التبيان في إعراب القرآن ـ[التبيان في إعراب القرآن]ـ
المؤلف: أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري
(المتوفى: 616هـ)
المحقق: علي محمد البجاوي
الناشر: عيسى البابي الحلبي وشركاه
عدد الأجزاء: 2 (في ترقيم مسلسل واحد)
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، وهو مشكول، وضمن خدمة مقارنة
التفاسير]
(/)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
وَبِه عونى وثقتى
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم محب الدَّين أَبُو الْبَقَاء
عبد الله بن الْحُسَيْن بن عبد الله العكبرى رَحمَه الله
تَعَالَى ورحم أسلافه بِمُحَمد واله وَأَصْحَابه وأنصاره
الْحَمد لله الذى وفقنا لحفظ كِتَابه ووقفنا على الْجَلِيل من
حكمه وَأَحْكَامه وادابه وألهمنا تدبر مَعَانِيه ووجوه إعرابه
وعرفنا تفنن أساليبه من حَقِيقَته ومجازه وإيجازه وإسهابه
أَحْمَده على الِاعْتِصَام بأمتن أَسبَابه وَأشْهد أَن لَا
إِلَه الا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة مُؤمن بِيَوْم
حسابه وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله المبرز فى لسنه
وَفصل خطابه ناظم حَبل الْحق بعد انقضابه وجامع شَمل الدَّين
بعد انشعابه صلى الله عَلَيْهِ وعَلى اله واصحابه مَا استطار
برق فى أرجاء سحابه واضطرب بَحر باذيه وعبابه
أما بعد فَإِن أولى مَا عني باغي الْعلم بمراعاته وأحق مَا صرف
الْعِنَايَة إِلَى معاناته مَا كَانَ من الْعُلُوم أصلا لغيره
مِنْهَا وحاكما عَلَيْهَا وَلها فِيمَا ينشأ من الِاخْتِلَاف
عَنْهَا وَذَلِكَ هُوَ الْقرَان الْمجِيد الذى لَا يَأْتِيهِ
الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه تَنْزِيل من حَكِيم
حميد وَهُوَ المعجز الباقى على الْأَبَد وَالْمُودع أسرار
الْمعَانى الَّتِى لَا تنفد وحبل الله المتين وحجته على الْخلق
أَجْمَعِينَ
فَأول مبدوء بِهِ من ذَلِك تلقف أَلْفَاظه عَن حفاظه ثمَّ تلقى
مَعَانِيه مِمَّن يعانيه وأقوم طَرِيق يسْلك فى الْوُقُوف على
مَعْنَاهُ ويتوصل بِهِ إِلَى تَبْيِين أغراضه ومغزاه معرفَة
إعرابه واشتقاق مقاصده من أنحاء خطابه وَالنَّظَر فى وُجُوه
الْقرَاءَات المنقولة عَن الْأَئِمَّة الْأَثْبَات
(1/1)
والكتب الْمُؤَلّفَة فى هَذَا الْعلم
كَثِيرَة جدا مُخْتَلفَة ترتيبا وحدا فَمِنْهَا الْمُخْتَصر
حجما وعلما وَمِنْهَا المطول بِكَثْرَة إِعْرَاب الظَّوَاهِر
وخلط الْإِعْرَاب بالمعاني وقلما تَجِد فِيهَا مُخْتَصر الحجم
كثير الْعلم فَلَمَّا وَجدتهَا على مَا وصفت أَحْبَبْت أَن
أملي كتابا يصغر حجمه وَيكثر علمه أقتصر فِيهِ على ذكر
الْإِعْرَاب ووجوه الْقرَاءَات فَأتيت بِهِ على ذَلِك وَالله
أسأَل أَن يوفقنى فِيهِ لإصابة الصَّوَاب وَحسن الْقَصْد بِهِ
بمنه وَكَرمه
إِعْرَابُ الِاسْتِعَاذَةِ:
{أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم}
(أَعُوذُ) أَصْلُهُ أَعْوُذُ بِسُكُونِ الْعَيْنِ وَضَمِّ
الْوَاوِ، مِثْلُ أَقْتُلُ ; فَاسْتُثْقِلَتِ الضَّمَّةُ عَلَى
الْوَاوِ فَنُقِلَتْ إِلَى الْعَيْنِ وَبَقِيَتْ سَاكِنَةً.
وَمَصْدَرُهُ عَوْذٌ، وَعِيَاذٌ، وَمَعَاذٌ.
وَهَذَا تَعْلِيمٌ وَالتَّقْدِيرُ فِيهِ: قُلْ أَعُوذُ.
وَ (الشَّيْطَانِ) فَيْعَالٌ مِنْ شَطَنَ يَشْطُنُ إِذَا
بَعُدَ، وَيُقَالُ فِيهِ شَاطَنَ وَتَشَيْطَنَ وَسُمِّيَ
بِذَلِكَ كُلُّ مُتَمَرِّدٍ لِبُعْدِ غَوْرِهِ فِي الشَّرِّ.
وَقِيلَ: هُوَ فَعْلَانُ، مِنْ شَاطَ يَشِيطُ إِذَا هَلَكَ ;
فَالْمُتَمَرِّدُ هَالِكٌ بِتَمَرُّدِهِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سُمِّيَ بِفَعْلَانَ لِمُبَالَغَتِهِ
فِي إِهْلَاكِ غَيْرِهِ.
وَ (الرَّجِيمِ) فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، أَيْ مَرْجُومٌ
بِالطَّرْدِ وَاللَّعْنِ.
وَقِيلَ: هُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، أَيْ يَرْجُمُ
غَيْرَهُ بِالْإِغْوَاءِ.
(1/2)
إِعْرَابُ التَّسْمِيَةِ
قَالَ تَعَالَى: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1))
الْبَاءُ فِي: بِسْمِ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ ; فَعِنْدَ
الْبَصْرِيِّينَ الْمَحْذُوفُ مُبْتَدَأٌ وَالْجَارُّ
وَالْمَجْرُورُ خَبَرُهُ، وَالتَّقْدِيرُ ابْتِدَائِي بِسْمِ
اللَّهِ ; أَيْ كَائِنٌ بِاسْمِ اللَّهِ ; فَالْبَاءُ
مُتَعَلِّقَةٌ بِالْكَوْنِ وَالِاسْتِقْرَارِ.
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: الْمَحْذُوفُ فِعْلٌ تَقْدِيرُهُ
ابْتَدَأْتُ، أَوْ أَبْدَأُ، فَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ فِي
مَوْضِعِ نَصْبٍ بِالْمَحْذُوفِ، وَحُذِفَتِ الْأَلِفُ مِنَ
الْخَطِّ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ، فَلَوْ قُلْتَ لِاسْمِ
اللَّهِ بَرَكَةٌ أَوْ بِاسْمِ رَبِّكَ، أَثْبَتَّ الْأَلِفَ
فِي الْخَطِّ.
وَقِيلَ حَذَفُوا الْأَلِفَ ; لِأَنَّهُمْ حَمَلُوهُ عَلَى
سِمٍ، وَهِيَ لُغَةٌ فِي اسْمٍ.
وَلُغَاتُهُ خَمْسٌ: سِمٌ بِكَسْرِ السِّينِ وَضَمِّهَا، اسْمٌ
بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّهَا، وَسُمَى مِثْلُ ضُحَى.
وَالْأَصْلُ فِي اسْمٍ: سُمُوٌ فَالْمَحْذُوفُ مِنْهُ لَامُهُ
يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي جَمْعِهِ أَسْمَاءُ
وَأَسَامِي وَفِي تَصْغِيرِهِ «سُمَيٌّ» وَبَنَوْا مِنْهُ
فَعِيلًا، فَقَالُوا فُلَانٌ سَمِيُّكَ: أَيِ
اسْمُهُ كَاسْمِكَ، وَالْفِعْلُ مِنْهُ سَمَّيْتُ وَأَسْمَيْتُ
; فَقَدْ رَأَيْتَ كَيْفَ رَجَعَ الْمَحْذُوفُ إِلَى آخِرِهِ.
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: أَصْلُهُ وَسَمَ لِأَنَّهُ مِنَ
الْوَسْمِ، وَهُوَ الْعَلَامَةُ وَهَذَا صَحِيحٌ فِي
الْمَعْنَى فَاسِدٌ اشْتِقَاقًا.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ أُضِيفَ الِاسْمُ إِلَى اللَّهِ،
وَاللَّهُ هُوَ الِاسْمُ؟ .
قِيلَ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ
الِاسْمَ هُنَا بِمَعْنَى التَّسْمِيَةِ، وَالتَّسْمِيَةُ
غَيْرُ الِاسْمِ ; لِأَنَّ الِاسْمَ هُوَ اللَّازِمُ
لِلْمُسَمَّى، وَالتَّسْمِيَةُ هُوَ التَّلَفُّظُ بِالِاسْمِ.
(1/3)
وَالثَّانِي: أَنَّ فِي الْكَلَامِ حَذْفُ
مُضَافٍ، تَقْدِيرُهُ بِاسْمِ مُسَمَّى اللَّهِ. وَالثَّالِثُ
أَنَّ اسْمًا زِيَادَةٌ ; وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: إِلَى
الْحَوْلِ ثُمَّ اسْمُ السَّلَامِ عَلَيْكُمَا وَقَوْلُ
الْآخَرِ: دَاعٍ يُنَادِيهِ بِاسْمِ الْمَاءِ أَيِ السَّلَامُ
عَلَيْكُمَا، وَنُنَادِيهِ بِالْمَاءِ.
وَالْأَصْلُ فِي اللَّهِ الْإِلَاءُ، فَأُلْقِيَتْ حَرَكَةُ
الْهَمْزَةِ عَلَى لَامِ الْمَعْرِفَةِ ثُمَّ سُكِّنَتْ
وَأُدْغِمَتْ فِي اللَّامِ الثَّانِيَةِ، ثُمَّ فُخِّمَتْ
إِذَا لَمْ يَكُنْ قَبْلَهَا كَسْرَةٌ، [وَرُقِّقَتْ إِذَا
كَانَتْ قَبْلَهَا كَسْرَةٌ] وَمِنْهُمْ مَنْ يُرَقِّقُهَا فِي
كُلِّ حَالٍ، وَالتَّفْخِيمُ فِي هَذَا الِاسْمِ مِنْ
خَوَاصِّهِ.
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ: هَمْزَةُ إِلَاهٍ حُذِفَتْ حَذْفًا
مِنْ غَيْرِ إِلْقَاءٍ، وَهَمْزَةُ إِلَاهٍ أَصْلٌ ; وَهُوَ
مِنْ أَلِهَ يَأْلَهُ إِذَا عُبِدَ، فَالْإِلَهُ مَصْدَرٌ فِي
مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ أَيِ الْمَأْلُوهِ، وَهُوَ
الْمَعْبُودُ.
وَقِيلَ أَصْلُ الْهَمْزَةِ وَاوٌ ; لِأَنَّهُ مِنَ الْوَلَهِ،
فَالْإِلَهُ تَوَلَّهُ إِلَيْهِ الْقُلُوبُ ; أَيْ
تَتَحَيَّرُ.
وَقِيلَ أَصْلُهُ لَاهُ عَلَى فَعِلَ، وَأَصْلُ الْأَلِفِ
يَاءٌ ; لِأَنَّهُمْ قَالُوا فِي مَقْلُوبِهِ لَهِيَ أَبُوكَ
ثُمَّ أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ.
(الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) صِفَتَانِ مُشْتَقَّتَانِ مِنَ
الرَّحْمَةِ.
وَالرَّحْمَنُ مِنْ أَبْنِيَةِ الْمُبَالَغَةِ. وَفِي
الرَّحِيمِ مُبَالَغَةٌ أَيْضًا ; إِلَّا أَنَّ فَعْلَانًا
أَبْلَغُ مِنْ فَعِيلٍ.
وَجَرُّهُمَا عَلَى الصِّفَةِ ; وَالْعَامِلُ فِي الصِّفَةِ
هُوَ الْعَامِلُ فِي الْمَوْصُوفِ.
وَقَالَ الْأَخْفَشُ: الْعَامِلُ فِيهَا مَعْنَوِيٌّ وَهُوَ
كَوْنُهَا تَبَعًا وَيَجُوزُ نَصْبُهُمَا عَلَى إِضْمَارِ
أَعْنِي، وَرَفْعُهُمَا عَلَى تَقْدِيرِ هُوَ.
(1/4)
|