الَّذِينَ صَبَرُوا
وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42) وَمَا أَرْسَلْنَا
مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ
فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا
تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ
وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ
مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)
أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ
يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ
الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (45) أَوْ
يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ
(46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ
لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (47) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ
اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ
الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ
دَاخِرُونَ (48) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ
وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ
وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخَافُونَ رَبَّهُمْ
مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50)
وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ
إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ
(51)
[سورة النحل (16) : آية 42]
الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42)
الَّذِينَ صَبَرُوا في موضع رفع على البدل من الذين
هاجروا، وفي موضع نصب على البدل من هم.
[سورة النحل (16) : آية 44]
بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ
الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ
وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)
وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما
نُزِّلَ إِلَيْهِمْ أي من الفرائض والأحكام والحدود.
[سورة النحل (16) : آية 46]
أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ
بِمُعْجِزِينَ (46)
أَوْ يَأْخُذَهُمْ عطف على الأول. فِي تَقَلُّبِهِمْ ما
يتقلّبون فيه من الأسفار وغيرها.
[سورة النحل (16) : آية 47]
أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ
لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (47)
فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ لأنه أمهلهم دعاهم إلى
التوبة.
[سورة النحل (16) : الآيات 48 الى 49]
أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ
يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ
سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ (48) وَلِلَّهِ
يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ
دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (49)
أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ
يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ واحد في موضع جمع
وَالشَّمائِلِ جمع على بابه سُجَّداً على الحال أي منقادا
ذليلا على ما دبّره الله جل وعز عليه. واصل السجود في
اللغة: التذلل والانقياد وَهُمْ داخِرُونَ أي منقادون على
ما أحبّوا أو كرهوا وكذا السجود في وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما
فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ أي
منقادا لله جلّ وعزّ دالّ على حكمته كما روي عن ابن عباس:
الكافر يسجد لغير الله جلّ وعزّ وظلّه يسجد لله تبارك
وتعالى أي ينقاد لتدبيره، وقال أبو إسحاق: معنى ظلّه هاهنا
جسمه الذي يكون منه الظلّ أي جسمه ولحمه وعظمه منقادات لله
جلّ وعزّ دالّة عليها أثر الخضوع والذلّ، فعلى هذا هي
ساجدة له تقدّس اسمه.
[سورة النحل (16) : آية 51]
وَقالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ
إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51)
وَقالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ قال
أبو إسحاق: فذكر اثنين توكيدا لإلهين كما ذكر واحدا توكيدا
في قوله إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وقال غيره: التقدير ولا
تتّخذوا اثنين إلهين.
فَإِيَّايَ في موضع نصب بإضمار فعل.
(2/251)
وَلَهُ مَا فِي
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا
أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52) وَمَا بِكُمْ مِنْ
نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ
فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53) ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ
عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ
(54) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا
فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (55) وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا
يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ
لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (56)
وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ
مَا يَشْتَهُونَ (57) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ
بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ
(58)
[سورة النحل (16) : آية 52]
وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ
واصِباً أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52)
وَلَهُ الدِّينُ واصِباً نصب على الحال.
[سورة النحل (16) : آية 53]
وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذا
مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ (53)
وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ قال الفراء «1»
: «ما» في موضع جزاء كأنه قال: وما تكن بكم من نعمة فمن
الله، وقال أبو إسحاق: المعنى ومما حلّ بكم من نعمة فمن
الله أي أعطاكم من صحّة في جسم أو رزق فكل ذلك من الله جلّ
وعزّ.
[سورة النحل (16) : آية 56]
وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا
رَزَقْناهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ
تَفْتَرُونَ (56)
وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً أي ويجعلون
لما لا يعلمون أنه إله نصيبا مما رزقناهم.
تَاللَّهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ أي
من قولكم إنهم آلهة.
[سورة النحل (16) : آية 57]
وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما
يَشْتَهُونَ (57)
وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ لأنهم قالوا:
الملائكة بنات الله، وتمّ الكلام عند قوله سُبْحانَهُ ثم
قال جلّ وعزّ: وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ أي الشيء الذي
يشتهونه، و «ما» في موضع رفع، وأجاز الفراء «2» : أن يكون
في موضع نصب بمعنى ويجعلون لهم. قال أبو إسحاق: «ما» في
موضع رفع لا غير لأن العرب لا تقول في مثل هذا: جعل فلان
له كذا. وإنما تقول: جعل لنفسه، ومثله ضربت نفسي، ولا يقال
ضربتني.
[سورة النحل (16) : آية 58]
وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ
مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58)
وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ
مُسْوَدًّا خبر «ظلّ» ، ويجوز عند سيبويه «3» والفراء «4»
: ظلّ وجهه مسودّ يكون في «ظلّ» مضمر والجملة الخبر، وحكى
سيبويه:
«حتى يكون أبواه هما اللذان يهوّدانه أو ينصّرانه» «5» .
قال الفراء: مثل وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ
كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ [الزمر:
60] والأصل في ظلّ ظلل ثم أدغم.
__________
(1) انظر معاني الفراء 2/ 104.
(2) انظر معاني الفراء 2/ 105.
(3) انظر الكتاب 2/ 414.
(4) انظر معاني الفراء 2/ 106.
(5) الحديث في الكتاب 2/ 414، «كلّ مولود يولد على الفطرة،
حتى يكون أبواه هما اللذان يهوّدانه وينصّرانه» . وأخرجه
البخاري في صحيحه كتاب الجنائز، وأبو داود في سننه حديث
رقم (4714) ، والترمذي في سننه- القدر 8/ 303.
(2/252)
لِلَّذِينَ لَا
يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ
الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (60)
وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا
تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ
إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا
يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (61)
وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ
أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لَا
جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ
(62)
أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ قال الكسائي:
المعنى لا يدري ينظر أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ
يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ.
[سورة النحل (16) : آية 60]
لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ
وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وَهُوَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ (60)
وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى أي هو الواحد الصمد.
الْحَكِيمُ القدير الذي لم يلد ولم يولد.
[سورة النحل (16) : آية 61]
وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ
عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ
مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ
ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (61)
وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ أي بعقوبة
ظلمهم ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ لأنه إذا أفنى
الآباء انقطع النسل.
[سورة النحل (16) : آية 62]
وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ
أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى لا
جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ
(62)
وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ جمع لسان على لغة من
ذكّر اللسان، ومن أنّث قال:
ألسن، ومن قال ألسن ثم سمّى بلسان رجلا لم يصرف، وإن قال
ألسنة صرف والكذب منصوب بتصف وأَنَّ لَهُمُ بدل من الكذب.
قال أبو حاتم: وقرأ أهل الشام أو بعضهم وَتَصِفُ
أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى نعت
للألسنة قال قطرب «أنّ لهم النار» في موضع رفع أي وجب ذلك،
وقال غيره: «أنّ» في موضع نصب أي كسبهم ذلك «أنّ لهم
النار» . وقد ذكرنا «1» معنى لا جَرَمَ. قرأ عبد الله بن
مسعود وعبد الله بن عباس رحمهما الله وهذه القراءة قراءة
أبي رجاء ونافع وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ «2» بكسر الراء
والتخفيف، وقرأ أبو جعفر وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ «3» بكسر
الراء والتشديد. قال أبو حاتم وروي عن أبي جعفر
وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ بفتح الراء والتشديد، وقرأ الحسن
والأعرج وأبو العالية وسعيد بن جبير ومجاهد وهي قراءة أبي
عمرو بن العلاء والكوفيين وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ «4»
بفتح الراء والتخفيف. وأصل هذا كلّه من التجاوز والتقدّم.
فمفرطون مبالغون متجاوزون في الشر، ومنه يقال: قد أفرط
فلان على فلان و «مفرّطون» مضيّعون متجاوزون لما يجب، ومنه
أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرّطت في جنب الله، وفي
التشديد معنى المبالغة والتكثير و «مفرطون» مقدّمون إلى
النار.
__________
(1) مرّ في إعراب الآية 22- هود.
(2) انظر تيسير الداني 112، والبحر المحيط 5/ 490. [.....]
(3) انظر البحر المحيط 5/ 491.
(4) انظر البحر المحيط 5/ 490، ومعاني الفراء 2/ 108.
(2/253)
تَاللَّهِ لَقَدْ
أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ
الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ
وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ
الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا
فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64)
وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ
الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً
لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65) وَإِنَّ لَكُمْ فِي
الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ
مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا
لِلشَّارِبِينَ (66)
[سورة النحل (16) : آية 63]
تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ
فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَهُوَ
وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (63)
تَاللَّهِ التاء بدل من الواو وإنما يقال: تالله إذا كان
في الكلام معنى التعجّب لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ
مِنْ قَبْلِكَ وحذف المفعول أي رسلا فَزَيَّنَ لَهُمُ
الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ أي من الكفر والمعاصي فَهُوَ
وَلِيُّهُمُ ابتداء وخبر وتحذف الضمة لثقلها فيقال: فهو
وليّهم أي هو معهم، وقيل: المعنى أنه يقال: لهم هذا الذي
أطعتموه فاسألوه حتّى يخلّصكم تبكيتا لهم وتوبيخا.
[سورة النحل (16) : آية 64]
وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ
لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً
لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64)
وَهُدىً وَرَحْمَةً مفعول من أجله. قال أبو إسحاق: ويجوز
الرفع بمعنى وهو مع ذلك هدى ورحمة.
[سورة النحل (16) : آية 66]
وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ
مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً
خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ (66)
وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً أي لدلالة على
قدرة الله جلّ وعزّ وحسن تدبيره.
نُسْقِيكُمْ بفتح النون قراءة عاصم وشيبة ونافع،
نُسْقِيكُمْ بضم النون قراءة ابن كثير وأبي جعفر وأبي عمرو
بن العلاء والكوفيين إلا عاصما. قال الخليل وسيبويه «1»
رحمهما الله: سقيته ناولته فشرب، وأسقيته جعلت له سقيا،
وقال أبو عبيدة: هما لغتان، قال أبو جعفر: سقيته يكون
بمعنى عرّضته لأن يشرب، وأسقيته دعوت له بالسقيا، وأسقيته
جعلت له سقيا، وأسقيته بمعنى سقيته عند أبي عبيدة فنسقيكم
بالضم إلّا أنه حكي عن محمد بن يزيد أنه قال: نسقيكم
بالفتح هاهنا أشبه بالمعنى. مِمَّا فِي بُطُونِهِ فذكّر
فللنحويين في هذا أربعة أقوال: فمن أحسنها مذهب سيبويه أن
العرب تخبر عن الأنعام بخبر الواحد ثم ذكر الآية كأنه ذهب
إلى أن الأنعام تذكّر وتؤنّث، وقال الكسائي: حكاه عنه
الفراء «2» المعنى نسقيكم مما في بطون ما ذكرنا، وقال
الفراء «3» : الأنعام والنعم واحد وهما جمعان فرجع إلى
تذكير النعم وحكي عن العرب هذا نعم وارد، وحكى أبو عبيد عن
الكسائي هذا القول وأنشد: [الرجز] 263-
أكلّ عام نعم تحوونه ... يلقحه قوم وتنتجونه «4»
__________
(1) انظر الكتاب 4/ 170.
(2) انظر معاني الفراء 2/ 108 و 109.
(3) انظر معاني الفراء 2/ 108 و 109.
(4) الشاهد لقيس بن حصين في خزانة الأدب 1/ 409، وشرح
أبيات سيبويه 1/ 119، ولصبي من بني سعد قيل إنه قيس بن
الحصين في المقاصد النحوية 1/ 529، ولرجل ضبيّ في الأغاني
16/ 256، وبلا نسبة في الكتاب 1/ 184، والأشباه النظائر 3/
102، وتلخيص الشواهد 191، والردّ على النحاة 120، ولسان
العرب (نعم) ، واللمع في العربية 113.
(2/254)
وَمِنْ ثَمَرَاتِ
النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا
وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ
يَعْقِلُونَ (67) وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ
اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ
وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ
الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ
مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ
شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ
يَتَفَكَّرُونَ (69) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ
يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ
الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا
إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70) وَاللَّهُ فَضَّلَ
بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ
فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ
اللَّهِ يَجْحَدُونَ (71) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ
أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ
أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ
الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ
اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72)
والقول الرابع حكاه أبو عبيد عن أبي عبيدة
قال: المعنى نسقيكم مما في بطون أيّها كان له لبن لأنه
ليست كلّها لها لبن. سائِغاً لِلشَّارِبِينَ نعت.
[سورة النحل (16) : آية 67]
وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ
مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً
لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67)
وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ أي ولكم فيما
رزقناكم من ثمرات النخيل والأعناب عبرة.
[سورة النحل (16) : آية 68]
وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ
الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ
(68)
وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي لأنها
مؤنّثة والعرب تقول في تصغيرها: نحيل بغير هاء لئلا تشبه
الواحدة، وحكى الأخفش أنها تذكّر بُيُوتاً كما تقول فلس
وفلوس ومن كسر الباء أبدل من الضمة كسرة وهو وجه بعيد.
[سورة النحل (16) : آية 70]
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ
مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ
بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70)
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ
مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ أي إلى الهرم لأنه
يضعف قوته وعقله فإن قال قائل: فهو إذا كان صبيّا هكذا ولا
يقال للصبيّ: هو في أرذل العمر، فالجواب أنّ الصبي يرجى له
العقل والقوة وليس كذا الهرم لِكَيْ لا يَعْلَمَ تنصب بكي
ولا تحول «لا» بين العامل والمعمول فيه لتصرّفها وأنّها
تكون زائدة.
[سورة النحل (16) : آية 71]
وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ
فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما
مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ أَفَبِنِعْمَةِ
اللَّهِ يَجْحَدُونَ (71)
فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ ابتداء وخبر.
[سورة النحل (16) : آية 72]
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً
وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً
وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أَفَبِالْباطِلِ
يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72)
أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ قيل: يعني الأوثان والأصنام
لأنهم لا ينتفعون بعبادتها.
وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ الكفر بالنعمة في
اللغة على ضربين: أحدهما أن يجحد النعمة، والآخر أن ينسبها
إلى غير المنعم بها أو يجعل له فيها شريكا.
(2/255)
وَيَعْبُدُونَ مِنْ
دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ
(73) فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ
يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (74) ضَرَبَ اللَّهُ
مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ
وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ
يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ
الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (75)
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ
لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ
أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي
هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ
مُسْتَقِيمٍ (76)
[سورة النحل (16) : آية 73]
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ
رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا
يَسْتَطِيعُونَ (73)
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ
رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً في نصب شيء
قولان: أحدهما أن يكون التقدير: لا يملكون أن يرزقوهم شيئا
وهو قول الكوفيين «1» ، ونصبه عند الأخفش وغيره من
البصريين على البدل من رزق. قال الأخفش: والمعنى:
لا يملكون لهم رزقا قليلا ولا كثيرا، وقال غيره: لا يجوز
أن يكون منصوبا برزق لأنه اسم ليس بمصدر كما لا يجوز: عجبت
من دهن زيد لحيته، حتّى يقول من دهن.
وَلا يَسْتَطِيعُونَ على المعنى لأن «ما» في المعنى
لجماعة.
[سورة النحل (16) : آية 74]
فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ إِنَّ اللَّهَ
يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (74)
فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ فيه قولان: أحدهما لا
تمثّلوا لله جلّ وعزّ بخلقه فتقولوا:
هو محتاج إلى شريك ومشاور فإن هذا إنما هو لمن لا يعلم،
ودلّ على هذا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا
تَعْلَمُونَ، والقول الآخر لا تمثّلوا خلق الله جلّ وعزّ
به فتجعلوا لهم من الأهبة مثل ما له.
[سورة النحل (16) : آية 75]
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ
عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً
فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ
الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (75)
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ
عَلى شَيْءٍ أي من الرقّ. وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا
رِزْقاً حَسَناً أي فكما لا يستوي هذان عندكم فيجب أن لا
يسوّوا بين الأصنام وهي لا تعقل ولا تنفع وبين الله جلّ
وعزّ في العبادة. الْحَمْدُ لِلَّهِ أي على ما دلّنا من
توحيده بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ فيه قولان:
أحدهما أنّ فعلهم فعل من لا يعلم وإن كانوا يعلمون والآخر
أنهم لا يعلمون وعليهم أن يعلموا.
[سورة النحل (16) : آية 76]
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ
لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ
أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي
هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ
مُسْتَقِيمٍ (76)
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ
لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وإذا كان أبكم ضعيفا فهو ثقيل على
وليّه أينما يوجّهه أي إن وجهه لشيء من منافع الدنيا لم
يأت بخير. هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ
بِالْعَدْلِ معطوف على المضمر في يستوي وهو توكيد، وحسن
العطف على المضمر المرفوع لمّا وكّدته لأنه التوكيد يعينه
فكأنّه بارز من الفعل.
__________
(1) انظر معاني الفراء 2/ 110، والبحر المحيط 5/ 500.
(2/256)
وَاللَّهُ
أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ
شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ
وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78) أَلَمْ
يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ
السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي
ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79) وَاللَّهُ
جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ
مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا
يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ
أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا
وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (80) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ
مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ
أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ
وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ
نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81)
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ
الْمُبِينُ (82) يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ
يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ (83)
وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لَا
يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ
(84)
[سورة النحل (16) : آية 78]
وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا
تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ
وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
(78)
وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ ومن
كسر الهمزة أتبع الكسرة الكسرة، وكسر الميم بعيد وأمّهات
جمع أمّهة، وقيل: الهاء زائدة كما زيدت في أهرقت.
[سورة النحل (16) : آية 79]
أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ
السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللَّهُ إِنَّ فِي
ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79)
أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ أي إلى خلقها كيف خلقت
خلقا يتهيّأ لها معه الطيران والثبوت في الجو، وجعل ذلك
تسخيرا منه لها مجازا فقال جلّ ثناؤه: مُسَخَّراتٍ فِي
جَوِّ السَّماءِ ومُسَخَّراتٍ حال. ما يُمْسِكُهُنَّ
إِلَّا اللَّهُ لأنه جلّ وعزّ يثبتهنّ بالهواء الذي خلقه
تحتهنّ فجعل ذلك إمساكا منه لهن اتساعا.
[سورة النحل (16) : آية 81]
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ
لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً وَجَعَلَ لَكُمْ
سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ
بَأْسَكُمْ كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ
لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81)
وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ أي خلق لكم ما
تتّخذون منه سرابيل وأقدركم على عمله وروي عن ابن عباس
رحمه الله أنه قرأ كذلك تتمّ نعمه عليكم ورفع النعمة.
لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ «1» بفتح التاء واللام.
[سورة النحل (16) : آية 83]
يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها
وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ (83)
يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها
وإنكارهم إياها إضافتهم إياها إلى غير الله جلّ وعزّ
وإشراكهم معه فيها غيره.
[سورة النحل (16) : آية 84]
وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لا
يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ
(84)
وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً والأمة
القرن والجماعة فدلّ بهذا على أنّ في كلّ قرن من يطيعه جلّ
وعزّ، ولا يكون الشهيد إلّا مطيعا. ثُمَّ لا يُؤْذَنُ
لِلَّذِينَ كَفَرُوا في الاعتذار. ومعنى لا يؤذن لهم في
الاعتذار لا يقال لهم: اعتذروا بل يقال لهم: إن اعتذرتم لم
يقبل منكم، ومثله وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ
[المرسلات: 36] أي لا يعتذرون اعتذارا ينتفع به.
__________
(1) انظر البحر المحيط 5/ 508، ومعاني الفراء 2/ 112.
(2/257)
وَإِذَا رَأَى
الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا
هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ
دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ
لَكَاذِبُونَ (86) وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ
السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (87)
الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ
زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا
يُفْسِدُونَ (88) وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ
شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ
شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ
الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً
وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89) إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ
بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى
وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ
يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا
بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا
الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ
اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا
تَفْعَلُونَ (91)
[سورة النحل (16) : آية 86]
وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ قالُوا
رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا
مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ
لَكاذِبُونَ (86)
وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ أي
أصنامهم التي كانوا يعبدونها تحشر معهم ليوبّخوا بها
ويقرّعوا بها في النار. وسماها شركاءهم لأنهم جعلوا لها
نصيبا من أموالهم وزرعهم وأنعامهم فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ
الْقَوْلَ أنطقوا فقالوا لهم: كذبتم ما كنا آلهة ولا
نستحقّ العبادة.
[سورة النحل (16) : آية 87]
وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ
عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (87)
وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ استسلموا
وانقادوا. وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ هلك
وزال.
[سورة النحل (16) : آية 88]
الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ
زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا
يُفْسِدُونَ (88)
الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ
زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ أي فوق العذاب الذي
كانوا يستحقونه بكفرهم. بِما كانُوا يُفْسِدُونَ بصدّهم
الناس عن الإسلام.
[سورة النحل (16) : آية 89]
وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ
مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ
وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ
وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (89)
تِبْياناً أي بيانا مثل تلقاء، ويقال: تبيانا بفتح التاء
أي تبيينا.
[سورة النحل (16) : آية 90]
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ
وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ
وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ
تَذَكَّرُونَ (90)
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ أي بالإنصاف.
وَالْإِحْسانِ أي التفضّل. وحقيقة الإحسان في اللغة أنه
كلّ فعل حسن وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وهو صلة الأرحام.
وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وهو كلّ فعل أو قول قبيح
وَالْمُنْكَرِ كلّ ما تنكره العقول من أفعال أو أقوال
وَالْبَغْيِ أشدّ الفساد. وحكى القاسم بن سلام أنه يقال:
برأ جرحه على بغي إذا برأ وفيه شيء من نغل، ثم قال جلّ
وعزّ: يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ والأصل
تتذكّرون أدغمت التاء في الذال.
[سورة النحل (16) : آية 91]
وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا
تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ
جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ
يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (91)
وَأَوْفُوا على لغة من قال: أوفى، ويقال: وفى بعهد الله.
إِذا عاهَدْتُمْ فيه
(2/258)
وَلَا تَكُونُوا
كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ
أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ
أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا
يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92)
وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً
وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ
وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (93) وَلَا
تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ
قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا
صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
(94) وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا
إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ
تَعْلَمُونَ (95) مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ
اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا
أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (96)
قولان: أحدهما بما تقدّم إليكم به وقدّركم
عليه، والآخر أوفوا بما حلفتم عليه، وهذا أولى وأشبه
بالمعنى لأن بعده وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ
تَوْكِيدِها قال الكسائي: وناس كثير من العرب يقولون:
تأكيد وقد أكّدت. قال أبو إسحاق: الأصل الواو والهمزة بدل
منها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا قولهم
الله كفيل على هذا وشاهد، ويكون مجازا فيكون حلفهم كقولهم
هذا.
[سورة النحل (16) : آية 92]
وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ
قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً
بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ
إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ
يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92)
وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها أي فتنقضوا ما
قد وكّدتموه وقويتموه. مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ والعرب تسمي
الفتلة الوثيقة قوة. قال أبو إسحاق أَنْكاثاً يعني المصدر
لأن معنى نقض ونكث واحد. قال ودَخَلًا منصوب لأنه مفعول له
وأَنْ في موضع نصب والمعنى بأن تكون أمة هي أكثر من أمة.
من ربا الشيء يربو إذا كثر، وقال الكسائي: المعنى لأن تكون
لغة. قال الكسائي والفراء «1» : أَرْبى في موضع نصب،
والمعنى مثل تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً
[المزمّل: 20] يجعلان «هو» عمادا. قال أبو جعفر: وهذا خطأ
عند الخليل وسيبويه «2» رحمهما الله، ولا يجوز، ولا يشبه
تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً لأن الهاء في
«تجدوه» معرفة وأمة نكرة، ولا يجوز عندهما: ما كان أحد هو
جالس، وقال الخليل: لا تكون هو زائدة إلا مع المعرفة،
وعنده أنّ كونها مع المعرفة زائدة عجب فكيف تزاد مع
النكرة؟ فالقول إن «أربى» في موضع رفع لأنه خبر المبتدأ
والجملة خبر تكون.
[سورة النحل (16) : آية 94]
وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ
فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَتَذُوقُوا السُّوءَ
بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذابٌ
عَظِيمٌ (94)
وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ
فَتَزِلَّ قَدَمٌ جواب النهي، والمعنى: فتستحقّ العقوبة
بعد أن كانت تستحقّ الثواب.
[سورة النحل (16) : آية 96]
ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ
وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ
ما كانُوا يَعْمَلُونَ (96)
ما عِنْدَكُمْ في موضع رفع بالابتداء. يَنْفَدُ في موضع
الخبر. وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ ابتداء وخبر. وقد ذكرنا
مثل باق.
__________
(1) انظر معاني الفراء 2/ 113.
(2) انظر الكتاب 2/ 412.
(2/259)
فَإِذَا قَرَأْتَ
الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ
الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99)
إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ
وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100) وَإِذَا
بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا
يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ
أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ
الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ
آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102) وَلَقَدْ
نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ
بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ
وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103)
[سورة النحل (16) : الآيات 98 الى 99]
فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ
الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ
عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
(99)
فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ مجازه إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ
سُلْطانٌ فجاء على تذكير السلطان، وكثير من العرب يؤنّثه
فتقول: قضت به عليك السلطان، فأعلم الله جلّ وعزّ أن
الشيطان ليس له سلطان على المؤمنين، وأعلم جلّ وعزّ في
موضع آخر أنّه ليس له سلطان على واحد.
فأما المعنى إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ
يَتَوَلَّوْنَهُ أي إنه إذا وسوس إليهم قبلوا منه.
[سورة النحل (16) : آية 101]
وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ
أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (101)
وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وهو الناسخ والمنسوخ
لما يعلم الله جلّ وعزّ في ذلك من الصلاح تلبّسوا به
فقالوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ وهو ابتداء وخبر، وكذا
بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ.
[سورة النحل (16) : آية 103]
وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما
يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ
أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103)
وقرأ الحسن إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي
يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ «1» «بشر» بغير تنوين و
«اللسان» بالألف واللام، واللسان مرفوع «بشر» مرفوع بفعله
و «اللسان» مبتدأ وخبره «أعجميّ» وحذف التنوين من «بشر»
لالتقاء الساكنين، وأنشد سيبويه:
[المتقارب] 264-
ولا ذاكر الله إلّا قليلا «2»
ومثله قراءة من قرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ
الصَّمَدُ [الإخلاص: 2] ، وكذا وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ
النَّهارِ [يس: 20] بنصب النهار. قرأ أقل المدينة وأهل
البصرة يُلْحِدُونَ «3» بضم الياء وكسر الحاء، وقرأ
الكوفيون يلحدون «4» بفتح الياء والحاء، واللغة الفصيحة
«يلحدون» ومنه يقال: رجل ملحد أي مائل عن الحق، ويبيّن هذا
وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ [الحج: 25] فهذا من ألحد
يلحد لا غير، ويقال: لحدت
__________
(1) انظر البحر المحيط 5/ 519، ومختصر ابن خالويه 74.
(2) مرّ الشاهد رقم (73) .
(3) انظر تيسير الداني 113.
(4) انظر تيسير الداني 113. [.....]
(2/260)
مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ
مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ
مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ
بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ
وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ
اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ
وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ
(107) أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى
قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ
هُمُ الْغَافِلُونَ (108) لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي
الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (109) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ
لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ
جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا
لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110) يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ
تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا
عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (111)
القبر أي جعلت فيه لحدا وألحدت الميّت
ألزمته اللحد. وَهذا لِسانٌ قيل: يعني القرآن، سمّاه لسانا
اتّساعا، كما يقال: فلان يتكلّم بلسان العرب أي بلغتها
وكذا اللسان الذي يلحدون إليه أي كلامه وعلى هذا تسمّى
الرسالة لسانا، كما قال: [الوافر] 265-
لسان السّوء تهديها إلينا «1»
[سورة النحل (16) : آية 106]
مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلاَّ مَنْ
أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ
مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ
اللَّهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (106)
مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ مَنْ في موضع
رفع على البدل من «الكاذبين» .
إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ في موضع نصب على الاستثناء. والمعنى-
والله أعلم- إلّا من أكره.
فله أن يقول ما ظاهره الكذب والكفر ولا يعتقده، ولا يجوز
له أن يكذب كذبا صراحا بوجه، وإنما يقول: فلان كذّاب على
قولهم أو يعني به غير النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ممن هو
كاذب لأن الكذب قبيح فلا يجوز أن يأذن الله فيه بحال،
والدليل على قبحه أن قائله لا يوثق بخبره وَقَلْبُهُ
مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ابتداء وخبر، وهو تبيين ما
تقدّم. مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ مبتدأ. فَعَلَيْهِمْ
غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ في موضع الخبر.
[سورة النحل (16) : آية 107]
ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى
الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ
الْكافِرِينَ (107)
اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ قال
الخليل رحمه الله لا جَرَمَ لا تكون إلّا جوابا. قال أبو
جعفر: وقد ذكرناه «2» .
[سورة النحل (16) : آية 110]
ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما
فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ
بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110)
مِنْ بَعْدِها أي من بعد الفتنة.
[سورة النحل (16) : آية 111]
يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها
وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُمْ لا
يُظْلَمُونَ (111)
يَوْمَ تَأْتِي في موضع نصب أي غفور رحيم يوم تأتي كلّ
نفس، ويجوز أن يكون بمعنى: واذكر يوم تأتي كلّ نفس.
__________
(1) الشاهد بلا نسبة في جواهر الأدب 125، والجنى الداني
94، والدرر 1/ 240، وشرح شواهد المغني 1/ 506، ومغني
اللبيب 1/ 182، وهمع الهوامع 1/ 77، وعجزه:
«وحنت وما حسبتك أن تحينا»
(2) مرّ في إعراب الآية 22- هود.
(2/261)
وَضَرَبَ اللَّهُ
مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً
يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ
فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ
لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ
(112) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ
فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (113) فَكُلُوا
مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا
نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ
(114) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ
وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ
بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ
اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115) وَلَا تَقُولُوا لِمَا
تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا
حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ
الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا
يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ (117) وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا
قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ
وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118) ثُمَّ
إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ
ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ
رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (119) إِنَّ
إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا
وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا
لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ
مُسْتَقِيمٍ (121) وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً
وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122)
ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ
إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
(123) إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ
اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
(124) ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ
وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ
أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ
سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) وَإِنْ
عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ
وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126)
وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ
عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ
(127)
[سورة النحل (16) : آية 112]
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً
مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ
مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ
لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ
(112)
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً أي مثل قرية.
فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ جمع نعمة عند سيبويه، وقال
قطرب: جمع نعم مثل ودّ وأدود.
[سورة النحل (16) : آية 116]
وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا
حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ
إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا
يُفْلِحُونَ (116)
وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ نصب
بمعنى لوصف ألسنتكم الكذب، وقال: الكذب يلقي حركة الدال
على الكاف، وقرأ أهل الشام أو بعضهم وَلا تَقُولُوا لِما
تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ «1» على النعت للألسنة،
وقرأ الحسن والأعرج وطلحة وأبو معمر لِما تَصِفُ
أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ «2» بالخفض على النعت لما أو
البدل.
[سورة النحل (16) : آية 117]
مَتاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (117)
مَتاعٌ قَلِيلٌ على إضمار مبتدأ أي تمتّعهم في الدنيا متاع
قليل أي مدّة بقائهم، ويجوز متاعا في غير القرآن على
المصدر أي يمتعون متاعا.
[سورة النحل (16) : آية 120]
إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً
وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120)
كانَ أُمَّةً خبر كان. قانِتاً نعت أو خبر ثان. قال أبو
جعفر: وقد ذكرنا «3» وَلَمْ يَكُ في غير موضع.
[سورة النحل (16) : آية 124]
إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا
فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ
الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124)
إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا
فِيهِ قال بعضهم: لا نريد الجمعة، وقال بعضهم: لا نريد
السبت ففرض عليهم الفراغ في يوم السبت.
[سورة النحل (16) : آية 127]
وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ
عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127)
وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ قيل المعنى: لا تحزن على الكفار
فإنّما عليك أن تدعوهم إلى الإيمان، وقيل: المعنى ولا تحزن
على الشهداء فإن الله جلّ وعزّ قد أثابهم وفيهم حمزة بن
عبد المطلب رضي الله عنه وفيه نزلت وَإِنْ عاقَبْتُمْ
فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ
__________
(1) انظر المحتسب 2/ 11.
(2) انظر البحر المحيط 5/ 527.
(3) مرّ في إعراب الآية 109- هود.
(2/262)
إِنَّ اللَّهَ مَعَ
الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)
[النحل: 126] وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا
يَمْكُرُونَ للكفّار لم يقل غيره، وحكى أبو عبيد القاسم بن
سلام أنّ نافعا قرأ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ «1» بكسر الضاد
قال أبو جعفر:
وهذا لا يعرف عن نافع. وقال الكوفيون: الفراء «2» وغيره:
«الضيق» بفتح الضاد في القلب والصدر، «والضيق» بكسر الضاد
في الثوب والدار وما أشبهها مما يرى قال الفراء: فإذا رأيت
الضيق بفتح الضاد قد وقع في موضع الضّيق فهو مخفّف من ضيّق
أو جمع ضيقة، ولا يعرف البصريون من هذا التفريق شيئا،
وقالوا إذا أردت المصدر قلت: الضيق، كما تقول: البيع، وإن
أردت الاسم قلت: الضيق كما تقول: العلم، وأجازوا في ضيّق
التخفيف.
[سورة النحل (16) : آية 128]
إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ
مُحْسِنُونَ (128)
إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا الَّذِينَ خفض
بإضافة مع إليه لأن مع عند الخليل اسم إذا فتحت العين وإن
أسكنتها فهي حرف. وَالَّذِينَ عطف. هُمْ مُحْسِنُونَ مبتدأ
وخبره في الصّلة.
__________
(1) انظر تيسير الداني 113.
(2) انظر معاني الفراء 2/ 115.
(2/263)