إعراب القرآن للباقولي منسوب خطأ للزجاج

الباب السادس والعشرون
هذا باب ما جاء في التنزيل من العطف على الضمير المرفوع، وقد أكد بعض ذلك وبعضه لم يؤكد فمن ذلك قوله: (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) «1» ، عطف «وزوجك» على الضمير في «اسكن» بعد ما أكد بقوله «أنت» .
وقال: (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ) «2» فأكد.
وقال: (سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ) «3» .
ومما أكد من ذلك من غير تأكيد/ ب «أنت» ولكن بشئ آخر:
قوله: (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ) «4» فيمن رفع، أكد بالمفعول دون أنتم» والمفعول يقوم مقام «أنتم. ثم عطف على قوله:
(وَشُرَكاءَكُمْ) «5» .
ومن ذلك: (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ) «6» معطوفاً على الضمير في «استقم» ، وقام قوله «كما أمرت» مقام التأكيد، ويجوز أن يكون «من» في موضع النصب مفعولاً معه.
__________
(1) البقرة: 35.
(2) المائدة: 24.
(3) الأعراف: 71.
(5- 4) يونس: 71.
(6) هود: 112.

(2/599)


ومن ذلك قوله: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ) «1» ، يجوز في «من» الرفع والنصب، على ما تقدم.
وقد قلنا في حذف المضاف: مذهب أبي علي في «من» أن التقدير:
ودخول من صلح من آبائهم وأزواجهم.
فأما قوله تعالى: (ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى) «2» . فقد قال أبو علي في «التذكرة» : قوله: «هو» مرتفع بالابتداء، وليس بمحمول على الضمير الذي في «استوى» .
فإن قلت: فإن (استوى) يقتضي فاعلين، ألا ترى أنك تقول:
استوى زيد وعمرو، فإن هذا المفعول يكون على ضربين:
الأول- ما ذكرنا.
والثاني- أن تقتصر به على فاعل واحد كقوله: (عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) «3» وإذا احتمل ذا لم يكن لمن زعم أن الضمير المرفوع يعطف عليه من غير أن يؤكد دلالة في هذه الآية لاحتمالها غير ما ذكر، وهو ما حملناه عليه.
وهذا القائل هو الفراء لأنه قال: المعنى: استوى النبي وجبريل عليهما السلام بالأفق الأعلى ليلة المعراج، حين أسري به صلى الله عليه وآله.
ومنه قوله تعالى: (أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا) «4» ، عطف «آباؤنا» على الضمير فى «كنّا» لمكان قوله: «ترابا» .
__________
(1) الرعد: 23.
(2) النجم: 6 و 7.
(3) طه: 5.
(4) النمل: 67. [.....]

(2/600)


وأما قوله: (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ) «1» فيمن رفع «العين» . وجوز فيه أبو علي: أن يكون «العين» مرفوعاً على الابتداء والجار خبر، وجوز أن يكون محمولاً على موضع «أن» ، وجوز أن يكون رفعاً عطفاً على الضمير الذي في الظرف، وإن لم يؤكد.
كما جاء (ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا) «2» فعطف «آباؤنا» على الضمير الذي في «أشركنا» ، قال: ولم يؤكده فكذا هاهنا.
فإن قلت: إن «لا» يقوم مقام التأكيد، فقد قال في الجواب:
إنما يقوم «لا» مقام التأكيد/ إن كانت قبل الواو فأما إذا جاءت بعد الواو، لم تقم مقام التأكيد، ألا ترى أن التأكيد في الآي التي تلونا قبل الواو، نحو: (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ) «3» ، وقوله: (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ) «4» .
وهذا من أبي علي استدراك على البصريين قاطبة لا سيما وسيبويه قال في الآية الأولى:
إن قوله: «ولا آباؤنا» بمنزلة: قمت أنت وزيد فلا يرى العطف على المضمر إلا بعد التأكيد والتأكيد بأنت، وأنا، أو ما يقوم مقامهما من المفعول وغيره.
ولم يروا التأكيد بقولهم «نفس» فلم يجيزوا: قمت نفسك وزيد كما أجازوا: قمت أنت وزيد، وقمتم أجمعون وزيد.
قالوا: لأن «النفس» اسم منصرف، تدخلها العوامل بخلاف: أنت، وأجمعين.
__________
(1) المائدة: 45.
(2) الأنعام: 148.
(3) البقرة: 35.
(4) هود: 112.

(2/601)


وقد يقع في التأكيد بها ليس في بعض كلامهم كقولهم: هند خرجت نفسها فيكون كقولك: خرجت هي نفسها- فيكون تأكيدا ل «هى» ويقال: هند خرجت نفسها فتكون الفاعلة، كما تقول: خرجت جاريتها والمعنيان مختلفان فلم يجر مجرى «أجمعين» .
ومن هنا قال أبو علي: لو قلت جاءوني أنفسهم لم يحسن حتى تؤكد، فتقول: جاءونى هم أنفسهم لما ذكرنا.
فلم يحسن لذلك أن تحمله على الضمير حتى تؤكد يعني حتى تقول:
قمت أنت نفسك وزيد.
ولو قلت: مررت بك نفسك جاز تأكيد الكاف بالنفس لأنك كأنك قلت: مررت بنفسك- ولم تذكر المؤكد بخلاف العطف إذ لا يجوز: مررت بك وزيد.
وإن قلت: جاءوني أنفسهم، لا يجوز لأن المضمر المتصل في غاية الضعف، والمؤكد متبوع، فيكون أقوى من التأكيد، وهنا «النفس» أقوى من المضمر فلا يكون تابعاً له فإذا انفصل المضمر جاز أن تكون «النفس» تابعاً له بمنزلة الأسماء الأجنبية، أو بقيت بعدها بمنزلة أخرى، بخلاف المتصل إذ ليس بعدها بمنزلة أخرى.
وقد ذكر سيبويه امتناع تأكيد المضمر ب «النفس» في ثلاثة مواضع:
في حد أسماء الأفعال «1» .
__________
(1) الكتاب (1: 124- 125) .

(2/602)


وفي حد الأحرف الخمسة «1» .
وفي حد علامات المضمرين «2» .
ومن ذلك قوله تعالى: (أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ) ، «3» ف «من» رفع عطف على «التاء» .
ومنه: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ) «4» رفع عطف على الضمير في «تقوم» .
ومن ذلك قوله: (لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي) «5» ، «أخي» عطف على الضمير في «لا أملك» .
وإن شئت كان مبتدأ، والتقدير: وأخي كذلك فحذف الخبر ولا يكون جراً بالعطف على الياء لأنه مضمر مجرور.
__________
(1) الكتاب (1: 279) .
(2) الكتاب (1: 390) .
(3) آل عمران: 20.
(4) المزمل: 20.
(5) المائدة: 25.

(2/603)