمْ عِنْدَ الرُّكُوبِ: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا} [الزخرف: 13] و {بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} [هود: 41] ، وَعِنْدَ

(1/399)


النُّزُولِ: {رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ} [المؤمنون: 29] ابْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: {مُنْزَلا مُبَارَكًا} [المؤمنون: 29] لِنُوحٍ حِينَ نَزَلَ مِنَ السَّفِينَةِ.
قَالَ يَحْيَى: وَسَمِعْتُ النَّاسَ إِذَا نَزَلُوا مَنْزِلا قَالُوا هَذَا الْقَوْلَ.
قَوْلُهُ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ} [المؤمنون: 30] مِنْ أَمْرِ قَوْمِ نُوحٍ وَغَرَقِهِمْ {لآيَاتٍ} [المؤمنون: 30] لِمَنْ بَعْدَهُمْ {وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ} [المؤمنون: 30] بِالدِّينِ، يَعْنِي مَا أَرْسَلَ بِهِ الرُّسُلَ مِنْ عِبَادَتِهِ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ الْحَسَنِ.
قَوْلُهُ: {ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ} [المؤمنون: 31] مِنْ بَعْدِ نُوحٍ.
{قَرْنًا آخَرِينَ} [المؤمنون: 31] يَعْنِي عَادًا.
{فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ} [المؤمنون: 32] يَعْنِي هُودًا.
{أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ {32} وَقَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [المؤمنون: 32-33] وَسَّعْنَا الدُّنْيَا عَلَيْهِمْ، أَيْ فِي الرِّزْقِ.
{مَا هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ {33} وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ} [المؤمنون: 33-34] فِيمَا يَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ.
{إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ} [المؤمنون: 34] يَعْنِي لَعَجَزَةٌ.
{أَيَعِدُكُمْ} [المؤمنون: 35] يَقُولُهُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَلَى الاسْتِفْهَامِ.
{أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ} [المؤمنون: 35] مَبْعُوثُونَ.
أَيْ قَدْ وَعَدَكُمْ ذَلِكَ، تُكَذِّبُونَ بِالْبَعْثِ.
{هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} [المؤمنون: 36] سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: تَبَاعُدُ الْبَعْثِ فِي أَنْفُسِ الْقَوْمِ، أَيْ لا يُبْعَثُونَ.
يَقُولُهُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ.
{إِنْ هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا} [المؤمنون: 37] أَيْ نَمُوتُ وَنُولَدُ.
{وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ {37} إِنْ هُوَ إِلا رَجُلٌ} [المؤمنون: 37-38] يَعْنُونَ هُودًا.
{افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} [المؤمنون: 38] يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ.

(1/400)


{وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ} [المؤمنون: 38] أَيْ: بِمُصَدِّقِينَ.
{قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ {39} قَالَ} [المؤمنون: 39-40] اللَّهُ.
{عَمَّا قَلِيلٍ} [المؤمنون: 40] أَيْ: عَنْ قَلِيلٍ.
وَالْمِيمُ وَالأَلِفُ صِلَة فِي الْكَلامِ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ: {لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ} [المؤمنون: 40] قَالَ اللَّهُ: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ} [المؤمنون: 41] تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: الصَّيْحَةُ: الْعَذَابُ.
{فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً} [المؤمنون: 41] كَالشَّيْءِ الْبَالِي فِي تَفْسِيرِ الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يَحْيَى عَنْ مُجَاهِدٍ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مِثْلُ النَّبَاتِ إِذَا صَارَ غُثَاءً، فَتَهَشَّمَ بَعْدَ إِذْ كَانَ أَخْضَرَ.
قَالَ: {فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [المؤمنون: 41] الْمُشْرِكِينَ.
قَوْلُهُ: {ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ} [المؤمنون: 42] مِنْ بَعْدِ الْهَالِكِينَ.
{قُرُونًا آخَرِينَ {42} مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا} [المؤمنون: 42-43] يَعْنِي الْوَقْتَ الَّذِي يُهْلِكَهَا فِيهِ.
{وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ} [المؤمنون: 43] عَنِ الْوَقْتِ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ مِنْ قَبْلِ الْوَقْتِ.
قَوْلُهُ: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا} [المؤمنون: 44] قَالَ قَتَادَةُ: مُتَتَابِعَةً أَيْ تِبَاعًا بَعْضُهُمْ عَلَى إِثْرِ بَعْضٍ.
{كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا} [المؤمنون: 44] الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْهَا.
{كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا} [المؤمنون: 44] يَعْنِي الْعَذَابَ الَّذِي أَهْلَكَهُمْ بِهِ، أُمَّةً بَعْدَ أُمَّةٍ حِينَ كَذَّبُوا رُسُلَهُمْ.
{وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ} [المؤمنون: 44] لِمَنْ بَعْدَهُمْ.
{فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 44] قَالَ: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ} [المؤمنون: 45] أَيْ وَحُجَّةٌ بَيِّنَةٌ.
{إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ} [المؤمنون: 46] يَعْنِي قَوْمَهُ.
{فَاسْتَكْبَرُوا} [المؤمنون: 46] عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ.
{وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ} [المؤمنون: 46] مُشْرِكِينَ.

(1/401)


وَقَالَ الْحَسَنُ: فِي الاسْتِكْبَارِ فِي الأَرْضِ عَلَى النَّاسِ.
قَوْلُهُ: {فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا} [المؤمنون: 47] أَيْ: أَنُصَدِّقُ بَشَرَيْنِ مِثْلَنَا، فَلَوْ كَانَا مَلَكَيْنِ لآمَنَّا بِهِمَا.
يَعْنُونَ مُوسَى وَهَارُونَ.
{وَقَوْمُهُمَا} [المؤمنون: 47] يَعْنُونَ بَنِي إِسْرَائِيلَ.
{لَنَا عَابِدُونَ} [المؤمنون: 47] وَكَانُوا قَدِ اسْتَعْبَدُوا بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَوَضَعُوا عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةَ.
وَلَيْسَ يَعْنِي أَنَّهْمُ يَعْبُدُونَنَا.
قَالَ اللَّهُ: {فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ} [المؤمنون: 48] فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ بِالْغَرَقِ.
قَوْلُهُ: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} [المؤمنون: 49] التَّوْرَاةَ.
{لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} [المؤمنون: 49] لِكَيْ يَهْتَدُوا.
قَوْلُهُ: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً} [المؤمنون: 50] قَالَ قَتَادَةُ: خُلِقَ لا وَالِدَ لَهُ، آيَةً، وَوَالِدَتُهُ وَلَدَتْهُ مِنْ غَيْرِ رَجُلٍ، آيَةً.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {آيَةً} [المؤمنون: 50] عِبْرَةً.
قَوْلُهُ: {وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} [المؤمنون: 50] سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: الرَّبْوَةُ هِيَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ.
قَالَ يَحْيَى: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ كَعْبًا كَانَ يَقُولُ: هِيَ أَدْنَى الأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ، ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلًا.
الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: بُقْعَةٌ فِي مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ يَقِرُّ فِيهِ الْمَاءُ.
وَتَفْسِيرُ ابْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ: الرَّبْوَةُ الْمُسْتَوِيَةُ.
وَهُوَ نَحْوُ حَدِيثِ الْمُعَلَّى.
سَعِيدٌ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: الرَّبْوَةُ دِمَشْقُ.
نُعَيْمُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: هِيَ دِمَشْقُ.
وَقَالَ: {ذَاتِ قَرَارٍ} [المؤمنون: 50] يَعْنِي الْمَنَازِلَ، وَالْمَعِينُ: الْمَاءُ الَّذِي أَصْلُهُ مِنَ الْعُيُونِ، الظَّاهِرُ الْجَارِي.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: الْمَعِينُ، الْجَارِي وَغَيْرُ الْجَارِي، إِذَا نَالَتْهُ الدِّلاءُ.

(1/402)


شَرِيكٌ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: الْمَاءُ الْمَعِينُ: الظَّاهِرُ.
سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: {ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} [المؤمنون: 50] ذَاتَ ثَمَرٍ كَثِيرٍ وَمَاءٍ جَارٍ هَكَذَا.
قَوْلُهُ: {يَأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ} [المؤمنون: 51] يَعْنِي الْحَلالَ مِنَ الرِّزْقِ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51] هَكَذَا أَمَرَ اللَّهُ الرُّسَلَ.
قَوْلُهُ: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ} [المؤمنون: 52] مِلَّتُكُمْ.
{أُمَّةً وَاحِدَةً} [المؤمنون: 52] مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: دِينُكُمْ دِينٌ وَاحِدٌ يَعْنِي الإِسْلامَ، وَالشَّرِيعَةُ مُخْتَلِفَةٌ.
قَالَ: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48] وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي مِلَّتُكُمْ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ، يَعْنِي الإِسْلامَ.
قَالَ: {وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} [المؤمنون: 52] أَنْ تَعْبُدُوا غَيْرِي.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {فَاتَّقُونِ} [المؤمنون: 52] يَعْنِي فَاعْبُدُونِ.
قَوْلُهُ: {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} [المؤمنون: 53] يَعْنِي دِينُهُمُ الإِسْلامُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُمْ.
{زُبُرًا} [المؤمنون: 53] فَدَخَلُوا فِي غَيْرِهِ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: {زُبُرًا} [المؤمنون: 53] قِطَعًا.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: قِطَعًا.
وَهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ.

(1/403)


نا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا} [المؤمنون: 53] قَالَ: كُتُبًا.
قَالَ سَعِيدٌ: وَقَالَ الْحَسَنُ: تَقَطَّعُوا كِتَابَ اللَّهِ بَيْنَهُمْ فَحَرَّفُوهُ، وَبَدَّلُوهُ كِتَابًا كَتَبُوهُ عَلَى مَا حَرَّفُوا.
قَالَ يَحْيَى: وَهِيَ تُقْرَأُ عَلَى وَجْهَيْنِ: زُبَرًا مِثْلَ قِرَاءَةِ مُجَاهِدٍ، وَزُبُرًا مِثْلَ قِرَاءَةِ قَتَادَةَ.
فَمَنْ قَرَأَهَا: زُبَرا قَالَ: قِطَعًا، وَمَنْ قَرَأَهَا: زُبُرا قَالَ: كُتُبًا.
وَهِيَ كَقَوْلِهِ: {مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} [الروم: 32] : فِرَقًا وَهَذَا هُوَ مَقْرَأُ الْحَسَنِ وَغَيْرِهِ.
وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَغَيْرُهُ يَقْرَؤُهَا: فَارَقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا.
قَالَ: {كُلُّ حِزْبٍ} [المؤمنون: 53] كُلُّ قَوْمٍ مِنْهُمْ.
{بِمَا لَدَيْهِمْ} [المؤمنون: 53] بِمَا عِنْدَهُمْ مِمَّا اخْتَلَفُوا فِيهِ.
{فَرِحُونَ} [المؤمنون: 53] يَقُولُ: رَاضُونَ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
- حَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَفَرَّقَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى سَبْعِينَ فِرْقَةً، فِرْقَةٌ وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَسَائِرُهَا فِي النَّارِ، وَلَتَفْتَرِقَنَّ هَذِهِ الأُمَّةُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ، وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَسَائِرُهُمْ فِي النَّارِ» .
- وَحَدَّثَنِي خَالِدٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَتَتْبَعُنَّ سُنَّةَ مَنْ كَانَ

(1/404)


قَبْلَكُمْ ذِرَاعًا بِذِرَاعٍ وَشِبْرًا بِشِبْرٍ حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ.
قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: فَمَنْ؟ " حَدَّثَنِي خِدَاشٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: لَدَخَلْتُمُوهُ.
نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ.
قَوْلُهُ: {فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ} [المؤمنون: 54] فِي غَفْلَتِهِمْ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: فِي ضَلالَتِهِمْ.
{حَتَّى حِينٍ} [المؤمنون: 54] يَعْنِي إِلَى آجَالِهِمْ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
وَهِيَ مَنْسُوخَةٌ نَسَخَهَا الْقِتَالُ.
قَوْلُهُ: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ} [المؤمنون: 55] نا عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: أَيْ: نَزِيدُهُمْ، نُمْلِي لَهُمْ.
{مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ {55} نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ} [المؤمنون: 55-56] أَيْ: لِذَلِكَ نَمُدُّهُمْ بِالْمَالِ وَالْوَلَدِ يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ.
{بَلْ لا يَشْعُرُونَ} [المؤمنون: 56] أَنَّا لا نُعْطِيهِمْ ذَلِكَ مُسَارَعَةً لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ، وَأَنَّهُمْ يَصِيرُونَ إِلَى النَّارِ، أَيْ: وَأَنَّ ذَلِكَ شَرٌّ لَهُمْ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ: {نُمِدُّهُمْ} [المؤمنون: 55] نُعْطِيهِمْ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَوْلُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ} [المؤمنون: 57] خَائِفُونَ.
{وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ} [المؤمنون: 58] الْقُرْآنِ.

(1/405)


{يُؤْمِنُونَ {58} وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ {59} وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا} [المؤمنون: 58-60] مُمَدَّدَةٌ.
{وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [المؤمنون: 60] خَائِفَةٌ.
{أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون: 60] حَدَّثَنِي أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: كَانُوا يَعْمَلُونَ مَا عَمِلُوا مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَيَخَافُونَ أَلا يُنْجِيهِمْ ذَلِكَ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ.
نا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ:.....
عَلَى خَوْفٍ مِنَ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ رَاجِعُونَ إِلَى رَبِّهِمْ.
وَحَدَّثَنِي الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: يَعْمَلُونَ مَا عَمِلُوا مِنَ الْخَيْرِ وَهُمْ يَخَافُونَ أَلا يُقْبَلَ مِنْهُمْ.
قَوْلُهُ: {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} [المؤمنون: 61] فِي الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: أَيْ فِيمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، يَعْنِي: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ {57} وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ {58} وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ {59} وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ {60} } [المؤمنون: 57-60] قَوْلُهُ: {وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون: 61] ، {وَهُمْ لَهَا} [المؤمنون: 61] لِلْخَيْرَاتِ، مُدْرِكُونَ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: {لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون: 61] بِهَا سَابِقُونَ أَيْ بِالْخَيْرَاتِ.
- قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ الْقُرَشِيُّ الْمَكِّيُّ ابْنُ أَخِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ أَنَّهُمَا كَانَا يَقْرَآنِ هَذَا الْحَرْفَ: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا أَتَوْا، خَفِيفَةً بِغَيْرِ مَدٍّ، أَيْ: يَعْمَلُونَ مَا عَمِلُوا مِمَّا نُهُوا عَنْهُ {وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [المؤمنون: 60] خَائِفَةٌ أَنْ يُؤْخَذُوا بِهِ.

(1/406)


قَوْلُهُ: {وَلا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [المؤمنون: 62] : إِلا طَاقَتَهَا.
قَوْلُهُ: {وَلَدَيْنَا} [المؤمنون: 62] أَيْ: وَعِنْدَنَا.
{كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [المؤمنون: 62]
- حَدَّثَنِي نُعَيْمُ بْنُ يَحْيَى، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ فَقَالَ: اكْتُبْ.
قَالَ: رَبِّ مَا أَكْتُبُ قَالَ: مَا هُوَ كَائِنٌ.
قَالَ: فَجَرَى الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
قَالَ: فَأَعْمَالُ الْعِبَادِ تُعْرَضُ كُلَّ يَوْمِ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ، فَيَجِدُونَهُ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ.
قَالَ يَحْيَى: وَسَمِعْتُ بَعْضَهُمْ يَزِيدُ فِيهِ: تَلا ابْنُ عَبَّاسٍ هَذِهِ الآيَةَ: {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية: 29] ثُمَّ قَالَ: أَلَسْتُمْ قَوْمًا عَرَبًا؟ هَلْ تَكُونُ النُّسْخَةُ إِلا مِنْ كِتَابٍ؟ قَوْلُهُ: {بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا} [المؤمنون: 63] قَالَ قَتَادَةُ: يَقُولُ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا، مِمَّا ذُكِرَ مِنْ أَعْمَالِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الآيَةِ الأُولَى.
{وَلَهُمْ} [المؤمنون: 63] يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ.
{أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ} [المؤمنون: 63] دُونَ أَعْمَالِ الْمُؤْمِنِينَ هِيَ شَرٌّ مِنْ أَعْمَالِ الْمُؤْمِنِينَ.
{هُمْ لَهَا عَامِلُونَ} [المؤمنون: 63] لِتِلْكَ الأَعْمَالِ.
وَتَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: {فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا} [المؤمنون: 63] يَعْنِي الْقُرْآنَ.
{وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ} [المؤمنون: 63] : خَطَايَا مِنْ دُونِ ذَلِكَ، مِنْ دُونِ الْحَقِّ.
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: أَعْمَالٌ لَمْ يَعْمَلُوهُمْ، سَيَعْمَلُونَهَا.
- نا بَحْرٌ السَّقَّاءُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ

(1/407)


الْخَطَّابِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَعْمَلُ لِمَا قَدْ فُرِغَ مِنْهُ أَوْ لِمَا نَأْتَنِفُ؟ قَالَ: «لا، بَلِ اعْمَلْ لِمَا قَدْ فُرِغَ مِنْهُ» .
قَالَ: فَفِيمَ الْعَمَلُ إِذًا؟ قَالَ: «اعْمَلُوا فَكُلٌّ لا يُنَالُ إِلا بِعَمَلٍ» .
قَالَ: هَذَا حِينَ نَجْتَهِدُ.
- نا دُرُسْتُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبَانٍ الرَّقَاشِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْعَمَلُ الْيَوْمَ، أَشَيْءٌ مُسْتَأْنَفٌ أَمْ شَيْءٌ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ؟ قَالَ: «قَدْ فُرِغَ مِنْهُ» .
قَالَ: فَفِيمَ الْعَمَلُ الْيَوْمَ؟ فَقَالَ: كُلُّ عَبْدٍ مُوتًّى لِمَا خُلِقَ لَهُ.
حَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ قَالَ: لِمَ تَكِلُوا إِلَى الْقَدَرِ وَإِلَيْهِ تَصِيرُونَ.
قَوْلُهُ: {حَتَّى إِذَا} [المؤمنون: 64] يَعْنِي: فَلَمَّا فِي تَفْسِيرِ السُّدِّيِّ.
{أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ} [المؤمنون: 64] يَعْنِي أَبَا جَهْلٍ وَأَصْحَابَهُ الَّذِينَ قُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ.
نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ قَبْلَ ذَلِكَ بِمَكَّةَ.
قَالَ: {إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ} [المؤمنون: 64] قَالَ قَتَادَةُ: يَجْزَعُونَ.
{لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ} [المؤمنون: 65] لا تَجْزَعُوا الْيَوْمَ.
قَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ قَتَلَ اللَّهُ يَوْمَ بَدْرٍ.
{إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ} [المؤمنون: 65] أَيْ: لا يَمْنَعُكُمْ مِنَّا أَحَدٌ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: {يَجْأَرُونَ} [المؤمنون: 64] يَصْرُخُونَ إِلَى اللَّهِ بِالتَّوْبَةِ فَلا يُقْبَلُ مِنْهُمْ.
{قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ} [المؤمنون: 66] يَعْنِي الْقُرْآنَ.

(1/408)


{فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ} [المؤمنون: 66] قَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ: أَيْ تَسْتَأْخِرُونَ عَنِ الإِيمَانِ.
{مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ} [المؤمنون: 67] بِالْحَرَمِ.
{سَامِرًا تَهْجُرُونَ} [المؤمنون: 67] حَدَّثَنِي أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: مُسْتَكْبِرِينَ بِحَرَمِي، تَهْجُرُونَ رَسُولِي.
وَفِي تَفْسِيرِ عَمْرٍو عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: {سَامِرًا} [المؤمنون: 67] يَقُولُ: قَدْ بَلَغَ مِنْ أَمَانِكُمْ أَنَّ سَامِرَكُمْ يَسْمُرُ بِالْبَطْحَاءِ، يَعْنِي سَمَرَ اللَّيْلِ، وَالْعَرَبُ تَقْتُلُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَتُسِيءُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَأَنْتُمْ فِي ذَلِكَ تَهْجُرُونَ كِتَابِي وَرَسُولِي.
وقَالَ الْكَلْبِيُّ: وَأَنْتُمْ سُمُرًا حَوْلَ الْبَيْتِ.
قَالَ يَحْيَى: مَقْرَأُ الْكَلْبِيِّ فِي هَذَا الْحَرْفِ: سُمّرا.
نا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ} [المؤمنون: 67] بِالْحَرَمِ، يَعْنِي: أَهْلَ مَكَّةَ.
{سَامِرًا} [المؤمنون: 67] سَامِرُهُمْ لا يَخَافُ شَيْئًا، كَانُوا يَقُولُونَ: نَحْنُ أَهْلُ الْحَرَمِ فَلا نُقْرَبُ، لِمَا أَعْطَاهُمُ اللَّهُ مِنَ الأَمْنِ.
{تَهْجُرُونَ} [المؤمنون: 67] تَتَكَلَّمُونَ بِالشِّرْكِ وَالْبُهْتَانِ فِي حَرَمِ اللَّهِ.
نا عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: {سَامِرًا} [المؤمنون: 67] : مَجْلِسًا.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: هُوَ مُنْكَرُ الْقَوْلِ، وَهُجْرُ الْقَوْلِ.
قَوْلُهُ: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} [المؤمنون: 68] يَعْنِي الْقُرْآنَ.

(1/409)


{أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الأَوَّلِينَ} [المؤمنون: 68] أَيْ: لَمْ يَأْتِهِمْ إِلا مَا أَتَى آبَاءَهُمُ الأَوَّلِينَ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ} [المؤمنون: 68] يَعْنِي الَّذِي لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الأَوَّلِينَ، وَهُوَ وَاحِدٌ.
قَوْلُهُ: {أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ} [المؤمنون: 69] أَيِ: الَّذِي أَرْسَلَهُمْ إِلَيْهِمْ، يَعْنِي مُحَمَّدًا.
{فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} [المؤمنون: 69] سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: بَلْ يَعْرِفُونَ وَجْهَهُ وَنَسَبَهُ.
قَوْلُهُ: {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ} [المؤمنون: 70] أَيْ بِمُحَمَّدٍ جُنُونٌ.
أَيْ قَدْ قَالُوا ذَلِكَ.
قَالَ اللَّهُ: {بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ} [المؤمنون: 70] الْقُرْآنِ.
{وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} [المؤمنون: 70] يَعْنِي جَمَاعَةَ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ مِنْهُمْ.
قَوْلُهُ: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ} [المؤمنون: 71] أَهْوَاءَ الْمُشْرِكِينَ.
{لَفَسَدَتِ} [المؤمنون: 71] يَعْنِي لَهَلَكَتْ.
{السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} [المؤمنون: 71] وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: لَوْ كَانَ الْحَقُّ فِي أَهْوَائِهِمْ، لَوَقَعَتْ أَهْوَاؤُهُمْ عَلَى هَلاكِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ.
وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْحَقُّ هَاهُنَا: اللَّهُ، كَقَوْلِهِ: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ} [العصر: 3] يَعْنِي بِالْحَقِّ: اللَّهَ {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 3] عَلَى فَرَائِضِهِ.
قَالَ: {بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ} [المؤمنون: 71] : بِشَرَفِهِمْ، شَرَفٌ لِمَنْ آمَنَ بِهِ.
قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: يَعْنِي الْقُرْآنَ، أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ فِيهِ مَا يَأْتُونَ، وَمَا يَتَّقُونَ، وَمَا يُحَرِّمُونَ، وَمَا يُحِلُّونَ.
{فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ} [المؤمنون: 71] عَمَّا بَيَّنَّا لَهُمْ.
{مُعْرِضُونَ} [المؤمنون: 71] وَقَالَ قَتَادَةُ: مُعْرِضُونَ عَنِ الْقُرْآنِ.

(1/410)


وَقَالَ السُّدِّيُّ: {بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ} [المؤمنون: 71] : بِشَرَفِهِمْ {فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ} [المؤمنون: 71] يَعْنِي عَنْ شَرَفِهِمْ {مُعْرِضُونَ} [المؤمنون: 71] قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ يَذْكُرُ فِي هَذِهِ الآيَةِ: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ} [الأنبياء: 10] : فِيهِ شَرَفُكُمْ.
قَوْلُهُ: {أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا} [المؤمنون: 72] قَالَ قَتَادَةُ: أَمْ تَسْأَلُهُمْ عَلَى مَا أَتَيْتُهُمْ بِهِ جُعْلا، أَيْ إِنَّكَ لا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا.
قَالَ: {فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ} [المؤمنون: 72] أَجْرُ رَبِّكَ أَيْ ثَوَابُهُ فِي الآخِرَةِ خَيْرٌ مِنْ أَجْرِهِمْ لَوْ أَعْطَوْكَ فِي الدُّنْيَا أَجْرًا.
قَالَ: {وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [المؤمنون: 72] وَقَدْ يَجْعَلُ اللَّهُ رِزْقَ الْعِبَادِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، يَرْزُقُ اللَّهُ إِيَّاهُمْ، يُقَسِّمُ رِزْقَ هَذَا عَلَى يَدَيْ هَذَا {وَهُوَ خَيْرُ} [المؤمنون: 72] أَفْضَلُ {الرَّازِقِينَ} [المؤمنون: 72] .
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
- عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ الشَّامِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ قَالَتْ: مَا بَالُ أَحَدِكُمْ يَقُولُ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ لا يُمْطِرُ عَلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ دَنَانِيرَ وَلا دَرَاهِمَ، وَإِنَّمَا يَرْزُقُ بَعْضَكُمْ مِنْ بَعْضٍ، فَمَنْ سَاقَ اللَّهُ إِلَيْهِ رِزْقًا فَلْيَقْبَلْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إِلَيْهِ مُحْتَاجًا فَلْيُعْطِهِ فِي أَهْلِ الْحَاجَةِ مِنْ إِخْوَانِهِ، وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا اسْتَعَانَ بِهِ عَلَى حَاجَتِهِ، وَلا يَرُدَّ عَلَى اللَّهِ
رِزْقَهُ الَّذِي رَزَقَهُ.
- الْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ، عَنْ عِمْرَانَ الْقَصِيرِ قَالَ: لَقِيتُ مَكْحُولًا بِمَكَّةَ، فَأَعْطَانِي شَيْئًا فَانْقَبَضْتُ عَنْهُ فَقَالَ: خُذْهُ فَإِنِّي سَأُحَدِّثُكَ فِيهِ بِحَدِيثٍ.
فَقُلْتُ: حَدِّثْنِي بِهِ فَإِنَّهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ.
فَقَالَ: أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ عُمَرَ شَيْئًا، فَكَأَنَّهُ انْقَبَضَ عَنْ أَخْذِهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ: «إِذَا أَتَاكَ اللَّهُ بِشَيْءٍ لَمْ تَطْلُبْهُ وَلَمْ تَعْرِضْ لَهُ فَخُذْهُ، فَإِنْ كُنْتَ مُحْتَاجًا إِلَيْهِ فَأَنْفِقْهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ إِلَيْهِ مُحْتَاجًا فَضَعْهُ فِي أَهْلِ الْحَاجَةِ» .
- ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هُبَيْرَةَ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ دَفَعَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ، رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ، أَلْفَ دِينَارٍ، فَقَالَ: لا إِرْبَ لِي بِهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، سَتَجِدُ مَنْ هُوَ أَحَوْجُ إِلَيْهَا مِنِّي.
فَقَالَ خُذْهَا، فَإِنَّمَا قُلْتَ لِي كَمَا قُلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا عُمَرُ، مَا أَتَاكَ مِنْ عَطَاءٍ غَيْرُ مُشْرِفَةٍ لَهُ نَفْسُكَ وَلا سَائِلَةٍ فَاقْبَلْهُ» .

(1/411)


قَوْلُهُ: {وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المؤمنون: 73] إِلَى دِينٍ مُسْتَقِيمٍ، وَهُوَ الطَّرِيقُ إِلَى الْجَنَّةِ.
قَوْلُهُ: {وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ} [المؤمنون: 74] يَعْنِي بِالْبَعْثِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ} [المؤمنون: 74] لَجَائِرُونَ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: تَارِكُونَ لَهُ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: مُعْرِضُونَ عَنْهُ.
قَالَ يَحْيَى: وَهُوَ وَاحِدٌ.
قَوْلُهُ: {وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ} [المؤمنون: 75] يَعْنِي أَهْلَ مَكَّةَ، وَذَلِكَ حَيْثُ أُخِذُوا بِالْجُوعِ سَبْعَ سِنِينَ حَتَّى أَكَلُوا الْمَيْتَةَ وَالْعِظَامَ، وَأُجْهِدُوا حَتَّى جَعَلَ أَحَدُهُمْ يَرَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ دُخَانًا {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان: 10] نَزَلَتْ هَذِهِ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذُوا بِالْجُوعِ، ثُمَّ أُخِذُوا بِالْجُوعِ فَقَالَ اللَّهُ وَهُمْ فِي ذَلِكَ الْجُوعِ: {وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي
طُغْيَانِهِمْ} [المؤمنون: 75] فِي ضَلالَتِهِمْ.
{يَعْمَهُونَ} [المؤمنون: 75] يَتَمَادَوْنَ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: يَلْعَبُونَ.
قَوْلُهُ: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ} [المؤمنون: 76] يَعْنِي ذَلِكَ الْجُوعَ فِي السَّبْعِ السِّنِينَ.
{فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} [المؤمنون: 76] يَقُولُ: لَمْ يُؤْمِنُوا.
وَقَدْ سَأَلُوا أَنْ يُرْفَعَ ذَلِكَ عَنْهُمْ فَيُؤْمِنُوا فَقَالُوا: {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ} [الدخان: 12] وَهُوَ ذَلِكَ الْجُوعُ {إِنَّا مُؤْمِنُونَ} [الدخان: 12] فَكُشِفَ عَنْهُمْ فَلَمْ يُؤْمِنُوا.
قَالَ: {حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ} [المؤمنون: 77] يَعْنِي يَوْمَ بَدْرٍ، الْقَتْلُ بِالسَّيْفِ.
نَزَلَتْ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، فَقَتَلَهُمُ اللَّهُ يَوْمَ بَدْرٍ.
قَالَ: {إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} [المؤمنون: 77] يَائِسُونَ.
قَوْلُهُ: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ} [المؤمنون: 78] خَلَقَ لَكُمْ.
{السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ} [المؤمنون: 78] يَعْنِي سَمْعَهُمْ، وَأَبْصَارَهُمْ، وَأَفْئِدَتَهُمْ.

(1/412)


{قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ} [المؤمنون: 78] أَقَلُّكُمْ مَنْ يَشْكُرُ، أَيْ يُؤْمِنُ.
قَالَ: {وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأَرْضِ} [المؤمنون: 79] خَلَقَكُمْ فِي الأَرْضِ.
{وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [المؤمنون: 79] يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
{وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [المؤمنون: 80] يَقُولُهُ لِلْمُشْرِكِينَ يَذْكُرُ نِعْمَتَهُ عَلَيْهِمْ.
يَقُولُ: فَالَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ، وَيُحْيِي وَيُمِيتُ، وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى.
قَالَ: {بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُونَ} [المؤمنون: 81] ثُمَّ أَخْبَرَ بِذَلِكَ الْقَوْلِ فَقَالَ: {قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ {82} لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ} [المؤمنون: 82-83] أَيْ وُعِدْنَا أَنْ نُبْعَثَ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا فَلَمْ نُبْعَثْ.
كَقَوْلِهِ: {فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الدخان: 36] قَوْلُهُ: {إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} [المؤمنون: 83] كَذِبُ الأَوَّلِينَ وَبَاطِلُهُمْ.
فَأَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: {قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ {84} سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} [المؤمنون: 84-85] أَيْ: فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ فَـ {قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [المؤمنون: 85] فَتُؤْمِنُوا وَأَنْتُمْ تُقِرُّونَ أَنَّ الأَرْضَ وَمَنْ فِيهَا لِلَّهِ.
{قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ {86} سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} [المؤمنون: 86-87] فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ فـ {قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ} [المؤمنون: 87] وَأَنْتُمْ تُقِرُّونَ أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ هَذِهِ الأَشْيَاءِ وَرَبُّهَا.
وَقَدْ كَانَ مُشْرِكُو الْعَرَبِ يُقِرُّونَ بِهَذَا.
{قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} [المؤمنون: 88] أَيْ مَلَكَ كُلَّ شَيْءٍ.
قَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ: خَزَائِنُ كُلِّ شَيْءٍ.
{وَهُوَ يُجِيرُ} [المؤمنون: 88] مَنْ يَشَاءُ فَيَمْنَعُهُ فَلا يُوصَلُ إِلَيْهِ.
{وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ} [المؤمنون: 88] أَيْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُعَذِّبَهُ لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ مَنْعَهُ.
{إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ {84} سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} [المؤمنون: 84-85] فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ فـ {قُلْ فَأَنَّى

(1/413)


تُسْحَرُونَ} [المؤمنون: 89] عُقُولُكُمْ.
فَشَبَّهَهُمْ بِقَوْمٍ مَسْحُورِينِ، ذَاهِبَةً عُقُولُهُمْ.
ثُمَّ قَالَ: {بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ} [المؤمنون: 90] : الْقُرْآنِ.
أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ.
وَهِيَ تُقْرَأُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ: بَلْ أَتَيْنَاهُمْ يَا مُحَمَّدُ بِالْحَقِّ: بِالْقُرْآنِ.
{وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ {90} مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ} [المؤمنون: 90-91] وَذَلِكَ لِقَوْلِ الْمُشْرِكِينَ: إِنَّ الْمَلائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ.
{وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ} [المؤمنون: 91] وَذَلِكَ لِمَا عَبَدُوا مِنَ الأَوْثَانِ، اتَّخَذُوا مَعَ اللَّهِ آلِهَةً.
قَالَ: {إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ} [المؤمنون: 91] يَقُولُ: لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ: {إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ} [المؤمنون: 91] {وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [المؤمنون: 91] لَطَلَبَ بَعْضُهُمْ مُلْكَ بَعْضٍ حَتَّى يَعْلُوَ عَلَيْهِ، كَمَا يَفْعَلُ مُلُوكُ الدُّنْيَا.
{سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} [المؤمنون: 91] يُنَزِّهُ نَفْسَهُ عَمَّا يَكْذِبُونَ.
قَالَ: {عَالِمِ الْغَيْبِ} [المؤمنون: 92] الْغَيْبُ هَاهُنَا فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ: مَا لَمْ يَجِئْ مِنْ غَيْبِ الآخِرَةِ.
{وَالشَّهَادَةِ} [المؤمنون: 92] : مَا أَعْلَمَ الْعِبَادَ.
{فَتَعَالَى} [المؤمنون: 92] ارْتَفَعَ اللَّهُ.
{عَمَّا يُشْرِكُونَ} [المؤمنون: 92] يَرْفَعُ نَفْسَهُ عَمَّا قَالُوا.
قَوْلُهُ: {قُلْ} [المؤمنون: 93] يَا مُحَمَّدُ.
{رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ} [المؤمنون: 93] مِنَ الْعَذَابِ.
{رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [المؤمنون: 94] لا تُهْلِكْنِي مَعَهُمْ إِنْ أَرَيْتَنِي مَا يُوعَدُونَ.
قَالَ: {وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ} [المؤمنون: 95] مِنَ الْعَذَابِ.
{لَقَادِرُونَ {95} ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ} [المؤمنون: 95-96] يَقُولُ: ادْفَعْ بِالْعَفْوِ وَالصَّفْحِ الْقَوْلَ الْقَبِيحَ وَالأَذَى.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.

(1/414)


قَالَ يَحْيَى: وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِقِتَالِهِمْ.
{نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ} [المؤمنون: 96] بِمَا يَكْذِبُونَ.
قَوْلُهُ: {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ} [المؤمنون: 97] وَهُوَ الْجُنُونُ.
{وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} [المؤمنون: 98] فَأُطِيعُ الشَّيْطَانَ، فَأُهْلَكُ، أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَدْعُوَ بِهَذَا.
قَوْلُهُ: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ} [المؤمنون: 99] قَالَ الْحَسَنُ: لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ لَيْسَ لِلَّهِ بِوَلِيٍّ إِلا وَهُوَ يَسْأَلُ اللَّهَ الرَّجْعَةَ إِلَى الدُّنْيَا عِنْدَ الْمَوْتِ بِكَلامٍ يَتَكَلَّمُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ أَخْرَسَ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الدُّنْيَا بِحَرْفٍ قَطُّ، وَذَلِكَ إِذَا اسْتَبَانَ لَهُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ سَأَلَ اللَّهَ الرَّجْعَةَ وَلا يَسْمَعُهُ مَنْ يَلِيهِ.
{لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون: 100] فِيمَا صَنَعْتُ.
قَالَ اللَّهُ: كَلا لَسْتَ بِرَاجِعٍ إِلَى الدُّنْيَا، وَهِيَ مِثْلُ قَوْلِهِ: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} [المنافقون: 10] ثُمَّ قَالَ: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا} [المؤمنون: 100] هَذِهِ الْكَلِمَةُ: {قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ {99} لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون: 99-100]
- خَالِدٌ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا حَضَرَ الإِنْسَانَ الْمَوْتُ جُمِعَ كُلُّ شَيْءٍ لَهُ كَانَ يَمْنَعُهُ مِنَ الْحَقِّ، فَجُعِلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ» .
فِي حَدِيثِ خَالِدٍ، وَفِي حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ: كُلُّ شَيْءٍ كَانَ يَمْنَعُهُ مِنْ حَقِّهِ فَجُعِلَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ: {قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ {99} لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون: 99-100]
قَالَ يَحْيَى: وَأَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: إِنَّ الْكَافِرَ إِذَا نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ وَعَايَنَ حَسَنَاتِهِ قَلِيلَةً وَسَيِّئَاتِهِ كَثِيرَةً، نَظَرَ إِلَى مَلَكِ الْمَوْتِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيَا، فَتَمَنَّى الرَّجْعَةَ وَصَدَّقَ بِمَا كَذَّبَ بِهِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ: {رَبِّ ارْجِعُونِ} [المؤمنون: 99] يَعْنِي إِلَى الدُّنْيَا {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون: 100] يَقُولُ اللَّهُ: {كَلَّا} [المؤمنون: 100] يَعْنِي لا يَرْجِعُ إِلَى الدُّنْيَا.
ثُمَّ اسْتَأْنَفَ فَقَالَ: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا} [المؤمنون: 100] وَلا يَسْمَعُ بِهَا بَنُو آدَمَ.
وَنَحْوُ ذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِ فِرْعَوْنَ فِي سُورَةِ يُونُسَ.

(1/415)


قَوْلُهُ: {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 100] فِطْرُ بْنُ خَلِيفَةَ قَالَ: سَأَلْتُ مُجَاهِدًا عَنْ هَذِهِ الآيَةِ فَقَالَ: مَا بَيْنَ الْمَوْتِ إِلَى الْبَعْثِ.
سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ: قَالَ: أَهْلُ الْقُبُورِ فِي الْبَرْزَخِ، وَهُوَ الْحَاجِزُ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: الْبَرْزَخُ مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ.
قَوْلُهُ: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ} [المؤمنون: 101] وَالصُّورُ: قَرْنٌ.
وَقَدْ فَسَّرْنَا ذَلِكَ قَبْلَ هَذَا الْمَوْضِعِ.
{فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون: 101]
- سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثَلاثَةُ مَوَاطِنَ لا يَسْأَلُ فِيهَا أَحَدٌ أَحَدًا: إِذَا وُضِعَتِ الْمَوَازِينُ حَتَّى يَعْلَمَ أَيَثْقُلُ مِيزَانُهُ أَمْ يَخِفُّ، وَإِذَا تَطَايَرَتِ الْكُتُبُ حَتَّى يَعْلَمَ أَيَأْخُذُ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ أَمْ بِشِمَالِهِ، وَعِنْدَ الصِّرَاطِ حَتَّى يَعْلَمَ أَيَجُوزُ الصِّرَاطَ أَمْ لا يَجُوزُ ".
وَفِي تَفْسِيرِ عَمْرٍو عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ أَنْسَابَهُمْ يَوْمَئِذٍ قَائِمَةٌ مَعْرُوفَةٌ قَالَ: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ {34} وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ {35} } [عبس: 34-35] قَالَ يَحْيَى: وَسَمِعْتُ بَعْضَ الْكُوفِيِّينَ يَقُولُ: {يُبَصَّرُونَهُمْ} [المعارج: 11] أَيْ يَرَوْنَهُمْ.
يَقُولُ: يَعْرِفُونَهُمْ فِي مَوَاطِنَ، وَلا يَعْرِفُونَهُمْ فِي مَوَاطِنَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: {فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ} [المؤمنون: 101] يَتَعَاطَفُونَ عَلَيْهَا كَمَا كَانُوا يَتَعَاطَفُونَ عَلَيْهَا فِي الدُّنْيَا، {وَلا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون: 101] عَلَيْهَا أَنْ يَحْمِلَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ كَمَا كَانُوا يَتَسَاءَلُونَ فِي الدُّنْيَا بِأَنْسَابِهِمْ.
كَقَوْلِ الرَّجُلِ أَسْأَلُكَ بِاللَّهِ وَبِالرَّحِمِ.
قَوْلُهُ: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المؤمنون: 102] : السُّعَدَاءُ، وَهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ.
{وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} [المؤمنون: 103] أَنْ يَغْنَمُوهَا فَصَارُوا

(1/416)


فِي النَّارِ.
قَالَ: {فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} [المؤمنون: 103] لا يَخْرُجُونَ مِنْهَا وَلا يَمُوتُونَ.
{تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ} [المؤمنون: 104] قَالَ يَحْيَى: وَبَلَغَنِي عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: مِثْلُ الرَّأْسِ الْمَشِيطِ.
- قَالَ: وَأَخْبَرَنِي صَاحِبٌ لِي، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدَنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «شَفَتُهُ السُّفْلَى سَاقِطَةٌ عَلَى صَدْرِهِ، وَالْعُلْيَا قَالِصَةٌ قَدْ غَطَّتْ وَجْهَهُ» .
- حَاجِبُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ عَمِّهِ الْحَكَمِ بْنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: يُعَظَّمُ الْكَافِرُ فِي النَّارِ مَسِيرَةَ سَبْعِ لَيَالٍ، ضِرْسُهُ مِثْلُ أُحُدٍ، شِفَاهُهُمْ عِنْدَ صَدْرِهِمْ، سُودٌ، زُرْقٌ، حُبْنٌ، مَفْتُوحُونَ، يَتَهَافَتُونَ فِي النَّارِ، وَيَقُولُ: هَلِ امْتَلأَتْ؟ وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ حَتَّى يَضَعَ الرَّحْمَنُ قَدَمَهُ فِيهَا فَتَقُولُ: رَبِّ قَطْ قَطْ.
قَوْلُهُ: {أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} [المؤمنون: 105] يَقُولُ لَهُمْ ذَلِكَ فِي النَّارِ.
{قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا} [المؤمنون: 106] تَفْسِيرُ ابْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ: الَّتِي كُتِبَتْ عَلَيْنَا.
{وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ} [المؤمنون: 106]
- فِطْرٌ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: الشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَالسَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ.
قَالَ يَحْيَى: وَقَدْ ذَكَرْنَا الْحَدِيثَ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ أَنَّهُ يُكْتَبُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ شَقِيًّا أَوْ سَعِيدًا فِي غَيْرِ هَذِهِ السُّورَةِ.
قَوْلُهُ: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [المؤمنون: 107]
- سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ أَهْلَ جَهَنَّمَ يَدْعُونَ مَالِكًا فَلا يُجِيبُهُمْ أَرْبَعِينَ عَامًا، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ: {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف: 77] ثُمَّ يُنَادُونَ

(1/417)


رَبَّهُمْ: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [المؤمنون: 107] ، فَيَسْكُتُ عَنْهُمْ قَدْرَ عُمْرِ الدُّنْيَا مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 108] فَوَاللَّهِ مَا نَبَسَ الْقَوْمُ بَعْدَهَا بِكَلِمَةٍ وَمَا هُوَ
إِلا الزَّفِيرُ وَالشَّهِيقُ.
فَشَبَّهَ أَصْوَاتَهُمْ بِأَصْوَاتِ الْحَمِيرِ: أَوَّلُهَا زَفِيرٌ، وَآخِرُهَا شَهِيقٌ.
أَبُو أُمَيَّةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ أَنَّ أَهْلَ النَّارِ يَدْعُونَ خَزَنَةَ أَهْلِ النَّارِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، ثُمَّ يَكُونُ جَوَابُهُمْ إِيَّاهُمْ: أَلَمْ تَأْتِكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ؟ {قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ} [غافر: 50] ثُمَّ يُنَادُونَ مَالِكًا فَلا يُجِيبُهُمْ مِقْدَارَ ثَمَانِينَ سَنَةً.
ثُمَّ يَكُونُ جَوَابُ مَالِكٍ إِيَّاهُمْ: {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف: 77] .
ثُمَّ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا} [المؤمنون: 107] ، فَلا يُجِيبُهُمْ مِقْدَارَ الدُّنْيَا مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ يَكُونُ جَوَابُهُ إِيَّاهُمْ: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 108] ثُمَّ إِنَّمَا هُوَ الزَّفِيرُ وَالشَّهِيقُ.
قَوْلُهُ: {اخْسَئُوا فِيهَا} [المؤمنون: 108] تَفْسِيرُ الْحَسَنِ وَالسُّدِّيِّ: اصْغَرُوا فِيهَا، الْخَاسِئُ عِنْدَهُمَا الصَّاغِرُ.
وَتَفْسِيرُ قَتَادَةَ: الْخَاسِئُ: الَّذِي لا يَتَكَلَّمُ، لَيْسَ إِلا الزَّفِيرُ وَالشَّهِيقُ.
قَوْلُهُ: {إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي} [المؤمنون: 109] يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ.
{يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} [المؤمنون: 109] أَفْضَلُ مَنْ رَحِمَ.
وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ فِي قَلْبِ مَنْ يَشَاءُ، وَذَلِكَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَهُوَ أَرْحَمُ مِنْ خَلْقِهِ.
- الصَّلْتُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِائَةَ رَحْمَةٍ، كُلُّ رَحْمَةٍ مِنْهَا طِبَاقُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ، فَأَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً فِيهَا تَتَرَاحَمُ الْخَلِيقَةُ، حَتَّى تَرْحَمَ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَتَهَا، وَالْوَالِدَةُ وَلَدَهَا، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ جَاءَ بِتِلْكَ التِّسْعِ وَالتِّسْعِينَ الرَّحْمَةَ، وَنَزَعَ تِلْكَ الرَّحْمَةَ مِنْ قُلُوبِ الْخَلِيقَةِ فَكَمَّلَهَا
مِائَةَ رَحْمَةٍ، ثُمَّ نَصَبَهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ.
فَالْخَائِبُ مَنْ خيبَ مِنْ تِلْكَ الْمِائَةِ الرَّحْمَةِ.

(1/418)


قَوْلُهُ: {فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا} [المؤمنون: 110] يَقُولُهُ لأَهْلِ النَّارِ.
{حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ} [المؤمنون: 110] كَانُوا يَسْخَرُونَ بِأَصْحَابِ الأَنْبِيَاءِ، يَضْحَكُونَ مِنْهُمْ.
وَقَوْلُهُ: {حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي} [المؤمنون: 110] لَيْسَ يَعْنِي أَنَّ أَصْحَابَ الأَنْبِيَاءِ أَنْسَوْهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ فَأَمَرُوهُمْ أَلا يَذْكُرُوهُ، وَلَكِنَّ جُحُودَهُمْ، وَاسْتِهْزَاءَهُمْ، وَضَحِكَهُمْ مِنْهُمْ هُوَ الَّذِي أَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ، كَقَوْلِ الرَّجُلِ: أَنْسَانِي فُلانٌ كُلَّ شَيْءٍ، وَفُلانٌ غَائِبٌ عَنْهُ، بَلَغَهُ عَنْهُ أَمْرٌ فَشَغَلَ ذَلِكَ قَلْبَهُ.
وَهِيَ كَلِمَةٌ عَرَبِيَّةٌ.
قَوْلُهُ: {إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا} [المؤمنون: 111] فِي الدُّنْيَا.
{أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ} [المؤمنون: 111] ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ {أَنَّهُمْ} [المؤمنون: 111] أَيْ بِأَنَّهُمْ {هُمُ الْفَائِزُونَ} [المؤمنون: 111] .
وَهِيَ تُقْرَأُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ: إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ الْجَنَّةَ بِمَا صَبَرُوا فِي الدُّنْيَا.
ثُمَّ قَالَ: {أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ} [المؤمنون: 111] وَقَوْلُهُ: {الْفَائِزُونَ} [المؤمنون: 111] النَّاجُونَ مِنَ النَّارِ، فَازُوا مِنَ النَّارِ إِلَى الْجَنَّةِ.
قَوْلُهُ: {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ} [المؤمنون: 112] يَقُولُهُ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ.
{فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ} [المؤمنون: 112] أَيْ كَمْ عَدَدُ السِّنِينَ الَّتِي لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ؟ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يُعْلِمَهُمْ قِلَّةَ بَقَائِهِمْ كَانَ فِي الدُّنْيَا، فَتَصَاغَرَتِ الدُّنْيَا عِنْدَهُمْ.
{قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} [المؤمنون: 113] وَذَلِكَ لِتَصَاغُرِ الدُّنْيَا عِنْدَهُمْ.
{فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ} [المؤمنون: 113] : الْمَلائِكَةَ.
تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: الْحُسَّابُ الَّذِينَ كَانُوا يَحْسِبُونَ آجَالَنَا، مِثْلُ قَوْلِهِ: {إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا} [مريم: 84] الأَنْفَاسَ، وَهِيَ آجَالُهُمْ.
{قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا قَلِيلا} [المؤمنون: 114] إِنَّ لُبْثَكُمْ فِي الدُّنْيَا فِي طُولِ مَا أَنْتُمْ لابِثُونَ فِي النَّارِ كَانَ قَلِيلًا وَهُوَ كَقَوْلِهِ: {وَتَظُنُّونَ} [الإسراء: 52] أَيْ فِي الآخِرَةِ {إِنْ لَبِثْتُمْ} [المؤمنون: 114] فِي الدُّنْيَا {إِلا قَلِيلا} [المؤمنون: 114] .

(1/419)


قَوْلُهُ: {لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [المؤمنون: 114] أَيْ لَوْ كُنْتُمْ عُلَمَاءَ لَمْ تَدْخُلُوا النَّارَ.
وَالْمُشْرِكُونَ هُمُ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ كَقَوْلِهِ: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الروم: 59] ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ.
وَقَالَ فِي الْمُؤْمِنِينَ: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} [القصص: 80] وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ.
{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} [المؤمنون: 115] لِغَيْرِ بَعْثٍ وَلا حِسَابٍ.
{وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: 115] وَهُوَ عَلَى الاسْتِفْهَامِ.
أَيْ قَدْ حَسِبْتُمْ ذَلِكَ، وَلَمْ نَخْلُقْكُمْ عَبَثًا، إِنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ لِلْبَعْثِ وَالْحِسَابِ.
قَوْلُهُ: {فَتَعَالَى اللَّهُ} [المؤمنون: 116] مِنْ قِبَلِ الْعُلُوِّ.
{الْمَلِكُ الْحَقُّ} [المؤمنون: 116] اسْمَانِ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ.
{لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون: 116] عَلَى اللَّهِ.
وَبَعْضُهُمْ يَقْرَؤُهَا: الْكَرِيمُ، بِالرَّفْعِ يَقُولُ: اللَّهُ الْكَرِيمُ.
مِثْلُ هَذَا الْحَرْفِ: {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} [البروج: 15] أَيِ: الْكَرِيمُ عَلَى اللَّهِ، عَلَى مَقْرَأِ مَنْ قَرَأَهَا بِالْجَرِّ.
وَمَنْ قَرَأَهَا بِالرَّفْعِ يَقُولُ: اللَّهُ الْمَجِيدُ، أَيِ الْكَرِيمُ.
وَتَفْسِيرُ السُّدِّيِّ بِالرَّفْعِ، يَعْنِي اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَتَجَاوَزُ وَيَصْفَحُ.
قَوْلُهُ: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} [المؤمنون: 117] : لا حُجَّةَ لَهُ بِهِ.
تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ.
وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ: لا بَيِّنَةَ لَهُ بِهِ بِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَهُ أَنْ يَعْبُدَ إِلَهًا مِنْ دُونِهِ.
{فَإِنَّمَا حِسَابُهُ} [المؤمنون: 117] يَعْنِي فَإِنَّمَا جَزَاؤُهُ عَلَى رَبِّهِ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.

(1/420)


وَقَالَ يَحْيَى: فَإِنَّمَا حِسَابُ ذَلِكَ الَّذِي يَدْعُو مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ.
{إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [المؤمنون: 117] وقَالَ قَتَادَةُ: يَقُولُ: ذَلِكَ حِسَابُ الْكَافِرِينَ عِنْدَ اللَّهِ أَنَّهْمُ لا يُفْلِحُونَ، وَهُمْ أَهْلُ النَّارِ.
وَهِيَ تُقْرَأُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ: {فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [المؤمنون: 117] أَنْ يُدْخِلَهُ النَّارَ.
ثُمَّ قَالَ: {إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [المؤمنون: 117] كَلامٌ مُسْتَقْبَلٌ.
قَوْلُهُ: {وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} [المؤمنون: 118] يَعْنِي وَأَنْتَ أَفْضَلُ مَنْ يَرْحَمُ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
أَمَرَ اللَّهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الدُّعَاءِ.
قَالَ يَحْيَى: قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ: قَوْلُهُ فِي الْقُرْآنِ كُلِّهِ: {لا بُرْهَانَ لَهُ} [المؤمنون: 117] لا حُجَّةَ لَهُ.
وَقَوْلُ قَتَادَةَ فِي الْقُرْآنِ كُلِّهِ: {لا بُرْهَانَ لَهُ} [المؤمنون: 117] لا بَيِّنَةَ لَهُ.
تَمَّتِ السُّورَةُ.

(1/421)