أحكام القرآن للطحاوي كتاب الْمُكَاتبَة
(2/455)
تَأْوِيلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ
يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ
فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} الآيَةَ
قَالَ اللهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ
الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ
عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللهِ
الَّذِي آتَاكُمْ} فَكَانَ الْكِتَابُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللهُ
عَزَّ وَجَلَّ فِي هَذِهِ الآيَةِ غَيْرَ مُبَيَّنٍ مَا هُوَ
فِيهَا، وَلا فِيمَا سِوَاهَا مِنْ آيِ الْقُرْآنِ،
وَمُبَيَّنًا فِي السُّنَّةِ مَا هُوَ، وَهُوَ أَنْ يُكَاتِبَ
الرَّجُلُ مَمْلُوكَهُ عَلَى مَالٍ مَعْلُومٍ عَلَى أَنَّهُ
يُعْتَقُ بِعَقْدِ الْمُكَاتَبَةِ عَلَيْهِ فِي حَالٍ مَا قَدِ
اخْتُلِفَ فِيهَا، نَحْنُ ذَاكِرُوهَا فِي بَقِيَّةِ هَذَا
الْبَابِ إِنْ شَاءَ اللهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:
{إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} ، فَقَدِ اخْتُلِفَ فِي
الْخَيْرِ الْمُرَادِ فِي ذَلِكَ مَا هُوَ، فَرُوِيَ فِيهِ
عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ مَا نَحْنُ
ذَاكِرُوهُ أَيْضًا فِي هَذَا الْبَابِ إِنْ شَاءَ اللهُ،
فَمِمَّا رُوِيَ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ مَا
2032 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ
مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، " {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ
عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} ، قَالَ: صِدْقًا وَوَفَاءً "
2033 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ يُونُسَ،
عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: دِينًا "
2034 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا وَهْبٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ يُونُسَ،
(2/456)
عَنِ الْحَسَنِ، " {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ
عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} ، قَالَ: دِينًا وَأَمَانَةً "
2035 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبٌ،
عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ "
{فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} ، قَالَ:
إِنْ عَلِمْتُمْ لَهُمْ مَالا "
2036 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ
مَنْصُورٍ، عَنْ عَطَاءٍ، " {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا}
، قَالَ: مَالا "
2037 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ
بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ
هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُبَيْدَةَ
السَّلْمَانِيِّ، " {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} ،
قَالَ: إِنْ أَقَامُوا الصَّلاةَ "
2038 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ،
عَنْ سَالِمٍ الأَفْطَسِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي
قَوْلِهِ: " {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} ، قَالَ: إِنْ
عَلِمْتُمْ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِذَلِكَ الْخَيْرَ "
فَأَمَّا مَا رُوِّينَا فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْخَيْرِ
الْمَذْكُورِ فِي هَذِهِ الآيَةِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ
وَالْحَسَنِ فَمَعْنَاهُ عِنْدَنَا، وَاللهُ أَعْلَمُ، {إِنْ
عَلِمْتُمْ فِيهِمْ} أَنَّ فِيهِمُ الدِّينَ وَالصِّدْقَ
وَالْوَفَاءَ الَّذِينَ يُعَامِلُونَكُمْ عَلَى أَنَّهُمْ
مُتَعَبِّدُونَ فِيهِ بِالْوَفَاءِ لَكُمْ، وَالْخُرُوجِ
إِلَيْكُمْ مِمَّا تُكَاتِبُونَهُمْ عَلَيْهِ، أَيْ فَمَنْ
كَانَتْ هَذِهِ سَبِيلُهُ فَكَاتِبُوهُ إِذَا كَانَ مَذْهَبُهُ
الصِّدْقَ فِي مُعَامَلَتِهِ، وَالْوَفَاءَ لِغَرِيمِهِ بِمَا
عَلَيْهِ
(2/457)
وَفِي حَمْلِ هَذَا الْخَيْرِ عَلَى هَذَا
التَّأْوِيلِ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ:
{فَكَاتِبُوهُمْ} عِنْدَ إِبْرَاهِيمَ وَالْحَسَنِ
عَلَى الإِرْشَادِ، لَا عَلَى الإِيجَابِ وَأَمَّا مَا
رُوِّينَاهُ فِي تَأْوِيلِ الْخَيْرِ عَنْ عُبَيْدَةَ،
وَأَنَّهُ الصَّلاةُ، فَإِنْ كَانَ يَعْنِي بِذَلِكَ مَا
يَجِبُ عَلَى مُقِيمِي الصَّلاةِ مِنَ الْوَفَاءِ
بِالأَقْوَالِ وَالامْتِثَالِ فِي الْمُعَامَلاتِ مَا قَدْ
أَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ مُقِيمِي الصَّلاةِ، فَقَدْ
رَجَعَ مَعْنَى ذَلِكَ إِلَى الْمَعْنَى الَّذِي ذَهَبَ
إِلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ وَالْحَسَنُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ يَعْنِي
إِقَامَةَ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ خَاصَّةً فَذَلِكَ
عِنْدَنَا لَا مَعْنَى لَهُ، لأَنَّهُ لَمْ يُمْنَعْ فِي
هَذِهِ الآيَةِ مِنْ مُكَاتَبَةِ غَيْرِ أَهْلِ الصَّلاةِ مِنَ
الْيَهُودِ، وَمِنَ النَّصَارَى، وَغَيْرِهِمْ، وَلَمْ
يُكْرَهْ ذَلِكَ لأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الإْسِلامِ، وَلَمْ
يُنْهَ عَنْهُ وَأَمَّا مَا رُوِّينَا فِي تَأْوِيلِ مُجَاهِدٍ
وَعَطَاءٍ، وَأَنَّهُ الْمَالُ، فَذَلِكَ مُحَالٌ عِنْدَنَا،
لأَنَّ الْعَبْدَ نَفْسَهُ مَالٌ لِمَوْلاهُ، فَكَيْفَ يَكُونُ
لَهُ مَالٌ؟ وَأَمَّا مَا رُوِّينَا فِي تَأْوِيلِهِ عَنْ
سَعِيدٍ، وَأَنَّهُ إِرَادَةُ الْخَيْرِ، فَذَلِكَ يَرْجِعُ
إِلَى مَعْنَى مَا رُوِّينَا عَنِ الْحَسَنِ وَإِبْرَاهِيمَ،
لأَنَّ الصِّدْقَ وَالْوَفَاءَ مِنَ الْخَيْرِ وَهَذَا الَّذِي
ذَكَرْنَا مِنَ الْكِتَابِ فَغَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى النَّاسِ،
وَإِنْ عَلِمُوا فِيمَنْ يَمْلِكُونَ الْخَيْرَ، وَابْتَغَوْا
مِنْهُمُ الْكِتَابَ، لأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ وَاجِبًا عَلَى
الْمَالِكِينَ إِذَا طَلَبَهُ مِنْهُمُ الْمَمْلُوكُونَ،
لَكَانَ وَاجِبًا عَلَى الْمَمْلُوكِينَ إِذَا طَلَبَهُ
مِنْهُمُ الْمَالِكُونَ، لأَنَّ أَحْكَامَ التَّمْلِيكَاتِ
كُلَّهَا مِنَ الْبِيَاعَاتِ، وَغَيْرُهَا كَذَلِكَ يَسْتَوِي
فِيهَا حُكْمُ الْمُمَلِّكِ لَهَا وَحُكْمُ الْمُمَلَّكِ
إِيَّاهَا وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الرَّجُلِ
كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى الْمَالِ الْحَالِّ، فَقَالَتْ
طَائِفَةٌ: الْمُكَاتَبَةُ عَلَى ذَلِكَ جَائِزَةٌ وَمِمَّنْ
قَالَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ
كَمَا حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدٍ،
عَنْ أَبِي
يُوسُفَ، بِغَيْرِ اخْتِلافٍ ذَكَرَهُ بَيْنَهُمْ وَقَالَتْ
طَائِفَةٌ لَا تَجُوزُ الْمُكَاتَبَةُ إِلا عَلَى مَالٍ آجِلٍ،
وَلا تَجُوزُ عَلَى الْمَالِ الْعَاجِلِ وَمِمَّنْ قَالَ هَذَا
الشَّافِعِيُّ، غَيْرَ أَنَّ عَبْدَ اللهِ زَادَ عَلَى أَهْلِ
هَذِهِ الْمَقَالَةِ فِي ذَلِكَ، أَنَّ الْمُكَاتَبَةَ لَا
تَجُوزُ إِلا إِلَى نَجْمَيْنِ فَمَا فَوْقَهَا مِنَ
النُّجُومِ، وَلا تَجُوزُ حَالَّةً وَلا إِلَى نَجْمٍ وَاحِدٍ
(2/458)
وَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ نَظَرْنَا
فِيهِ، فَوَجَدْنَا الْبِيَاعَاتِ جَائِزَاتٍ عَلَى
الأَبْدَالِ الْعَاجِلَةِ، وَعَلَى الأَبْدَالِ الآجِلَةِ،
وَوَجَدْنَا النِّكَاحَاتِ وَالْخُلْعَ كَذَلِكَ وَلَمْ نَجِدْ
شَيْئًا مُتَّفَقًا عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ إِلا بِأَجَلٍ غَيْرِ
السَّلْمِ، فَإِنَّهُمْ جَمِيعًا مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّهُ
لَا يَجُوزُ حَالا غَيْرَ الشَّافِعِيِّ، فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ
ذَهَبَ إِلَى إِجَازَتِهِ حَالا وَلَمَّا كَانَ حُكْمُ
الْمُكَاتَبَةِ فِيمَا ذَكَرْنَا فِيهِ تَمْلِيكُ الْمُكَاتِبِ
كَسْبَهُ بِعِوَضٍ يُتَعَوَّضُ عَلَيْهِ، كَانَ حُكْمُهُ
بِحُكْمِ الْبِيَاعَاتِ أَشْبَهَ فَلَمَّا جَازَ عَقْدُ
الْبِيَاعَاتِ عَلَى الأَيْمَانِ الْعَاجِلَةِ وَعَلَى
الأَيْمَانِ الآجِلَةِ، جَازَ فِي عَقْدِ الْمُكَاتَبَاتِ
عَلَى الأَمْوَالِ الْعَاجِلَةِ وَالآجِلَةِ هَذَا هُوَ
الْقِيَاسُ عِنْدَنَا فِي هَذَا الْبَابِ وَاللهُ أَعْلَمُ
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمُكَاتَبَةِ إِذَا
وَقَعَتْ عَلَى مَا تَجُوزُ عَلَيْهِ الْمُكَاتَبَةُ، مَتَى
يُعْتَقُ بِهَا الْمُكَاتَبُ؟ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُعْتَقُ
بِعَقْدِ الْمُكَاتَبَةِ، وَتَكُونُ الْمُكَاتَبَةُ عَلَيْهِ
دَيْنًا وَهَذَا الْقَوْلُ عِنْدَنَا فَاسِدٌ، وَلَمْ نَجِدْ
لَهُ إِمَامًا قَالَ بِهِ، غَيْرَ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ
الْعِلْمِ ذَكَرَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ
إِسْنَادًا وَذَلِكَ عِنْدَنَا غَيْرُ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، بَلْ قَدْ وَجَدْنَا عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلافَهُ مِمَّا نَحْنُ
ذَاكِرُوهُ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى فَأَمَّا مَا رُوِيَ
عَنْ غَيْرِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا يَدْفَعُ هَذَا
الْقَوْلَ
2039 - فَمِمَّا حَدَّثَنَا الْمُزَنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
الشَّافِعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ
نَبْهَانَ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ،
قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " إِذَا كَانَ لإِحْدَاكُنَّ مُكَاتَبٌ، وَكَانَ
عِنْدَهُ مَا يُؤَدِّي، فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ " قَالَ
سُفْيَانُ: سَمِعْتُهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ، وَثَبَّتَنِيهُ
مَعْمَرٌ فَفِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ فِي هَذَا، مَا دَلَّ
عَلَى أَنَّ حُكْمَهُ، وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى الأَدَاءِ،
خِلافُ حُكْمِهِ إِذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الأَدَاءِ،
فِي الدُّخُولِ إِلَى مَوْلاتِهِ، وَفِي النَّظَرِ إِلَيْهَا،
وَفِي إِبَاحَةِ ذَلِكَ لَهُ مِنْهَا وَأَنَّهُ فِي تِلْكَ
الْحَالِ بِخِلافِهِ بَعْدَ
(2/459)
الأَدَاءِ، لأَنَّهُ يَكُونُ بَعْدَ
الأَدَاءِ حُرًّا لَا يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ إِلَى مَوْلاتِهِ
مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَنَعَهُ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِذَا
مُنِعَ الأَدَاءُ أَنْ يَتَّسِعَ لَهُ النَّظَرُ إِلَيْهَا،
وَلِيَبْقَى عَلَى حُكْمِهِ فِي سَعَةِ ذَلِكَ لَهُ مِنَ
النَّظَرِ إِلَيْهَا، وَمَنَعَهَا مِنْ إِبَاحَةِ ذَلِكَ لَهُ
فِيهَا فَفِيمَا ذَكَرْنَا مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُكَاتِبَ
لَا يُعْتَقُ بِعَقْدِ الْمُكَاتَبَةِ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا
يُعْتَقُ بِحَالٍ يَأْتِيهِ وَأَمَّا مَا ذَكَرْنَا عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، وَمِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ فَمَا
2040 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ
سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
قَالَ: " يُؤَدِّي الْمُكَاتَبُ بِحِصَّةِ مَا أَدَّى، دِيَةَ
حُرٍّ، وَمَا بَقِيَ عَلَيْهِ، دِيَةَ الْعَبْدِ " فَفِي
ذَلِكَ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ الْحُرِّيَّةَ لَا تَجِبُ
لِلْمُكَاتَبِ فِي شَيْءٍ مِنْ رَقَبَتِهِ إِلا بِحَالٍ
حَادِثَةٍ بَعْدَ عَقْدِ الْمُكَاتَبَةِ غَيْرَ أَنَّ حَمَّادَ
بْنَ زَيْدٍ قَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ
عِكْرِمَةَ، فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ ابْنَ عَبَّاسٍ
2041 - كَمَا حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ
بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " يُؤَدِّي
الْمُكَاتِبُ بِحِصَّةِ مَا أَدَّى بِهِ حُرٌّ، وَمَا بَقِيَ
دِيَةَ عَبْدٍ " فَاخْتَلَفَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ،
وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ فِي إِسْنَادِهِ وَقَدْ رَوَاهُ
يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ كَمَا
2042 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ الصَّوَّافُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ
أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
قَالَ
(2/460)
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " يُؤَدِّي الْمُكَاتِبُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى
دِيَةَ حُرٍّ، وَبِقَدْرِ مَا بَقِيَ دِيَةَ الْعَبْدِ "
2043 - وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ
عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ،
عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " قَضَى رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُكَاتَبٍ قُتِلَ
بِدِيَةِ الْحُرِّ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ مِنْهُ " قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: " وَيُقَامُ عَلَى الْمُكَاتَبِ حَدُّ الْمَمْلُوكِ
" فَهَذَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، وَهُوَ إِمَامُ
أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَحُجَّةٌ مِنْ حُجَجِهِمْ قَدْ
رَوَى هَذَا عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا
ذَكَرْنَا وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُعْتَقُ الْمُكَاتَبُ
بَعْدَ الْمُكَاتَبَةِ، وَلا بِأَدَائِهِ لِشَيْءٍ مِنْهُ
حَتَّى يُؤَدِّيَ جَمِيعَهَا، وَهُوَ قَبَلَ ذَلِكَ فِي حَالِ
الْمُكَاتَبِ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ حَتَّى يَبْقَى عَلَيْهِ
شَيْءٌ مِنَ الْمُكَاتَبَةِ وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ
الْعِلْمِ الَّذِينَ تَدُورُ عَلَيْهِمُ الْفُتْيَا،
وَيَشْمَلُ قَوْلَهُمُ الأَمْصَارَ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ،
وَمَالِكٌ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَسَائِرُ
أَمْثَالِهِمْ، وَالْقَائِلُونَ بِقَوْلِهِمْ، وَسَائِرِ مَنْ
أُضِيفَ الْفُتْيَا إِلَيْهِ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَى يَوْمِنَا
هَذَا وَلا نَعْلَمُهُ رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا يُوَافِقُ هَذَا
الْقَوْلَ إِلا مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو،
عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا
2044 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْخَطَّابُ بْنُ عُثْمَانَ الْفَوْزِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ
سُلَيْمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ: " الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ
مِنْ كِتَابَتِهِ دِرْهَمٌ "
(2/461)
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ غَيْرِ
وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِنْهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَعَائِشَةُ، وَابْنُ
عُمَرَ، وَأُمُّ سَلَمَةَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا
2045 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ
ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كَانَ زَيْدُ
بْنُ ثَابِتٍ، يَقُولُ: " الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ
عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ مُكَاتَبَتِهِ "
2046 - وَكَمَّا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَأَبُو بَدْرٍ شُجَاعُ
بْنُ الْوَلِيدِ السَّكُونِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ،
عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: اسْتَأْذَنْتُ عَلَى
عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: " كَمْ بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِكَ؟ "
قُلْتُ: عَشْرُ أَوَاقٍ فَقَالَتْ: " ادْخُلْ، فَإِنَّكَ
عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْكَ دِرْهَمٌ "
2047 - حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ
يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ
مَيْمُونٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ،
فَذَكَرَ مِثْلَهُ
2048 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ
بَشِيرٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ سَبَلانَ، أَنَّهُ قَالَ
لِعَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ: مَا أَرَاكِ إِلا سَتَسْتَحْيِينَ مِنِّي
فَقَالَتْ: " مَا لَكَ؟ " فَقَالَ: كَاتَبْتُ فَقَالَتْ: "
إِنَّكَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْكَ شَيْءٌ "
2049 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
أَنَّ مَالِكًا، وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، أَخْبَرَاهُ، عَنْ
نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: " الْمُكَاتَبُ
عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ شَيْءٌ "
2050 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ
بْنُ نَافِعٍ الْمَدَنِيُّ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ سَعِيدِ
بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ،
قَالَتْ: " الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ
كِتَابَتِهِ
(2/462)
شَيْءٌ "
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ آخَرِينَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلافُ هَذَيْنِ
الْقَوْلَيْنِ، وَخِلافُ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ
ذَكَرْنَاهُمَا مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ كَمَا
2051 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنْ عُمَرَ، قَالَ:
" إِذَا أَدَّى النِّصْفَ فَهُوَ غَرِيمٌ "، يَعْنِي
الْمُكَاتَبَ
2052 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ الْوَهْبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
الْمَسْعُودِيُّ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ
سَمُرَةَ، عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: " أَيُّهَا النَّاسُ،
إِنَّكُمْ تُكَاتِبُونَ مُكَاتَبِينَ، فَأَيُّهُمْ أَدَّى
النِّصْفَ فَلا رَدَّ عَلَيْهِ فِي الرِّقِّ " فَهَذَا عُمَرُ
قَدْ جَعَلَ الْمُكَاتَبَ حُرًّا بِأَدَائِهِ نِصْفَ
مُكَاتَبَتِهِ غَيْرَ أَنَّا وَجَدْنَا عَنْهُ خِلافَ هَذَا
الْقَوْلِ وَإِنْ كَانَ مُنْقَطِعَ الإِسْنَادِ، كَمَا
2053 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي
عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ، عَنْ
عُمَرَ، قَالَ: " الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ
دِرْهَمٌ " وَمِنْهُمُ ابْنُ مَسْعُودٍ، رُوِيَ عَنْهُ فِي
ذَلِكَ مَا
2054 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ
مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: "
إِذَا أَدَّى الْمُكَاتِبُ ثُلُثًا أَوْ رُبُعًا فَهُوَ
غَرِيمٌ "
2055 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ
الشَّعْبِيِّ، قَالَ: " كَانَ عَبْدُ اللهِ، وَشُرَيْحٌ،
يَقُولانِ فِي الْمُكَاتِبِ: إِذَا أَدَّى الثُّلُثَ فَهُوَ
غَرِيمٌ "
(2/463)
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ خِلافُ
هَذَا، وَخِلافُ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنِ الْعُلَمَاءِ سِوَاهُ
فِيمَا يُعْتَقُ بِهِ مِنَ الْمُكَاتَبِ كَمَا
2056 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ،
عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: " إِذَا أَدَّى
الْمُكَاتَبُ قِيمَةَ رَقَبَتِهِ فَهُوَ غَرِيمٌ " وَمِنْهُمْ
جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، فَرُوِيَ عَنْهُ مَا
2057 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ
مُجَاهِدٍ، قَالَ: كَانَ جَابِرٌ، يَقُولُ: " شُرُوطُهُمْ
جَائِزَةٌ فِيمَا بَيْنَهُمْ "، يَعْنِي الْمُكَاتِبِينَ
وَالْمُكَاتَبِينَ فَهَذَا جَابِرٌ قَدْ رَدَّ أَمْرَ عَتَاقِ
الْمُكَاتَبِينِ إِلَى الشَّرَائِطِ الَّتِي يَشْتَرِطُونَهَا
عَلَى مَوَالِيهِمْ فِي مُكَاتَبَاتِهِمْ إِيَّاهُمْ وَلَمْ
يَقِفْ عَلَى مَا كَانَ يُذْهَبُ إِلَيْهِ فِي الْمُكَاتَبَةِ
إِذَا وَقَعَتْ خَالِيَةً مِنَ الشُّرُوطِ وَلَمَّا
اخْتَلَفُوا فِي الْمُكَاتَبِ، وَقَالُوا فِيهِ مِنَ
الأَقْوَالِ مَا وَصَفْنَا، وَانْتَفَى قَوْلُ مَنْ قَالَ:
إِنَّ الْمُكَاتَبَ يُعْتَقُ بِعَقْدِ الْمُكَاتَبَةِ بِمَا
قَدْ رُوِّينَاهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي حَدِيثَيْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ
اللَّذَيْنِ رُوِّينَاهُمَا فِي هَذَا، نَظَرْنَا فِي ذَلِكَ
وَفِي سَائِرِ الأَشْيَاءِ الَّتِي لَا تَجِبُ بِالْعُقُودِ،
وَإِنَّمَا تَجِبُ بِحَالٍ أُخْرَى تَحْدُثُ بَعْدَهَا، كَيْفَ
حُكْمُهَا؟ فَرَأَيْنَا الرَّجُلَ يَبِيعُ الرَّجُلَ الْعَرَضَ
بِالدَّرَاهِمِ أَوْ بِمَا سِوَاهَا مِمَّا يَجُوزُ بِهِ
الْبَيْعُ، فَيَكُونُ مِنْ حَقِّ الْبَائِعِ احْتِبَاسُ
الْمَبِيعِ حَتَّى يَقْبِضَ ثَمَنَهُ، فَكُلٌّ قَدْ أَجْمَعَ
أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ قَبْضَ شَيْءٍ
مِنَ الْمَبِيعِ بِدَفْعِهِ إِلَيْهِ شَيْئًا مِنَ الثَّمَنِ،
وَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ فِي دَفْعِهِ بَعْضَ الثَّمَنِ كَهُوَ
لَوْ لَمْ يَدْفَعْ إِلَيْهِ شَيْئًا مِنَ الثَّمَنِ
وَرَأَيْنَا الرَّجُلَ يَرْهَنُ الرَّجُلَ الْعَرَضَ
بِالْمَالِ لَهُ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ مِنْ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ
احْتِبَاسُ الرَّهْنِ بِالدَّيْنِ
، وَكُلٌّ قَدْ أَجْمَعَ أَنَّ الرَّاهِنَ لَا يَسْتَحِقُّ
عَلَى الْمُرْتَهِنِ قَبْضَ شَيْءٍ مِنَ الرَّهْنِ بِدَفْعِهِ
إِلَيْهِ شَيْئًا مِنَ الدَّيْنِ الَّذِي رَهَنَهُ بِهِ ذَلِكَ
الرَّهْنَ، وَأَنَّ الرَّاهِنَ بَعْدَ بَرَاءَتِهِ إِلَى
الْمُرْتَهِنِ مِنْ بَعْضِ الدَّيْنِ فِي حُكْمِهِ الَّذِي
كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ بَرَاءَتِهِ إِلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ مِنْ
(2/464)
ذَلِكَ الدَّيْنِ فَكَانَ الْقِيَاسُ عَلَى
ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَا فِي الرَّهْنِ وَالْبَيْعِ اللَّذَيْنِ
وَصَفْنَا، أَنْ تَكُونَ الْكِتَابَةُ كَهُمَا، وَأَنْ يَكُونَ
الْمُكَاتَبُ بَعْدَ بَرَاءَتِهِ إِلَى مَوْلاهُ مِنْ بَعْضِ
الْمُكَاتَبَةِ فِي حُكْمِهِ قَبْلَ بَرَاءَتِهِ إِلَيْهِ مِنْ
شَيْءٍ مِنْهَا فَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ عِنْدَنَا، وَاللهُ
أَعْلَمُ وَفِي ذَلِكَ دَلالَةٌ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمْنَعُ مِنْ وُجُوبِ الْعَتَاقِ
لِلْمُكَاتَبِ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ سَنَذْكُرُهَا فِيمَا
بَعْدُ مِنْ كِتَابِنَا إِنْ شَاءَ اللهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ
عَزَّ وَجَلَّ: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي
آتَاكُمْ} فَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمُرَادِ
بِذَلِكَ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: لَيْسَ ذَلِكَ عَلَى
الْوُجُوبِ، وَلَكِنَّهُ عَلَى النَّدْبِ عَلَى الْخَيْرِ
وَالتَّقَرُّبِ إِلَى اللهِ تَعَالَى بِمَعُونَةِ
الْمُكَاتَبِينَ عَلَى مَا يُعْتَقُونَ بِهِ وَمِمَّنْ قَالَ
ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَزُفَرُ،
وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ فِي آخَرِينَ سِوَاهُمْ،
وَقَالُوا: لَيْسَ ذَلِكَ الَّذِي أَمَرَ بِهِ وَحَضَّ
عَلَيْهِ مِمَّا ذَكَرَ فِي هَذِهِ الآيَةِ مَقْصُودًا إِلَى
الْمُكَاتَبَةِ دُونَ مَا سِوَاهَا مِنْ مَالِ
الْمُكَاتَبِينَ، وَلَكِنَّهُ عَلَيْهَا وَعَلَى مَا سِوَاهَا
مِنْ أَمْوَالِ الْمُكَاتَبِينَ، فَمَا أَتَاهُ
الْمُكَاتَبُونَ مُكَاتِبِيهِمْ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابُوا
بِهِ مَا أُمِرُوا بِهِ فِي هَذِهِ الآيَةِ وَقَالَتْ
طَائِفَةٌ: عَلَى الْمَوْلَى أَنْ يَضَعَ عَنْ مُكَاتَبِهِ
شَيْئًا مِنْ مُكَاتَبَتِهِ الَّتِي كَاتَبَهُ عَلَيْهَا،
وَهُوَ مَأْخُوذٌ بِذَلِكَ، مَحْكُومٌ بِهِ
عَلَيْهِ غَيْرُ مُتَرَخَّصٍ لَهُ فِي تَرْكِهِ وَمِمَّنْ
ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَذَهَبُوا إِلَى تَأْوِيلِ
قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي
آتَاكُمْ} عَلَى الْوُجُوبِ وَالْحَتْمِ، لَا عَلَى النَّدْبِ
وَالْحَضِّ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِثْلَ ذَلِكَ، غَيْرَ
أَنَّهُمْ جَعَلُوا الْمَأْمُورَ بِوَضْعِهِ وَإِتْيَانِهِ
الْمُكَاتَبِينَ فِي هَذِهِ الآيَةِ رُبُعَ مَا كُوتِبُوا
عَلَيْهِ، فَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِي
ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا
اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَكَانَتْ مُحْتَمِلَةً لِمَا تَأَوَّلَهَا
كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَيْهِ، نَظَرْنَا فِيمَا رُوِيَ
عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ
السُّنَنِ الْمَأْثُورَةِ عَنْهُ، هَلْ فِيهِ مَا يَدُلُّ
عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَمْ لَا؟
2058 - فَوَجَدْنَا يُونُسَ، قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي رِجَالٌ مِنْ
أَهْلِ الْعِلْمِ،
(2/465)
مِنْهُمْ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ،
وَاللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ
عَائِشَةَ، قَالَتْ: جَاءَتْ بَرِيرَةُ إِلَيَّ، فَقَالَتْ:
يَا عَائِشَةُ، إِنِّي قَدْ كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ
أَوَاقٍ، فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ، فَأَعِينِينِي وَلَمْ
تَكُنْ قَضَتْ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئًا، فَقَالَتْ لَهَا
عَائِشَةُ: ارْجِعِي إِلَى أَهْلِكِ، فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ
أُعْطِيَهُمْ ذَلِكَ جَمِيعًا وَيَكُونُ وَلاؤُكِ لِي،
فَعَلْتُ، فَذَهَبَتْ إِلَى أَهْلِهَا، فَعَرَضَتْ ذَلِكَ
عَلَيْهِمْ، فَأَبَوْا وَقَالُوا: إِنْ شَاءَتْ أَنْ
تَحْتَسِبَ عَلَيْكِ فَلْتَفْعَلْ، وَيَكُونُ وَلاؤُكِ لَنَا
فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " لَا يَمْنَعُكِ ذَلِكَ مِنْهَا،
ابْتَاعِي وَأَعْتِقِي، فَإِنَّمَا الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ
" وَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي النَّاسِ، فَحَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ
قَالَ: " أَمَّا بَعْدُ، فَمَا بَالُ أُنَاسٍ يَشْتَرِطُونَ
شُرُوطًا؟ مَنْ شَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ
وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ
اللهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللهِ أَوْثَقُ، وَإِنَّمَا الْوَلاءُ
لِمَنْ أَعْتَقَ "
2059 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
أَنَّ مَالِكًا، أَخْبَرَهُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: جَاءَتْ بَرِيرَةُ إِلَى
عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: إِنِّي كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ
أَوَاقٍ، فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ فَقَالَتْ عَائِشَةُ:
إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ، وَيَكُونُ لِي
وَلاؤُكِ، فَعَلْتُ فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إِلَى أَهْلِهَا،
فَقَالَتْ لَهُمْ ذَلِكَ، فَأَبَوْا عَلَيْهَا، فَجَاءَتْ مِنْ
عِنْدِ أَهْلِهَا وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ جَالِسٌ، فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ عَرَضْتُ
عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فَأَبَوْا عَلَى أَنْ يَكُونَ الْوَلاءُ
لَهُمْ فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَسَأَلَهَا، فَأَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ، فَقَالَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خُذِيهَا
وَاشْتَرِطِي الْوَلاءَ لَهُمْ، فَإِنَّمَا الْوَلاءُ لِمَنْ
أَعْتَقَ " فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ، فَحَمِدَ
اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: " أَمَّا بَعْدُ،
فَمَا بَالُ قَوْمٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي
كِتَابِ اللهِ، مَا كَانَ
(2/466)
مِنْ شُرُوطٍ لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللهِ
فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللهِ
أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللهِ أَوْثَقُ، إِنَّمَا الْوَلاءُ لِمَنْ
أَعْتَقَ " فَوَجَدْنَا فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ مَا
يَدُلُّ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الَّذِينَ تَأَوَّلُوا
قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي
آتَاكُمْ} عَلَى الْحَضِّ وَالنَّدْبِ، لَا عَلَى الْوُجُوبِ
وَالْحَتْمِ، أَلا تَرَى إِلَى قَوْلِ بَرِيرَةَ لِعَائِشَةَ:
إِنِّي كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ، فِي كُلِّ
عَامٍ أُوقِيَّةٌ، فَأَعِينِينِي، وَلَمْ تَكُنْ
قَضَتْ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئًا، وَقَوْلِ عَائِشَةَ لَهَا:
ارْجِعِي إِلَى أَهْلِكِ، فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ أُعْطِيَهُمْ
ذَلِكَ جَمِيعًا أَوْ أَعُدَّهَا لَهُمْ، وَيَكُونُ وَلاؤُكِ
لِي، فَعَلْتُ، وَذِكْرِ عَائِشَةَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَرْكِ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْكَارَ ذَلِكَ
عَلَيْهَا، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا عَلَى أَهْلِ
بَرِيرَةَ وَضْعُ شَيْءٍ مِمَّا كَاتَبُوهَا عَلَيْهِ عَنْهَا،
إِذًا لَمَا بَذَلَتْ ذَلِكَ عَائِشَةُ لَهُمْ، وَلأَنْكَرَهُ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا
لَوْ بَذَلَتْهُ، وَلَقَالَ لَهَا: وَلِمَ تَدْفَعِي
إِلَيْهِمْ مَا لَا يَجِبُ لَهُمْ عَلَيْهَا، وَمَا قَدْ
أَوْجَبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ عَلَيْهِمْ إِسْقَاطَهُ
عَنْهَا؟ فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا بِهَذِهِ السُّنَّةِ
الَّتِي رُوِّينَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْمَعْنَى، مَا ذَهَبَتْ إِلَيْهِ
الطَّائِفَةُ الَّتِي ذَكَرْنَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ:
{وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي آتَاكُمْ} عَلَى
الْحَضِّ وَالنَّدْبِ، لَا عَلَى الْوُجُوبِ وَفِي هَذَيْنِ
الْحَدِيثَيْنِ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا
يُعْتَقُ بِعَقْدِ الْمُكَاتَبَةِ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا
يُعْتَقُ بِحَالٍ ثَابِتَةٍ تَطْرَأُ عَلَى الْمُكَاتِبِ
وَرُوِّيتُ فِي هَذَا آثَارٌ أُخَرُ تَدُلُّ عَلَى مَا
ذَكَرْنَا مِنْ نَفْيِ عَتَاقِ الْمُكَاتَبِ بِعَقْدِ
الْمُكَاتَبَةِ، وَهِيَ مَا
2060 - حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ مُحَمَّدُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ،
قَالَ:
(2/467)
حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
عَائِشَةَ، أَنَّهَا اشْتَرَتْ بَرِيرَةَ مِنْ نَاسٍ مِنَ
الأَنْصَارِ، وَاشْتَرَطُوا الْوَلاءَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْوَلاءُ لِمَنْ وَلِيَ
النِّعْمَةَ " قَالَ: وَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا
2061 - حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
قَبِيصَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ
إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
اشْتَرَيْتُ جَارِيَةً يُقَالُ لَهَا: بَرِيرَةُ، فَاشْتَرَطَ
مَوَالِيهَا أَنَّ الْوَلاءَ لَهُمْ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " اشْتَرِيهَا،
فَإِنَّمَا الْوَلاءُ لِمَنْ وَلِيَ النِّعْمَةَ، وَأَعْطَى
الثَّمَنَ "
2062 - حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ،
عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا
اشْتَرَتْ بَرِيرَةَ، فَأَعْتَقَتْهَا وَشَرَطَتْ لأَهْلِهَا
أَنَّ الْوَلاءَ لَهُمْ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّمَا الْوَلاءُ لِمَنْ
أَعْتَقَ "
2063 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ،
عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ
عَائِشَةَ، أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ
فَتُعْتِقَهَا، وَاشْتَرَطَ مَوَالِيهَا الْوَلاءَ، فَذَكَرَتْ
ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَقَالَ: " اشْتَرِيهَا فَأَعْتِقِيهَا، فَإِنَّمَا الْوَلاءُ
لِمَنْ أَعْتَقَ " وَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى زَوْجِهَا
2064 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى
(2/468)
بْنُ يَعْلَى، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ
الْمُعْتَمِرِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ
عَائِشَةَ، أَنَّهَا اشْتَرَتْ بَرِيرَةَ، وَاشْتَرَطَ
الَّذِينَ بَاعُوهَا الْوَلاءَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْوَلاءُ لِمَنِ اشْتَرَى "
فَأَعْتَقَهَا وَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ زَوْجُهَا حُرًّا، فَاخْتَارَتْ
نَفْسَهَا، وَفَرَّقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا
2065 - حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ، قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ،
فَقَالَتْ: دَخَلَتْ عَلَيَّ بَرِيرَةُ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ،
فَقَالَتِ: اشْتَرِينِي فَأَعْتِقِينِي، فَقُلْتُ: نَعَمْ،
فَقَالَتْ: إِنَّ أَهْلِي لَا يَبِيعُونِي حَتَّى يَشْتَرِطُوا
وَلائِي، فَقُلْتُ لَهَا لَا حَاجَةَ لَنَا بِذَلِكَ، فَسَمِعَ
بِذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَوْ بَلَغَهُ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ، فَذَكَرَتْ
عَائِشَةُ مَا قَالَتْ لَهَا، فَقَالَ: " اشْتَرِيهَا
فَأَعْتِقِيهَا، وَدَعِيهِمْ فَلْيَشْتَرِطُوا مَا شَاءُوا "
فَاشْتَرَتْهَا عَائِشَةُ فَأَعْتَقَتْهَا، وَاشْتَرَطَ
أَهْلُهَا الْوَلاءَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَإِنِ
اشْتَرَطُوا مِائَةَ شَرْطٍ "
2066 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ
نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ عَائِشَةَ سَاوَمَتْ
بَرِيرَةَ، فَلَمَّا رَجِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: إِنَّهُمْ أَبَوْا أَنْ
يَبِيعُونِي إِلا أَنْ يَشْتَرِطُوا الْوَلاءَ فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّمَا
الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ " فَفِي هَذِهِ الآثَارِ ابْتِيَاعُ
عَائِشَةَ بَرِيرَةَ بِأَمْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهَا بِذَلِكَ، وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ
قَبْلَ ذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَا فِي بَعْضِهَا، وَبِمَا
ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَجْنَاسِهَا، فَدَلَّ ذَلِكَ
أَنَّ عَقْدَ الْمُكَاتَبَةِ لَمْ يُوجِبُ لَهَا عَتَاقًا،
فَثَبَتَ بِذَلِكَ قَوْلُ مَنْ مَنَعَ الْعَتَاقَ بِعَقْدِ
الْمُكَاتَبَةِ ثُمَّ رَجَعْنَا إِلَى مَا كُنَّا فِيهِ مِنَ
الآثَارِ الْمَرْوِيَّةِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(2/469)
الدَّالَّةِ عَلَى مُرَادِ اللهِ عَزَّ
وَجَلَّ
بِقَوْلِهِ: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي آتَاكُمْ} ،
هَلْ هُوَ عَلَى الْوُجُوبِ أَوْ عَلَى الْحَضِّ؟ فَوَجَدْنَا:
2067 - الرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ، قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَسَدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ:
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ
عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا أَصَابَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَايَا بَنِي
الْمُصْطَلِقِ وَقَعَتْ جُوَيْرِيَةُ ابْنَةُ الْحَارِثِ فِي
سَهْمٍ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، أَوْ لابْنِ
عَمٍّ لَهُ، فَكَاتَبَتْ عَلَى نَفْسِهَا قَالَتْ: وَكَانَتِ
امْرَأَةً حُلْوَةً مَلاحَةً لَا يَكَادُ يَرَاهَا أَحَدٌ إِلا
أَخَذَتْ بِنَفْسِهِ، فَأَتَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْتَعِينُهُ فِي مُكَاتَبَتِهَا،
فَوَاللهِ مَا هُوَ إِلا أَنْ رَأَيْتُهَا عَلَى بَابِ
الْحُجْرَةِ فَكَرِهْتُهَا، وَعَرِفْتُ أَنَّهُ سَيَرَى
مِنْهَا مِثْلَ الَّذِي رَأَيْتُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ
اللهِ، أَنَا جُوَيْرِيَةُ ابْنَةُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي
ضِرَارٍ، سَيِّدِ قَوْمِهِ، وَقَدْ أَصَابَنِي مِنَ الأَمْرِ
مَا لَمْ يَخْفَ، فَوَقَعْتُ فِي سَهْمٍ لِثَابِتِ بْنِ
قَيْسٍ، أَوْ لابْنِ عَمٍّ لَهُ، فَكَاتَبْتُهُ، فَجِئْتُ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَسْتَعِينُهُ عَلَى كِتَابَتِي قَالَ: " فَهَلْ لَكِ فِي
خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ " قَالَتْ: وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللهِ؟
قَالَ: " أَقْضِي عَنْكِ كِتَابَتَكِ وَأَتَزَوَّجُكِ "
قَالَتْ: نَعَمْ قَالَ: " فَقَدْ فَعَلْتُ " وَخَرَجَ
الْخَبَرُ إِلَى النَّاسِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ جُوَيْرِيَةَ ابْنَةَ
الْحَارِثِ، فَقَالُوا: صِهْرُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَرْسَلُوا مَا فِي أَيْدِيهِمْ
قَالَتْ: فَلَقَدْ أَعْتَقَ بِتَزْوِيجِهِ إِيَّاهَا مِائَةَ
أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَلا نَعْلَمُ
امْرَأَةً كَانَتْ أَعْظَمَ بَرَكَةً عَلَى قَوْمِهَا مِنْهَا
فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدَّى جَمِيعَ مُكَاتَبَتِهَا عَنْهَا
إِلَى الَّذِي كَانَتْ وَقَعَتْ فِي سَهْمِهِ فَكَاتَبَهَا،
وَلَوْ كَانَ لَهَا عَلَى الَّذِي وَقَعَتْ فِي سَهْمِهِ
حَطِيطَةٌ مِمَّا كَاتَبَهَا عَلَيْهِ، لَكَانَ الَّذِي
يَقْصِدُ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِالأَدَاءِ عَنْهَا مِنَ الْمُكَاتَبَةِ، هُوَ
الْبَاقِي عَلَيْهَا بَعْدَ تِلْكَ الْحَطِيطَةِ
2068 - حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ
بُهْلُولٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ
(2/470)
إِدْرِيسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ،
عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
حَدَّثَنِي سُلَمَانُ الْفَارِسِيُّ، حَدَّثَنِيهُ مِنْ فِيهِ،
قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " كَاتِبْ " فَسَأَلْتُ صَاحِبِي ذَلِكَ، فَلَمْ
أَزَلْ بِهِ حَتَّى كَاتَبَنِي عَلَى أَنْ أُحْيِيَ لَهُ
ثَلاثَ مِائَةِ نَخْلَةٍ وَبِأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً مِنْ
وَرِقٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " أَعِينُوا أَخَاكُمْ بِالنَّخْلِ " فَأَعَانَنِي
كُلُّ رَجُلٍ بِقَدْرِهِ بِالثَّلاثِينَ، وَالْعِشْرِينَ،
وَالْخَمْسَةَ عَشَرَ، وَالْعَشْرَةِ، ثُمَّ قَالَ لِي: " يَا
سَلْمَانُ، اذْهَبْ فَفَقِّرْ لَهَا، فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ
تَضَعَهَا فَلا تَضَعْهَا حَتَّى تَأْتِيَنِي تُؤْذِنِّي،
فَأَكُونُ أَنَا الَّذِي أَضَعُهَا بِيَدِي " فَقُمْتُ فِي
فَقِيرِي، فَأَعَانَنِي أَصْحَابِي حَتَّى فَقَّرْنَا ثَرَاهَا
ثَلاثَ مِائَةِ وَدِيَّةٍ، وَجَاءَ كُلُّ رَجُلٍ بِمَا
أَعَانَنِي مِنَ النَّخْلِ، ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ يَضَعُهَا بِيَدِهِ،
وَجَعَلَ يُسَوِّي عَلَيْهَا تُرَابَهَا حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا
جَمِيعًا، فَلا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا بَقِيَتْ
مِنْهَا وَاحِدَةٌ، وَبَقِيَتِ الدَّرَاهِمُ، فَبَيْنَا
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ
فِي أَصْحَابِهِ إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ
بِمِثْلِ الْبَيْضَةِ مِنْ ذَهَبٍ أَصَابَهَا مِنْ بَعْضِ
الْمَعَادِنِ، فَتَصَدَّقَ بِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا فَعَلَ
الْفَارِسِيُّ الْمِسْكِينُ الْمُكَاتَبُ؟ ادْعُوهُ لِي "
فَدُعِيتُ لَهُ، فَجِئْتُ، فَقَالَ: " اذْهَبْ فَأَدِّهَا
عَنْكَ فِيمَا عَلَيْكَ مِنَ الْمَالِ " قُلْتُ: فَأَيْنَ
تَقَعُ هَذِهِ مِمَّا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "
إِنَّ اللهَ سَيُؤَدِّيهَا "
فَفِي هَذَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرْ مَوْلَى سَلْمَانَ بِحَطٍّ عَنْهُ
مِنْ مُكَاتَبَتِهِ، وَلا بِوَضْعٍ عَنْهُ مِنْهَا فَقَدْ
دَلَّ مَا رُوِّينَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا مِنْ هَذِهِ الآثَارِ أَنَّهُ
لَا وَاجِبَ لِلْمُكَاتَبِينَ عَلَى مَنْ كَاتَبَهُمْ
حَطِيطَةً مِمَّا كَاتَبُوهُمْ عَلَيْهِ، وَلا وُضِعَ عَنْهُمْ
مِنْهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آثَارٌ نَحْنُ
ذَاكِرُوهَا فِيمَا بَقِيَ إِنْ شَاءَ اللهُ، فَمِنْهَا مَا
2069 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ مُوسَى، قَالَ:
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ
(2/471)
الْوَاشِحِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ،
عَنْ أَبِي، قَالَ: وَقَالَ مَيْمُونٌ، عَنْ عَمِّي، قَالَ:
وَحَدَّثَتْنِي أُمِّي، وَأَهْلِي، أَنَّ جَدِّي، قَالَ
لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: كَاتِبْنِي، قَالَ " اعْرِضْ "
قَالَ: قُلْتُ: مِائَةَ أُوقِيَّةٍ قَالَ: فَمَا
اسْتَزَادَنِي، فَأَرَادَ شَيْئًا يَعْطِينِيهُ فَلَمْ يَجِدْ،
فَأَرْسَلَ إِلَى حَفْصَةَ: " إِنِّي قَدْ كَاتَبْتُ غُلامِي،
وَإِنِّي أُرِيدُ أُعْطِيهِ شَيْئًا، فَابْعَثِي إِلَيَّ
بِدَرَاهِمَ "، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ،
فَقَالَ: " خُذْهَا، بَارَكَ اللهُ لَكَ فِيهَا " قَالَ:
فَبَارَكَ اللهُ لِي فِيهَا، قَدْ أَعْتَقْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ
مِنْهَا قَالَ: فَاسْتَأْذَنْتُهُ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَأْذَنَ لِي أَنْ آتِيَ
الْعِرَاقَ؟ قَالَ: " أَنَا قَدْ كَاتَبْتُكَ، فَاذْهَبْ
حَيْثُ شِئْتَ " قَالَ: فَأَرَادَ مَوَالٍ لِبَنِي غِفَارٍ
أَنْ يَصْحَبُونِي، فَقَالُوا: كَلِّمْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ
أَنْ يَكْتُبَ لَنَا كِتَابًا نُكْرَمُ بِهِ قَالَ: وَعَلِمْتُ
أَنَّهُ سَيَكْرَهُ ذَلِكَ، فَكَلَّمْتُهُ فَانْتَهَرَنِي،
وَمَا انْتَهَرَنِي قَبْلَهَا، فَقَالَ: " أَتُرِيدُ أَنْ
تَظْلِمَ النَّاسَ أَنْتَ أُسْوَةُ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: "
فَخَرَجْنَا، فَلَمَّا قَدِمْنَا جِئْتُ مَعِي بِنَمَطٍ
وَطِنْفَسَةٍ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَذَان
هَدِيَّةٌ لَكَ قَالَ: فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا فَأَعْجَبَاهُ،
ثُمَّ رَدَّهُمَا عَلَيَّ، وَقَالَ: " إِنَّهُ قَدْ بَقِيَتْ
بَقِيَّةٌ مِنْ مُكَاتَبَتِكَ، فَاسْتَعِنْ بِهِمَا فِي
مُكَاتَبَتِكَ " فَفِي هَذَا أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ لَمْ يَضَعْ عَنْهُ مِنْ مُكَاتَبَتِهِ الَّتِي
كَاتَبَهُ عَلَيْهَا شَيْئًا، وَإِنَّمَا أَعَانَهُ بِشَيْءٍ
مِنْ غَيْرِ الْمُكَاتَبَةِ، فَفِي ذَلِكَ مَا دَلَّ أَنَّ
تَأْوِيلَ قَوْلِهِ: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي
آتَاكُمْ} كَانَ عِنْدَهُ عَلَى النَّدْبِ وَالْحَضِّ، لَا
عَلَى الْوُجُوبِ
2070 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ بْنِ
أَسْمَاءَ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ عَبْدٍ
لِعُثْمَانَ، قَالَ: " بَعَثَنِي عُثْمَانُ أَمِيرُ
الْمُؤْمِنِينَ فِي تِجَارَةٍ، فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ فَأَحْمَدَ
وِلايَتِي، فَقُمْتُ إِلَيْهِ ذَاتَ يَوْمٍ، فَقُلْتُ: إِنِّي
أُرِيدُ الْكِتَابَةَ، فَقَطَّبَ، ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ،
وَلَوْلا آيَةٌ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا فَعَلْتُ،
أُكَاتِبُكَ عَلَى مِائَةِ أَلْفٍ، عَلَى أَنْ تَعُدَّهَا لِي
فِي عَدَّتَيْنِ، وَاللهِ لَا أَغُضُّكَ مِنْهَا دِرْهَمًا
(2/472)
قَالَ: فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ،
فَتَلَقَّانِيَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، فَقَالَ: مَا
الَّذِي أَرَى بِكَ؟ قُلْتُ: كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ
بَعَثَنِي فِي تِجَارَةٍ، فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ، فَأَحْمَدَ
وِلايَتِي، فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ، أَسْأَلُكَ الْكِتَابَةَ قَالَ: فَقَطَّبَ
ثُمَّ قَالَ: لَوْلا آيَةٌ فِي كِتَابِ اللهِ مَا فَعَلْتُ،
أُكَاتِبُكَ عَلَى مِائَةِ أَلْفٍ عَلَى أَنْ تَعُدَّهَا لِي
فِي عَدَّتَيْنِ، وَاللهِ لَا أَغُضُّكَ مِنْهَا دِرْهَمًا
قَالَ: ارْجِعْ قَالَ: فَدَخَلَ عَلَيْهِ، فَقَامَ قَائِمًا،
فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فُلانٌ كَاتَبْتُهُ؟
قَالَ: فَقَطَّبَ، ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ، وَلَوْلا أَنَّهُ فِي
كِتَابِ اللهِ مَا فَعَلْتُ، أُكَاتِبُهُ عَلَى مِائَةِ أَلْفٍ
عَلَى أَنْ يَعُدَّهَا لِي فِي عَدَّتَيْنِ، وَاللهِ لَا
أَغُضُّهُ مِنْهَا دِرْهَمًا قَالَ: فَغَضِبَ الزُّبَيْرُ،
وَقَالَ: وَاللهِ لأَمْثُلَنَّ بَيْنَ يَدَيْكَ قَائِمًا
أَطْلُبُ إِلَيْكَ حَاجَةً تَحُولُ دُونَهَا بِيَمِينٍ،
وَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا: كَاتِبْهُ قَالَ: فَكَاتَبْتُهُ،
وَانْطَلَقَ بِيَ الزُّبَيْرُ إِلَى أَهْلِهِ، فَأَعْطَانِي
مِائَةَ أَلْفٍ، وَقَالَ: انْطَلِقْ فَاطْلُبْ فِيهَا مِنْ
فَضْلِ اللهِ، فَإِنْ غَلَبَكَ أَمْرٌ فَأَدِّ إِلَى عُثْمَانَ
مَالَهُ مِنْهَا قَالَ: فَانْطَلَقْتُ، فَطَلَبْتُ فِيهَا مِنْ
فَضْلِ اللهِ، فَأَدَّيْتُ إِلَى عُثْمَانَ مَالَهُ، وَإِلَى
الزُّبَيْرِ مَالَهُ، وَفَضَلَتْ فِي يَدِي ثَمَانُونَ أَلْفًا
"
فَفِي هَذَا دَلِيلٌ أَنَّ عُثْمَانَ قَالَ: " أُكَاتِبُهُ
عَلَى مِائَةِ أَلْفٍ عَلَى أَنْ يَعُدَّهَا لِي فِي
عَدَّتَيْنِ، وَاللهِ لَا أَغُضُّهُ مِنْهَا دِرْهَمًا "،
فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ اللهِ عَزَّ
وَجَلَّ: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي آتَاكُمْ}
عِنْدَ عُثْمَانَ عَلَى النَّدْبِ، لَا عَلَى الْحَتْمِ وَقَدْ
وَقَفَ الزُّبْيَرُ مِنْ عُثْمَانَ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ،
وَخَاطَبَهُ عُثْمَانُ بِهِ فَلَمْ يُنْكِرْهُ عَلَيْهِ،
فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى مُتَابَعَتِهِ إِيَّاهُ عَلَيْهِ،
وَعَلَى أَنَّ مَذْهَبَهُ كَانَ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الآيَةِ
الَّتِي تَلَوْنَا كَمَذْهَبِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُمَا فِيهِ وَهَذَا مِنْ عُثْمَانَ وَالزُّبَيْرِ رَضِيَ
اللهُ عَنْهُمَا وَكَانَ مِثْلُهُ مِنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ بِحَضْرَةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِوَاهُمْ، فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ
مُنْكِرٌ، وَلَمْ يُخَالِفْهُمْ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ فَدَلَّ
ذَلِكَ عَلَى اتِّفَاقِهِمْ جَمِيعًا عَلَيْهِ، وَعَلَى
اسْتِوَاءِ مَذْهَبِهِمْ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِم ْ
(2/473)
2071 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ
مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، عَنْ
سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى الثَّعْلَبِيِّ، قَالَ:
شَهِدْتُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيَّ، فَكَاتَبَ
غُلامًا لَهُ عَلَى أَرْبَعَةِ آلافِ دِرْهَمٍ، وَشَرَطَ
عَلَيْهِ إِنْ عَجَزَ رُدَّ فِي الرِّقِّ، وَمَا أَخَذْتُ
مِنْكَ فَهُوَ لِي، فَوَضَعَ عَنْهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ مِنَ
الأَرْبَعَةِ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ خَلِيلَكَ عَلِيًّا
رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، يَقُولُ: " {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللهِ
الَّذِي آتَاكُمْ} : هُوَ الرُّبُعُ " وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَنَا
فِي هَذَا حُجَّةٌ لِوَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ اللَّذَيْنِ
ذَكَرْنَا عَلَى الْفَرِيقِ الآخَرِ مِنْهُمَا، لأَنَّهُ
يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلِيٌّ تَأَوَّلَ قَوْلَهُ عَزَّ
وَجَلَّ: وَآتُوهُمْ مِنْ
مَالِ اللهِ الَّذِي آتَاكُمْ سُورَة النُّور آيَة عَلَى
النَّدْبِ وَالْحَضِّ، لَا عَلَى وُجُوبِ ذَلِكَ وَالْحَتْمِ،
فَرَأَى أَنْ يُوضَعَ بِذَلِكَ عَنِ الْمُكَاتَبِ رُبُعُ
الْكِتَابَةِ مِنْ غَيْرِ إِجْبَارٍ يَلْزَمُ مَوْلاهُ فِي
ذَلِكَ، وَلا إِيجَابٍ عَلَيْهِ كَمَا أُمِرْنَا بِالإِطْعَامِ
مِنَ الأُضْحِيَةِ، وَوَقَّتَ فِي ذَلِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ
الثُّلُثَ مِنْهَا، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى الْوُجُوبِ
عِنْدَهُ، وَلا عَلَى التَّوْقِيتِ الَّذِي لَا يُجْزِئُ
دُونَهُ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا رُوِّينَا عَنْ
عَلِيٍّ مِنْ هَذَا عَلَى الْوُجُوبِ، وَعَلَى التَّوْقِيتِ
الَّذِي لَا يُجْزِئُ دُونَهُ وَلَمَّا كَانَ حَدِيثُ عَلِيٍّ
هَذَا مُحْتَمِلا لِمَا ذَكَرْنَا لَمْ تَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ
لِوَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ عَلَى الْقَوْلِ
الآخَرِ وَمِنْهَا مَا
2072 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ
الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ
بْنِ شَقِيقٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ
بْنِ بُرَيْدَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، يَقُولُ فِي قَوْلِ
اللهِ عَزَّ وَجَلَّ " وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي
آتَاكُمْ سُورَة النُّور آيَة، قَالَ: حَثَّ النَّاسَ عَلَى
ذَلِكَ "
(2/474)
فَفِي هَذَا التَّأْوِيلِ مَا دَلَّ عَلَى
أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْلِهِ: وَآتُوهُمْ
مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي آتَاكُمْ سُورَة النُّور آيَة إِلَى
الْمَوَالِي الْمُكَاتِبِينَ خَاصَّةً دُونَ مَنْ سِوَاهُمْ
مِنَ النَّاسِ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا قَصَدَ إِلَى النَّاسِ
جَمِيعًا، فَحَضَّهُمْ عَلَى الْخَيْرِ وَعَلَى مُعَاوَنَةِ
الْمُكَاتَبِينَ عَلَى مُكَاتَبَاتِهِمْ لِكَيْ يُعْتَقُوا
وَقَدْ كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَذْهَبُ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ
الآيَةِ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى كَمَا
2073 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ
مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ " {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللهِ
الَّذِي آتَاكُمْ} ، قَالَ: هِيَ شَيْءٌ حَثَّ النَّاسَ
عَلَيْهِ " قِيلَ لِسُفْيَانَ: الْمَوْلَى وَغَيْرُهُ؟ قَالَ:
نَعَمْ وَالنَّظَرُ مِنْ بَعْدِ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ
لَا وَاجِبَ عَلَى الْمَوْلَى لِمُكَاتَبِهِ إِسْقَاطَ شَيْءٍ
مِمَّا كَاتَبَهُ عَلَيْهِ، وَلا تَمْلِيكَهُ شَيْئًا مِنْ
مَالِهِ سِوَاهُ، وَذَلِكَ أَنَّا رَأَيْنَا الْمُكَاتَبَةَ
لَا تَجُوزُ إِلا عَلَى مِقْدَارٍ مِنَ الْمَالِ مَعْلُومٍ،
وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ غَيْرِ
مَعْلُومٍ فُسِخَتِ الْمُكَاتَبَةُ وَأُمِرَ بِتَرْكِهَا،
وَلَمْ يُخَلَّ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمُضِيِّ عَلَيْهَا،
وَكَانَ إِذَا كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ مَعْلُومٍ جَازَتِ
الْمُكَاتَبَةُ بَيْنَهُمَا، وَأُمِرَا بِإِمْضَائِهَا
عَلَيْهِمَا، وَوَجَبَ عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ إِعَانَةُ
الْمُكَاتَبِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ مُكَاتَبَتِهِ إِلَى
الْحُرِّيَّةِ وَلَوْ كَانَتِ الْمُكَاتَبَةُ إِذَا عُقِدَتْ
عَلَى مَالٍ مَعْلُومٍ وَجَبَ لِلْمُكَاتَبِ بَعْضُ ذَلِكَ
الْمَالِ عَلَى مَوْلاهُ الَّذِي كَاتَبَهُ عَلَيْهِ، كَانَ
مَا وَجَبَ لِلْمُكَاتَبِ عَلَى الْمَوْلَى مِنْهُ سَاقِطًا
مِنَ الْمُكَاتَبَةِ، فَكَانَ كَمَا لَمْ يُسَمَّ فِيهَا،
وَكَمَا لَمْ يُعْقَدْ عَلَيْهِ، لأَنَّهُ لَمَّا كَانَ
جَمِيعُ الْمُكَاتَبَةِ لِلْمَوْلَى عَلَى الْمُكَاتَبِ
وَطَائِفَةٌ مِثْلُ بَعْضِ تِلْكَ الْمُكَاتَبَةِ
لِلْمُكَاتَبِ عَلَى الْمَوْلَى، كَانَتْ كَتِلْكَ
الطَّائِفَةِ سَاقِطَةً عَنِ الْمُكَاتَبِ غَيْرَ وَاجِبَةٍ
عَلَيْهِ، وكَانَ الْوَاجِبُ بِعَقْدِ الْمُكَاتَبَةِ
لِلْمَوْلَى عَلَى الْمُكَاتَبِ هُوَ الْبَاقِي بَعْدَهَا،
وَالْبَاقِي بَعْدَهَا مَجْهُولٌ، لأَنَّ الْحَطِيطَةَ لَمَّا
كَانَتْ لَا مِقْدَارَ لَهَا مَعْلُومٌ فِي قَوْلِ مَنْ
يُوجِبُهَا، كَانَ الْبَاقِي بَعْدَهَا مِنَ الْمُكَاتَبَةِ
الْمَعْلُومَةِ مَجْهُولا فَفِي تَثْبِيتِهِمْ عَقْدَ
الْمُكَاتَبَةِ عَلَى الْمِقْدَارِ الْمَعْلُومِ دَلِيلٌ عَلَى
أَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا هُوَ
جَمِيعُ مَا عُقِدَتْ عَلَيْهِ، لَا حَطِيطَةَ عَلَى
الْمَوْلَى فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْقَائِلُونَ مِمَّنْ
ذَكَرْنَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْبَابِ
(2/475)
وَأَمَّا مَا ذَكَرْنَا عَنْ عَلِيٍّ مِنَ
التَّوْقِيتِ فِي ذَلِكَ رُبُعَ الْمُكَاتَبَةِ، فَلَمْ نَقِفْ
عَلَى أَنَّ مَذْهَبَهُ كَانَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْحَتْمِ
وَالْوُجُوبِ، فَنَجْعَلُهُ حُجَّةً فِي تَوْقِيتِ هَذَا
الْمِقْدَارِ مِنَ الْمُكَاتَبَةِ وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ قَدْ
يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَانَ مِنْهُ عَلَى الْحَضِّ
وَالنَّدْبِ وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذَا
الْمُكَاتَبِ الَّذِي ذَكَرْنَا، يَمُوتُ بَعْدَ مُكَاتَبَتِهِ
قَبْلَ أَدَائِهِ إِلَى مَوْلاهُ، وَيَتْرُكُ مَالا قَدْ
كَسَبَهُ فِي حَالِ الْمُكَاتَبَةِ، فقَالَتْ طَائِفَةٌ
مِنْهُمْ: يُؤَدَّى إِلَى الْمَوْلَى مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ
جَمِيعُ الْبَاقِي لَهُ عَلَى الْمُكَاتَبِ فَيُعْتَقُ
بِذَلِكَ الْمُكَاتَبَ، وَيَكُونُ ذَلِكَ الأَدَاءُ عَنْهُ
بَعْدَ وَفَاتِهِ كَأَدَائِهِ عَنْ نَفْسِهِ فِي حَيَاتِهِ
وَمِمَّنْ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو
يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: جَمِيعُ
مَا خَلَفَهُ الْمُكَاتَبُ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ لِمَوْلاهُ،
وَقَدْ بَطَلَتِ الْمُكَاتَبَةُ، وَصَارَ حُكْمُ الْمُكَاتَبِ
كَالْعَاجِزِ فِي حَيَاتِهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَصْحَابِ
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَانِ
الْقَوْلانِ جَمِيعًا فَمِمَّا رُوِيَ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ مَا
2074 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ،
عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ يُقَالُ
لَهُ: مُحَمَّدُ بْنُ قَابُوسَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ كَانَ
مَعَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بِمِصْرَ، وَكَتَبَ إِلَى
عَلِيٍّ يَسْأَلُهُ عَنْ مُكَاتَبٍ مَاتَ، وَتَرَكَ أَوْلادًا
أَحْرَارًا وَبَقِيَّةً مِنْ مُكَاتَبَتِهِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ
عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: " يُؤَدَّى عَنْهُ مَا بَقِيَ
مِنْ مُكَاتَبَتِهِ، وَيَكُونُ مَا بَقِيَ مِيرَاثًا
لِوَلَدِهِ "
2075 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي قَتَادَةُ، قَالَ:
قُلْتُ لابْنِ الْمُسَيِّبِ: إِنَّ شُرَيْحًا، كَانَ يَقُولُ:
يُبْدَأُ
(2/476)
بِالْمُكَاتَبَةِ قَبْلَ الدَّيْنِ، أَوْ
يُشْرَكُ بَيْنَهُمَا يَعْنِي فِي الْمُكَاتَبِ إِذَا مَاتَ،
شَكَّ شُعْبَةُ، فَقَالَ: أَخْطَأَ شُرَيْحٌ، وَكَانَ
قَاضِيًا، قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: " يُبْدَأُ بِالدَّيْنِ
" قَالَ أَحْمَدُ: فَفِي قَوْلِ زَيْدٍ: " يُبْدَأُ
بِالدَّيْنِ " مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُكَاتَبَةَ تُعَدُّ
عِنْدَهُ كَانَتْ قَائِمَةً، وَلَمْ يَفْسَخْهَا مَوْتُ
الْمُكَاتَبِ
2076 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ شُعْبَةَ،
عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قُلْتُ لابْنِ الْمُسَيِّبِ: إِنَّ
شُرَيْحًا، كَانَ يَقُولُ: فِي الْمُكَاتَبِ يَمُوتُ
وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، وَعَلَيْهِ بَقِيَّةٌ مِنْ مُكَاتَبَتِهِ:
قَصُرَتْ مَوَالِيهِ بِمَا قَدْ حَلَّ مِنْ نُجُومِهِمْ،
وَقَصُرَتْ غُرَمَاؤُهُ بِدَيْنِهِمْ قَالَ: أَخْطَأَ
شُرَيْحٌ، وَكَانَ قَاضِيًا، قَالَ: زَيْدٌ يَقُولُ: "
يُبْدَأُ بِالدَّيْنِ "
2077 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
نُعْيَمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي
مُلَيْكَةَ، أَنَّ امْرَأَةً كُوتِبَتْ، ثُمَّ وَلَدَتْ
وَلَدَيْنِ بَعْدَمَا كُوتِبَتْ، ثُمَّ مَاتَتْ، فَسُئِلَ
عَنْهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: " إِنْ
قَامَا بِكِتَابَةِ أُمِّهِمَا فَذَلِكَ لَهُمَا، وَإِنْ
قَضَيَاهَا أَعْتِقَا " فَهَذَا عَلِيٌّ، وَزَيْدٌ، وَابْنُ
الزُّبَيْرِ قَدْ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ مَوْتَ الْمُكَاتَبِ
لَا يَفْسَخُ مُكَاتَبَتَهُ إِذَا كَانَ قَدْ تَرَكَ مَا
يُؤَدَّى عَنْهُ مِنْهُ، أَوْ مَنْ يَقُومُ بِهَا عَنْهُ
وَمِمَّا رُوِيَ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ مِمَّا يُوَافِقُ
الْقَوْلَ الآخَرَ مَا
2078 - قَدْ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ،
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: " إِذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَقَدْ
أَدَّى طَائِفَةً مِنْ كِتَابَتِهِ وَتَرَكَ مَالا، فَإِنَّ
مَالَهُ وَمَا تَرَكَ مِنْ شَيْءٍ لِسَيِّدِهِ، وَلَيْسَ
لِوَرَثَتِهِ مِنْ مَالِهِ شَيْءٌ "
(2/477)
قَالَ وَكَانَ لَهُ مكَاتب ولمكاتبة ولد من
وليدة قد أدّى من مُكَاتبَته خَمْسَة آلَاف ثمَّ مَاتَ فَقبض
ابْن عمر مَا ترك من شىء أجمع واسترقهم وَلما اخْتلفُوا فِي
ذَلِك نَظرنَا فِيمَا ذهب إِلَيْهِ كل فريق فَوَجَدنَا الَّذين
يذهبون فى ذَلِك إِلَى بطلَان مُكَاتبَة الْمكَاتب بِمَوْتِهِ
يذهبون فى ذَلِك إِلَى أَن الْمُكَاتبَة كالعتاق على الصّفة
فَإِذا بطلت الصّفة الَّتِى بهَا يكون الْعتاق لم يجب الْعتاق
كَرجل قَالَ لعَبْدِهِ: إِذا أدّيت إِلَيّ ألف دِرْهَم فَأَنت
حر،وَقبل ذَلِك العَبْد مِنْهُ ثمَّ مَاتَ العَبْد قبل أَدَاء
الدَّرَاهِم إِلَيْهِ أَن ذَلِك القَوْل قد بَطل وَأَنه لَا
يلْحق العَبْد بِهِ عتاق بعد ذَلِك أبدا وَكَانَ مَذْهَب أهل
هَذَا القَوْل الآخر من قَائِله إِن الْمُكَاتبَة الصَّحِيحَة
على المَال الْمَعْلُوم لَيست كالعتاق على المَال الْمُشْتَرط
فِيهِ وجوب الْعتاق بعده كَمَا ذكر أهل القَوْل الأول وَلَكِن
حكمهَا حكم التمليكات الْوَاجِبَات كالبياعات وكما أشبههَا
مَالا يُبطلهُ مَا يطْرَأ عَلَيْهِ من الْمَوْت الْحَادِث فى
متعاقديه بعد ذَلِك لِأَن الْمُكَاتبَة فِيهَا تمْلِيك من
الْمولى لعَبْدِهِ كَسبه بِمَا كَاتبه عَلَيْهِ، فَإِذا وَقعت
الْمُكَاتبَة بَينهمَا على ذَلِك ملك الْمكَاتب كَسبه بذلك
العقد فَصَارَ لَهُ دون مَوْلَاهُ وَصَارَت الْمُكَاتبَة دينا
عَلَيْهِ لمَوْلَاهُ
أَلا ترى أَن الْمكَاتب لَو اكْتسب بعد التكاتب مَالا ثمَّ أَن
مَوْلَاهُ بعد ذَلِك أعْتقهُ بِلِسَانِهِ أَنه يكون حرا وَأَن
كَسبه الذى كَانَ فى حَال الْمُكَاتبَة لَهُ دون مَوْلَاهُ
وَأَن مَوْلَاهُ لم يكن مَالِكًا لشىء من ذَلِك الْكسْب قطّ
وَأَن ذَلِك لَا ينْسبهُ العَبْد إِذا جعله مَوْلَاهُ حرا إِن
أدّى إِلَيْهِ مَالا لِأَن ذَلِك العَبْد لَو اكْتسب مَالا
ثمَّ أعْتقهُ مَوْلَاهُ بعد ذَلِك بِلِسَانِهِ وَقبل أَدَاء
العَبْد المَال الذى أعْتقهُ عَلَيْهِ كَانَ ذَلِك المَال الذى
اكْتَسبهُ قبل إِعْتَاق الْمولى إِيَّاه غير مُخْتَلف فِيهِ
أَنه قد كَانَ للْمولى قبل إِعْتَاقه إِيَّاه وَإِنَّمَا
يخْتَلف أهل الْعلم فى الحكم فى ذَلِك المَال بعد وُقُوع
الْعتاق من الْمولى على ذَلِك العَبْد فطائفة مِنْهُم تَقول
ذَلِك المَال للْمولى وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِك أَبُو حنيفَة
وسُفْيَان وَزفر وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد والشافعى.
وَطَائِفَة تَقول ذَلِك المَال للْعَبد الْمُعْتق دون
مَوْلَاهُ وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِك مَالك بن أنس
(2/478)
فَلَمَّا كَانَ مَا اكْتَسبهُ الْمكَاتب فى
حَال الْمُكَاتبَة لَهُ دون مَوْلَاهُ ثَبت بذلك أَن الْمكَاتب
قد ملك على مَوْلَاهُ بعد الْمُكَاتبَة مالم يملك مثله العَبْد
الذى قَالَ لَهُ مَوْلَاهُ إِن أدّيت إِلَيّ ألف دِرْهَم
فَأَنت حر، على مَوْلَاهُ
فَلَمَّا مَاتَ الْمكَاتب بعد ملكه مَا ذكرنَا لم يكن مَوته
مُبْطلًا لشىء مِمَّا كَانَ ملكه فى حَيَاته وَجرى حكمه بعد
مَوته على حكمه الذى كَانَ يجرى عَلَيْهِ فى حَيَاته وَلما
كَانَ العَبْد الْمُعْتق بعد أَدَائِهِ الدَّرَاهِم الَّتِى
ذكرنَا لم يملك على مَوْلَاهُ شَيْئا فى حَيَاته فَمَاتَ بعد
ذَلِك اسْتَحَالَ أَن يكون يسْتَأْنف بِهِ بعد وَفَاته تمْلِيك
مَا لم يكن ملكه على مَوْلَاهُ فى حَيَاته فَهَذِهِ حجَّة وفى
ذَلِك حجَّة أُخْرَى وَهُوَ أَن العَبْد الذى قَالَ لَهُ
مَوْلَاهُ إِذا أدّيت إِلَيّ ألف دِرْهَم فَأَنت حر لَو مَاتَ
مَوْلَاهُ بعد هَذَا القَوْل قبل أَدَاء العَبْد إِلَيْهِ
الدَّرَاهِم الَّتِى جعله حرا إِن أَدَّاهَا بَطل ذَلِك
القَوْل وَلم يجز للْعَبد بعد موت مَوْلَاهُ اسْتِحْقَاق ذَلِك
الْعتاق بأَدَاء تِلْكَ الدَّرَاهِم إِلَى من خَلفه فى مَاله
من وصّى وَمن وَارِث لِأَن الصّفة الَّتِى عقد لَهُ الْمولى
الْعتاق عيها وَجعله حرا بهَا قد ذهبت وَصَارَ أَدَاؤُهُ بعد
وَفَاة مَوْلَاهُ إِنَّمَا هُوَ أَدَاء إِلَى غير مَوْلَاهُ
وَالْمكَاتب فَلم يره سلك بِهِ هَذَا المسلك لأَنا لم نجدهم
يَخْتَلِفُونَ فى الْمكَاتب بِمَوْت مَوْلَاهُ أَن ذَلِك لَا
يفْسخ مُكَاتبَته وَأَنه يُؤدى مُكَاتبَته بعد موت مَوْلَاهُ
إِلَى من يجب عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ إِلَيْهِ من وصّى إِن كَانَ
أَو وَارِث إِن كَانَ لَهُ وَاجِب لَهُ فيض المكاتبه بعد
مَوْلَاهُ فَلَمَّا كَانَ ذَلِك خرج بِهِ حكم الْمكَاتب من حكم
العَبْد الذى جعله مَوْلَاهُ حرا إِن أدّى إِلَيْهِ ألف
دِرْهَم وَبَطل اسْتِعْمَال الصِّفَات فى الْمكَاتب الذى
ذكرنَا وَثَبت اسْتِعْمَالهَا فى العَبْد الذى وَصفنَا
وَوجدنَا العَبْد الذى وَصفنَا يستوى حكمه بعد موت مَوْلَاهُ
وَبعد مَوته نَفسه فى حكم القَوْل الذى كَانَ من مَوْلَاهُ
لَهُ وَهُوَ قَول لَهُ "إِن أدّيت إِلَى ألف دِرْهَم فَأَنت
حر" لِأَنَّهُ إِذا قَالَ لَهُ ذَلِك ثمَّ مَاتَ الْمولى أَو
مَاتَ العَبْد قبل أَدَاء الدَّرَاهِم إِلَى الْمولى بَطل
ذَلِك القَوْل الذى كَانَ من الْمولى فَصَارَ كلا قَول
فَلَمَّا كَانَ حكم ذَلِك القَوْل بعد موت الْمكَاتب وَبعد موت
مَوْلَاهُ مؤتلفا غير مُخْتَلف فَلَمَّا كَانَ موت الْمولى غير
مُبْطل للمكاتبة
(2/479)
وَكَانَت الْمُكَاتبَة تجرى بعد مَوته على
مَا كَانَت تجرى عَلَيْهِ فى حَيَاته كَانَ كَذَلِك بقى بعد
موت الْمكَاتب تجرى على مَا كَانَت عَلَيْهِ فى حَيَاته
فَإِن قَالَ قَائِل: أفيجوز أَن يكون الْمكَاتب بعد موت
مَوْلَاهُ مكَاتبا وعتيقا بعد مَوته فَيكون مَيتا حرا بعد أَن
كَانَ مَيتا مكَاتبا
قيل لَهُ: كَمَا جَازَ بِمَا وَصفنَا أَن يكون بعد مَوته
مكَاتبا جَازَ أَن يكون بعد مَوته مُسْتَعْملا فِيهِ حكم
الْمُكَاتبَة الْقَائِمَة فِيهِ بعد مَوته فَهَذِهِ حجَّة وفى
ذَلِك حجَّة أُخْرَى إِنَّا قد وجدنَا أَحْكَام الْمولى فى
قَضَاء دُيُونهم من تركاتهم ترجع بذلك أحكامهم إِلَى قضائهم
تِلْكَ الدُّيُون عَن أنفسهم فى حياتهم أَلا ترى أَن رجلا لَو
مَاتَ وَعَلِيهِ دين بقى بِتركَتِهِ وَله ابْنَانِ لَا وَارِث
لَهُ غَيرهمَا أَنَّهُمَا ممنوعان من مِيرَاثه للدّين الذى
عَلَيْهِ وَأَن أَحدهمَا لَو مَاتَ بعد ذَلِك وَترك بَنِينَ
أَنه قد مَاتَ قبل وراثته شَيْئا من تَرِكَة ابْنه إِذا كَانَ
الله عز وَجل إِنَّمَا جعل التركات مِيرَاثا للْوَرَثَة بعد
قَضَاء الدُّيُون وَبعد إِنْفَاذ الْوَصَايَا لقَوْله عز وَجل
بعد ذكره مَا ذكره من الْفَرَائِض والمواريث {من بعد وَصِيَّة
يوصى بهَا أَو دين} و {من بعد وَصِيَّة توصون بهَا أَو دين} و
{من بعد وَصِيَّة يوصين بهَا أَو دين} وَكَانَ هَذَا
الْمُتَوفَّى أولى من هذَيْن المتوفيين اللَّذين ذكرنَا لَو
أَبرَأَهُ الْغُرَمَاء من الدَّين لَهُم عَلَيْهِ فبرىء من
ذَلِك وَصَارَ لَا دين عَلَيْهِ عَادَتْ تركته ميرثا عَنهُ
ولابنيه الحى مِنْهُمَا والمتوفى بعد وَفَاته وَلم يمْنَع
الْمُتَوفَّى بعد وَفَاته من مِيرَاث ابْنه الْمُتَوفَّى بعد
وَفَاته من مِيرَاث ابْنه الْمُتَوفَّى فى حَيَاته وَلم
يَجْعَل الدَّين الذى مَنعه من مِيرَاث أَبِيه إِلَى أَن توفى
بعد أَبِيه مَانِعا لَهُ من الوراثة من أَبِيه بعد بَرَاءَة
أَبِيه من الدُّيُون الَّتِى كَانَت عَلَيْهِ بل قد جعل بعد
بَرَاءَة أَبِيه وَارِثا عَن أَبِيه كأخيه الحى إِلَى أَن
كَانَت الْمَرْأَة وَجعل أَبوهُ إِذا برىء بعد وَفَاته من
الدُّيُون الَّتِى كَانَت عَلَيْهِ يَوْم توفى كمن برىء
مِنْهَا فى حَيَاته فَكَذَلِك الْمكَاتب الذى ذكرنَا لما ثَبت
بِمَا وَصفنَا بَقَاء الْمُكَاتبَة
(2/480)
فِيهِ بعد وَفَاته كبقائها كَانَت فى
حَيَاته فأديت الْمُكَاتبَة عَنهُ بعد وَفَاته إِلَى مَوْلَاهُ
من تركته أَو أبراه مَوْلَاهُ مِنْهَا بِلِسَانِهِ بِغَيْر
استبدال الشىء مِنْهَا عَاد بذلك حكمه إِلَى حكم من برِئ
مِنْهَا فى حَيَاته فَثَبت بِمَا ذكرنَا فى الْمكَاتب
الْمُتَوفَّى مَا ذهبت إِلَيْهِ فِيهِ الطَّائِفَة الَّتِى
ذكرنَا عَنْهَا أَنه بعد مَوته بَاقٍ على مكَاتبه الَّتِى
كَانَ عقدهَا على نَفسه فى حَيَاته وَأَنه يكون عتيقا بأدائها
إِلَى مَوْلَاهُ أَو بميراثه مِنْهَا بِغَيْر أَدَائِهَا إِلَى
مَوْلَاهُ حَتَّى يعود بذلك إِلَى حكم البريء مِنْهَا فى
حَيَاته الْمُسْتَحق للعتاق بهَا قبل وَفَاته وَمن هَذِه
الطَّائِفَة الْقَائِلين بِهَذَا أَبُو حنيفَة وَزفر وَأَبُو
يُوسُف وَمُحَمّد
وَاخْتلف أهل الْعلم الَّذين ذكرنَا عَنْهُم أَن الْمكَاتب لَا
يسْتَحق الْعتاق بالمكاتبة حَتَّى يبريء من جَمِيع
الْمُكَاتبَة فى الْمكَاتب يعجز عَن الْمُكَاتبَة هَل يرجع
رَقِيقا على مَا كَانَ عَلَيْهِ قبل الْمُكَاتبَة باتفاقه
ومولاه على ذَلِك؟ أَو لَا يرجع إِلَى ذَلِك الرّقّ إِلَّا
بِحكم من الْحَاكِم عَلَيْهِ بِهِ؟ فَقَالَ بَعضهم: لَا يرجع
إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قبل الْمُكَاتبَة من الرّقّ، وَلَا
يخرج من الْمُكَاتبَة إِلَّا بِحكم الْحَاكِم بذلك لَهُ
وَعَلِيهِ وَيرد القاضى إِيَّاه إِلَى الرّقّ الذى كَانَ فِيهِ
عَلَيْهِ عقد الْمُكَاتبَة وَهَذَا قَول كثير من فُقَهَاء أهل
الْمَدِينَة وَقَالَ بَعضهم إِذا اجْتمع الْمكَاتب ومولاه دون
القاضى على تعجيز الْمكَاتب عَن الْمكَاتب، ورده إِلَى مَا
كَانَ عَلَيْهِ من الرّقّ قبلهَا وفعلا ذَلِك، وفسخا المكاتبه
الَّتِى كَانَت بذلك بتفسخه، وَعَاد الْمكَاتب فى المستأنف
رَقِيقا لمَوْلَاهُ وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِك أَبُو حنيفَة وَزفر
وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد
وَلما اخْتلفُوا فى ذَلِك احتجنا إِلَى اسْتِخْرَاج الصَّحِيح
من هذَيْن الْقَوْلَيْنِ اللَّذين وَصفنَا. فَوَجَدنَا
الْمُكَاتبَة جَائِزا للْمولى عقدهَا على عَبده برضى عَبده
بذلك دون القاضى كَمَا يجوز للرجلين أَن يتعاقدا البيع دون
القاضى.فَلَمَّا ثَبت أَن الْمُكَاتبَة مِمَّا يجوز عقده دون
القَاضِي، ثَبت أَن نسخهَا مِمَّا يجوز دون القَاضِي. وَقد
ذكرنَا فِيمَا تقدم فى هَذَا الْكتاب
(2/481)
أَن الْأَشْيَاء الَّتِى يُرَاد الْحَاكِم
فى آخرهَا حَتَّى يكون هَذَا المنفذ لَهَا هى الْأَشْيَاء
الَّتِى كَانَ يحْتَاج إِلَى الْحَاكِم فى أَولهَا , وَأَن
الْأَشْيَاء الَّتِى لَا يحْتَاج إِلَى الْحَاكِم فى أَولهَا
هى الْأَشْيَاء الَّتِى لَا يحْتَاج إِلَيْهِ فى آخرهَا.
وشرحنا ذَلِك شرحا بَينا فاستغنينا بذلك عَن إِعَادَته
هَاهُنَا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق.
تمّ كتاب الْمُكَاتبَة، وبتمامه تمّ الْجُزْء الأول من كتاب
أَحْكَام الْقُرْآن. وَالْحَمْد لله وَحده، وَصلَاته وَسَلَامه
على سيدنَا مُحَمَّد نبيه وَعَبده وعَلى آله وَصَحبه وَسلم
تَسْلِيمًا كثيرا دَائِما بدوام ملك الله إِلَى مَا لَا
نِهَايَة لذَلِك، على يَد العَبْد الْفَقِير الراجى عَفْو ربه
الْقَدِير مُحَمَّد بن أَحْمد بن صفي بن قَاسم الْمَعْرُوف
بِابْن الغزولى. عَفا الله عَنهُ وَعَن من كَانَ السَّبَب فى
نسخ هَذَا الْكتاب، وَهُوَ الْمولى الْأَجَل الْمُحْتَرَم
الرئيس الْمعلم شمس الدَّين مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالحجيج
أثابه الله، وَتقبل مِنْهُ، وَغفر لَهُ ولوالديه وَلمن كتبه
وقرأه وسَمعه أَو قرئَ عَلَيْهِ، وَأَن يَجْعَل ذَلِك خَالِصا
لوجهه الْكَرِيم آمين آمين آمين رب الْعَالمين
(2/482)
|