أحكام القرآن لابن العربي ط العلمية [سُورَة الْعَصْر فِيهَا آيَةٌ وَاحِدَةٌ]
[قَوْله تَعَالَى وَالْعَصْرِ]
ٌ] وَهِيَ قَوْله تَعَالَى: {وَالْعَصْرِ} [العصر: 1]: قَالَ
مَالِكٌ: مَنْ حَلَفَ أَلَّا يُكَلِّمَ رَجُلًا عَصْرًا لَمْ
يُكَلِّمْهُ سَنَةً، وَلَوْ حَلَفَ أَلَّا يُكَلِّمَهُ
الْعَصْرَ لَمْ يُكَلِّمْهُ أَبَدًا؛ لِأَنَّ الْعَصْرَ هُوَ
الدَّهْرُ.
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: بِنَاءُ (ع ص ر) يَنْطَلِقُ عَلَى
كَثِيرٍ مِنْ الْمَعَانِي، فَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ
بِالزَّمَانِ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ:
الْعَصْرُ الدَّهْرُ.
الثَّانِي: اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ. [قَالَ الشَّاعِرُ:
وَلَنْ يَلْبَثَ الْعَصْرَانِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ ... إذَا
طَلَبَا أَنْ يُدْرِكَا مَا تَيَمَّمَا
الثَّالِثُ الْعَصْرُ: الْغَدَاةُ وَالْعَشِيُّ. قَالَ
الشَّاعِرُ:
وَأَمْطُلُهُ الْعَصْرَيْنِ حَتَّى يَمَلَّنِي ... وَيَرْضَى
بِنِصْفِ الدَّيْنِ وَالْأَنْفُ رَاغِمٌ
وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الْعَصْرَ مِثْلُ الدَّهْرِ]؛ قَالَ
الشَّاعِرُ:
سَبِيلُ الْهَوَى وَعْرٌ وَبَحْرُ الْهَوَى غَمْرٌ ...
وَيَوْمُ الْهَوَى شَهْرٌ وَشَهْرُ الْهَوَى دَهْرٌ
يُرِيدُ عَامًا.
الرَّابِعُ أَنَّ الْعَصْرَ [سَاعَةٌ مِنْ] سَاعَاتِ
النَّهَارِ قَالَهُ مُطَرِّفٌ، وَقَتَادَةُ.
(4/447)
قَالَ الْقَاضِي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
-: إنَّمَا حَمَلَ مَالِكٌ يَمِينَ الْحَالِفِ أَلَّا
يُكَلِّمَ امْرَأً عَصْرًا عَلَى السَّنَةِ؛ لِأَنَّهُ
أَكْثَرُ مَا قِيلَ فِيهِ، وَذَلِكَ عَلَى أَصْلِهِ فِي
تَغْلِيظِ الْمَعْنَى فِي الْأَيْمَانِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُبَرُّ بِسَاعَةٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ
لَهُ نِيَّةٌ؛ وَبِهِ أَقُولُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ
عَرَبِيًّا، فَيُقَالُ لَهُ: مَا أَرَدْت؟ فَإِذَا فَسَّرَهُ
بِمَا يُحْتَمَلُ قُبِلَ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ الْأَقَلَّ،
وَيَجِيءُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا
يُفَسِّرُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(4/448)
|