إعراب القرآن للباقولي منسوب خطأ للزجاج الباب السادس
والسبعون
هذا باب ما جاء في التنزيل من إذا الزمانية وإذا المكانية،
وغير ذلك من قسميهما وأعلم أن «إذا» الزمانية اسم في نحو قوله
تعالى: (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ) «1» ، (فَإِذا نُقِرَ فِي
النَّاقُورِ) «2» ، و (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً) «3» ،
لأنها نقيضة «إذ» .
وقد ثبت بالدليل كون «إذ» اسما في نحو قوله: (بَعْدَ إِذْ
أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) «4» . والعرب تحمل النقيض على النقيض،
كقوله:
وقبل غدٍ يا لهف نفسي على غدٍ ... إذا راح أصحابي ولست برائح
فأبدله من «غدٍ» والحرف لا يبدل من الاسم، فثبت أنه اسم، وإذا
كان اسما كان اسما للوقت. فينضاف إلى ما بعده، وإذا كان مضافا
إلى ما بعده كان العامل فيه جوابه إذا كان فعلا، فإن لم يكن
فعلا قدر تقدير الفعل، كقوله: (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ
فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ) ، والتقدير: فإذا نفخ في الصور
تنافروا وتجادلوا.
/ وهكذا كل ما كان بهذه المنزلة.
فأما قوله: (أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ
جَدِيدٍ) «5» وأخواتها، فقد قدمنا القول فيه.
وقال أبو إسحاق في قوله تعالى: (إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ
مُمَزَّقٍ) «6» العامل في «إذا» قوله: «مزقتم» ، ويجريه مجرى
«أى» في الجزاء، نحو: أيا تضرب أضرب، ومتى تأتنا آتك، لأن
«إذا» يجىء بمعنى: «متى» .
__________
(1) المؤمنون: 101.
(2) المدثر: 8.
(3) الصافات: 16.
(4) آل عمران: 80.
(5) الرعد: 5.
(6) سبأ: 7.
(3/882)
قال: وفي التنزيل: (حَتَّى إِذا ضاقَتْ
عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ) «1» .
أي: متى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وهذا يقوي قول أبي زيد «2»
ومحمد «3» : إن الرجل إذا قال: إذا لم أطلقك فأنت طالق، ثم
سكت، طلقت فى الحال لأن «إذا» هاهنا ك «متى» ، كأنه قال: متى
لم أطلقك فأنت طالق، وفي «متى» إذا سكت طلقت. ووجدنا لهذا
القول حجة في «الكتاب» ، وهو غيلان بن حريث:
إذا رأتني سقطت أبصارها ... دأب بكارٍ شايحت بكارها «4»
ألا ترى أنه لا يريد أن هذا يقع منها مرة واحدة فى وقت مخصوص،
لأن ذلك ينتقض حال المدح، وإنما يقول: كلما رأتني سقطت
أبصارها، ألا تراه يقول بعده:
دأب بكار شايحت بكارها
و «الدأب» لا يستعمل إلا في التكرير دون الإفراد، قال:
كأن لها برحل القوم دوًّا ... وما إن طبها إلا الدؤوب
وقال:
دأبت إلى أن ينبت الظلّ بعد ما ... تقاصر حتى كاد في الآل يمصح
«5»
وأما قول الهذلي «6» :
هزبر عراض الساعدين إذا رمى ... بقرحته صدر الكمى المسربل
متى ما يضعك الليث تحت لبانه ... تكن ثعلباً أو ينب عنك فتدخل
«7»
__________
(1) التوبة: 118.
(2) أبو زيد: سعيد بن أوس بن ثابت الأنصاري، توفى في سنة خمس
عشر ومائتين. على خلاف في ذلك (البغية) .
(3) هو: محمد بن يزيد المبرد.
(4) شايحت: جدت. وقيل: حاذرت (الكتاب لسيبويه 1: 179) .
(5) البيت للراعي. ويمصح: يذهب (الكتاب 1: 191) .
(6) هو: إياس بن سهم بن أسامة. [.....]
(7) شرح أشعار الهذليين (2: 529) : «تدحل» بالحاء المهملة ولا
يتجه بها الشرح بعد.
(3/883)
تدخل: تدهش. غيره: يدخل في الدخل «1» ..
فإنه يسأل عن جواب «إذا رمى» وليس في البيت ما يكون جوابا، ولا
قبله فعل يكون بدلا من الجواب، ودالا عليه، وفي ذلك جوابان:
أحدهما أنه أجرى الصفة مجرى الفعل لما فيها من معنى الفعلية،
كقولك:
مررت برجل شجاع إذا لقى وكريم إذا سئل، أي: إذا سئل كرم وإذا
لقى شجع. وقد تقدم نحو هذا، فتدل الصفة على الجواب دلالة الفعل
عليه، فكذلك هذا، كأنه قال: يعظم في العين إذا رمى بقرحته، أي:
بجبهته صدر الكمى لأن «هزبرا» / كأنه من لفظ «أزبر» وهو من
معناه، وكأن الهاء، وإن كانت هناك أصلا، زائدة وليست معتدة من
هاء «هجرع» و «هبلع» لم يبعد أن يعتقد أيضا زيادة هاء «هزبر» و
«هبرقى» . وأما «عراض» فصفة من «عرض» ، وأمرها واضح. فهذا
جواب.
والآخر، وهو أغمض: وهو أن يكون قوله في البيت الثاني:
متى ما يضعك الليث تحت لبانه
بدلاً من قوله «إذا رمى بقرحته صدر الكمى» ، وإذا كان بدلا منه
كان قوله «تكن ثعلبا» جوابا للثاني بدلا من الأول، فصار جواب
الثاني جوابا لهما جميعا فيجرى حينئذ مجرى قولهم:
متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا ... تجد حطباً جزلاً ونارا تأججا
«2»
في البدل، وإن كان حرف الشرط قد أعيد في بيت الهذلى ولم يعد في
قوله «تلمم بنا» . فإن قلت: فقد علمنا أن البدل يفيد ما لا
يفيد المبدل منه
__________
(1) الداخل: ما داخل الإنسان من فساد في عقله. يريد: الخبل.
(2) الكتاب (1: 446) .
(3/884)
ويزيد به عليه، فما الذي زاده قوله:
متى ما يضعك الليث تحت لبانه
على قوله: «إذا رمى بقرحته صدر الكمى» ؟
فالفائدة في ذلك أنه إذا قال: رمى صدر الكمى، فإنما ذكر جنس
الكماة إطلاقاً من غير تقيد، وإذا قال:
متى ما يضعك الليث تحت لبانه
فقد خاطبه بذلك وخصه به وقصره عليه. وفي القول الأول إنما كان
يخص المخاطب منه قدر ما يصيبه في جملة الجماعة الذين هو واحد
منهم، وفي الثاني من القصد له والتوجه إليه ما قدمناه، وكان
ذلك أبلغ وأفخم وأشد إرهابا وتعظيما.
واعلم أن «إذا» في هذا البيت على هذا التأويل الثاني ينبغي أن
تكون متعلقة بنفس «رمى» ومنصوبة الموضع به، وليست مضافة إليه،
بل هو في موضع جزم بها، كما يجزم بالشرط الصريح، كما أن «يضع»
في البيت الثاني مجزوم ب «متى» ، وهي منصوبة الموضع ب «يضع»
نفسها من غير خلاف، فهو إذاً في الضرورة كقوله:
ترفع لي خندف والله يرفع لي ... ناراً إذا أخمدت نيرانهم تقد
«1»
فإن قيل: فما الذي دعا إلى اعتقاد هذه الضرورة والدخول تحتها،
وهلا حملت/ «إذا» على بابها من كونها مضافة إلى الفعل، كقوله
تعالى:
(إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) «2» ، وقوله: (وَإِذا
أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ) «3»
، وقول كعب:
وإذا ما تشاء تبعث منها ... آخر الليل ناشطا مذعورا «4»
__________
(1) البيت للفرزدق. (الكتاب 1: 434) . الديوان (216) .
(2) النصر: 1.
(3) الإسراء: 83.
(4) في الكتاب (1: 434) : «مغرب الشمس ناشطا مذعورا» .
(3/885)
ألا ترى أصحابنا يعتقدون أن الفعل بعد
«إذا» هذه في موضع اسم مجرور، ولذلك رفعوه، أعنى لوقوعه موقع
الاسم.
فالجواب: أنا إنما ركبنا هذه الضرورة في اللفظ محافظة على صحة
المعنى، وذلك إن «إذا» هذه واجبة، ألا تراهم يقولون: آتيك إذا
احمرّ البسر، ولا يجيزون، آتيك أن احمر البسر، لأن احمرار
البسر واقع لا محالة، و «إن» مشكوك في فعلها، يجوز وقوعه ولا
يجب، و «متى» كان في ذلك ليست بواجبة الفعل، ألا ترى إلى قول
طرفة:
متى تأتنا نصبحك كأساً روية ... وإن كنت عنها غانياً فاغن
وازدد «1»
أي: فاثبت على حال غناك. وإذا كانت «متى» لم يحسن أن تجعلها
بدلا من «إذا» ، لأن «إذا» معروفة مقصورة على موضع وواجبة، و
«متى» شائعة غير واجبة، فلو أبدلت «متى» من «إذا» ، وهي على ما
هي عليه من كونها واجبة مضافة، كنت قد أبدلت الأعم من الأخص،
فكما لا يجوز: ضربت رأس زيد زيدا، على أن تبدل «زيدا» من
«رأسه» ، لما في ذلك من التراجع عن الخصوص إلى العموم، كذلك لا
يحسن أن تبدل «متى» من «إذا» و «إذا» ، على معتاد حالها من
كونها خالصة واجبة، فإذا لم يجز ذلك عدلت بها إلى إخلاصها
واطرحها وإمحاضها شرطا البتة، فإذا حصلت له شاعت شيوع جميع
حروف الشرط، وإذا شاعت فارقت موضعها من الإضافة وخلصت شرطا أن
يحكم على موضع الفعل بعدها بالجزم في المعنى، وإن لم يظهر ذلك
إلى اللفظ، وإذا كان كذلك حملت «إذا» في بيت «الهذلى» على أنها
الجازمة في الضرورة، لما عليك
__________
(1) الكتاب (2: 303) .
(3/886)
في ترك ذلك من إبدال الأعم من الأخص، وقد
علمت ما يقوله أصحابنا في بيت «الكتاب» «1» :
اعتاد قلبك من سلمى عوائده ... وهاج أهواءك المكنونة الطلل
/ ربع قواء أذاع المعصرات به ... وكل حيران سارٍ ماؤه خضل
من أن قول «ربع» خبر مبتدأ مضمر، أي: هو ربع ولم يكن بدلا من
«طلل» ، لما ذكرنا.
وأبو حنيفة يجعل «إذا» بمنزلة «إن» فيقول: إنما يقع الطلاق في
قوله: «إذا لم أطلقك عند الموت» كما لو قال: «إن لم أطلقك» ،
وله قوله:
وإذا تصبك خصاصة فتجمل
وقوله:
إذا ما خبت نيرانهم تقد
والأبيات التي في «الكتاب» وأما قوله تعالى: (إِذا وَقَعَتِ
الْواقِعَةُ) «2» إلى قوله: (إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا)
«3» فقاس عثمان هذا على قوله:
إذا راح أصحابى
__________
(1) الكتاب (1: 142) .
(2) الواقعة: 1.
(3) الواقعة: 4.
(3/887)
وزعم أن «إذا» الأولى مبتدأ، والثانية في
موضع الخبر، وكنا قديما ذكرنا أن العامل فيه قوله (خافِضَةٌ
رافِعَةٌ) «1» على تقدير: فهي خافضة رافعة، أي: إذا وقعت خفضت
قوما ورفعت قوما، وأجزنا فيه أن يعمل فيه (لَيْسَ لِوَقْعَتِها
كاذِبَةٌ) «2» ، وأن يعمل فيه «اذكر» ، وأن يكون جوابه
(فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) «3» .
وأما قوله تعالى: (فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8) فَذلِكَ
يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ) «4» ، فالعامل فيه مدلول الكلام،
أي: عسر ذلك اليوم يومئذ، أو ذلك النقر يومئذ.
وأما قوله تعالى: (فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ
كَفَرُوا) «5» ، فقد ذكرناه في باب التقديم والتأخير.
وكذا: (أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا) «6» .
وأما قوله: (إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى)
«7» ، فقد تضع العرب «إذا» موضع «إذ» ، و «إذ» موضع «إذا» ،
قال الله تعالى: (إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ) «8» ، و
«إذ» لما مضى، وإنما هذا حديث عما يكون في القيامة، إلا أنه
لما حكى الحال قال «إذ» ، حتى كأن المخاطبين بهذا حضور للحال،
وفي هذا ضرب من تصديق الخبر، أي: كان الأمر حاضرا لا شك وواقع
لا ارتياب به.
__________
(1) الواقعة: 3.
(2) الواقعة: 2.
(3) الواقعة: 8. [.....]
(4) المدثر: 8- 9.
(5) الأنبياء: 97.
(6) مريم: 66.
(7) آل عمران: 156.
(8) غافر: 71.
(3/888)
وحكاية الحالين الماضية، والآتية كثير في
القرآن والشعر:
منه قوله تعالى: (هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ)
«1» ، فقال:
هذا وهذا، ولم يقل: أحدهما كذا والآخر كذا.
وكذا قول البريق الهذلي:
ونائحة صوتها رائع ... بعثت إذا ارتفع المرزم «2»
فقوله: بعثت إذا ارتفع المرزم، أي: كنت موصوفا بأنني أبعثها
إذا ارتفع المرزم. وكذلك قول الشاعر:
جارية في رمضان الماضي ... تقطع الحديث بالإيماض
فأما قول كثير:
/ فإذا وذلك ليس إلا حينه ... وإذا مضى شيء كأن لم يفعل
حمل أبو الحسن «3» هذا على الواو الزائدة، حتى كأنه قال: فإذا
ذلك وليس إلا حينه، وأنشد هذا البيت نفسه، وأنشد معه بيتا آخر،
وهو قول الشاعر:
فإذا وذلك يا كبيشة لم يكن ... إلا كلمة حالم بخيال «4»
وقال محمد بن يزيد: إن البصريين لا يرون زيادة الواو، وقد كان
في الواجب أن يستثنى أبا الحسن. وأعلم أن «إذا» هاهنا هي
المكانية التي للمفاجأة، ولا بد لها من ناصب تتعلق به، والناصب
ما دل عليه قوله: «ليس
__________
(1) القصص: 15.
(2) المرزم: الغيث والسحاب الذي لا ينقطع رعده.
(3) أبو الحسن: الأخفش الأصغر علي بن سليمان.
(4) البيت لابن مقبل. واللمة: الشيء القليل. (اللسان: لمم) .
(3/889)
إلا حينه» ، وكأنه قال: فإذا ذلك ذاهب
مختلس، فينصب، و «إذا» بمعنى:
ذاهب ومختلس، كما أن قوله سبحانه (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ
فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ) «1»
كذلك ويجوز أن تنصب «إذا» في البيت وتعلقها بمحذوف هو خبر
«ذلك» ، وتقديره: فإذا ذلك هالك، كقولك:
في الدار زيد جالس، فإذا فعلت هذا جاز لك في قوله «ليس إلا
حينه» الأمران:
أحدهما: أن تجعله في موضع الحال، فكأنه قال: وإذا ذلك فانيا أو
ذاهبا، كقولك: خرجت فإذا زيد واقفا.
والآخر: أن تجعله خبرا آخر، فإذا فعلت ذلك علقت «إذا» بمجموع
الخبرين لا بأحدهما، كما أنك إذا قلت: شرابك اليوم حلو حامض،
علقت «اليوم» بمعنى مجموع الخبرين، فجرى ذلك مجرى قولك: شرابك
اليوم، من أي من في هذا اليوم. وأما قولهم: نظرت فإذا زيد
بالباب، ف «إذا» في موضع الرفع خبر «زيد» ، و «بالباب» خبر
ثان.
وقال بعضهم: «إذا» هاهنا حرف ليس باسم، واحتج بأنه ناب عن
الفاء في جواب الشرط وأغنى غناه، فيكون حرفا كالفاء، والدليل
على ذا قوله تعالى: (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما
قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ) «2» . المعنى:
قنطوا، ولا يلزم أن الحرف لا يركب مع الاسم فيكون كلاما، ولو
قلت:
فإذا زيد، كان كلاما، فثبت أنه اسم، لأنا نقول: فإذا زيد، ليس
بكلام،
__________
(1) المؤمنون: 101.
(2) الروم: 36.
(3/890)
لأن تمامه محذوف، أي: إذا زيد بالحضرة، أو،
في الوجود، فلا يكون صحيحا إلا بتقدير الخبر؟
قلنا: إنه اسم، لأنها كلمة تركبت مع الاسم ليس فيها علامات
الحرف، موجب أن يكون اسما، قياسا على قولنا: زيد قائم، وهذا
لأن التركيب إنما يكون منه كلام إذا كان اسما مع اسم، أو فعلا
مع اسم، فأما الحرف مع الاسم فليس بكلام إلا في النداء، وهذا
ليس بنداء، ولا «إذا» / فعلا، فوجب أن يكون اسما في موضع الرفع
خبر المبتدأ، ولهذا المعنى قلنا في قولهم: كيف زيد؟: إن «كيف»
اسم لما أفاد مع «زيد» ، ولو كان حرفا لم يفد، فثبت أنه اسم.
وما ذكره من أن الخبر محذوف، قلنا: لا حاجة إلى حذف الخبر فيما
ذكرناه، فإذا قلت: فإذا زيد قائم، ف «زيد» مبتدأ، و «إذا»
خبره، و «قائم» كذلك. وإن شئت نصبت «قائما» على الحال من
الضمير الذي في «إذا» ، فيمن رفع «زيدا» بالابتداء، أو حالا من
«زيد» فيمن رفعه بالظرف. وأما قوله:
إذا أنا لم أطعن إذا الخيل كرت
قال عثمان: «إذا» و «إذا» في البيت ففيهما نظر، وذلك أن كل
واحدة منهما محتاجة إلى ناصب هو جوابها على شرط «إذا»
الزمانية، وكل واحدة منهما فجوابها محذوف يدل عليه ما قبلها،
وشرح ذلك أن «إذا» الأولى جوابها محذوف، حتى كأنه قال: إذا أنا
لم أطعن وجب طرحى للرمح عن عاتقى أو ساعدي، على اختلاف
الروايتين فى «عاتقى» و «ساعدى» فدل قوله:
علام تقول الرمح تثقل ساعدى
(3/891)
على ما أراده من وجوب طرح الرمح إذا لم
يطعن به، كما قال:
فما تصنع بالسيف ... إذا لم تك قتالا
ونحو قولك: أشكرك إذا أعطيتني، وأزورك إذا أكرمتني، أي: إذا
أعطيتني شكرتك، وإذا أكرمتني زرتك، وقولك: أنت ظالم إن فعلت،
أي: إن فعلت ظلمت، ودل «أنت ظالم» على، «ظلمت» وهذا باب واضح،
وما ناب عن جوابهما في موضع جواب «إذا» الثانية، أي: نائب عنه
ودال عليه، تلخيصه، أنه كأنه قال: إذا الخيل كرت وجب إلقائي
الرمح مع تركى الطعن به. ومثله: أزورك إذا أكرمتني إذا لم
يمنعني من ذاك مانع.
وأما قوله تعالى: (وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا
النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا) «1»
، الفاء الأولى تكون جواب «إذا» لأن، «إذا» في اقتضائه الخبر
بمنزلة «إن» ، وقوله «فادفعوا» جواب «إن» .
ومثل ذلك قوله تعالى: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً
فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) «2» ، في أن
الجزاء وشرطه جواب الشرط.
وقوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا
كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا
فِي الْأَرْضِ) «3» ، جاز وقوع «إذا» هاهنا، لأن «الذين» ، في
موقع يصلح لوقوع الجزاء فيه، ألا ترى أن الفاء يدخل في جوابه/
وكأنه قال:
كالذين يقولون.
__________
(1) النساء: 6.
(2) البقرة: 38.
(3) آل عمران: 156. [.....]
(3/892)
وقال في موضع آخر: معنى «إذا» : «متى» ،
كأنه: متى ضربوا في الأرض، أي: هذا دأبهم، كلما خرجوا ضاربين
في الأرض قالوا هذا الكلام.
وقال في قوله: (إِذا فَشِلْتُمْ) «1» بمعنى «متى» وجوابه:
(ثُمَّ صَرَفَكُمْ) «2» ، على زيادة «ثم» عند الأخفش، كما قال
في قوله:
(ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ) «3» ، والصحيح أن الجواب مضمر.
__________
(2- 1) آل عمران: 152.
(3) التوبة: 117، 118.
(3/893)
|