أحكام القرآن للشافعي - جمع البيهقي «فَصْلٌ ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ
اللَّهُ فِي إبْطَالِ الِاسْتِحْسَانِ وَاسْتَشْهَدَ فِيهِ
بِآيَاتٍ مِنْ الْقُرْآنِ»
(أَنَا) أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، أَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ
سُلَيْمَانَ، أَنَا الشَّافِعِيُّ (رَحِمَهُ اللَّهُ) قَالَ:
«حُكْمُ اللَّهِ، ثُمَّ حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ- دَلِيلٌ
عَلَى أَنْ لَا يَجُوزَ لِمَنْ اسْتَأْهَلَ أَنْ يَكُونَ
حَاكِمًا أَوْ مُفْتِيًا: أَنْ يَحْكُمَ وَلَا أَنْ يُفْتِيَ
إلَّا مِنْ جِهَةِ خَبَرٍ لَازِمٍ- وَذَلِكَ:
الْكِتَابُ، ثُمَّ السُّنَّةُ.- أَوْ مَا قَالَهُ أَهْلُ
الْعِلْمِ لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، أَوْ قِيَاسٌ عَلَى بَعْضِ
هَذَا. وَلَا يَجُوزُ لَهُ: أَنْ يَحْكُمَ وَلَا يُفْتى
بالاستحسان إِذْ «2» لَمْ يَكُنْ الِاسْتِحْسَانُ وَاجِبًا،
وَلَا فِي وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي» . وَذَكَرَ-
فِيمَا احْتَجَّ بِهِ- قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ:
(أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً: 75- 36) [قَالَ]
«فَلَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ فِيمَا
عَلِمْتُ أَنَّ (السُّدَى) الَّذِي لَا يُؤْمَرُ وَلَا
يُنْهَى. وَمَنْ أَفْتَى أَو حكم بمالم يُؤْمَرْ بِهِ فَقَدْ
اخْتَارَ»
لِنَفْسِهِ أَنْ يَكُونَ فِي مَعَانِي السُّدَى- وَقَدْ
أَعْلَمَهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ لَمْ يُتْرَكْ
__________
(1) فى بعض نسخ الرسَالَة: «خوف» . وَلَا خلاف فى الْمَعْنى.
[.....]
(2) فى الأَصْل: إِذا. والتصحيح من كتاب ابطال الِاسْتِحْسَان
الملحق بِالْأُمِّ [ج 7 ص 271]
(3) عبارَة الام.: أجَاز. وهى أوضح.
(1/36)
قُلْ مَا كُنْتُ
بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا
بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا
إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (9)
سُدًى- وَرَأَى «1» أَنْ قَالَ أَقُولُ مَا شِئْتُ وَادَّعَى
مَا نَزَلَ الْقُرْآنُ بِخِلَافِهِ. قَالَ اللَّهُ (جَلَّ
ثَنَاؤُهُ) لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ: 6- 106) وَقَالَ
تَعَالَى: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ
وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ
عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ: 5- 49) ثُمَّ
جَاءَهُ قَوْمٌ، فَسَأَلُوهُ عَنْ أَصْحَابِ الْكَهْفِ
وَغَيْرِهِمْ فَقَالَ «أُعْلِمُكُمْ غَدًا» .
(يَعْنِي: أَسْأَلُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ
أُعْلِمُكُمْ) . فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (وَلا
تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ
يَشاءَ اللَّهُ: 18- 23- 24) . وَجَاءَتْهُ امْرَأَةُ أَوْسِ
بْنِ الصَّامِتِ، تَشْكُو إلَيْهِ أَوْسًا، فَلَمْ يُجِبْهَا
حَتَّى نَزَلَ عَلَيْهِ: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي
تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها: 58- 1) وَجَاءَهُ الْعَجْلَانِيُّ
يَقْذِفُ «2» امْرَأَتَهُ فَقَالَ: «لَمْ ينزل فيكما» وانتظر
الْوَحْيَ، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ)
عَلَيْهِ: دعاهما، وَلَا عَن بَيْنَهُمَا كَمَا أَمَرَ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ» وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي الِاسْتِدْلَالِ
بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْمَعْقُولِ، فِي رَدِّ
الْحُكْمِ بِمَا اسْتَحْسَنَهُ الْإِنْسَانُ، دُونَ الْقِيَاسِ
عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ «3» . |