أحكام القرآن لابن العربي ط العلمية [سُورَة الْمُؤْمِن فِيهَا ثَلَاثُ
آيَاتٍ] [الْآيَة الْأُولَى قَوْله تَعَالَى وَقَالَ رَجُلٌ
مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إيمَانَهُ]
الْآيَةُ الْأُولَى قَوْله تَعَالَى: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ
مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلا
أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ
بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا
فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ
الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ
مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} [غافر: 28].
ظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمُكَلَّفَ إذَا كَتَمَ إيمَانَهُ،
وَلَمْ يَتَلَفَّظْ بِهِ لِسَانُهُ [أَنَّهُ] لَا يَكُونُ
مُؤْمِنًا بِاعْتِقَادِهِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: إنَّهُ إذَا
نَوَى بِقَلْبِهِ طَلَاقَ زَوْجِهِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ، كَمَا
يَكُونُ مُؤْمِنًا وَكَافِرًا بِقَلْبِهِ، فَجَعَلَ مَدَارَ
الْإِيمَانِ عَلَى الْقَلْبِ، وَإِنَّهُ كَذَلِكَ، لَكِنْ
لَيْسَ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي أُصُولِ
الْفِقْهِ بِمَا لُبَابُهُ أَنَّ الْمُكَلَّفَ إذَا نَوَى
الْكُفْرَ بِقَلْبِهِ كَانَ كَافِرًا، وَإِنْ لَمْ يَلْفِظْ
بِلِسَانِهِ.
وَأَمَّا إذَا نَوَى الْإِيمَانَ بِقَلْبِهِ فَلَا يَكُونُ
مُؤْمِنًا حَتَّى يَتَلَفَّظَ بِلِسَانِهِ، وَأَمَّا إذَا
نَوَى الْإِيمَانَ بِقَلْبِهِ تَمْنَعُهُ التَّقِيَّةُ
وَالْخَوْفُ مِنْ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِلِسَانِهِ [فَلَا يَكُونُ
مُؤْمِنًا] فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى،
وَإِنَّمَا تَمْنَعُهُ التَّقِيَّةُ مِنْ أَنْ يَسْمَعَهُ
غَيْرُهُ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْإِيمَانِ أَنْ يَسْمَعَهُ
الْغَيْرُ فِي صِحَّتِهِ مِنْ التَّكْلِيفِ؛ إنَّمَا
يُشْتَرَطُ سَمَاعُ الْغَيْرِ لَهُ لِيَكُفَّ عَنْ نَفْسِهِ
وَمَالِهِ.
(4/80)
[الْآيَتَانِ الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة
قَوْله تَعَالَى اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَنْعَامَ
لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ]
َ} [غافر: 79] {وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا
عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى
الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} [غافر: 80].
قَالَ الْقَاضِي: كُلُّ حُكْمٍ تَعَلَّقَ بِالْأَنْعَامِ
فَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، فَلَا وَجْهَ لِإِعَادَتِهِ؛
فَمَنْ شَاءَ فَلْيَلْحَظْهُ فِي مَوْضِعِهِ.
(4/81)
|