معاني القرآن وإعرابه للزجاج

ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3)

سُورَةُ المُنَافِقِينَ
(مدنية)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1)
أَكْذَبَهمْ فيما تَعتقده قلوبُهمْ، وفي أنهم يحلفون باللَّهِ إنهم لمنكم.
ويحلفون بالله ما قالوا، ولقد قالوا كلمة الكفر.
* * *

وقوله: (اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2)
أي سُتْرةً يستترون بها منه، ودليل ذلك أَنهم حَلَفوا على ما وصفنا.
وقد قرئت: (اتَّخَذُوا إِيْمَانَهُمْ) بكسر الهمزة -
أي إظْهَارَهُم الإيمَانَ (جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ).
* * *
وقوله: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ

(3)
وقرئت فَطَبَع على قلوبِهِم. ورويت فَطَبَعَ الله على قلوِبهم.
والقراءة المعروفة المجمع عليها ههنا فَطُبِعَ، على ما لم يسمَّ فاعله.
ويجوز في العربيَّةِ فطبعْ عَّلى قلوبهِمْ على إدغام العين في العين لأنهما من مخرج واحد، ولاجتماع الحركات لأنه يجتمع لسِت حَرَكاتٍ، ومن ترك الإدغام فلأن الحرفين

(5/175)


وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5)

من كلمتين وأن العين من الحلق وحروف الإدغام في حروف الفم أَكثر منها
ْفي حروف الحلق نحو مدَّ وشَدَّ وقَرَّ وَرَدَّ وأكثر مِنْ بَابِ دَعَّهُ يُدعُّه.
* * *

وقوله عزَّ وجلَّ: (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4)
كَأنه وصفهم بتمام الصوَرِ وَحُسْنِ الإِبَانة، ثم أعلم أنهم في تركهم
التَّفهُّمَ والاستبصار بمنزلة الخشب فقال: (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ).
ويقرأ (خُشْبٌ مُسَنَّدَةٌ) بإسْكانِ الشِين.
فمن قرأ بإسكان الشين فهو بمنزلة بَدَنةٍ وَبُدْنٍ.
ومن قال خَشُب - بضم الشين - فهو بمنزلة ثَمَرَةَ وَثُمُر.
ويجوز (خَشَبٌ مُسَنَّدَةٌ)، فلا تقرأ بها إلا أَن تثبت بها رواية، وخشبة وخَشَبٌ مثل شجرة وشَجَر.
وقوله: (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ).
وصفهم اللَّه تَعَالى بِالجُبْنِ، ويكون أمر كل من خاطب النبي عليه
السلام فإنَّمَا يخاطبه في أمرهم بكشف نِفَاقِهِمْ.
وقوله: (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ).
أَي هم العدو الأدنى، فاحذرهم لأنهم كانوا أَعداء النبي - صلى الله عليه وسلم - ويظهرون أَنَّهم مَعَهُ.
وقوله - عزَّ وجلَّ -: (قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ).
ومعنى (أَنَّى يُؤْفَكُونَ) من أين يصرفون عن الحق إلى الباطل.
* * *

قوله: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5)
قرأ أَبو عمرٍو يَسْتَغْفِر لَّكُمْ - بإدغام الراء في اللام - وهي عند سيبويه لا
تجوز، وقد بيَّنَّا ذلك في سورة الصف.

(5/176)


وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10)

وقوله: (لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ).
على فَعَّلُوا، وَقُرِئَتْ (لَوَوْا رُءُوسَهُمْ) بالتخفيف.
وهذه قيل إنها نزلت في عبد اللَّه بن أُبَيٍّ.
* * *

وقوله: (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7)
هذه أيضاً نزلت في عبد الله بن أُبَيٍّ.
وذلك أنه قال لقوم ينفقون على بعض من مع رسول اللَّه: لا تنفقوا عليهم حتى ينفَضُوا عنه.
ْ (وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ).
أَي أن اللَّه يرزقهم وهو رازقهم في حال إنفاق هؤلاء عليهم.
* * *

وقوله عزَّ وجلَّ: (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8)
يعنون أَيضاً عبد الله بنَ أُبَيٍّ.
فأعلم اللَّه أَنه مظهر دينه على الدين كله ومعزٌّ رسوله ومن معه من المؤمنين فقال: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ).
* * *

وقوله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9)
حَضهم الله على إدامة الذِكر له وأن لا يضنوا بأموالهم فقال:

(وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10)
أي من قبل أن يُعاين ما يعلم معه أَنَه مَيَت.
(فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ).

(5/177)


فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ
وقرئت (فَأَصَّدَّقَ وَأكونَ من الصالحين).
فجاء في التفسير أنهُ ما قَصَّر أحدٌ في الزكاة أو في الحج إلا سأل الكرة.
فمن قال (فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ).
(فَأَصَّدَّقَ) جواب (لَوْلَا أَخَّرْتَنِي) ومعناه هلَّا أَخَّرْتَنِي.
وجزم (وَأَكُنْ) على موضع (فَأَصَّدَّقَ)، لأنه على معنى إن أَخرتني أصَّدَّق وأكن من الصالحين.
ومن قرأ وأكونَ فهو على لفظ (فَأَصَّدَّقَ) وَأَكونَ (1).
__________
(1) قال السَّمين:
قوله: {وَأَكُن}: قرأ أبو عمروٍ «وأكونَ» بنصب الفعل عطفاً على «فأصَّدَّقَ» و «فأصَّدَّقَ» منصوبٌ على جوابِ التمني في قوله: «لولا أَخَّرتني» والباقون «وأكُنْ» مجزوماً، وحُذِفَتِ الواوُ لالتقاء الساكنين. واختلفت عبارات الناس في ذلك، فقال الزمخشري: «عطفاً على محلِّ» فأصَّدَّقَ «كأنه قيل: إنْ أخَّرْتَني أصَّدَّقْ وأكنْ». وقال ابنُ عطية: «عطفاً على الموضع؛ لأنَّ التقديرَ: إنْ أخَّرتني أصَّدَّقْ وأكن، هذا مذهب أبي علي الفارسي: فأمَّا ما حكاه سيبويه عن الخليلِ فهو غيرُ هذا وهو أنه جزمٌ على توهُّمِ الشرطِ الذي يَدُلُّ عليه التمني، ولا موضعَ هنا لأن الشرطَ ليسَ بظاهرٍ، وإنما يُعْطَفُ على الموضع حيث يَظْهَرُ الشرطُ كقولِه: {مَن يُضْلِلِ الله فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ} [الأعراف: 186] فمَنْ جَزَمَ عَطَفه على موضع {فَلاَ هَادِيَ لَهُ} لأنه لو وقع موقعَه فِعْلٌ لانجزم» انتهى. وهذا الذي نَقَله عن سيبويهِ هو المشهورُ عند النَّحويين. ونَظَّر سيبويه ذلك بقول زهير:
4268 بَداليَ أني لَسْتُ مُدْرِكَ ما مَضَى. . . ولا سابقٍ شيئاً إذا كان جائيا
فخفضَ «ولا سابقٍ» عطفاً على «مُدْرِكَ» الذي هو خبر ليس على توهُّمِ زيادةِ الباء فيه؛ لأنه قد كَثُرَ جَرُّ خبرِها بالباء المزيدة، وهو عكسُ الآيةِ الكريمةِ؛ لأنه في الآية جُزِمَ على توهُّمِ سقوط الفاء، وهنا خُفِضَ على تَوَهُّمِ وجودِ الباءِ، ولكنَّ الجامعَ توهُّمُ ما يَقْتضي جوازَ ذلك، ولكني لا أُحِبُّ هذا اللفظَ مستعملاً في القرآن، فلا يُقال: جُزم على التوهُّم، لقُبْحه لفظاً. وقال أبو عبيد: «رأيتهُ في مصحف عثمان» وأكُنْ «بغير واوٍ. وقد فَرَّق الشيخ بين العطفِ على الموضعِ والعطفِ على التوهُّمِ بشيءٍ فقال:» الفرقُ بينهما: أنَّ العاملَ في العطف على الموضع موجودٌ، وأثرُه مفقودٌ، والعاملُ في العطفِ على التوهُّمِ مفقودٌ، وأثرُه موجودٌ «انتهى. قلت: مثالُ الأول:» هذا ضاربُ زيدٍ وعمراً «فهذا من العطفِ على الموضع، فالعاملُ وهو» ضارب «موجودٌ، وأثرُه وهو النصبُ مفقودٌ. ومثالُ الثاني ما نحن فيه؛ فإنَّ العاملَ للجزمِ مفقودٌ، وأثُره موجودٌ. وأَصْرَحُ منه بيتُ زهير فإنَّ الباءَ مفقودةٌ وأثُرها موجودٌ، ولكن أثرَها إنما ظهر في المعطوفِ لا في المعطوفِ عليه، وكذلك في الآية الكريمة. ومن ذلك بيتُ امرىء القيس:
4269 فظلَّ طُهاةُ اللحمِ مِنْ بينِ مُنْضِجٍ. . . صَفيفِ شِواءٍ قَديرٍ مُعَجَّلِ
فإنهم جعلوه مِن العطفِ على التوهُّم؛ وذلك: أنه توهَّم أنه أضاف» منضج «إلى» صَفيف «، وهو لو أضافَه إليه لَجَرَّه فعطفَ» قدير «على» صفيف «بالجرِّ تَوَهماً لجرِّه بالإِضافة. /
وقرأ عبيد بن عمير» وأكونُ «برفع الفعل على الاستئناف، أي: وأنا أكونُ، وهذا عِدَةٌ منه بالصَّلاح.
اهـ (الدُّرُّ المصُون).

(5/178)


خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3)

سُورَةُ التَّغَابُن
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مكية ما خلا ثلاث آيات نزِلت بالمدينة، وهي من آخرها
قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ. . .) إلى آخرها.
وقيل إن
الصحيح أنها مدنية كلها.
* * *

قوله عزَّ وجلَّ: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (2)
خلقكم في بطون أمهاتكم كفاراً ومؤمنين، وجاء في التفسير أن يحيى
عليه السلام خلق في بطن أُمِّه مؤمناً، وخلق فرعون في بطن أُمِّه كافراً، ودليل ما في التفسير قوله عزَّ وجلَّ: (فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39).
فأعلم اللَّه يُعالى أنه مخلوق كذلك، وجائز أن يكون
(خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ)
أي مؤمن بأن اللَّه خلقه وكافِر بأن اللَّه خلقه.
ودليل ذلك أقوله سبحانه،: (قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19).
وقال: (أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37).
* * *

وقوله: (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3)
ويقرٍأ (صِوَرَكم) بكسر الصادِ، وصُورَة يجمِع صُوَراً مثل غُرْفَةَ وَغُرَف.
ورُشْوَة ورُشى، ويجمع أيضاً صِوَر مثل رِشْوة وَرِشَى وفُعَل وفِعَل أختان، قالوا

(5/179)


يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)

حٌلًى وحِلًى، ولِحىً وَلُحىً جمع لحية.
ومعنى (أَحسَنَ صُورَكم) خلقكم أحسن الحَيَوَانِ كلِّه.
والدليل على ذلك أن الإنسان لا يُسَرُّ بأن يكون صورته على غير
صورة الآدميين، فالإنسان أحسن الحيوان.
وقيل أيضاً فأحسن صوركم من أَرَادَ اللَّه أَن يكون أبيض كان أبيض، ومن أراد أنْ يكون أَسودَ كان أَسْوَدَ ومن أَراد أَن يكون دَمِيماً كان دَمِيماً أَو تاماً كان تامًّا.
فأحسن ذلك - عزَّ وجلَّ - وأَتى من كل صورةِ بكل صنف على إرادته.
* * *

وقوله: (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (5)
أي وذاقوا في الدنيا عظيم السطوات وَلَهُمْ في الآخرةِ عَذَابٌ أَلِيمٌ.
ثم أعلم اللَّه عزَّ وجلَّ بِمَ نَزَلَ بِهِمْ ذَلِكَ فقال:

(ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (6)
فأعلم اللَّه - عزَّ وجلَّ - أنه نزل بهم العذاب في الدنيا وأنه ينزلً بِهِمْ في
الآخرة بكفرهم.
* * *
وقوله: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ

(8)
أي وبالقرآن الذي هو نًورٌ وكتابٌ مبِينٌ.
* * *

وقوله: (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)
(يَوْمَ) مَنصوبٌ بقوله (لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ) يوم الجمع.
ويوم التغابن يومَ يغبن أَهلُ الجنَّةِ أَهلَ النَّارِ، ويغبن من ارتفعت منزلته في الجنة من كان في دُونِ مَنْزِلَتِه.
وضرب ذلك مثلاً للشَراءِ والبيعِ كما قال: (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ)
وقال في موضع آخر: (فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16).
وذلك في الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضلالة بالهدى.

(5/180)


فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16)

وقوله: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11)
معناه إلا بِأمر اللَّه، وقيل أَيضاً إلا بعلم اللَّه.
وقوله: (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ).
وَيُسَلِّمُ في وقت المصيبة لأمر الله يهد قلبه يجعله مهتدياً.
وقُرِئت (يَهْدَ قلبُه)، تَأويل هَدَأَ قَلْبُه يهدأ إذا سكن، ويكون على طرح الهِمزة، ويكون في الرفع يَهْدَا قلبه - غير مهموز - وفي - الجزم: مَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدَ قَلْبُهُ، بطرح الألف للجزم، ويكون التأويل إذا سَلَّمَ لأمر اللَّه سَكَنَ قَلْبُه.
* * *

وقوله: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16)
هذه رخصة لقوله: (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ).
وقوله: (وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ)
أَي قدموا خَيراً لأنفسكم من أموالكم.
(وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ).
ويجوز (ومن يُوَقَّ شُحَّ نَفْسِهِ)، ولا أعلم أحداً قرأ
بها فلا تقرأن بها إلَّا أن تثبت رواية في قراءتها.
(فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)
معناه الظافرون بالفَوْزِ والخَيْرِ.
* * *
قوله: (إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ).
جاء في التفسير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا أَمر بالهجرة مِنْ مَكة إلى المدينة أَرَادَ قَومٌ الهِجْرَةَ فقال لهم أَزْوَاجُهُم وأَوْلَادُهُمْ: قد صبرنا لكم على مفارقة الدين، ولا نصبر لكم على مفارقتكم ومفارقة الأموال والمساكن فأعلم اللَّه تعالى أن من كان بهذه الصورة فهو عَدُوٌّ، وإن كان وَلَداً أو كانت زوجة.
ثم أمر عزَّ وجل بالعَفْو والصَّفْح فقال:
(وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

(5/181)


عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)

ثم أَعلم أن الأموال والأولاد مما يفتتن به فقال:
(إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15)
(فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ).
أي ما أمكنكم الجهاد والهجرة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فَلاَ يَفْتننكُمْ الميل إلى الأموال والأوْلَادِ عن ذلك.
* * *

(إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17)
فَاقترض عزَّ وجلَّ مما رزق وأعطى تفضلاً وامتحاناً.
(وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ).
يَشْكُر لكم ما عملتم وَيحْلُم عنكم عند استِحقَاقِكم العقوبَةَ على ذنوبِكمْ.
* * *

(عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)
يعلم ما تُكُِّه الصدورُ " مما لا تعلمه الحفظة، ويعلم ما تسقط من وَرَقَةٍ
وما قَطَر مِنْ قَطْرِ المَطَرِ.

(5/182)


يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1)

سُورَةُ الطَّلاق
(مدنية)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمن الرَّحِيمِ

قوله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1)
هذا خطاب للنبي عليه السلام والمؤمنون داخلون معه في الخطاب.
ومعناه إن أردتم الطلاق كما قال: (إذَا قمْتمْ إلى الصَّلَاةِ) معناه إذا أرَدْتم
القيام إلَى الصلاة.
وقوله: (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ).
فطلاق السنة المجْتَمَع عَلَيْه في قول مَالِك أَن يطلق الرجل امْرَأَته طَاهِراً
من غير جماع تطليقة واحدة، ثم يتركها إذا أراد المقام على فراقها ثَلَاثَ
حِيَض، فإذا طعنت في الحيضة الثالثة فلا يملك رجعتها، ولكن إن شاء
وشاءت أن يجددا نكاحاً جَدِيداً كان ذلك لهما لأن معنى:
(لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا)
أَي بعد الطلاق الواحد.
فإذا طلقها ثلاثاً في وقت واحد فلا معنى في قوله:
(لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا).
وإنما تفسيره الرجعة، أعني إذا وقع الثلاث في وقت واحدٍ، وهذا قول مالك - رحمه الله -
وقال أهل العراق إن طلقها طاهراً من غير جماع ثم أوقع عند كل حيضة تطليقة فهو أيضاً عندهم طلاق السنة، وأن فعل ما قال مالك فهو عندهم سنة أيْضاً.
وقال الشافعي إذا طلَّقها طَاهِراً من غير جماع فهو مطلق للسنة أيضاً طلق واحدة أَو ثلاثاً، وهذا يسقط معه إذا كان ثلاثاً.

(5/183)


وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4)

قوله: (لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا).
وقد جاء التشديد فيمن تعدى طلاق السنة، فقال:
(ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ).
وقال: (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ).
يعني بحدود اللَّه حدود طلاق السنة وما ذَكَرَ مع الطلاق.
وقوله: (وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ).
ويقرأ (مُبَيَّنَةٍ).
فجعل للمطلقات السكنى، وقيل إن خروجهن من بُيوتهِنَّ فاحشة.
وقيل الفاحشة المبينة الزنا.
ودليل هذا القول قوله: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ)، يعني الزنا. وقيل أَيضاً: (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) زنا أو سَرق أَو شربُ خَمْر.
وقيل كل ما يجب فيه الحد فهو فاحشة.
* * *

قوله: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)
معناه يجعل له مخرجاً من الحرام إلى الحلال، وقيل أيضاً من النار إلى
الجنَّة ويرْزُقْه مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبْ مَعْنَاهُ - وَاللهُ أَعْلَمُ - أنه إذا اتقَى اللَّهَ وآثَرَ الحلال والصبر على أهله إن كان ذَا ضَيْقَةٍ فتح الله عليه ورزقه من حيث لا يحتسب.
وجائز أن يكون إذا اتقى الله في طلاقه، وآثر ما عند اللَّه وجرى في
ذلك على السُّنَّةِ رزقه الله أهلاً بَدَل أهله.

وقوله: (إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)
(إِنَّ اللَّهَ بَالِغٌ أَمْرَهُ)
وتقرأ (بَالِغُ أَمْرِهِ)، أي إِن اللَّه بالغ ما يُرِيدُ.
وقرئت إنَّ اللَّهَ بَالِغ أمْرُهُ، على رفع الأمر بِبَالِغ، أَي إنَّ اللَّهَ يبلغ أَمره وينفذ.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا).
وقَدَراً، أَي ميقاتاً وَأَجَلًا.
* * *

وقوله: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4)

(5/184)


قيل في بعض التفسير إِنهم سألوا فقالوا: قد عرفنا عدةَ التي تحيض.
فما عدةُ التي لا تحيض والتي لم تحض؟
فقيل إن ارتبتم، أي إذا ارتبتم فعدتهن ثَلَاثَةُ أشْهُرٍ.
والذي يذهب إليه مالك، واللغةُ تدل عليه أن معناه إِن ارتبتم في حيضها وقد انقطع عنها الحيض وكانت ممن يحيض مثلها فعدتها ثلاثة أشهُرٍ، وذلك بعد أن تترك تسعة أشْهُرٍ بمقدار الحمل، ثم تعتد بعد ذلك
ثلاثة أشهر، فإن حاضت في هذه الثلاثة الأشْهُرِ تمت ثلاث حِيَض.
وجائز أن يتأخر هذا الحيض فيكون كلما قاربت أن تخرج من الثلاثة حاضت، فهذا مذهب مالك وهو الذي يروى عن عمر رحمه اللَّه.
وقال أهل العراق تترك ولو بلغت في ذلك أكثر من ثلاثين سنةً ولو بلغت
إلى السبعين، يعنون حتى تبلغ مبلغ من لا يحيض، وقالوا: ولو شاء اللَّه
لابتلاها بأكثر من ذلك، وكذلك في قوله:
(وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) معناه عند مالك معناه إِن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر، واليائسة عند مالك وغيره بإجماع التي قد يئست من المحيض فلا ارتياب في أمرها أنها لا تحيض تعتد ثلاثة أشهر.
ولم يأتِ في القرآن النَّصُّ عَلَى ذلك، ولكن في القرآن دليل عليه
وأنا أبَيِّنُه إن شاء الله.
فأمَّا الصغيرة التي لا يُوطأ مثلها فإن دخل بها ووطئها مكانَهُ فإنما عقرها (1).
ولا عدةَ عند مالك عليها، إلا أن يكون مثلها يَسْتقيم أَن يُوطَأ وإنما هي عنده
في عداد من لم يُدخَلْ بها.
والذي في القرآن يدل على أن اليائسة التي لا يُرتاب فيها يجب أن تعتد ثلاثة أشهر لقوله: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ)
فمعناه واللائي لَا يَحِضْن فعدتهن ثلاثة أَشْهُرٍ، فقياس اللائي لا يحضن قياس اللائي لم يحضن
__________
(1) قال في اللسان:
وفي الحديث فيما روى الشعبي ليس على زانٍ عُقْرٌ أَي مَهْر وهو للمُغْتَصَبةِ من الإِماء كمَهْرِ المثل للحُرَّة وفي الحديث فأَعْطاهم عُقْرَها قال العُقْرُ بالضم ما تُعْطاه المرأَة على وطء الشبهة وأَصله أَن واطئ البِكْر يَعْقِرها إِذا اقْتَضَّها فسُمِّيَ ما تُعْطاه للعَقْرِ عُقْراً ثم صار عامّاً لها وللثيّب وجمعه الأَعْقارُ. اهـ (لسان العرب. 4/ 591)

(5/185)


أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6)

فلم يحتج إلى ذكر ذلك.
وإذا كان عدة المرتاب بها ثلاثة أشهر فالتي لا يرتاب بها أولى بذلك.
قوله تعالى: (وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ).
معناه أجلهن في الانقطاع فيما بينهن وبين الأزواج أن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ.
* * *

وقوله: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6)
(مِنْ وُجْدِكُمْ)
ويقرأ (من وِجْدِكم)، يقال وَجَدْتً في المال وُجْداً، أَي صرت ذا مالٍ.
وَوِجداً وَجِدَةً، وَوَجَدْتُ الضَّالَّةَ وِجْدَاناً وَوَجَدْتُ على فلانٍ وَجْداً، ووجَدْت عليه مَوْجِدَةً.
فأوجب اللَّه تعالى السُّكْنَى حتى تنقضِيَ العِدةُ.
والسكنى والنفقة على الزوج إذا طلق طلاق السنة إلى أن تأتي ثلاث حِيَضٍ، فإذا أَبَتَّ الطلاقَ قبل انقضاء العِدةِ فعليه النفقة والسكنى في قول أهل العراق، وعليه السكنى في مذهب مالك والشافعي، فأما الحاملِ فعليه النفقة لها، وذا في القرآن نص بقوله تعالى:
(وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ).
وقوله: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ).
أي فأعطوهن أجْرَةَ رِضَاعهنَّ.
(وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ).
قيل في التفسير إنه الكسوةُ والدِّثَار، والمعروف - واللَّه أعلم - أن لا
يقصِّر الرجلُ في نفقة المرضع التي ترضع ولَدَه إذا كانت هي والدتَه لأن
الوالدَةَ أَرأف بولدها من غيرها به، فلا تقصرُ في رضاعه والقيام بشأنه، فحق
كل واحد منهما أن يأتمر في الولد بمعروف.
(وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى).

(5/186)


فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا (9)

معناه فليرضع الوالد غير والِدَةِ الصبِى، وهذا خبر في مَعْنى الأمْرِ لأن
لفظ. . (فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى) لفظ الخبر ومعناه فليرضع.
ومثله في لفظ الخبر ومعنى الأمر قوله:
(وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ)
معناه ولْيُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ.
* * *

قوله: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7)
أَمَرَ أهل التوسِعَةِ أن يُوَسِّعوا على نسائهم المرْضِعَاتِ أَوْلَادَهنَّ على قدر
سعتِهن.
(وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ).
أي مَن كان رزقه بمقدار القوت فلينفق على قدر ذلك، كما قال:
(عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ).
(لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا)
أي إلا ما أعطاها.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا).
أعلم الله المؤمنين أنهم وَإن كانوا في حالٍ ضَيِّقَةٍ، وقيل كان الغالب
على أكثرهم في ذلك الوقت في عهد رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - الفقر والفاقةُ فأعلمهم عز وجل أنه سَيوسِرُ المسلمون - ففتح الله عليهم بعد ذلك وجعل يُسراً بعد عُسْرٍ.
* * *

وقوله عزَّ وجلَّ: (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا (8)
أي عجلنا لها العذاب، وَمَعناه: عتا أهلها فحاسبنا أهلها وَعَذَّبْنَاهُم.
* * *

وقوله: (فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا (9)
أَي ثِقْلَ عاقبةَ أَمرها.

(5/187)


رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا (11)

(وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا)
يعني في الآخرة وهو قوله:

(أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10)
يعني بعد ذلك الذي نزل بِهِم في الدنيا.
ثم وعظ الله هذه الأمَّةَ في تصديق النبي عليه السلام، واتباع أَمْره
وأعلم أنه قد بعث رسوله ليخرج الناس من الظلمات إلى النور فقال:
(فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا).
ومعنى أولي الألباب أصحاب العقول، وواحد أولي الألباب ذُو لُبٍّ أَي
ذو عَقْلً.

(قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10) رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا (11)
(رَسُولًا) مَنْصوبٌ على ثلاثَةِ أوجه:
أجوَدُهَا أن يكون قَوله: (قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا) دليلاً على إضمار أَرْسَلَ رَسُولَاَ يتلو عليكم.
ويجوز أن يكون يعني بقوله (رَسُولًا) النبي عليه السلام.
ويكون (رَسُولًا)، منصوباً بقوله (ذِكراً).
يكون المعنى قد أنزل الله اليكم ذِكراً (رَسُولًا) ذَا ذِكْرٍ رسولًا يتلو، ويكون (رَسُولًا) بَدَلاً مِنْ ذِكرٍ، ويكون يعنى به جبريل عليه السلام.
ويكون دليل هذا القول قوله يعنى به جبريل عليه السلام: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ) (1).
ومعنى: (مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) من ظلمات الكفر إلى نور الإِيمان لأن
أدلة الكِفر مظلمَة غَير بَيِّنَةٍ، وأدلة الإسلام واضحة بيِّنَة.
قوله: (قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا).
أي رزقه اللَّه الجنة التي لا ينقطع نعيمها، ولا يزول.
ثم ذكر - جلَّ وعزَّ -
ما يدلُّ على توحيده فقال:
__________
(1) قال السَّمين:
قوله: {رَّسُولاً}: فيه أوجهٌ، أحدُها وإليه ذهب الزجَّاج والفارسي أنه منصوبٌ بالمصدرِ المنونِ قبلَه؛ لأنه يَنْحَلُّ لحرفٍ مصدري وفعلٍ، كأنه قيل: أن ذَكرَ رسولاً، والمصدرُ المنوَّنُ عاملٌ كقولِه تعالى: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً} [البلد: 14] وقولِه:
4275 بضَرْبٍ بالسيوفِ رؤوسَ قَوْمٍ. . . أَزَلْنا هامَهُنَّ عن المَقيلِ
الثاني: أنَّه جُعِل نفسُ الذِّكْرِ مبالغةً فأُبْدِل منه. الثالث: أنَّه بدلٌ منه على حَذْفِ مضافٍ مِنْ الأول تقديرُه: أنزل ذا ذكرٍ رسولاً. الرابع: كذلك، إلاَّ أنَّ «رسولاً» نعت لذلك المحذوف. الخامس: أنه بدلٌ منه على حَذْفِ مضافٍ مِنْ الثاني، أي: ذِكْراً ذِكْرَ رسول. السادس: أَنْ يكونَ «رسولاً» نعتاً ل ذِكْراً على حَذْفِ مضاف، أي: ذِكْراً ذا رسولٍ، ف «ذا رسول» نعتٌ لذِكْر. السابع: أَنْ يكونَ «رسولاً» بمعنى رسالة، فيكونَ «رسولاً» بدلاً صريحاً مِنْ غير تأويل، أو بياناً عند مَنْ يرى جَرَيانه في النكراتِ كالفارسيِّ، إلاَّ أنَّ هذا يُبْعِدُه قولُه: «يَتْلُو عليكم»، لأنَّ الرسالةَ لا تَتْلوا إلاَّ بمجازٍ، الثامن، أَنْ يكونَ «رسولاً» منصوباً بفعلٍ مقدر، أي: أرسل رسولاً لدلالةِ ما تقدَّمَ عليه. التاسع: أَنْ يكونَ منصوباً على الإِغراء، أي: اتبِعوا والزَمُوا رسولاً هذه صفتُه.
واختلف الناس في «رسولاً» هل هو النبيُّ صلى الله عليه وسلم، أو القرآنُ نفسُه، أو جبريلُ؟ قال الزمخشري: «هو جبريلُ عليه السلام» أُبْدِل مِنْ «ذِكْراً» لأنه وُصِف بتلاوةِ آياتِ اللَّهِ، فكأنَّ إنزالَه في معنى إنزالِ الذِّكْرِ فصَحَّ إبدالُه منه «. قال الشيخ:» ولا يَصِحُّ لتبايُنِ المدلولَيْنِ بالحقيقة، ولكونِه لا يكونَ بدلَ بعضٍ ولا بدلَ اشتمال «انتهى. وهذا الذي قاله الزمخشريُّ سبقه إليه الكلبيُّ. وأمَّا اعتراضُه عليه فغيرُ لازمٍ لأنه إذا بُوْلِغَ فيه حتى جُعِل نفسَ الذِّكْر كما تقدَّم بيانُه. وقُرىء» رسولٌ «على إضمار مبتدأ، أي: هو رسول.
قوله: {لِّيُخْرِجَ} متعلِّقٌ إمَّا ب» أَنْزَل «، وإمَّا ب» يَتْلو «وفاعِلُ يُخْرِج: إمَّا ضميرُ الباري تعالى المنَزِّل، أو ضميرُ الرسولِ، أو الذِّكرِ، و» مَنْ يُؤْمِنْ «هذا أحدُ المواضعِ التي رُوْعي فيها اللفظُ أولاً، ثم المعنى ثانياً، ثم اللفظُ آخِراً، وقد تقدَّم ذلك في المائِدة. وقد تأوَّلَ بعضُهم هذه الآية [وقال: ليس قولُه» خالدين «فيه ضميرٌ عائدٌ على» مَنْ «إنما يعود على مفعولِ» يُدْخِلْه «، و» خالدين «حالٌ منه، والعاملُ فيها» يُدْخِلْه «لا فِعْلُ الشرطِ]. هذه عبارةُ الشيخِ، وفيها نظرٌ؛ لأنَّ» خالدين «حالٌ مِنْ مفعول» يُدْخِلْه «عند القائلين بالقول الأول، وكأنَّ إصلاحَ العبارة أَنْ يقالَ: حالٌ مِنْ مفعولِ» يُدْخِلْه «الثاني، وهو» جناتٍ «والخلودُ في الحقيقةِ لأصحابِها، وكان ينبغي على رأي البصريين أن يقال: خالدين هم فيها، لجريان الوصفِ على غير مَنْ هو له.
اهـ (الدُّرُّ المصُون).

(5/188)


اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)

(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)
ففي كل سماء وكل أرض خلق من خَلْقِه، وأمر نافِذٌ مِن أَمْرِهِ.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
وقوله: (وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا).
(عِلْمًا) منصوب على المَصدر المؤكد، لأن معنى قوله:
(وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا)
أي قد علم كل شيء عِلْمًا.
ومثله: (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ)
ثم قال: (صُنْعَ اللَّهِ) مُوكِّداً.
لأن معنى قوله: (صُنْعَ اللَّهِ) صَنَعَ اللَّهُ الجبالَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ.

(5/189)