إعراب القرآن للباقولي منسوب خطأ للزجاج الباب الثاني
والسبعون
هذا باب ما جاء في التنزيل وقد أبدل المستثنى من المستثنى منه
فمن ذلك قوله تعالى: (ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ)
«1» ، رفعوا «قليلا» بالبدل من، «الواو» ، في «فعلوه» ، إلا
ابن عامر.
ومن ذلك قوله: (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا
امْرَأَتَكَ) «2» . رفعه ابن كثير وأبو عمرو على البدل من
«أحد» .
ومن ذلك قوله: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا
أَنْفُسُهُمْ) «3» ، رفعوا «أنفسهم» عن آخرهم، على البدل من،
«شهداء» .
ومنه قوله: (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ) «4» ،
ف «من» مبتدأ استفهام بمعنى النفي، وفي «يغفر» ضمير يعود إلى
«من» وقوله «إلا الله» رفع بدل من الضمير في «يغفر» وكأنه قال:
ما أحد يغفر الذنوب إلا الله.
فثبت أن نظر شارحكم الجليل في هذا الباب ساقط، حيث قال:
«من» مبتدأ، وقوله «إلا الله» خبره.
ومثله: (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ
سَفِهَ نَفْسَهُ) «5» . رفع، بدل من الضمير في «يرغب» .
فالاختيار في هذه الأشياء إذا كان بعد النفي أن يكون بدلا مما
قبله، عند سيبويه وغيره.
__________
(1) النساء: 66.
(2) هود: 81.
(3) النور: 6. [.....]
(4) آل عمران: 135.
(5) البقرة: 130.
(3/861)
وقال قوم: إذا لم يجز في الاستثناء لفظ
الإيجاب لم يجز البدل، فيقولون:
ما أتاني إلا زيد، على البدل، لأنه يجوز: أتاني القوم إلا
زيدا، ولا يقولون:
ما أتاني أحد إلا زيد، لأنه لا يجوز: أتاني أحد.
قال أبو سعيد: ولأنه قد أحاط العلم: إنا إذا قلنا: ما أتاني
أحد، فقد دخل فيه القوم وغيرهم، فإنما ذكر بعض ما اشتمل عليه
أحدهما يستثنى بعضه.
وقد «1» احتج عليهم سيبويه ببعض ما ذكرناه، بأن قال: كان ينبغي
إن قال ذلك أن يقول: ما أتاني أحد إلا وقد قال ذاك إلا زيدا،
والصواب في ذلك نصب «زيد» و، ما أتاني أحد إلا قد قال ذاك إلا
زيدا لأنك لما قلت:
ما أتاني أحد إلا قد قال ذاك، صار الكلام موجبا لما استثنى من
المنفي، فكأنه قال: كلهم قالوا ذاك، فاستثنى «زيدا» من شيء
موجب في الحكم، فنصب، وإنما ذكر هذا لأنه ألزم القائل بما ذكر
من جواز:
ما أتاني أحد إلا زيد، ومنع: ما أتاني القوم إلا زيد، فإن قال:
/ إن كان يوجب النصب لأن الذي قيل «إلا» جمع، فقد قال الله
تعالى:
(وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ) «2» بعد
الجمع، وإن كان جواز الرفع والبدل لأن الذي قبل «إلا» واحد،
فينبغي أن يجيزوا الرفع في قولهم:
ما أتاني إلا أحد إلا قد قال ذاك إلا زيد، فالواجب فيه النصب،
وإنما ألجأهم سيبويه، إلا أن يقولوا: الذي يوجب البدل أن يكون
ما قبل «إلا» نفيا فقط، جمعا كان أو واحدا.
__________
(1) الكتاب (1: 36) .
(2) النور: 6.
(3/862)
قال أبو علي: الوجه في قولهم، ما أتاني أحد
إلا زيد، الرفع، وهو الأكثر الأشيع في الاستعمال والأقيس،
فقوته من جهة القياس أن معنى:
ما أتاني أحد إلا زيدا، وما أتاني إلا زيد، واحد، فكما اتفقوا
على: ما أتاني إلا زيد، إلا الرفع، وكان: ما أتاني أحد إلا
زيد، بمنزلته وبمعناه، اختاروا الرفع مع ذكر «أحد» وأجروا ذلك
على: يذر، ويدع، في أن «يذر» لما كان في معنى «يدع» فتح، وإن
لم يكن فيه حرف حلق.
ومما يقوى ذلك أنهم يقولون: ما جاءني إلا امرأة، فيذكرون حملاً
على المعنى ولا يؤنثون، ذلك فيما زعم أبو الحسن، إلا في الشعر،
قال:
ترى البحر والآجال يأتى عروضها ... فما بقيت إلا الضلوع
الجراشع
فكما أجروه على المعنى في هذا الوضع فلم يلحقوا الفعل علامة
التأنيث، كذلك أجروه عليه في نحو: ما جاءني أحد إلا زيد،
فرفعوا الاسم الواقع بعد حرف الاستثناء وأما من نصب فقال: ما
جاءني أحد إلا زيدا، فإنه جعل النفي بمنزلة الإيجاب، من حيث
اجتمعا، في أن كل واحدٍ منهما كلام تام.
(3/863)
|