إعراب القرآن للباقولي منسوب خطأ للزجاج الباب المتم التسعين
هذا باب ما جاء في التنزيل من الأفعال المفرغة لما بعد «إلا»
ومن ذلك قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي
إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ) «1» فلفظة «الله»
منصوبة ب «تعبدون» ، فرغ له.
وهكذا قوله: (وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) «2»
.
وقال: (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ) «3» .
وقال: (وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا
اللَّهُ) «4» .
وقال: (وَما يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ) «5» .
وقال: (إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ
بِبالِغِيهِ) «6» .
فالأسماء بعد «إلا» في هذه الآي مرتفعة بفعلٍ قبل «إلا» عند
النحاة عن آخرهم، وتنازعهم الآية التي في سورة «والصافات» ،
وهي: (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) «7» . ألا
ترى أن التقدير: وما منا أحد إلا له مقام معلوم، ف «أحد» مضمر
يأتى عود «الهاء» إليه، وكذا: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا
وارِدُها) «8» ، أي: وإن منكم أحد.
__________
(1) البقرة: 83.
(2) البقرة: 269.
(3) آل عمران: 7.
(4) إبراهيم: 9.
(5) غافر: 13.
(6) غافر: 56.
(7) الصافات: 164.
(8) مريم: 71.
(3/966)
وقال: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ
إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ) «1» ، أي: وإن من أهل الكتاب أحد.
وقال الشاعر:
لو قلت ما في قومها لم تيتم ... يفضلها من أحدٍ وميسم «2»
أي: ما في قومها أحد إلا أنهم يقولون: لو صح الاعتبار ب «أحدٍ»
مضمر لكان ما بعد «إلا» بدلا مما قبلها، وهو «أحد» وإذا كان
بدلا جاز فيه النصب كما لو أظهر «أحد» ، فإنه قد جاء (قُلْ لا
يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا
اللَّهُ) «3» . فما بعد «إلا» بدل من/ قوله:
«من في السموات» ، ولا يجوز فيه النصب، ف «أحد» لا يضمرونه قبل
«إلا» ولا يجيزون بعد «إلا» الحمل فيه على ما قبل «إلا» .
وعند محمد بن الحسن: «أحد» مضمر في هذه الآي، وبنى عليه مسائل،
فقال: عبدى حر إن كان في البيت إلا رجل. فإذا كان في البيت رجل
وامرأة، أو رجل وصبي، فإنه حانث، لأن المستثنى منه غير مذكور،
فوجب إثباته على وفق المستثنى تحقيقا للمجانسة، وذلك أن تجعل
المستثنى منه «أحدا» فصار الشرط أن يكون فيه «أحد» غير رجل أو
امرأةٍ، والصبي أحد غير رجل، إلا أن يكون نوى الرجال خاصة فلا
يحنث، حتى يكون فيه رجلان، ولا يحنث بالصبي والمرأة، ويصدق
فيما بينه وبين الله،
__________
(1) النساء: 159.
(2) الميسم: الجمال. وانظر: الكتاب (1: 375) .
(3) النمل: 65.
(3/967)
فأما في القضاء فلا، لأن الظاهر من كلامه
أوجب تحقيق المجانسة فيما قصده الحالف، وهو الكون والسكنى في
الدار، وبنو آدم كلهم جنس واحد، لأنهم جميعا مقصودون ذلك، فإذا
نوى تخصيص الرجال كان ذلك خلاف الظاهر فيه تخفيف فلم يصدقه
القاضي ويصدق فيما بينه وبين الله تعالى، لأنه نوى المجانسة
أيضا، لكنه خلاف المعهود الظاهر.
والله أعلم.
حرره العبد الضعيف المحتاج إلى رحمة الله تعالى «أبو الحسن
سالم بن الحسن بن إبراهيم الخازمى» .
وفرغ منه يوم الأربعاء بعد الظهر لليلتين خلتا من شهر الله
المبارك رمضان بمدينة شيراز سنة عشر وستمائة، حامدا لله تعالى
ومصليا على رسوله.
(3/968)
|