تفسير يحيى بن سلام

سُورَةُ الصَّافَّاتِ
تَفْسِيرُ سُورَةِ الصَّافَّاتِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا} [الصافات: 1] ، يَعْنِي: صُفُوفَ الْمَلائِكَةِ فِي الصَّلاةِ وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: الْمَلائِكَةُ.
الْفُرَاتُ بْنُ سَلْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: لَيْسَ فِي السَّمَوَاتِ السَّبْعِ مَوْضِعُ شِبْرٍ إِلا عَلَيْهِ مَلَكٌ قَائِمٌ أَوْ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ.
- إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَطَّتِ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ لَيْسَ فِيهَا مَوْضِعُ شِبْرٍ إِلا وَعَلَيْهِ مَلَكٌ قَائِمٌ أَوْ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ» .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا} [الصافات: 2] الْمَلائِكَةُ، وَالرَّعْدُ مَلَكٌ يَزْجُرُ السَّحَابَ وَقَدْ قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ} [الصافات: 19] وَهِيَ النَّفْخَةُ الآخِرَةُ يَنْفُخُ فِيهِ صَاحِبُ الصُّورِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَالتَّالِيَاتِ} [الصافات: 3] ، يَعْنِي: الْمَلائِكَةَ.
{ذِكْرًا} [الصافات: 3] ، يَعْنِي: الْوَحْيَ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ، تَتْلُو الْقُرْآنَ، الْوَحْيَ الَّذِي تَأْتِي بِهِ الأَنْبِيَاءُ.

(2/822)


عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: هَذَا كُلُّهُ الْمَلائِكَةُ، أَقْسَمَ بِهَذَا كُلِّهِ.
{إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ {4} رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ {5} } [الصافات: 4-5] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: لَهَا ثَلاثُ مِائَةٍ وَسِتُّونَ مَشْرِقًا وَثَلاثُ مِائَةٍ وَسِتُّونَ مَغْرِبًا.
وَسَمِعْتُ غَيْرَ سَعِيدٍ يَقُولُ: هِيَ ثَمَانُونَ وَمِائَةُ مَنْزِلَةٍ، تَطْلُعُ كُلَّ يَوْمٍ فِي مَنْزِلَةٍ حَتَّى تَنْتَهِي إِلَى آخِرِهَا، ثُمَّ تَرْجِعُ فِي الثَّمَانِينَ وَمِائَةٍ، فَتَكُونُ ثَلاثَ مِائَةٍ وَسِتِّينَ، فَهِيَ كُلُّ يَوْمٍ فِي مَنْزِلَةٍ.
قَالَ سَعِيدٌ: وَقَالَ قَتَادَةُ: {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} [الرحمن: 17] قَالَ: لَهَا مَشْرِقٌ فِي الشِّتَاءِ، وَمَشْرِقٌ فِي الصَّيْفِ، وَمَغْرِبٌ فِي الشِّتَاءِ، وَمَغْرِبٌ فِي الصَّيْفِ.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} [الشعراء: 28] الْمَشْرِقِ كُلِّهِ وَالْمَغْرِبِ كُلِّهِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ {6} وَحِفْظًا} [الصافات: 6-7] ، أَيْ: وَجَعْلَنَاهَا، يَعْنِي: الْكَوَاكِبَ حِفْظًا لِلسَّمَاءِ.
{مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ} [الصافات: 7] مَرَدَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، أَيِ: اجْتَرَأَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَهُمْ سُرَاةُ إِبْلِيسَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لا يَسْمَعُونَ} [فصلت: 4] ، أَيْ: لِئَلا يَسْمَعُوا.
{إِلَى الْمَلإِ الأَعْلَى} [الصافات: 8] الْمَلائِكَةِ فِي السَّمَاءِ، وَكَانُوا يَسْمَعُونَ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَارًا مِنْ أَخْبَارِ السَّمَاءِ، فَأَمَّا الْوَحْيُ فَلَمْ يَكُونُوا يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يَسْمَعُوهُ وَكَانُوا يَقْعَدُونَ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ، فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنِعُوا مِنْ تِلْكَ الْمَقَاعِدِ.

(2/823)


قَالَ: {لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإِ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ} [الصافات: 8] ، أَيْ: يَرُمُّونَ.
{مِنْ كُلِّ جَانِبٍ} [الصافات: 8] تَفْسِيرُ ابْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: مِنْ كُلِّ مَكَانٍ.
{دُحُورًا} [الصافات: 9] طَرْدًا، يُطْرَدُونَ عَنِ السَّمَاءِ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: مَدْحُورِينَ مَطْرُودِينَ.
حَدَّثَنَا عُبَيْدٌ الصَّيِّدُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيَّ يَقُولُ: كُنَّا قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا نَرَى نَجْمًا يُرْمَى بِهِ، فَبَيْنَمَا نَحْنُ ذَاتَ لَيْلَةٍ إِذِ النُّجُومُ قَدْ رُمِيَ بِهَا، فَقُلْنَا: مَا هَذَا؟ إِنَّ هَذَا لأَمْرٌ حَدَثٌ، فَجَاءَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثَ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ فِي سُورَةِ الْجِنِّ {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا}
[الجن: 9] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ} [الصافات: 9] دَائِمٌ فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} [الصافات: 10] رَجَعَ إِلَى أَوَّلِ الْكَلامِ {وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ {7} لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإِ الأَعْلَى} [الصافات: 7-8] ...
{إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ} [الصافات: 10] اسْتَمَعَ الاسْتِمَاعَةَ كَقَوْلِهِ: {إِلا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ} [الحجر: 18] .
قَالَ: {فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} [الصافات: 10] ، أَيْ: مُضِيءٌ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ثُقُوبُهُ: ضَوْءُهُ.
- يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِذَا رَأَيْتُمُ الْكَوْكَبَ قَدْ رُمِيَ بِهِ فَتَوَارَى فَإِنَّهُ لا يُخْطِئُ، وَهُوَ يَحْرِقُ مَا أَصَابَ وَلا يَقْتُلُ.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ أَنَّهُ يَقْتُلُه فِي أَسْرَعِ مِنَ الطَّرْفِ.

(2/824)


يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ رَجُلٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ أَبِي قَتَادَةَ عَلَى سَطْحٍ فَانْقَضَّ كَوْكَبٌ، فَنَهَانَا أَبُو قَتَادَةَ أَنْ نُتْبِعَهُ أَبْصَارَنَا.
أَبُو سَهْلٍ، عَنْ عَمْرٍو قَالَ: سَأَلَ حَفْصٌ الْحَسَنَ: أَأُتْبِعُ بَصَرِي الْكَوْكَبَ؟ فَقَالَ: قَالَ اللَّهُ: {وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ} [الملك: 5] وَقَالَ: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ} [الأعراف: 185] كَيْفَ نَعْلَمُ إِذَا لَمْ يَنْظُرْ إِلَيْهِ؟ لأُتْبِعَنَّهُ بَصَرِي.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَاسْتَفْتِهِمْ} [الصافات: 11] ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ، أَيْ: فَاسْأَلْهُمْ فِي مَا حَدَّثَنِي سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: فَحَاجَّهُمْ.
{أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا} [الصافات: 11] ، يَعْنِي: السَّمَاءَ فِي قَوْلِ سُفْيَانَ وَمُجَاهِدٍ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: أَمِ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ، وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا {27} رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا {28} } [النازعات: 27-28] إِلَى قَوْلِهِ: {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [النازعات: 30] .
وَقَالَ {لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} [غافر: 57] يَقُولُ: فَاسْأَلْهُمْ عَلَى الاسْتِفْهَامِ، يُحَاجُّهُمْ بِذَلِكَ: أَهُمْ {أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ} [النازعات: 27] فِي قَوْلِ مُجَاهِدٍ، وَفِي قَوْلِ الْحَسَنِ أَمِ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ؟ ، أَيْ: أَنَّهُمَا أَشَدُّ خَلْقًا مِنْهُمْ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا} [الصافات: 11] ، يَعْنِي: بَعْثًا فِي الآخِرَةِ {أَمْ مَنْ خَلَقْنَا} [الصافات: 11] .
قَالَ: {إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ} [الصافات: 11] وَاللَّازِبُ الَّذِي يَلْصَقُ بِالْيَدِ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ.
قَالَ يَحْيَى: يَلْصَقُ وَيَلْزَقُ وَاحِدٌ، هِيَ لُغَةٌ، وَهِيَ تُقَالُ بِالسِّينِ يَلْسِقُ أَيْضًا.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {لازِبٍ} [الصافات: 11] لازِمٌ، وَهُوَ وَاحِدٌ، وَهُوَ الطِّينُ الْحُرُّ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
، يَعْنِي: خَلْقَ آدَمَ، كَانَ أَوَّلُ خَلْقِهِ تُرَابًا، ثُمَّ كَانَ طِينًا، قَالَ: مِنْ تُرَابٍ.
وَقَالَ: {مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ} [الرحمن: 14] وَهُوَ التُّرَابُ الْيَابِسُ الَّذِي يُسْمَعُ لَهُ صَلْصَلَةٌ

(2/825)


فِي مَا
حَدَّثَنِي عُثْمَانُ عَنْ قَتَادَةَ، وَقَالَ: {مِنْ طِينٍ لازِبٍ} [الصافات: 11] وَقَالَ: {مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} [الحجر: 26] ، يَعْنِي: الطِّينَ الْمُنْتِنَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {بَلْ عَجِبْتَ} [الصافات: 12] لَقَدْ عَجِبْتُ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ: {وَيَسْخَرُونَ} [الصافات: 12] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: بَلْ عَجِبْتَ يَا مُحَمَّدُ أَنْ أُعْطِيتَ هَذَا الْقُرْآنَ.
{وَيَسْخَرُونَ} [الصافات: 12] هُمْ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ.
{وَإِذَا ذُكِّرُوا} [الصافات: 13] بِالْقُرْآنِ.
{لا يَذْكُرُونَ {13} وَإِذَا رَأَوْا آيَةً} [الصافات: 13-14] إِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَةٌ.
{يَسْتَسْخِرُونَ} [الصافات: 14] مِنَ السُّخْرِيَةِ.
{وَقَالُوا إِنْ هَذَا} [الصافات: 15] يَعْنُونَ الْقُرْآنَ.
{إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ} [الصافات: 15] بَيِّنٌ أَنَّهُ سِحْرٌ.
{أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ {16} أَوَآبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ {17} } [الصافات: 16-17] قَالُوا هَذَا الاسْتِفْهَامَ، وَهَذَا الاسْتِفْهَامُ عَلَى إِنْكَارٍ، أَيْ: لا نُبْعَثُ وَلا آبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ.
قَالَ اللَّهُ: {قُلْ نَعَمْ} [الصافات: 18] تُبْعَثُونَ جَمِيعًا.
{وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ} [الصافات: 18] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: أَيْ: صَاغِرُونَ.
قَالَ: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ} [الصافات: 19] النَّفْخَةُ الآخِرَةُ.
{فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ} [الصافات: 19] قَدْ خَرَجُوا مِنْ قُبُورِهِمْ يَنْظُرُونَ.
{وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ} [الصافات: 20] يَوْمُ الا ...
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.

(2/826)


سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: يَوْمٌ يُدِينُ اللَّهُ النَّاسَ فِيهِ بِأَعْمَالِهِمْ.
وَتَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: يَوْمُ الْحِسَابِ.
قَالَ: {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} [الصافات: 21] يَوْمُ الْقَضَاءِ، يُقْضَى فِيهِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُشْرِكِينَ، فَيَدْخُلُ الْمُؤْمِنُونَ الْجَنَّةَ، وَيَدْخُلُ الْمُشْرِكُونَ النَّارَ.
قَالَ: {احْشُرُوا} [الصافات: 22] سُوقُوا.
{الَّذِينَ ظَلَمُوا} أَشْرَكُوا.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: سُوقُوا الَّذِينَ كَفَرُوا وَشُرَكَاءَهُمْ مِنَ الشَّيَاطِينِ إِلَى الْحِسَابِ.
قَالَ: {وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات: 22] ، أَيْ: وَأَشْكَالَهُمْ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات: 22] ، يَعْنِي: وَقُرَنَاءَهُمْ مِنَ الشَّيَاطِينِ.
{وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ {22} مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ} [الصافات: 22-23] فَادْعُوهُمْ.
{إِلَى صِرَاطِ} إِلَى طَرِيقِ.
{الْجَحِيمِ}
- حَمَّادٌ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي قَوْلِهِ: {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} [التكوير: 7] قَالَ: يُزَوَّجُ الرَّجُلُ نَظِيرَهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَيُزَوَّجُ الرَّجُلُ نَظِيرَهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، ثُمَّ قَالَ: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ {22} مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ {23} } [الصافات: 22-23] .
تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: أَنَّ كُلَّ قَوْمٍ يُلْحَقُونَ بِصِنْفِهِمْ، وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ.
فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ: يَعْنِي: الشَّيَاطِينَ الَّتِي دَعَتْهُمْ إِلَى عِبَادَةِ الأَوْثَانِ، فَإِنَّمَا عَبَدُوا الشَّيَاطِينَ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا} [الصافات: 22] الشَّيَاطِينَ {وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات: 22] مَنْ عَمِلَ بِأَعْمَالِهِمْ مِنْ بَنِي آدَمَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَاهْدُوهُمْ} [الصافات: 23] تَفْسِيرُ السُّدِّيُّ: فَادْعُوهُمْ.
{إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 23] إِلَى طَرِيقِ الْجَحِيمِ.

(2/827)


وَالْجَحِيمُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ جَهَنَّمَ، وَهُوَ الْبَابُ الْخَامِسُ، وَأَسْمَاءُ أَبْوَابِهَا السَّبْعَةِ: جَهَنَّمُ هُوَ الْبَابُ الأَعْلَى، ثُمَّ لَظًى، ثُمَّ الْحُطَمَةُ، ثُمَّ السَّعِيرُ، ثُمَّ الْجَحِيمُ، ثُمَّ سَقَرٌ، ثُمَّ الْهَاوِيَةُ وَهِيَ الدَّرْكُ الأَسْفَلُ مِنَ النَّارِ، وَهِيَ جَمِيعًا النَّارُ وَجَهَنَّمُ اسْمٌ جَامِعٌ لِتِلْكَ الأَبْوَابِ.
قَالَ: {فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ} [النحل: 29] وَكُلُّ بَابٍ مِنْهَا هُوَ النَّارُ: الأَعْلَى جَهَنَّمُ، ثُمَّ لَظَى، وَالنَّارُ كُلُّهَا لَظَى، قَالَ: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى} [الليل: 14] تَأَجَّجُ، ثُمَّ الْحُطَمَةُ، وَالنَّارُ كُلُّهَا حُطَمَةٌ، تَحْطِمُ عِظَامَهُمْ وَتَأْكُلُ كُلَّ شَيْءٍ إِلا الْفُؤَادَ قَالَ: {كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ} [الهمزة: 4] ثُمَّ السَّعِيرُ، وَالنَّارُ كُلُّهَا سَعِيرٌ سُعِرَ بِهِمْ قَالَ: {وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: 10] ثُمَّ الْجَحِيمُ، وَالنَّارُ كُلُّهَا جَحِيمٌ، قَالَ:
{قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ} [الصافات: 97] فِي النَّارِ، ثُمَّ سَقَرٌ، وَالنَّارُ كُلُّهَا سَقَرٌ قَالَ: {لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ} [المدثر: 28] فَكَذَلِكَ تَفْعَلُ تِلْكَ الأَبْوَابُ كُلُّهَا بِهِمْ، لا تُبْقِي أَجْسَادَهُمْ حِينَ يَدْخُلُونَهَا، وَلا تَذَرُ حِينَ يُجَدَّدُ خَلْقُهُمْ حَتَّى تَأْكُلَ أَجْسَادَهُمْ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} [النساء: 56] ثُمَّ الْهَاوِيَةُ وَالنَّارُ كُلُّهَا هَاوِيَةٌ، يَهْوُونَ فِيهَا: قَالَ: {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ}
[القارعة: 9] غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ الأَنْوَاعَ الَّتِي وَصَفَ بِهَا النَّارَ لِكُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِهَا اسْمٌ مِنْ تِلْكَ الأَنْوَاعِ سُمِّيَتْ بِهِ وَلِكُلِّ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ مَنْزِلٌ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ الَّتِي سُمِّيَتْ بِهَذِهِ الأَسْمَاءِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَقِفُوهُمْ} [الصافات: 24] ، أَيِ: احْبِسُوهُمْ، وَهَذَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلُوا النَّارَ.
{إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [الصافات: 24] عَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ.
{مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ} [الصافات: 25] يُقَالُ لَهُمْ: {مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ} [الصافات: 25] لا يَنْصُرُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: لا يَمْنَعُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا مِنْ دُخُولِ النَّارِ.
قَالَ اللَّهُ: {بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ} [الصافات: 26] اسْتَسْلَمُوا.

(2/828)


قَالَ: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الصافات: 27] الإِنْسُ وَالشَّيَاطِينُ.
{قَالُوا} قَالَتِ الإِنْسُ لِلشَّيَاطِينِ.
{قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَن الْيَمِينِ} [الصافات: 28] وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْكُفَّارُ بِقَوْلِهِ لِلشَّيَاطِينِ.
{إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَن الْيَمِينِ} [الصافات: 28] وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْكُفَّارُ تَقُولُهُ لِلشَّيَاطِينِ.
{إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَن الْيَمِينِ} [الصافات: 28] مِنْ قِبَلِ الدِّينِ فَصَدَدْتُمُونَا عَنْهُ، وَزَيَّنْتُمْ لَنَا الضَّلالَةَ فِي تَفْسِيرِ الْكَلْبِيِّ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: {عَنِ الْيَمِينِ} [الصافات: 28] مِنْ قِبَلِ الْخَيْرِ فَتُثَبِّطُونَنَا عَنْهُ.
وَتَفْسِيرُهُمَا وَاحِدٌ.
قَالُوا قَالَتِ الشَّيَاطِينُ لِلْمُشْرِكِينَ مِنَ الإِنْسِ.
{بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ {29} وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ} [الصافات: 29-30] كَقَوْلِهِ {فَإِنَّكُمْ} [الصافات: 161] يَا بَنِي إِبْلِيسَ {وَمَا تَعْبُدُونَ {161} مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ {162} } [الصافات: 161-162] لَيْسَ لَكُمْ سُلْطَانٌ {إِلا} عَلَى {مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 163] .
{بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ} [الصافات: 30] ، يَعْنِي: ضَالِّينَ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ، تَقُولُهُ الشَّيَاطِينُ لِلْمُشْرِكِينَ مِنَ الإِنْسِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ} [الصافات: 30] مِنْ مَلَكٍ فَنَقْهَرُكُمْ بِهِ عَلَى الشِّرْكِ {بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ} [الصافات: 30] .
{فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا} [الصافات: 31] هَذَا قَوْلُ الشَّيَاطِينِ، وَالْقَوْلُ هَاهُنَا هُوَ قَوْلُهُ: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} [السجدة: 13] صَدَقَ الْقَوْلُ مِنِّي {لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [السجدة: 13] .
قَالَ: {فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ} [الصافات: 31] ، أَيِ: الْعَذَابُ.
{فَأَغْوَيْنَاكُمْ} [الصافات: 32] تَقُولُهُ الشَّيَاطِينُ لِلْمُشْرِكِينَ، أَيْ: فَأَضْلَلْنَاكُمْ.
{إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ} [الصافات: 32] ضَالِّينَ.
قَالَ: {فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [الصافات: 33] يُقْرَنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ هُوَ وَشَيْطَانُهُ

(2/829)


فِي سِلْسِلَةٍ وَاحِدَةٍ.
قَالَ: {إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ} [الصافات: 34] بِالْمُشْرِكِينَ.
{إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} [الصافات: 35] عَنْهَا.
وَيَقُولُونَ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ إِذَا دَعَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الإِيمَانِ.
{أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} [الصافات: 36] يَعْنُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَيْ: لا نَفْعَلُ.
قَالَ اللَّهُ: {بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ} [الصافات: 37] ، يَعْنِي: بِالتَّوْحِيدِ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ} [الصافات: 37] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الأَلِيمِ} [الصافات: 38] الْمُوجِعَ، يَقُولُهُ لِلْمُشْرِكِينَ، يَعْنِي: عَذَابَ جَهَنَّمَ.
قَالَ: {وَمَا تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {39} إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ {40} } [الصافات: 39-40] اسْتَثْنَى الْمُؤْمِنِينَ، وَهُمْ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ وَاحِدٌ.
{أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ} [الصافات: 41] الْجَنَّةُ.
{فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ {42} فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ {43} عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ {44} } [الصافات: 42-44] وَالسُّرُرُ مَرْمُولَةٌ بِالذَّهَبِ وَبِقُضْبَانِ اللُّؤْلُؤِ الرَّطِبِ.
{مُتَقَابِلِينَ} [الصافات: 44] لا يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى قَفَا بَعْضٍ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ فِي الزِّيَارَةِ إِذَا تَزَاوَرُوا.
قَالَ: {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ} [الصافات: 45] وَهِيَ الْخَمْرُ.
{مِنْ مَعِينٍ} [الصافات: 45] وَالْمَعِينُ الْجَارِي الظَّاهِرُ.
{بَيْضَاءَ} [الصافات: 46] ، يَعْنِي: الْخَمْرَ.
{لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ {46} لا فِيهَا غَوْلٌ} [الصافات: 46-47] تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ، لَيْسَ فِيهَا وَجَعُ بَطْنٍ.

(2/830)


{وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} [الصافات: 47] إِذَا شَرِبُوهَا لا تَذْهَبُ عُقُولُهُمْ، لا يَسْكَرُونَ.
{وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} [الصافات: 48] ، يَعْنِي: الأَزْوَاجَ، قُصِرَ طَرْفُهُنَّ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ لا يُرِدْنَ غَيْرَهُمْ.
{عِينٌ} عِظَامُ الْعُيُونِ، الْوَاحِدَةُ مِنْهُنَّ عَيْنَاءُ، وَالْعِينُ جَمَاعَتُهُنَّ، نُسِبْنَ إِلَى عِظَمِ الْعُيُونِ.
وَبَلَغَنِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: شُفْرُ عَيْنِهَا أَطْوَلُ مِنْ جَنَاحِ النِّسْرِ.
{كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} [الصافات: 49] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: لَمْ يُمَرَّثْ وَلَمْ تَمَسَّهُ الأَيْدِي.
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: هِيَ الْقِشْرَةُ الدَّاخِلَةُ.
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: يَعْنِي: بِالْبِيضِ اللُّؤْلُؤِ كَقَوْلِهِ: {وَحُورٌ عِينٌ {22} كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ {23} } [الواقعة: 22-23] فِي أَصْدَافِهِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الصافات: 50] ، يَعْنِي: أَهْلَ الْجَنَّةِ.
{قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ} [الصافات: 51] صَاحِبٌ فِي الدُّنْيَا.
{يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ} [الصافات: 52] عَلَى الاسْتِفْهَامِ.
{أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ} [الصافات: 53] ، يَعْنِي: لَمُحَاسَبُونَ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
، أَيْ: لا نُبْعَثُ وَلا نُحَاسَبُ وَهُمَا اللَّذَانِ فِي سُورَةِ الْكَهْفِ: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ} [الكهف: 32] إِلَى آخِرِ قِصَّتِهِمَا.
{قَالَ} الْمُؤْمِنُ مِنْهُمَا فِي الْجَنَّةِ الَّذِي قَالَ: {كَانَ لِي قَرِينٌ} [الصافات: 51]

(2/831)


{هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ {54} فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ {55} } [الصافات: 54-55] فَرَأَى صَاحِبَهُ.
{فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 55] ، يَعْنِي: فِي وَسَطِ الْجَحِيمِ.
قَالَ قَتَادَةُ: فَوَاللَّهِ لَوْلا أَنَّ اللَّهَ عَرَّفَهُ إِيَّاهُ مَا كَانَ لِيَعْرِفَهُ، لَقَدْ تَغَيَّرَ حَبْرُهُ وَسَبْرُهُ.
- حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَشَدِّ النَّاسِ بَلاءً فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيُقَالُ: اصْبُغُوهُ صِبْغَةً فِي الْجَنَّةِ، فَيُصْبَغُ صِبْغَةً، فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ أَصَابَكَ بُؤْسٌ قَطُّ، هَلْ أَصَابَتْكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ أَوْ كَمَا قَالَ، فَيَقُولُ: لا، وَيُؤْتَى بِأَنْعَمِ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صِبْغَةً، فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ أَصَابَكَ
نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لا ".
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: {إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ} [الصافات: 51] شَيْطَانٌ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ كَعْبًا قَالَ: إِنَّ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَبَيْنَ النَّارِ كُوًى، فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى عَدُوٍّ لَهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ اطَّلَعَ فَرَآهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا} [المطففين: 29] أَشْرَكُوا {كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ {29} وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ {30} وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ {31} } [المطففين: 29-31] ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ {وَإِذَا رَأَوْهُمْ} [المطففين: 32] رَأَوُا الْمُؤْمِنِينَ
{قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ} [المطففين: 32] قَالَ اللَّهُ: {وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ {33} فَالْيَوْمَ} [المطففين: 33-34] ، يَعْنِي: فِي الآخِرَةِ {الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ {34} عَلَى الأَرَائِكِ} [المطففين: 34-35] عَلَى السُّرُرِ {يَنْظُرُونَ {35} هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ {36} } [المطففين: 35-36] .
قَالَ الْحَسَنُ: هَذِهِ وَاللَّهِ الدُّولَةُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ} [الصافات: 56] لَتُبَاعِدُنِي مِنَ اللَّهِ.
قَالَ السُّدِّيُّ: {تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ} [الصافات: 56] ، يَعْنِي: تَاللَّهِ لَقَدْ كِدْتَ تُغْوِينِ.
قَالَ يَحْيَى: يَقُولُهُ الْمُؤْمِنُ لِصَاحِبِهِ.

(2/832)


وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَقُولُهُ الْمُؤْمِنُ لِشَيْطَانِهِ.
{وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي} [الصافات: 57] الإِسْلامُ.
{لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} [الصافات: 57] مَعَكَ فِي النَّارِ.
قَالَ: {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ {58} إِلا مَوْتَتَنَا الأُولَى} [الصافات: 58-59] وَلَيْسَ هِيَ إِلا مَوْتَةٌ وَاحِدَةٌ الَّتِي كَانَتْ فِي الدُّنْيَا كَقَوْلِهِ: {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الأُولَى} [النجم: 50] وَلَمْ يَكُنْ عَادٌ قَبْلَهَا.
{وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} [الصافات: 59] قَالَهُ عَلَى الاسْتِفْهَامِ، وَهَذَا اسْتِفْهَامٌ عَلَى سُرُورٍ، قَدْ أَمِنَ ذَلِكَ.
ثُمَّ قَالَ: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [الصافات: 60] النَّجَاةُ الْعَظِيمَةُ مِنَ النَّارِ إِلَى الْجَنَّةِ.
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لِمِثْلِ هَذَا} [الصافات: 61] ، يَعْنِي: مَا وَصَفَ مِمَّا فِيهِ أَهْلُ الْجَنَّةِ.
{فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} [الصافات: 61] ثُمَّ قَالَ: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ} [الصافات: 62] ، أَيْ: إِنَّهُ خَيْرٌ نُزُلا مِنْ شَجَرَةِ الزَّقُّومِ.
{إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ} [الصافات: 63] لِلْمُشْرِكِينَ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ دَعَا أَبُو جَهْلٍ بِتَمْرٍ وَزُبْدٍ فَقَالَ: تَزَقَّمُوا فَمَا نَعْلَمُ الزَّقُّومَ إِلا هَذَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 64] إِلَى قَوْلِهِ: {ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ {67} ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى الْجَحِيمِ {68} } [الصافات: 67-68] قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنِي صَاحِبٌ لِي عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ} [الصافات: 62] قَالُوا: مَا
نَعْرِفُ هَذِهِ الشَّجَرَةَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزِّبَعْرَى: لَكِنِّي وَاللَّهِ أَعْرِفُهَا، هِيَ شَجَرَةٌ تَكُونُ بِإِفْرِيقِيَّةَ، فَلَمَّا نَزَلَ: {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ {64} طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ {65} } [الصافات: 64-65] قَالُوا مَا يُشْبِهُ هَذِهِ الَّتِي يَصِفُ مُحَمَّدٌ مَا قَالَ ابْنُ الزِّبَعْرَى.

(2/833)


قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنِي أَنَّهَا فِي الْبَابِ السَّادِسِ وَأَنَّهَا تَحْيَا بِلَهَبِ النَّارِ كَمَا يَحْيَا شَجَرُكُمْ بِبَرْدِ الْمَاءِ، قَالَ: فَلا بُدَّ لأَهْلِ النَّارِ مِنْ أَنْ يَنْحَدِرُوا إِلَيْهَا، يَعْنِي: مَنْ كَانَ فَوْقَهَا، فَيَأْكُلُونَ مِنْهَا.
وَقَوْلُهُ: {طَلْعُهَا} [الصافات: 65] ، أَيْ: ثَمَرَتُهَا.
{كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} [الصافات: 65] يُقَبِّحُهَا بِذَلِكَ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: رُءُوسُ الْحَيَّاتِ.
قَالَ: {فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا} [الصافات: 66] مِنَ الشَّجَرَةِ.
{الْبُطُونَ {66} ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا} [الصافات: 66-67] لَمِزَاجًا.
{مِنْ حَمِيمٍ} [الصافات: 67] وَهُوَ الْمَاءُ الْحَارُّ فَيُقَطِّعُ أَمْعَاءَهُمْ، كَقَوْلِهِ: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا} [مُحَمَّد: 15] حَارًّا {فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [مُحَمَّد: 15] وَالْحَمِيمُ: الْحَارُّ الَّذِي لا يُسْتَطَاعُ مِنْ حَرِّهِ.
قَالَ: {ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى الْجَحِيمِ} [الصافات: 68] كَقَوْلِهِ: {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} [الرحمن: 44] قَدِ انْتَهَى حَرُّهُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّهُمْ أَلْفَوْا} [الصافات: 69] وَجَدُوا، أَدْرَكُوا.
{آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ {69} فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ {70} } [الصافات: 69-70] وَالإِهْرَاعُ الإِسْرَاعُ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: يُهْرَعُونَ كَهَيْئَةِ الْهَرْوَلَةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ} [الصافات: 71] قَبْلَ مُشْرِكِي الْعَرَبِ.
{أَكْثَرُ الأَوَّلِينَ} [الصافات: 71] كقوله: {كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ} [الروم: 42] .
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأَوَّلِينَ} [الصافات: 71] ، يَعْنِي: غَوِيَ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأَوَّلِينَ فَكَفَرُوا.

(2/834)


قَالَ: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ} [الصافات: 72] فِي الَّذِينَ قَبْلَهُمْ.
{مُنْذِرِينَ} [الصافات: 72] ، يَعْنِي: الرُّسُلَ، أَيْ: فَكَذَّبُوهُمْ.
{فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ} [الصافات: 73] الَّذِينَ أَنْذَرَهُمُ الرُّسُلُ فَكَذَّبُوهُمْ، كَانَ عَاقِبَتُهُمْ أَنْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ صَيَّرَهُمْ إِلَى النَّارِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} [الصافات: 74] اسْتَثْنَى مَنْ آمَنَ وَصَدَّقَ الرُّسُلَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ} [الصافات: 75] ، يَعْنِي: حَيْثُ دَعَا عَلَى قَوْمِهِ.
{فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ} [الصافات: 75] لَهُ، أَجَبْنَاهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ.
{وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} [الصافات: 76] مِنَ الْغَرَقِ.
{وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} [الصافات: 77] فَالنَّاسُ كُلُّهُمْ وَلَدُ سَامٍ، وَحَامٍ، وَيَافِثٍ.
قَالَ: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ} [الصافات: 78] أَلْقَيْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ الثَّنَاءَ الْحَسَنَ.
{سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ} [الصافات: 79] ، يَعْنِي: مَا كَانَ بَعْدَ نُوحٍ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ، يُقَالُ لِنُوحٍ مِنْ بَعْدِهِ فِي النَّاسِ، وَهَذَا تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ: {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ {80} إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ {81} } [الصافات: 80-81] قَالَ: {ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ} [الصافات: 82] ، يَعْنِي: مَنْ سِوَى الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ.
قَالَ: {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ} [الصافات: 83] يَقُولُ إِنَّ مِنْ أَهْلِ مِلَّةِ نُوحٍ لإِبْرَاهِيمَ.
هَذَا تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ} [الصافات: 83] عَلَى مِنْهَاجِهِ وَسُنَّتِهِ.
{إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الصافات: 84] حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: مِنَ الشِّرْكِ.
{إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ {85} أَئِفْكًا} [الصافات: 85-86] ، أَيْ: كَذِبًا.
{آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ} [الصافات: 86] عَلَى الاسْتِفْهَامِ، أَيْ: قَدْ فَعَلْتُمْ فَعَبَدْتُمُوهُمْ دُونَهُ.

(2/835)


{فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات: 87] ، أَيْ: أَنَّهُ مُعَذِّبُكُمْ.
قَالَ: {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ} [الصافات: 88] ، يَعْنِي: فِي الْكَوَاكِبِ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات: 89] تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: أَنَّهُمْ كَانُوا بِقَرْيَةٍ بَيْنَ الْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ يُقَالُ لَهَا: هُرْمُزُخُرّد، وَكَانُوا يَنْظُرُونَ فِي النُّجُومِ قَالَ: {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ {88} فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ {89} } [الصافات: 88-89] ، أَيْ: مَطْعُونٌ.
{فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ} [الصافات: 90] إِلَى عِيدِهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُمُ اسْتَتْبَعُوهُ لِعِيدِهِمْ فَعَصَبَ رَأْسَهُ وَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ فِي النُّجُومِ إِنِّي سَأُطْعَنُ غَدًا، كَرَاهِيَةَ الذَّهَابِ مَعَهُمْ، وَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَفْعَلَ بِآلِهَتِهِمْ، كَادَهُمْ بِذَلِكَ، وَهِيَ إِحْدَى الْخَطَايَا الثَّلاثِ، قَالَ: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [الشعراء: 82] قَوْلُهُ: {إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات: 89] وَقَوْلُهُ: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} [الأنبياء: 63] وَقَوْلُهُ
لِسَارَّةَ: إِنْ سَأَلُوكِ فَقُولِي إِنَّكِ أُخْتِي.
قَالَ: {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ} [الصافات: 93] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: أَيْ: فَمَالَ عَلَيْهِمْ، عَلَى آلِهَتِهِمْ.
{ضَرْبًا بِالْيَمِينِ} [الصافات: 93] فَكَسَّرَهَا إِلا كَبِيرَهُمْ، وَقَدْ فَسَّرْنَاهُ فِي سُورَةِ الأَنْبِيَاءِ.
قَالَ: {فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ} [الصافات: 94] إِلَى إِبْرَاهِيمَ.
{يَزِفُّونَ} [الصافات: 94] تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: يَبْتَدِرُونَهُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: {يَزِفُّونَ} [الصافات: 94] يُرْعِدُونَ غَضَبًا.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: الْخُيَلاءَ.
{قَالَ} لَهُمْ إِبْرَاهِيمُ.
{أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} [الصافات: 95] ، يَعْنِي: أَصْنَامَهُمْ.
{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96] بِأَيْدِيكُمْ، أَيْ: خَلَقَكُمْ وَخَلَقَ ذَلِكَ الَّذِي

(2/836)


تَنْحِتُونَ.
حَدَّثَنَاهُ سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ.
قَالَ: {ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا} [الصافات: 97] يَقُولُهُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ.
{فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ} [الصافات: 97] ، أَيْ: فِي النَّارِ.
قَالَ الْحَسَنُ: فَجَمَعُوا الْحَطَبَ زَمَانًا حَتَّى إِنَّ الشَّيْخَ الْكَبِيرَ الَّذِي لَمْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ قَبْلَ ذَلِكَ زَمَانًا كَانَ يَجِيءُ بِالْحَطَبِ، فَيُلْقِيهِ يَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى آلِهَتِهِمْ فِيمَا يَزْعُمُ، ثُمَّ جَاءُوا بِإِبْرَاهِيمَ، فَأَلْقَوْهُ فِي تِلْكَ النَّارِ.
قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنِي أَنَّهُمْ رَمَوْا بِهِ فِي الْمَنْجَنِيقِ، فَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ مَا صُنِعَ الْمَنْجَنِيقُ.
فَقَالَ اللَّهُ: {يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا} [الأنبياء: 69] سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَيْخٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: فَكَادَتْ تَقْتُلُهُ مِنَ الْبَرْدِ، فَقِيلَ: {وَسَلامًا} لا تَضُرُّهُ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ كَعْبًا، قَالَ: مَا انْتَفَعَ بِهَا يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، وَمَا أَحْرَقَتْ مِنْهُ يَوْمَئِذٍ إِلا وَثَاقَهُ.
عَمَّارٌ، عَنْ أَبِي هِلالٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا أَرَادُوا أَنْ يُلْقُوهُ فِي النَّارِ جَاءَتْ عَامَّةُ الْخَلِيقَةِ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ: يَا رَبِّ، خَلِيلُكَ يُلْقَى فِي النَّارِ، فَأْذَنْ لَنَا نُطْفِئُ عَنْهُ، فَقَالَ: هُوَ خَلِيلِي لَيْسَ لِي فِي الأَرْضِ خَلِيلٌ غَيْرُهُ، وَأَنَا إِلَهُهُ لَيْسَ لَهُ إِلَهٌ غَيْرِي، فَإِنِ اسْتَغَاثَكُمْ فَأَغِيثُوهُ وَإِلا فَدَعُوهُ.
قَالَ فَجَاءَ مَلَكُ الْقَطْرِ فَقَالَ: يَا رَبِّ خَلِيلُكَ يُلْقَى فِي النَّارِ، فَأْذَنْ لِي أُطْفِئُ عَنْهُ بِالْقَطْرِ، قَالَ: هُوَ خَلِيلِي لَيْسَ لِي فِي الأَرْضِ خَلِيلٌ غَيْرُهُ، وَأَنَا إِلَهُهُ، لَيْسَ لَهُ إِلَهٌ غَيْرِي، فَإِنِ اسْتَغَاثَكَ فَأَغِثْهُ وَإِلا فَدَعْهُ، قَالَ: فَأُلْقِيَ فِي النَّارِ، فَقَالَ اللَّهُ: {يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء: 69] قَالَ: فَبَرَدَتْ عَلَى أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، فَمَا

(2/837)


أُنْضِجَ بِهَا يَوْمَئِذٍ كُرَاعٌ.
- سَعِيدٌ أَبُو أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أُمِّ سِيَابَةَ الأَنْصَارِيَّةِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا، أَنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا أُلْقِيَ فِي النَّارِ كَانَتِ الدَّوَابُّ كُلُّهَا تُطْفِئُ عَنْهُ النَّارَ غَيْرَ الْوَزَغَةِ، فَإِنَّهَا كَانَتْ تَنْفُخُ عَلَيْهِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهَا.
قَالَ: {فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا} [الصافات: 98] تَحْرِيقَهُمْ إِيَّاهُ.
{فَجَعَلْنَاهُمُ الأَسْفَلِينَ} [الصافات: 98] فِي النَّارِ.
{وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الصافات: 99] الطَّرِيقَ، يَعْنِي: الْهِجْرَةَ، هَاجَرَ مِنْ أَرْضِ الْعِرَاقِ إِلَى أَرْضِ الشَّامِ.
قَالَ قَتَادَةُ: وَكَانَ يُقَالُ أَنَّ الشَّامَ عِمَادُ دَارِ الْهِجْرَةِ.
- هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ، فَخِيَارُ أَهْلِ الأَرْضِ عَلَى مُهَاجِرِ إِبْرَاهِيمَ حَتَّى لا يَبْقَى عَلَى ظَهْرِهَا إِلا شِرَارُ أَهْلِهَا، تَلْفِظُهُمْ أَرْضُوهُمْ وَتَقْذَرُهُمْ نَفْسُ اللَّهِ، وَتَحْشَرُهُمُ النَّارُ مَعَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ» .
قَالَ: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات: 100] قَالَ: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ {101} فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} [الصافات: 101-102] تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: أَدْرَكَ سَعْيَهُ سَعْيَ إِبْرَاهِيمَ فِي الشَّدِّ وَشَبَّ.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: بَلَغَ مَعَهُ سَعْيَ الْعَمَلِ، يَعْنِي: قِيَامَ الْحُجَّةِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: الْمَشْيَ.
{قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات: 102] قَالَ: {فَلَمَّا أَسْلَمَا} [الصافات: 103] أَسْلَمَ إِبْرَاهِيمُ نَفْسَهُ لِيَذْبَحَ ابْنَهُ، وَأَسْلَمَ ابْنُهُ وَجْهَهُ لِلَّهِ لِيَذْبَحَهُ أَبُوهُ.

(2/838)


{وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [الصافات: 103] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: وَكَبَّهُ لِلْقِبْلَةِ لِيَذْبَحَهُ.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: أَضْجَعَهُ لِيَذْبَحَهُ وَأَخَذَ الشَّفْرَةَ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: وَذَلِكَ عِنْدَ جَمْرَةِ الْوُسْطَى.
- قَالَ يَحْيَى: حَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ الْغَنَوِيِّ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: عِنْدَ الْجَمْرَةِ الْوُسْطَى تَلَّهُ لِلْجَبِينِ، وَعَلَى إِسْمَاعِيلَ قَمِيصٌ أَبْيَضُ، قَالَ: يَا أَبَتِ، إِنَّهُ لَيْسَ لِي ثَوْبٌ تُكَفِّنُنِي فِيهِ غَيْرَ هَذَا فَاخْلَعْهُ حَتَّى تُكَفِّنَنِي فِيهِ.
قَالَ: {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ {104} قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} [الصافات: 104-105] وَهَذَا وَحْيُ مُشَافَهَةٍ مِنَ الْمَلَكِ، نَادَاهُ بِهِ الْمَلَكُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.
{أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ {104} قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ {105} إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ {106} } [الصافات: 104-106] النِّعْمَةُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْكَ مَنَّ اللَّهِ إِذْ لَمْ تَذْبَحِ ابْنَكَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: مُتَقَبَّلٍ، وَهُوَ إِسْمَاعِيلُ.
- حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ الْغَنَوِيِّ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: فَالْتَفَتَ إِبْرَاهِيمُ فَإِذَا هُوَ بِكَبْشٍ أَبْيَضَ، أَعْيَنَ، أَقْرَنَ، فَذَبَحَهُ.
حَمَّادٌ، عَنِ الْمُبَارَكِ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: أَنَّ الَّذِي فَدَى إِسْحَاقَ.
- حَمَّادٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ابْنُ إِبْرَاهِيمَ الَّذِي أَرَادَ ذَبْحَهُ هُوَ إِسْحَاقُ.
الْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُوَ إِسْحَاقُ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: بُشِّرَ إِبْرَاهِيمُ بِإِسْحَاقَ مَرَّتَيْنِ: مَرَّةً حَيْثُ وُلِدَ، وَبُشِّرَ أَنَّهُ سَيَكُونُ نَبِيًّا، ذَكَرَ كَيْفَ رَأَى فِي الْمَنَامِ أَنْ يَذْبَحَهُ، وَكَيْفَ كَانَ أَرَادَ ذَبْحَهُ، وَكَيْفَ فُدِيَ، فَقَصَّ قِصَّتَهُ، ثُمَّ قَالَ: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا} [الصافات: 112] ، أَيْ: وَبَشَّرْنَاهُ بِهِ نَبِيًّا، أَيْ: بِأَنَّهُ نَبِيٌّ.

(2/839)


قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ} [الصافات: 78] ، أَيْ: وَأَبْقَيْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ الثَّنَاءَ الْحَسَنَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: وَسَنَّ يُفْتَدَى بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
{سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ {109} كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ {110} إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ {111} وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ {112} وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ} [الصافات: 109-113] مُؤْمِنٌ.
{وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ} [الصافات: 113] مُشْرِكٌ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ} [الصافات: 114] بِالنُّبُوَّةِ.
{وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} [الصافات: 115] مِنْ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ.
{وَنَصَرْنَاهُمْ} [الصافات: 116] عَلَى آلِ فِرْعَوْنَ.
{فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ} [الصافات: 116] وَكَانَا شَرِيكَيْنِ فِي الرِّسَالَةِ، وَكَانَ مُوسَى أَفْضَلَهُمَا {وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ} [الصافات: 117] التَّوْرَاةَ.
{وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الصافات: 118] الإِسْلامُ، الطَّرِيقُ إِلَى الْجَنَّةِ.
{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا} [الصافات: 119] ، أَيْ: وَأَبْقَيْنَا عَلَيْهِمَا.
{فِي الآخِرِينَ} [الصافات: 78] الثَّنَاءَ الْحَسَنَ.
{سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ {120} إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ {121} } [الصافات: 120-121] {إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ} [الصافات: 122] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ {123} إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ {124} أَتَدْعُونَ بَعْلا} [الصافات: 123-125] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: أَتَدْعُونَ رَبًّا غَيْرَ اللَّهِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: أَتَدْعُونَ {أَتَدْعُونَ بَعْلا} [الصافات: 125] ، يَعْنِي: رَبًّا.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: كَانَ اسْمُ صَنَمِهِمْ بَعْلا.
{وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ} [الصافات: 125] مَنْ قَرَأَهَا بِالنَّصْبِ {وَاللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ} [الصافات: 126] .

(2/840)


يَقُولُ: {أَتَدْعُونَ بَعْلا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ {125} وَاللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ {126} } [الصافات: 125-126] قَالَ: {فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} [الصافات: 127] فِي النَّارِ.
{إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} [الصافات: 74] اسْتَثْنَى اللَّهُ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ.
قَالَ: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ} [الصافات: 78] ، أَيْ: وَأَبْقَيْنَا عَلَى آلِ يَاسِينَ فِي الآخِرِينَ الثَّنَاءَ الْحَسَنَ.
{سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ} [الصافات: 130] مَنْ قَرَأَهَا مَوْصُولَةً يَقُولُ هُوَ اسْمُهُ الْيَاسِينُ وَالْيَاسُ، وَمَقْرَأُ الْحَسَنِ: سَلامٌ عَلَى الْيَاسِينَ قَالَ: يَعْنِيهِ، أَيْ: وَمَنْ آمَنَ مِنْ أُمَّتِهِ.
{إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ {80} إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ {81} } [الصافات: 80-81] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ {133} إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ {134} إِلا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ {135} } [الصافات: 133-135] غَبَرَتْ، أَيْ: بَقِيَتْ فِي عَذَابِ اللَّهِ، وَقَدْ فَسَّرْنَا كَيْفَ كَانَ هَلاكُهُمْ فِي غَيْرِ هَذَا مَوْضِعٍ.
{وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ} [الصافات: 137] عَلَى مَنَازِلِهِمْ.
{مُصْبِحِينَ} [الصافات: 137] ، أَيْ: نَهَارًا.
{وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [الصافات: 138] يَقُولُهُ لِلْمُشْرِكِينَ يُحَذِّرُهُمْ أَنْ يَنْزِلَ بِهِمْ مَا نَزَلَ بِهِمْ.
قَالَ: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ {139} إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ {140} } [الصافات: 139-140] الْمُوَقَّرُ بِأَهْلِهِ، فَرَّ مِنْ قَوْمِهِ إِلَى الْفُلْكِ، وَكَانَ فِيمَا عَهِدَ يُونُسُ إِلَى قَوْمِهِ أَنَّهُمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا أَتَاهُمُ الْعَذَابُ، وَجَعَلَ الْعِلْمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمِهِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَيْنِ

(2/841)


أَظْهُرِهِمْ، وَأَنْ يَفْقِدُوهُ، فَخَرَجَ مُغَاضِبًا لِقَوْمِهِ، مُكَايِدًا لِدِينِ رَبِّهِ، وَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وَقَالَ: فَخَرَجَ حَتَّى رَكِبَ السَّفِينَةَ، فَلَمَّا رَكِبَهَا قَامَتْ فَلَمْ تَسِرْ، قَالَ أَهْلُ السَّفِينَةِ: إِنَّ فِيكُمْ لَمُذْنِبًا، قَالَ: فَتَسَاهَمُوا، فَقَرَعَ يُونُسُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات: 141] مِنَ الْمَقْرُوعِينَ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْمَسْهُومِينَ.
فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى الْحُوتِ {فَالْتَقَمَهُ} [الصافات: 142] هَذَا تَفْسِيرُ الْحَسَنِ.
قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ يُونُسَ دَعَا قَوْمَهُ زَمَانًا إِلَى اللَّهِ، فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ وَأَبَوْا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنَّ الْعَذَابَ يَأْتِيهِمْ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، فَلَمَّا دَنَا الْوَقْتُ تَنَحَّى عَنْهُمْ فَلَمَّا كَانَ قَبْلَ الْوَقْتِ بِيَوْمٍ جَاءَ فَجَعَلَ يَطُوفُ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ يَبْكِي وَيَقُولُ: غَدًا يَأْتِيكُمُ الْعَذَابُ، فَسَمِعَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَانْطَلَقَ إِلَى الْمَلِكِ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ يُونُسَ يَبْكِي وَيَقُولُ: غَدًا يَأْتِيكُمُ الْعَذَابُ، فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ
الْمَلِكُ دَعَا قَوْمَهُ فَأَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ وَقَالَ: إِنْ كَانَ هَذَا حَقًّا فَسَيَأْتِيكُمُ الْعَذَابُ غَدًا، فَاجْتَمِعُوا حَتَّى نَنْظُرَ فِي أَمْرِنَا، فَاجْتَمَعُوا.
فَخَرَجُوا مِنَ الْمَدِينَةِ مِنَ الْغَدِ فَنَظَرُوا فَإِذَا بِظُلْمَةٍ وَرِيحٍ شَدِيدَةٍ وَقَدْ أَقْبَلَتْ نَحْوَهُمْ فَعَلِمُوا أَنَّهُ الْحَقُّ، فَفَرَّقُوا بَيْنَ الصِّبْيَانِ وَبَيْنَ أُمَّهَاتِهِمْ، وَبَيْنَ الْبَهَائِمِ وَبَيْنَ أُمَّهَاتِهَا، وَلَبِسُوا الشَّعَرَ، وَجَعَلُوا التُّرَابَ وَالرَّمَادَ عَلَى رُءُوسِهِمْ تَوَاضُعًا لِلَّهِ وَتَضَرَّعُوا إِلَيْهِ، وَبَكَوْا، وَآمَنُوا، فَصَرَفَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْعَذَابَ، وَاشْتَرَطَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ أَلا يَكْذِبَ أَحَدٌ كَذِبَةً إِلا قَطَعُوا لِسَانَهُ، وَجَاءَ يُونُسُ مِنَ الْغَدِ،
فَنَظَرَ فَإِذَا الْمَدِينَةُ عَلَى حَالِهَا، وَإِذَا النَّاسُ دَاخِلُونَ وَخَارِجُونَ، فَقَالَ: أَمَرَنِي رَبِّي أَنْ أُخْبِرَ قَوْمِي أَنَّ الْعَذَابَ يَأْتِيهِمْ فَلَمْ يَأْتِهِمْ، فَكَيْفَ أَلْقَاهُمْ؟ فَانْطَلَقَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ، فَإِذَا بِسَفِينَةٍ فِي الْبَحْرِ، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ، فَأَتَوْهُ، فَحَمَلُوهُ وَلا يَعْرِفُونَهُ، فَانْطَلَقَ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ السَّفِينَةِ، فَتَقَنَّعَ وَرَقَدَ، فَمَا مَضَوْا إِلا قَلِيلا حَتَّى جَاءَتْهُمْ رِيحٌ كَادَتِ السَّفِينَةُ تَغْرَقُ فَاجْتَمَعَ أَهْلُ السَّفِينَةِ
وَدَعَوُا اللَّهَ ثُمَّ قَالُوا: أَيْقِظُوا الرَّجُلَ يَدْعُو اللَّهَ مَعَنَا، فَفَعَلُوا، فَرَفَعَ اللَّهُ عَنْهُمْ تِلْكَ الرِّيحَ، ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى مَكَانِهِ فَرَقَدَ، فَجَاءَتْ رِيحٌ كَادَتِ السَّفِينَةُ تَغْرَقُ، فَأَيْقَظُوهُ وَدَعَوُا اللَّهَ، فَارْتَفَعَتْ فَتَفَكَّرَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ فَقَالَ:

(2/842)


هَذَا مِنْ خَطِيئَتِي أَوْ قَالَ: مِنْ ذَنْبِي أَوْ كَمَا قَالَ.
فَقَالَ لأَهْلِ السَّفِينَةِ: شُدُّونِي وَثَاقًا وَأَلْقُونِي فِي الْبَحْرِ فَقَالُوا: مَا كُنَّا لِنَفْعَلَ وَحَالُكَ حَالُكَ، وَلَكِنْ نَقْتَرِعُ فَمَنْ أَصَابَتْهُ الْقُرْعَةُ أَلْقَيْنَاهُ فِي الْبَحْرِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمَّا رَكَدَتِ السَّفِينَةُ فَلَمْ تَسِرْ، لَفَّ نَفْسَهُ فِي كِسَائِهِ وَأَرَادَ أَنْ يَطْرَحَ نَفْسَهُ فِي الْبَحْرِ فَقَالُوا: لا، وَلَكِنَّا نَقْتَرِعُ، فَمَنْ أَصَابَتْهُ الْقُرْعَةُ أَلْقَيْنَاهُ فِي الْبَحْرِ، فَاقْتَرَعُوا، فَأَصَابَتْهُ الْقُرْعَةُ فَقَالَ: قَدْ أَخْبَرْتُكُمْ، فَقَالُوا: مَا كُنَّا
لِنَفْعَلَ، وَلَكِنِ اقْتَرِعُوا، فَاقْتَرَعُوا الثَّانِيَةَ فَأَصَابَتْهُ الْقُرْعَةُ، ثُمَّ اقْتَرَعُوا الثَّالِثَةَ، فَأَصَابَتْهُ الْقُرْعَةُ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات: 141] ، أَيْ: مِنَ الْمَقْرُوعِينَ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مِنَ الْمَسْهُومِينَ، أَيْ: وَقَعَ السَّهْمُ عَلَيْهِ.
فَانْطَلَقَ إِلَى صَدْرِ السَّفِينَةِ لَيُلْقِيَ نَفْسَهُ فِي الْبَحْرِ، فَإِذَا هُوَ بِحُوتٍ فَاتِحٍ فَاهُ، فَانْطَلَقَ إِلَى ذَنَبِ السَّفِينَةِ، فَإِذَا هُوَ بِالْحُوتِ فَاتِحًا فَاهُ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى جَنْبِ السَّفِينَةِ، فَإِذَا هُوَ بِالْحُوتِ فَاتِحًا فَاهُ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى الْجَنْبِ الآخَرِ فَإِذَا هُوَ بِالْحُوتِ فَاتِحًا فَاهُ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَلْقَى نَفْسَهُ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى الْحُوتِ: لا تَأْكُلْ عَلَيْهِ وَلا تَشْرَبْ، وَقَالَ: إِنِّي لَمْ أَجْعَلْهُ لَكَ رِزْقًا وَلَكِنِّي جَعَلْتُ بَطْنَكَ
لَهُ سِجْنًا، فَمَكَثَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ} [الأنبياء: 87] كَمَا قَالَ اللَّهُ: {أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87] .
قَالَ اللَّهُ: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ} [الأنبياء: 88] وَالظُّلُمَاتُ: ظُلْمَةُ اللَّيْلِ، وَظُلْمَةُ الْبَحْرِ وَظُلْمَةُ بَطْنِ الْحُوتِ.
قَالَ: {وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء: 88] .
فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى الْحُوتِ أَنْ يُلْقِيَهُ إِلَى الْبَرِّ.
قَالَ اللَّهُ: {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ} [الصافات: 145] وَهُوَ ضَعِيفٌ مِثْلُ الصَّبِيِّ، فَأَصَابَتْهُ حَرَارَةُ الشَّمْسِ، فَأَنْبَتَ اللَّهُ عَلَيْهِ {شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ} [الصافات: 146] وَهِيَ الْقَرْعُ، فَأَظَلَّتْهُ فَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ يَبُسَتْ فَحَزِنَ عَلَيْهَا، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: أَحَزِنْتَ عَلَى هَذِهِ الشَّجَرَةِ وَأَرَدْتَ أَنْ أُهْلِكَ مِائَةَ أَلْفٍ مِنْ خَلْقِي أَوْ يَزِيدُونَ؟ أَيْ: بَلْ يَزِيدُونَ.
قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنَا أَنَّهُمْ كَانُوا عِشْرِينَ وَمِائَةَ أَلْفٍ، فَعَلِمَ عِنْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدِ ابْتُلِيَ، فَانْطَلَقَ فَإِذَا هُوَ بِذَوْدٍ مِنْ غَنَمٍ، فَقَالَ لِلرَّاعِي: اسْقِنِي لَبَنًا، فَقَالَ: مَا هَاهُنَا شَاةٌ لَهَا

(2/843)


لَبَنٌ، فَأَخَذَ شَاةً مِنْهَا فَمَسَحَ بِيَدِهِ عَلَى ظَهْرِهَا فَدَرَّتْ، فَشَرِبَ مِنْ لَبَنِهَا، فَقَالَ لَهُ الرَّاعِي: مَنْ أَنْتَ يَا عَبْدَ اللَّهِ لِتُخْبِرْنِي، قَالَ: أَنَا يُونُسُ، فَانْطَلَقَ الرَّاعِي إِلَى قَوْمِهِ فَبَشَّرَهُمْ بِهِ، فَأَخَذُوهُ وَجَاءُوا مَعَهُ إِلَى مَوْضِعِ الْغَنَمِ، فَلَمْ
يَجِدُوا يُونُسَ، فَقَالُوا: إِنَّا قَدْ شَرَطْنَا لِرَبِّنَا أَلا يَكْذِبَ مِنَّا أَحَدٌ إِلا قَطَعْنَا لِسَانَهُ، فَتَكَلَّمَتِ الشَّاةُ بِإِذْنِ اللَّهِ فَقَالَتْ: قَدْ شَرِبَ مِنْ لَبَنِي، وَقَالَتْ شَجَرَةٌ كَانَ اسْتَظَلَّ تَحْتَهَا: قَدِ اسْتَظَلَّ بِظِلِّي، فَطَلَبُوهُ، فَأَصَابُوهُ، فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ فَكَانَ فِيهِمْ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَكَانُوا بِمَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا: نِينَوَى مِنْ أَرْضِ الْمَوْصِلِ، وَهِيَ عَلَى دِجْلَةَ.
- حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ: فِي دِجْلَةَ رَكِبَ السَّفِينَةَ، وَفِيهَا الْتَقَمَهُ الْحُوتُ ثُمَّ أَفْضَى بِهِ إِلَى الْبَحْرِ، فَدَارَ فِي الْبَحْرِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى دِجْلَةَ، ثُمَّ نَبَذَهُ بِالْعَرَاءِ، فَأُرْسِلَ إِلَيْهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ.
قَالَ: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} [الصافات: 147] بَلْ يَزِيدُونَ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ الْحَسَنُ: فَأَعَادَ اللَّهُ لَهُ الرِّسَالَةَ، فَآمَنُوا عَنْ آخِرِهِمْ، لَمْ يَشِذَّ مِنْهُمْ أَحَدٌ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} [الصافات: 147] قَبْلَ أَنْ يَلْتَقِمَهُ الْحُوتُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَهُوَ مُلِيمٌ} [الصافات: 142] مُذْنِبٌ، فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ.
قَالَ: {فَلَوْلا} [الصافات: 143] ، يَعْنِي: فَلَوْمَا.
{أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} [الصافات: 143] يَقُولُ مِنَ الْمُصَلِّينَ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ: {لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات: 144]
حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُصَلِّينَ فِي الرَّخَاءِ قَبْلَ ذَلِكَ، قَالَ: وَيُقَالُ: إِنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ يَقِي الرَّجُلَ مَصَارِعَ السُّوءِ.

(2/844)


- حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُسْتَجَابَ لَهُ فِي الضَّرَّاءِ، فَلْيُكْثِرِ الدُّعَاءَ، التَّسْبِيحَ، فِي السَّرَّاءِ.
أَبُو أُمَيَّةَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} [الصافات: 143] قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ مَا هُوَ بِالْمُسَبِّحِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا الْتَقَمَهُ الْحُوتُ أَنْشَأَ يَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَيَدْعُو اللَّهَ.
وَقَوْلُهُ: {لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات: 144] لَكَانَ بَطْنُ الْحُوتِ لَهُ قَبْرًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ} [الصافات: 145] قَدْ فَسَّرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا.
{وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ {146} وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ {147} } [الصافات: 146-147] بَلْ يَزِيدُونَ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ، وَقَدْ فَسَّرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا.
قَالَ: {فَآمَنُوا} [الصافات: 148] وَقَدْ فَسَّرْنَا كَيْفَ كَانَ إِيمَانُهُمْ فِي أَوَّلِ حَدِيثِهِمْ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [الصافات: 148] إِلَى الْمَوْتِ، إِلَى آجَالِهِمْ وَلَمْ يُهْلِكْهُمْ بِالْعَذَابِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَاسْتَفْتِهِمْ} [الصافات: 149] فَاسْأَلْهُمْ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ.
{أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ} [الصافات: 149] وَذَلِكَ لِقَوْلِهِمْ أَنَّ الْمَلائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ.
قَالَ: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ} [النحل: 62] البنات {وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى} [النحل: 62] الْغِلْمَانُ {لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ} [النحل: 62] .
قَالَ: {أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ} [الصافات: 150] لِخَلْقِهِمْ، أَيْ: لَمْ نَفْعَلْ وَلَمْ يَشْهَدُوا خَلْقَهُمْ.
وَهُوَ كَقَوْلِهِ: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} [الزخرف: 19] ،

(2/845)


أَيْ: لَمْ يَشْهَدُوا خَلْقَهُمْ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ: {أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ} [الصافات: 151] مِنْ كَذِبِهِمْ.
{لَيَقُولُونَ {151} وَلَدَ اللَّهُ} [الصافات: 151-152] ، أَيْ: وَلَدَ الْبَنَاتِ يَعْنُونَ الْمَلائِكَةَ.
قَالَ: {وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ {152} أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ {153} } [الصافات: 152-153] اخْتَارَ الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينِ، أَيْ: لَمْ يَفْعَلْ.
{مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ {154} أَفَلا تَذَكَّرُونَ {155} أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ {156} } [الصافات: 154-156] حُجَّةٌ بَيِّنَةٌ عَلَى الاسْتِفْهَامِ.
{فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ} [الصافات: 157] الَّذِي فِيهِ حُجَّتُكُمْ.
{إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} أَنَّ الْمَلائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ، أَيْ: لَيْسَ لَهُمْ بِذَلِكَ حُجَّةٌ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ} [الصافات: 156] ، يَعْنِي: أَمْ لَكُمْ حُجَّةٌ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ مَعَ اللَّهِ شَرِيكًا فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُمْ حُجَّةٌ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا} [الصافات: 158] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَتِ الْيَهُودُ إِنَّ اللَّهَ صَاهِرٌ الْجِنَّ فَكَانَتْ مِنْ بَيْنِهِمُ الْمَلائِكَةُ.
قَالَ اللَّهُ: {وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ} [الصافات: 158] الْجِنَّ.
{إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} [الصافات: 158] مُدْخَلُونَ فِي النَّارِ.
{سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الصافات: 159] يُنَزِّهُ نَفْسَهُ، {عَمَّا يَصِفُونَ} [الصافات: 159] يَكْذِبُونَ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَالَ مُشْرِكُو الْعَرَبِ: إِنَّهُ صَاهِرٌ الْجِنَّ، وَقَالَ: الْجِنُّ صِنْفٌ مِنَ الْمَلائِكَةِ، فَكَانَتْ لَهُمْ مِنْهُمْ بَنَاتٌ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} [الصافات: 160] الْمُؤْمِنِينَ.
وَهَذا مِنْ مَقَادِيمِ الْكَلامِ.
قَالَ: {وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} [الصافات: 158] الْحِسَابُ فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ.

(2/846)


قَالَ: إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ، يَعْنِي: الَّذِينَ جَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ نَسَبًا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ {161} مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ {162} إِلا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ {163} } [الصافات: 161-163] أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ: {مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ} [الصافات: 162] قَالَ: يَا بَنِي إِبْلِيسَ إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكُمْ سُلْطَانٌ إِلا عَلَى مَنْ هُوَ صَالِي الْجَحِيمِ.
قَالَ يَحْيَى: وَسَمِعْتُ مَنْ يَقُولُ: {مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ} [الصافات: 162] مَا أَنْتُمْ بِمُضِلِّي أَحَدٍ عَلَى إِبْلِيسَ إِلا مَنْ هُوَ صَالِي الْجَحِيمِ، قُدِّرَ لَهُ أَنَّهُ صَالِي الْجَحِيمِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {فَإِنَّكُمْ} [الصافات: 161] ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ {وَمَا تَعْبُدُونَ} [الصافات: 161] ، يَعْنِي: مَا عَبَدُوا.
{مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ} [الصافات: 162] عَلَى مَا تَعْبُدُونَهُ بِمُضِلِّينَ إِلا مَنْ هُوَ صَالِي الْجَحِيمِ، مَنْ قُدِّرَ لَهُ أَنْ يَصْلَى الْجَحِيمَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ {164} وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ {165} وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ {166} } [الصافات: 164-166] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: هَذَا قَوْلُ الْمَلائِكَةِ يُنَزِّهُونَ اللَّهَ عَمَّا قَالَتِ الْيَهُودُ حَيْثُ جَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ نَسَبًا، وَيُخْبِرُونَ بِمَكَانِهِمْ فِي السَّمَوَاتِ فِي صُفُوفِهِمْ وَتَسْبِيحِهِمْ وَهُوَ قَوْلُهُ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا} [الصافات: 1] لَيْسَ فِي السَّمَوَاتِ مَوْضِعُ شِبْرٍ إِلا وَعَلَيْهِ مَلَكٌ
قَائِمٌ، أَوْ رَاكِعٌ، أَوْ سَاجِدٌ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ} [الصافات: 164] ، يَعْنِي: مَكَانٌ مَعْلُومٌ يَعْبُدُ اللَّهَ فِيهِ، وَهُمُ الْمَلائِكَةُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ} [الصافات: 167] ، يَعْنِي: قُرَيْشًا.
{لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الأَوَّلِينَ} [الصافات: 168] تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ، يَعْنِي: خَبَرًا مِنَ الأَوَّلِينَ.

(2/847)


قَالَ يَحْيَى: مِثْلُ كِتَابِ مُوسَى وعِيسَى.
{لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} [الصافات: 169] الْمُؤْمِنِينَ.
قَالَ اللَّهُ: {فَكَفَرُوا بِهِ} [الصافات: 170] بِالْقُرْآنِ.
{فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الصافات: 170] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ {171} إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ {172} } [الصافات: 171-172] فِي الدُّنْيَا وَبِالْحُجَّةِ فِي الآخِرَةِ.
{وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات: 173] تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: لَمْ يُقْتَلْ مِنَ الرُّسُلِ أَصْحَابِ الشَّرَائِعِ أَحَدٌ قَطُّ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ} [الصافات: 174] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: نَسَخَهَا الْقِتَالُ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٍ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] .
قَالَ: {وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} [الصافات: 175] ، أَيْ: فَسَوْفَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ.
قَالَ: {وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} [الصافات: 175] تَفْسِيرُ الْحَسَنِ أَنَّهُ، يَعْنِي: النَّفْخَةُ الأُولَى بِهَا يَهْلِكُ كُفَّارُ آخِرِ هَذِهِ الأُمَّةِ الدَّائِنِينَ بِدِينِ أَبِي جَهْلٍ وَأَصْحَابِهِ.
- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: إِنِّي لَرَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ يَوْمَ فَتَحْنَا خَيْبَرَ، إِنَّ سَاقِي لَتُصِيبُ سَاقَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَخِذِي فَخِذَهُ، فَلَمَّا أَشْرَفْنَا عَلَى خَيْبَرَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ، فَأَخَذْنَاهَا عَنْوَةً» .
قَالَ يَحْيَى: كَانَ سَعِيدٌ يَذْكُرُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ مِنَ السُّورَةِ، أَظُنُّهُ رَجَعَ إِلَى قِصَّةِ الْيَهُودِ فِي قَوْلِهِ: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا} [الصافات: 158] .
- حَدَّثَنَا أَشْعَثُ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاةَ الْفَجْرِ بِغَلَسٍ، فَقَرَأَ بِأَقْصَرِ سُورَتَيْنِ فِي الْقُرْآنِ، ثُمَّ رَكِبَ وَرَكِبْنَا مَعَهُ، وَأَنَا رَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ، وَالرِّيحُ تَكْشِفُ عَنْ سَاقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتُصِيبُ سَاقِي سَاقَهُ، وَفَخِذِي فَخِذَهُ، فَلَمَّا أَتَيْنَا خَيْبَرَ قَالَتِ

(2/848)


الْيَهُودُ: مُحَمَّدٌ وَاللَّهِ وَالْخَمِيسُ، وَالْخَمِيسُ الْجَيْشُ، فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ» قَالَ: فَأَصَبْنَاهَا عَنْوَةً.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ} [الصافات: 178] ، يَعْنِي: إِلَى حِينِ آجَالِهِمْ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ قَتَادَةُ: نَسَخَهَا الْقِتَالُ، هِيَ مِثْلُ الأُولَى.
{وَأَبْصِرْ} [الصافات: 179] انْتَظِرْ.
{فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} [الصافات: 175] فَسَوْفَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ.
{سُبْحَانَ رَبِّكَ} [الصافات: 180] يُنَزِّهُ نَفْسَهُ.
{رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الصافات: 180] عَمَّا يَكْذِبُونَ.
{وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ} [الصافات: 181] ، يَعْنِي: الثَّنَاءَ الْحَسَنَ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات: 182]
- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ: بِمَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْتِمُ صَلاتَهُ؟ قَالَ: بِهَذِهِ الآيَةِ: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ {180} وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ {181} وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {182} } [الصافات: 180-182] وَذَكَرَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
- حَدَّثَنَا أَبُو الْجَارُودِ الْكُوفِيُّ، عَنِ الأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكْتَالَ بِالْمِكْيَالِ الأَوْفَى، فَلْيَقُلْ فِي دُبُرِ صَلاتِهِ: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ {180} وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ {181} وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {182} } [الصافات: 180-182] .

(2/849)