الإتقان في علوم القرآن النَّوْعُ الْخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَ:
فِي عَامِّهِ وَخَاصِّهِ
الْعَامُّ لَفْظٌ يَسْتَغْرِقُ الصَّالِحَ لَهُ مِنْ غَيْرِ
حَصْرٍ وَصِيغَتُهُ"كُلُّ" مُبْتَدَأَةٌ نَحْوَ: {كُلُّ مَنْ
عَلَيْهَا فَانٍ} أَوْ تَابِعَةٌ نَحْوَ:: {فَسَجَدَ
الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ}
والذي وَالَّتِي وَتَثْنِيَتُهُمَا وَجَمْعُهُمَا نَحْوَ:
{وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا} فَإِنَّ
الْمُرَادَ بِهِ كُلُّ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ هَذَا الْقَوْلُ
بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ
عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ} {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ} {لِلَّذِينَ
أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} {لَّذِينَ اتَّقَوْا
عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ} {وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ
الْمَحِيضِ} الْآيَةَ: {وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ
مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا} الآية: {وَالَّذَانِ
يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا}
وَأَيُّ وَمَا وَمَنْ شَرْطًا وَاسْتِفْهَامًا وَمَوْصُولًا
نَحْوَ: {أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}
{إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ
جَهَنَّمَ} {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ}
(3/48)
والجمع الْمُضَافُ نَحْوَ: {يُوصِيكُمُ
اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} والمعرف بِأَلْ نَحْوَ: {قَدْ
أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} واسم
الْجِنْسِ الْمُضَافُ نَحْوَ:: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ
يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} أي كل أمر الله
والمعرف بِأَلْ نَحْوَ: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} أَيْ
كُلَّ بَيْعٍ: {إِنَّ الأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} أَيْ كُلَّ
إِنْسَانٍ بِدَلِيلِ: {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا}
والنكرة فِي سِيَاقِ النَّفْيِ وَالنَّهْيِ نَحْوَ: {فَلا
تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا
خَزَائِنُهُ} {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} {فَلا
رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} وفي سِيَاقِ
الشَّرْطِ نَحْوَ:: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ}
وَفِي سِيَاقِ الِامْتِنَانِ نَحْوَ: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ
السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً}
فصل
الْعَامُّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
الْأَوَّلُ: الْبَاقِي عَلَى عُمُومِهِ قَالَ: الْقَاضِي
جَلَالُ الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ وَمِثَالُهُ عَزِيزٌ إذ مامن
عَامٍّ إِلَّا وَيُتَخَيَّلُ فِيهِ التَّخْصِيصُ فقوله: {يَا
أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ}
(3/49)
قد يخص منه غير المتكلف و: {حُرِّمَتْ
عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} خُصَّ مِنْهَا حَالَةُ الِاضْطِرَارِ
وَمَيْتَةُ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ وحرم الربا خُصَّ مِنْهُ
الْعَرَايَا
وَذَكَرَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْبُرْهَانِ أَنَّهُ كَثِيرٌ فِي
الْقُرْآنِ وَأَوْرَدَ مِنْهُ: {وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ
شَيْءٍ عَلِيمٌ} {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ
شَيْئاً} {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} {وَاللَّهُ
خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ} {اللَّهُ
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَاراً}
قُلْتُ: هَذِهِ الْآيَاتُ كُلُّهَا فِي غَيْرِ الْأَحْكَامِ
الْفَرْعِيَّةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْبُلْقِينِيِّ
أَنَّهُ عَزِيزٌ فِي الْأَحْكَامِ الْفَرْعِيَّةِ وَقَدِ
اسْتَخْرَجْتُ مِنَ الْقُرْآنِ بَعْدَ الْفِكْرِ آيَةً فِيهَا
وَهِيَ قَوْلُهُ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ}
الْآيَةَ فَإِنَّهُ لَا خُصُوصَ فِيهَا.
الثَّانِي: الْعَامُّ المراد به الخصوص.
الثَّالِثُ: الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ وَلِلنَّاسِ بَيْنَهُمَا
فُرُوقٌ أَنَّ الْأَوَّلَ: لَمْ يُرَدْ شُمُولُهُ لِجَمِيعِ
الْأَفْرَادِ لَا مِنْ جِهَةِ تَنَاوُلِ اللَّفْظِ وَلَا مِنْ
جِهَةِ الْحُكْمِ بَلْ هُوَ ذُو أَفْرَادٍ اسْتُعْمِلَ فِي
فَرْدٍ مِنْهَا وَالثَّانِي: أُرِيدَ عُمُومُهُ وَشُمُولُهُ
لِجَمِيعِ الْأَفْرَادِ مِنْ جِهَةِ تَنَاوُلِ اللَّفْظِ لَهَا
لَا مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ وَمِنْهَا أَنَّ الْأَوَّلَ مَجَازٌ
قَطْعًا لِنَقْلِ اللَّفْظِ عَنْ مَوْضُوعِهِ الْأَصْلِيِّ
بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّ فِيهِ مَذَاهِبَ أَصَحُّهَا
أَنَّهُ حَقِيقَةٌ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ
وَكَثِيرٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ
(3/50)
وَجَمِيعُ الْحَنَابِلَةِ وَنَقَلَهُ
إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ:
الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: إِنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ
وَأَصْحَابِهِ وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ لِأَنَّ تَنَاوُلَ
اللَّفْظِ لِلْبَعْضِ الْبَاقِي بَعْدَ التَّخْصِيصِ
كَتَنَاوُلِهِ لَهُ بِلَا تَخْصِيصٍ وَذَلِكَ التَّنَاوُلُ
حَقِيقِيٌّ اتِّفَاقًا فَلْيَكُنْ هَذَا التَّنَاوُلُ
حَقِيقِيًّا أَيْضًا
وَمِنْهَا أَنَّ قَرِينَةَ الْأَوَّلِ عَقْلِيَّةٌ وَالثَّانِي
لَفْظِيَّةٌ
وَمِنْهَا أَنَّ قَرِينَةَ الْأَوَّلِ لَا تَنْفَكُّ عَنْهُ
وَقَرِينَةَ الثَّانِي قَدْ تَنْفَكُّ عَنْهُ
وَمِنْهَا أَنَّ الْأَوَّلَ يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ به واحدا
اتِّفَاقًا وَفِي الثَّانِي خِلَافٌ
وَمِنْ أَمْثِلَةِ الْمُرَادِ بِهِ الْخُصُوصُ قَوْلُهُ
تَعَالَى:: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ
قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} وَالْقَائِلُ وَاحِدٌ
نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيُّ أَوْ أَعْرَابِيٌّ
مِنْ خُزَاعَةَ كَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ
حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ لِقِيَامِهِ مَقَامَ كَثِيرٍ فِي
تَثْبِيطِ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ مُلَاقَاةِ أَبِي سُفْيَانَ
قَالَ الْفَارِسِيُّ: وَمِمَّا يُقَوِّي أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ
وَاحِدٌ قَوْلُهُ: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ} فوقعت
الإشارة بقوله"ذلكم"إِلَى وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ وَلَوْ كَانَ
الْمَعْنَى جَمْعًا لَقَالَ: "إِنَّمَا أُولَئِكُمُ
الشَّيْطَانُ" فَهَذِهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ فِي اللَّفْظِ
وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ}
أَيْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِجَمْعِهِ مَا فِي النَّاسِ مِنَ الْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ
وَمِنْهَا قَوْلُهُ: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ
النَّاسُ} أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ
النَّاسُ} قال إبراهيم:
وَمِنَ الْغَرِيبِ قِرَاءَةُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: " مِنْ
حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسِي " قَالَ فِي
(3/51)
الْمُحْتَسَبِ يَعْنِي آدَمَ لِقَوْلِهِ
"فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ له عزما " وَمِنْهَا قَوْلُهُ
تَعَالَى: {فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي
فِي الْمِحْرَابِ} أَيْ جِبْرِيلُ كَمَا فِي قِرَاءَةِ ابْنِ
مَسْعُودٍ
وَأَمَّا الْمَخْصُوصُ فَأَمْثِلَتُهُ فِي الْقُرْآنِ
كَثِيرَةٌ جِدًّا وَهُوَ أَكْثَرُ مِنَ الْمَنْسُوخِ إِذْ مَا
مِنْ عَامٍّ إِلَّا وَقَدْ خُصَّ
ثُمَّ الْمُخَصِّصُ لَهُ إِمَّا مُتَّصِلٌ وَإِمَّا مُنْفَصِلٌ
فَالْمُتَّصِلُ خَمْسَةٌ وَقَعَتْ فِي الْقُرْآنِ:
أَحَدُهَا الِاسْتِثْنَاءُ نَحْوَ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ
الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ
فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ
شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ إِلاِّ
الَّذِينَ تَابُوا} {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ
الْغَاوُونَ} إِلَى قَوْلِهِ: {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} الآية: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ
يَلْقَ أَثَاماً} إِلَى قَوْلِهِ: {إِلاَّ مَنْ تَابَ}
{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُكُمْ} {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} .
الثَّانِي: الْوَصْفُ نَحْوَ: {وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي
حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ}
الثَّالِثُ: الشَّرْطُ نَحْوَ: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ
الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ
عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً} {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ
أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ}
(3/52)
الرَّابِعُ: الْغَايَةُ نَحْوَ: {قَاتِلُوا
الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ
الآخِرِ} إِلَى قَوْلِهِ: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} {وَلا
تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} {وَلا تَحْلِقُوا
رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} {وَكُلُوا
وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ}
الآية
وَالْخَامِسُ: بَدَلُ الْبَعْضِ مِنَ الْكُلِّ نَحْوَ:
{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ
إِلَيْهِ سَبِيلاً}
وَالْمُنْفَصِلُ آيَةٌ أُخْرَى فِي مَحَلٍّ آخَرَ أَوْ حَدِيثٌ
أَوْ إِجْمَاعٌ أَوْ قِيَاسٌ
وَمِنْ أَمْثِلَةِ مَا خُصَّ بِالْقُرْآنِ قَوْلُهُ تَعَالَى:
{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ
قُرُوءٍ} خُصَّ بِقَوْلِهِ: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ
ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا
لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ} وَبِقَوْلِهِ: {وَأُولاتُ
الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}
وَقَوْلُهُ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ}
خُصَّ مِنَ الْمَيْتَةِ السَّمَكُ بِقَوْلِهِ: {أُحِلَّ لَكُمْ
صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ
وَلِلسَّيَّارَةِ} ، وَمِنَ الدَّمِ الْجَامِدِ بِقَوْلِهِ:
{أَوْ دَماً مَسْفُوحاً}
وَقَوْلُهُ: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا
تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً} الْآيَةَ خُصَّ بِقَوْلِهِ
تَعَالَى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}
(3/53)
وَقَوْلُهُ: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي
فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ}
خُصَّ بِقَوْلِهِ: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى
الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ}
وَقَوْلُهُ: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}
خُصَّ بِقَوْلِهِ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ}
الآية
وَمِنْ أَمْثِلَةِ مَا خُصَّ بِالْحَدِيثِ قَوْلُهُ تَعَالَى:
{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} خُصَّ مِنْهُ الْبُيُوعُ
الْفَاسِدَةُ وَهِيَ كَثِيرَةٌ بِالسُّنَّةِ: {وَحَرَّمَ
الرِّبا} خُصَّ مِنْهُ الْعَرَايَا بِالسُّنَّةِ
وَآيَاتُ الْمَوَارِيثِ خُصَّ مِنْهَا الْقَاتِلُ
وَالْمُخَالِفُ فِي الدِّينِ بِالسُّنَّةِ
وَآيَةُ تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ خُصَّ مِنْهَا الْجَرَادُ
بِالسُّنَّةِ وَآيَةُ: {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} خُصَّ مِنْهَا
الْأَمَةُ بِالسُّنَّةِ
وَقَوْلُهُ: {مَاءً طَهُوراً} خُصَّ مِنْهُ الْمُتَغَيِّرُ
بِالسُّنَّةِ
وَقَوْلُهُ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا} خُصَّ
مِنْهُ مَنْ سَرَقَ دُونَ رُبْعِ دِينَارٍ بِالسُّنَّةِ
وَمِنْ أَمْثِلَةِ مَا خُصَّ بِالْإِجْمَاعِ آيَةُ
الْمَوَارِيثِ خُصَّ مِنْهَا الرَّقِيقُ فَلَا يَرِثُ
بِالْإِجْمَاعِ ذَكَرَهُ مَكِّيٌّ
وَمِنْ أَمْثِلَةِ مَا خُصَّ بِالْقِيَاسِ آيَةُ الزِّنَا:
{فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ}
(3/54)
خُصَّ مِنْهَا الْعَبْدُ بِالْقِيَاسِ
عَلَى الْأَمَةِ الْمَنْصُوصَةِ فِي قَوْلِهِ: {فَعَلَيْهِنَّ
نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ}
الْمُخَصِّصِ لِعُمُومِ الْآيَةِ ذَكَرَهُ مَكِّيٌّ أَيْضًا.
فَصْلٌ
مِنْ خَاصِّ الْقُرْآنِ مَا كَانَ مُخَصِّصًا لِعُمُومِ
السُّنَّةِ وَهُوَ عَزِيزٌ وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ قَوْلُهُ
تَعَالَى:: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} خَصَّ عُمُومَ
قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أُمِرْتُ أَنْ
أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ "
وَقَوْلُهُ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ
الْوُسْطَى} خص عموم نهيه عَنِ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ
الْمَكْرُوهَةِ بِإِخْرَاجِ الْفَرَائِضِ
وَقَوْلُهُ: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا} الْآيَةَ
خَصَّ عُمُومَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"مَا أُبِينَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ مَيِّتٌ" وَقَوْلُهُ:
{وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ}
خَصَّ عُمُومَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ وَلَا لِذِي مِرَّةٍ
سَوِيٍّ" وقوله: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} خَصَّ عُمُومَ
قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا الْتَقَى
الْمُسْلِمَانِ بِالسَّيْفِ فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي
النَّارِ".
(3/55)
فُرُوعٌ
مَنْثُورَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ
الْأَوَّلُ: إِذَا سِيقَ الْعَامُّ لِلْمَدْحِ أَوِ الذَّمِّ
فَهَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى عُمُومِهِ فِيهِ مَذَاهِبُ أَحَدُهَا
نَعَمْ إِذْ لَا صَارِفَ عَنْهُ وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ
الْعُمُومِ وَبَيْنَ الْمَدْحِ أَوِ الذَّمِّ.
وَالثَّانِي: لَا لِأَنَّهُ لَمْ يُسَقْ لِلتَّعْمِيمِ بَلْ
لِلْمَدْحِ أَوْ لِلذَّمِّ.
وَالثَّالِثُ: وَهُوَ الْأَصَحُّ التَّفْصِيلُ فَيَعُمُّ إِنْ
لَمْ يُعَارِضْهُ عَامٌّ آخَرَ لَمْ يُسَقْ لِذَلِكَ وَلَا
يَعُمُّ إِنْ عَارَضَهُ ذَلِكَ جَمْعًا بَيْنَهُمَا مِثَالُهُ
وَلَا مُعَارِضَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي
نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ}
وَمَعَ الْمَعَارِضِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ هُمْ
لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا
مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} فَإِنَّهُ سِيقَ لِلْمَدْحِ
وَظَاهِرُهُ يَعُمُّ الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ
جَمْعًا وَعَارَضَهُ فِي ذَلِكَ: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ
الأُخْتَيْنِ} فَإِنَّهُ شَامِلٌ لِجَمْعِهِمَا بِمِلْكِ
الْيَمِينِ وَلَمْ يُسَقْ لِلْمَدْحِ فَحُمِلَ الْأَوَّلُ:
عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ بِأَنْ لَمْ يُرَدْ تَنَاوُلُهُ لَهُ
وَمِثَالُهُ فِي الذَّمِّ: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ
وَالْفِضَّةَ} الْآيَةَ فَإِنَّهُ سِيقَ لِلذَّمِّ وَظَاهِرُهُ
يَعُمُّ الْحُلِيَّ الْمُبَاحَ: وَعَارَضَهُ فِي ذَلِكَ
حَدِيثُ جَابِرٍ: " لَيْسَ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ " فَحُمِلَ
الْأَوَّلُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ
(3/56)
الثَّانِي: اخْتُلِفَ فِي الْخِطَابِ
الْخَاصِّ به نَحْوَ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} {يَا أَيُّهَا
الرَّسُولُ} هَلْ يَشْمَلُ الْأُمَّةَ فَقِيلَ نَعَمْ لِأَنَّ
أَمْرَ الْقُدْوَةِ أَمْرٌ لِأَتْبَاعِهِ مَعَهُ عُرْفًا
وَالْأَصَحُّ فِي الْأُصُولِ الْمَنْعُ لِاخْتِصَاصِ
الصِّيغَةِ بِهِ
الثَّالِثُ: اخْتُلِفَ فِي الْخِطَابِ ب " يأيها النَّاسُ"
هَلْ يَشْمَلُ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَلَى مَذَاهِبَ: أَصَحُّهَا وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ:
نَعَمْ لِعُمُومِ الصِّيغَةِ لَهُ، أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي
حَاتِمٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: إِذَا قَالَ: اللَّهُ: " يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا افْعَلُوا " فَالنَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ
وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ وَرَدَ عَلَى لِسَانِهِ لِتَبْلِيغِ
غَيْرِهِ وَلِمَا لَهُ مِنَ الْخَصَائِصِ.
وَالثَّالِثُ: إِنِ اقْتَرَنَ بِ"قُلْ"لَمْ يَشْمَلْهُ
لِظُهُورِهِ فِي التَّبْلِيغِ وَذَلِكَ قَرِينَةُ عَدَمِ
شُمُولِهِ وَإِلَّا فَيَشْمَلُهُ
الرَّابِعُ: الْأَصَحُّ فِي الْأُصُولِ أن الخطاب" يأيها
النَّاسُ" يَشْمَلُ الْكَافِرَ وَالْعَبْدَ لِعُمُومِ
اللَّفْظِ وَقِيلَ: لَا يَعُمُّ الْكَافِرَ بِنَاءً عَلَى
عَدَمِ تَكْلِيفِهِ بِالْفُرُوعِ وَلَا الْعَبْدَ لِصَرْفِ
مَنَافِعِهِ إِلَى سَيِّدِهِ شَرْعًا
الْخَامِسُ: اخْتُلِفَ فِي" مَنْ" هَلْ تَتَنَاوَلُ الْأُنْثَى
فَالْأَصَحُّ نَعَمْ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ لَنَا قَوْلُهُ
تَعَالَى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ
أَوْ أُنْثَى} فَالتَّفْسِيرُ بِهِمَا دَالٌّ عَلَى
تَنَاوُلِ"مِنْ" لَهُمَا وَقَوْلُهُ: {وَمَنْ يَقْنُتْ
مِنْكُنَّ لِلَّهِ}
(3/57)
وَاخْتُلِفَ فِي جَمْعِ الْمُذَكَّرِ
السَّالِمِ هَلْ يَتَنَاوَلُهَا فَالْأَصَحُّ لَا وَإِنَّمَا
يَدْخُلْنَ فِيهِ بِقَرِينَةٍ أَمَّا الْمُكَسَّرُ فَلَا
خِلَافَ فِي دُخُولِهِنَّ فِيهِ.
السَّادِسُ: اختلف في الخطاب" يَا أَهْلَ الْكِتَابِ" هَلْ
يَشْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ فَالْأَصَحُّ لَا لِأَنَّ اللَّفْظَ
قَاصِرٌ عَلَى مَنْ ذُكِرَ وَقِيلَ إن شركوهم فِي الْمَعْنَى
شَمِلَهُمْ وَإِلَّا فَلَا وَاخْتُلِفَ فِي الخطاب ب "يأيها
الَّذِينَ آمَنُوا " هَلْ يَشْمَلُ أَهْلَ الْكِتَابِ فَقِيلَ
لَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمْ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِالْفُرُوعِ
وَقِيلَ نَعَمْ وَاخْتَارَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ قَالَ:
وَقَوْلُهُ: "يأيها الَّذِينَ آمَنُوا " خِطَابُ تَشْرِيفٍ لَا
تَخْصِيصٍ.
(3/58)
|