أحكام القرآن للجصاص ت قمحاوي سُورَةُ الإنسان
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قوله تعالى وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ- إلى قوله
تعالى وَأَسِيراً عَنْ أَبِي وَائِلٍ أَنَّهُ أَمَرَ بِأَسْرَى
مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَأَمَرَ مَنْ يُطْعِمُهُمْ ثُمَّ قَرَأَ
وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ الْآيَةَ وَقَالَ
قَتَادَةُ كَانَ أَسِيرُهُمْ يَوْمَئِذٍ الْمُشْرِكَ فَأَخُوك
الْمُسْلِمُ أَحَقُّ أَنْ تُطْعِمَهُ وَعَنْ الْحَسَنِ وأسيرا
قَالَ كَانُوا مُشْرِكِينَ وَقَالَ مُجَاهِدٌ الْأَسِيرُ
الْمَسْجُونُ وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٌ وَيُطْعِمُونَ
الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا
قال هُمْ أَهْلُ الْقِبْلَةِ وَغَيْرُهُمْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ
الْأَظْهَرُ الْأَسِيرُ الْمُشْرِكُ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ
الْمَسْجُونَ لَا يُسَمَّى أَسِيرًا عَلَى الْإِطْلَاقِ
وَهَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِي إطْعَامِ
الْأَسِيرِ قُرْبَةً وَيَقْتَضِي ظَاهِرُهُ جَوَازَ إعْطَائِهِ
مِنْ سَائِرِ الصَّدَقَاتِ إلَّا أن أصحابنا لا يجيزون إعطاءه
من الزكاة وَصَدَقَاتِ الْمَوَاشِي وَمَا كَانَ أَخَذَهُ
مِنْهَا إلَى الْإِمَامِ وَيُجِيزُ أَبُو حَنِيفَةَ
وَمُحَمَّدٌ جَوَازَ إعْطَائِهِ مِنْ الْكَفَّارَاتِ
وَنَحْوِهَا وَأَبُو يُوسُفَ لَا يُجِيزُ دَفْعَ الصَّدَقَةِ
الْوَاجِبَةِ إلَّا إلَى الْمُسْلِمِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ
فِيمَا سَلَفَ آخِرُ سُورَةِ الْإِنْسَانِ.
سُورَةُ الْمُرْسَلَاتِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً
أَحْياءً وَأَمْواتاً قَالَ الشَّعْبِيُّ يَعْنِي أَنَّهُ
جَعَلَ
(5/370)
فَلَا أُقْسِمُ
بِالشَّفَقِ (16)
ظَهْرَهَا لِلْأَحْيَاءِ وَبَطْنَهَا
لِلْأَمْوَاتِ وَالْكِفَاتُ الضِّمَامُ فَأَرَادَ أَنَّهَا
تَضُمُّهُمْ فِي الْحَالَيْنِ وَرَوَى إسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي
يَحْيَى عَنْ مُجَاهِدٍ أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كفاتا قَالَ
تَكْفِتُ الْمَيِّتَ فَلَا يُرَى مِنْهُ شَيْءٌ وَأَحْيَاءً
قَالَ الرَّجُلُ فِي بَيْتِهِ لَا يُرَى مِنْ عَمَلِهِ شَيْءٌ
قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ مُوَارَاةِ
الْمَيِّتِ وَدَفْنِهِ وَدَفْنِ شَعْرِهِ وَسَائِرِ مَا
يُزَايِلُهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ شَعْرَهُ وَشَيْئًا
مِنْ بَدَنِهِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا التَّصَرُّفُ فِيهِ
لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْجَبَ دَفْنَهُ
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ
اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ شَعْرَ غَيْرِهَا
بِشَعْرِهَا
فَمَنَعَ الِانْتِفَاعَ بِهِ وَهُوَ مَعْنَى مَا دَلَّتْ
عَلَيْهِ الْآيَةُ وَهَذِهِ الْآيَةُ نظير قوله تعالى ثُمَّ
أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ يَعْنِي أَنَّهُ جَعَلَ لَهُ قَبْرًا
وَرُوِيَ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ غَيْرُ ذَلِكَ وَعَنْ ابْنِ
مَسْعُودٍ أَنَّهُ أَخَذَ قَمْلَةً فَدَفَنَهَا فِي
الْمَسْجِدِ فِي الحصى ثم قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَلَمْ
نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً أَحْياءً وَأَمْواتاً وَعَنْ أَبِي
أُمَامَةَ مِثْلُهُ وَأَخَذَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ قَمْلَةً
عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَطَرَحَهَا فِي الْمَسْجِدِ قَالَ أَبُو
بَكْرٍ هَذَا التَّأْوِيلُ لَا يَنْفِي الْأَوَّلَ وَعُمُومُهُ
يَقْتَضِي الْجَمِيعَ آخِرُ سُورَةِ المرسلات.
سورة إذا السماء انشقت
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قوله تعالى فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ قَالَ مُجَاهِدٌ
الشَّفَقُ النَّهَارُ أَلَا تَرَاهُ
قَالَ الله تعالى وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ
عَبْدِ الْعَزِيزِ الشَّفَقُ الْبَيَاضُ وَقَالَ أَبُو
جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الشَّفَقُ السَّوَادُ الَّذِي
يَكُونُ إذَا ذَهَبَ الْبَيَاضُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الشَّفَقُ
فِي الْأَصْلِ الرِّقَّةُ وَمِنْهُ ثَوْبٌ شَفَقٌ إذَا كَانَ
رَقِيقًا وَمِنْهُ الشَّفَقَةُ وَهُوَ رِقَّةُ الْقَلْبِ
وَإِذَا كَانَ هَذَا أَصْلَهُ فهو البياض أَوْلَى مِنْهُ
بِالْحُمْرَةِ لِأَنَّ أَجْزَاءَ الضِّيَاءِ رَقِيقَةٌ فِي
هَذِهِ الْحَالِ وَفِي وَقْتِ الْحُمْرَةِ أَكْثَفُ
وقَوْله تَعَالَى وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا
يَسْجُدُونَ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ سَجْدَةِ
التِّلَاوَةِ لِذَمِّهِ لِتَارِكِ السُّجُودِ عِنْدَ سَمَاعِ
التِّلَاوَةِ وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي إيجَابَ السُّجُودِ عِنْدَ
سَمَاعِ سَائِرِ الْقُرْآنِ إلَّا أَنَّا خَصَصْنَا مِنْهُ مَا
عَدَا مَوَاضِعَ السُّجُودِ وَاسْتَعْمَلْنَاهُ فِي مَوَاضِعِ
السُّجُودِ بِعُمُومِ اللَّفْظِ وَلِأَنَّا لَوْ لَمْ
نَسْتَعْمِلْهُ عَلَى ذَلِكَ كُنَّا قَدْ أَلْغَيْنَا حُكْمَهُ
رَأْسًا فَإِنْ قِيلَ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْخُضُوعَ لِأَنَّ
اسْمَ السُّجُودِ يَقَعُ عَلَى الْخُضُوعِ قِيلَ لَهُ هُوَ
كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ خُضُوعٌ عَلَى وَصْفٍ وَهُوَ وَضْعُ
الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ كَمَا أَنَّ الرُّكُوعَ
وَالْقِيَامَ وَالصِّيَامَ وَالْحَجَّ وَسَائِرَ الْعِبَادَاتِ
خُضُوعٌ وَلَا يُسَمَّى سُجُودًا لِأَنَّهُ خُضُوعٌ عَلَى
صِفَةٍ إذَا خَرَجَ عَنْهَا لَمْ يُسَمَّ بِهِ آخِرُ سُورَةِ
إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ.
(5/371)
سورة سبح اسم ربك الأعلى
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قوله تعالى قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ
رَبِّهِ فَصَلَّى رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ
وَأَبِي الْعَالِيَةِ قَالَا أَدَّى زَكَاةَ الْفِطْرِ ثُمَّ
خَرَجَ إلَى الصَّلَاةِ
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنَّهُ أَمَرَ بِإِخْرَاجِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ قَبْلَ
الْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ السُّنَّةُ أَنْ تُخْرِجَ صَدَقَةَ
الْفِطْرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَيُسْتَدَلُّ
بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى عَلَى
جَوَازِ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ بِسَائِرِ الْأَذْكَارِ
لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ عَقِيبَ ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ
الصَّلَاةَ مُتَّصِلًا بِهِ إذْ كَانَتْ الْفَاءُ
لِلتَّعْقِيبِ بِلَا تَرَاخٍ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ
افْتِتَاحُ الصَّلَاةِ آخر سورة سبح. |