تفسير يحيى بن
سلام سُورَةُ فَاطِرٍ
تَفْسِيرُ سُورَةِ الْمَلائِكَةِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا
بسم اللَّه الرحمن الرحيم قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {الْحَمْدُ
لِلَّهِ} حَمِدَ نَفْسَهُ وَهُوَ أَهْلُ الْحَمْدِ.
{فَاطِرِ} خَالِقِ.
{السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلا}
[فاطر: 1] جَعَلَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ لِرِسَالَتِهِ، أَيْ:
إِلَى الأَنْبِيَاءِ، كَقَوْلِهِ: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ
الْمَلائِكَةِ رُسُلا وَمِنَ النَّاسِ} [الحج: 75] .
قَالَ: {أُولِي أَجْنِحَةٍ} [فاطر: 1] قَالَ: ذَوِي
أَجْنِحَةٍ.
{مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [فاطر: 1]
أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: مِنْهُمْ مَنْ
لَهُ جَنَاحَانِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ ثَلاثَةُ أَجْنِحَةٍ
وَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ أَرْبَعَةُ أَجْنِحَةٍ.
وَحَدَّثَنِي أَبُو أُمَيَّةَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ،
عَنْ أَبِي الضَّيْفِ، عَنْ كَعْبٍ قَالَ: إِنَّ أَقْرَبَ
الْمَلائِكَةِ إِلَى اللَّهِ إِسْرَافِيلُ وَلَهُ أَرْبَعَةُ
أَجْنِحَةٍ، جَنَاحٌ بِالْمَشْرِقِ، وَجَنَاحٌ بِالْمَغْرِبِ،
وَقَدْ تَسَرْوَلَ بِالثَّالِثِ، وَالرَّابِعُ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ،
(2/774)
فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَمْرًا أَنْ
يُوحِيَهُ جَاءَ اللَّوْحُ حَتَّى يُصَفِّقَ جَبْهَةَ
إِسْرَافِيلَ، فَيَرْفَعُ رَأْسَهُ، فَيَنْظُرُ فَإِذَا
الأَمْرُ مَكْتُوبٌ، فَيُنَادِي جِبْرِيلَ فَيُلَبِّيهِ
فَيَقُولُ: أُمِرْتُ بِكَذَا،
أُمِرْتُ بِكَذَا، فَلا يَهْبِطُ جِبْرِيلُ مِنْ سَمَاءٍ إِلَى
سَمَاءٍ إِلا فَزِعَ أَهْلُهَا مَخَافَةَ السَّاعَةِ حَتَّى
يَقُولَ جِبْرِيلُ: الْحَقُّ مِنْ عِنْدِ الْحَقِّ، فَيَهْبِطُ
عَلَى النَّبِيِّ فَيُوحِي إِلَيْهِ.
- وَأَخْبَرَنِي عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ لِلَّهِ نَهْرًا فِي
الْجَنَّةِ يَغْتَمِسُ فِيهِ جِبْرِيلُ ثُمَّ يَخْرُجُ
فَيَنْتَفِضُ، قَالَ: فَمَا مِنْ قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِنْ
رِيشِهِ إِلا خَلَقَ اللَّهُ مِنْهَا مَلَكًا ".
- وَأَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، عَنْ أَبَانِ
بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ سَائِلا سَأَلَ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ
خَلْقِ الْمَلائِكَةِ فَقَالَ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خُلِقَتْ؟
فَقَالَ: " خُلِقَتْ مِنْ نُورِ الْحُجُبِ السَّبْعِينَ
الَّتِي تَلِي الرَّبَّ، كُلُّ حِجَابٍ مِنْهَا مَسِيرَةُ
خَمْسِ مِائَةِ عَامٍ، فَمِنْهَا خُلِقَتِ الْمَلائِكَةُ،
فَلَيْسَ مَلَكٌ إِلا هُوَ يَدْخُلُ فِي نَهْرِ الْحَيَاةِ،
فَيَغْتَسِلُ فَيَكُونُ مِنْ كُلِّ قَطْرَةٍ مِنْ ذَلِكَ
الْمَاءِ مَلَكًا مِنَ
الْمَلائِكَةِ، فَلا يُحْصِي أَحَدٌ مَا يَكُونُ فِي يَوْمٍ
وَاحِدٍ، فَهُوَ قَوْلُهُ: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ
إِلا هُوَ} [المدثر: 31] .
قَالَ يَحْيَى: وَأَخْبَرَنِي عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي
سُلَيْمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: يَدْخُلُ جِبْرِيلُ نَهْرَ
النُّورِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً فَيَغْتَمِسُ فِيهِ
ثُمَّ يَخْرُجُ، فَيَنْتَفِضُ فَيَسْقُطُ مِنْهُ سَبْعُونَ
أَلْفِ قَطْرَةٍ تَعُودُ كُلُّ قَطْرَةٍ مَلَكًا يُسَبِّحُ
اللَّهَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
قَالَ يَحْيَى: وَأَخْبَرَنِي عَنْ عُبَيدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ فِي السَّمَاءِ مَلَكًا قَدْ
عَظَّمَهُ اللَّهُ وَشَرَّفَهُ، فِيهِ ثَلاثُ مِائَةٍ
وَسِتُّونَ عَيْنًا، بَعْضُهَا مِثْلُ الشَّمْسِ وَبَعْضُهَا
مِثْلُ الْقَمَرِ، وَبَعْضُهَا مِثْلُ الزَّهْرَةِ يُسَبِّحُ
لَهُ مُنْذُ خُلِقَ، كُلُّ
(2/775)
تَسْبِيحَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فِيهِ مَلَكٌ.
قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنِي أَنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
دِيكًا، بَرَاثِنُهُ فِي الأَرْضِ السُّفْلَى، وَعُنُقُهُ
مَثْنِيَّةٌ تَحْتَ الْعَرْشِ، إِذَا بَقِيَ الثُّلُثُ الآخِرُ
مِنَ اللَّيْلِ خَفَقَ بِجَنَاحَيْهِ ثُمَّ قَالَ: سُبُّوحٌ
قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلائِكَةِ وَالرُّوحِ، فَتَسْمَعُهُ
الدِّيَكَةُ فَتَصْرُخُ لِصُرَاخِهِ أَوْ قَالَ: لِصَوْتِهِ.
- وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ
مَلَكٍ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ رِجْلاهُ فِي الأَرْضِ
السُّفْلَى، وَعَلَى قَرْنِهِ الْعَرْشُ، وَبَيْنَ شَحْمَةِ
أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ خَفَقَانُ الطَّيْرِ مَسِيرَةُ
سَبْعِ مِائَةِ سَنَةٍ يَقُولُ: سُبْحَانَكَ حَيْثُ كُنْتَ ".
قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنِي أَنَّ اسْمَهُ زُرَوْفِيلَ.
قَالَ يَحْيَى: وَسَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يُحَدِّثُ
أَنَّ مَلَكًا نِصْفُهُ نُورٌ أَوْ قَالَ: نَارٌ وَنِصْفُهُ
ثَلْجٌ يَقُولُ: يَا مُؤَلِّفَ بَيْنَ النُّورِ أَوْ قَالَ:
النَّارِ وَالثَّلْجِ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِ عِبَادِكَ
الْمُؤْمِنِينَ.
- سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ نَوْفٍ الْبِكَالِيِّ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ
الْمَلائِكَةَ وَالْجِنَّ وَالإِنْسَ، فَجَزَأَهُ عَشَرَةَ
أَجْزَاءٍ: تِسْعَةُ أَجْزَاءٍ مِنْهُمُ الْمَلائِكَةُ
وَجُزْءٌ وَاحِدٌ الْجِنُّ وَالإِنْسُ، وَجَزَأَ الْمَلائِكَةَ
عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ: تِسْعَةُ أَجْزَاءٍ مِنْهُمُ
الْكُرُوبِيُّونَ الَّذِينَ {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ
وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: 20] وَجُزْءٌ
مِنْهُمْ وَاحِدٌ لِرِسَالَتِهِ وَلِخَزَائِنِهِ وَمَا يَشَاءُ
مِنْ أَمْرِهِ، وَجَزَأَ الْجِنَّ
وَالإِنْسَ عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ: تِسْعَةُ أَجْزَاءٍ مِنْهُمُ
الْجِنُّ، وَالإِنْسُ جُزْءٌ وَاحِدٌ، فَلا يُولَدُ مِنَ
الإِنْسِ مَوْلُودٌ إِلا وُلِدَ مِنَ الْجِنِّ تِسْعَةٌ،
وَجَزَأَ الإِنْسَ عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ: تِسْعَةُ أَجْزَاءٍ
مِنْهُمْ يَأْجُوجُ
(2/776)
وَمَأْجُوجُ، وَسَائِرُهُمْ سَائِرُ بَنِي
آدَمَ.
{يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فاطر: 1] تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: يَزِيدُ فِي
أَجْنِحَتِهَا مَا يَشَاءُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ}
[فاطر: 2] مَا يُقْسِمُ اللَّهُ لِلنَّاسِ.
{مِنْ رَحْمَةٍ} [فاطر: 2] مِنَ الْخَيْرِ وَالرِّزْقِ فِي
تَفْسِيرِ الْكَلْبِيِّ.
وَتَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: يَعْنِي: مَا يُرْسِلُ اللَّهُ
لِلنَّاسِ مِنْ رِزْقٍ فَلا مُمْسِكَ لَهُ.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: مَا يُقْسِمُ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ
رَحْمَةٍ، مَا يُنْزِلُ مِنَ الْوَحْيِ.
{فَلا مُمْسِكَ لَهَا} [فاطر: 2] لا أَحَدَ يَسْتَطِيعُ أَنْ
يُمْسِكَ مَا يُقْسِمُ مِنْ رَحْمَةٍ.
{وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر: 2]
مَنْ بَعَّدَ اللَّهُ لا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُقْسِمَهُ
{وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [فاطر: 2] قَوْلُهُ عَزَّ
وَجَلَّ: {يَأَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ
عَلَيْكُمْ} [فاطر: 3] إِنَّهُ خَلَقَكُمْ وَرَزَقَكُمْ {هَلْ
مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ
وَالأَرْضِ} [فاطر: 3] مَا يُنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنَ
الْمَطَرِ وَمَا يُنْبِتُ فِي الأَرْضِ مِنَ النَّبَاتِ.
{لا إِلَهَ إِلا هُوَ} يَقُولُهُ لِلْمُشْرِكِينَ يَحْتَجُّ
بِهِ عَلَيْهِمْ، وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ، أَيْ: لا خَالِقَ وَلا
رَازِقَ غَيْرُهُ، يَقُولُ: أَنْتُمْ تُقِرُّونَ بِأَنَّ
اللَّهَ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَرَزَقَكُمْ، وَأَنْتُمْ
تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ الآلِهَةَ.
{فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر: 3] فَكَيْفَ تَصْرِفُونَ
عُقُولَكُمْ فَتَعْبُدُونَ غَيْرَ اللَّهِ.
قَالَ: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ
قَبْلِكَ} [فاطر: 4] يُعَزِّيهِ بِذَلِكَ وَيَأْمُرُهُ
بِالصَّبْرِ.
- وَحَدَّثَنِي أَبُو أُمَيَّةَ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَالَّذِي
نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ أَصَابَهُ
مِنَ الْجَهْدِ فِي اللَّهِ الَّذِي أَصَابَنِي» .
(2/777)
قَالَ: {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ
الأُمُورُ} [فاطر: 4] إِلَيْهِ مَصِيرُهَا يَوْمَ
الْقِيَامَةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ
اللَّهِ حَقٌّ} [فاطر: 5] مَا وَعَدَ مِنَ الثَّوَابِ
وَالْعِقَابِ.
{فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا
يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [فاطر: 5] الشَّيْطَانُ.
قَالَ: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ} [فاطر: 6]
يَدْعُوكُمْ إِلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ.
{فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ} [فاطر: 6]
أَصْحَابَهُ الَّذِينَ أَضَلَّ.
{لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر: 6] وَسْوَسَ
إِلَيْهِمْ بِعِبَادَةِ الأَوْثَانِ.
{لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر: 6]
فَأَطَاعُوهُ وَالسَّعِيرُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ جَهَنَّمَ،
وَهُوَ الْبَابُ الرَّابِعُ.
قَالَ: {الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} [فاطر: 7]
جَهَنَّمُ.
{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ
مَغْفِرَةٌ} [فاطر: 7] لِذُنُوبِهِمْ.
{وَأَجْرٌ} [فاطر: 7] ، أَيْ: ثَوَابٌ.
{كَبِيرٌ} وَهِيَ الْجَنَّةُ.
قَالَ: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ
حَسَنًا} [فاطر: 8] كَمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا، أَيْ: لا
يَسْتَوِيَانِ، وَهَذَا عَلَى الاسْتِفْهَامِ، وَفِيهِ
إِضْمَارٌ.
قَالَ: {فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ
يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ} [فاطر: 8] عَلَى
الْمُشْرِكِينَ.
{حَسَرَاتٍ} لا تَحَسَّرْ عَلَيْهِمْ إِذْ لَمْ يُؤْمِنُوا
كَقَوْلِهِ: {وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} .
{إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [فاطر: 8] قَوْلُهُ
عَزَّ وَجَلَّ: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ
فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ} [فاطر: 9] فَسُقْنَا الْمَاءَ
فِي السَّحَابِ.
{إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ} [فاطر: 9] لَيْسَ فِيهِ نَبَاتٌ، إِلَى
أَرْضٍ مَيِّتَةٍ لَيْسَ فِيهَا نَبَاتٌ.
(2/778)
لَمَّا قَالَ: {إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ}
[فاطر: 9] جَاءَتْ «مَيِّتٍ» لأَنَّ الْبَلَدَ مُذَكَّرٌ
وَالْمَعْنَى عَلَى الأَرْضِ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ.
{فَأَحْيَيْنَا بِهِ} [فاطر: 9] بِالْمَاءِ.
{الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [فاطر: 9] بَعْدَ إِذْ كَانَتْ
يَابِسَةً لَيْسَ فِيهَا نَبَاتٌ فَأَحْيَيْنَا بِهِ،
بِالْمَاءِ , الأَرْضَ فَأَنْبَتَتْ مِنْ أَلْوَانِ النَّبَاتِ
وَأُحْيِيَ بِهِ نَبَاتُهَا أَيْضًا.
قَالَ: {كَذَلِكَ النُّشُورُ} [فاطر: 9] ، يَعْنِي: هَكَذَا
يَحْيَوْنَ بَعْدَ الْمَوْتِ بِالْمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
كَمَا تَحْيَا الأَرْضُ بِالْمَاءِ فَتُنْبِتُ وَهُوَ
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ كَذَلِكَ الْبَعْثُ.
- سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أبي
الزَّعْرَاءِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: يُرْسِلُ اللَّهُ
مَطَرًا مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ مَنِيًّا كَمَنِيِّ الرِّجَالِ،
فَتَنْبُتُ بِهِ جُسْمَانُهُمْ وَلُحْمَانُهُمْ مِنْ ذَلِكَ
الْمَاءِ كَمَا تَنْبُتُ الأَرْضُ مِنَ الثَّرَى، ثُمَّ
يَقُومُ مَلَكٌ بِالصُّورِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ،
فَيَنْفُخُ فِيهِ فَيَذْهَبُ كُلُّ رُوحٍ إِلَى جَسَدِهِ
حَتَّى يَدْخُلَ فِيهِ، ثُمَّ يَقُومُونَ فَيُجِيبُونَ
بِإِجَابَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ سِرَاعًا إِلَى صَاحِبِ الصُّورِ
إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ.
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ عُمَيْرِ
بْنِ هَانِئٍ أَنَّ الْحِسَابَ يَكُونُ عِنْدَ الصَّخْرَةِ
الَّتِي بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ}
[فاطر: 10] ، يَعْنِي: الْمَنْعَةَ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} [فاطر: 10] أَخْبَرَنَا
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ
الْعِزَّةَ فَلْيَتَعَزَّزْ بِطَاعَةِ اللَّهِ.
(2/779)
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ أَنَّ
الْمُشْرِكِينَ عَبَدُوا الأَوْثَانَ لِتُعِزَّهُمْ
كَقَوْلِهِ: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً
لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا} [مريم: 81] فَقَالَ: مَنْ كَانَ
يُرِيدُ الْعِزَّةَ، فَلْيَعْبُدِ اللَّهَ حَتَّى يُعِزَّهُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ
الطَّيِّبُ} [فاطر: 10] التَّوْحِيدُ.
{وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10] التَّوْحِيدُ
, لا يَرْتَفِعُ الْعَمَلُ إِلا بِالتَّوْحِيدِ كَقَوْلِهِ:
{وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ
سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} [الإسراء: 19]
- خَالِدٌ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يَقْبَلُ اللَّهُ
عَمَلَ قَوْمٍ حَتَّى يَرْضَى قَوْلَهُ» .
الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ:
{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ
الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10] قَالَ: الْعَمَلُ
الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ
الطَّيِّبُ} [فاطر: 10] ، يَعْنِي: الْكَلامَ الْحَسَنَ،
يَعْنِي: شَهَادَةَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ {وَالْعَمَلُ
الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10] ، يَعْنِي: وَبِهِ يُقْبَلُ
الْعَمَلُ الصَّالِحُ، وَإِلا رُدَّ الْقَوْلُ عَلَى
الْعَمَلِ.
قَالَ: {وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ} [فاطر: 10]
يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ، الشِّرْكَ.
{لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} [فاطر: 10] جَهَنَّمُ.
{وَمَكْرُ أُولَئِكَ} [فاطر: 10] ، أَيْ: وَعَمَلُ أُولَئِكَ.
{هُوَ يَبُورُ} [فاطر: 10] هُوَ يَفْسَدُ عِنْدَ اللَّهِ، لا
يَقْبَلُ اللَّهُ الشِّرْكَ وَلا مَا يَعْمَلُ الْمُشْرِكُ
مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَلا يَقْبَلُ الْعَمَلَ إِلا مِنَ
الْمُؤْمِنِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ}
[فاطر: 11] ، يَعْنِي: خَلْقَ آدَمَ.
{ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ} [فاطر: 11] نَسْلِ آدَمَ.
{ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا} [فاطر: 11] ذَكَرًا وَأُنْثَى،
وَالْوَاحِدُ زَوْجٌ، قَالَ: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ
الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} [النجم: 45] .
(2/780)
قَالَ: {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا
تَضَعُ إِلا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا
يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى
اللَّهِ يَسِيرٌ} [فاطر: 11] ، يَعْنِي: هَيِّنٌ عَلَيْهِ
وَلَيْسَ بِشَدِيدٍ عَلَيْهِ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
حَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ
السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: {وَمَا
يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ} [فاطر:
11] قَالَ: عُمْرُ الْعَبْدِ مَكْتُوبٌ فِي كِتَابٍ، فِي
أَوَّلِ الْكِتَابِ مُنْتَهَى عُمْرِهِ، ثُمَّ يُكْتَبُ
أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ: ذَهَبَ يَوْمُ كَذَا وَكَذَا، وَمَضَى
يَوْمُ كَذَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى أَجَلِهِ.
وَحَدَّثَنِي أَيُّوبُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ حُصَيْنِ
بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: {وَمَا
يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ} [فاطر: 11] مِنْ
عُمْرٍ آخَرَ.
قَالَ يَحْيَى: يَعْنِي: أَنْ يَكُونَ عُمْرُهُ دُونَ عُمْرِ
الآخَرِ.
الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ
يَقْرَأُهَا: وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمِّرٍ وَلا يُنْقَصُ
مِنْ عُمُرِهِ، أَيْ: مِنْ أَجَلِهِ.
قَالَ يَحْيَى: وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ
مُعَمَّرٍ} [فاطر: 11] حَتَّى يَبْلُغَ إِلَى أَرْذَلِ
الْعُمُرِ، وَالْعُمُرُ عِنْدَهُ هَاهُنَا أَنْ يَبْلُغَ
أَرْذَلَ الْعُمُرِ.
{وَلا يُنْقَصُ} [فاطر: 11] آخَرُ مِنْ عُمُرِ الْمُعَمَّرِ
فَيَمُوتُ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ عُمُرَ ذَلِكَ الْمُعَمَّرِ
الَّذِي بَلَغَ أَرْذَلَ الْعُمُرِ.
{إِلا فِي كِتَابٍ} [فاطر: 11] وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ الْعُمُرُ
هَاهُنَا سِتُّونَ سَنَةً.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ
يَسِيرٌ} [فاطر: 11] عُمُرُ هَذَا الَّذِي عُمِّرَ وَمَوْتُ
هَذَا الَّذِي لَمْ يُعَمَّرْ مَا عُمِّرَ الآخَرُ عَلَى
اللَّهِ يَسِيرٌ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}
[فاطر: 11] ، يَعْنِي: هَيِّنٌ عَلَيْهِ وَلَيْسَ بِشَدِيدٍ
(2/781)
عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا
عَذْبٌ فُرَاتٌ} [فاطر: 12] حُلْوٌ.
{سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} [فاطر: 12] مُرٌّ.
{وَمِنْ كُلٍّ} [فاطر: 12] مِنَ الْعَذْبِ وَالْمَالِحِ.
{تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا} [فاطر: 12] ، يَعْنِي:
الْحِيتَانَ.
{وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} [فاطر: 12]
اللُّؤْلُؤَ.
{وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ} [فاطر: 12] مُقْبِلَةً
وَمُدْبِرَةً بِرِيحٍ وَاحِدَةٍ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَمْخَرُ تَشُقُّ الْمَاءَ.
{لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [فاطر: 12] طَلَبِ التِّجَارَةِ
فِي الْبَحْرِ، وَهُوَ تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ.
قَالَ: {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [فاطر: 12] وَلِكَيْ
تَشْكُرُوا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ
وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} [فاطر: 13] الْمُعَلَّى،
عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: هُوَ أَخْذُ
أَحَدِهِمَا مِنْ صَاحِبِهِ.
{وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ
مُسَمًّى} [فاطر: 13] لا يَعْدُوهُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: وَهُوَ مَطَالِعُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ
إِلَى غَايَةٍ لا يُجَاوِزَانِهِ فِي شِتَاءٍ وَلا صَيْفٍ.
{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ
تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ} [فاطر: 13] يَقُولُهُ
لِلْمُشْرِكِينَ، يَعْنِي: أَوْثَانَهُمْ.
{مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} [فاطر: 13] الْمُعَلَّى،
عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: الْقِطْمِيرُ:
الْقِشْرَةُ الَّتِي تَكُونُ عَلَى
(2/782)
النَّوَاةِ، يَعْنِي: السَّحَاةَ
الْبَيْضَاءَ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: الْقِطْمِيرُ،
لُفَافَةُ النَّوَاةِ كَسَحَاةِ الْبَصَلَةِ.
قَالَ: {إِنْ تَدْعُوهُمْ} [فاطر: 14] ، يَعْنِي:
تُنَادُوهُمْ.
{لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ} [فاطر: 14] نِدَاءَكُمْ تَفْسِيرُ
السُّدِّيِّ.
{وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ
الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} [فاطر: 14]
بِعِبَادَتِكُمْ إِيَّاهُمْ.
{وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر: 14] وَهُوَ اللَّهُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ
الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ} [فاطر:
15] عَنْكُمْ.
{الْحَمِيدُ} [فاطر: 15] الْمُسْتَحْمِدُ إِلَى خَلْقِهِ،
اسْتَوْجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَحْمَدُوهُ.
{إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ} [فاطر: 16] يُهْلِكْكُمْ بِعَذَابِ
الاسْتِئْصَالِ.
{وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} [فاطر: 16] هُوَ أَطْوَعُ لَهُ
مِنْكُمْ كَقَوْلِهِ: {إِنَّا لَقَادِرُونَ {40} عَلَى أَنْ
نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ} [المعارج: 40-41] قَالَ: {وَمَا
ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} [فاطر: 17] أَنَّى فَعَلَ
ذَلِكَ بِكُمْ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: وَمَا ذَلِكَ
عَلَى اللَّهِ بِشَدِيدٍ، أَيْ: لا يَشُقُّ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ
أُخْرَى} [فاطر: 18] لا يَحْمِلُ أَحَدٌ ذَنْبَ آخَرَ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: لا تَحْمِلُ حَامِلَةٌ ذَنْبَ
نَفْسٍ أُخْرَى، وَهُوَ نَحْوُهُ.
قَالَ: {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ} [فاطر: 18] تَفْسِيرُ
مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مُثْقَلَةٌ، أَيْ: مِنَ
الذُّنُوبِ.
(2/783)
{إِلَى حِمْلِهَا} [فاطر: 18] لِيَحْمِلَ
عَنْهَا.
{لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [فاطر:
18] لا يَحْمِلُ قَرِيبٌ عَنْ قَرِيبِهِ شَيْئًا مِنْ
ذُنُوبِهِ.
{إِنَّمَا تُنْذِرُ} [فاطر: 18] إِنَّمَا يُقْبَلُ
نِذَارَتُكَ.
{الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ} [فاطر: 18] فِي
السِّرِّ حَيْثُ لا يَطَّلِعُ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ.
{وَأَقَامُوا الصَّلاةَ} [فاطر: 18] الْمَفْرُوضَةَ.
{وَمَنْ تَزَكَّى} [فاطر: 18] ، أَيْ: عَمِلَ صَالِحًا.
{فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ} [فاطر: 18] يَجِدُ
ثَوَابَهُ.
{وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} [فاطر: 18] قَوْلُهُ عَزَّ
وَجَلَّ: {وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ} [فاطر: 19]
وَهَذَا تَبَعٌ لِلْكَلامِ الأَوَّلِ لِقَوْلِهِ: {وَمَا
يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ} [فاطر: 12] ...
{وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} [فاطر: 12] .
{وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ} [فاطر: 19] قَالَ
السُّدِّيُّ: يَعْنِي: بَصَرَ الْقَلْبِ بِالإِيمَانِ وَهُوَ
الْمُؤْمِنُ.
{وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ {20} وَلا الظِّلُّ وَلا
الْحَرُورُ {21} وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا
الأَمْوَاتُ} [فاطر: 20-22] هَذَا كُلُّهُ مَثَلٌ لِلْمُؤْمِنِ
وَالْكَافِرِ، كَمَا لا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ الْعَذْبِ
وَالْمَالِحِ، وَكَمَا لا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ،
وَكَمَا لا تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ فَكَذَلِكَ لا
يَسْتَوِي الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: وَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ
لِلْكُفَّارِ وَالْمُؤْمِنِينَ، فَالأَمْوَاتُ هُمُ
الْكُفَّارُ، وَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الأَمْوَاتِ.
{وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ} [فاطر: 22] ، يَعْنِي:
الْمُؤْمِنِينَ.
{وَلا الأَمْوَاتُ} [فاطر: 22] ، يَعْنِي: الْكُفَّارَ قَالَ:
بِمَنْزِلَةِ الأَمْوَاتِ.
قَالَ: {وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ} [فاطر: 21] ، أي: وَلا
يَسْتَوِي الظِّلُّ، ظِلُّ الْجَنَّةِ، وَلا
(2/784)
الْحَرُورُ النَّارُ كَمَا لا يَسْتَوِي
الظِّلُّ فِي الدُّنْيَا وَالشَّمْسُ.
قَالَ: {وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ} [فاطر: 22] المؤمنون
الأحياء فِي الدِّينِ كَقَوْلِهِ: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا
فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام: 122] بِالإِيمَانِ.
{وَلا الأَمْوَاتُ} [فاطر: 22] فِي الدِّينِ، الْكُفَّارُ.
{إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ} [فاطر: 22] يَهْدِيهِ
لِلإِيمَانِ.
{وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر: 22] ،
أَيْ: وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ الْكُفَّارَ، هُمْ بِمَنْزِلَةِ
الأَمْوَاتِ لا يَسْمَعُونَ مِنْكَ الْهُدَى سَمْعَ قَبُولٍ،
كَمَا أَنَّ الَّذِينَ فِي الْقُبُورِ لا يَسْمَعُونَ.
قَالَ: {إِنْ أَنْتَ إِلا نَذِيرٌ} [فاطر: 23] تُنْذِرُ
النَّاسَ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ.
{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ} [فاطر: 24] بِالْقُرْآنِ.
{بَشِيرًا} بِالْجَنَّةِ.
{وَنَذِيرًا} مِنَ النَّارِ.
{وَإِنَّ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خلا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر: 24] ،
يَعْنِي: الأُمَمُ الْخَالِيَةُ كُلُّهَا قَدْ خَلَتْ فِيهِمُ
النُّذُرُ.
وَتَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: أَيْ: وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ مِمَّنْ
أَهْلَكْنَا إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ، يَعْنِي: يُحَذِّرُ
الْمُشْرِكِينَ أَنْ يَنْزِلَ بِهِمْ مَا نَزَلَ بِهِمْ أَنْ
كَذَّبُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا
كَذَّبَتِ الأُمَمُ رُسُلَهَا.
قَالَ: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ
وَبِالزُّبُرِ} [فاطر: 25] وَالزُّبُرُ الْكُتُبُ عَلَى
الْجَمَاعَةِ، وَالْبَيِّنَاتُ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ مَا
جَاءَتْ بِهِ الأَنْبِيَاءُ.
{وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ} [فاطر: 25] الْبَيِّنِ،
وَالْكِتَابِ الَّذِي كَانَ يَجِيءُ بِهِ النَّبِيُّ مِنْهُمْ
إِلَى قَوْمِهِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {بِالْبَيِّنَاتِ} ، يَعْنِي: الآيَاتِ
الَّتِي كَانَتْ تَجِيءُ بِهَا الأَنْبِيَاءُ إِلَى قَوْمِهِمْ
قَالَ: {وَبِالزُّبُرِ} ، يَعْنِي: وَحَدِيثِ الْكِتَابِ وَمَا
كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الْمَوَاعِظِ.
وَالْكِتَابُ الْمُنِيرُ، يَعْنِي: الْمُضِيءُ فِي أَمْرِهِ
وَنَهْيِهِ.
(2/785)
وَتَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: الْبَيِّنَاتُ:
الْحَلالُ وَالْحَرَامُ.
قَالَ: {ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [فاطر: 26] ،
يَعْنِي: إِهْلاكَهُمْ إِيَّاهُمْ بِالْعَذَابِ حِينَ
كَذَّبُوا رُسُلَهُمْ.
{فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} [فاطر: 26] عِقَابِي، عَلَى
الاسْتِفْهَامِ، أَيْ: كَانَ شَدِيدًا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ
مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ
مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا} [فاطر: 27] وَطَعْمُهَا فِي
الإِضْمَارِ.
قَالَ: {وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ} [فاطر: 27] ، أَيْ:
طَرَائِقَ.
{بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ}
[فاطر: 27] وَالْغَرِيبُ الشَّدِيدُ السَّوَادِ.
قَالَ: {وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ
مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ} [فاطر: 28] ، أَيْ: كَمَا
اخْتَلَفَتْ أَلْوَانُ مَا ذُكِرَ مِنَ الثِّمَارِ
وَالْجِبَالِ، ثُمَّ انْقَطَعَ الْكَلامُ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ
فَقَالَ: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ
الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ.
وَبَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ: يَعْلَمُونَ أَنَّ
اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
- وَحَدَّثَنِي قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ
قَالَ: لَيْسَ الْعِلْمُ رِوَايَةَ الْحَدِيثِ وَلَكِنَّ
الْعِلْمَ الْخَشْيَةُ.
قَالَ يَحْيَى: نَرَاهُ أَنَّهُ، يَعْنِي: أَنَّهُ مَنْ خَشِيَ
اللَّهَ فَهُوَ عَالِمٌ.
قَالَ: {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر: 28] .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ
اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ} [فاطر: 29] الْمَفْرُوضَةَ.
{وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً}
[فاطر: 29] السِّرُّ التَّطَوُّعُ، وَالْعَلانِيَةُ الزَّكَاةُ
الْمَفْرُوضَةُ، يُسْتَحَبُّ أَنْ تُعْطَى الزَّكَاةُ
الْمَفْرُوضَةُ عَلانِيَةً وَالتَّطَوُّعُ سِرًّا.
(2/786)
وَيُقَالُ: صَدَقَةُ السِّرِّ تَطَوُّعًا
أَفْضَلُ مِنْ صَدَقَةِ الْعَلانِيَةِ.
- الْمُعَلَّى، عَنْ زُبَيْدٍ الْيَامِيِّ، عَنْ مُرَّةَ
الْهَمَذَانِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إِنَّ فَضْلَ
صَلاةِ اللَّيْلِ عَلَى صَلاةِ النَّهَارِ كَفَضْلِ صَدَقَةِ
السِّرِّ عَلَى الْعَلانِيَةِ.
قَالَ: {يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} [فاطر: 29] لَنْ
تَفْسَدَ، وَهِيَ تِجَارَةُ الْجَنَّةِ، يَعْمَلُونَ
لِلْجَنَّةِ.
قَالَ: {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ} [فاطر: 30] ثَوَابَهُمْ
فِي الْجَنَّةِ.
{وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} [فاطر: 30] يُضَاعِفُ لَهُمُ
الثَّوَابَ.
قَالَ الْحَسَنُ: تُضَاعَفُ لَهُمُ الْحَسَنَاتُ، يُثَابُونَ
عَلَيْهَا فِي الْجَنَّةِ.
{إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر: 30] قَالَ: {وَالَّذِي
أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ} [فاطر: 31] ، يَعْنِي:
الْقُرْآنَ.
{هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} [فاطر: 31]
التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ.
{إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ} [فاطر: 31]
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ
الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا} [فاطر: 32] اخْتَرْنَا.
{مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ
مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ
اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ {32} جَنَّاتُ
عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا} [فاطر: 32-33]
- إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى
التَّوْءَمَةِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الآيَةَ
فَقَالَ: «أَمَّا السَّابِقُ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ
حِسَابٍ وَالْمُقْتَصِدُ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا،
وَأَمَّا الظَّالِمُ فَيُحْبَسُ فِي طُولِ الْمَحْبَسِ ثُمَّ
يَتَجَاوَزُ اللَّهُ عَنْهُ» .
- الْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ، وَإِسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ، عَنْ
جَعْفَرِ بْنِ يَزِيدَ الْعَبْدِيِّ، وَحَدَّثَنِيهِ النَّضْرُ
بْنُ بِلالٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ جَعْفَرِ
بْنِ يَزِيدَ أَنَّ رَجُلا بَلَغَهُ، قَالَ
(2/787)
الْخَلِيلُ: لا أَدْرِي، يَعْنِي: نَفْسَهُ
وَقَدْ كَانَ كَبِيرًا أَوْ، يَعْنِي: غَيْرَهُ، أَنَّ رَجُلا
بَلَغَهُ أَنَّهُ مَنْ أَتَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ لِيُصَلِّيَ
فِيهِ لَمْ يُشْخِصْهُ وَلَمْ يُعْمِلْهُ إِلا الصَّلاةُ
فِيهِ، فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ
كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ، قَالَ:
فَأَتَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَصَلَّى فِيهِ مَا قَضَى اللَّهُ
لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى سَارِيَةٍ،
فَقَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْ غُرْبَتِي، وَآنِسْ وَحْشَتِي،
وَصِلْ وِحْدَتِي، وَسُقْ إِلَيَّ جَلِيسًا صَالِحًا
تَنْفَعُنِي بِهِ، فَبَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكَ إِذْ دَخَلَ
رَجُلٌ شَيْخٌ مَوْسُومٌ فِيهِ الْخَيْرُ مِنْ بَعْضِ
أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى السَّارِيَةِ
الَّتِي أَنَا عِنْدَهَا، فَصَلَّى مَا قَضَى اللَّهُ لَهُ
أَنْ يُصَلِّيَ ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ
مَنْ أَنْتَ وَمَا جَاءَ بِكَ؟ قُلْتُ: رَجُلٌ
غَرِيبٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ بَلَغَنِي أَنَّهُ مَنْ أَتَى
هَذَا الْمَسْجِدَ لَمْ يُعْمِلْهُ وَلَمْ يُشْخِصْهُ إِلا
الصَّلاةُ فِيهِ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ
أُمُّهُ، قَالَ: فَإِنَّ الأَمْرَ عَلَى مَا بَلَغَكَ، قُلْتُ:
مَنْ أَنْتَ يَا عَبْدَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَنَا أَبُو
الدَّرْدَاءِ، فَرَفَعْتُ يَدِي أَحْمَدُ اللَّهَ، فَقَالَ:
يَا عَبْدَ اللَّهِ أَذُعَرَةُ أَنَا؟ قُلْتُ: لَسْتَ
بِذُعْرَةٍ وَلَكِنِّي رَجُلٌ غَرِيبٌ قُلْتُ: اللَّهُمَّ
ارْحَمْ غُرْبَتِي، وَآنِسْ وَحْشَتِي، وَصِلْ وِحْدَتِي،
وَسُقْ عَلَيَّ جَلِيسًا صَالِحًا
تَنْفَعُنِي بِهِ، فَقَدْ سَمِعْتُ بِالاسْمِ، وَلَمْ أَكُنْ
أَعْرِفُ الْوَجْهَ، قَالَ: فَأَنَا أَحَقُّ بِالْحَمْدِ
مِنْكَ إِذْ أَشْرَكَنِي اللَّهُ فِي دُعَائِكَ وَجَعَلَنِي
ذَلِكَ الْجَلِيسَ، لا جَرَمَ لأُحَدِّثَنَّكَ بِحَدِيثٍ
سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَمْ أُحَدِّثْهُ أَحَدًا قَبْلَكَ وَلا أُحَدِّثُ
بِهِ أَحَدًا بَعْدَكَ.
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
يَقُولُ فِي هَذِهِ الآيَةِ: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ
الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ
لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ
بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ
الْكَبِيرُ {32} جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا} [فاطر:
32-33] حَتَّى أَتَمَّ الآيَةَ، قَالَ: فَيَجِيءُ هَذَا
السَّابِقُ بِالْخَيْرَاتِ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِلا
حِسَابٍ، وَيَجِيءُ هَذَا الْمُقْتَصِدُ فَيُحَاسَبُ حِسَابًا
يَسِيرًا ثُمَّ يَتَجَاوَزُ اللَّهُ عَنْهُ،
وَيَجِيءُ هَذَا الظَّالِمُ
(2/788)
لِنَفْسِهِ فَيُوقَفُ، وَيُعَيَّرُ،
وَيُخْزَى، وَيُعْرَفُ ذُنُوبُهُ ثُمَّ يُدْخِلُهُ اللَّهُ
الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ، فَهُمُ الَّذِينَ قَالُوا:
{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ
رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر: 34] غَفَرَ الذَّنْبَ
الْكَبِيرَ وَشَكَرَ الْعَمَلَ الْيَسِيرَ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} [فاطر:
32] ، يَعْنِي: أَصْحَابَ الْكَبَائِرِ مِنْ أَهْلِ
التَّوْحِيدِ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِذُنُوبِهِمْ مِنْ غَيْرِ
شِرْكٍ.
الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: أَهْلُ
الْكَبَائِرِ لا شَفَاعَةَ لَهُمْ، أَيْ: لا يَشْفَعُونَ
لأَحَدٍ.
وَحَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ
الرَّحَّالِ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ أَنَّهُ تَلا هَذِهِ الآيَةَ
إِلَى قَوْلِهِ: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا} [فاطر: 33]
فَقَالَ: دَخَلُوهَا كُلُّهُمْ.
إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ
النَّاجِيِّ أَنَّ حَبْرًا مِنَ الأَحْبَارِ أَتَى كَعْبًا
فَقَالَ: يَا كَعْبُ، تَرَكْتَ دِينَ مُوسَى وَاتَّبَعْتَ
دِينَ مُحَمَّدٍ؟ قَالَ: لا، أَنَا عَلَى دِينِ مُوسَى
وَاتَّبَعْتُ دِينَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلامُ، قَالَ:
وَلِمَ فَعَلْتَ ذَلِكَ؟ قَالَ: إِنِّي وَجَدْتُ أُمَّةَ
مُحَمَّدٍ يُقَسَّمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلاثَةَ
أَثْلاثٍ: فَثُلُثٌ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ،
وَثُلُثٌ يُحَاسَبُونَ حِسَابًا يَسِيرًا، وَثُلُثٌ يَقُولُ
اللَّهُ لِمَلائِكَتِهِ: قَلِّبُوا عِبَادِي
فَانْظُرُوا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، فَيُقَلِّبُونَهُمْ،
فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا نَرَى ذُنُوبًا كَثِيرَةً وَخَطَايَا
عَظِيمَةً، فَيَقُولُ: قَلِّبُوا عِبَادِي فَانْظُرُوا مَا
كَانُوا يَعْمَلُونَ، فَيُقَلِّبُونَهُمْ إِلَى ثَلاثِ مِرَارٍ
فَيَقُولُ فِي الرَّابِعَةِ: قَلِّبُوا أَلْسِنَتَهُمْ
فَانْظُرُوا مَا كَانُوا يَقُولُونَ فَيُقَلِّبُونَ
أَلْسِنَتَهُمْ فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا نَرَاهُمْ كَانُوا
يُخْلِصُونَ لَكَ لا يُشْرِكُونَ بِكَ شَيْئًا فَيَقُولُ:
عِبَادِي أَخْلَصُوا لِي وَلَمْ يُشْرِكُوا بِي شَيْئًا،
اشْهَدُوا يَا مَلائِكَتِي أَنِّي قَدْ
غَفَرْتُ لِعِبَادِي بِمَا أَخْلَصُوا لِي وَلَمْ يُشْرِكُوا
بِي شَيْئًا، فَقَالَ
(2/789)
الْحَبْرُ لِكَعْبٍ: إِنْ كُنْتَ صَادِقًا
فَأَخْبِرْنِي مَا كِسْوَةُ رَبِّ الْعَالَمِينَ؟ فَقَالَ
كَعْبٌ: وَاللَّهِ لَئِنْ أَخْبَرْتُكَ وَأَخَذَ عَلَيْهِ،
لَتُؤْمِنَنَّ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: رِدَاؤُهُ الْكِبْرُ،
قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: وَقَمِيصُهُ الرَّحْمَةُ سَبَقَتْ،
وَإِزَارُهُ الْعِزَّةُ اتَّزَرَ بِهَا أَوْ قَالَ: اسْتَتَرَ
بِهَا، قَالَ: صَدَقْتَ فَآمَنَ.
- وَحَدَّثَنِي الصَّلْتُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ
صَهْبَانَ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ
فَقَالَتْ: نَعَمْ يَا بُنَيَّ، كُلُّهُمْ مِنْ أَهْلِ
الْجَنَّةِ، السَّابِقُ مَنْ مَضَى عَلَى عَهْدِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَشَهِدَ لَهُ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِالْحَيَاةِ وَالرِّزْقِ، وَالْمُقْتَصِدُ مَنِ اتَّبَعَ
أَثَرَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى لَحِقَ بِهِ، وَالظَّالِمُ
لِنَفْسِهِ مِثْلِي وَمِثْلُكَ وَمَنِ اتَّبَعَنَا،
فَأَلْحَقَتْ نَفْسَهَا بِنَا مِنْ أَجْلِ
الْحَدَثِ الَّذِي أَصَابَهَا.
- أَبُو أُمَيَّةَ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ سِيَاهٍ، عَنْ شَهْرِ
بْنِ حَوْشَبٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ:
سَابِقُنَا سَابِقٌ، وَمُقْتَصِدُنَا نَاجٍ، وَظَالِمُنَا
مَغْفُورٌ لَهُ.
وَحَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ:
السَّابِقُونَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَالْمُقْتَصِدُ رَجُلٌ سَأَلَ عَنْ أَثَارِ
أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَاتَّبَعَهُمْ، وَالظَّالِمُ لِنَفْسِهِ مُنَافِقٌ قُطِعَ
بِهِ دُونَهُمْ، قَالَ يَحْيَى نَرَاهُ، يَعْنِي: أَنَّ
الْمُنَافِقَ أَقَرَّ بِهِ الْمُؤْمِنُ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي
الآيَةِ.
وَحَدَّثَنِي قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ
مُزَاحِمٍ أَنَّهُ قَرَأَ هَذَا الْحَرْفَ {فَمِنْهُمْ
(2/790)
ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} [فاطر: 32] فَقَالَ:
سَقَطَ هَذَا.
قَالَ يَحْيَى: فَلا أَدْرِي أَيَعْنِي مَا قَالَ الْحَسَنُ
أَنَّهُ الْمُنَافِقُ أَمْ، يَعْنِي بِهِ: الْجَاحِدَ.
وَأَخْبَرَنِي عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ:
هُوَ الْجَاحِدُ وَالْمُنَافِقُ.
وَقَالَ: هِيَ فِي سُورَةِ الْوَاقِعَةِ، السَّابِقُونَ هُمُ
السَّابِقُونَ، يَعْنِي: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ}
[الواقعة: 10] قَالَ: مِنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ، وَهُوَ
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ، فَوَصْفُ صِفَتِهِمْ فِي أَوَّلِ
سُورَةِ الْوَاقِعَةِ، وَالْمُقْتَصِدُ أَصْحَابُ الْيَمِينِ،
وَهُوَ الَمْنِزْلُ الآخَرُ فِي سُورَةِ الْوَاقِعَةِ
{وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ} [الواقعة:
27] فَوَصَفَ صِفَتَهُمْ، وَالظَّالِمُ لِنَفْسِهِ أَصْحَابُ
الْمَشْأَمَةِ.
قَالَ يَحْيَى: تَفْسِيرُ النَّاسِ أَنَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ
هُمُ الَّذِينَ يُحَاسَبُونَ حِسَابًا يَسِيرًا، وَهُوَ
الْمُقْتَصِدُ فِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَهُمْ أَصْحَابُ
الْمَنْزِلِ الآخَرِ فِي سُورَةِ الرَّحْمَنِ حَيْثُ يَقُولُ:
{وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} [الرحمن: 62] فَوَصَفَهُمَا
وَمَنْزِلُ السَّابِقِينَ الْمَنْزِلُ الآخَرُ فِي سُورَةِ
الرَّحْمَنِ فِي قَوْلِهِ: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ
جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46] فَوَصَفَهُمَا، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ
عُثْمَانُ، عَنْ قَتَادَةَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {جَنَّاتُ عَدْنٍ} [فاطر: 33] قَدْ
فَسَّرْنَا ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذِهِ السُّورَةِ.
قَوْلُهُ: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ
وَلُؤْلُؤًا} [فاطر: 33] لَيْسَ مِنْ أَهْلِ
(2/791)
الْجَنَّةِ أَحَدٌ إِلا فِي يَدَيْهِ
ثَلاثَةُ أَسْوِرَةٍ: سِوَارٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَسِوَارٌ مِنْ
فِضَّةٍ، وَسِوَارٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ، قَالَ هَاهُنَا: {مِنْ
أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا} [فاطر: 33] وَقَالَ فِي
آيَةٍ أُخْرَى: {وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ} [الإنسان:
21] .
وَحَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْ أَنَّ رَجُلا مِنْ
أَهْلِ الْجَنَّةِ بَدَا سِوَارُهُ لَغَلَبَ عَلَى ضَوْءِ
الشَّمْسِ» .
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} [فاطر:
33] .
- حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي
الْمُهَزِّمِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: دَارُ الْمُؤْمِنِ
دُرَّةٌ مُجَوَّفَةٌ، فِيهَا أَرْبَعُونَ بَيْتًا، فِي
وَسَطِهَا شَجَرَةٌ تُنْبِتُ الْحُلَلَ، وَيَأْخُذُ
بِأُصْبُعِهِ أَوْ قَالَ بِأُصْبُعَيْهِ سَبْعِينَ حُلَّةً
مُنَطَّقَةً بِاللُّؤْلُؤِ وَالْمَرْجَانِ.
وَحَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الأَوْدِيِّ قَالَ: إِنَّ
الْمَرْأَةَ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنَ الْحُورِ
الْعِينِ لَيُرَى مُخُّ سَاقِهَا مِنْ فَوْقِ سَبْعِينَ
حُلَّةً كَمَا يَبْدُو الشَّرَابُ الأَحْمَرُ فِي الزُّجَاجَةِ
الْبَيْضَاءِ.
- قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ
الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ
شَكُورٌ} [فاطر: 34] وَقَدْ فَسَّرْنَاهُ فِي حَدِيثِ
الْخَلِيلِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ
أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُمُ الصِّنْفُ الثَّالِثُ الَّذِي يُوقَفُ
وَيُخْزَى، وَيُعَيَّرُ، ثُمَّ يَتَجَاوَزُ اللَّهُ عَنْهُ
فَيُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ.
(2/792)
وَأَخْبَرَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ،
قَالَ: كَانُوا فِي الدُّنْيَا وَهُمْ مَحْزُونُونَ مِثْلَ
قَوْلِهِ: {إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ}
[الطور: 26] .
وَقَوْلُهُ: {إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر: 34]
غَفَرَ الذَّنْبَ الْكَبِيرَ وَشَكَرَ الْعَمَلَ الْيَسِيرَ.
قَالَ يَحْيَى بَلَغَنِي أَنَّ هَؤُلاءِ أَصْحَابُ
الْكَبَائِرِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {الَّذِي أَحَلَّنَا} [فاطر: 35]
يَعْنِي أَنْزَلَنَا.
{دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا} [فاطر: 35]
قَالَ السُّدِّيُّ: لا يُصِيبُنَا.
{فِيهَا نَصَبٌ} [فاطر: 35] تَعَبٌ.
{وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ} [فاطر: 35] إِعْيَاءٌ.
- وَحَدَّثَنِي خَالِدٌ، عَنْ نُفَيْعٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ
زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، أَنَّ رَجُلا قَالَ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، مَا رَاحَةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيهَا؟
فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
مَهْ، مَهْ، أَوَ هَلْ فِيهَا لُغُوبٌ؟ كُلُّ أَمْرِهِمْ
رَاحَةٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عِنْدَ ذَلِكَ هَذِهِ الآيَةَ:
{لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ}
[فاطر: 35] .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ
جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} [فاطر: 36] .
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: يَعْنِي: لا يَنْزِلُ بِهِمُ الْمَوْتُ
فَيَمُوتُوا.
قَالَ: {وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا} [فاطر: 36]
وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ
إِلا عَذَابًا} [النبأ: 30] .
(2/793)
أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو كَانَ يَقُولُ: مَا نَزَلَ فِي
أَهْلِ النَّارِ آيَةٌ هِيَ أَشَدُّ مِنْ هَذِهِ.
قَالَ: {كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} [فاطر: 36]
حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: {كَذَلِكَ نَجْزِي
كُلَّ كَفُورٍ} [فاطر: 36] كُلَّ كَفِورٍ بِرَبِّهِ.
قَالَ: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا
نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [فاطر: 37]
، أَيْ: أَخْرِجْنَا فَارْدُدْنَا إِلَى الدُّنْيَا نَعْمَلْ
صَالِحًا.
قَالَ اللَّهُ: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ
مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر: 37] النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: نَزَلَتْ فِي الآيَةُ
وَفِيهَا ابْنُ ثَمَانَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَكُلُّ شَيْءٍ
ذَكَرَ اللَّهُ مِنْ كَلامِ أَهْلِ النَّارِ فَهُوَ قَبْلَ
أَنْ يَقُولَ اللَّهُ لَهُمْ: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلا
تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 108] .
{فَذُوقُوا} [فاطر: 37] ، أَيِ: الْعَذَابَ.
{فَمَا لِلظَّالِمِينَ} [فاطر: 37] الْمُشْرِكِينَ.
{مِنْ نَصِيرٍ} [فاطر: 37] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ
اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [فاطر: 38]
غَيْبُ السَّمَوَاتِ مَا يَنْزِلُ مِنَ الْمَطَرِ وَمَا
فِيهَا، وَغَيْبُ الأَرْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ نَبَاتٍ
وَمَا فِيهَا.
{إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [فاطر: 38] كَقَوْلِهِ:
{أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ
(2/794)
الْعَالَمِينَ} [العنكبوت: 10] كَقَوْلِهِ:
{وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} [التغابن: 4]
وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ
فِي الأَرْضِ} [فاطر: 39] خَلَفًا بَعْدَ خَلَفٍ.
{فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ} [فاطر: 39] يُثَابُ
عَلَيْهِ النَّارَ.
{وَلا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلا
مَقْتًا وَلا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلا خَسَارًا}
[فاطر: 39] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ
شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ
أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ} [فاطر: 40] ،
يَعْنِي: فِي الأَرْضِ وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ} [فاطر: 40] فِي خَلْقِ
السَّمَوَاتِ، عَلَى الاسْتِفْهَامِ، أَيْ: لَمْ يَخْلُقُوا
فِيهَا مَعَ اللَّهِ شَيْئًا.
{أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا} [فاطر: 40] فِي مَا هُمْ
عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ.
{فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ} [فاطر: 40] ، أَيْ: لَمْ
يَفْعَلْ كَقَوْلِهِ: {أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ
قَبْلِهِ} [الزخرف: 21] بِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ
{فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ} [الزخرف: 21] .
قَالَ: {بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ} [فاطر: 40]
الْمُشْرِكُونَ.
{بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلا غُرُورًا} [فاطر: 40] ، يَعْنِي:
الشَّيَاطِينَ الَّتِي دَعَتْهُمْ إِلَى عِبَادَةِ الأَوْثَانِ
وَالْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ دَعَا بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَى
ذَلِكَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ
وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا} [فاطر: 41] ، يَعْنِي:
(2/795)
لِئَلا تَزُولا، وَهُوَ تَفْسِيرُ
السُّدِّيِّ.
{وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ
بَعْدِهِ} [فاطر: 41] وَهَذِهِ صِفَةٌ.
يَقُولُ: إِنْ زَالَتَا وَلَنْ تَزُولا.
قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنِي صَاحِبٌ لِي، عَنِ الأَعْمَشِ،
عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ
رَجُلا جَاءَ إِلَيْهِ فَرَأَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ
عَلَيْهِ أَثَرَ السَّفَرِ فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ قَدِمْتَ؟
قَالَ: مِنَ الشَّامِ، قَالَ: فَمَنْ لَقِيتَ؟ قَالَ: لَقِيتُ
فُلانًا وَفُلانًا، قَالَ: وَلَقِيتُ كَعْبَ الأَحْبَارِ،
قَالَ: فَمَا حَدَّثَكَ؟ قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَّ السَّمَوَاتِ
تَدُورُ عَلَى مَنْكِبَيْ مَلَكٍ، قَالَ: لَيْتَكَ افْتَدَيْتَ
مَنْ لَقِيَكَ إِيَّاهُ بِرَاحِلَتِكَ وَرَحْلِكَ، كَذَبَ
كَعْبٌ، إِنَّ اللَّهَ
يَقُولُ: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ
أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ
أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [فاطر:
41] وَقَوْلُهُ: {غَفُورًا} لِمَنْ آمَنَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ
أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى
مِنْ إِحْدَى الأُمَمِ} [فاطر: 42] كَقَوْلِهِ: {وَإِنْ
كَانُوا لَيَقُولُونَ {167} لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ
الأَوَّلِينَ {168} لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ
{169} } [الصافات: 167-169] قَالَ اللَّهُ: {فَلَمَّا
جَاءَهُمْ نَذِيرٌ} [فاطر: 42] مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
{مَا زَادَهُمْ} [فاطر: 42] ذَلِكَ.
{إِلا نُفُورًا} [فاطر: 42] عَنِ الإِيمَانِ.
{اسْتِكْبَارًا فِي الأَرْضِ} [فاطر: 43] عَنْ عِبَادَةِ
اللَّهِ.
{وَمَكْرَ السَّيِّئِ} [فاطر: 43] الشِّرْكِ وَمَا يَمْكُرُونَ
بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَبِدِينِهِ، وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {وَإِذْ يَمْكُرُ
بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الأنفال: 30] .
قَالَ: {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ}
[فاطر: 43] وَهَذَا وَعِيدٌ لَهُمْ.
(2/796)
قَالَ: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا سُنَّةَ
الأَوَّلِينَ} [فاطر: 43] سُنَّةَ اللَّهِ فِي الأَوَّلِينَ
كَقَوْلِهِ: {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي
عِبَادِهِ} [غافر: 85] الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا
كَذَّبُوا رَسُولَهُمْ أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ فَيُؤْمِنُونَ
عِنْدَ نُزُولِ الْعَذَابِ، فَلا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُمْ.
قَالَ: {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا} [فاطر:
43] لا تَبْدَالُ بِهَا غَيْرُهَا.
{وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلا} [فاطر: 43] لا
تُحَوَّلُ وَآخِرُ عَذَابِ كُفَّارِ آخِرِ هَذِهِ الأُمَّةِ
إِلَى النَّفْخَةِ الأُولَى بِالاسْتِئْصَالِ، بِهَا يَكُونُ
هَلاكُهُمْ، وَقَدْ عُذِّبَ أَوَائِلُ مُشْرِكِي هَذِهِ
الأُمَّةِ بِالسَّيْفِ يَوْمَ بَدْرٍ.
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ
فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ
قَبْلِهِمْ} [غافر: 21] ، أَيْ: بَلَى قَدْ سَارُوا، فَلَوْ
تَفَكَّرُوا فِيمَا أَهْلَكَ اللَّهُ بِهِ الأُمَمَ
فَيَحْذَرُوا أَنْ يَنْزِلَ بِهِمْ مَا نَزَلَ بِهِمْ وَكَانَ
عَاقِبَةَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَنْ {دَمَّرَ اللَّهُ
عَلَيْهِمْ} [مُحَمَّد: 10] ثُمَّ صَيَّرَهُمْ إِلَى النَّارِ.
{وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ
لِيُعْجِزَهُ} [فاطر: 44] لِيَسْبِقَهُ.
{مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ} [فاطر: 44]
حَتَّى لا يَقْدِرَ عَلَيْهِ.
{إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا} [فاطر: 44] قَادِرًا.
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ
بِمَا كَسَبُوا} [فاطر: 45] بِمَا عَمِلُوا.
{مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} [فاطر: 45]
لَحَبَسَ عَنْهُمُ الْقَطْرَ فَهَلَكَ مَا فِي الأَرْضِ مِنْ
دَابَّةٍ.
{وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ} [فاطر: 45] ، يَعْنِي:
الْمُشْرِكِينَ.
(2/797)
{إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} السَّاعَةِ بِهَا
يَكُونُ هَلاكُ كُفَّارِ آخِرِ هَذِهِ الأُمَّةِ.
{فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ} [فاطر: 45] السَّاعَةُ.
{فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا} [فاطر: 45] .
(2/798)
|