التبيان في إعراب القرآن الر تِلْكَ آيَاتُ
الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ (1) رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ
كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ (2)
سُورَةُ الْحِجْرِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قَالَ تَعَالَى: (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ
مُبِينٍ (1)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ) : قَدْ
ذُكِرَ فِي أَوَّلِ الرَّعْدِ.
قَالَ تَعَالَى: (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ
كَانُوا مُسْلِمِينَ (2))
قَوْلُهُ تَعَالَى: (رُبَمَا) : يُقْرَأُ بِالتَّشْدِيدِ
وَالتَّخْفِيفِ، وَهُمَا لُغَتَانِ.
وَفِي «رُبَّ» ثَمَانِ لُغَاتٍ: مِنْهَا الْمَذْكُورَتَانِ،
وَالثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ كَذَلِكَ، إِلَّا أَنَّ
الرَّاءَ مَفْتُوحَةٌ، وَالْأَرْبَعُ الْأُخَرُ مَعَ تَاءِ
التَّأْنِيثِ «رُبَّتَ» . فَفِيهَا التَّشْدِيدُ
وَالتَّخْفِيفُ، وَضَمُّ الرَّاءِ وَفَتْحُهَا. وَفِي «مَا»
وَجْهَانِ ; أَحَدُهُمَا: هِيَ كَافَّةٌ لِرُبَّ حَتَّى يَقَعَ
الْفِعْلُ بَعْدَهَا، وَهِيَ حَرْفُ جَرٍّ. وَالثَّانِي: هِيَ
نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ ; أَيْ رُبَّ شَيْءٍ يَوَدُّهُ
الَّذِينَ. . . . .
وَ «رُبَّ» : حَرْفُ جَرٍّ لَا يَعْمَلُ فِيهِ إِلَّا مَا
بَعْدَهُ، وَالْعَامِلُ هُنَا مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: رُبَّ
كَافِرٍ يَوَدُّ الْإِسْلَامَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْذَرْتُ
أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. وَأَصْلُ رُبَّ أَنْ يَقَعَ
لِلتَّقْلِيلِ، وَهِيَ هُنَا لِلتَّكْثِيرِ وَالتَّحْقِيقِ،
وَقَدْ جَاءَتْ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى فِي الشِّعْرِ
كَثِيرًا، وَأَكْثَرُ مَا يَأْتِي بَعْدَهَا الْفِعْلُ
الْمَاضِي، وَلَكِنِ الْمُسْتَقْبَلُ هُنَا لِكَوْنِهِ صِدْقًا
قَطْعًا بِمَنْزِلَةِ الْمَاضِي.
(2/776)
وَمَا أَهْلَكْنَا
مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ (4) مَا
تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (5)
وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ
إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6) لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ
إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (7) مَا نُنَزِّلُ
الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا
مُنْظَرِينَ (8) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا
لَهُ لَحَافِظُونَ (9) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي
شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (10) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ
إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (11) كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ
فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (12)
قَالَ تَعَالَى: (وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ
قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ (4)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ) : الْجُمْلَةُ
نَعْتٌ لِقَرْيَةٍ ; كَقَوْلِكَ: مَا لَقِيتُ رَجُلًا إِلًّا
عَالِمًا وَقَدْ ذَكَرْنَا حَالَ الْوَاوِ فِي مِثْلِ هَذَا
فِي الْبَقَرَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَعَسَى أَنْ
تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) [الْبَقَرَةِ: 216]
.
قَالَ تَعَالَى: (لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ
كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (7)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَوْ مَا تَأْتِينَا) : هِيَ بِمَعْنَى
لَوْلَا، وَهَلَّا، وَأَلَا، وَكُلُّهَا لِلتَّحْضِيضِ.
قَالَ تَعَالَى: (مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا
بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ (8)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ) : فِيهَا
قِرَاءَاتٌ كَثِيرَةٌ كُلُّهَا ظَاهِرَةٌ.
(إِلَّا بِالْحَقِّ) : فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، فَيَتَعَلَّقُ
بِمَحْذُوفٍ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِنُنَزِّلُ، وَتَكُونُ بِمَعْنَى
الِاسْتِعَانَةِ.
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا
لَهُ لَحَافِظُونَ (9)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (نَحْنُ نَزَّلْنَا) : نَحْنُ هُنَا
لَيْسَتْ فَصْلًا ; لِأَنَّهَا لَمْ تَقَعْ بَيْنَ اسْمَيْنِ ;
بَلْ هِيَ إِمَّا مُبْتَدَأٌ، أَوْ تَأْكِيدٌ لِاسْمِ إِنَّ.
قَالَ تَعَالَى: (وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا
كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (11)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) :
الْجُمْلَةُ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ الْمَفْعُولِ فِي
«يَأْتِيهِمْ» ، وَهِيَ حَالٌ مُقَدَّرَةٌ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ صِفَةً لِرَسُولٍ عَلَى اللَّفْظِ،
أَوِ الْمَوْضِعِ.
قَالَ تَعَالَى: (كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ
الْمُجْرِمِينَ (12)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (كَذَلِكَ) : أَيِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ ; أَيْ
سُلُوكًا مِثْلَ اسْتِهْزَائِهِمْ.
وَالْهَاءُ فِي (نَسْلُكُهُ) تَعُودُ عَلَى الِاسْتِهْزَاءِ،
وَالْهَاءُ فِي (بِهِ) لِلرَّسُولِ، أَوْ لِلْقُرْآنِ.
(2/777)
وَلَوْ فَتَحْنَا
عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ
يَعْرُجُونَ (14) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا
بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (15) وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي
السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16)
وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (17) إِلَّا مَنِ
اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ (18)
وَقِيلَ: لِلِاسْتِهْزَاءِ أَيْضًا.
وَالْمَعْنَى: لَا يُؤْمِنُونَ بِسَبَبِ الِاسْتِهْزَاءِ،
فَحُذِفَ الْمُضَافُ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا ; أَيْ لَا يُؤْمِنُونَ
مُسْتَهْزِئِينَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ
السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقَالُوا
إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ
مَسْحُورُونَ (15)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَظَلُّوا) : الضَّمِيرُ لِلْمَلَائِكَةِ،
وَقِيلَ: لِلْمُشْرِكِينَ. فَأَمَّا الضَّمِيرُ فِي «قَالُوا»
فَلِلْمُشْرِكِينَ أَلْبَتَّةَ.
(سُكِّرَتْ) : يُقْرَأُ بِالتَّشْدِيدِ وَالضَّمِّ، وَهُوَ
مَنْقُولٌ بِالتَّضْعِيفِ ; يُقَالُ: سَكَرَ بَصَرُهُ،
وَسَكَّرْتُهُ. وَيُقْرَأُ بِالتَّخْفِيفِ، وَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مُتَعَدٍّ مُخَفَّفًا وَمُثَقَّلًا.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ مِثْلُ سُعِدَ ; وَقَدْ ذُكِرَ فِي
هُودٍ.
وَيُقْرَأُ بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِ الْكَافِ ; أَيْ
سُدَّتْ وَغُطِّيَتْ كَمَا يُغَطِي السُّكْرُ عَلَى الْعَقْلِ.
وَقِيلَ: هُوَ مُطَاوِعُ أَسْكَرْتُ الشَّيْءَ فَسَكِرَ ; أَيِ
انْسَدَّ.
قَالَ تَعَالَى: (وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ
(17) إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ
مُبِينٌ (18)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ) : فِي
مَوْضِعِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:
الْأَوَّلُ: نَصْبٌ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ.
وَالثَّانِي: جَرٌّ عَلَى الْبَدَلِ ; أَيْ إِلَّا مِمَّنِ
اسْتَرَقَ. وَالثَّالِثُ: رَفْعٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ. وَ
«فَأَتْبَعَهُ» : الْخَبَرُ، وَجَازَ دُخُولُ الْفَاءِ فِيهِ
مِنْ أَجْلِ أَنَّ «مَنْ» بِمَعْنَى الَّذِي، أَوْ شَرْطٌ.
(2/778)
وَالْأَرْضَ
مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا
فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19) وَجَعَلْنَا لَكُمْ
فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (20)
وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا
نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21) وَأَرْسَلْنَا
الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً
فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22)
قَالَ تَعَالَى: (وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا
وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ
كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالْأَرْضَ) : مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ
مَحْذُوفٍ ; أَيْ وَمَدَدْنَا الْأَرْضَ، وَهُوَ أَحْسَنُ مِنَ
الرَّفْعِ ; لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْبُرُوجِ، وَقَدْ
عَمِلَ فِيهَا الْفِعْلُ.
(وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) : أَيْ
وَأَنْبَتْنَا فِيهَا ضُرُوبًا. وَعِنْدَ الْأَخْفَشِ «مِنْ»
زَائِدَةٌ.
قَالَ تَعَالَى: (وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ
لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (20)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَنْ لَسْتُمْ) : فِي مَوْضِعِهَا
وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: نَصْبٌ لَجَعَلْنَا، وَالْمُرَادُ بِمَنْ:
الْعَبِيدُ، وَالْإِمَاءُ، وَالْبَهَائِمُ، فَإِنَّهَا
مَخْلُوقَةٌ
لِمَنَافِعِنَا. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: هُوَ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ
مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: وَأَعَشْنَا مَنْ لَسْتُمْ لَهُ. . . ;
لِأَنَّ الْمَعْنَى: أَعَشْنَاكُمْ وَأَعَشْنَا مَنْ لَسْتُمْ.
. . وَالثَّانِي: مَوْضِعُهُ جَرٌّ ; أَيْ لَكُمْ وَلِمَنْ
لَسْتُمْ. . . وَهَذَا يَجُوزُ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا
خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ
(21)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ) :
الْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى الْخَبَرِ. وَ «مِنْ
شَيْءٍ» : مُبْتَدَأٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً ;
إِذْ لَا خَبَرَ هُنَا.
وَ (خَزَائِنُهُ) : مَرْفُوعٌ بِالظَّرْفِ ; لِأَنَّهُ قَوِيٌّ
بِكَوْنِهِ خَبَرًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً،
وَالظَّرْفُ خَبَرُهُ.
(بِقَدَرٍ) : فِي مَوْضِعِ الْحَالِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ
فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ
وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22)) .
(2/779)
وَأَرْسَلْنَا
الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً
فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22)
وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ
(23) وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ
عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24) وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ
يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (25) وَلَقَدْ خَلَقْنَا
الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (26)
وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ
(27)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (الرِّيَاحَ) :
الْجُمْهُورُ عَلَى الْجَمْعِ، وَهُوَ مُلَائِمٌ لِمَا
بَعْدَهُ لَفْظًا وَمَعْنًى.
وَيُقْرَأُ عَلَى لَفْظِ الْوَاحِدِ وَهُوَ جِنْسٌ.
وَفِي اللَّوَاقِحِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَصْلُهَا مَلَاقِحُ ; لِأَنَّهُ يُقَالُ: أَلْقَحَ
الرِّيحُ السَّحَابَ، كَمَا يُقَالُ: أَلْقَحَ الْفَحْلُ
الْأُنْثَى ; أَيْ أَحْبَلَهَا، وَحُذِفَتِ الْمِيمُ لِظُهُورِ
الْمَعْنَى، وَمِثْلُهُ الطَّوَائِحُ، وَالْأَصْلُ
الْمَطَاوِحُ ; لِأَنَّهُ مِنْ أَطَاحَ الشَّيْءَ. وَالْوَجْهُ
الثَّانِي: أَنَّهُ عَلَى النَّسَبِ ; أَيْ ذَوَاتِ لَقَاحٍ
كَمَا يُقَالُ: طَالِقٌ وَطَامِسٌ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ
عَلَى حَقِيقَتِهِ، يُقَالُ: لَقِحَتِ الرِّيحُ، إِذَا
حَمَلَتِ الْمَاءَ، وَأَلْقَحَتِ الرِّيحُ السَّحَابَ، إِذَا
حَمَّلَتْهَا الْمَاءَ، كَمَا تَقُولُ: أَلْقَحَ الْفَحْلُ
الْأُنْثَى فَلَقِحَتْ، وَانْتِصَابُهُ عَلَى الْحَالِ
الْمُقَدَّرَةِ.
(فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ) : يُقَالُ: سَقَاهُ، وَأَسْقَاهُ
لُغَتَانِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يُفَرِّقُ ; فَيَقُولُ سَقَاهُ
لِشَفَتِهِ، إِذَا أَعْطَاهُ مَا يَشْرَبُهُ فِي الْحَالِ،
أَوْ صَبَّهُ فِي حَلْقِهِ. وَأَسْقَاهُ، إِذَا جَعَلَ لَهُ
مَا يَشْرَبُهُ زَمَانًا. وَيُقَالُ: أَسْقَاهُ، إِذَا دَعَا
لَهُ بِالسُّقْيَا.
قَالَ تَعَالَى: (وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ
وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ (23)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِنَّا لَنَحْنُ) : نَحْنُ هُنَا لَا
تَكُونُ فَصْلًا لِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ بَعْدَهَا فِعْلًا. وَالثَّانِي: أَنَّ
اللَّامَ مَعَهَا.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ
صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ (26)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنْ حَمَأٍ) : فِي مَوْضِعِ جَرِّ صِفَةٍ
لِصَلْصَالٍ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ صَلْصَالٍ، بِإِعَادَةِ
الْجَارِّ.
قَالَ تَعَالَى: (وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ
نَارِ السَّمُومِ (27)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالْجَانَّ) : مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ
مَحْذُوفٍ لِيُشَاكِلَ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ
(2/780)
فَإِذَا سَوَّيْتُهُ
وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29)
فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلَّا
إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31) قَالَ
يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ
(32) قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ
صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (33) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا
فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى
يَوْمِ الدِّينِ (35) قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ
يُبْعَثُونَ (36) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (37)
إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (38) قَالَ رَبِّ بِمَا
أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ
وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ
مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ
مُسْتَقِيمٌ (41)
وَلَو قرئَ بِالرَّفْع جَازَ.
قَالَ تَعَالَى: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ
رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ
كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَقَعُوا لَهُ) : يَجُوزُ أَنْ
تَتَعَلَّقَ اللَّامُ بِقَعُوا، وَبِـ «سَاجِدِينَ» .
وَ (أَجْمَعُونَ) : تَوْكِيدٌ ثَانٍ عِنْدِ الْجُمْهُورِ.
وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا أَفَادَتْ مَا لَمْ تُفِدْهُ
«كُلُّهُمْ» ; وَهُوَ أَنَّهَا دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْجَمِيعَ
سَجَدُوا فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ. وَهَذَا بَعِيدٌ ; لِأَنَّكَ
تَقُولُ: جَاءَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ، وَإِنْ
سَبَقَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ; وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَمَا
زُعِمَ لَكَانَ حَالًا لَا تَوْكِيدًا.
(إِلَّا إِبْلِيسَ) : قَدْ ذُكِرَ فِي الْبَقَرَةِ.
(قَالَ تَعَالَى: (وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ
الدِّينِ (35)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِلَى يَوْمِ الدِّينِ) : يَجُوزُ أَنْ
يَكُونَ مَعْمُولَ اللَّعْنَةِ. وَأَنْ يَكُونَ حَالًا
مِنْهَا، وَالْعَامِلُ الِاسْتِقْرَارُ فِي «عَلَيْكَ» .
قَالَ تَعَالَى: (قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي
لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ
أَجْمَعِينَ (39)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (بِمَا أَغْوَيْتَنِي) : قَدْ ذُكِرَ فِي
الْأَعْرَافِ.
قَالَ تَعَالَى: (إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ
(40)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِلَّا عِبَادَكَ) : اسْتِثْنَاءٌ مِنَ
الْجِنْسِ ; وَهَلِ الْمُسْتَثْنَى أَكْثَرُ مِنَ النِّصْفِ
أَوْ أَقَلُّ؟ فِيهِ اخْتِلَافٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ
أَقَلُّ.
قَالَ تَعَالَى: (قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ
(41)) ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ) : قِيلَ: عَلَى
بِمَعْنَى إِلَى ; فَيَتَعَلَّقُ بِمُسْتَقِيمٍ، أَوْ يَكُونُ
وَصْفًا لِصِرَاطٍ. وَقِيلَ: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْنَى.
وَالْمَعْنَى: اسْتِقَامَتُهُ عَلَيَّ.
(2/781)
إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ
لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ
الْغَاوِينَ (42) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ
أَجْمَعِينَ (43) لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ
مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (44)
وَيُقْرَأُ «عَلِيٌّ» أَيْ عَلِيُّ
الْقَدْرِ. وَالْمُرَادُ بِالصِّرَاطِ: الدِّينُ.
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ
سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ) : قِيلَ: هُوَ
اسْتِثْنَاءٌ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ
بِعِبَادِي الْمُوَحِّدُونَ، وَمُتَّبِعُ الشَّيْطَانِ غَيْرُ
مُوَحِّدٍ. وَقِيلَ: هُوَ مِنَ الْجِنْسِ ; لِأَنَّ عِبَادِي
جَمِيعُ الْمُكَلَّفِينَ. وَقِيلَ: «إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ»
اسْتِثْنَاءٌ لَيْسَ مِنَ الْجِنْسِ ; لِأَنَّ جَمِيعَ
الْعِبَادِ لَيْسَ لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ; أَيْ
حُجَّةٌ وَمَنِ اتَّبَعَهُ لَا يُضِلُّهُمْ بِالْحُجَّةِ، بَلْ
بِالتَّزْيِينِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ
أَجْمَعِينَ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَجْمَعِينَ) : هُوَ تَوْكِيدٌ
لِلضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ.
وَقِيلَ: هُوَ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ،
وَالْعَامِلُ فِيهِ مَعْنَى الْإِضَافَةِ.
فَأَمَّا الْمَوْعِدُ إِذَا جَعَلْتَهُ نَفْسَ الْمَكَانِ
فَلَا يَعْمَلُ، وَإِنْ قَدَّرْتَ هُنَا حَذْفَ مُضَافٍ، صَحَّ
أَنْ يَعْمَلَ الْمَوْعِدُ ; وَالتَّقْدِيرُ: وَإِنَّ
جَهَنَّمَ مَكَانُ مَوْعِدِهِمْ.
قَالَ تَعَالَى: (لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ
مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (44)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ) : يَجُوزُ أَنْ
يَكُونَ خَبَرًا ثَانِيًا، وَأَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ جَهَنَّمَ ; لِأَنَّ
«إِنَّ» لَا تَعْمَلُ فِي الْحَالِ.
(مِنْهُمْ) : فِي مَوْضِعِ حَالٍ مِنَ الضَّمِيرِ الْكَائِنِ
فِي الظَّرْفِ ; وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (لِكُلِّ بَابٍ)
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ «جُزْءٌ» ، وَهُوَ صِفَةٌ
لَهُ ثَانِيَةٌ قُدِّمَتْ عَلَيْهِ.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي
«مَقْسُومٌ» لِأَنَّ الصِّفَةَ لَا تَعْمَلُ فِي الْمَوْصُوفِ
وَلَا فِيمَا قَبْلَهُ ; وَلَا يَكُونُ صِفَةً لِبَابٍ ;
لِأَنَّ الْبَابَ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ.
(2/782)
إِنَّ الْمُتَّقِينَ
فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ
(46) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا
عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47) لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا
نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ (48)
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي
جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (46))
.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَعُيُونٍ ادْخُلُوهَا) : يُقْرَأُ عَلَى
لَفْظِ الْأَمْرِ، وَيَجُوزُ كَسْرُ التَّنْوِينِ وَضَمُّهُ ;
وَقَطْعُ الْهَمْزَةِ عَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ.
وَيُقْرَأُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ، وَكَسْرِ الْخَاءِ، عَلَى
أَنَّهُ مَاضٍ ; فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ كَسْرُ
التَّنْوِينِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَقِ سَاكِنَانِ ; بَلْ
يَجُوزُ ضَمُّهُ عَلَى إِلْقَاءِ ضَمَّةِ الْهَمْزَةِ عَلَيْهِ
; وَيَجُوزُ قَطْعُ الْهَمْزَةِ.
(بِسَلَامٍ) : حَالٌ ; أَيْ سَالِمِينَ، أَوْ مُسَلَّمًا
عَلَيْهِمْ.
وَ (آمِنِينَ) : حَالٌ أُخْرَى بَدَلٌ مِنَ الْأُولَى.
قَالَ تَعَالَى: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ
إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِخْوَانًا) : هُوَ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ
فِي الظَّرْفِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (جَنَّاتٍ) .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْفَاعِلِ فِي
«ادْخُلُوهَا» مَقَدَّرَةً، أَوْ مِنَ الضَّمِيرِ فِي
«آمِنِينَ» .
وَقِيلَ: هُوَ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ
بِالْإِضَافَةِ ; وَالْعَامِلُ فِيهَا مَعْنَى الْإِلْصَاقِ
وَالْمُلَازَمَةِ.
(مُتَقَابِلِينَ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِإِخْوَانٍ ;
فَتَتَعَلَّقُ «عَلَى» بِهَا.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي الْجَارِّ
; فَيَتَعَلَّقُ الْجَارُّ بِمَحْذُوفٍ، وَهُوَ صِفَةٌ
لِإِخْوَانٍ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِنَفْسِ إِخْوَانٍ ; لِأَنَّ
مَعْنَاهُ مُتَصَافِّينَ ; فَعَلَى هَذَا يَنْتَصِبُ
«مُتَقَابِلِينَ» عَلَى الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ فِي
إِخْوَانٍ.
قَالَ تَعَالَى: (لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ
مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ (48)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَا يَمَسُّهُمْ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ
حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي مُتَقَابِلِينَ. وَأَنْ يَكُونَ
مُسْتَأْنَفًا.
وَ (مِنْهَا) : يَتَعَلَّقُ بِمُخْرَجِينَ.
(2/783)
نَبِّئْ عِبَادِي
أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي
هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50) وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ
إِبْرَاهِيمَ (51) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا
قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52) قَالُوا لَا تَوْجَلْ
إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (53) قَالَ
أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ
تُبَشِّرُونَ (54)
قَالَ تَعَالَى: (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي
أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ
الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَنَا الْغَفُورُ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ
تَوْكِيدًا لِلْمَنْصُوبِ، وَمُبْتَدَأً، وَفَصْلًا. فَأَمَّا
قَوْلُهُ: «هُوَ الْعَذَابُ» فَيَجُوزُ فِيهَا الْفَصْلُ
وَالِابْتِدَاءُ ; وَلَا يَجُوزُ التَّوْكِيدُ ; لِأَنَّ
الْعَذَابَ مُظْهَرٌ، وَالْمُظْهَرُ لَا يُؤَكَّدُ
بِالْمُضْمَرِ.
قَالَ تَعَالَى: (إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا
قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِذْ دَخَلُوا) : فِي «إِذْ» وَجْهَانِ ;
أَحَدُهُمَا: هُوَ مَفْعُولٌ ; أَيِ اذْكُرْ إِذْ دَخَلُوا.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا. وَفِي الْعَامِلِ
وَجْهَانِ ; أَحَدُهُمَا: نَفْسُ ضَيْفٍ فَإِنَّهُ مَصْدَرٌ.
وَفِي تَوْجِيهِ ذَلِكَ وَجْهَانِ ; أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ
عَامِلًا بِنَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ وَصْفًا ; لِأَنَّ كَوْنَهُ
وَصْفًا لَا يَسْلُبُهُ أَحْكَامَ الْمَصَادِرِ، أَلَا تَرَى
أَنَّهُ لَا يُجْمَعُ وَلَا يُثَنَّى وَلَا يُؤَنَّثُ كَمَا
لَوْ لَمْ يُوصَفْ بِهِ.
وَيُقَوِّي ذَلِكَ أَنَّ الْوَصْفَ الَّذِي قَامَ الْمَصْدَرُ
مَقَامَهُ يَجُوزُ أَنْ يَعْمَلَ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ
يَكُونَ فِي الْكَلَامِ حَذْفُ مُضَافٍ، تَقْدِيرُهُ:
نَبِّئْهُمْ عَنْ ذَوِي ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ; أَيْ أَصْحَابِ
ضِيَافَتِهِ، وَالْمَصْدَرُ عَلَى هَذَا مُضَافٌ إِلَى
الْمَفْعُولِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ وَجْهَيِ الظَّرْفِ:
أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ مَحْذُوفًا، تَقْدِيرُهُ: عَنْ خَبَرِ
ضَيْفٍ.
(فَقَالُوا سَلَامًا) : قَدْ ذُكِرَ فِي هُودٍ.
قَالَ تَعَالَى: (قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ
مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54)) .
قَوْلُهُ: (عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ) : هُوَ فِي مَوْضِعِ
الْحَالِ ; أَيْ بَشَّرْتُمُونِي كَبِيرًا.
(فَبِمَ تُبَشِّرُونَي) : يُقْرَأُ بِفَتْحِ النُّونِ وَهُوَ
الْوَجْهُ، وَالنُّونُ عَلَامَةُ الرَّفْعِ.
(2/784)
قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ
مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56) قَالَ فَمَا
خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (57) قَالُوا إِنَّا
أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (58) إِلَّا آلَ لُوطٍ
إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59) إِلَّا امْرَأَتَهُ
قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (60)
وَيُقْرَأُ بِكَسْرِهَا وَيَاء
الْإِضَافَةِ مَحْذُوفَةٌ ; وَفِي النُّونِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: هِيَ نُونُ الْوِقَايَةِ، وَنُونُ الرَّفْعِ
مَحْذُوفَةٌ لِثِقَلِ الْمِثْلَيْنِ، وَكَانَتِ الْأُولَى
أَحَقَّ بِالْحَذْفِ ; إِذْ لَوْ بَقِيَتْ لَكُسِرَتْ، وَنُونُ
الْإِعْرَابِ لَا تُكْسَرُ لِئَلَّا تَصِيرَ تَابِعَةً، وَقَدْ
جَاءَ ذَلِكَ فِي الشِّعْرِ. وَالثَّانِي: أَنَّ نُونَ
الْوِقَايَةِ مَحْذُوفَةٌ، وَالْبَاقِيَةُ نُونُ الرَّفْعِ ;
لِأَنَّ الْفِعْلَ مَرْفُوعٌ فَأُبْقِيَتْ عَلَامَتُهُ.
وَالْقِرَاءَةُ بِالتَّشْدِيدِ أَوْجَهُ.
قَالَ تَعَالَى: (قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ
إِلَّا الضَّالُّونَ (56)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَنْ يَقْنَطُ) : «مَنْ» : مُبْتَدَأٌ.
وَ «يَقْنَطُ» : خَبَرُهُ، وَاللَّفْظُ اسْتِفْهَامٌ،
وَمَعْنَاهُ النَّفْيُ ; فَلِذَلِكَ جَاءَتْ بَعْدَهُ إِلَّا.
وَفِي «يَقْنَطُ» لُغَتَانِ: كَسْرُ النُّونِ وَمَاضِيهِ
بِفَتْحِهَا، وَفَتْحُهَا وَمَاضِيهِ بِكَسْرِهَا، وَقَدْ
قُرِئَ بِهِمَا ; وَالْكَسْرُ أَجْوَدُ، لِقَوْلِهِ: (مِنَ
الْقَانِطِينَ) [الْحِجْرُ: 55] وَيَجُوزُ قَانِطٌ وَقَنِطٌ.
قَالَ تَعَالَى: (قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ
مُجْرِمِينَ (58) إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ
أَجْمَعِينَ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ
الْغَابِرِينَ (59))
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِلَّا آلَ لُوطٍ) : هُوَ اسْتِثْنَاءٌ
مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا
مُجْرِمِينَ.
(إِلَّا امْرَأَتَهُ) : فِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: هُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ آلِ لُوطٍ
وَالِاسْتِثْنَاءُ إِذَا جَاءَ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ كَانَ
الِاسْتِثْنَاءُ الثَّانِي مُضَافًا إِلَى الْمُبْتَدَأِ ;
كَقَوْلِكَ: لَهُ عِنْدِي عَشَرَةٌ إِلَّا أَرْبَعَةً إِلَّا
دِرْهَمًا، فَإِنَّ الدِّرْهَمَ يُسْتَثْنَى مِنَ
الْأَرْبَعَةِ ; فَهُوَ مُضَافٌ إِلَى الْعَشَرَةِ فَكَأَنَّكَ
قُلْتَ: أَحَدَ عَشَرَ إِلَّا أَرْبَعَةً، أَوْ عَشَرَةٌ
إِلَّا ثَلَاثَةً. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ
مُسْتَثْنًى مِنْ ضَمِيرِ الْمَفْعُولِ فِي «مُنَجُّوهُمْ» .
(قَدَّرْنَا) : يُقْرَأُ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ،
وَهُمَا لُغَتَانِ.
(إِنَّهَا) : كُسِرَتْ إِنَّ هَاهُنَا مِنْ أَجْلِ اللَّامِ
فِي خَبَرِهَا، وَلَوْلَا اللَّامُ لَفُتِحَتْ.
(2/785)
وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ
ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ
مُصْبِحِينَ (66) وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ
(67) قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ (68)
وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ (69) قَالُوا أَوَلَمْ
نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ (70) قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي
إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (71) لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي
سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72)
قَالَ تَعَالَى: (وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ
ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ
مُصْبِحِينَ (66)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (ذَلِكَ الْأَمْرَ) : فِي الْأَمْرِ
وَجْهَانِ ; أَحَدُهُمَا: هُوَ بَدَلٌ. وَالثَّانِي: عَطْفُ
بَيَانٍ.
(أَنَّ دَابِرَ) : هُوَ بَدَلٌ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ مِنَ
الْأَمْرِ إِذَا جَعَلْتَهُ بَيَانًا. وَقِيلَ: تَقْدِيرُهُ:
بِأَنَّ، فَحُذِفَ حَرْفُ الْجَرِّ.
(مَقْطُوعٌ) : خَبَرُ «أَنَّ دَابِرَ» .
وَ (مُصْبِحِينَ) : حَالٌ مِنْ هَؤُلَاءِ. وَيَجُوزُ أَنْ
يَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي «مَقْطُوعٌ» وَتَأْوِيلُهُ
أَنَّ دَابِرَ هُنَا فِي مَعْنَى مُدْبِرِي هَؤُلَاءِ،
فَأَفْرَدَهُ، وَأَفْرَدَ مَقْطُوعًا ; لِأَنَّهُ خَبَرُهُ،
وَجَاءَ مُصْبِحِينَ عَلَى الْمَعْنَى.
قَالَ تَعَالَى: (قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ
الْعَالَمِينَ (70)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (عَنِ الْعَالَمِينَ) : أَيْ عَنْ
ضِيَافَةِ الْعَالَمِينَ.
قَالَ تَعَالَى: (قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ
فَاعِلِينَ (71)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (هَؤُلَاءِ بَنَاتِي) : يَجُوزُ أَنْ
يَكُونَ مُبْتَدَأً ; وَ «بَنَاتِي» خَبَرُهُ ; وَفِي
الْكَلَامِ حَذْفٌ ; أَيْ فَتَزَوَّجُوهُنَّ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَنَاتِي بَدَلًا، أَوْ بَيَانًا،
وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ ; أَيْ أَطْهَرُ لَكُمْ ; كَمَا جَاءَ
فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَؤُلَاءِ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ
بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ ; أَيْ قَالَ تَزَوَّجُوا هَؤُلَاءِ.
قَالَ تَعَالَى: (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ
يَعْمَهُونَ (72)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ) :
الْجُمْهُورُ عَلَى كَسْرِ إِنَّ مِنْ أَجْلِ اللَّامِ.
وَقُرِئَ بِفَتْحِهَا عَلَى تَقْدِيرِ زِيَادَةِ اللَّامِ ;
وَمِثْلُهُ قِرَاءَةُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ رَضِيَ اللَّهُ
تَعَالَى عَنْهُ. (إِلَّا أَنَّهُمْ لَيَأْكُلُوا الطَّعَامَ)
[الْفَرْقَانُ: 20] بِالْفَتْحِ.
وَ (يَعْمَهُونَ) : حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي الْجَارِّ، أَوْ
مِنَ الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ فِي «سَكْرَتِهِمْ» وَالْعَامِلُ
السَّكْرَةُ، أَوْ مَعْنَى الْإِضَافَةِ.
(2/786)
لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ
لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72)
قَالَ تَعَالَى: (كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى
الْمُقْتَسِمِينَ (90) الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ
(91)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (كَمَا أَنْزَلْنَا) : الْكَافُ فِي
مَوْضِعِ نَصْبٍ نَعْتًا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، تَقْدِيرُهُ:
آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي إِيتَاءً كَمَا
أَنْزَلْنَا ; أَوْ إِنْزَالًا كَمَا أَنْزَلْنَا ; لِأَنَّ
آتَيْنَاكَ بِمَعْنَى أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ. وَقِيلَ:
التَّقْدِيرُ: مَتَّعْنَاهُمْ تَمْتِيعًا كَمَا أَنْزَلْنَا ;
وَالْمَعْنَى: نَعَّمْنَا بَعْضَهُمْ كَمَا عَذَّبْنَا
بَعْضَهُمْ.
وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: إِنْزَالًا مِثْلَ مَا أَنْزَلْنَا ;
فَيَكُونُ وَصْفًا لِمَصْدَرٍ.
وَقِيلَ: هُوَ وَصْفٌ لِمَفْعُولٍ تَقْدِيرُهُ: إِنِّي
أُنْذِرُكُمْ عَذَابًا مِثْلَ الْعَذَابِ الْمُنَزَّلِ عَلَى
الْمُقْتَسِمِينَ. وَالْمُرَادُ بِالْمُقْتَسِمِينَ قَوْمُ
صَالِحٍ الَّذِينَ اقْتَسَمُوا عَلَى تَبْيِيتِهِ وَتَبْيِيتِ
أَهْلِهِ.
وَقِيلَ: هُمُ الَّذِينَ قَسَّمُوا الْقُرْآنَ إِلَى شِعْرٍ
وَإِلَى سِحْرٍ وَكِهَانَةٍ.
وَقِيلَ: تَقْدِيرُهُ: لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ مِثْلَ
مَا أَنْزَلْنَا.
وَوَاحِدُ «عِضِينَ» عِضَةٌ، وَلَامُهَا مَحْذُوفَةٌ،
وَالْأَصْلُ عِضْوَةٌ.
وَقِيلَ: الْمَحْذُوفُ هَاءٌ، وَهُوَ مِنْ عَضَهَ يَعْضَهُ ;
وَهُوَ مِنَ الْعَضِيهَةِ ; وَهِيَ الْإِفْكُ، أَوِ
الدَّاهِيَةُ.
قَالَ تَعَالَى: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ
الْمُشْرِكِينَ (94)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (بِمَا تُؤْمَرُ) : مَا مَصْدَرِيَّةٌ،
فَلَا مَحْذُوفَ إِذًا.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى الَّذِي وَالْعَائِدُ
مَحْذُوفٌ ; أَيْ بِمَا تُؤْمَرُ بِهِ ; وَالْأَصْلُ: بِمَا
تُؤْمَرُ بِالصَّدْعِ بِهِ، ثُمَّ حُذِفَ لِلْعِلْمِ بِهِ.
قَالَ تَعَالَى: (الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا
آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (96)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (الَّذِينَ يَجْعَلُونَ) : صِفَةٌ
لِلْمُسْتَهْزِئِينَ، أَوْ مَنْصُوبٌ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ، أَوْ
مَرْفُوعٌ عَلَى تَقْدِيرِ «هُمْ» .
(2/787)
|