البرهان في علوم القرآن
الكتاب :
البرهان في علوم القرآن
المؤلف : بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي (المتوفى :
794هـ)
المحقق : محمد أبو الفضل إبراهيم
الطبعة : الأولى ، 1376 هـ - 1957 م
الناشر : دار إحياء الكتب العربية عيسى البابى الحلبي وشركائه
(ثم صوَّرته دار المعرفة، بيروت، لبنان - وبنفس ترقيم الصفحات)
عدد الأجزاء : 4
[الكتاب مقابل وترقيمه موافق للمطبوع]
(1/1)
(جميع
الحقوق محفوظة)
(1/2)
مقدمة
1 - بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر
الزركشي
أحد العلماء الأثبات الذين نجموا بمصر في القرن الثامن، وجهبذ من
جهابذة أهل النظر وأرباب الاجتهاد، وهو أيضا علم من أعلام الفقه
والحديث والتفسير وأصول الدين.
ولد بالقاهرة سنة خمس وأربعين وسبعمائة حينما كانت معمورة بالمدارس،
غاصة بالفضلاء وحملة العلم، زاخرة بدور الكتب الخاصة والعامة، والمساجد
الحافلة بطلاب المعرفة، والوافدين من شتى الجهات، ولم يكد يجاوز سن
الحداثة حتى انتظم في حلقات الدروس، وتفقه بمذهب الشافعي، وحفظ كتاب
المنهاج في الفروع للإمام النووي، وصار يعرف بالمنهاجى نسبة إلى هذا
الكتاب.
وكان الشيخ جمال الدين الإسنوي رئيس الشافعية بالديار المصرية بدر
العلماء الزاهر، وكوكبهم المتألق، وإمام أهل الحديث بالمدرسة الكاملية
غير مدافع، فلزمه وتلمذ له،
(1/3)
ونهل من
علمه ما شاء الله له أن ينهل، فكان من أنجب تلاميذه وأوعاهم، وأفضلهم
وأذكاهم، كما تخرج على الشيخ سراج الدين البلقيني، والحافظ مغلطاي،
وغيرهم من شيوخ مصر وعلمائها.
ثم ترامت إليه شهرة الشيخ شهاب الدين الأذرعي بحلب، والحافظ بن كثير
بدمشق فشد إليهما الرحال، قصد إلى حلب أولا حيث أخذ عن الأذرعي الفقه
والأصول، ثم عمد إلى دمشق حيث تلقى على ابن كثير الحديث، ثم عاد إلى
القاهرة وقد جمع أشتات العلوم، وأحاط بالأصول والفروع، وعرف الغامض
والواضح، ووعى الغريب والنادر، واستقصى الشاذ والمقيس، إلى ذكاء وفطنة،
وثقافة والمعية، فأهله كل ذلك للفتيا والتدريس، والتوفر على الجمع
والتصنيف، واجتمع له من المؤلفات في عمره القصير ما لم يجتمع لغيره من
أفذاذ الرجال، وإن كان هذا الفضل لم يعرفه الناس إلا بعد وفاته، وحين
توارت شمس حياته.
وكان رضى الخلق، محمود الخصال، عذب الشمائل، متواضعا رقيقا، يلبس الخلق
من الثياب، ويرضى بالقليل من الزاد، لا يشغله عن العلم شيء من مطالب
الدنيا، أو شئون الحياة.
قال ابن حجر: (وكان مقطعا في منزله لا يتردد إلى احد الا إلى سوق
الكتب، وإذا حضر إليها لا يشترى شيئا، وإنما يطالع في حانوت الكتبي طول
نهاره ومعه ظهور أوراق يعلق فيها ما يعجبه، ثم يرجع فينقله إلى
تصانيفه) وحكى تلميذه شمس الدين البرماوي أنه كان منقطعا إلى الاشتغال
بالعلم لا يشتغل عنه بشيء، وله أقارب يكفونه أمر دنياه .
(1/4)
وكان يكتب
مصنفاته بنفسه، وخطه رديء جدا قل من يحسن استخراجه، كما أخبر بذلك ابن
العماد ، ولهذا شاع في الكتب المنقولة عن خطه الغموض والإبهام والتحريف
والتصحيف، ولقي منها القراء والدارسون العناء الكثير.
وتولى من المناصب خانقاه كريم الدين بالقرافة الصغرى.
وتوفى بمصر في رجب سنة أربع وتسعين وسبعمائة، ودفن بالقرافة بالقرب من
تربة بكتمر الساقي يرحمه الله.
2 - مؤلفاته
1 - الإجابة على إيراد ما استدركته عائشة على الصحابة طبع بالمطبعة
الهاشمية بدمشق سنة 1939، بتحقيق الأستاذ سعيد الأفغاني.
2 - إعلام الساجد بأحكام المساجد.
منه نسخة خطية بمكتبة الجامع المقدس بصنعاء، كتبت سنة 791، وعنها نسخة
مصورة على الميكروفلم بدار الكتب المصرية.
ومنه نسخة أيضا في مكتبة آصاف (2: 1148)، وأخرى في مكتبة رامبور (1:
166).
3 - البحر المحيط في أصول الفقه.
ومنه نسخة خطية بدار الكتب المصرية برقم 483 - أصول.
(1/5)
4 -
البرهان في علوم القران ويأتي الكلام عليه.
5 - تخريج أحاديث الشرح الكبير للرافعي ، المسمى بكتاب،، فتح العزيز
على كتاب الوجيز،، ذكره السيوطي في حسن المحاضرة وصاحب كشف الظنون،
وسماه الزركشي في
كتاب الإجابة ص 87: (الذهب الإبريز، في تخريج أحاديث فتح العزيز).
6 - تشنيف المسامع بجمع الجوامع طبع في مجموع شروح جمع الجوامع بمصر
سنة 1322 هـ، ومنه نسخة خطية بدار الكتب المصرية برقم 489 - أصول 7 -
تفسير القران ذكره السيوطي وقال: انه وصل فيه إلى سورة مريم، وكذا
أورده صاحب كشف الظنون 8 - تكملة شرح المنهاج للإمام النووي.
ذكره الأسدي في الطبقات، وابن العماد في الشذرات، وصاحب كشف الظنون
وذكر الأستاذ سعيد الأفغاني أن منه نسخة خطية بدار الكتب الظاهرية
بدمشق (الجزء الثالث) برقم 345 - فقه الشافعي وكان الإسنوي بدا في شرح
المنهاج، وسماه ((كافي المحتاج إلى شرح المنهاج))
(1/6)
ووصل فيه
إلى باب المساقاة ولم يتمه، فأكمله الزركشي
9 - التنقيح لألفاظ الجامع الصحيح طبع بالمطبعة المصرية بمصر سنة 1933
م.
ومنه نسخ خطية بدار الكتب المصرية بالأرقام: 122، 123، 124، 125، 126،
1550، 35 م، 3 ش - حديث.
10 - خادم الرافعي والروضة في الفروع ذكره ابن حجر في الدرر الكامنة، ج
والسيوطي في حسن المحاضرة، وابن العماد في الشذرات، وقال صاحب كشف
الظنون: (ذكر في بغية المستفيد انه أربعة عشر مجلدا، كل منها خمس
وعشرون كراسة، ثم إنى رأيت المجلد الأول منها افتتح بقوله: الحمد لله
الذي أمدنا بنعمائه...، وذكر انه شرح فيه مشكلات الروضة وفتح مغلقات
فتح العزيز، وهو على أسلوب التوسط للأذرعي، وأخذه جلال الدين
السيوطي، واختصره من الزكاة إلى آخر الحج ولم يتمه، وسماه تحصين
الخادم).
وقال ابن حجر: (جمع الخادم على طريق المهمات ، فاستمد من التوسط
(1/7)
للأذرعي،
لكن شحنه بالفوائد الزوائد، من المطلب وغيره).
ومنه نسخة خطية نفيسة بدار الكتب المصرية برق 21602 ب تقع في خمسة عشر
مجلدا.
11 - خبايا الزوايا في الفروع ذكره صاحب كشف الظنون وقال: (ذكر فيه ما
ذكره الرافعي والنووي في غير مظنته من الأبواب، فرد كل شكل إلى شكله،
وكل فرع إلى أصله، واستدرك عليه عز الدين حمزة بن احمد الحسيني الدمشقي
المتوفى سنة 874 وسماه بقايا الخبايا.
ولبدر الدين ابن السعادات محمد بن محمد البلقيني المتوفى سنة 890 حاشية
عليه).
ومنه نسخة خطية بالمكتبة التيمورية برقم 307 - فقه، ونسخة بمكتبة جوته
برقم 981، ونسخة بمكتبة البودليانا 1: 277.
12 - خلاصة الفنون الأربعة ومنه نسخة خطية بمكتبة برلين برقم 5320 13 -
الديباج في توضيح المنهاج ذكره السيوطي، وصاحب كشف الظنون، وهو غير
تكملة شرج المنهاج.
ونقل الأستاذ سعيد الأفغاني أن منه نسخة خطية في دار الكتب الظاهرية
بدمشق
(1/8)
في مجلد -
برقم 68 فقه الشافعي.
ومنه أيضا نسختان بدار الكتب المصرية برقمي 102، 1137 - فقه الشافعي.
- الذهب الإبريز في تخريج أحاديث العزيز = تخريج أحاديث الرافعي.
14 - ربيع الغزلان في الأدب ذكره الأسدي في الطبقات، وصاحب كشف الظنون.
15 - رسالة في كلمات التوحيد.
منها نسخة بمكتبة البلدية بالإسكندرية برقم 87 - فنون متنوعة 16 - زهر
العريش في أحكام الحشيش منه نسخة خطية في مكتبة بلدية الإسكندرية برقم
3812، ونسخة بدار الكتب المصرية برقم 150 مجاميع، ونسخة في مكتبة قوله
برقم 25 مجاميع، ونسخة في مكتبة برلين برقم 5486، ونسخة في مكتبة جوته
برقم 2096.
17 - سلاسل الذهب في الأصول منه نسخة خطية بدار الكتب المصرية برقم
22095 ب، كتبت في عصر المؤلف.
18 - شرح الأربعين النووية .
ذكره ابن حجر في الدرر الكامنة
(1/9)
19 - شرح
البخاري ذكره السيوطي وكذا ابن حجر وقال: (شرع في شرح البخاري وترك
مسودة وقفت على بعضها، ولخص منها كتاب التنقيح في مجلد) 20 - شرح
التنبيه للشيرازي ذكره السيوطي وصاحب كشف الظنون، ومنه نسخة خطية في
مكتبة برلين برقم 4466، وأخرى في باتانا 1: 91.
- شرح الجامع الصحيح = شرح البخاري - شرح جمع الجوامع = تشنيف المسامع
21 - شرح الوجيز في الفروع للغزالي
ذكر الأستاذ سعيد الأفغاني أن منه نسخة خطية في المكتبة الظاهرية بدمشق
برقم 2392.
22 - عقود الجمان وتذييل وفيات الأعيان لابن خلكان ذكر العلامة احمد
تيمور في مقال له عن نوادر المخطوطات بمجلة الهلال سنة 28 أن منه نسخة
في خزانة عارف حكمت بالمدينة.
23 - الغرر السوافر فيما يحتاج إليه المسافر.
منه نسخة خطية بمكتبة توبنجن بألمانيا، وعنها نسخة مصورة بالميكروفلم
(1/10)
في معهد
المخطوطات بجامعة الدول العربية.
وذكر صاحب كشف الظنون انه مختصر على ثلاثة أبواب: الباب الأول في مدلول
السفر، والثاني في ما يتعلق عند السفر، والثالث في الآداب المتعلقة
بالسفر.
- غنية المحتاج في شرح المنهاج = الديباج.
24 - فتاوى الزركشي ذكره صاحب كشف الظنون.
25 - في أحكام التمني منه نسخة خطية بمكتبة برلين برقم 5410 26 -
القواعد في الفروع ذكره صاحب كشف الظنون وقال: (رتبها على حروف المعجم،
وشرحها سراج الدين العبادي في مجلدين، واختصر الشيخ عبد الوهاب الأصل
كما ذكر في متنه).
وذكر الأستاذ الأفغاني انه من (مخطوطات دمشق واسمه: القواعد والزوائد).
ومنه نسختان خطيتان في دار الكتب المصرية برقمي 853، 1103 - فقه شافعي،
ونسخة بمكتبة الأزهر برقم 151 - أصول، ونسخة بالخزانة التيمورية برقم
230 - أصول
ونسخة بمكتبة برلين برقم 4605، ونسختان في احمد الثالث برقمي 1238،
1239 27 - اللآلئ المنثورة في الأحاديث المشهورة.
أورده بروكلمن في الذيل، وذكره صاحب كشف الظنون غفلا من اسم المؤلف.
(1/11)
28 - لقطة
العجلان وبلة الظمآن في أصول الفقه والحكمة والمنطق.
طبع بمصر سنة 1326 ه مع تعليقات للشيخ جمال الدين القاسمي، وطبع مرة
أخرى بدمشق.
ومنه نسخة خطية محفوظة بدار الكتب المصرية برقم 573 - أصول 29 - مالا
يسع المكلف جهله.
منه نسخة خطية محفوظة بمكتبة الاوسكريال برقم 707.
30 - مجموعة الزركشي - في فقه الشافعي منه نسخة خطية بدار الكتب
المصرية برقم 253 - فقه شافعي 31 - المعتبر في تخريج أحاديث المنهاج
والمختصر منه نسخة خطية في المكتبة التيمورية برقم 451 - حديث تيمور.
وذكر الأستاذ سعيد الأفغاني أن منه نسخة في دار الكتب الظاهرية بدمشق
برقم 1115 - حديث - المنثور = القواعد - النكت على البخاري = التنقيح.
32 - النكت على عمدة الأحكام.
ذكره ابن تغرى بردى في المنهل الصافي.
33 - النكت على ابن الصلاح ذكره السيوطي.
(1/12)
3 - كتاب البرهان
وكتاب البرهان في علوم القرآن من الكتب العتيدة التي جمعت عصارة أقوال
المتقدمين، وصفوة آراء العلماء المحققين، حول القرآن الكريم، وكتاب
الله الخالد، كسره على سبعة وأربعين نوعا، كل نوع يدور حول موضوع خاص
من علوم القرآن ومباحثه، يستأهل كل نوع أن يكون موضوعا خاص، حاول في كل
موضوع أن يؤرخ له، ويحصى الكتب التي الفت فيه، ويشير إلى العلماء
والمحدثين، إلى مباحث الفقهاء والأصوليين، إلى قضايا المتكلمين وأصحاب
الجدل، إلى مسائل العربية وآراء أرباب الفصاحة والبيان، فجاء كما شاء
الله كتابا فريدا في فنه، شريفا في أغراضه، مع سداد المنهج، وعذوبة
المورد، وغزارة المادة، بعيدا عن التعمية واللبس، ناوئا عن الحشو
والفضول.
ولكن هذا الكتاب لم يكن معروفا عند الباحثين، ولا متداولا بين الطلاب
والدارسين، عدا قلة من المشغوفين بمعرفة النوادر ورواد المكتبات، شأنه
شأن الكثير من كتب الزركشي على عظيم خطرها، وجلالة موضوعاتها، ومقدار
غنائها ونفعها، حتى جاء جلال الدين السيوطي ووضع كتابه الإتقان، فدل
الناس في مقدمته عليه، وأشاد به، وعده أصلا من الأصول التي بنى عليها
كتابه، وتأسي طريقته، وتقيل مذهبه، وسار في الدرب الذي رسمه، ونقل
كثيرا من فصوله، مرة معزوة إليه، ومرة بدون عزو، وإن كان فيما نقل عنه
اقتضب الكلام اقتضابا، واختصره اختصارا، وبهذا ظفر كتاب الإتقان بمنزلة
مرموقة عند العلماء، وغدا مرجعا للباحثين حقبة من
(1/13)
الزمان،
وظل كتاب البرهان متواريا عن العيان، مطمورا في زوايا النسيان.
وأعان على ذلك قلة نسخة المخطوطة، وتعذر الانتفاع بها.
4 - نسخ الكتاب
وحينما تهيأ لي العمل في هذا الكتاب وقفت على النسخ الآتية:
1 - نسخة مكتوبة بقلم نسخ واضح، قوبلت على أصلها، كما قوبلت على نسخة
بخط المصنف، طالعها بعض العلماء واثبتوا بعض التعليقات على حواشيها،
ومنهم العلامة محب الدين بن الشحنة المتوفى سنة 815 ه، مكتوبة بخط قديم
ربما كان في عصر المصنف، كتبها احمد بن احمد المقدسي.
والموجود من هذه النسخ الجزء الأول ينتهى بانتهاء الكلام في أقسام معنى
الكلام ويقع في مائة وستين ورقة، وعدد اسطر صفحاتها سبعة وعشرون سطرا.
وهى محفوظة بدار الكتب المصرية بمكتبة طلعت، برقم 456 - تفسير.
وقد رمزت إليها بالحرف ط.
2 - نسخة وقعت في مجلدين: الأول كتب بخط نسخ واضح مضبوط بالحركات،
ويبدو انه من خطوط القرن التاسع.
ويقع في ست ومائتي ورقة، وعدد اسطر كل صفحة خمسة وعشرون سطرا، وبه
بياضات متفرقة في بعض المواضع.
والثاني يكمل هذه النسخة بخطوط حديثة متعددة، آخره مؤرخ
(1/14)
في 11 ذي
القعدة سنة 1335 بدون ذكر للأصل المنسوخ عنه، وبه أيضا بياضات متفرقة
في بعض الأماكن ومواضع نقص.
ويقع في ست وثلثمائة ورقة، وعدد اسطر كل صفحة خمسة وعشرون سطرا وهى
محفوظة بالخزانة التيمورية برقم 256 - تفسير.
وقد رمزت إليها بالحرف ت.
3 - نسخة مصورة عن نسخة مكتوبة بقلم معتاد بدون تاريخ، منقولة عن نسخة
أخرى جاء في آخرها أنها كتبت (في رابع عشر شهر شعبان الفرد من شهور سنة
تسع وسبعين وثمانمائة).
ويبدو من خطها أنها مكتوبة في القرن العاشر وتقع في ثنتين وثلاثين
وثلاثمائة ورقة، وعدد اسطر الصفحة واحد وثلاثون سطرا، وبأولها فهرس
لفصول الكتاب وأبوابه وأقسامه.
واصل هذه النسخة محفوظ بمكتبة مدينة، الملحقة بمكتبة طوبقبوا سراي
باستانبول برقم 170.
وقد رمزت إلى هذه النسخة بالحرف م.
وقد اتخذت هذه النسخ أصلا للعمل في الكتاب، واثبت ما اخترت منها،
وأوضحت في الحاشية وجوه الاختلاف، كما أنى رجعت إلى ما تيسر لي الاطلاع
عليه من الكتب التي رجع إليها المؤلف، في التفسير والحديث والفقه
والنحو واللغة كالصرف والرسم والبلاغة والقراءات، فكان لها الفضل
الكبير في جلاء الغامض، وتصحيح
(1/15)
المحرف،
وتوضيح المشكل، وإكمال الناقص، كما أعانتني في الحواشي التي وشيت بها
الكتاب.
وما عدا العنوانات التي وضعها المؤلف جعلته بين علامتي الزيادة، وألحقت
بكل جزء فهارس موضوعاته، أما الفهارس المفصلة العامة فسترد في آخر
الكتاب إن شاء الله.
وقد بذلت في تحقيقه ما استطعت من الجهد،.
من الله أستمد الرضا وأستمنحه القبول.
مصر الجديدة في 21 رمضان سنة 1276
21 أبريل سنة 1957
محمد أبو الفضل إبراهيم
(1/16)
نموذج
لأول صفحة من نسخة تيمور (ت)
(1/17)
نموذج
لآخر صفحة من نسخة طلعت (ط)
(1/19)
البرهان
في علوم القران للإمام بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي
(1/1)
المجلد الأول
مقدمة المؤلف
...
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف
قال الشيخ الإمام العلامة وحيد الدهر وفريد العصر جامع شتات الفضائل
وناصر الحق بالبرهان من الدلائل أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد
الله الزركشي الشافعي بلغه الله منه ما يرجوه:
الحمد لله الذي نور بكتابه القلوب وأنزل في أوجز لفظه وأعجز أسلوبه
فأعيت بلاغته البلغاء وأعجزت حكمته الحكماء وأبكمت فصاحته الخطباء.
أحمده أن جعل فاتحة أسراره وخاتمة تصاريفه وأقداره وأشهد أن لا إله إلا
الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله المصطفى ونبيه المرتضى
الظافر من المحامد بالخصل الظاهر بفضله على ذوي الفضل معلم الحكمة
وهادي الأمة أرسله بالنور الساطع والضياء اللامع صلى الله عليه وعلى
آله الأبرار وصحبه الأخيار أما بعد:
فإن أول ما أعملت فيه القرائح وعلقت به الأفكار اللواقح فحص عن أسرار
التنزيل والكشف عن حقائق التأويل الذي تقوم به المعالم وتثبت الدعائم
فهو العصمة الواقية والنعمة الباقية والحجة البالغة والدلالة الدامغة
وهو شفاء الصدور والحكم العدل عند مشتبهات الأمور وهو الكلام الجزل
والفصل الذي ليس بحزن سراج لا يخبو ضياؤه وشهاب لا يخمد نوره وثناؤه
وبحر لا يدرك غوره
(1/3)
بهرت
بلاغته العقول وظهرت فصاحته على كل مقول وتظافر إيجازه وإعجازه وتظاهرت
حقيقته ومجازه وتقارن في الحسن مطالعه ومقاطعه وحوت كل البيان جوامعه
وبدائعه قد أحكم الحكيم صيغته ومعناه وقسم لفظه ومعناه إلى ما ينشط
السامع ويقرط المسامع من تجنيس أنيس وتطبيق لبيق وتشبيه نبيه وتقسيم
وسيم وتفصيل أصيل وتبليغ بليغ وتصدير بالحسن جدير وترديد ماله مزيد إلى
غير ذلك مما أجرى الصياغة البديعة، والصناعة الرفيعة، فالآذان بأقراطه
حالية، والأذهان من أسماطه غير خالية فهو من تناسب ألفاظه وتناسق
أغراضه قلادة ذات اتساق، ومن تبسم زهره وتنسم نشره، حديقة مبهجة للنفوس
والأسماع والأحداق، كل كلمة منه لها من نفسها طرب، ومن ذاتها عجب، ومن
طلعتها غرة، ومن بهجتها درة، لاحت عليه بهجة القدرة، ونزل ممن له
الأمر، فله على كل كلام سلطان وإمرة، بهر تمكن فواصله، وحسن ارتباط
أواخره وأوائله وبديع إشاراته وعجيب انتقالاته من قصص باهرة إلى مواعظ
زاجرة وأمثال سائرة وحكم زاهرة وأدلة على التوحيد ظاهرة وأمثال
بالتنزيه والتحميد سائرة ومواقع تعجب واعتبار ومواطن تنزيل واستغفار إن
كان سياق الكلام ترجية بسط وإن كان تخويفاً قبض وإن كان وعداً أبهج وإن
كان وعيداً أزعج وإن كان دعوة حدب وإن كان زجرة أرعب وإن كان موعظة
أقلق وإن كان ترغيباً شوق.
هذا وكم فيه من مزايا ... وفي زواياه من خبايا
ويطمع الحبر في التقاضي ... فيكشف الخبر عن قضايا
فسبحان من سلكه ينابيع في القلوب وصرفه بأبدع معنى وأغرب أسلوب،
(1/4)
لا يستقصي
معانيه فهم الخلق ولا يحيط بوصفه على الإطلاق ذو اللسان الطلق فالسعيد
من صرف همته إليه ووقف فكره وعزمه عليه والموفق من وفقه الله لتدبره
واصطفاه للتذكير به وتذكره فهو يرتع منه في رياض ويكرع منه في حياض
أندى على الأكباد من قطر الندى ... وألذ في الأجفان من سنة الكرى
يملأ القلوب بشراً ويبعث القرائح عبيراً ونشراً يحيي القلوب بأوراده
ولهذا سماه الله روحاً فقال: {يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى
مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ}] غافر: من الآية15[ فسماه روحاً لأنه
يؤدي إلى حياة الأبد ولولا الروح لمات الجسد فجعل هذا الروح سببا
للاقتدار وعلماً للاعتبار
يزيد على طول التأمل بهجة ... كأن العيون الناظرات صياقل
وإنما يفهم بعض معانيه ويطلع على أسراره ومبانيه من قوي نظره واتسع
مجاله في الفكر وتدبره وامتد باعه ووقت طباعه وامتد في فنون الأدب
وأحتط بلغة العرب.
قال الحرالي في جزء سماه مفتاح الباب المقفل لفهم الكتاب المنزل: لله
تعالى مواهب جعلها أصولا للمكاسب فمن وهبه عقلا يسر عليه السبيل ومن
ركب فيه خرقاً نقص ضبطه من التحصيل ومن أيده بتقوي الاستناد إليه في
جميع
(1/5)
أموره
علمه وفهمه قال: وأكمل العلماء من وهبه الله تعالى فهماً في كلامه
ووعياً عن كتابه وتبصرة في الفرقان وإحاطة بما شاء من علوم القرآن ففيه
تمام شهود ماكتب الله لمخلوقاته من ذكره الحكيم بما يزيل بكريم عنايته
من خطأ اللاعبين إذ فيه كل العلوم
وقال الشافعي رضي الله عنه: جميع ما تقوله الأمة شرح للسنة وجميع السنة
شرح للقرآن وجميع القرآن شرح أسماء الله الحسنى وصفاته العليا زاد
غيره: وجميع الأسماء الحسنى شرح لاسمه الأعظم وكما أنه أفضل من كل كلام
سواه فعلومه أفضل من كل علم عداه قال تعالى: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ
أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ
أَعْمَى} وقال تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ
الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً}.
قال مجاهد: الفهم والإصابة في القرآن. وقال. وقال مقاتل: يعني علم
القرآن. وقال سفيان بن عيينة في قوله تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ
الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}. قال:
أحرمهم فهم القرآن
وقال سفيان الثوري: لا يجتمع فهم القرآن والاشتغال بالحطام في قلب مؤمن
أبدا.
(1/6)
وقال عبد
العزيز بن يحيى الكناني: مثل علم القرآن مثل الأسد لا يمكن من غيله
سواه.
قال ذو النورين المصري: أبى الله عز وجل إلا أن يحرم قلوب البطالين
مكنون حكمة القرآن.
وقال عز وجل: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} . وقال:
{أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ}.
وقال عبد الله بن مسعود في قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ
الْمُسْتَقِيمَ} . قال: القرآن، يقول: أرشدنا إلى علمه.
وقال الحسن البصري: علم القرآن ذكر لا يعلمه إلا الذكور من الرجال.
وقال الله جل ذكره {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى
اللَّهِ وَالرَّسُولِ}.
وقال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى
اللَّهِ} يقول: إلى كتاب الله.
(1/7)
وكل علم
من العلوم منتزع من القرآن وإلا فليس له برهان.
قال ابن مسعود: من أراد العلم فليثور القرآن فإن فيه علم الأولين
والآخرين رواه البيهقي في المدخل وقال: أراد به أصول العلم.
وقد كانت الصحابة رضي الله عنهم علماء كل منهم مخصوص بنوع من العلم
كعلي رضي الله عنه بالقضاء وزيد بالفرائض ومعاذ بالحلال والحرام وأبي
بالقراءة فلم يسم أحد منهم بحراً إلا عبد الله بن عباس لاختصاصه دونهم
بالتفسير وعلم التأويل وقال فيه علي بن أبي طالب: كأنما ينظر إلى الغيب
من ستر رقيق. وقال فيه عبد الله بن مسعود: نعم ترجمان القرآن عبد الله
بن عباس وقد مات ابن مسعود في سنة ثنتين وثلاثين وعمر بعده ابن عباس
ستاً وثلاثين سنة فما ظنك بما كسبه من العلوم بعد ابن مسعود نعم كان
لعلي فيه اليد السابقة قبل ابن عباس وهو القائل: لو أردت أن أملي وقر
بعير على الفاتحة لفعلت.
وقال ابن عطية: فأما صدر المفسرين والمؤيد فيهم فعلي بن أبي طالب
ويتلوه ابن عباس رضي الله عنهما وهو تجرد للأمر وكمله وتتبعه العلماء
عليه كمجاهد وسعيد بن جبير وغيرهما وكان جلة من السلف كسعيد بن المسيب
والشعبي وغيرهما يعظمون تفسير القرآن ويتوقفون عنه تورعاً واحتياطاً
لأنفسهم مع إدراكهم وتقدمهم.
(1/8)
ثم جاء
بعدهم طبقة فطبقة فجدوا واجتهدوا وكل ينفق مما رزق الله ولهذا كان سهل
بن عبد الله يقول: لو أعطي العبد بكل حرف من القرآن ألف فهم لم يبلغ
نهاية ما أودعه الله في آية من كتابه لأنه كلام الله وكلامه صفته وكما
أنه ليس لله نهاية فكذلك لا نهاية لفهم كلامه وإنما يفهم كل بمقدار ما
يفتح الله عليه وكلام الله غير مخلوق ولا تبلغ إلى نهاية فهمه فهوم
محدثة مخلوقة.
ولما كانت علوم القرآن لا تنحصر ومعانيه لا تستقصى وجبت العناية بالقدر
الممكن ومما فات المتقدمين وضع كتاب يشتمل على أنواع علومه وكما وضع
الناس ذلك بالنسبة إلى علم الحديث فاستخرت الله تعالى ـ وله الحمد ـ في
وضع كتاب في ذلك جامع لما تكلم الناس في فنونه وخاضوا في نكته وعيونه
وضمنته من المعاني الأنيقة والحكم الرشيقة ما يهز القلوب طرباً ويبهر
العقول عجباً ليكون مفتاحاً لأبوابه وعنواناً على كتابه معيناً للمفسر
على حقائقه ومطلعاً على بعض أسراره ودقائقه والله المخلص والمعين وعليه
أتوكل وبه أستعين وسميته البرهان في علوم القرآن.
هذه فهرست أنواعه:
الأول: معرفة سبب النزول
الثاني: معرفة المناسبات بين الآيات
الثالث: معرفة الفواصل
الرابع: معرفة الوجوه والنظائر
الخامس: علم المتشابه
(1/9)
السادس:
علم المبهمات
السابع: في أسرار الفواتح
الثامن: في خواتم السور
التاسع: في معرفة المكي والمدني
العاشر: معرفة أول ما نزل
الحادي عشر: معرفة على كم لغة نزل
الثاني عشر: في كيفية إنزاله
الثالث عشر: في بيان جمعه ومن حفظه من الصحابة
الرابع عشر: معرفة تقسيمه
الخامس عشر: معرفة أسمائه
السادس عشر: معرفة ما وقع فيه من غير لغة الحجاز
السابع عشر: معرفة ما فيه من لغة العرب
الثامن عشر: معرفة غريبه
التاسع عشر: معرفة التصريف
العشرون: معرفة الأحكام
الحادي والعشرون: معرفة كون اللفظ أو التركيب أحسن وأفصح
الثاني والعشرون: معرفة اختلاف الألفاظ بزيادة أو نقصان
الثالث والعشرون: معرفة توجيه القراءات
الرابع والعشرون: معرفة الوقف والابتداء
الخامس والعشرون: علم مرسوم الخط
السادس والعشرون: معرفة فضائله
(1/10)
السابع
والعشرون: معرفة خواصه
الثامن والعشرون: هل في القرآن شيء أفضل من شيء
التاسع والعشرون: في آداب تلاوته
الثلاثون: في أنه هل يجوز في التصانيف والرسائل والخطب استعمال بعض
آيات القرآن
الحادي والثلاثون: معرفة الأمثال الكائنة فيه
الثاني والثلاثون: معرفة أحكامه
الثالث والثلاثون: في معرفة جدله
الرابع والثلاثون: معرفة ناسخه ومنسوخه
الخامس والثلاثون: معرفة توهم المختلف
السادس والثلاثون: في معرفة المحكم من المتشابه
السابع والثلاثون: في حكم الآيات المتشابهات الواردة في الصفات
الثامن والثلاثون: معرفة إعجازه
التاسع والثلاثون: معرفة وجوب تواتره
الأربعون: في بيان معاضدة السنة للكتاب
الحادي والأربعون: معرفة تفسيره
الثاني والأربعون: معرفة وجوب المخاطبات
الثالث والأربعون: بيان حقيقته ومجازه
الرابع والأربعون: في الكناية والتعريض
الخامس والأربعون: في أقسام معنى الكلام
(1/11)
السادس
والأربعون: في ذكر ما يتيسر من أساليب القرآن
السابع والأربعون: في معرفة الأدوات
واعلم أنه ما من نوع من هذه الأنواع إلا ولو أراد الإنسان استقصاءه
لاستفرغ عمره ثم لم يحكم أمره ولكن اقتصرنا من كل نوع على أصوله والرمز
إلى بعض فصوله فإن الصناعة طويلة والعمر قصير ماذا عسى أن يبلغ لسان
لتقصير
قالوا خذ العين من كل فقلت لهم في العين فضل ولكن ناظر العين
(1/12)
فصل: في
علم التفسير
التفسير علم يعرف به فهم كتاب الله المنزل على نبيه محمد صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبيان معانيه واستخراج أحكامه وحكمه
واستمداد ذلك من علم اللغة والنحو والتصريف وعلم البيان وأصول الفقه
والقراءات ويحتاج لمعرفة أسباب النزول والناسخ والمنسوخ
وقد أكثر الناس فيه من الموضوعات ما بين مختصر ومبسوط وكلهم يقتصر على
الفن الذي يغلب عليه فالزجاج والواحدي في البسيط يغلب عليهما الغريب
والثعلبي يغلب عليه القصص والزمخشري علم البيان والإمام فخر الدين علم
الكلام وما في معناه من العلوم العقلية
(1/13)
واعلم أن
من المعلوم أن الله تعالى إنما خاطب خلقه بما يفهمونه ولذلك أرسل كل
رسول بلسان قومه وأنزل كتابه على لغتهم وإنما احتيج إلى التفسير لما
سنذكر بعد تقرير قاعدة وهى أن كل من وضع من البشر كتابا فإنما وضعه
ليفهم بذاته من غير شرح وإنما احتيج إلى الشروح لأمور ثلاثة:
أحدها: كمال فضيلة المصنف فإنه لقوته العلمية يجمع المعاني الدقيقة في
اللفظ الوجيز فربما عسر فهم مراده فقصد بالشرح ظهور تلك المعاني الخفية
ومن هنا كان شرح بعض الأئمة تصنيفه أدل على المراد من شرح غيره له.
وثانيها: قد يكون حذف بعض مقدمات الأقيسة أو أغفل فيها شروطا اعتمادا
على وضوحها أو لأنها من علم آخر فيحتاج الشارح لبيان المحذوف ومراتبه
وثالثها: احتمال اللفظ لمعان ثلاثة كما في المجاز والاشتراك ودلالة
الالتزام فيحتاج الشارح إلى بيان غرض المصنف وترجيحه وقد يقع في
التصانيف ما لا يخلو منه بشر من السهو والغلط وتكرار الشيء وحذف المهم
وغير ذلك فيحتاج الشارح للتنبيه على ذلك
وإذا علم هذا فنقول إن القرآن إنما أنزل بلسان عربي مبين في زمن أفصح
العرب وكانوا يعلمون ظواهره وأحكامه أما دقائق باطنه فإنما كان يظهر
لهم بعد البحث والنظر من سؤالهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ في الأكثر كسؤالهم لما نزل {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ
بِظُلْمٍ} فقالوا: أينا لم يظلم نفسه ففسره النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالشرك واستدل
(1/14)
عليه
بقوله تعالى {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} وكسؤال عائشة رضي الله
عنها عن الحساب اليسير فقال: "ذلك العرض ومن نوقش الحساب عذب" وكقصة
عدي ابن حاتم في الخيط الذي وضعه تحت رأسه وغير ذلك مما سألوا عن آحاد
منه
ولم ينقل إلينا عنهم تفسير القرآن وتأويله بجملته فنحن نحتاج إلى ما
كانوا يحتاجون إليه وزيادة على ما لم يكونوا محتاجين إليه من أحكام
الظواهر لقصورنا عن مدارك أحكام اللغة بغير تعلم فنحن أشد الناس
احتياجا إلى التفسير.
ومعلوم أن تفسيره يكون بعضه من قبيل بسط الألفاظ الوجيزة وكشف معانيها
وبعضه من قبيل ترجيح بعض الاحتمالات على بعض لبلاغته ولطف معانيه ولهذا
لا يستغني عن قانون عام يعول في تفسيره عليه ويرجع في تفسيره إليه من
معرفة مفردات ألفاظه ومركباتها وسياقه وظاهره وباطنه وغير ذلك مما لا
يدخل تحت الوهم ويدق عنه الفهم
بين أقداحهم حديث قصير هو سحر وما سواه كلام
وفى هذا تتفاوت الأذهان وتتسابق في النظر إليه مسابقة الرهان فمن سابق
بفهمه وراشق كبد الرمية بسهمه وآخر رمى فأشوى وخبط في النظر خبط عشوا
كما قيل وأين الدقيق من الركيك وأين الزلال من الزعاق
(1/15)
وقال
القاضي شمس الدين الخويي رحمه الله علم التفسير عسير يسير أما عسره
فظاهر من وجوه أظهرها أنه كلام متكلم لم يصل الناس إلى مراده بالسماع
منه ولا إمكان للوصول إليه بخلاف الأمثال والأشعار فإن الإنسان يمكن
علمه بمراد المتكلم بأن يسمع منه أو يسمع ممن سمع منه أما القرآن
فتفسيره على وجه القطع لا يعلم إلا بأن يسمع من الرسول عليه السلام
وذلك متعذر إلا في آيات قلائل فالعلم بالمراد يستنبط بأمارات ودلائل
والحكمة فيه أن الله تعالى أراد أن يتفكر عباده في كتابه فلم يأمر نبيه
بالتنصيص على المراد وإنما هو عليه السلام صوب رأي جماعة من المفسرين
فصار ذلك دليلا قاطعا على جواز التفسير من غير سماع من الله ورسوله
قال واعلم أن بعض الناس يفتخر ويقول كتبت هذا وما طالعت شيئا من الكتب
ويظن أنه فخر ولا يعلم أن ذلك غاية النقص فإنه لا يعلم مزية ما قاله
على ما قيل ولا مزية ما قيل على ما قاله فبماذا يفتخر ومع هذا ما كتبت
شيئا إلا خائفا من الله مستعينا به معتمدا عليه فما كان حسنا فمن الله
وفضله بوسيلة مطالعة كلام عباد الله الصالحين وما كان ضعيفا فمن النفس
الأمارة بالسوء
فصل: في علوم القرآن
ذكر القاضي أبو بكر بن العربي في كتاب قانون التأويل إن علوم القرآن
(1/16)
خمسون
علما وأربعمائة وسبعة آلاف علم وسبعون ألف علم على عدد كلم القرآن
مضروبة في أربعة قال بعض السلف إذ لكل كلمة ظاهر وباطن وحد ومقطع وهذا
مطلق دون اعتبار تراكيبه وما بينها من روابط وهذا ما لا يحصى ولا يعلمه
إلا الله عز وجل
قال وأم علوم القرآن ثلاثة أقسام توحيد وتذكير وأحكام فالتوحيد تدخل
فيه معرفة المخلوقات ومعرفة الخالق بأسمائه وصفاته وأفعاله والتذكير
ومنه الوعد والوعيد والجنة والنار وتصفية الظاهر والباطن والأحكام
ومنها التكاليف كلها وتبيين المنافع والمضار والأمر والنهي والندب
فالأول {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} فيه التوحيد كله في الذات
والصفات والأفعال
والثاني {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}
والثالث {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ} ولذلك قيل في معنى قوله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تعدل ثلث
القرآن". يعني في الأجر وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
وقيل ثلثه في المعنى لأن القرآن ثلاثة أقسام كما ذكرنا وهذه السورة
اشتملت على التوحيد
ولهذا المعنى صارت فاتحة الكتاب أم الكتاب لأن فيها الأقسام
الثلاثةفأما التوحيد فمن أولها إلى قوله {يَوْمِ الدِّينِ} وأما
الأحكام فـ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} وأما التذكير
فمن قوله {اهْدِنَا} إلى آخرها فصارت بهذا أما لأنه يتفرع عنها كل نبت
(1/17)
وقيل صارت
أما لأنها مقدمة على القرآن بالقبلية والأم قبل البنت وقيل سميت فاتحة
لأنها تفتح أبواب الجنة على وجوه مذكورة في مواضعها وقال أبو الحكم بن
برجان في كتاب الإرشاد وجملة القرآن تشتمل على ثلاثة علوم علم أسماء
الله تعالى وصفاته ثم علم النبوة وبراهينها ثم علم التكليف والمحنة قال
وهو أعسر لإغرابه وقلة انصراف الهمم إلى تطلبه من مكانه
وقال غيره القرآن يشتمل على أربعة أنواع من العلوم أمر ونهي وخبر
واستخبار وقيل ستة وزاد الوعد والوعيد
وقال محمد بن جرير الطبري يشتمل على ثلاثة أشياء التوحيد والأخبار
والديانات ولهذا قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "{قُلْ هُوَ
اللَّهُ أَحَدٌ} تعدل ثلث القرآن : .
وهذه السورة تشمل التوحيد كله.
وقال علي بن عيسى القرآن يشتمل على ثلاثين شيئا الإعلام والتنبيه
والأمر والنهي والوعد والوعيد ووصف الجنة والنار وتعليم الإقرار باسم
الله وصفاته وأفعاله وتعليم الاعتراف بإنعامه والاحتجاج على المخالفين
والرد على الملحدين والبيان عن الرغبة والرهبة الخير والشر والحسن
والقبيح ونعت الحكمة وفضل المعرفة
(1/18)
ومدح
الأبرار وذم الفجار والتسليم والتحسين والتوكيد والتفريع والبيان عن ذم
الإخلاف وشرف الأداء
قال القاضي أبو المعالي عزيزي وعلى التحقيق أن تلك الثلاثة التي قالها
محمد بن جرير تشمل هذه كلها بل أضعافها فإن القرآن لا يستدرك ولا تحصى
غرائبه وعجائبه قال تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا
يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ} وقال غيره علوم ألفاظ القرآن أربعة
الإعراب وهو في الخبر والنظم وهو القصد نحو {اللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ}
معنى باطن نظم بمعنى ظاهر وقوله {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ
يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدأُ الْخَلْقَ}
كأنه قيل قالوا ومن يبدأ الخلق ثم يعيده فأمر النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقول: "{اللَّهُ يَبْدأُ الْخَلْقَ} لفظ ظاهر
نظم بمعنى باطن
والتصريف في الكلمة كأقسط عدل وقسط جار وبعد ضد قرب وبعد هلك
والاعتبار وهو معيار الأنحاء الثلاثة وبه يكون الاستنباط والاستدلال
وهو كثير منه ما يعرف بفحوى الكلام ومعنى اعتبرت الشيء طلبت بيانه عبرت
الرؤيا بينتها قال الله تعالى {فَاعْتَبِرُوا} بعد {هُوَ الَّذِي
أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ
(1/19)
الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ} دل على أن انتقامه بالخروج من الدار من
أعظم الوجوهو {لأَوَّلِ الْحَشْرِ} دل على أن لها توابع لأن أول لا
يكون إلا مع آخر وكان هذا في بني النضير ثم أهل نجران {مَا ظَنَنْتُمْ
أَنْ يَخْرُجُوا} إلا بنبأ وأنهم يستقلون عدد من كان مع النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ
الْجَلاءَ} فيه دليل على أن الإخراج مثل العذاب في الشدة إذ جعل بدله
وقد يتعدد الاعتبار نحو أتاني غير زيد أي أتياه أو أتاه غير زيد لا هو
لو شئت أنت لم أفعل أمرتني أو نهيتني قال الله تعالى {لَوْ شَاءَ
اللَّهُ مَا عَبَدْنَا} رد عليهم بأن الله لا يأمر بالفحشاء بدليل قوله
{وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا} {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}
فالاعتبار إباحة
ومن الاعتبار ما يظهر بآي أخر كقوله: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ
فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً} فهذه تعتبر بآخر الواقعة
من أن الناس على ثلاثة منازل أي أحل كل فريق في منزلة له والله بصير
بمنازلهم
(1/20)
ومنه ما
يظهر بالخبر كقوله تعالى {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ
فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ} بمعنى الحديث: "إن اليهود قالوا لو جاء به
ميكائيل لاتبعناك لأنه يأتي بالخير وجبريل لم يأت بالخير قط" وأي خير
أجل من القرآن !
ومن ضروب النظم قوله تعالى {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ}
إن حمل على أن يعتبر أن العزة له لم ينتظم به ما بعده وإن حمل على معنى
أن يعلم لمن العزة انتظم
(1/21)
|