البرهان في علوم القرآن
النوع
الرابع عشر: معرفة تقسيمه بحسب سوره وترتيب السور والآيات وعددها
[تقسيم القرآن بحسب سوره]
قال العلماء رضي الله عنهم القرآن العزيز أربعة أقسام الطول والمئون
والمثاني والمفصل وقد جاء ذلك في حديث مرفوع أخرجه أبو عبيد من جهة
سعيد بن بشير عن قتادة عن أبي المليح عن واثلة بن الأسقع عن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "أعطيت السبع الطول مكان
التوراة وأعطيت المئين مكان الإنجيل وأعطيت المثاني مكان الزبور وفضلت
بالمفصل"
وهو حديث غريب وسعيد بن بشير فيه لين وأخرجه أبو داود الطيالسي في
مسنده عن عمران عن قتادة به.
فالسبع الطول أولها البقرة وآخرها براءة لأنهم كانوا يعدون الأنفال
وبراءة سورة واحدة ولذلك لم يفصلوا بينهما لأنهما نزلتا جميعا في مغازي
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسميت طولا لطولها وحكي
عن سعيد بن جبير أنه عد السبع الطول البقرة وآل عمران والنساء والمائدة
والأنعام والأعراف ويونس
والطول بضم الطاء جمع طولى كالكبر جمع كبرى قال أبو حيان التوحيدي وكسر
الطاء مرذول
والمئون: ما ولي السبع الطول سميت بذلك لأن كل سورة منها تزيد على مائة
آية أو تقاربها
(1/244)
والمثاني:
ما ولي المئين وقد تسمى سور القرآن كلها مثاني ومنه قوله تعالى
{كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ}
: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي}
وإنما سمي القرآن كله مثاني لأن الأنباء والقصص تثنى فيه ويقال إن
المثاني
في قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي} هي
آيات سورة الحمد سماها مثاني لأنها تثنى في كل ركعة
والمفصل: ما يلي المثاني من قصار السور سمي مفصلا لكثرة الفصول التي
بين السور ببسم الله الرحمن الرحيم وقيل لقلة المنسوخ فيه وآخره: {قُلْ
أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}
وفي أوله اثنا عشر قولا
أحدها: الجاثية
ثانيها: القتال وعزاه الماوردي للأكثرين
ثالثها: الحجرات
رابعها: ق قيل: وهي أوله في مصحف عثمان رضي الله عنه وفيه حديث ذكره
الخطابي في غريبه يرويه عيسى بن يونس قال حدثنا عبد الرحمن يعلى
الطائفي قال حدثني عمر بن عبد الله بن أوس بن حذيفة عن جده أنه وفد على
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في وفد ثقيف فسمع من
أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يحزب القرآن
قال وحزب المفصل من ق وقيل إن أحمد رواه في المسند وقال الماوردي في
تفسيره حكاه عيسى بن عمر عن كثير من الصحابة للحديث المذكور
الخامس: الصافات
السادس: الصف
(1/245)
السابع:
تبارك حكى هذه الثلاثة ابن أبي الصيف اليمني في نكت التنبيه
الثامن: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ} حكاه الدذماري في شرح التنبيه المسمى
رفع التمويه
التاسع: {الرَّحْمَنُ} حكاه ابن السيد في أماليه على الموطأ وقال إنه
كذلك في مصحف ابن مسعود قلت رواه أحمد في مسنده كذلك
العاشر: {هَلْ أَتَى عَلَى الأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ}
الحادي عشر: {سَبِّحِ} حكاه ابن الفركاح في تعليقه عن المرزوقي
الثاني عشر: {وَالضُّحَى} وعزاه الماوردي، لابن عباس حكاه الخطابي في
غريبه ووجهه بأن القارئ يفصل بين هذه السور بالتكبير قال وهو مذهب ابن
عباس وقراء مكة
والصحيح عند أهل الأثر أن أوله ق قال أبو داود في سننه في باب تحزيب
القرآن حدثنا مسدد حدثنا جرار بن تمام ح وحدثنا عبد الله بن سعيد أبو
سعيد الأشج حدثنا أبو خالد سليمان بن حيان وهذا لفظه عن عبد الله بن
عبد الرحمن يعلى عن عثمان بن عبد الله بن أوس عن جده أوس قال عبد الله
بن سعيد في حديث أوس بن حذيفة قال قدمنا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في وفد ثقيف قال فنزلت الأحلاف على المغيرة بن شعبة
وأنزل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بني مالك في قبة له
قال مسدد وكان في الوفد الذين قدموا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(1/246)
من ثقيف
قال كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كل ليلة بعد
العشاء يحدثنا قال أبو سعيد قائما على راحلته ثم يقول لا سواء كنا
مستضعفين مستذلين قال مسدد بمكة فلما خرجنا إلى المدينة كانت سجال
الحرب بيننا وبينهم ندال عليهم ويدالون علينا فلما كانت ليلة أبطأ عن
الوقت الذي كان يأتينا فيه فقلت لقد أبطأت علينا الليلة قال إنه طرأ
على حزبي من القرآن فكرهت أن أجي حتى أتمه
قال أوس فسألت أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كيف
تحزبون القرآن فقالوا ثلاث وخمس وسبع وتسع وإحدى عشرة وثلاث عشرة وحزب
المفصل وحده رواه ابن ماجه عن أبي بكر بن شيبة عن أبى خالد الأحمر به
ورواه أحمد في مسنده عن عبد الرحمن بن مهدي وأبو يعلى الطائفي به
وحينئذ فإذا عددت ثمانيا وأربعين سورة كانت التي بعدهن سورة ق بيانه
ثلاث البقرة وآل عمران والنساء وخمس المائدة والأنعام والأعراف
والأنفال وبراءة وسبع يونس وهود ويوسف والرعد وإبراهيم والحجر والنحل
وتسع سبحان والكهف ومريم وطه والأنبياء والحج والمؤمنون والنور
والفرقان وإحدى عشرة الشعراء والنمل والقصص والعنكبوت والروم ولقمان
والم السجدة والأحزاب وسبأ وفاطر ويس وثلاث عشرة الصافات وص والزمر
وغافر وحم السجدة وحم عسق والزخرف والدخان والجاثية والأحقاف والقتال
(1/247)
والفتح
والحجرات ثم بعد ذلك حزب المفصل وأوله سورة ق وأما آل حاميم فإنه يقال
إن حم اسم من أسماء الله تعالى أضيفت هذه السورة إليه كما قيل سور الله
لفضلها وشرفها وكما قيل بيت الله قال الكميت
وجدنا لكم في آل حم آية
تأولها منا تقي ومعرب
وقد يجعل اسما للسورة ويدخل الإعراب عليها ويصرف ومن قال هذا قال في
الجمع الحواميم كما يقال طس والطواسين وكره بعض السلف منهم محمد بن
سيرين أن يقال الحواميم وإما يقال آل حم
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه آل حم ديباج القرآن
وقال ابن عباس رضي الله عنهما إن لكل شيء لبابا ولباب القرآن حم أو قال
الحواميم
وقال مسعر بن كدام كان يقال لهن العرائس ذكر ذلك كله أبو عبيد في فضائل
القرآن
وقال حميد بن زنجويه ثنا عبد الله إسرائيل عن أبى إسحاق عن أبي الأحوص
عن أبي عبد الله قال إن مثل القرآن كمثل رجل انطلق يرتاد منزلا فمر
بأثر غيث فبينما هو يسير فيه ويتعجب منه إذ هبط على روضات دمثات فقال
عجبت من الغيث الأول فهذا أعجب وأعجب فقيل له إن مثل الغيث الأول مثل
عظم القرآن وإن مثل هؤلاء الروضات مثل حم في القرآن أورده البغوي
(1/248)
فصل: في
عدد سور القرآن وآياته وكلماته وحروفه
قال الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين بن مهران المقرئ عدد سور القرآن
مائة وأربع عشرة سورة وقال بعث الحجاج بن يوسف إلى قراء البصرة فجمعهم
واختار منهم الحسن البصري وأبا العالية ونصر بن عاصم وعاصماً الجحدري
ومالك بن دينار رحمة الله عليهم وقال عدوا حروف القرآن فبقوا أربعة
أشهر يعدون بالشعير فأجمعوا على أن كلماته سبع وسبعون ألف كلمة
وأربعمائة وتسع وثلاثون كلمة وأجمعوا على أن عدد حروفه ثلاثمائة ألف
وثلاثة وعشرون ألفا وخمسة عشر حرفا انتهي
وقال غيره أجمعوا على أن عدد آيات القرآن ستة آلاف آية ثم اختلفوا فيما
زاد على ذلك على أقوال فمنهم من لم يزد على ذلك ومنهم من قال ومائتا
آية وأربع آيات وقيل وأربع عشرة آية وقيل مائتان وتسع عشرة آية وقيل
مائتان وخمس وعشرون آية أو ست وعشرون آية وقيل مائتان وست وثلاثون حكى
ذلك أبو عمرو الداني في كتاب البيان
وأما كلماته فقال الفضيل بن شاذان عن عطاء بن يسار سبع وسبعون ألف كلمة
وأربعمائة وسبع وثلاثون كلمة
وأما حروفه فقال عبد الله بن جبير عن مجاهد ثلاثمائة ألف حرف وأحد
وعشرون ألف حرف وقال سلام أبو محمد الحماني إن الحجاج جمع القراء
والحفاظ والكتاب فقال أخبروني عن القرآن كله كم من حرف هو قال فحسبناه
فأجمعوا على أنه ثلاثمائة ألف وأربعون ألف وسبعمائة وأربعون حرفا قال
فأخبروني عن نصفه فإذا هو إلى الفاء من قوله
(1/249)
في الكهف
{وَلْيَتَلَطَّفْ} وثلثه الأول عند رأس مائة من براءة والثاني على رأس
مائة أو إحدى ومائة من الشعراء والثالث إلى آخره وسبعه الأول إلى الدال
في قوله: {فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ}
والسبع الثاني إلى التاء من قوله في الأعراف: {حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ}
والثالث إلى الألف الثانية من قوله في الرعد: {أُكُلَهَا} والرابع إلى
الألف في الحج من قوله: {جَعَلْنَا مَنْسَكاً} والخامس: إلى الهاء من
قوله في الأحزاب: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ} والسادس
إلى الواو من قوله في الفتح: {الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ}
والسابع: إلى آخر القرآن
قال سلام علمنا ذلك في أربعة أشهر
قالوا وكان الحجاج يقرأ في كل ليلة ربع القرآن فالأول إلى آخر الأنعام
والثاني إلى وليتلطف من سورة الكهف والثالث إلى آخر المؤمن والرابع إلى
آخر القرآن وحكى الشيخ أبو عمرو الداني في كتاب البيان خلافا في هذا
كله
وأما التحزيب والتجزئة فقد اشتهرت الأجزاء من ثلاثين كما في الربعات
بالمدارس وغيرها وقد أخرج أحمد في مسنده وأبو داود وابن ماجه عن أوس بن
حذيفة أنه سأل أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في
حياته كيف تحزبون القرآن قالوا ثلاث وخمس وسبع وتسع وإحدى عشرة وثلاث
عشرة وحزب المفصل من ق حتى يختم
أسند الزبيدي في كتاب الطبقات عن المبرد أول من نقط المصحف أبو الأسود
الدؤلي وذكر أيضا أن ابن سيرين كان له مصحف نقطه له يحيى بن يعمر وذكر
أبو الفرج:
(1/250)
أن زياد
بن أبى سفيان أمر أبا الأسود أن ينقط المصاحف وذكر الجاحظ في كتاب
الأمصار أن نصر بن عاصم أول من نقط المصاحف وكان يقال له نصر الحروف
وأما وضع الأعشار فقيل إن المأمون العباسي أمر بذلك وقيل إن الحجاج فعل
ذلك
واعلم أن عدد سور القرآن العظيم باتفاق أهل الحل والعقد مائة وأربع
عشرة سورة كما هي في المصحف العثماني أولها الفاتحة وآخرها الناس وقال
مجاهد وثلاث عشرة بجعل الأنفال والتوبة سورة واحدة لاشتباه الطرفين
وعدم البسملة ويرده تسمية النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلا
منهما وكان في مصحف ابن مسعود اثنا عشر لم يكن فيها المعوذتان لشبهة
الرقية وجوابه رجوعه إليهم وما كتب الكل وفي مصحف أبي ست عشرة وكان
دعاء الاستفتاح والقنوت في آخره كالسورتين ولا دليل فيه لموافقتهم وهو
دعاء كتب بعد الختمة
وعدد آياته في قول علي رضي الله عنه ستة آلاف ومائتان وثمان عشرة وعطاء
ستة آلاف ومائة وسبع وسبعون وحميد ستة آلاف ومائتان واثنتا عشرة وراشد
ستة آلاف ومائتان وأربع
وقال حميد الأعرج نصفه: {مَعِيَ صَبْراً} في الكهف وقيل عين
{تَسْتَطِيعَ} وقيل ثاني لا مي: {وَلْيَتَلَطَّفْ}
واعلم أن سبب اختلاف العلماء في عد الآي والكلم والحروف أن النبي صلى
الله عليه
(1/251)
وسلم كان
يقف على رءوس الآي للتوقيف فإذا علم محلها وصل للتمام فيحسب السامع
أنها ليست فاصلة
وأيضا البسملة نزلت مع السورة في بعض الأحرف السبعة فمن قرأ بحرف نزلت
فيه عدها ومن قرأ بغير ذلك لم يعدها
وسبب الاختلاف في الكلمة أن الكلمة لها حقيقة ومجاز ورسم واعتبار كل
منها جائز وكل من العلماء اعتبر أحد الجوائز
وأطول سورة في القرآن هي البقرة وأقصرها الكوثر
وأطول آية فيه آية الدين مائة وثمانية وعشرون كلمة وخمسمائة وأربعون
حرفا
وأقصر آية فيه: {وَالضُّحَى} ثم: {وَالْفَجْرِ} كل كلمة خمسة أحرف
تقديرا ثم لفظا ستة رسما لا: {مُدْهَامَّتَانِ} لأنها سبعة أحرف لفظا
ورسما وثمانية تقديرا ولا: {ثُمَّ نَظَرَ} لأنهما كلمتان خمسة أحرف
رسما وكتابة وستة أحرف تقديرا خلافا لبعضهم
وأطول كلمة فيه لفظا وكتابة بلا زيادة: {فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ} أحد عشر
لفظا ثم: {اقْتَرَفْتُمُوهَا} عشرة وكذا:
{أَنُلْزِمُكُمُوهَا}{وَالْمُسْتَضْعَفِينَ} ثم
{لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ} تسعة لفظا وعشرة تقديرا
وأقصرها نحو باء الجر حرف واحد لا أنها حرفان خلافا للداني فيهما
(1/252)
فصل
أنصاف القرآن ثمانية
قال بعض القراء إن القرآن العظيم له ثمانية أنصاف باعتبار آية
فنصفه بالحروف النون من قوله: {نُكْراً} في سورة الكهف والكاف من نصفه
الثاني
ونصفه بالكلمات الدال من قوله: {وَالْجُلُودُ} في سورة الحج وقوله
تعالى: {وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ} من نصفه الثاني
ونصفه بالآيات: {يَأْفِكُونَ} من سورة الشعراء وقوله تعالى:
{فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ} من نصفه الثاني
ونصفه على عدد السور فالأول الحديد والثاني من المجادلة
فائدة
سئل ابن مجاهد كم في القرآن من قوله: {إِلاَّ غُرُوراً}؟: فأجاب في
أربعة مواضع من النساء وسبحان والأحزاب وفاطر
وسئل الكسائي كم في القرآن آية أولها شين؟ فأجاب أربع آيات: {شَهْرُ
رَمَضَانَ} {شَهِدَ اللَّهُ}
{شَاكِراً لأَنْعُمِهِ}{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ
(1/253)
الدِّينِ}
وسئل كم آية آخرها شين؟فأجاب: اثنان: {كَالْعِهْنِ
الْمَنْفُوشِ}{لإِيلافِ قُرَيْشٍ}
وسئل آخر: كم {حَكِيمٌ عَلِيمٌ} ؟ قال: خمسة ثلاثة في الأنعام وفي
الحجر واحد وفي النحل واحد
أكثر ما اجتمع في كتاب الله من الحروف المتحركة ثمانية وذلك في موضعين
من سورة يوسف أحدهما: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً} فبين
واو كوكبا وياء رأيت ثمانية أحرف كلهن متحركات والثاني قوله: {حَتَّى
يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي} على قراءة من حرك الياء
في قوله {لِي } و{أَبِي} ومثل هذين الموضعين: {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ
بِأَخِيكَ}
وفي القرآن سور متواليات كل سورة تجمع حروف المعجم وهو من أول :
{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} إلى آخر القرآن
وآية واحدة تجمع حروف المعجم قوله تعالى {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ. .
. . }الآية وسورة كل آية منها فيها اسمه تعالى وهي سورة المجادلة
وفي الحج ستة آيات متواليات في آخر كل واحدة منهن اسمان من أسماء الله
تعالى،
وهي قوله: {لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ}
(1/254)
وفي
القرآن آيات أولها: {قُلْ يَا أَيُّهَا} ثلاث: {قُلْ يَا أَيُّهَا
النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي}
{قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ}{قُلْ يَا
أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}
وفي: {يَا أَيُّهَا الأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ}:
{يَا أَيُّهَا الأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ} آية في القرآن فيها ستة
عشر ميما وهي: {قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ} لآية وآية فيها ثلاث
وثلاثون ميما: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ}
سورة تزيد على مائة آية ليس فيها ذكر جنة ولا نار سورة يوسف
آية فيها: {الْجَنَّةَ} مرتان لا: { لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ
وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ}
ثلاث آيات متواليات الأولى رد على المشبهة ووالأخرى رد على المجبرة
والأخرى رد على المرجئة قوله: {إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ
الْعَالَمِينَ} رد على المشبهة
{وَمَا أَضَلَّنَا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ} رد على المجبرة
: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ} رد على المرجئة
ليس في القرآن حاء بعدها حاء لا حاجز بينهما إلا في موضعين في البقرة
: {عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى} وفي الكهف: {لا أَبْرَحُ حَتَّى}
(1/255)
ليس فيه
كافان في كلمة واحدة لا حرف بينهما إلا في موضعين في البقرة:
{مَنَاسِكَكُمْ}، وفي المدثر:
{مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ}
وأما ما يتعلق بترتيبه فأما الآيات في كل سورة وضع البسملة أوائلها
فترتيبها توقيفي بلا شك ولا خلاف فيه ولهذا لا يجوز تعكيسها
قال مكي وغيره: ترتيب الآيات في السور هو من النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولما لم يأمر بذلك في أول براءة تركت بلا بسملة
وقال القاضي أبو بكر: ترتيب الأيات أمر واجب وحكم لازم فقد كان جبريل
يقول ضعوا آية كذا في موضع كذا
وأسند البيهقي في كتاب المدخل والدلائل عن زيد بن ثابت قال كنا حول
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نؤلف القرآن إذ قال:
"طوبى للشام" فقيل له ولم؟قال لأن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليه"
زاد في الدلائل نؤلف القرآن في الرقاع
قال: وهذا يشبه أن يكون المراد به تأليف ما نزل من الآيات المتفرقة في
سورها وجمعها فيها بإشارة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وقل
فيه البيان الواضح أن جمع القرآن لم يكن مرة واحدة فقد جمع بعضه بحضرة
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم جمع بحضرة أبي بكر الصديق
والجمع الثالث وهو ترتيب السور كان بحضرة عثمان واختلف في الحرف الذي
كتب عثمان عليه المصحف فقيل حرف زيد بن ثابت وقيل حرف أبي بن كعب لأنه
العرضة الأخيرة التي قرأها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وعلى الأول أكثر الرواة ومعنى حرف زيد أي قراءته وطريقته.
(1/256)
وفي كتاب
فضائل القرآن لأبى عبيد عن أبي وائل قيل لابن مسعود إن فلانا يقرأ
القرآن منكوسا فقال ذاك منكوس القلب رواه البيهقي.
وأما ترتيب السور على ما هو عليه الآن فاختلف هل هو توقيف من النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو من فعل الصحابة أو يفصل في ذلك
ثلاثة أقوال:
مذهب جمهور العلماء منهم مالك والقاضي أبو بكر بن الطيب فيما اعتمده
واستقر عليه رأيه من أحد قوليه إلى الثاني وأنه صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوض ذلك إلى أمته بعده
وذهبت طائفة إلى الأول والخلاف يرجع إلى اللفظ لأن القائل بالثاني
يقول: إنه رمز إليهم بذلك لعلمهم بأسباب نزوله ومواقع كلماته ولهذا قال
الإمام مالك إنما ألفوا القرآن على ما كانوا يسمعونه من النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع قوله بأن ترتيب السور اجتهاد منهم فآل
الخلاف إلى أنه هل ذلك بتوقيف قولي أم بمجرد استناد فعلى وبحيث بقي لهم
فيه مجال للنظر فإن قيل فإذا كانوا قد سمعوه منه كما استقر عليه ترتيبه
ففي ماذا أعملوا الأفكار وأي مجال بقي لهم بعد هذا الاعتبار قيل قد روى
مسلم في صحيحه عن حذيفة قال: "صليت مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ذات ليلة فافتتح سورة البقرة فقلت يركع عند المائة ثم مضى
فقلت يصلى بها في ركعة فمضى فقلت يركع بها ثم افتتح النساء فقرأها ثم
افتتح آل عمران" الحديث فلما كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ربما فعل هذا إرادة للتوسعة على الأمة وتبيانا لجليل تلك
النعمة كان محلا للتوقف حتى استقر النظر على رأي ما كان من فعله الأكثر
فهذا محل اجتهادهم في المسألة.
والقول الثالث: مال إليه القاضي أبو محمد بن عطية أن كثيرا من السور
كان قد علم ترتيبها في حياته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كالسبع
الطوال والحواميم والمفصل وأشاروا إلى أن ما سوى ذلك يمكن أن يكون فوض
الأمر فيه إلى الأمة بعده
(1/257)
وقال أبو
جعفر بن الزبير الآثار تشهد بأكثر مما نص عليه ابن عطية ويبقى منها
قليل يمكن أن يجرى فيه الخلاف، كقوله اقرءوا الزهراوين البقرة وآل
عمران رواه مسلم ولحديث سعيد بن خالد صلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالسبع الطوال في ركعة رواه ابن أبي شيبة في مصنفه
وفيه أنه عليه الصلاة والسلام كان يجمع المفصل في ركعة
وروى البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه قال في بني إسرائيل والكهف
ومريم وطه والأنبياء إنهن من العتاق الأول وهن من تلادي فذكرها نسقا
كما استقر ترتيبها
وفي صحيح البخاري أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا أوى إلى فراشه كل
ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}،
والمعوذتين
وقال أبو جعفر النحاس: المختار أن تأليف السور على هذا الترتيب من رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وروى ذلك عن علي بن أبى طالب
ثم ساق بإسناده إلى أبى داود الطيالسي حدثنا عمران القطان عن قتادة عن
أبى المليح الهذلي عن واثلة بن الأسقع أن النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "أعطيت مكان التوراة السبع الطول وأعطيت مكان
الزبور المئين وأعطيت مكان الإنجيل المثاني وفضلت بالمفصل"
قال أبو جعفر وهذا الحديث يدل على أن تأليف القرآن مأخوذ عن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنه مؤلف من ذلك الوقت وإنما جمع
في المصحف على شيء واحد لأنه قد جاء هذا الحديث بلفظ رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على تأليف القرآن وفيه أيضا دليل على أن
سورة الأنفال سورة على حدة وليست من براءة
قال أبو الحسين أحمد بن فارس في كتاب المسائل الخمس جمع القرآن على
ضربين أحدهما تأليف السور كتقديم السبع الطوال وتعقيبها بالمئين فهذا
الضرب هو
(1/258)
الذي
تولاه الصحابة رضوان الله عليهم وأما الجمع الآخر فضم الآي بعضها إلى
بعض وتعقيب القصة بالقصة فذلك شيء تولاه رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما أخبر به جبريل عن أمر ربه عز وجل وكذا قال
الكرماني في البرهان ترتيب السور هكذا هو عند الله وفي اللوح المحفوظ
وهو على هذا الترتيب كان يعرض عليه السلام على جبريل كل سنة ما كان
يجتمع عنده منه وعرض عليه في السنة التي توفي فيها مرتين
وذهب جماعة من المفسرين إلى أن قوله تعالى: {فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ}
معناه مثل البقرة إلى سور هود وهي العاشرة ومعلوم أن سورة هود مكية وأن
البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنفال والتوبة مدنيات نزلت بعدها
وفسر بعضهم قوله: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} أي اقرأه على هذا
الترتيب من غير تقديم ولا تأخير وجاء النكير على من قرأه معكوسا ولو
حلف أن يقرأ القرآن على الترتيب لم يلزم إلا على هذا الترتيب ولو نزل
القرآن جملة واحدة كما اقترحوا عليه لنزل على هذا الترتيب وإنما تفرقت
سوره وآياته نزولا لحاجة الناس إليها حالة بعد حالة ولأن فيه الناسخ
والمنسوخ ولم يكن ليجتمعا نزولا وأبلغ الحكم في تفرقه ما قال سبحانه:
{وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ}
وهذا أصل بني عليه مسائل كثيرة
وقال القاضي أبو بكر بن الطيب فإن قيل قد اختلف السلف في ترتيب القرآن
فمنهم من كتب في المصحف السور على تاريخ نزولها وقدم المكي على المدني
ومنهم جعل من أوله: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} وهو أول مصحف علي وأما
مصحف ابن مسعود فأوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} ثم البقرة ثم النساء
على ترتيب مختلف وفي مصحف أبي كان أوله الحمد
(1/259)
ثم النساء
ثم آل عمران ثم الأنعام ثم الأعراف ثم المائدة على اختلاف شديد
فالجواب أنه يحتمل أن يكون ترتيب السور على ما هي عليه اليوم على وجه
الاجتهاد من الصحابة رضي الله عنهم وذكر ذلك مكي في سورة براءة وأن وضع
البسملة في الأول هو من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وقال أبو بكر بن الأنباري: أنزل الله القرآن كله إلى سماء الدنيا ثم
فرق في بضع وعشرين فكانت السورة تنزل لأمر يحدث والآية جوابا لمستخبر
ويقف جبريل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على موضع السورة
والآية فاتساق السور كاتساق الآيات والحروف كله عن النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمن قدم سورة أو أخرها فقد أفسد نظم لآيات
قال القاضي أبو بكر: ومن نظم السور على المكي والمدني لم يدر أين يضع
الفاتحة لاختلافهم في موضع نزولها ويضطر إلى تأخير الآية في رأس خمس
وثلاثين ومائتين من البقرة إلى رأس الأربعين ومن أفسد نظم القرآن فقد
كفر به
تنبيه
ترتيب وضع السور في المصحف
لترتيب وضع السور في المصحف أسباب تطلع على أنه توقيفي صادر عن حكيم
أحدها بحسب الحروف كما في الحواميم وثانيها لموافقة أول السورة لآخر ما
قبلها كآخر الحمد في المعنى وأول البقرة وثالثها للوزن في اللفظ كآخر
تبت وأول الإخلاص ورابعها لمشابهة جملة السورة لجملة الأخرى مثل:
{وَالضُّحَى} و: {أَلَمْ نَشْرَحْ}
قال بعض الأئمة: وسورة الفاتحة تضمنت الإقرار بالربوبية والالتجاء إليه
في دين الإسلام والصيانة عن دين اليهودية والنصرانية
(1/260)
وسورة
البقرة تضمنت قواعد الدين وآل عمران مكملة لمقصودها فالبقرة بمنزلة
إقامة الدليل على الحكم وآل عمران بمنزلة الجواب عن شبهات الخصوم ولهذا
قرن فيها ذكر المتشابه منها بظهور الحجة والبيان فإنه نزل أولها في آخر
الأمر لما قدم وفد نجران النصارى وآخرها يتعلق بيوم أحد والنصارى
تمسكوا بالمتشابه فأجيبوا عن شبههم بالبيان ويوم أحد تمسك الكفار
بالقتال فقوبلوا بالبيان وبه يعلم الجواب لمن تتبع المتشابه من القول
والفعل وأوجب الحج في آل عمران وأما في البقرة فذكر أنه مشروع وأمر
بتمامه بعد الشروع فيه ولهذا ذكر البيت والصفا والمروة وكان خطاب
النصارى في آل عمران أكثر كما أن خطاب اليهود في البقرة أكثر لأن
التوراة أصل والإنجيل فرع لها والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لما هاجر إلى المدينة دعا اليهود وجاهدهم وكان جهاده للنصارى
في آخر الأمر كما كان دعاؤه لأهل الشرك قبل أهل الكتاب ولهذا كانت
السور المكية فيها الدين الذي اتفق عليه الأنبياء فخوطب بها جميع الناس
والسور المدنية فيها خطاب من أقر بالأنبياء من أهل الكتاب والمؤمنين
فخوطبوا يا أهل الكتاب يا بني إسرائيل
وأما سورة النساء فتتضمن جميع أحكام الأسباب التي بين الناس وهي نوعان
محلوقة لله تعالى ومقدورة لهم كالنسب والصهر ولهذا افتتحها الله بقوله:
{رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا
زَوْجَهَا} ثم قال: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ
وَالأَرْحَامَ} وبين الذين يتعاهدون ويتعاقدون فيما بينهم وما تعلق
بذلك من أحكام الأموال والفروج والمواريث ومنها العهود التي حصلت
بالرسالة والتي أخذها الله على الرسل
وأما المائدة فسورة العقود وبهن تمام الشرائع قالوا وبها تم الدين فهي
سورة
(1/261)
التكميل
بها ذكر الوسائل كما في الأنعام والأعراف ذكر المقاصد كالتحليل
والتحريم كتحريم الدماء والأموال وعقوبة المعتدين وتحريم الخمر من تمام
حفظ العقل والدين وتحريم الميتة والدم والمنخنقة وتحريم الصيد على
المحرم من تمام الإحرام وإحلال الطيبات من تمام عبادة الله ولهذا ذكر
فيها ما يختص بشريعة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كالوضوء
والحكم بالقرآن فقال تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً
وَمِنْهَاجاً}
وذكر أنه من ارتد عوض الله بخير منه ولا يزال هذا الدين كاملا ولهذا
قيل إنها آخر القرآن نزولا فأحلوا حلالها وحرموا حرامها
وهذا الترتيب بين هذه السور الأربع المدنيات: البقرة وآل عمران والنساء
والمائدة من أحسن الترتيب وهو ترتيب المصحف العثماني وإن كان مصحف عبد
الله بن مسعود قدمت فيه سورة النساء على آل عمران وترتيب بعضها بعد بعض
ليس هو إمرا أوجبه الله بل أمر راجع إلى اجتهادهم واختيارهم ولهذا كان
لكل مصحف ترتيب ولكن ترتيب المصحف العثماني أكمل وإنما لم يكتب في عهد
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مصحف لئلا يفضى إلى تغييره كل
وقت فلهذا تأخرت كتابتة إلى أن كمل نزول القرآن بموته صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكتب أبو بكر والصحابة بعده ثم نسخ عثمان المصاحف
التي بعث بها إلى الأمصار
فائدة
سبب سقوط البسملة أول براءة
اختلف في السبب في سقوط البسملة أول براءة فقيل كان من شأن العرب في
الجاهلية إذا كان بينهم وبين قوم عهد وأرادوا نقضه كتبوا لهم كتابا ولم
يكتبوا فيه
(1/262)
البسملة
فلما نزلت براءة بنقض العهد الذي كان للكفار قرأها عليهم علي ولم يبسمل
على ما جرت به عادتهم ولكن في صحيح الحاكم أن عثمان رضي الله عنه قال
كانت الأنفال من أوائل ما نزل وبراءة من آخره وكانت قصتها شبيها بقصتها
وقضى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يبين لنا أنها منها
وظننا أنها منها ثم فرقت بينهما ولم أ كتب بينهما البسملة
وعن مالك أن أولها لما سقط سقطت البسملة
وقد قيل إنها كانت تعدل البقرة لطولها
وقيل لأنه لما كتبوا المصاحف في زمن عثمان اختلفوا هل هما سورتان أو
الأنفال سورة وبراءة سورة تركت البسملة بينهما
وفي مستدرك الحاكم أيضا عن ابن عباس سألت عليا عن ذلك فقال لأن البسملة
أمان وبراءة نزلت بالسيف ليس فيها أمان
قال القشيري والصحيح أن البسملة لم تكن فيها لأن جبريل عليه السلام ما
نزل بها فيها
فائدة
في بيان لفظ السورة لغة واصطلاحا
قال القتيبي السورة تهمز ولا تهمز فمن همزها جعلها من أسأرت أي أفضلت
من السور وهو ما بقي من الشراب في الإناء كأنها قطعة من القرآن ومن لم
يهمزها جعلها من المعنى المتقدم وسهل همزتها
ومنهم من شبهها بسور البناء أي القطعة منه أي منزلة بعد منزلة
(1/263)
وقيل من
سور المدينة لإحاطتها بآياتها واجتماعها كاجتماع البيوت بالسور ومنه
السوار لإحاطته بالساعد وعلى هذا فالواو أصلية
ويحتمل أن تكون من السورة بمعنى المرتبة لأن الآيات مرتبة في كل سورة
ترتيبا مناسبا وفي ذلك حجة لمن تتبع الآيات بالمناسبات
وقال ابن جني في شرح منهوكة أبي نواس إنما سميت سورة لارتفاع قدرها
لأنها كلام الله تعالى وفيها معرفة الحلال والحرام ومنه رجل سوار أي
معربد لأنه يعلو بفعله ويشتط ويقال أصلها من السورة وهي الوثبة تقول
سرت إليه وثرت إليه وجمع سورة القرآن سور بفتح الواو وجمع سورة البناء
سور بسكونها وقيل هو بمعنى العلو ومنه قوله تعالى: {إِذْ تَسَوَّرُوا
الْمِحْرَابَ} نزلوا عليه من علو فسميت القراءة به لتركب بعضها على بعض
وقيل لعلو شأنه وشأن قارئه ثم كره بعضهم أن يقال سورة كذا والصحيح
جوازه ومنه قول ابن مسعود هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة
وأما في الاصطلاح فقال الجعبري: حد السورة قرآن يشتمل على آي ذوات
فاتحة وخاتمة وأقلها ثلاث آيات فإن قيل: فما الحكمة في تقطيع القرآن
سورا؟ قلت: هي الحكمة في تقطيع السور آيات معدودات لكل آية حد ومطلع
حتى تكون كل سورة بل كل آية فنا مستقلا وقرآنا معتبرا وفي تسوير السورة
تحقيق لكون السورة بمجردها معجزة وآية من آيات الله تعالى وسورت السور
طوالا وقصارا وأوساطا تنبيها على أن الطول ليس من شرط الإعجاز فهذه
سورة الكوثر ثلاث آيات وهي معجزة إعجاز سورة البقرة ثم ظهرت لذلك حكمة
في التعليم وتدريج الأطفال من السور القصار إلى
(1/264)
ما فوقها
يسيرا يسيرا تيسيرا من الله على عباده لحفظ كتابه فترى الطفل يفرح
بإتمام السورة فرح من حصل على حد معتبر وكذلك المطيل في التلاوة يرتاح
عند ختم كل سورة ارتياح المسافر إلى قطع المراحل المسماة مرحلة بعد
مرحلة أخرى إلى أن كل سورة نمط مستقل فسورة يوسف تترجم عن قصته وسورة
براءة تترجم عن أحوال المنافقين وكامن أسرارهم وغير ذلك
فإن قلت: فهلا كانت الكتب السالفة كذلك؟ قلت لوجهين: أحدهما أنها لم
تكن معجزات من ناحية النظم والترتيب والآخر أنها لم تيسر للحفظ
وقال الزمخشري: الفوائد في تفصيل القرآن وتقطيعه سورا كثيرة وكذلك أنزل
الله التوراة والإنجيل والزبور وما أوحاه إلى أنبيائه مسورة وبوب
المصنفون في كتبهم أبوابا موشحة الصدور بالتراجم منها أن الجنس إذا
انطوت تحته أنواع وأصناف كان أحسن وأفخم من أن يكون بابا واحدا ومنها
أن القارئ إذا ختم سورة أو بابا من الكتاب ثم أخذ في آخره كان أنشط له
وأبعث على التحصيل منه لو استمر على الكتاب بطوله ومثله المسافر إذا
قطع ميلا أو فرسخا وانتهى إلى رأس برية نفس ذلك منه ونشطه للمسير ومن
ثمة جزئ القرآن أجزاء وأخماسا ومنها أن الحافظ إذا حذق السورة اعتقد
أنه أخذ من كتاب الله طائفة مستقلة فيعظم عنده ما حفظه ومنه حديث أنس
كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جل فينا ومن ثم كانت القراءة في
الصلاة بسورة أفضل ومنها أن التفصيل يسبب تلاحق الأشكال والنظائر
وملاءمة بعضها لبعض وبذلك تتلاحظ المعاني والنظم إلى غير ذلك من
الفوائد
(1/265)
فائدة
في بيان معنى الآية لغة واصطلاحا
أما الآية فلها في اللغة ثلاثة معان:
أحدها: جماعة الحروف قال أبو عمرو الشيباني تقول العرب خرج القوم
بآيتهم أي بجماعتهم
ثانيها: الآية العجب تقول العرب فلان آية في العلم وفي الجمال قال
الشاعر
آية في الجمال ليس له في الـ
حسن شبه وما له من نظير
فكأن كل آية عجب في نظمها والمعاني المودعة فيها
ثالثها_العلامة تقول العرب: خربت دار فلان وما بقي فيها آية أي علامة
فكأن كل آية في القرآن علامة ودلالة على نبوة محمد صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
واختلف في وزنها فقال سيبويه فعلة بفتح العين وأصلها أيية تحركت الياء
وانفتح ما قبلها فجاءت آية وقال الكسائي أصلها آيية على وزن فاعلة حذفت
الياء الأولى مخافة أن يلتزم فيها من الإدغام ما لزم في دابة
وأما في الاصطلاح فقال الجعبري في كتاب المفرد في معرفة العدد حد الآية
قرآن مركب من جمل ولو تقديرا ذو مبدأ ومقطع مندرج في سورة وأصلها
العلامة ومنه: {إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ} لأنها علامة للفضل والصدق أو
الجماعة لأنها جماعة كلمة
وقال غيره: الآية طائفة من القرآن منقطعة عما قبلها وما بعدها ليس
بينها شبه بما سواها
(1/266)
وقيل: هي
الواحدة من المعدودات في السور، سميت به لأنها علامة على صدق من أتى
بها وعلى عجز المتحدى بها
وقيل: لأنها علامة انقطاع ما قبلها من الكلام وانقطاعها عما بعدها قال
الواحدي وبعض أصحابنا يجوز على هذا القول تسمية أقل من الآية آية لولا
أن التوقيف ورد بما هي عليه الآن
وقال: ابن المنير في البحر ليس في القرآن كلمة واحدة آية إلا:
{مُدْهَامَّتَانِ}
وقال. : بعضهم الصحيح أنها إنما تعلم بتوقيف من الشارع لا مجال للقياس
فيه كمعرفة السورة فالآية طائفة حروف من القرآن علم بالتوقيف انقطاعها
معنى عن الكلام الذي بعدها في أول القرآن وعن الكلام الذي قبلها في آخر
القرآن وعن الكلام الذي قبلها والذي بعدها في غيرهما غير مشتمل على مثل
ذلك قال وبهذا القيد خرجت السورة
وقال الزمخشري: الآيات علم توقيف لا مجال للقياس فيه فعدوا: {الم} آية
حيث وقعت من السورة المفتتح بها وهي ست، وكذلك: {المص} آية، و{المر} لم
تعد آية و{الر} ليست بآية في سورها الخمس و: {طسم} آية في سورتيها، و:
{طه} و: {يس} آيتان و{طس} ليست بآية و{حم} آية في سورها كلها و{حم عسق}
آيتان و: {كهيعص} آية واحدة و{ص} و{ق} و{ن} ثلاثتها لم تعد آية هذا
مذهب الكوفيين ومن عداهم لم يعدوا شيئا منها آية
(1/267)
وقال
بعضهم إنما عدوا {يس} آية ولم يعدوا{طس}لأن {طس} تشبه المفرد كقابيل في
الزنة والحروف و{يس} تشبه الجملة من جهة أن أوله ياء وليس لنا مفرد
أوله ياء
وقال القاضي أبو بكر بن العربي: ذكر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أن الفاتحة سبع آيات وسورة الملك ثلاثون آية وصح أنه قرأ
العشر الآيات الخواتيم من سورة آل عمران قال وتعديد الآي من مفصلات
القرآن ومن آياته طويل وقصير ومنه ما ينقطع ومنه ما ينتهي إلى تمام
الكلام ومنه ما يكون في أثنائه كقوله: {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} على
مذهب أهل المدينة فإنهم يعدونها آية وينبغي أن يعول في ذلك على فعل
السلف
وأما الكلمة فهي اللفظة الواحدة وقد تكون على حرفين مثل ما ولي وله ولك
وقد تكون أكثر وأكثر ما تكون عشرة أحرف مثل: {لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ}
و: {أَنُلْزِمُكُمُوهَا} و{فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ} وقد تكون الكلمة آية
مثل: {وَالْفَجْرِ}، {وَالضُّحَى}، {وَالْعَصْرِ}وكذلك {الم} و{طه}
و{يس} و{حم} في قول الكوفيين و{حم عسق} عندهم كلمتان وغيرهم لا يسمي
هذه آيات بل يقول هذه فواتح لسور
وقال أبو عمرو الداني لا أعلم كلمة هي وحدها آية إلا قوله:
{مُدْهَامَّتَانِ} في سورة الرحمن
(1/268)
خاتمة: في
تعدد أسماء السور
قد يكون للسورة اسم وهو كثير وقد يكون لها اسمان كسورة البقرة يقال لها
فسطاط القرآن لعظمها وبهائها وآل عمران يقال اسمها في التوراة طيبة
حكاه النقش والنحل تسمى سورة النعم لما عدد الله فيها من النعم على
عباده وسورة: {حم عسق} وتسمى الشورى وسورة الجاثية وتسمى الشريعة وسورة
محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتسمى القتال وقد يكون لها
ثلاثة أسماء كسورة المائدة والعقود والمنقذة وروى ابن عطية فيه حديثا
وكسورة غافر والطول والمؤمن لقوله: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ}.
وقد يكون لها أكثر من ذلك كسورة براءة والتوبة والفاضحة والحافرة لأنها
حفرت عن قلوب المنافقين قال ابن عباس ما زال ينزل: {وَمِنْهُمْ} حتى
ظننا أنه لا يبقى أحد إلا ذكر فيها وقال حذيفة هي سورة العذاب وقال ابن
عمر كنا ندعوها المشقشقة وقال الحارث بن يزيد كانت تدعى المبعثرة ويقال
لها المسورة ويقال لها البحوث
وكسورة الفاتحة ذكر بعضهم لها بضعة وعشرين اسما الفاتحة وثبت في
الصحيحين وأم الكتاب وأم القرآن وثبتا في صحيح مسلم وحكى ابن عطية
كراهية تسميتها عن قوم والسبع المثاني والصلاة ثبتا في صحيح مسلم
والحمد رواه الدارقطني
(1/269)
وسميت
مثاني لأنها تثنى في الصلاة أو أنزلت مرتين والوافية بالفاء لأن
تبعيضها لا يجوز ولاشتمالها على المعاني التي في القرآن والكنز لما
ذكرنا والشافية والشفاء والكافية والأساس
وينبغي البحث عن تعداد الأسامي: هل هو توقيفي أو بما يظهر من
المناسبات؟ فإن كان الثاني فلن يعدم الفطن أن يستخرج من كل سورة معاني
كثيرة تقتضي اشتقاق أسمائها وهو بعيد
خاتمة أخرى: في اختصاص كل سورة بما سميت
ينبغي النظر في وجه اختصاص كل سورة بما سميت به ولا شك أن العرب تراعي
في الكثير من المسميات أخذ أسمائها من نادر أو مستغرب يكون في الشيء من
خلق أو صفة تخصه أو تكون معه أحكم أو أكثر أو أسبق لإدراك الرائي
للمسمى ويسمون الجملة من الكلام أو القصيدة الطويلة بما هو أشهر فيها
وعلى ذلك جرت أسماء سور الكتاب العزيز كتسمية سورة البقرة بهذا الاسم
لقرينه ذكر قصة البقرة المذكورة فيها وعجيب الحكمة فيها وسميت سورة
النساء بهذا الاسم لما تردد فيها من كثير من أحكام النساء وتسمية سورة
الأنعام لما ورد فيها من تفصيل أحوالها وإن كان قد ورد لفظ الأنعام في
غيرها إلا أن التفصيل الوارد في قوله تعالى: {وَمِنَ الأَنْعَامِ
حَمُولَةً وَفَرْشاً} إلى قوله: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ} لم يرد في
غيرها
(1/270)
كما ورد
ذكر النساء في سور إلا أن ما تكرر وبسط من أحكامهن لم يرد في غير سورة
النساء وكذا سورة المائدة لم يرد ذكر المائدة في غيرها فسميت بما يخصها
فإن قيل: قد ورد في سورة هود ذكر نوح وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب وموسى
عليهم السلام فلم تختص باسم هود وحده وما وجه تسميتها به وقصة نوح فيها
أطول وأوعب قيل تكررت هذه القصص في سورة الأعراف وسورة هود والشعراء
بأوعب مما وردت في غيرها ولم يتكرر في واحدة من هذه السور الثلاث اسم
هود عليه السلام كتكرره في هذه السورة فإنه تكرر فيها عند ذكر قصته في
أربعة مواضع والتكرار من أقوى الأسباب التي ذكرنا
وإن قيل: فقد تكرر اسم نوح في هذه السورة في ستة مواضع فيها وذلك أكثر
من تكرار اسم هود قيل لما جردت لذكر نوح وقصته مع قومه سورة برأسها فلم
يقع فيها غير ذلك كانت أولى بأن تسمى باسمه عليه السلام من سورة تضمنت
قصته وقصة غيره وإن تكرر اسمه فيها أما هود فكانت أولى السور بأن تسمى
باسمه عليه السلام
واعلم أن تسمية سائر سور القرآن يجري فيها من رعى التسمية ما ذكرنا
وانظر سورة ق لما تكرر فيها من ذكر الكلمات بلفظ القاف ومن ذلك السور
المفتتحة بالحروف المقطعة ووجه اختصاص كل واحدة بما وليته حتى لم تكن
لترد {الم} في موضع {الر} ولا {حم} في موضع{طس} لاسيما إذا قلنا: إنها
أعلام لها وأسماء عليها
وكذا وقع في كل سورة منها ما كثر ترداده فيما يتركب من كلمها ويوضحه
أنك إذا ناظرت سورة منها بما يماثلها في عدد كلماتها وحروفها وجدت
الحروف المفتتح بها تلك السورة إفرادا وتركيبا أكثر عددا في كلماتها
منها في نظيرتها ومماثلتها في عدد كلمها وحروفها فإن لم تجد بسورة منها
ما يماثلها في عدد كلمها ففي اطراد ذلك في المماثلات مما
(1/271)
يوجد له
النظير ما يشعر بأن هذه لو وجد ما يماثلها لجرى على ما ذكرت لك وقد
اطرد هذا في أكثرها فحق لكل سورة منها ألا يناسبها غير الوارد فيها فلو
وضع موضع{ق} من سورة {ن} لم يمكن لعدم التناسب الواجب مراعاته في كلام
الله تعالى وقد تكرر في سورة يونس من الكلم الواقع فيها {الر} مائتا
كلمة وعشرون أو نحوها فلهذا افتتحت بـ {الر} وأقرب السور إليها مما
يماثلها بعدها من غير المفتتحة بالحروف المقطعة سورة النحل وهي أطول
منها مما يركب على{الر} من كلمها مائتا كلمة مع زيادتها في الطول عليها
فلذلك وردت الحروف المقطعة في أولها{الر}
(1/272)
|