أحكام القرآن لابن العربي ط العلمية [سُورَةُ الْإِخْلَاصِ] [مَسْأَلَةُ فِي
سَبَبِ نُزُولِهَا]
ِ [وَقِيلَ] التَّوْحِيدُ. فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي سَبَبِ نُزُولِهَا: رَوَى
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ
مَقْطُوعًا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - مُرْسَلًا أَنَّهُ قَالَ: «أَتَى رَهْطٌ مِنْ
يَهُودَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، هَذَا اللَّهُ خَلَقَ الْخَلْقَ.
فَمَنْ خَلَقَهُ؟ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى انْتَقَعَ لَوْنُهُ، ثُمَّ
سَاوَرَهُمْ غَضَبًا لِرَبِّهِ، فَجَاءَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - فَسَكَّنَهُ، فَقَالَ: خَفِّضْ عَلَيْك يَا
مُحَمَّدُ، وَجَاءَهُ مِنْ اللَّهِ بِجَوَابِ مَا سَأَلُوهُ:
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] السُّورَةَ». وَفِي
ذَلِكَ أَحَادِيثُ بَاطِلَةٌ هَذَا أَمْثَلُهَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي فَضْلِهَا، وَفِي الْحَدِيثِ
الصَّحِيحِ، عَنْ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ «أَنَّ رَجُلًا سَمِعَ
رَجُلًا يَقْرَأُ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1]
يُرَدِّدُهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ،
وَكَانَ الرَّجُلُ يَتَقَالُّهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ،
إنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ»، فَهَذَا فَضْلُهَا،
وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ وَالْمُشْكِلَيْنِ.
[مَسْأَلَة تَكْرَارُ سُورَةٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ رُوِيَ أَنَّ «رَجُلًا كَانَ
يَؤُمُّ قَوْمَهُ، فَيَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِقُلْ هُوَ
اللَّهُ أَحَدٌ، فَذَكَرَ ذَلِكَ قَوْمُهُ لِلنَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَرْسَلَ إلَيْهِ
فَقَالَ: إنِّي أُحِبُّهَا، فَقَالَ لَهُ: حُبُّك إيَّاهَا
أَدْخَلَك الْجَنَّةَ». فَكَانَ هَذَا دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ
يَجُوزُ تَكْرَارُ سُورَةٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ. وَقَدْ رَأَيْت
عَلَى بَابِ الْأَسْبَاطِ فِيمَا يَقْرُبُ مِنْهُ إمَامًا مِنْ
جُمْلَةِ الثَّمَانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ إمَامًا كَانَ فِيهِ
يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ فِي رَمَضَانَ بِالْأَتْرَاكِ،
فَيَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ، وَقُلْ
هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، حَتَّى يُتِمَّ التَّرَاوِيحَ تَخْفِيفًا
عَلَيْهِمْ وَرَغْبَةً فِي فَضْلِهَا. وَلَيْسَ مِنْ
السُّنَّةِ خَتْمُ الْقُرْآنِ فِي رَمَضَانَ، حَسْبَمَا
ذَكَرْنَاهُ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ وَالْمَسَائِلِ.
(4/468)
|