إعراب القرآن للباقولي منسوب خطأ للزجاج الباب السابع
والثلاثون
هذا باب ما حاء في التنزيل من التقديم والتأخير، وغير ذلك فمن
ذلك قوله تعالى: (كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ)
«1» ، قيل: الكاف تتعلق بقوله: (وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي
عَلَيْكُمْ) «2» .
وقيل: بل هو متعلق بقوله: (فَاذْكُرُونِي) »
، أي: اذكروني كما أرسلنا فيكم.
ومثله قوله: (وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ
اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ) «4» .
قال أبو علي: «كما» متعلق ب «فليكتب» ، بمنزلة: بزيد فامرر،
ولا تحمل على: «أن يكتب كما علمه الله» .
فأما قوله: (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ
بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ
خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً
قَلِيلًا) «5» .
يجوز أن يكون الوقف على «خاشعين» و «اللام» من صلة «يشترون» ،
أي: لأجل الله لا يشترون. ويجوز أن يكون «وما أنزل إليهم»
تماماً، ويكون التقدير: لا يشترون بآيات الله خاشعين لله،
فيكون حالاً مقدماً.
ومثله في التقديم قوله: (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ) «6» .
__________
(1) البقرة: 151.
(2) البقرة: 150.
(3) البقرة: 152.
(4) البقرة: 282. [.....]
(5) آل عمران: 199.
(6) الأنبياء: 20.
(2/675)
قال أحمد بن موسى: (وَالنَّهارَ لا
يَفْتُرُونَ) «1» ، أي: لا يفترون النهار، فهو في نية التقديم.
ومن ذلك قوله تعالى: (وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ
دِينَكُمْ) «2» ، أي: لا تؤمنوا أن يؤتي أحد إلا لمن تبع
دينكم، ف «أن يؤتي» مفعول «لا تؤمنوا» .
وقدم المستثنى فدل على جواز: ما قدم إلا زيداً أحد.
ومن ذلك قوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ) «3»
، وقال: (لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها) «4» ، فالمفعول مقدم
على الفاعل، ووجب تقديمه هاهنا، لأن تأخيره يوجب إضماراً قبل
الذكر.
ومن ذلك: (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى) «5» أي:
أوجس موسى في نفسه، فقدم الكناية على المكنى عليه، كما كان في
نية التأخير، فدل على جواز: ضرب غلامه زيد.
ومن ذلك قوله: (لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا
عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ) «6» .
التقدير: ليغفر لنا خطايانا من السحر ولم يكرهنا عليه، فيمن
قال: إن «ما» نافية.
ومن ذلك قوله تعالى: (خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ
الْأَجْداثِ) «7» هذا كقولهم: راكباً جاء زيد، والتقدير:
يخرجون من الأجداث خشعاً أبصارهم.
__________
(1) الأنبياء: 20.
(2) آل عمران: 73.
(3) البقرة: 124.
(4) الأنعام: 158.
(5) طه: 67.
(6) طه: 73.
(7) القمر: 7.
(2/676)
ومن ذلك قوله في البقرة: (وَمِمَّا
رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) «1» ، أي: يقيمون الصلاة وينفقون
مما رزقناهم ففصل بين الواو والفعل بالظرف.
ومثله: (فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ
يَعْقُوبَ) «2» ، فيمن فتح الباء، أي: بشرناها بإسحاق ويعقوب
من وراء إسحاق، ففصل بين الواو والاسم بالظرف.
وقد تقدم هذا في غير موضع. وحمله قوم على إضمار فعل، وآخرون
على إضمار الجار والمجرور.
ومن ذلك قوله تعالى: (وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ
قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى) «3» ، أي: كتاب موسى من قبله، ففصل بين
الواو وبين ما عطف به عليه على «شاهد» بالظرف.
نظيره/ في الأحقاف: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ
اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي
إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ) «4» إلى قوله: (وَمِنْ قَبْلِهِ
كِتابُ مُوسى) .
«كتاب» معطوف على قوله «شاهد» ، أي: وشهد شاهد وكتاب موسى من
قبله.
وكذلك قوله: (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ
ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً) «5» ، أي: وأمة مسلمة لك من ذريتنا.
ومثله: (خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ)
«6» ، أي: ومثلهن من الأرض.
__________
(1) البقرة: 3.
(2) هود: 71.
(3) هود: 17.
(4) الأحقاف: 10.
(5) البقرة: 128. [.....]
(6) الطلاق: 12.
(2/677)
والذي نص عليه في «الكتاب» أن الفصل بين
الواو والمعطوف بالظرف وغيره، إنما يقبح إذا كان المعطوف
مجروراً، ولم يذكر في المنصوب والمرفوع شيئاً.
وقال أبو علي: قياس المرفوع والمنصوب كقياس المجرور، قال: لأن
الواو نابت عن العامل وليس بعامل في الحقيقة، فلا تتصرف فيه
كما لا تصرف في معمول عشرين، لما كان فرعاً على باب «ضاربين» .
وحمل هذه الآي على إضمار فعل آخر فقال: التقدير في قوله
(وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ) «1» أي: وخلق من الأرض مثلهن.
وقال في قوله: (وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ)
«2» التقدير: واجعل من ذريتنا أمة مسلمة لك. ولعله يحمل «كتاب
موسى» في الآيتين على الابتداء، والظرف على الخلاف، ولا يحمله
على المرفوع الظاهر، وقال: لو قلت: هذا ضارب زيد أمس وغداً
عمرو، امتنع الجر والنصب في «عمرو» .
والذي نص عليه سيبويه في باب القسم عند قوله: والله لا قومن ثم
الله لأقتلن. فقال: هو ردئ خبيث على تقديم: الله لأقتلن.
قال أبو علي: وإنما جاء الفصل بين الواو والمنصوب والمرفوع في
الشعر دون سعة الكلام.
وقال قوم في قوله: (وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ) «3» فيمن
نصب. إنه حال، على تقدير. وهو من الأرض مثلهن، أي: الخلق من
الأرض، أي: كان
__________
(3- 1) الطلاق: 12.
(2) البقرة: 128.
(2/678)
من الأرض مثلهن، فجعل الجار الخبر وأضمر
المبتدأ، وفيمن رفع «مثلهن» أظهر، على تقدير: وهو مثلهن من
الأرض. وقد نبهتك على الأبيات في «البيان» .
ومن ذلك قوله تعالى: (يَسْتَفْتُونَكَ/ قُلِ اللَّهُ
يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) «1» ، التقدير عند الفراء:
يستفتونك في الكلالة قل الله يفتيكم، فأخر.
ومثله قال: (آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) «2» ،
والتقدير عنده: آتوني قطراً أفرغه عليه، فأخر.
وقال: (فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ
إِلَيْكَ) «3» ، أي: خذ إليك، عند الفراء.
ومثله: (لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً) «4» في
الموضعين، أي: لكي لا يعلم شيئاً من بعد علم علماً، أي من بعد
علمه، فأخر عند الفراء.
فأما قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ
يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ
أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ
الصَّادِقِينَ) «5» ، فقوله «بالله» يجوز أن يكون من صلة
«الشهادة» ، ومن صلة «الشهادات» ، إذا نصب «الأربع» .
وقياس من أعمل الثاني أن يكون قوله: «بالله» من صلة «شهادات» ،
وحذف من الأول لدلالة الثاني عليه، كما تقول «بالله» من صلة
«شهادات» ، وحذف من الأول لدلالة الثاني عليه، كما تقول: ضربت
وضربني، ومن رفع فقال:
فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله، فإن الجار والمجرور من صلة
«شهادات» ،
__________
(1) النساء: 176.
(2) الكهف: 96.
(3) البقرة: 260.
(4) النحل: 70- الحج: 5.
(5) النور: 6.
(2/679)
ولا يجوز أن يكون من صلة «شهادة» ، لأنك إن
وصلتها بالشهادة فقد فصلت بين الصلة والموصول، ألا ترى أن
الخبر الذي هو «أربع شهادات بالله» يجوز أن يكون من صلة «شهادة
أحدهم» فتكون الجملة التي هي «إنه لمن الكاذبين» في موضع نصب،
لأن الشهادة كالعلم فيتعلق بها «إن» كما يتعلق بالعلم، والجملة
في موضع نصب بأنه مفعول به، و «أربع شهادات» ينتصب انتصاب
المصادر. ومن رفع «أربع شهادات» لم يكن قوله «لمن الكاذبين»
إلا من صلة «شهادات» دون «شهادة» ، كما كان قوله «بالله» من
صلة «شهادة» ففصلت بين الصلة والموصول.
ومن ذلك قوله: (وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ
يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً) «1» ، والتقدير: وأنهم ظنوا أن لن
يبعث الله أحداً كما ظننتم.
وقال الله تعالى: (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ
تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً) «2» ، أي: هزي إليك رطباً تساقط
عليك.
فهذه الآي محمول على الفعل الثاني عندنا، وما يقتضيه الأول
مضمر، وهم يحملون الأول دون الثاني. ويضمرون/ الثاني ويفصلون
بالثاني بين الأول ومقتضاه:
ومن التقديم والتأخير: (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ.
وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) «3» ، التقدير:
فلا أقسم بمواقع النجوم، إنه لقرآن كريم. في كتاب مكنون. لا
يمسه إلا المطهرون. وإنه لقسم لو تعلمون عظيم. وفصل بين
__________
(1) الجن: 7.
(2) مريم: 25.
(3) الواقعة: 75، 76.
(2/680)
الصفة والموصوف بالجملة، وهو «لو تعلمون» ،
وبين القسم وجوابه بقول: «وإنه لقسم» .
ومن ذلك قوله: (فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ
تُصْبِحُونَ. وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ) «1» والتقدير: وحين تصبحون
وعشيّا، فأخّر واعترض بالجملة.
التقديم والتأخير قراءة ابن عامر: (وَكَذلِكَ زَيَّنَ
لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ
شُرَكاؤُهُمْ) «2» ، والتقدير: قتل شركائهم أولادهم، فقدم
المفعول على المضاف إليه، قالوا: وهذا ضرورة ليس بضرورة، لأنه
قد كثر عندهم ذلك، وأنشدوا فيه أبياتاً جمة.
فمن ذلك قوله:
كأن أصوات من إيغالهن بنا ... أواخر الميس أصوات الفراريج «3»
أي: كأن أصوات أواخر الميس.
وقال:
هما أخوا في الحرب من لا أخا له «4»
أي: هما أخوا من لا أخا له في الحرب.
وقال: بين ذراعي وجبهة الأسد «5» أي: بين ذراعى الأسد وجبهته.
__________
(1) الروم: 17 و 18.
(2) الأنعام: 137.
(3) البيت الذي الرمة. والإيغال: شدة السير. والميس: شجر تعمل
منه الرحال. والمعنى: كأن أصوات أواخر الميس من شدة سير الإبل
واضطراب رحالها عليها أصوات الفراريج (الكتاب 1: 92) . [.....]
(4) صدر بيت لدرنا بنت عبعبة، من قيس بن ثعلبة، وعجز البيت:
إذا خاف يوما نبوة فدعاهما
(5) عجز بيت للفرزدق، صدره:
يا من رأى عارضا أصر به
(2/681)
وقال:
كأن برذون أبا عصام ... زيد حمار دق باللجام
أي: برذون زيد يا أبا عصام حمار دق باللجام.
ومن ذلك ما قاله أبو الحسن في قول الله تعالى: (مِنْ شَرِّ
الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ
النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) «1» . أي: إنه لراد من
شر الوسواس الخناس من الجنة والناس الذي يوسوس في صدور الناس.
ومنه قول الله تعالى: (اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ
إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ماذا
يَرْجِعُونَ) «2» ، أي: اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم فانظر
ماذا يرجعون ثم تول عنهم.
وقيل في قوله: (وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ
يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) «3» : إن
تقديره: والذين يظاهرون من نسائهم فتحرير رقبة ثم يعودون.
قال أبو الحسن: المعنى فتحرير رقبة لما قالوا ثم يعودون إلى
نسائهم.
فإن قلت: كيف جاز أن تقدر/ «لما قالوا» متعلقاً بالمصدر، وهو
متقدم قبله؟ قيل: لا يمتنع أن يتقدم على وجه التبيين، ليس إنه
متعلق بالصلة، ألا ترى قوله:
تقول ودقت نحرها بيمينها ... أبعلى هذا بالرّحى المتقاعس «4»
__________
(1) الناس: 4- 5- 6.
(2) النمل: 28.
(3) المجادلة: 3.
(4) البيت لمهذلول بن كعب العنبري (شرح الحماسة للمرزوقي: 966)
.
(2/682)
وقوله:
كان جزائي بالعصا أن أجلدا
لم يجعلوه متعلقا ب «جزائى» ، ولكن جعلوه تبييناً للجلد، وكذلك
ما ذكره أبو الحسن.
وأما التقديم والتأخير الذي قدر، فمثله كثير، ويجوز أن يكون
التقدير:
والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون للقول، و «القول» في
المعنى «المقول» ، كالخلق بمعنى/ المخلوق، ألا ترى أن الذي
يعاد هو الجسم، فلهذا كان الخلق بمعنى المخلوق، فى قوله:
(وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) «1» .
فإن قلت: وكيف وقع «اللام» موقع «إلى» في قولك: عدت إلى كذا.
فإنه لا يمتنع، ألا ترى أنه قد جاء: (قُلِ اللَّهُ يَهْدِي
لِلْحَقِّ) «2» . على أن «اللام» في قول من يخالف في هذا
التأويل بمعنى «إلى» .
ومثله: (فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى) «3» . أي: فاستمع إلى ما
يوحى، لا بد من ذلك، لا سيما في قراءة الزيات: (وَأَنَا
اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ) ، ويكون التقدير: فاستمع لأنا
اخترناك إلى ما يوحى، ولو لم تحمله على هذا لكان التقدير:
فاستمع لأنا اخترناك لما يوحى، فتعلق اللامين بقوله «فاستمع» ،
وقد قال: لا يتعدى فعل بحرفى جر متفقين.
فإن قلت: ولم لا تحمل «وأنا اخترتك» على «نودي» في قوله
(نُودِيَ يا مُوسى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ ... وَأَنَا
اخْتَرْتُكَ) «4» ، أي نودي بأني أنا ربك وأنا اخترتك.
__________
(1) الروم: 27.
(2) يونس: 35.
(4- 3) طه: 11- 13.
(2/683)
قيل: إن «اخترناك» قراءة حمزة، وهي تقرأ:
(إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) ، مكسورة الألف، فكيف تحمله عليه. وقد
ذكرنا ما في هذا فى «البيان» و «الاستدراك» .
ومن ذلك قوله تعالى: (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ
وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً
يُضاعَفُ لَهُمْ) «1» . اضطرب قول أبي علي في هذه الآية، وله
كلام في «الحجة» وكلام في «الإغفال» وكلام فى «الحلبيّات» «2»
وهو أجمع الثلاثة.
قال فى «الحلبيات» :
والقول في أن حرف العطف في قوله: «وأقرضوا» لا يخلو من أن يكون
عطفاً/ على الفعل المقدر في صلة «المصدقين» أو على غيره: إن
قوله «وأقرضوا الله» لا يجوز أن يكون معطوفاً على الفعل المقدر
في الموصول الأول، على أن يكون التقدير: إن الذين صدقوا
وأقرضوا الله، وذلك أنك إذا قدرته هذا التقدير فقد فصلت بين
الصلة والموصول بما ليس منهما، وما هو أجنبي، والفصل بين الصلة
والموصول بالأجنبي وما ليس منهما لا يصح، ولذلك لم يجيزوا:
رأيت القائمين وزيداً إلا عمراً، وهذا النحو من المسائل لأن
«زيداً» معطوف على «رأيت» ، والاستثناء من الصلة من حيث كان
المستثنى معمول الفعل الذي فيها، فقد فصلت بينهما بالمعطوف،
ولم يجز ذلك. كما لم يجز أن يكون «وأقرضوا» معطوفاً على
«صدقوا» المقدر في الصلة، لفصل «المصدقات» المعطوف
__________
(1) الحديد: 18.
(2) كتاب في النحو.
(2/684)
على ما بينهما. وإنما لم يجز ذلك لأن العطف
على الموصوف وغيره في الأسماء يؤذن بتمامه، ألا ترى أنك لا
تعطف على الاسم من قبل أن يتم بجميع أجزائه، فإذا كان العطف
يؤذن بالتمام فعطفت ثم أتيت بعد العطف بما هو من تمامه فقد
زعمت أنه تام غير تام، فنقضت بذكرك ما بقي من الصلة ما قدمته
من حكم التمام بالعطف، وكان مدافعاً غير مستقيم. ولا يستقيم أن
يكون قوله «وأقرضوا الله» ، في هذه الآية، محمولاً على المقدر
في الصلة، كما كان قوله: (فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً) «1» على
المقدر من قوله: (فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً فَأَثَرْنَ بِهِ
نَقْعاً) «2» ، لأنك لم تزد في هذا الموضع على أنك عطفت على
الموضع ولم تفصل بين الصلة والموصول بأجنبي منهما، كما فصلت
بالمعطوف بينهما في الأخرى، والحمل على المعنى في هذا النحو من
العطف مستقيم حسن، فإذا لم يجز أن يكون معطوفاً على الصلة لم
تحمله على ذلك، ولكن على وجوه أخر، منها:
أن تجعل العطف اعتراضاً بين الصلة والموصول.
وإن شئت كملته على أن الخبر غير مذكور.
وإن شئت جعلت المعطوف والمعطوف عليه بمنزلة الفاعلين وجعلت
العطف عليهم.
وأما حمله على الاعتراض فهو أرجح الوجوه عندي، لأن الاعتراض قد
شاع/ في كلامهم واتسع وكثر، ولم يجر ذلك عندهم مجرى الفصل بين
المتصلين بما هو أجنبي منهما، لأن فيه تسديداً وتثبيتاً، فأشبه
من أجل ذلك الصفة والتأكيد، فلذلك جاء بين الصلة والموصول في
الفعل والفاعل والمبتدأ والخبر والمفعول وفعله، وغير ذلك.
__________
(2- 1) العاديات: 3، 4.
(2/685)
فما جاء من ذلك من الصلة والموصول قوله
تعالى: (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ
بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) «1» .
وكقوله:
ذاك الذي وأبيك يعرف مالك ... والحق يدفع ترهات الباطل «2»
فإذا جاء الفصل بين الصلة والموصول بما ذكرنا من الاعتراض فإنه
يجوز الفصل بين اسم «إن» وخبرها بالاعتراض الذي هو قوله
(وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً) «3» أحرى، لأن اتصال
الصلة بالموصول أشد من اتصال المبتدأ بالخبر، ألا ترى أنهما
يجريان مجرى الاسم الواحد، وأن المبتدأ قد يحذف خبره ولا
يستعمل إثباته. وقوله: «يضاعف لهم» على هذا التأويل في الآية
فى موضع رفع ب «إن» خبر المبتدأ.
ومما جاء من الاعتراض بين الفعل والفاعل قوله:
ألا هل أتاها والحوادث جمة ... بأن امرأ القيس بن تملك بيقرا
«4»
فالمبتدأ والخبر اعتراض، والجار والمجرور في موضع رفع ب «أن»
فاعل، كما أنهما في «كفى بالله» كذلك، وإذا جاز في الفعل
والفاعل كان المبتدأ والخبر أجوز.
ومن الاعتراض بين الصفة والموصوف قوله: تعالى: (ذلِكَ عِيسَى
ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ)
«5» كما أن قوله: (لَوْ تَعْلَمُونَ) «6» كذلك، والمعنى في «لو
تعلمون» : اعلموا، كما تقول: لو قمت، أي: قم.
__________
(1) يونس: 27.
(2) اللسان «تره» . [.....]
(3) الحديد: 18.
(4) بيقر: هاجر من أرض إلى أرض. والبيت لامرئ القيس.
(5) مريم: 34.
(6) الواقعة: 75 و 76.
(2/686)
وزعم أبو الحسن أن الماضي في هذا المعنى
أكثر من المضارع.
وإن حملت على أن الخبر غير مذكور ولم تجعل قوله «وأقرضوا الله»
اعتراضاً، ولكن جملة معطوفة على ما تقدم، جاز في قوله
«والمصدقات» أمران:
أحدهما- أن تكون الواو بمنزلة «مع» ، على أن تكون قد سدت مسد
خبر المبتدأ، كما انك لو قلت: إن المصدقين مع المصدقات، كان
كذلك، ألا ترى أنه لما كان معنى قولك «أقائم الزيدان» : أيقوم
الزيدان، استغنيت بالفاعل عن خبر المبتدأ، وإن كان قد ارتفع
«قائم» ارتفاع المبتدأ، فكذلك قولك «والمصدقات» ، وإن كان
منتصباً بالعطف على «إن» ، فإنه سد مسد الخبر، فلا يحتاج مع
ذلك إلى تقدير خبر، كما لم يحتج إليه في قولك: أقائم الزيدان.
ومثل ذلك قولهم: الرجال وأعضادها، والنساء وأعجازها لما كان
المعنى: الرجال مع أعضادها، والنساء مع أعجازها.
استغنيت عن خبر الابتداء، وكما استغنيت عن خبر المبتدأ بما كان
معطوفا عليه لما كان المعنى كذلك، يدخلان على هذا الحد، فيكون
المعنى: إنهم معهن في نيل الثواب وارتفاع المنزلة. فإذا حملت
على ذلك جاز بلا خلاف فيها.
وقد «1» يجوز أن تضمر لهذا النحو خبراً، فيكون التقدير: كل رجل
وضيعته مقرونان وعلى هذا تضمر أيضاً في خبر «إن» في قوله:
(إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ) «2» . أي: إن
المصدقين والمصدقات يفلحون، أو مضاعف لهم، ونحو ذلك مما ذكروا
به في التنزيل، ويكون موضع
__________
(1) هذا ثاني الأمرين.
(2) الحديد: 18.
(2/687)
«يضاعف» نصباً صفةً للقرض.
وإن شئت جعلته جملة مستأنفة، إلا أنك لم تلحق الواو، أو
لالتباس أحدهما بصاحبه، وقوله: (وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ) «1»
مستأنف.
ومن شاء جعل ما قبله وصفاً، إذ لا تعلّق له بالموصوف.
وإن شئت جعلته حالاً من «لهم» في قوله «يضاعف لهم» .
وإن شئت جعلت المعطوف والمعطوف عليه بمنزلة الفاعلين، وجعلت
قوله «وأقرضوا» معطوفاً على ذلك، لأن معنى «المصدقين
والمصدقات» كمعنى: إن الناس المصدقين. فإذا كان ذلك معناه جاز
أن يعطف «وأقرضوا» عليه، كما كان يجوز ذلك لو أبرزت ما هذا
المذكور في معناه وموضعه.
وعلى هذا الوجه حمله أبو الحسن لأنه قال في تفسيرها:
لو قلت: الضاربه أنا، وقمت زيد، كان جائزاً، كأنه يريد: إنه
كما استقام أن يحمل «الضارب» على «ضرب» فتعطف «قمت» عليه، كذلك
يستقيم أن تجعل الفاعلين، فتحمل «وأقرضوا» عليه، إذ لا يستقيم
عطف «وأقرضوا» على الصلة الأولى، ولأن العطف على المعنى قد جاء
في الصلات وغيرها كثيراً، فأفهمه.
ومن التقديم والتأخير/ قوله تعالى: (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ
بِبَغْيِهِمْ) «2» ، أي:
جزيناهم ذلك، فقدم المفعول الثاني.
وقال: (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا) «3» ، أي: جزيناهم
ذلك بكفرهم.
وقال: (وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ
مُجْرِمِيها) «4» أي: مجرميها أكابر.
__________
(1) الحديد: 18.
(2) الأنعام: 146.
(3) سبأ: 17.
(4) الأنعام: 123.
(2/688)
وقال: (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ
الْجِنَّ) «1» ، أي: الجن شركاء.
وقال: (وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ) «2» أي: يؤتي
من يشاء ملكه.
وقال: (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ) «3» ، أي: تؤتي من تشاء
الملك.
وأما قوله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي
الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى
وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا
فَواحِدَةً) «4» . جاء في التفسير أن قريشاً في الجاهلية كانت
تكثر التزوج بغير عدد محصور، فإذا كثر على الواحد منهم مؤن
زوجاته وقل ماله مد يده إلى ما عنده من أموال اليتامى، فحل له
الأربع. وإلى هذا الوجه أشار أبو علي بعد ما حكى عن أبي العباس
في كتابه في القرآن تعجب الكسائي من كون «فانكحوا» ما طاب لكم
جواباً لقوله: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي
الْيَتامى) «5» .
قال: وقاله أبو عبيد، وليس هذا الجواب، فإنما الجواب قوله:
(فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما
مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) «6» ، كأنه قال: فإن خفتم ألا تقسطوا
في اليتامى، فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة.
فقال أبو علي: جواب «إن خفتم» الفاء في «فواحدة» ، كأنه في
التقدير: إن خفتم ألا تقسطوا، إن كثرت عليكم مؤن الزوجات
وأحوجتم إلى مال اليتامى. أي: فانكحوا واحدة. وقوله «فانكحوا
ما طاب» اعتراض بين الشرط والجزاء، مثل قولك: إن زيداً- فافهم
ما أقول-
__________
(1) الأنعام: 100.
(2) البقرة: 247.
(3) آل عمران: 26.
(6- 5- 4) النساء: 3. [.....]
(2/689)
رجل صدق.
قال: ولما كان الكلام باعتراض الجملة المسددة للشرط كرر الشرط
ثانياً، فقيل: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا) «1» وهو
قوله: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا) «2» .
وهذه الجملة متأخرة معنىً، أي: في حال الضيق واحدة، وفي السعة
أربع.
والقصة عن عكرمة والشرح لأبي علي.
قال قوم: إنهم كانوا يتوقون أموال اليتامى ولا يتوقّون الزنى،
فقيل: كما خفتم في ذا فخافوا الزنى وأتوا الكلالة. عن مجاهد.
وقيل: كانوا يخافون ألا يعدلوا في أموال اليتامى ولا يخافون أن
يعدلوا في النساء. عن سعيد بن جبير.
وقيل: التقدير: ألا تقسطوا في نكاح اليتامى فانكحوا ما حل لكم
من غيرهن من النساء. عن عائشة.
وروي عن عروة عن عائشة أنها قالت: كان الناس يتزوجون اليتامى
ولا يعدلون بينهن، ولم يكن لهن أحد يخاصم عنهن، فنهاهم الله عن
ذلك، وقال: (وَإِنْ خِفْتُمْ) «3» .
ومن ذلك قوله تعالى: (ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ
يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ) «4» . «ذلك»
منصوب ب «يدعو» ، ويكون «ذلك» بمعنى «الذي» والجملة بعده صلة.
وقال الفراء: بل «اللام» في «لمن ضره» في نية التأخير،
والتقدير: من لضره، وهو خطأ، لأن الصلة لا تتقدم على الموصول.
__________
(3- 2- 1) النساء: 3.
(4) الحج: 12 و 13.
(2/690)
وقيل: إن «من» ليس في موضع مفعول «يدعو»
«1» ، لأنه مكرر من الأول معاد للتوكيد، واكتفى من مفعوله
بمفعول الأول، وكرر تفظيعاً للأمر في عبادة الأصنام، وقوله
«لمن ضره» على هذا مبتدأ، وخبره «لبئس المولى» .
ووجه ثالث: وهو أن يكون «يدعو» بمعنى «يقول» كقول القائل:
ما يدعى فلان فيكم؟ أي: ما يقال له؟ وكذلك: يدعون عنته «2» ،
أي: يقولون:
يا عنته، أي: يقولون الذي ضره أقرب من نفعه هو إلهنا، ويكون
الخبر محذوفاً لدلالة الكلام عليه.
ووجه رابع: وهو أن يكون «يدعو» من تمام الضلال البعيد، أي:
يدعوه، و «يدعوه» في موضع الحال للمبتدأ، والتقدير: ذلك هو
الضلال البعيد داعياً، أي: في حال دعايته إياه. و «لمن ضره»
ابتداء، وخبره «لبئس المولى» .
ولا يكون «لبئس المولى» خبراً في قول من يقول: إن «يدعو» بمعنى
يقول، لأن المنافق لا يقول: إن الصنم والله لبئس المولى.
وإن قلت: إنه لا يقول أيضاً: ضره أقرب من نفعه، وإنما يقول غير
ذلك، فإن ذلك على اعتقادنا ما فيه من كونه ضاراً، على تقدير أن
المنافق يقول: الصنم إله، ثم يأخذ في ذمه.
ومن ذلك قراءة من قرأ: (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً
واحِدَةً) «3» بالفتح، لأن التقدير: ولأن هذه أمتكم أمة واحدة
وأنا ربكم فاتقون، أي: فاتقون هذا.
__________
(1) يريد: مفعول الفعل «يدعو» الأول في قوله تعالى: (يَدْعُوا
مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُ) . (الآية:
12) .
(2) العنتة: المبالغ في الأمر إذا أخذ فيه.
(3) الأنبياء: 92.
(2/691)
ومثله (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا
تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً) «1» . المعنى: ولأن المساجد
لله فلا تدعو.
وكذلك عند الخليل، (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) «2» كأنه: فليعبدوا رب
هذا البيت لإيلاف قريش، أي: ليقابلوا هذه النعمة بالشكر
والعبادة للمنع بها فأما قوله: (وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي
وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ) «3» في سورة مريم، فيجوز أن يكون
على هذا: فاعبدوه لأنه ربي وربكم.
ولكن أبا علّى حمله على قوله: (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ
وَالزَّكاةِ) «4» بأن الله ربي.
وأما قوله: (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ)
«5» فيكون مثل هذا، والفاء في قوله «فاتبعوه» مثل الفاء في
قوله: بزيد فامرر. والفاء في قوله الثاني عاطفة جملة على جملة،
وعلى القول الأول زيادة.
وقال الفراء فيمن فتح (وَأَنَّ هذا صِراطِي) «6» : إنه محمول
على «الهاء» من قوله: (ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ) ، «7» أي: به
وبأن هذا.
وهكذا قال أيضاً في قوله: (وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا)
«8» : إنه محمول على قوله:
(فَآمَنَّا بِهِ) «9» وبأنه تعالى.
وقد ذكرنا أن عطف الظاهر على المضمر لا يجوز، وقد جوز في خمس
آيات هذا الوجه، فهاتان «10» ، وقوله: (وَكُفْرٌ بِهِ
__________
(1) الجن: 18.
(2) قريش: 1.
(3) مريم: 36.
(4) مريم: 31.
(6- 5) الأنعام: 153.
(7) الأنعام: 152.
(8) الجن: 3.
(9) الجن: 2.
(10) يعني الآيتين السابقتين: آية الأنعام وآية الجن. [.....]
(2/692)
وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ) «1» وقوله:
(تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) «2» فيمن جر وقوله:
(وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ) «3»
. وقد أبطلنا ذلك كله في غير موضع.
ومن ذلك قوله: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ
إِلَى الصَّلاةِ) «4» إلى قوله:
(أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ
النِّساءَ) «5» . قال الشافعي: في مس أحد الزوجين: إنه ينقض
وضوء الماس، واحتج بهذه الآية.
وقال لنا: متى حملنا الآية على اللمس باليد صارت الآية حاجة
لبيان الطهارتين وبيان أنواع الحدث الأصغر، فإن الآية نزلت في
أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وعلى آله- وكانوا عرسوا.
فالمعنى: إذا قمتم إلى الصلاة، أي: عن التعريس والنوم،
فاغسلوا، فيكون بيان النوم حدثاً، وما هو بمعناه مما يوجب
استطلاق وكاء الحدث من الإغماء والجنون. ثم قال: (أَوْ جاءَ
أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ) «6» ، وكان بياناً لجميع ما
يخرج من المخرج المعتاد دلالة، وكان في الآية تقديم وتأخير،
أي: إذا قمتم عن النوم، أو جاء أحد منكم من الغائط، أو لامستم
النساء، أي: مسستم باليد، فيكون بيان أن المس حدث، إذ هو سبب
اشتهاء، فاغسلوا وجوهكم، / فإن عدمتم الماء فتيمموا، من غير
ذكر أسباب الحدث، لأن البدل يتعلق بما يتعلق به الأصل، فلا
يفتقر إلى بيان زائد. ومتى لم يجعلوا هكذا كانت الآية ساكتة عن
بيان أنواع الحدث.
__________
(1) البقرة: 217.
(2) النساء: 1.
(3) الأعراف: 10- الحجر: 20.
(4) المائدة: 6.
(6- 5) النساء: 43.
(2/693)
وعندنا المراد بالآية: الجماع، مجازاً، كما
في قوله تعالى: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ
تَمَسُّوهُنَّ) «1» ، ولأنا أجمعنا أن الجماع مراد، فإن
الشافعي أباح التيمم للجنب، وذكر أنه في كتاب الله تعالى إلا
هاهنا، فبطل أن تكون الحقيقة، إلا أنه يقول: أبحت التيمم
للجنب، لأن الله تعالى جعله بدلاً عن الوضوء والاغتسال جملة.
وعن ابن عمر وابن مسعود أنهما كانا يحملان الآية على المس
باليد، وكانوا لا يبيحون التيمم للجنب، فدل أن تأويل الآية
بالإجماع ليس على التقديم والتأخير، ولا يصار إلى التقديم
والتأخير إلا بدليل قاطع يمنع من حمله على الظاهر، على ما
ذكرناه قبل في هذه الآي.
وكذلك قوله تعالى: (بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ) «2» ، أي: بل
فاعبد الله، فقدم المفعول.
وأما قوله تعالى: (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ) «3»
فهو في نية التقديم والتأخير، والتقدير: نبذ فريق من الذين
أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم واتبعوا ما تتلو الشياطين،
ف «اتبعوا» معطوف على (نَبَذَ) «4» ، وقوله (كَأَنَّهُمْ لا
يَعْلَمُونَ) «5» في موضع الحال، أي: نبذوه مشابهين الجهال.
وقوله: (وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ) «6» ، في «ما»
قولان:
أحدهما: أنه بمعنى: الذي، فيكون نصباً عطفاً على السحر «7» على
«ما تتلو» ، أو جرّا بالعطف على (مُلْكِ سُلَيْمانَ) «8» .
__________
(1) البقرة: 237.
(2) الزمر: 66.
(8- 7- 6- 4- 3) البقرة: 102.
(5) البقرة: 101.
(2/694)
والثاني: أن يكون نفياً بالعطف على قوله
(وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ) «1» أي: وما كفر سليمان، وما أنزل
على الملكين.
ويقال: إن سحرة اليهود زعموا أن الله تعالى أنزل السحر على
لسان جبريل وميكائيل إلى سليمان، فأكذبهم الله بذلك، فيكون
التقدير: وما كفر سليمان وما أنزل على الملكين، ولكن الشياطين
كفروا يعلمون الناس ببابل هاروت وماروت فعلى هذا اختلفوا فيهما
على ثلاثة أقوال:
الأول: أن هاروت وماروت رجلان من سحرة أهل بابل تعلما السحر من
الشياطين.
الثاني: أنهما شيطانان من مردة الشياطين خصا بالذكر من بينهم
لتمردهما، والسحر من استخراج الشياطين للطافة جوهرهم ودقة
أفهامهم، لأن أفعال الحيوان مناسبة.
وقيل: إنهما ملكان من الملائكة أهبطهما الله على صورة الإنس
لئلا ينفروا منهما.
وقيل: سبب هبوطهما أن الله تعالى أهبطهما ليأمرا بالدين وينهيا
عن السحر، لأن السحر كثر في ذلك الزمان وانتشر.
واختلف من قال بهذا: هل كان للملكين تعليم الناس السحر أم لا؟
على قولين:
أحدهما: أن الملكين كانا يعلمان الناس السحر وينهيان عن فعله،
ليكون النهي عنه بعد العلم به، لأن ما لا يعلم أنه سحر لا يمكن
الاحتراز منه،
__________
(1) البقرة: 102.
(2/695)
كالذي لا يعرف الكفر لا يمكنه الامتناع
منه، فيكون التعليم إذاً بالنهي عنه. عن علي بن أبي طالب،
صلوات الله عليه.
والثاني: أنه لم يكن للملكين تعليم السحر ولا إظهاره للناس،
لما في تعليمه من الإغراء بفعله، ولأن السحر قد كان فاشياً،
فأهبط الملكان بمجرد النهي.
قال ابن بحر: جملة هذا أن «تلا» بمعنى: كذب. يقال: تلا، أي:
كذب. يقول: نبذ هذا الفريق كتاب الله وراء ظهورهم واتبعوا كذب
الشياطين على ملك سليمان أنه كان بسحر. وموضع «ما» في قوله
(وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ) «1» جر عطف على (مُلْكِ
سُلَيْمانَ) «2» . أي:
الشياطين كذبوا عليه وعلى ما أنزل.
قال: ومعنى (أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ) «3» : أنزل معهما
وعلى ألسنتهما، كما قال الله تعالى: (عَلى رُسُلِكَ) «4» ، أي:
على ألسن رسلك ومعهم. فلا يجوز أن يكون نصباً عطفاً على
«السحر» لأن الإنزال على الملكين لا يكون إلا من الله تعالى،
والله لا يضاف إليه السحر وإنما يضاف إلى الكفرة وأوليائهم من
الشياطين، وهما نزلا بالنهي عن السحر، فقالوا: نزلا بتعليمه.
وكان معنى الكلام: أن الشياطين يعلمان الناس السحر، وأن
الملكين لا يعلمان ذلك أحداً بل ينهيان عنه حتى يبلغ من نهيهما
وصدهما عن تعلمه أن يقولا للمتعلم: إنما نحن فتنة فلا تكفر،
فإن كان من الملائكة فإنما يقولان ذلك للأنبياء، ويقوله
الأنبياء لسائر البشر، وإن كان من البشر قالا ذلك لكل واحد من
البشر/ وذلك كما يقول الرجل:
__________
(3- 2- 1) البقرة: 102.
(4) آل عمران: 194.
(2/696)
ما أمرت فلاناً بما فعل ولقد بالغت في نهيه
حتى قلت له: إنك إن فعلت ذلك نالك كذا وكذا. ووقع الاختصار بعد
قوله: (وَما يُعَلِّمانِ) «1» فحذف: «بل ينهيان» ، ليستنبطه
العلماء بالفكرة فيؤجروا.
وقال ابن جرير: من جعل «ما» جحدا، و «الملكين» : جبريل
وميكائيل، جعل التقدير: لم ينزل السحر إلى سليمان مع جبريل
وميكائيل، كما يقول اليهود، وجعل «من» فى قوله:
(فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما) بمعنى المكان والبدل، أي:
فيتعلمون مكان ما علماه ما يفرقون به بين المرء وزوجه.
ومن ذلك قوله: (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ
يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ
فِي يَتامَى النِّساءِ) «2» إلى قوله: (وَأَنْ تَقُومُوا
لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ) «3» . «ما» في موضع الرفع بالعطف على
الضمير في «يفتيكم» ، أي: يفتيكم الله فيهن، ويفتيكم أيضاً
القرآن الذي يتلى عليكم، و «فى» من قوله: «في يتامى النساء» من
صلة «يتلى» ، و «المستضعفين» جر عطف على «يتامى النساء» ، و
«أن تقوموا لليتامى بالقسط» جر عطف على «المستضعفين» .
ويجوز في «المستضعفين» أن يكون عطفاً على قوله: «في الكتاب» ،
أي:
يتلى عليكم في الكتاب وفي حال المستضعفين.
وجاء في التفسير: إنهم كانوا في الجاهلية لا يورثون النساء ولا
الأطفال، فلما فرض الله تعالى المواريث في هذه السورة شق ذلك
على الناس فسألوا رسول الله- صلى الله عليه وعلى آله- عن ذلك،
فأنزل الله تعالى هذه الآية. و (ما كُتِبَ لَهُنَّ) «4» يعني:
الميراث. عن ابن عباس.
__________
(2- 1) البقرة: 102.
(4- 3) النساء: 127. [.....]
(2/697)
وقيل: إنهم كانوا لا يؤتون النساء صدقاتهن
ويتملكها أولياؤهن، فلما نزل قوله: (وَآتُوا النِّساءَ
صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً) «1» سألوا رسول الله- صلى الله عليه
وعلى آله- فأنزل الله هذه الآية. و «ما كتب لهن» يعني: من
صداق.
قيل: إنه وارد في ولي اليتيم، كان لا يتزوجها وإن حلت له،
ويعضلها ولا يزوجها طمعاً في مالها، لأنه لا يشاركه الزوج فيه،
فنزل ذلك فيه.
ومعنى: (وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ) «2» : أي: ترغبون
عن نكاحهن.
ومن ذلك قوله تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ
الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ
قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ) «3» .
قوله «في الحياة الدنيا» لا يخلو من تعلّقه ب «حرّم» ، أو ب
«زينة» ، أو ب «أخرج» ، أو ب «الطيبات» ، أو ب «الرزق» فجوز
تعلقها ب «حرّم» ، أي: حرم ذاك إذ ذاك. ومنع من تعلقها ب
«زينة» كما يمتنع: الضرب الشديد يوم الجمعة، إن علقت «اليوم» ب
«الضرب» ، لكون المصدر موصوفاً.
فإن قلت: فقد جاء: إذا ... «4» فرحين، فإن اسم الفاعل ليس
كالمصدر، لأن الوصف يؤذن بانقضاء أجزائه، والوصل يؤذن ببقائه.
وجوز أن يتعلق ب «الطيبات» وب «الرزق» وب «أخرج» .
فإن قلت: فإن «أخرج» في صلة «التي» ، و «الطيبات» فى صفة
اللام، و «الرزق» مصدر، فكيف يوصل بهذه الأشياء، «وهي للذين
آمنوا» فاصلة؟
فإنه قد جاء والطلاق عزيمة ثلاثاً، وجزاء سيئة بمثلها، لأنه
يسدد الأول.
ويجوز أن يتعلق ب «الطيبات» ، تقديره: والمباحات من الرزق
__________
(1) النساء: 4.
(2) النساء: 127.
(3) الأعراف: 32.
(4) مكان هذه النقط كلمتان غير جليتين.
(2/698)
ويجوز أن يتعلق ب «آمنوا» ، الذي هو صلة
«للذين آمنوا في الحياة الدنيا» .
ثم انظر ما أغفله «أبو علي» من الفصل بين الصلة والموصول
بقوله: (وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ» ، لأن هذا غير معطوف
على قوله: «زينة الله» .
ولا يمكن «أبو علي» أن يجيب عن هذا الفصل بأنه مما يسدد القصة،
وإذا كان العطف على الموصول يتنزل منزلة، صفته في منع تعلق شيء
به بعد العطف، فالعطف على ما قبل الموصول أولى بالمنع وأحق،
لأن قوله:
«والطيبات» منصوب ب «حرم» لا ب «أخرج» ، وفي تعلقه ب «الطيبات»
نظر، لأن قوله «من الرزق» بيان ل «الطيبات» يتنزل منزلة الحال،
وكما يمنع النعت بما قبله فكذلك الحال، إلا أن لأبي علي أن
ينحو بهذا البيان نحو التمييز فيتوجه له حينئذ الفرق بينه وبين
الحال.
وجوز فى «الإغفال» تعلقها بآمنوا وباللام في «الذين» ، وبمحذوف
في موضع الحال، والعامل فيه معنى اللام، فعلى هذا يكون فيه
ضمير.
وعلى الأولين لا ضمير ولا يجوز تقديمه على «الذين» في الوجهين
أعني:
الحال والتعلق ب «آمنوا» . ويجوز في الوجه الآخر التقديم، كما
جاز: كل يوم لك ثوب وهي مبتدأ واللام خبره، و «خالصة» أيضاً،
كحلو حامض، فيمن رفع، وفيمن نصب حال، ولم يجز أن يتعلق ب
«أخرج» لأنه فصل به، أعني «في الحياة الدنيا» بين المبتدأ
وخبره، فيمن رفع وبين الحال وذي الحال فيمن نصب، لكون «في
الحياة الدنيا» أجنبية من هذه الأشياء، ثم لم يرتض من نفسه أن
يظن به ما يخطر بخاطر من أن هذا ظرف، والظروف يتلعب بها، فذكره
حجة لأبي الحسن.
(2/699)
ومن ذلك قوله تعالى: (لَهُ مُعَقِّباتٌ
مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ
أَمْرِ اللَّهِ) «1» . قالوا: إن التقدير: له معقبات من أمر
الله، فيكون «من أمر الله» معمول الظرف الذي هو قوله «له» .
وقيل: يحفظونه عند نفسه من أمر الله، ولا راد لأمره ولا مانع
لقضائه.
وقيل: إن «لا» مضمر، أي: لا يحفظونه من أمر الله.
وقيل: في «المعقبات» : حراس الأفراد الذين يتعاقبون الحرس. عن
ابن عباس.
وقيل: إنه ما يتعاقب من الله وقضائه في عباده. عن عبد الرحمن
ابن زيد.
وقيل: إنهم الملائكة، إذا صعدت ملائكة الليل عقبتها ملائكة
النهار، وإذا صعدت ملائكة النهار عقبتها ملائكة الليل. عن
مجاهد.
وقيل: في «من بين يديه» : أي: من أمامه وورائه. وهذا قول من
زعم أن المعقبات حراس الأفراد.
وقيل: في الماضي والمستقبل. وهذا قول من زعم أن المعقبات ما
يتعاقب من أمر الله وقضائه.
وقيل: من هداه وضلالته. وهذا قول من زعم أنه الملائكة.
وقيل: يحفظونه من أمر الله، أي: من تلك الجهة وقع حفظهم له،
أي: حفظهم إياه إنما هو من أمر الله، كما يقال: هذا من أمر
الله.
عن سعيد بن جبير.
__________
(1) الرعد: 11.
(2/700)
فإذا حملته على التقديم كان قوله. «من بين
يديه» متعلقاً بقوله «يحفظونه» ، والتقدير: له معقبات من أمر
الله يحفظونه من بين يديه ومن خلفه. قاله النخعي فيكون الظرف
فاصلاً/ بين الصفة والموصوف، فنظيره: (إِلَّا مَنِ ارْتَضى
مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ
خَلْفِهِ رَصَداً) «1» ، جمع: راصد.
يعني: الملائكة يحفظون النبي- صلى الله عليه وعلى آله- من الجن
والإنس، وهم أربع.
ومن ذلك قوله: (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ
بِالْحَقِّ) «2» . قيل: الكاف من صلة ما قبله. وقيل: من صلة ما
بعده.
فمن قال: هي من صلة ما قبله، قال: «كما أخرجك» أي: كما ألزمك
الخصال المتقدم ذكرها التي تنال بها الدرجات، ألزمك الجهاد
وضمن النصرة لك والعاقبة المحمودة.
وقيل: بل المعنى: الأنفال لله والرسول مع مشقتها عليهم، لأنه
أصلح لهم، كما أخرجك ربك من بيتك بالحق مع كراهتهم، لأنه أصلح
لهم.
وقيل: هو من صلة ما بعده، والتقدير: يجادلونك في الحق متكرهين
كما كرهوا إخراجك من بيتك.
وقيل: أن يعمل فيه «بالحق» ، يعني: هذا الحق كما أخرجك ربك.
جائز حسن. «3»
وقيل: التقدير: يجادلونك في القتال كما جادلوا في الإخراج.
__________
(1) الجن: 27.
(2) الأنفال: 5.
(3) ساق أبو حيان في تفسير: البحر المحيط (4: 459- 464) خمسة
عشر رأيا حول إعراب «كما» ليس من بينها هذا الرأي الذي يبدو
غير واضح.
(2/701)
ومن ذلك قوله تعالى: (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ
رَبِّهِ جَنَّتانِ) «1» ، ثم قال: (ذَواتا أَفْنانٍ) «2» .
فقوله «ذواتا» صفة ل «جنتين» ، أي: جنتان ذواتا أفنان.
واعترض بينهما بقوله: (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)
«3» .
وهكذا الآي كلها التي تتلوها إلى قوله: (وَمِنْ دُونِهِما) «4»
، كلها صفات لقوله: (جَنَّتانِ) ، والتقدير: وله من دونهما
جنتان، وما بعدها صفات ل «جنتان» المرتفعة بالظرف. وقوله:
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) «5» اعتراض، ويكون
قوله: (مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ) «6» حالاً من المضمرين في
قوله: (وَمِنْ دُونِهِما) «7» أي: ولهم من دونهما، كما أن
قوله: (مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ) «8» حال من قوله «ولمن» .
والتقديم والتأخير كثير في التنزيل. ومضى قبل هذا الباب الخبر
المقدم على المبتدأ في قوله: (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) «9» ،
(وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) «10» ، (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ
حَياةٌ) «11» ، ونحوه كثير.
وأما قوله: (الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ
فِيهِ وَالْبادِ) «12» ، وقد قرئ بالرفع والنصب:
وجه الرفع في «سواء» أنه خبر ابتداء مقدم، والمعنى: العاكف
والبادي فيه سواء، أي: ليس أحدهما بأحق به من صاحبه،
__________
(1) الرحمن: 46.
(2) الرحمن: 48.
(5- 3) الرحمن: 47.
(7- 4) الرحمن: 62.
(6) الرحمن: 76.
(8) الرحمن: 54. [.....]
(9) النحل: 63، 104، 117.
(10) البقرة: 7.
(11) البقرة: 179.
(12) الحج: 25.
(2/702)
فاستواء العاكف والبادي، فيه دلالة على أن
أرض الحرم لا تملك، ولو ملكت لم يستويا فيه، وصار العاكف فيه
أولى بها من البادي بحق ملكه، ولكن سبيلهما سبيل المساجد التي
من سبق إليها كان أولى بالمكان لسبقه إليه، وسبيله سبيل المباح
الذي من سبق إليه كان أولى به.
ومن نصب فقال: (سَواءً الْعاكِفُ) أعمل المصدر عمل اسم الفاعل،
فرفع «العاكف» به كما يرتفع «بمستو» ، ولو قال: مستوياً العاكف
فيه والبادي، فرفع العاكف «بمستو» فكذلك يرفعه ب «سواء» .
والأكثر الرفع في نحو هذا، وألا يجعل هذا النحو من المصدر
بمنزلة الفاعل، ووجهه أن إعماله المصدر قد يقوم مقام اسم
الفاعل في الصفة، نحو: رجل عدل، فيصير: عدل العادل. وقد كسر
اسم المصدر تكسير اسم الفاعل في نحو قوله:
فنواره ميل إلى الشمس زاهر «1»
فلولا أن «النور» عنده كاسم الفاعل لم يكسر تكسيره، فكذلك قول
الأعشى:
وكنت لقى تجرى عليك السوائل «2»
ومن أعمل المصدر إعمال اسم الفاعل فقال: مررت برجل سواء درهمه
وقال: مررت برجل سواء هو والعدم كما تقول: مستو هو والعدم،
فقال:
سواء العاكف فيه والباد، كما تقول: مستويا العاكف فيه والباد،
فهو وجه حسن.
__________
(1) عجز بيت للخطيئة، صدره:
بمستأسد القريان حونباته
(2) صدره:
وليتك حال البحر دونك كله
والرواية في الديوان: «عليه» مكان «عليك» . والسوائل: المياه
السائلة.
(2/703)
ويجوز في نصب قوله «سواء العاكف فيه» وجه
آخر: وهو أن تنصبه على الحال، فإذا نصبته عليها وجعلت قوله.
«للناس» مستقراً، جاز أن يكون حالاً يعمل فيها معنى الفعل، وذو
الحال الذكر الذي في المستقر.
ويجوز أيضاً في الحال أن يكون من الفعل الذي هو «جعلناه» ، فإن
جعلتها حالاً من الضمير المتصل بالفعل كان ذو الحال الضمير
والعامل فيها، وجواز قوله «للناس» / مستقر، على أن يكون
المعنى: أنه جعل للناس منسكا ومتعبدا، فنصب، كما قال: وضع
للناس.
ويدل على جواز كون قوله «للناس» مستقراً، أنه قد حكى: أن بعض
القراء قرأ: (الذي جعلناه للناس العاكف فيه والبادي سواء) ،
فقوله «للناس» يكون على هذا مستقراً في موضع المشغول الثاني ل
«جعلناه» ، فكما كان في هذا مستقراً كذلك يكون مستقراً في
الوجه الذي تقدمه، ونعني:
الذي جعلناه للعاكف والبادي سواء. أنهما يستويان فيه في
الاختصاص بالموضع ومن ذلك قوله تعالى: (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا
قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ
عَلَيْهِ) «1» قوله «نصفه» بدل من «الليل» ، كما تقول: ضربت
زيداً رأسه، فالمعنى: نصف الليل إلا قليلاً، نصفه أو انقص من
النصف أو زد عليه.
وقوله «إلا قليلاً» يفيد ما أفاده أو «انقص منه قليلاً» ، لكنه
أعيد تبعاً لذكر الزّيادة خيّره الله تعالى بين أن يقوم النصف
أو يزيد عليه أو ينقص منه.
__________
(1) المزمل: 2- 4.
(2/704)
وقال الأخفش: المعنى: أو نصفه أو زد عليه
قليلاً، لأن العرب قد تكلم بغير «أو» ، يقولون: أعط زيداً
درهماً درهمين أو ثلاثة.
وقال المبرد: خطأ لا يجوز، إنما «نصفه» بدل من «الليل» ،
والاستثناء مقدم من «النصف» .
ومن ذلك قوله: (فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ
كَفَرُوا) «1» . هذا من طرائف العربية، لأن «هى» ضمير القصة
مرفوعة بالابتداء، و «أبصار الذين كفروا» مبتدأة، و «شاخصة»
خبر مقدم، وهي خبر أيضاً، والجملة تفسير «هي» ، والعامل في
«إذا» قوله «شاخصة» ، ولولا أن «إذا» ظرف لم يجز تقديم «ما» في
حيز «هي» عليها، لأن التفسير لا يتقدم على المفسر، ولكن الظرف
يلغيه الوهم، وقد جاء ذلك في الشعر في غير الظرف، قال الفرزدق:
وليست خراسان الذي كان خالد ... بها أسد إذ كان سيفاً أميرها
والتقدير: الذي كان خالد بها سيفاً إذ كان أسداً أميرها. ففي
«كان» الثانية/ ضمير القصة وأسد «مبتدأ» ، وأميرها «خبر» ،
والجملة تفسير الضمير الذي في «كان» ، وقدم «الأسد» على «كان»
الذي فيه الضمير وقالوا: يمدح خالد بن عبد الله القسري «2»
ويهجو أسداً، وكان أسد واليها بعد خالد، قال: وكأنه قال: وليست
خراسان بالبلدة التي كان خالد بها سيفاً، إذ كان أسد أميرها.
ففصل بين اسم «كان» الأول، وهو خالد، وبين خبرها الذي هو
«سيفاً» بقوله: «بها أسد إذ كان» ، فهذا واحد. وثان أنّه قدم
__________
(1) الأنبياء: 97.
(2) الأصل: «خالد بن الوليد» تحريف. وخالد القسري وأخوه أسد،
ممن قال فيهم الفرزدق.
(2/705)
بعض ما أضافه إليه، وهو «أسد» عليها، وفي
تقديم المضاف إليه أو شيء منه على المضاف من القبح ما لا خفاء
به، فنظير الآية قوله: (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا
أَنْسابَ بَيْنَهُمْ) «1» ، وقوله: (إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ
مُمَزَّقٍ) «2» ، وقوله:
(إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ) «3» ، ثم قال: (إِنَّ
رَبَّهُمْ) «4» ، ف «إذا» في هذه الأشياء متعلقة بمحذوف دل
عليه ما بعد «إن» و «الفاء» .
وقيل في البيت: إن «كان» زائدة، فيصير تقديره: إذ أسد أميرها،
فليس في هذا أكثر من شيء واحد، وهو ما قدمنا ذكره من تقديم ما
بعد «إذ» عليها، وهي مضافة إليها. وهذا أشبه من الأول، ألا ترى
أنه إنما نفي حال خراسان إذ أسد أميرها لأنه إنما فضل أيامه
المنقضية بها على أيام أسد المشاهدة فيها، فلا حاجة به إلى
«كان» ، لأنه أمر حاضر مشاهد.
فأما «إذا» هذه فمتعلقة بأحد شيئين. إما ب «ليس» وحدها، وإما
بما دلت عليه من غيرها، حتى كأنه قال: خالفت خراسان إذ أسد
أميرها التي كانت أيام ولاية خالد لها، على حد ما نقول فيما
يضمر للظرف، ليتأولها ويصل إليها.
ومن ذلك قوله: (إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ
قَبْلُ) «5» ، تقدير «من قبل» أن يكون متعلقا ب «كفرت» ،
المعنى: أي: كفرت من قبل بما أشركتموني. ألا ترى أن كفره قبل
كفرهم، وإشراكهم إياه فيه بعد ذلك، فإذا كان كذلك علمت أن «من
قبل» لا يصح أن يكون من صلة «ما أشركتموني» ، وإذا لم يصح ذلك
فيه ثبت أنه من صلة «كفرت» .
__________
(1) المؤمنون: 101.
(2) سبأ: 7.
(3) العاديات: 9.
(4) العاديات: 11.
(5) إبراهيم: 22. [.....]
(2/706)
ومن ذلك قوله: (كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ
فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ) «1»
، أي: أنزل إليك لتنذر، فأخر اللام المتعلق بالإنزال.
وقيل: فلا يضيق صدرك بأن يكذبوك. عن الفراء- فيكون «اللام»
متعلقاً بالحرج.
ومن ذلك قوله: (وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ) «2» ، أي:
كانوا يظلمون أنفسهم.
ومنه: (وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) «3» ، و (أَهؤُلاءِ
إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ) «4» .
هذا يدل على جواز: يقوم كان زيداً، ألا ترى أن «أنفسهم» منتصب
ب «يظلمون» ، فإذا جاز تقديم مفعوله جاز تقديمه وجاز وقوعه
موقع المعمول.
فأما قوله: (وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) «5» ففي موضعه ثلاثة
أقوال:
رفع بالعطف على «كتاب» ، وقيل: بل مبتدأ مضمر.
وإن شئت كان نصبا ب «تذكر» ، أي، لتنذر فتذكر.
وإن شئت هو جر باللام، أي: لتنذر وللذكرى.
وضعفه ابن عيسى فقال: باب الجر باب ضيق لا يتسع فيه الحمل على
المعاني:
وليس الأمر كما قال، لأنا عرفنا أن تعد اللام مضمرة، وكأنه
قال:
للإنذار به وذكرى للمؤمنين، وإذاً جاء: (كَيْفَ يَهْدِي
اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا) «6»
، والتقدير: وبعد أن شهدوا، لم يكن لنظر أبي الحسن مجال في هذا
الباب، وابن من أنت من أبي علي، وكلامك ما تراه من الاختصار
والإيجاز.
__________
(1) الأعراف: 2.
(2) الأعراف: 177.
(3) الأعراف: 139- هود: 16.
(4) سبأ: 40.
(5) الأعراف: 2.
(6) آل عمران: 86.
(2/707)
فأما قوله تعالى: (فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ
يَخْتَصِمُونَ) «1» فإن العامل في «إذا» محذوف، كقولك: خرجت
فإذا زيد، فبالحضرة زيد، فيكون «فريقان» بدلاً من «هم» وإن كان
متعلقاً بالمحذوف، فيكون الإخبار عن المبدل منه، وقد قال:
وكأنه لهق السراة كأنه ... ما حاجبيه معين بسواد «2»
أخبر عن المبدل منه والإخبار في الآية إذا قدرت قوله «فريقان»
بدلاً من «هم» كان متعلقاً بمحذوف، كما يكون مع البدل منه
فكذلك يجوز أن تجعل قوله «فريقان يختصمون» الخبر عن «هم» ،
فإذا قدرته كذلك أمكن أن تعلق «إذا» بما في «فريقان» من معنى
الفعل، وإن شئت علقته بالاختصام، وقال: يختصمون، على المعنى.
ويجوز أن تجعل «الفريقان» الخبر ونجعل «يختصمون» وصفاً، فإذا
قدرته كذلك تعلق «إذا» بما في «الفريقان» من معنى الفعل، ولا
يجوز أن يتعلق ب «يختصمون» ، لأن الصفة لا تتقدم على الموصوف/
ألا ترى أنه لم يجز: أزيداً أنت رجل تضربه، إذا جعلت «تضرب»
وصفاً. «وأجاز المازني: زيداً أنت رجل تكرمه، على أن يكون
«تكرمه» خبرا ثانيا ل «أنت» لا وصفاً للنكرة. ويجوز أن تجعل
«يختصمون» حالاً من «هم» ، وتجعل «فريقين» بدلاً، فالعامل في
الحال الظرف، كقوله: فيها زيد قائماً.
وقال في موضع آخر: «يختصمون» وصف أو حال. والحال من أحد
الشيئين:
__________
(1) النمل: 45.
(2) البيت للأعشى. ولهق السراة: أي أبيض أعلى الظهر. ومعين
بسواد: أسفع الخدين.
(2/708)
إما من الضمير في «فريقان» لأنه منصوب، ألا
تراهم قالوا: يومئذ يتفرقون، وليس كذا.
والآخر: أن يكون حالاً مما في «ذا» من معنى الفعل، وذاك إذا
جعلته على قولهم: حلو حامض، فإنه على هذا التقدير متعلق
بمحذوف، فإذا تعلق بالمحذوف كان بمنزلة قولهم: في الدار زيد
قائماً. فإذا لم تجعله على هذا الوجه لم يجز أن ينتصب عنه حال،
ألا ترى أنك إذا لم تجعله على قولهم:
حلو حامض، كان «فريقان» خبر «هم» الوقعة بعد «إذا» ، وإذا كان
كذلك كان «إذا» في موضع نصب مما في قوله «فريقان» من معنى
الفعل، فليس في «إذا» ضمير لتعلقه بالظاهر، فإنما ينصب الحال
إذا تعلق بمحذوف خبراً «لهم» .
وأما قوله تعالى: (وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا
لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ) «1»
، يحتمل أن يكون: أتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ولعنة يوم
القيامة فحذف المضاف، ويجوز أن يكون محمولاً على موضع «في هذه
الدنيا» كما قال:
إذا ما تلاقينا من اليوم أو غد
ويشهد لذلك، والوجه الذي قبله، قوله تعالى في آية أخرى:
(لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) «2» ، وقوله:
(وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ
الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ) «3» ، ويكون قوله (هُمْ مِنَ
الْمَقْبُوحِينَ) «4» . جملة استغنى بها عن حرف
__________
(1) القصص: 41.
(2) النور: 23.
(4- 3) هود: 99.
(2/709)
العطف فيها بالذكر الذي تضمنت مما في
الأولى، كما استغنى عنه بذلك في قوله تعالى: (ثَلاثَةٌ
رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ) «1» ولو كانت الواو لكان ذلك حسناً كما
قال: (وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) . ويجوز
أن يكون العامل فيه «من المقبوحين» لأن فيه معنى فعل، وإن كان
الظرف متقدماً، كما أجاز: كل يوم لك ثوب. ويجوز أن يكون العامل
فيه مضمراً يدل عليه قوله: «من المقبوحين» لقوله: (يَوْمَ
يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ)
«2» .
وأما قوله: (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ) «3»
فيكون «يومئذ» من صلة المصدر، كما كان في التي قبلها، يعني في
قوله: (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ) «4» ، و «الحق» صفة
والظرف الخبر، ويجوز أن يكون «يومئذ» معمول الظرف، ولا يتقدم
عليه ولا يتصل على هذا بالمصدر.
وأما قوله: (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ) «5» ، إن جعلت
الظرف من صلة المصدر جاز أن تنصبه نصب المفعول به، كقولك:
الوزن الدراهم حق، ويكون «الحق» على هذا خبر المبتدأ. وإن جعلت
«يومئذ» خبر المصدر، لأن «الوزن» حدث، فيكون ظرف الزمان خبراً
عنه تعلق بمحذوف، جاز أن ينتصب انتصاب الظرف دون المفعول به،
ألا ترى أن المفعول به لا تعمل فيه المعاني، ويكون «الحق» على
هذا صفة ل «الوزن» ، ويجوز أن يكون بدلاً من «الذكر» المرفوع
الذي في الخبر.
__________
(1) الكهف: 22.
(2) الفرقان: 22.
(3) الفرقان: 26. [.....]
(5- 4) الأعراف: 8.
(2/710)
وأما قوله: (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ
اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ) «1» فهو متعلق
بمحذوف، ألا ترى أنه ليس في هذا الكلام فعل ظاهر يجوز أن يتعلق
الظرف به، فإذا كان كذلك تعلق بما دل عليه قوله: (فَهُمْ
يُوزَعُونَ) ، كما أن قوله، (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً
وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) «2» الظرف فيه كذلك، وكذلك
قوله: (يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ
إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) «3» ، لأن الظرف من حيث كان
مستقبلاً كان بمنزلة «إذا» ، ومن ثم أجيب بالفاء كما يجاب
«إذا» بها.
وأما قوله تعالى: (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ
فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ) «4» .
فقد تكون مثل التي تقدمت، ألا ترى أن قوله: (وَفَضَّلْناهُمْ
عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا) «5» ماض، كما أن
قوله: (وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا) «6» كذلك، و «ندعو»
مستقبل، كما أن (يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ) «7» كذلك، فتجعل
الظرف بمنزلة «إذا» كما جعلته ثم بمنزلته، فيصير التقدير: يوم
ندعو كل أناس بإمامهم لم يظلموا، أو عدل عليهم، ونحوه.
ومن ذلك قوله: (فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذلِكَ
يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ) «8» ، القول فيه:
إن ذلك إشارة إلى النقر، كأنه قال: فذلك النقر يومئذ يوم عسير،
أي:
نقر يوم عسير، فقوله «يومئذ» ، على هذا متعلق بذلك، لأنه في
المعنى مصدر وفيه معنى الفعل، فلا يمتنع أن يعمل في الظرف كما
عمل في الحال، ويجوز أن يكون «يومئذ» ظرفاً لقوله «يوم» ،
ويكون «يومئذ» بمنزلة «حينئذ» ، ولا يكون
__________
(7- 1) فصلت: 19.
(2) المؤمنون: 82.
(3) سبأ: 7.
(4) الإسراء: 71.
(5) الإسراء: 70.
(6) فصلت: 18.
(8) المدثر: 8، 9.
(2/711)
«اليوم» ، الذي يعنى به وضح النهار، ويكون
«اليوم» الموصوف بأنه عسير خلاف الليلة ويكون التقدير: فذلك
اليوم يوم عسير حينئذ، أي: ذلك اليوم يوم في ذلك الحين، فيكون
متعلقا بمحذوف ولا يتعلق ب «عسير» ، لأن ما قبل الموصوف لا
تعمل فيه الصفة. فأما «إذا» في قوله: «فإذا نقر في الناقور»
فالعامل فيه المعنى الذي دل عليه قوله: «يوم عسير» ، تقديره:
إذا نقر في الناقور عسر الأمر فصعب، كما أن «لا بشرى يومئذ»
يدل على «يحزنون» .
ومن ذلك قوله تعالى: (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ) «1» ، و (وَما
تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ) «2» ، و (وَما تَفْعَلُوا مِنْ
خَيْرٍ) «3» و (ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ)
«4» ، و (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ) «5» كل هذا «ما» فيه
منصوب بفعل الشرط الذي بعده، والفعل منجزم به.
ومثله: (أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) «6»
، «أيا» منصوب ب «تدعو» ، و «تدعو» منجزم به.
ومنهم من قال: إن «أيا» ينتصب بمضمر دون «تدعو» ، لأن «تدعو»
معموله، فلو نصبه وجب تقدير تقديمه.
وأما قوله: (أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) «7» ، فالتقدير:
أي انقلاب ينقلبون، ف «منقلب» مصدر. و «أي» مضاف إليه، فيصير
حكمه حكم المصدر، فيعمل فيه «ينقلبون» .
ومن ذلك ما قيل في قوله تعالى: (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ
وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ)
«8» .
__________
(1) البقرة: 106.
(2) البقرة: 272 و 273.
(3) البقرة: 197 و 215، النساء: 127.
(4) فاطر: 2.
(5) سبأ: 39.
(6) الإسراء: 110. [.....]
(7) الشعراء: 227.
(8) الأنعام: 110.
(2/712)
عن ابن بحر: إن فيه تقديماً وتأخيراً،
والتقدير: وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن
بها والله مقلب قلوبهم في حال أقسامهم، وعالم منها بخلاف ما
حلفوا عليه إذ هو مقلب القلوب والأبصار، عالم بما في الضمير
والظاهر، وما يدريكم أنها إذا جاءت لا يؤمنون كما لم يؤمنوا به
أول مرة، أي: قبل الآية التي طلبوها (وَنَذَرُهُمْ فِي
طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) «1» .
وحمله قوم على أن «الكاف» بمعنى «على» ، وآخرون على أنه بمعنى:
من أجل، أي: من أجل ما لم يؤمنوا/ به أول مرة.
ومن ذلك قوله: (لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ
وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) «2» ، أي: ثبتت لهم دار
السلام جزاء لعملهم، وهو أحسن من أن تعلقه بقوله: «وليهم» ،
إنما يجازيهم بعملهم الجنة.
ومثله: (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً
بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) «3» .
ومن ذلك قوله: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى
عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً)
«4» ، أي: على عبده الكتاب قيماً ولم يجعل له عوجاً، ففصل وقدم
وأخر. ويجوز أن يكون الواو واو الحال، فيكون «قيماً» حالاً بعد
حال.
ومن ذلك قوله تعالى: (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ
وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) «5» ، يكون التقدير: على قرية
على عروشها، فيكون بدلاً، ويكون «وهي خاوية» بمعنى: خالية،
والجملة تسدد الأول.
__________
(1) الأنعام: 110.
(2) الأنعام: 127.
(3) الأحقاف: 14.
(4) الكهف: 2.
(5) البقرة: 259.
(2/713)
وأما قوله تعالى: (وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ
أَصْحابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ
الْيَمِينِ) «1» ، التقدير: فمهما يكن من شيء فسلام لك من
أصحاب اليمين إن كان من أصحاب اليمين، فقوله: «إن كان من أصحاب
اليمين» مقدم في المعنى، لأنه لما حذف الفعل وكانت تلي الفاء
«أما» قدم الشرط وفصل بين الفاء و «أما» به، وعلى هذا جميع ما
جاء في التنزيل.
ومن ذلك قوله: (فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً
يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً) «2» .
روي عن حمزة الزيات أنه قال في التفسير: فكيف تتقون يوماً يجعل
الولدان شيباً إن كفرتم.
قال أبو علي: أي: كيف تتقون عذابه أو جزاءه، ف «اليوم» على هذا
اسم لا ظرف وكذلك: واتقوا يوماً يجعل الولدان شيباً، إن
«اليوم» محمول على الاتقاء. «وقد قيل» : إنه على «إن كفرتم
يوماً» فهذا تقديره: كفرتم بيوم، فحذف الحرف وأوصل الفعل. وليس
بظرف، لأن الكفر لا يكون يومئذ، لارتفاع الشبه لما يشاهد.
وقال الله تعالى: (وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ
الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ) «3» إلى قوله: (لَاتَّبَعْتُمُ
الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلًا) «4» .
قيل: الاستثناء من قوله: (أَذاعُوا بِهِ) فهو في نية التقديم.
وقيل: هو من قوله: (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ)
«5» ، و «لولا» وجوابه اعتراض وقيل: بل هو مما يليه ويعني به:
زيد بن عمرو بن نفيل، يبعث وحده.
__________
(1) الواقعة: 90 و 91.
(2) المزمل: 17.
(5- 4- 3) النساء: 83.
(2/714)
ومنه قوله تعالى: (فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ
عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ) «1»
. إن نصبت «أربعين» ب «يتيهون» كان من هذا الباب، وهو الصحيح.
وقيل: بل هو متعلق ب «محرمة» ، والتحريم كان على التأبيد.
ومن ذلك (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) «2» فيمن
رفع «المثل» أنه صفة لل «جزاء» ، والمعنى: فعليه جزاء من النعم
يماثل المقتول، والتقدير: فعليه جزاء وفاء اللازم له، أو:
فالواجب عليه جزاء من النعم مماثل ما قتل من الصيد.
ف «من النعم» على هذه القراءة صفة للنكرة التي هي «جزاء» وفيه
ذكره، ويكون «مثل» صفة ل «الجزاء» ، لأن المعنى: عليه جزاء
مماثل للمقتول من الصيد من النعم، والمماثلة في القيمة أو
الخلقة، على حسب اختلاف الفقهاء في ذلك.
ولا يجوز أن يكون قوله: «من النعم» على هذا متعلقاً في المصدر،
كما جاز أن يكون الجار متعلقاً به في قوله: (جَزاءُ سَيِّئَةٍ
بِمِثْلِها) «3» ، لأنك قد وصفت الموصول، وإذا وصفته لم يجز أن
تعلق به بعد الوصف شيئاً كالعطف في التأكيد.
وقيل: قوله: «من النعم» من صلة «ما قتل» وليس بوصف لل «جزاء» .
وقيل: هو من صلة «يحكم» وإن تقدم عليه والجزاء يقوم في أقرب
المواضع إلى القاتل عند أبي حنيفة، وعند الشافعي الجزاء من
النظير، ولو كان من النظير لم يقل (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ
مِنْكُمْ) «4» ولم يعطف عليه (أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ
مَساكِينَ) «5» ، لأن ذلك إلى الحكمين، والنظير لا يحتاج فيه
إلى ذلك.
__________
(1) المائدة: 26.
(5- 4- 2) المائدة: 95.
(3) يونس: 27.
(2/715)
وأما قوله تعالى: (إِنِّي لَكُما لَمِنَ
النَّاصِحِينَ) «1» ، و (وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ
الشَّاهِدِينَ) «2» ، و (وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ)
«3» فتبيين للظاهر وليس بصلة، لأنه لا تتقدم الصلة على
الموصول.
ومن ذلك قوله: (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ)
«4» إلى قوله: (فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ)
«5» ، «فتطردهم» جواب النفي في قوله: (ما عَلَيْكَ مِنْ
حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) «6» ، وقوله: «فتكون» جواب النفي في
نية التقديم.
ومن ذلك قوله: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا
الْكِتابَ) «7» إلى قوله: (وَدَرَسُوا ما فِيهِ) «8» ، فقوله:
«درسوا» عطف على «ورثوا» ، وكلتا الجملتين صفة لقوله: «خلف» .
/ وقوله: (أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ) «9»
اعتراض بين الفعلين اللذين هما صفة «خلف» .
ومن ذلك قوله: (زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شاءَ
رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ) «10» إلى قوله: (وَلِتَصْغى) «11»
والآية بينهما اعتراض.
ومن ذلك قوله: (لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ) «12» ، اللام متعلق
بقوله: (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ
بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً) «13» ، أي: يحكم به ليذوق
وبال أمره. فيكون قوله «هدياً» حالاً من الهاء المجرور بالباء،
__________
(1) الأعراف: 21. [.....]
(2) الأنبياء: 56.
(3) يوسف: 20.
(6- 5- 4) الأنعام: 52.
(9- 8- 7) الأعراف: 169.
(10) الأنعام: 112.
(11) الأنعام: 113.
(13- 12) المائدة: 95.
(2/716)
وقوله «أو كفارة» عطف على «جزاء» ، و
«طعام» بدل منه، أو «عدل ذلك» عطف على «كفارة» والتقدير: فجزاء
مثل ما قتل من النعم، أو كفارة طعام مساكين، أو عدل ذلك صياماً
يحكم به ذوا عدل منكم هدياً بالغ الكعبة ليذوق وبال أمره.
ومن ذلك: (قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ
فِي الصُّورِ) «1» . «يوم» ظرف لقوله: «له» ، ويجوز أيضاً أن
يتعلق بالمصدر الذي هو «الملك» فيكون مفعولاً به، كأنه: يملك
ذلك اليوم، كما قال: (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) «2» .
وقوله: (عالِمُ الْغَيْبِ) «3» فيمن جر، وهي رواية عن أبي
عمرو، نعت لقوله: (وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ
الْعالَمِينَ) «4» . ومن رفع «عالم» فهو رفع بفعل مضمر، أي:
ينفخ فيه عالم الغيب، كقوله: (رِجالٌ) «5» بعد قوله:
(يُسَبِّحُ) «6» .
ومن ذلك قوله: (وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها) «7» نصب
عطف على قوله:
(وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها) «8» ،
تقديره: (ومغانم أخرى) نظيره: (وَأُخْرى تُحِبُّونَها) «9»
والتقدير: على تجارة «10» تنجيكم وتجارة أخرى. وإن شئت كان
التقدير: ولكم تجارة أخرى تحبونها. ثم قال: (نَصْرٌ مِنَ
اللَّهِ) «11» أي:
هى نصر.
__________
(1) الأنعام: 73.
(2) الفاتحة: 4.
(3) الأنعام: 73.
(4) الأنعام: 71.
(5) النور: 37.
(6) النور: 36.
(7) الفتح: 21. [.....]
(8) الفتح: 20.
(11- 9) الصف: 13.
(10) يريد قوله تعالى في الآية العاشرة من هذه السورة- سورة
الصف- (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ) .
(2/717)
ومن ذلك قوله: (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ
رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ
الْعِلْمِ) «1» .
قال: معمر: التقدير: وجاءتهم رسلهم بالبينات من العلم.
ومن ذلك قوله: (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ)
«2» إلى قوله:
(لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ) «3» قال أبو الحسن: اللام
من صلة «كف» ، ولو قال: متعلق بمضمر دل عليه «كف» لم يكن فصلاً
بين الصلة والموصول وكان أحسن.
ومن ذلك قوله: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً
عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ) «4» .
قال أبو علي: الظرفان صفة للنكرة متعلقان بمحذوف، والشهادة من
الله هي شهادة يحملونها ليشهدوا بها، كما قال: (فَاشْهَدُوا
وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) «5» ، فإنه يجوز أن يكون
التقدير: إن أحوالهم ظاهرة وإن كتموها، كما قال: (لا يَخْفى
عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ) «6» ، فإذا لم يتعلق ب «كتم»
تعلق ب «الشهادة» ، وتعلقه به على وجوه:
فإن جعلت قوله: «عنده» صفة للشهادة لم يجز أن يكون «من الله»
متعلقا ب «شهادة» ، لأنه فصل بين الصلة والموصول، كما انك لو
عطفت عليه كان كذلك.
ويجوز أن تنصب «عنده» لتعلقه ب «شهادة» ، فإذا فعلت ذلك لم
يتعلق به «من الله» لأنه لا يتعلق به ظرفان.
وإن جعلت «عنده» صفة أمكن «من الله» حالاً عما فى «عنده» ،
__________
(1) غافر: 83.
(3- 2) الفتح: 24: 25.
(4) البقرة: 140.
(5) آل عمران: 81.
(6) غافر: 16.
(2/718)
فإذا كان كذلك وجب أن يتعلق بمحذوف في
الأصل، والضمير العائد إلى ذي الحال هو في الظرف الذي هو «من
الله» .
ويجوز أن تجعل الظرفين جميعاً صفة للشهادة.
وقيل في قوله: (لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً (23) لا يَذُوقُونَ)
«1» تقديره: لا يذوقون أحقاباً، فهو ظرف ل «لا يذوقون» ، وليس
بظرف ل «لابثين» ، إذ ليس تحديداً لهم، لأنهم يلبثون غير ذلك
من المدد، فهو تحديد لذوق الحميم والغساق.
ومن ذلك قوله: (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ
إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ)
«2» .
عند الأخفش على تقدير: وما اختلف الذين أوتوا الكتاب بغياً
بينهم.
ولا يلزم قول ابن جرير، لأن «من» فى قوله «من بعد» يتعلق ب «ما
اختلف» لا المصدر، والفصل بين المفعول له والمصدر، لأن المفعول
له علة للفعل، والمصدر اختلف فيه الأصحاب.
بيض الموضع أبو علي في الكتاب.
ومن ذلك قوله: (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ
فِيهِ) «3» إلى قوله:
(وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ) «4» جر «المسجد» عندنا محمول على
«الشهر» ، والتقدير:
يسألونك عن قتال في الشهر الحرام والشهر الحرام، لأن القتال
كان حقه عند المسجد.
/ وقوم يحملونه على الباء في قوله «كفر به» ، والمضمر المجرور
لا يحمل عليه المظهر حتى يعاد الجار.
__________
(1) النبأ: 23 و 24.
(2) آل عمران: 19.
(4- 3) البقرة: 217.
(2/719)
وأبو على يحمله على المصدر، والتقدير: وصد
عن سبيل الله وعن المسجد، ووقع الفصل بالمعطوف، وهو قوله «وكفر
به» بين الصلة والموصول، وهذا لا يجوز. وقد ذكر ... «1» هو في
مواضع أشياء أبطلها بمثل هذا القول، حتى إنه قال في قوله:
(أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا) «2» لا يكون
«أو يرسل» عطفا على «وحيا» ، وقد علقت «أو من وراء حجاب»
بمضمر، لأنك فصلت بين المعطوف على الوصول بما ليس من صلته. وقد
تقدم هذا.
ومن ذلك قوله: (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ
لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) «3» .
ويجوز أن يكون من صلة «تتفكرون» .
وقيل في قوله تعالى: (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ
مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً)
«4» .
قيل: فيه تقديم وتأخير، والتقدير: إنه كان فاحشة إلا ما قد
سلف، فصار فاحشة بعد نزول الفاحشة.
وقيل: إنها نزلت في قوم كانوا يخلفون الآباء على نسائهم، فجاء
الإسلام بتحريم ذلك، وعفا عما كان منهم في الجاهلية أن يؤاخذوا
به إذا اجتنبوه فى الإسلام.
وقيل: التقدير: ولا تنكحوا من النساء نكاح آبائكم، ف «ما»
مصدرية، و «من» صلة «تنكحوا» .
وقيل: الاستثناء منقطع، أي: لكن ما قد سلف في الجاهلية، وإنه
معفو عنه.
__________
(1) مكان هذه النقط بياض الأصل
(2) الشورى: 51.
(3) البقرة: 219 و 220. [.....]
(4) النساء: 22.
(2/720)
ومن ذلك قوله تعالى: (وَلِكُلٍّ جَعَلْنا
مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) «1» .
قالوا: فيه قولان:
أحدهما: «ما» بمعنى: «من» ، وهو قبيح.
والآخر: أن تكون صفة «كل» ، والفصل لا يمنع كما لم يمنع
(أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ
وَالْأَرْضِ) «2» و (أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ
وَالْأَرْضِ) «3» و (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً
وَمِنْهاجاً) «4» وأما قوله: (ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ
كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ) «5» . لا يكون الباء من
صلة «قلته» ، لأنه لا يتقدم على الشرط ما في حيزه، ولا يكون
للقسم، لأنه لا لام مع «إن» ، ولا مع «قد» والقسم يوجب ذلك،
نحو: والله لئن تأت لأقومن، فهو من صلة الظرف الذي قبله.
ومن ذلك قوله: (وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ) «6» إلى قوله:
(مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ) «7» يجوز في موضع «الحوايا» وجهان:
أحدهما: إنه رفع، عطف على «الظهور» ، بتقدير: أو ما احتملت
الحوايا.
والثاني: النصب، / بمعنى العطف على «ما» فى «إلا ما حملت» ،
وموضع «ما اختلط» نصب، لأنه معطوف على «ما» الأولى.
وقال قوم: حرمت عليهم الثّروب وأحل لهم ما حملت الظهور، فصار
قوله (الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ) «8» نسقا على
«ما حرم» لا على الاسم
__________
(1) النساء: 33.
(2) الأنعام: 14.
(3) إبراهيم: 10.
(4) المائدة: 48.
(5) المائدة: 116.
(8- 7- 6) الأنعام: 146.
(2/721)
المعنى على هذا للقول: أو حرمنا عليهم
شحومهما، أو الحوايا، أو ما اختلط بعظم، إلا ما حملت ظهورهما
فإنه غير محرم، ودخلت «أو» على طريق الإباحة.
ومن ذلك قوله: (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ
وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ)
«1» .
قال مجاهد: فيه تقديم وتأخير، والتقدير: لآتينهم من بين أيديهم
وعن أيمانهم حيث ينظرون، ومن خلفهم وعن شمائلهم من حيث لا
ينظرون.
وقال أبو علي: أي: أسول لهم تسويلاً وأغويهم إغواء أكون به
كالغالب لهم المستولي عليهم، لأن من أوتي من هذه الجهات فقد
أحيط به، ومن أحيط به فقد استولى عليه.
وقيل: من بين أيديهم أشككهم في أخراهم، ومن خلفهم أرغبهم في
دنياهم، وعن أيمانهم، أي: من قبل حسناتهم، وعن شمائلهم: من قبل
سيئاتهم. عن ابن عباس.
ويقال: لم دخلت «من» فى الخلف والقدام، و «عن» في اليمين
والشمائل؟
والجواب: لأن في الخلف والقدام معنى طلب النهاية، وفي اليمين
والشمال الانحراف.
قال أبو عيسى: لم يقل: «من فوقهم» ، لأن رحمة الله تنزل عليهم
من فوقهم ولم يقل: «من تحت أرجلهم» ، لأن الإتيان منه موحش.
__________
(1) الأعراف: 17.
(2/722)
ومن ذلك قوله: (فَلا تُعْجِبْكَ
أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ) «1» .
قال ابن عباس: في الآية تقديم وتأخير، والتقدير: لا تعجبك
أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا، وإن كان موجزاً في
اللفظ.
وقيل: هو على حذف المضاف، أي: يعذبهم بمصائبها التي تصيبهم
وقيل: بزكاتها وقيل: بغنيمتها وسبي الأولاد، لأنه قيل: «الهاء»
للأولاد، لقوله: (انْفَضُّوا إِلَيْها) «2» .
وقيل: يعذبهم الله بجمعها والبخل بها.
ومن ذلك قوله: (إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي) «3» إلى
قوله: (لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ) «4» . اللام من صلة «أسكنت» وهو
في نية التقديم، والفصل بالنداء غير معتد به.
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي
إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا
تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ) «5» . فإنه في
المعنى في نية التقديم والتأخير، والتقدير: وما أرسلنا من قبلك
بالبينات والزبر. ولكنه يمنع من ذلك شيء، وهو «من قبل» لأنه لا
يعمل فيما بعده إذا تم الكلام قبله، ولكنه يحمله على مضمر دل
عليه الظاهر، أي: أرسلناهم بالبينات.
ومن ذلك قوله تعالى: (يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ
السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ
نُعِيدُهُ) «6» ، جوز: إما أن يكون «يوم نطوي» منصوبا ب
«نعيده» ، أو بدل من الهاء في (كُنْتُمْ تُوعَدُونَ)
«7» ، ولم يجز أن يكون منصوبا ب «هذا يومكم» «8» كقوله:
__________
(1) التوبة: 55.
(2) الجمعة: 11.
(4- 3) إبراهيم: 37.
(5) النحل: 43 و 44.
(6) الأنبياء: 104.
(8- 7) الأنبياء: 103. [.....]
(2/723)
أيام فارس والأيام من هجرا «1»
لأنه اليوم بعينه، ولا معنى لفعل فيه.
ومن ذلك قوله: (حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ) «2» ، و
(حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ) «3» . العامل فى «إذا»
(إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) «4» و (إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ)
«5» الفعل والفاعل، و «إذا» للمفاجأة، وهو الناصب للجار
والمجرور، أعنى: حتى إذا فتحنا، و: حتى إذا أخذنا، كما تقول:
يوم الجمعة عندك زيد، ولا تنصب «إذا» الأولى بما بعد «إذا»
الثانية، لأن الثانية كالفاء، فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها.
ومن ذلك قوله: (إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ
دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) «6» . إن جعلت «ما» استفهاما كان مفعولا
مقدما لقوله «يدعون» ، عن الخليل، لمجى «من» بعده، وإن جعلته
بمعنى «الذي» ، كان منصوبا ب «يعلم» ، أي:
أعلم الذين تدعونه فلا تعلم ما أخفى لهم من قرة أعين، فيكون
استفهاما، ويكون موصولا.
وأما قوله: (ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا
أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ) «7» يكون حالا من الضمير فى «دعاكم» .
ولا يتعلق ب «تحرجون» لأن ما لا في حيّز المضاف لا يتقدم عليه.
ومن ذلك قوله: (فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ)
«8» . التقدير: فأنى لهم ذكراهم إذا جاءتهم الساعة. وهو قول
أبى الحسن. يدل عليه قوله: (أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى) «9»
__________
(1) عجز بيت للفرزدق، ويروى للأخطل، صدره:
منهن أيام صدق قد عرفت بها
(الكتاب 2: 23) .
(2- 4) المؤمنون: 77.
(3- 5) المؤمنون: 64.
(6) العنكبوت: 42.
(7) الروم: 25.
(8) محمد: 18.
(9) الدخان: 13.
(2/724)
فى الأخرى، وفيما ذكر من وصف هذا اليوم، فى
نحو قوله: (يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ)
«1» . وقوله: (يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً) «2»
ونحوها من الآي المتضمّنة صعوبة الأمر دلالة على التذكّر لا
يكون فيه، لما يدهم الناس ويغشاهم.
ومن ذلك قوله: (وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ
فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ) «3» . أي:
فبشّرناها/ بإسحاق فضحكت.
ومنه قوله: (وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ
لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى) «4» .
«أجل» معطوف على «كلمة» فى نية التقديم.
ومنه قوله: (فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها) «5» . أي: فعقروها
فكذبوه.
ومن ذلك قوله: (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى) «6» أي: تدلّى فدنا.
وقيل: قرب من الأفق إلى سماء الدنيا فتدلّى إلى الأرض، وكل من
استرسل من علو إلى سفل فقد تدلى، تشبيها بإرسال الدّلو في
البئر.
ومن ذلك قوله: (فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ) «7» .
إن جعلت «ما» صلة تعلق قوله «فى أي صورة» ب «ركبك» ، و «شاء»
صفة للصورة، أي: شاءها، ولا يكون «ما» شرطا.
وإن تعلق الجار ب «ركبك» . لأنك تقول «زيدا إن تضرب اضرب،
فتنصب ب «أضرب» .
وقيل: «فى» بمعنى «إلى» . فيتعلق ب (فَعَدَلَكَ) «8» ، أي:
عدلك إلى أي صورة، أي: صرفك.
__________
(1) الحج: 2.
(2) المزمل: 17.
(3) هود: 71.
(4) طه: 129.
(5) الشمس: 14.
(6) النجم: 8.
(7) الإنفطار: 8. [.....]
(8) الإنفطار: 7.
(2/725)
وأما قوله: (لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ
عَلَيْنا) «1» أولى أن الفعل من غير فصل، وليس هذا كقوله:
(وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) «2» ، لأن «ليس»
ليست لها قوة الفعل، ولكنه يكون «لا» المركبة مع «لو» عوضاً من
الفصل، وإن تقدمت، كما كان عوضاً من التوكيد في قوله: (ما
أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا) «3» ، وإن كانت بعد حرف العطف زائدة
عن موضع التوكيد في الحاشية.
قال عثمان: راجعته في هذا فقلت: ولم جعلت «أن» مخففة من
الثقيلة، وما أنكرت أن تكون هي الخفيفة الناصبة للفعل؟ فتفكر
ملياً ثم جوزه.
ومن التقديم والتأخير قول الكوفيين: نعم زيد رجلا. واستدلوا ب
(وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) «4» . قال: وقد يكون التقدير على
غير ما قالوا، لأن «نعم» غير متصرف.
ومن ذلك: (حم (1) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ) «5» إلى قوله:
(إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) «6» هو جواب القسم.
فأما قوله: (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) «7» اعتراض ليس بجواب، لأنه
صفة القرآن، وليس من عادتهم أن يقسموا بنفس الشيء إذا أخبروا
عنه، فهو معترض بين القسم وجوابه.
__________
(1) القصص: 82.
(2) النجم: 39.
(3) الأنعام: 148.
(4) النساء: 69.
(5) الدخان: 1 و 2.
(7- 6) الدخان: 3.
(2/726)
ومن ذلك قول الفراء في قوله: (فَحاسَبْناها
حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً) «1» قال:
وعذبناها في الدنيا وحاسبناها في الآخرة وأما قوله: (وَإِذا
قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ)
«2» فإن الجار يجوز تعلقه بشيئين: بالأخذ والعزة فإن علقته ب
«الأخذ» كان المعنى: أخذه بما يؤثم، أي: أخذه بما يكسبه ذلك.
والمعنى، أنه للعزة يرتكب ما لا ينبغي أن يرتكبه بما يؤثمه.
وكأن العزة حملته على ذلك وقلة الخشوع.
وقد يكون المعنى الاعتزاز بالإثم، أي: مما يعتز بإثمه فيبعده
مما يرضاه الله.
ومن ذلك قوله: (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ) «3» . قال
أبو الحسن:
عني به الشياطين.
وقوله: (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) «4» ، عني به الناس.
الطبري: هذا المخالف لقول جميع أهل التأويل، لأنهم مجمعون أن
قوله (وَلَقَدْ عَلِمُوا) «5» يعني به اليهود دون الشياطين،
وهو خلاف ما دل عليه التنزيل، لأن الآيات قبل قوله وبعد قوله:
(لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) «6» جاءت بذم اليهود، فقوله (لَمَنِ
اشْتَراهُ) «7» مثله، ومعناه التقديم، والتقدير:
وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا
ينفعهم ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون. ولقد علموا
لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق.
وقال بعضهم: نفي عنهم العلم بعد أن أثبته لهم لأنهم علموا ولم
يعلموا.
__________
(1) الطلاق: 8.
(2) البقرة: 206.
(7- 6- 5- 4- 3) البقرة: 102.
(2/727)
ومن ذلك قوله: (وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ
مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فَإِنْ لَمْ
تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا) «1» . أي: وادعوا شهداءكم، ولن
تفعلوا، واتقوا النار.
ومن هذا الباب عندى دون سائر النحويين:
قوله: (أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ)
«2» .
وقوله: (إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي
خَلْقٍ جَدِيدٍ) «3» .
وقوله: (أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ) «4»
ف «إذا» فى هذه الآي محمول على ما بعد «إن» ، وجاز ذا لأنه
ظرف.
وقد تصالح الأستاذ والغلام «5» على أن الظرف يعمل فيه الوهم
ورائحة الفعل، وحكى عنه ذلك في مواضع، ولكنهم تعاضدوا في هذه
الآي وأجمعوا أن ذا محمول على مضمر دون ما بعد «إن» .
وقد قال «6» سيبويه في ذلك: وسألت الخليل عن قوله: أحقا إنك
لذاهب؟ فقال: لا يجوز كما لا يجوز: يوم الجمعة إنه لذاهب.
قال أبو سعيد: لأن «أحقا» ، و «يوم الجمعة» في مذهب الظرف، ولا
يجوز نصبهما بعد «إن» لأنه لا يعمل فيما قبل «إن» ما بعدها،
وإنما تنصبها كما تنصب «خلفك زيد» ، ولا يجوز: «خلفك إن زيدا
ذاهب» ، وإنما يقال: خلفك زيد ذاهب، كما تقول: خلفك ذهاب زيد،
فإذا لم يجز:
خلفك إن زيدا: ذاهب. فقولك: خلفك إن زيدا لقائم، أبعد في
الجواز، لمنع اللام من اتصال ما قبلها بما بعدها، ولا يجوز
أيضا: أحقا إنه لذاهب، صح بفتح «أن» مع اللام، لأن «اللام»
يوجب أن ما بعدها جملة مستأنفة.
__________
(1) البقرة: 23 و 24.
(2) الرعد: 5.
(3) سبأ: 7.
(4) العاديات: 9. [.....]
(5) يريد: الخليل وسيبويه، وقد صرح باسميهما بعد قليل.
(6) الكتاب (1: 47) .
(2/728)
وهذا الفصل نقله أبو علىّ بهذا اللفظ من
كلام أبى سعيد، وجروا عن آخرهم على هذا، ونسى أبو علىّ هذا
الفصل في قوله:
ولو شهدت أم القديد طعاننا ... بمرعش خيل الإرمنى أرنّت «1»
فى كلام طويل حكاه عن أبى علىّ، وأن «خيل الإرمنى» منصوب ب
«طعاننا» ، و «الباء» متعلق بمحذوف حالا من «نا» فى «طعاننا» ،
أو من نفس المصدر، والفصل به كلا فصل، لأنه ظرف.
وقال في بعض كلامه: (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ
الْقِيامَةِ) «2» . قال «3» فى بعض المواضع: قياس قول سيبويه
أنه يكون انتصاب «جميعا» كانتصاب «أرخص» ، فى قولهم: البر أرخص
ما يكون قفيزان. ويجعل «الأرض» «القبضة» على الاتساع، فلا
يحمله على حذف المضاف، أي: ذات قبضته، لأن ما يتعلق بالمضاف
إليه لا يعمل فيما قبل المضاف، إلا أن يحمل الكلام على المعنى،
لأن المعنى: ذات قبضته متذللة منقادة، فيكون كقوله: (يَوْمَ
يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ) «4» ويجوز أن
يكون «الأرض» مرتفعا بالابتداء، و «قبضته» مبتدأ ثان، لأن
القبضة ليست بالأرض، و «جميعا» منتصب، ب «إذا يكون» ، كأنه:
والأرض قبضته إذا يكون جميعا ف «إذا» خبر عن القبضة لأنه مصدر،
وقدم خبر المبتدأ، مثل قولك: ويوم الجمعة القتال.
وقال في «التذكرة» : لا يجوز أن يكون «جميعا» منصوبا على
تقدير: إذا
__________
(1) البيت لسيار بن قصير الطائي. ومرعش: من ثغور إرمينية.
وأرنت: صوتت. (الحماسة 1: 161- معجم البلدان: مرعش- لسان
العرب: رعش) .
(2) الزمر: 67.
(3) الكتاب (1: 199) .
(4) الفرقان: 22.
(2/729)
كانت جميعا، لأن «إذا» تبقى غير متعلقة
بشيء لأن القبضة مصدر، فلا تعمل فيما قبلها، ولكنه على أن تجعل
المصدر، يعني «المفعول» ، أي:
المقبوض، والمفعول ينصب ما قبله، وإن لم يعمل المصدر فيما
قبله. «ومثل القبضة» : «القسمة» في نحو قوله: (وَإِذا حَضَرَ
الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى) «1» ، لقوله: (فَارْزُقُوهُمْ
مِنْهُ) «2» ، أي: من المقسوم، لأن الرزق لا يكون [القسمة] «3»
.
هذا كلامه في هذه الآية.
وقال في الظرف في قوله: (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ)
«4» : إنه متعلق بمعنى «إله» ، كقوله: «كل يوم لك ثوب» ، ولم
يلتفت إلى معنى: إله ذو العبادة، وأن المتعلق بالمضاف إليه لا
يتقدم على المضاف.
ولعله جعله بمعنى «مألوه» من أن «القبض» بمعنى «المقبوض» .
فإن راجعنا درس «الكتاب» وحضرتنا نكتة تدفع الفصل أخبرناك بها
إن شاء الله.
وقد بلغ من أمرهم ما هو أشد من هذا، فقالوا: لا يجوز: زيداً ما
ضربت، على تقدير: ما ضربت زيداً، لأنه نقيض قولهم: إن زيداً
قائم: فتقول:
ما زيد قائم، ألا ترى أن «ما» يكون جواباً للقسم في النفي كما
يكون جواباً في الإيجاب فلما صارت بمنزلة «إن» لم يعمل ما
بعدها فيما قبلها.
ثم إنهم قالوا في قوله: (كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما
يَهْجَعُونَ) «5» : ويجوز أن تكون، ما «نافية» ، و «قليلا» نصب
ب «يهجعون» ، لأنه ظرف، والظرف يكتفى فيه برائحة الفعل، أي: ما
كانوا يهجعون من الليل.
فقد حصل من هذا كله أن الحارثي يسوي بين الظرف وبين الاسم
__________
(2- 1) النساء: 8.
(3) تكملة يقتضيها السياق.
(4) الزخرف: 84.
(5) الذاريات: 17.
(2/730)
المحض فلا يعمل ما بعد «إن» فيما قبل «إن»
، سواء كان ظرفاً أو اسماً محضا، فعلى هذا قوله: (يَسْئَلُهُ
مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي
شَأْنٍ) «1» ، لا يتأتى إعمال قوله «في شأن» في قوله:
«كل يوم» على قول الحارثي، وإن كان ظرفاً، لأن الظرف والاسم
الصريح عنده سيان، فجاء من هذا أن قوله: (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ
فِي شَأْنٍ) «2» كقولهم: زيداً أجله أحرز، فتنصب «زيدا» ب
«أحرز» ، للفصل بين المعمول والعامل بالمبتدأ، وهو أجنبي، وكما
لا يجوز: زيداً أجله أحرز، وجب ألا يجوز «كل يوم هو في شأن» أن
تنصب «كل» ب «في شأن» . لأنه مثل «أجله» في المسألة، فلهذا
اضطرب كلام الأستاذ وغلامه فيما أنبأناك به. والله أعلم.
وأما قوله: (وَثَمُودَ فَما أَبْقى) «3» فتحمله على مضمر، أو
على قوله:
(أَهْلَكَ عاداً الْأُولى) «4» ، لا تحمله على «أبقى» .
ومثل الآي المتقدم ذكرها:
(يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ)
«5» لا تحمله على قوله «إنا منتقمون» لما ذكرنا، وإنما تحمله
على مضمر. وأما قوله:
رأسها ما تقنع
فالنصب على أن يكون مفعول «تقنع» على هذه القاعدة خطأ، والصحيح
رواية من رواه بالرفع على تقدير: ورأسها ما تقنعه، فحذف الهاء.
كقراءة ابن عامر: (وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى) «6» أي:
وعده الله.
ومن ذلك قوله: (لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا
رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ) «7» «فبصائر» حال من
«هؤلاء» ، وقد أخّره عن الاستثناء.
__________
(2- 1) الرحمن: 29.
(3) النجم: 51.
(4) النجم: 50.
(5) الدخان: 16. [.....]
(6) النساء: 95.
(7) الإسراء: 102.
(2/731)
وهم يقولون: ما قبل «إلا» لا يعمل فيما
بعده، إذا كان الكلام تاما.
وحدثتك غير مرة ما زعم أن «بادئ الرأى» محمول على الظرف، لأن
الظرف يعمل فيه الوهم. فربما يقول هنا: إن الحال يشبه الظرف.
وقد بيّنا شبهه بالظرف فيما سلف.
ومن التقديم والتأخير قوله: (وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي
صُدُورِكُمْ) «1» ، تقديره: ثم صرفكم عنهم ليبتليكم وليبتلى
الله ما في صدوركم، فيكون كقوله: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ)
«2» ، وقوله: (وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ) «3» . هذا كله
على أفعال مضمرة. قد ذكرناه في حذف الجمل ولم نحكم بزيادة
الواو.
ومن ذلك قوله تعالى: (لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ
مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) «4» .
والتقدير: إلى أجل مسمى إلى البيت العتيق، ثم محلها، ف «إلى»
الأولى تتعلق بالظرف، أعنى: «لكم» و «إلى» الثانية متعلقة
بمحذوف فى موضع الحال «من منافع» ، أو من الضمير، أي: واصلة
إلى البيت العتيق، «ثم محلها» ، أي: محل نحرها.
قال مجاهد: ثم محل البدن والهدايا إلى البيت العتيق إلى أرض
الحرم، فعلى هذا لا تقديم ولا تأخير.
وقيل: معناه: ثم محلكم أيها الناس من مناسك حجكم.
وعن أبى موسى: محل هذه الشعائر كلها الطواف بالبيت.
وقيل: ثم محلها منافع أيام الحج إلى البيت العتيق بانقضائها.
روى ذلك ابن وهب.
__________
(1) آل عمران: 154.
(2) البقرة: 185.
(3) مريم: 21.
(4) الحج: 33.
(2/732)
عن ابن زيد: محلها حتى تنقضى تلك الأيام،
يعنى أيام الحج إلى البيت العتيق.
ومقتضى هذه الأقاويل غير ما قدمنا أن يكون قوله: «إلى البيت»
متعلقا بخبر المبتدأ، أي: محلها منتهى إلى البيت، أو يكون
«إلى» زيادة، ولم نعلمها جاءت زيادة في موضع. والله أعلم.
ومن ذلك ما قاله الجرجاني «1» فى قوله تعالى (اللَّهُ يَبْسُطُ
الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ
الدُّنْيا) «2» . قال: التقدير: والذين ينقضون عهد الله من بعد
ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض
وفرحوا بالحياة الدنيا، وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع،
أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار، وقوله تعالى (يَبْسُطُ
الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) «3» عارض بين الكلام
وتمامه.
والصواب أنه يكون: إنه لما بسط الله الرزق لقوم فرحوا بهذا
البسط، أي: حملهم على المرح، وهو كثير. وأنشد سيبويه:
وما مثله في النّاس إلا مملّكا ... أبو أمه حىّ أبوه يقاربه
«4»
تقديره: وما مثله في الناس حىّ يقاربه إلا مملكا أبوه، وذلك أن
الفرزدق مدح هشام بن إسماعيل المخزومي، فقال: وما مثله- أي
هشام المخزومي- فى الناس حى يقاربه إلا مملكا- يعنى هشام بن
عبد الملك- أبو أمه- أي: أبو أمه هذا الخليفة هشام بن عبد
الملك- أبو هشام بن إسماعيل المخزومي، وذلك أن إسماعيل أب
المخزومي جد الخليفة هشام بن عبد الملك من قبل أمه، وأمه عائشة
بنت هشام بن إسماعيل المخزومي،
__________
(1) الجرجاني: علي بن عبد العزيز، وله «تفسير القرآن» . توفي
سنة 366 هـ.
(3- 2) الرعد: 26.
(4) البيت للرزدق (الكتاب 1: 14) .
(2/733)
فهشام الممدوح خال هشام الخليفة، وأبو أم
الخليفة أبو الممدوح، ف «حي» اسم «ما» ، و «يقاربه» صفته، وفصل
بين الصفة والموصوف بخبر المبتدأ، وهو «أبو أمه» مع خبره في
موضع النصب ل «مملك» ، وقدم المستثنى وهو «مملكاً» على
المستثنى منه وهو «حي» ، وأنشدوا للقلاخ:
وما من فتى كنا من الناس واحداً ... به نبتغي منهم عميدا
ًنبادله
قال البياني «1» : هذا كلام مستكره، وتلخيصه: فما كان أريب
فتى، وذلك من شرط المرتبة. والفصل بينهما وبين المدح، أعني
إدخال كان فيها، فحذفها واكتفى منها بقوله «كنا» ، و «من» لغو،
كقولك: ما رأيت أحداً، وما رأيت من أحد كنا من الناس واحداً،
أي: كنا نبغي عميداً أو أحداً من الناس نبادله به. والمعنى: لا
أحد أفتى وأسود نتمناه مكانه.
والقلاخ بن حزن بن جناب العنبري، نصري، عمر عمراً طويلاً في
الإسلام، والقلاخ مأخوذ من «القلخ» ، وهو رغاء من البعير فيه
غلظ وخشونة، وأحسبه لقباً. والله أعلم.
وله مع معاوية بن أبي سفيان خبر يذكر فيه أنه ولد قبل مولد
النبي صلى الله عليه وعلى آله.
قال عثمان: في البيت فيه أشياء في التقديم والتأخير، وذلك أنه
أراد:
فما من الناس فتى كنا نبتغي منهم واحداً عميداً نبادله به.
ولا يحسن أن يكون «واحداً» صفة ل «عميد» من حيث لم يجز أن تقوم
الصفة على موصوفها، اللهم إلا أن يعتقد تقديمه عليه، على أن
__________
(1) البياني: قاسم بن أصبغ. توفي سنة 304 هـ.
(2/734)
يجعله حالاً منه، فقوله «من الناس» خبر من
«فتى» ، وقد فصل بينهما ببعض صفة الفتى، وهو قوله «كنا» ،
ويجوز أن «من الناس» صفة أيضاً ل «فتى» على أن يكون خبر «فتى»
محذوفاً «أي «ما في الوجود أمر في المعلوم أو نحو ذلك: فتى من
أمره ومن شأنه. ويجوز أن يكون نصب «واحدا» ب «ينبغى» ، و
«عميدا» وصف له، وقدم «واحداً» وهو مفعول «ينبغي» عليه، وقدم
«به» وهو متعلقه بقوله «نبادله» ، وهو صفة ل «عميد» هي. ولا
يجوز تقديم «ما» فى الصفة على موصوفها، لو قلت: عندي زيداً رجل
ضارب، وأنت تريد: عندي ضارب زيداً، لم يجز، وذلك أنه إنما يجوز
وقوع المعمول بحيث يجوز وقوع العامل، والعامل هنا هو الصفة،
ومحال تقديمها على موصوفها، فإذا لم يجز ذلك أضمرت «للناس» مما
يتعلق به مما يدل عليه. قوله «نبادله» ، هنا بمعنى نبدله، وقع
فاعل موقع أفعل، كقولهم:
عافاه الله، أي أعفاه، وطارقت النعل، أي أطرقتها، وجعلت لها
طرقاً.
ويجوز أن يكون «به» متعلقة ب «نبتغي» ، كقولك. طلبت بهذا الثوب
مائة درهم، وأردت فيما بعت، نبادله به، فحذفت الثانية لمجيء
لفظة الأولى.
(2/735)
|