التبيان في إعراب القرآن طس تِلْكَ آيَاتُ
الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1) هُدًى وَبُشْرَى
لِلْمُؤْمِنِينَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ
وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ
(3) إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا
لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (4) أُولَئِكَ
الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ
الْأَخْسَرُونَ (5) وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ
لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6) إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ
إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ
آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7)
سُورَةُ النَّمْلِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قَالَ تَعَالَى: (طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ
مُبِينٍ (1)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ) : هُوَ مِثْلُ
قَوْلِهِ: (ذَلِكَ الْكِتَابُ) [الْبَقَرَةِ: 2] فِي أَوَّلِ
الْبَقَرَةِ.
(وَكِتَابٍ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْمَجْرُورِ،
وَبِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى «آيَاتُ» وَجَاءَ بِالْوَاوِ،
كَمَا جَاءَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ
سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ)
[الْحِجْرِ: 87] . وَقَدْ ذُكِرَ.
فَإِنْ قِيلَ: مَا وَجْهُ الرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى آيَاتٍ؟
فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ؛
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْكِتَابَ مَجْمُوعُ آيَاتٍ، فَكَأَنَّ
التَّأْنِيثَ عَلَى الْمَعْنَى.
وَالثَّانِي:أَن التَّقْدِير وآيات كتاب فأقيم الْمُضَاف
إِلَيْهِ مقَام الْمُضَاف
وَالثَّالِث: أَنَّهُ حَسُنَ لَمَّا صَحَّتِ الْإِشَارَةُ
إِلَى آيَاتٍ، وَلَوْ وَلِيَ الْكِتَابُ «تِلْكَ» لَمْ
يَحْسُنْ؛ أَلَا تَرَى أَنَّكَ تَقُولُ: جَاءَتْنِي هِنْدٌ
وَزَيْدٌ، وَلَوْ حَذَفْتَ هِنْدًا أَوْ أَخَّرْتَهَا لَمْ
يَجُزِ التَّأْنِيثُ.
قَالَ تَعَالَى: (هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (هُدًى وَبُشْرَى) : هُمَا فِي مَوْضِعِ
الْحَالِ مِنْ «آيَاتُ» أَوْ مِنْ «كِتَابٍ» إِذَا رَفَعْتَ؛
وَيَضْعُفُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمَجْرُورِ. وَيَجُوزُ أَنْ
يَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي «مُبِينٍ» جَرَرْتَ أَوْ
رَفَعْتَ؛ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَا فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ
خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ، أَوْ عَلَى حَذْفِ مُبْتَدَأٍ.
قَالَ تَعَالَى: (إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ
نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ
قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِذْ قَالَ مُوسَى) : أَيْ وَاذْكُرْ.
(2/1003)
إِذْ قَالَ مُوسَى
لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ
أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7)
فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ
وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (بِشِهَابٍ قَبَسٍ) :
الْإِضَافَةُ مِنْ بَابِ «ثَوْبِ خَزٍّ» لِأَنَّ الشِّهَابَ
نَوْعٌ مِنَ الْقَبَسِ؛ أَيِ الْمَقْبُوسِ. وَالتَّنْوِينُ
عَلَى الصِّفَةِ.
وَالطَّاءُ فِي «يَصْطَلُونَ» بَدَلٌ مِنْ تَاءِ افْتَعَلَ
مِنْ أَجْلِ الصَّادِ.
قَالَ تَعَالَى: (فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ
فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ (8)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (نُودِيَ) : فِي ضَمِيرِ الْفَاعِلِ
ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ؛ أَحَدُهَا: هُوَ ضَمِيرُ مُوسَى عَلَيْهِ
السَّلَامُ؛ فَعَلَى هَذَا فِي «أَنْ» ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:
الْأَوَّلُ: هِيَ بِمَعْنَى أَيْ؛ لِأَنَّ فِي النِّدَاءِ
مَعْنَى الْقَوْلِ. وَالثَّانِي: هِيَ مَصْدَرِيَّةٌ،
وَالْفِعْلُ صِلَةٌ لَهَا، وَالتَّقْدِيرُ: لِبَرَكَةِ مَنْ
فِي النَّارِ، أَوْ بِبَرَكَةٍ: أَيْ أُعْلِمَ بِذَلِكَ.
وَالثَّالِثُ: هِيَ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ، وَجَازَ
ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ؛ لِأَنَّ «بُورِكَ» دُعَاءٌ،
وَالدُّعَاءُ يُخَالِفُ غَيْرَهُ فِي أَحْكَامٍ كَثِيرَةٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا ضَمِيرَ فِي «نُودِيَ»
وَالْمَرْفُوعُ بِهِ «أَنْ بُورِكَ» وَالتَّقْدِيرُ: نُودِيَ
بِأَنْ بُورِكَ، كَمَا تَقُولُ: قَدْ نُودِيَ بِالرُّخْصِ.
وَالثَّالِثُ: الْمَصْدَرُ مُضْمَرٌ؛ أَيْ نُودِيَ النِّدَاءُ،
ثُمَّ فُسِّرَ بِمَا بَعْدَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (ثُمَّ
بَدَا لَهُمْ) [يُوسُفَ: 35] .
وَأَمَّا «مَنْ» فَمَرْفُوعَةٌ بِبُورِكَ؛ وَالتَّقْدِيرُ:
بُورِكَ مَنْ فِي جِوَارِ. . .، وَبُورِكَ مَنْ حَوْلَهَا.
وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: بُورِكَ مَكَانُ مَنْ فِي النَّارِ،
وَمَكَانُ مَنْ حَوْلَهَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ.
(2/1004)
يَا مُوسَى إِنَّهُ
أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) وَأَلْقِ عَصَاكَ
فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا
وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ
لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ
حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11)
وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ
غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ
إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (12) فَلَمَّا
جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ
مُبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا
أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ
عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14) وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ
وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي
فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15)
وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ
عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ
إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) وَحُشِرَ
لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ
وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذَا أَتَوْا
عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا
النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ
سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18)
فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ
أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ
عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا
تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ
الصَّالِحِينَ (19)
قَالَ تَعَالَى: (يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا
اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ) : الْهَاءُ
ضَمِيرُ الشَّأْنِ، وَ «أَنَا اللَّهُ» مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ضَمِيرَ «رَبِّ» أَيْ: إِنَّ الرَّبَّ
أَنَا اللَّهُ، فَيَكُونُ «أَنَا» فَصْلًا، أَوْ تَوْكِيدًا،
أَوْ خَبَرَ إِنَّ، وَ «اللَّهُ» بَدَلٌ مِنْهُ.
قَالَ تَعَالَى: (وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ
كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا
مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ
(10)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (تَهْتَزُّ) : هُوَ حَالٌ مِنَ الْهَاءِ
فِي «رَآهَا» .
وَ (كَأَنَّهَا جَانٌّ) : حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي
تَهْتَزُّ.
قَالَ تَعَالَى: (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا
بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ) : هُوَ اسْتِثْنَاءٌ
مُنْقَطِعٌ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بَدَلًا مِنَ
الْفَاعِلِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ
بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى
فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ
(12) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا
سِحْرٌ مُبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا
أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ
عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14) وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ
وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي
فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15)
وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ
عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ
إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) وَحُشِرَ
لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ
وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذَا أَتَوْا
عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا
النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ
سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18)
فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ
أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ
عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا
تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ
الصَّالِحِينَ (19))
قَوْلُهُ تَعَالَى: (بَيْضَاءَ) : حَالٌ. وَ «مِنْ غَيْرِ
سُوءٍ» حَالٌ أُخْرَى. وَ «فِي تِسْعِ» حَالٌ ثَالِثَةٌ،
وَالتَّقْدِيرُ: آيَةٌ فِي تِسْعِ آيَاتٍ.
وَ (إِلَى) : مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ، تَقْدِيرُهُ:
مُرْسَلًا إِلَى فِرْعَوْنَ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِتِسْعٍ، أَوْ لِآيَاتٍ؛ أَيْ
وَاصِلَةٌ إِلَى فِرْعَوْنَ.
(2/1005)
فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا
مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ
نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ
وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي
بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19) وَتَفَقَّدَ
الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ
مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا
أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ
(21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ
تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22)
إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ
كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23)
وَ (مُبْصِرَةً) : حَالٌ، وَيُقْرَأُ
بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالصَّادِ، وَهُوَ مَصْدَرٌ مَفْعُولٌ
لَهُ؛ أَيْ تَبْصِرَةً.
وَ «ظُلْمًا» : حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي «جَحَدُوا»
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا مِنْ أَجْلِهِ.
وَيُقْرَأُ: «غُلُوًّا» بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ؛
وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ.
وَ (كَيْفَ) : خَبَرُ كَانَ، وَ (عَاقِبَةُ) اسْمُهَا.
وَ (مِنَ الْجِنِّ) : حَالٌ مِنْ «جُنُودِهِ» .
وَ (نَمْلَةٌ) : بِسُكُونِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ.
(ادْخُلُوا) : أَتَى بِضَمِيرِ مَنْ يَعْقِلُ؛ لِأَنَّهُ
وَصَفَهَا بِصِفَةِ مَنْ يَعْقِلُ.
(لَا يَحْطِمَنَّكُمْ) : نَهْيٌ مُسْتَأْنَفٌ.
وَقِيلَ: هُوَ جَوَابُ الْأَمْرِ؛ وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ
جَوَابَ الْأَمْرِ لَا يُؤَكَّدُ بِالنُّونِ فِي
الِاخْتِيَارِ.
وَ (ضَاحِكًا) : حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ. وَقِيلَ: مُقَدَّرَةٌ؛
لِأَنَّ التَّبَسُّمَ مَبْدَأُ الضَّحِكِ.
وَيُقْرَأُ «ضَحِكًا» عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ؛ وَالْعَامِلُ
فِيهِ تَبَسَّمَ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى ضَحِكَ؛ وَيَجُوزُ أَنْ
يَكُونَ اسْمَ فَاعِلٍ مِثْلَ نَصَبَ؛ لِأَنَّ مَاضِيَهُ
ضَحِكَ، وَهُوَ لَازِمٌ.
قَالَ تَعَالَى: (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ
لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21)
فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ
بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي
وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ
شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23))
قَوْلُهُ تَعَالَى: (عَذَابًا) : أَيْ تَعْذِيبًا.
(فَمَكَثَ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ.
(غَيْرَ بَعِيدٍ) : أَيْ مَكَانًا غَيْرَ بَعِيدٍ، أَوْ
وَقْتًا أَوْ مُكْثًا؛ وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ؛ أَيْ فَجَاءَ.
(2/1006)
إِنِّي وَجَدْتُ
امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا
عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ
لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ
أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا
يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ
الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا
تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا
هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26) قَالَ سَنَنْظُرُ
أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (27) اذْهَبْ
بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ
عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28)
وَ (سَبَأٍ) : بِالتَّنْوِينِ عَلَى
أَنَّهُ اسْمُ رَجُلٍ أَوْ بَلَدٍ، وَبِغَيْرِ تَنْوِينٍ عَلَى
أَنَّهَا بُقْعَةٌ أَوْ قَبِيلَةٌ.
(وَأُوتِيَتْ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا، «وَقَدْ»
مُقَدَّرَةٌ، وَأَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا؛ لِأَنَّ
«تَمْلِكُهُمْ» بِمَعْنَى مَلَكَتْهُمْ.
قَالَ تَعَالَى: (أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ
الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا
تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَلَّا يَسْجُدُوا) : فِي «لَا»
وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَيْسَتْ زَائِدَةً، وَمَوْضِعُ الْكَلَامِ
نَصْبٌ بَدَلًا مِنْ «أَعْمَالِهِمْ» أَوْ رَفْعٌ عَلَى
تَقْدِيرِ: هِيَ أَلَّا يَسْجُدُوا. وَالثَّانِي: هِيَ
زَائِدَةٌ، وَمَوْضِعُهُ نَصْبٌ بِـ «يَهْتَدُونَ» أَيْ لَا
يَهْتَدُونَ لِأَنَّ يَسْجُدُوا؛ أَوْ جُرَّ عَلَى إِرَادَةِ
الْجَارِّ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنَ السَّبِيلِ؛ أَيْ
وَصَدُّهُمْ عَنْ أَنْ يَسْجُدُوا.
وَيُقْرَأُ: أَلَا اسْجُدُوا، فَأْلَا تَنْبِيهٌ، وَيَا:
نِدَاءٌ، وَالْمُنَادَى مَحْذُوفٌ؛ أَيْ يَا قَوْمِ،
اسْجُدُوا.
وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ: دَخَلَ حَرْفُ
التَّنْبِيهِ عَلَى الْفِعْلِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ حَذْفٍ؛
كَمَا دَخَلَ فِي «هَلُمَّ» .
قَالَ تَعَالَى: (اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ
إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا
يَرْجِعُونَ (28)) .
(2/1007)
اذْهَبْ بِكِتَابِي
هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ
مَاذَا يَرْجِعُونَ (28) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ
إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ
سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31)
قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا
كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) قَالُوا
نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ
إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33) قَالَتْ إِنَّ
الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا
أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34)
وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ
يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35) فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ
قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ
مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ
(36)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (ثُمَّ تَوَلَّ
عَنْهُمْ) أَيْ قِفْ عَنْهُمْ حِجْزًا لِتَنْظُرَ مَاذَا
يَرُدُّونَ؛ وَلَا تَقْدِيمَ فِي هَذَا.
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ: فِيهِ تَقْدِيمٌ؛ أَيْ فَانْظُرْ
مَاذَا يَرْجِعُونَ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ.
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ
اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ) : بِالْكَسْرِ
عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، وَبِالْفَتْحِ بَدَلًا مِنْ «كِتَابٍ»
أَوْ مَرْفُوعٌ بِكَرِيمٍ.
قَالَ تَعَالَى: (أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي
مُسْلِمِينَ (31)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ) : مَوْضِعُهُ
رَفْعٌ بَدَلًا مِنْ «كِتَابٍ» أَيْ هُوَ أَنْ لَا تَعْلُوا؛
أَوْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ؛ أَيْ لِأَنْ لَا تَعْلُوا.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ «أَنْ» بِمَعْنَى أَيْ؛ فَلَا يَكُونُ
لَهَا مَوْضِعٌ. وَيُقْرَأُ بِالْغَيْنِ؛ أَيْ لَا تَزِيدُوا.
قَالَ تَعَالَى: (قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو
بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا
تَأْمُرِينَ (33) قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا
قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا
أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَاذَا) : هُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى:
(مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا) [الْبَقَرَةِ: 26] . وَقَدْ
ذُكِرَ.
(وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) : مِنْ تَمَامِ الْحِكَايَةِ
عَنْهَا.
وَقِيلَ: هُوَ مُسْتَأْنَفٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى.
قَالَ تَعَالَى: (فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ
أَتُمِدُّونَنِي بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا
آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَتُمِدُّونَنِي) : بِالْإِظْهَارِ عَلَى
الْأَصْلِ، وَبِالْإِدْغَامِ لِأَنَّهُمَا مِثْلَانِ.
(2/1008)
قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ
الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ
مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ
الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ
قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ
مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي
لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ
فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي
غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا
نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا
يَهْتَدُونَ (41) فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ
قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا
وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ
مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ
(43) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ
حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ
صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي
ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ (44) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ
أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ
فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (45) قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ
تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا
تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46) قَالُوا
اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ
اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47) وَكَانَ فِي
الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا
يُصْلِحُونَ (48)
قَالَ تَعَالَى: (قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ
الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ
مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ
الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ
قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ
مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي
لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ
فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي
غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا
نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا
يَهْتَدُونَ (41)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (عِفْريتٌ) : التَّاءُ زَائِدَةٌ؛
لِأَنَّهُ مِنَ الْعَفْرِ، يُقَالُ: عِفْرِيَةٌ وَعِفْرِيتٌ.
وَ (آتِيكَ) : فِعْلٌ؛ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْمَ فَاعِلٍ.
وَ (مُسْتَقِرًّا) أَيْ ثَابِتًا غَيْرَ مُتَقَلْقِلٍ؛
وَلَيْسَ بِمَعْنَى الْحُصُولِ الْمُطْلَقِ؛ إِذْ لَوْ كَانَ
كَذَلِكَ لَمْ يُذْكَرْ.
وَ (أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ؛ أَيْ
لِيَبْلُوَ شُكْرِي وَكُفْرِي.
وَ (نَنْظُرْ) - بِالْجَزْمِ عَلَى الْجَوَابِ، وَبِالرَّفْعِ
عَلَى الِاسْتِئْنَافِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ
اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ (43) قِيلَ
لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ
لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ
مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ
نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ (44)) .
قَوْله تَعَالَى (وَصَدَّهَا) : الْفَاعِلُ «مَا كَانَتْ»
وَقِيلَ: ضَمِيرُ اسْمِ اللَّهِ؛ أَيْ وَصَدَّهَا اللَّهُ
عَمَّا كَانَتْ.
(إِنَّهَا) بِالْكَسْرِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ. وَبِالْفَتْحِ؛
أَيْ لِأَنَّهَا، أَوْ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ «مَا» وَتَكُونُ
عَلَى هَذَا مَصْدَرِيَّةٌ.
وَ (ادْخُلِي الصَّرْحَ) : أَيْ فِي الصَّرْحِ؛ وَقَدْ ذُكِرَ
نَظِيرُهُ.
وَ (أَسْلَمَتْ) ؛ أَيْ وَقَدْ أَسْلَمَتْ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ
أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ
فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (45) قَالَ يَاقَوْمِ لِمَ
تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا
تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46) قَالُوا
اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ
اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47) وَكَانَ فِي
الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا
يُصْلِحُونَ (48))
(2/1009)
وَكَانَ فِي
الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا
يُصْلِحُونَ (48) قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ
لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ
مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49)
وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا
يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ
أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَإِذَا هُمْ) :
«إِذَا» هُنَا لِلْمُفَاجَأَةِ؛ فَهِيَ مَكَانٌ، وَ «هُمْ»
مُبْتَدَأٌ، وَ «فَرِيقَانِ» : الْخَبَرُ، وَ «يَخْتَصِمُونَ»
صِفَةٌ، وَهِيَ الْعَامِلَةُ فِي إِذَا.
وَ (اطَّيَّرْنَا) : قَدْ ذُكِرَ فِي الْأَعْرَافِ.
وَ (رَهْطٍ) : اسْمٌ لِلْجَمْعِ؛ فَلِذَلِكَ أُضِيفَ
«تِسْعَةُ» إِلَيْهِ.
وَ (يُفْسِدُونَ) : صِفَةٌ لِتِسْعَةٍ، أَوْ لِرَهْطٍ.
قَالَ تَعَالَى: (قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ
لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ
مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49))
.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (تَقَاسَمُوا) : فِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: هُوَ أَمْرٌ؛ أَيْ أَمَرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا
بِذَلِكَ؛ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ فِي «لَنُبَيِّتَنَّهُ»
النُّونُ؛ تَقْدِيرُهُ: قُولُوا لَنُبَيِّتَنَّهُ، وَالتَّاءُ
عَلَى خِطَابِ الْأَمْرِ الْمَأْمُورِ؛ وَلَا يَجُوزُ
الْيَاءُ. وَالثَّانِي: هُوَ فِعْلٌ مَاضٍ؛ فَيَجُوزُ
الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ وَهُوَ عَلَى هَذَا تَفْسِيرٌ
لِقَالُوا.
وَ (مَهْلِكَ) : قَدْ ذُكِرَ فِي الْكَهْفِ.
قَالَ تَعَالَى: (فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ
أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ) : فِي «كَانَ»
وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا: هِيَ النَّاقِصَةُ، وَ «عَاقِبَةُ» :
مَرْفُوعَةٌ عَلَى أَنَّهَا اسْمُهَا، وَفِي الْخَبَرِ
وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا: كَيْفَ وَ «أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ»
إِنْ كُسِرَتْ كَانَ مُسْتَأْنَفًا، وَهُوَ مُفَسِّرٌ
لِمَعْنَى الْكَلَامِ، وَإِنْ فُتِحَتْ فِيهِ أَوْجُهٌ؛
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنَ الْعَاقِبَةِ.
وَالثَّانِي: خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ هِيَ أَنَّا
دَمَّرْنَاهُمْ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ
«كَيْفَ» عِنْدَ بَعْضِهِمْ.
وَقَالَ آخَرُونَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ مِنْ
الِاسْتِفْهَامِ يَلْزَمُ فِيهِ إِعَادَةُ حَرْفِهِ؛
كَقَوْلِكَ: كَيْفَ زَيْدٌ أَصَحِيحٌ أَمْ مَرِيضٌ؟ .
(2/1010)
فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ
خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ
يَعْلَمُونَ (52) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا
يَتَّقُونَ (53) وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ
الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54) أَئِنَّكُمْ
لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ
أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55) فَمَا كَانَ جَوَابَ
قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ
قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56)
فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا
مِنَ الْغَابِرِينَ (57) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا
فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (58) قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ
وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ
أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً
فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ
أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ
قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا
وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ
وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ
بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61) أَمَّنْ يُجِيبُ
الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ
وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ
قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62)
وَالرَّابِعُ: هُوَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ؛
أَيْ بِأَنَّا أَوْ لِأَنَّا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ
يَكُونَ خَبَرُ كَانَ: «أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ» إِذَا
فُتِحَتْ؛ وَإِذَا كُسِرَتْ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي
الْجُمْلَةِ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى عَاقِبَةٍ، وَكَيْفَ عَلَى
هَذَا: حَالٌ، وَالْعَامِلُ فِيهَا كَانَ، أَوْ مَا يَدُلُّ
عَلَيْهِ الْخَبَرُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: مِنْ وَجْهَيْ كَانَ: أَنْ تَكُونَ
التَّامَّةَ، وَ «كَيْفَ» عَلَى هَذَا حَالٌ لَا غَيْرَ. وَ
«إِنَّا دَمَّرْنَا» بِالْكَسْرِ مُسْتَأْنَفٌ، وَبِالْفَتْحِ
عَلَى مَا تَقَدَّمَ إِلَّا فِي كَوْنِهَا خَبَرًا.
قَالَ تَعَالَى: (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا
ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52))
.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (خَاوِيَةً) : هُوَ حَالٌ مِنَ الْبُيُوتِ،
وَالْعَامِلُ الْإِشَارَةُ، وَالرَّفْعُ جَائِزٌ عَلَى مَا
ذَكَرْنَا فِي: (وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا) [هُودٍ: 72] .
وَ (بِمَا) : يَتَعَلَّقُ بِخَاوِيَةٍ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ
الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54) أَئِنَّكُمْ
لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ
أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55))
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلُوطًا) أَيْ وَأَرْسَلْنَا لُوطًا.
وَ (شَهْوَةً) : [الْأَعْرَافِ: 81] قَدْ ذُكِرَ فِي
الْأَعْرَافِ.
قَالَ تَعَالَى: (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى
عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمْ مَا
يُشْرِكُونَ (59)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَسَلَامٌ) : الْجُمْلَةُ مَحْكِيَّةٌ
أَيْضًا، وَكَذَلِكَ «آللَّهُ خَيْرٌ» أَيْ قُلْ ذَلِكَ
كُلَّهُ.
قَالَ تَعَالَى: (أَمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ
وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ
حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا
شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ
(60) أَمْ مَنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا
أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ
الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ
أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61) أَمْ مَنْ يُجِيبُ
الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ
وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ
قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62) أَمْ مَنْ يَهْدِيكُمْ فِي
ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ
بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ
تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63)) .
(2/1011)
قُلْ لَا يَعْلَمُ
مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ
وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65) بَلِ ادَّارَكَ
عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ
هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (66)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ
تُنْبِتُوا) : الْكَلَامُ كُلُّهُ نَعْتٌ لِحَدَائِقَ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا.
وَ (خِلَالَهَا) : ظَرْفٌ، وَهُوَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي، وَ
«بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ» كَذَلِكَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَنْتَصِبَ
بَيْنَ بِحَاجِزٍ؛ أَيْ مَا يَحْجِزُ بَيْنَ الْبَحْرِينِ.
وَ (بُشْرًا) : قَدْ ذُكِرَ فِي الْأَعْرَافِ.
قَالَ تَعَالَى: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ
أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ) : فَاعِلُ
يَعْلَمُ، وَ «الْغَيْبَ» : مَفْعُولُهُ وَ «إِلَّا اللَّهُ» :
بَدَلٌ مِنْ «مَنْ» وَمَعْنَاهُ: لَا يَعْلَمُ أَحَدٌ.
وَقِيلَ: «إِلَّا» : بِمَعْنَى غَيْرِ، وَهِيَ صِفَةٌ لِمَنْ.
قَالَ تَعَالَى: (بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ
بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (66))
.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (بَلِ ادَّارَكَ) : فِيهِ قِرَاءَاتٌ:
إِحْدَاهَا أَدْرَكَ مِثْلَ أَخْرَجَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْقِي
حَرَكَةَ الْهَمْزَةِ عَلَى اللَّامِ. وَالثَّانِيَةُ: بَلِ
ادَّرَكَ عَلَى افْتَعَلَ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْأَعْرَافِ.
وَالثَّالِثَةُ: ادَّارَكَ، وَأَصْلُهُ تَدَارَكَ، ثُمَّ
سُكِّنَتِ التَّاءُ وَاجْتُلِبَتْ لَهَا هَمْزَةُ الْوَصْلِ.
وَالرَّابِعُ: تَدَارَكَ؛ أَيْ تَتَابَعَ عِلْمُهُمْ فِي
الْآخِرَةِ؛ أَيْ بِالْآخِرَةِ. وَالْمَعْنَى بَلْ تَمَّ
عِلْمُهُمْ بِالْآخِرَةِ لِمَا قَامَ عَلَيْهِ مِنَ
الْأَدِلَّةِ فَمَا انْتَفَعُوا، بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ.
وَ (مِنْهَا) يَتَعَلَّقُ بِـ «عَمُونَ» .
(2/1012)
وَقَالَ الَّذِينَ
كَفَرُوا أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا
لَمُخْرَجُونَ (67) لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا
مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (68)
قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ
عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69) وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ
وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (70) وَيَقُولُونَ
مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (71) قُلْ
عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي
تَسْتَعْجِلُونَ (72) وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى
النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (73) وَإِنَّ
رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ
(74) وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا
فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (75) إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ
عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ
يَخْتَلِفُونَ (76) وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ
لِلْمُؤْمِنِينَ (77) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ
بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (78) فَتَوَكَّلْ
عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79) إِنَّكَ
لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ
إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80) وَمَا أَنْتَ بِهَادِي
الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ
يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (81)
قَالَ تَعَالَى: (وَقَالَ الَّذِينَ
كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا
لَمُخْرَجُونَ (67)) .
قَالَ تَعَالَى: (وَآبَاؤُنَا) : هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى
الضَّمِيرِ فِي «كُنَّا» مِنْ غَيْرِ تَوْكِيدٍ؛ لِأَنَّ
الْمَفْعُولَ فُصِلَ فَجَرَى مَجْرَى التَّوْكِيدِ.
قَالَ تَعَالَى: (قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ
بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (عَسَى أَنْ يَكُونَ) : «أَنْ يَكُونَ»
فَاعِلُ عَسَى، وَاسْمُ كَانَ مُضْمَرٌ فِيهَا؛ أَيْ أَنْ
يَكُونَ الشَّأْنُ؛ وَمَا بَعْدَهُ فِي مَوْضِعِ نَصْبِ خَبَرِ
كَانَ، وَقَدْ ذُكِرَ مِثْلُهُ فِي آخِرِ الْأَعْرَافِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (رَدِفَ لَكُمْ) : الْجُمْهُورُ بِكَسْرِ
الدَّالِ.
وَقُرِئَ بِالْفَتْحِ، وَهِيَ لُغَةٌ، وَاللَّامُ زَائِدَةٌ؛
أَيْ رَدِفَكُمْ.
وَيَجُوزُ أَلَّا تَكُونَ زَائِدَةً، وَيُحْمَلُ الْفِعْلُ
عَلَى مَعْنَى دَنَا لَكُمْ، أَوْ قَرُبَ أَجَلُكُمْ،
وَالْفَاعِلُ بَعْضُ.
قَالَ تَعَالَى: (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ
صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (74) وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي
السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (75) إِنَّ
هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ
الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) وَإِنَّهُ لَهُدًى
وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي
بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (78)
فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ
(79) إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ
الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80) وَمَا أَنْتَ
بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا
مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (81)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَا تُكِنُّ) : مِنْ أَكْنَنْتُ.
وَيقْرَأ بِفَتْح التَّاء وَضم الْكَاف من كننت أَي سترت
وَ (لَا تُسْمِعُ) : بِالضَّمِّ عَلَى إِسْنَادِ الْفِعْلِ
إِلَى الْمُخَاطَبِ.
(وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ) : عَلَى الْإِضَافَةِ.
وَبِالتَّنْوِينِ وَالنَّصْبِ عَلَى إِعْمَالِ اسْمِ
الْفَاعِلِ. وَتَهْدِي عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ
(2/1013)
وَإِذَا وَقَعَ
الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ
الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا
لَا يُوقِنُونَ (82) وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ
فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83)
حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ
تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (84)
وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا
يَنْطِقُونَ (85) أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ
لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ
لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86) وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي
الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي
الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ
دَاخِرِينَ (87) وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً
وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي
أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)
وَ (عَنْ) : يَتَعَلَّقُ بِـ «هَادِي»
وَعَدَّاهُ بِعَنْ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ تَصَرَّفَ؛ وَيَجُوزُ
أَنْ تَتَعَلَّقَ بِالْعُمْيِ، وَيَكُونَ الْمَعْنَى أَنَّ
الْعَمَى صَدَرَ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ.
قَالَ تَعَالَى: (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ
أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ
أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ (82)
وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ
يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83) حَتَّى إِذَا
جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا
عِلْمًا أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (84) وَوَقَعَ
الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ
(85) أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا
فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ
لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86) وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ
فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا
مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (تُكَلِّمُهُمْ) : يُقْرَأُ بِفَتْحِ
التَّاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ مُخَفَّفًا بِمَعْنَى تَسِمُهُمْ
وَتُعَلِّمُ فِيهِمْ، مِنْ: كَلَمَهُ، إِذَا جَرَحَهُ.
وَيُقْرَأُ بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيدِ، وَهُوَ بِمَعْنَى
الْأَوَّلِ، إِلَّا أَنَّهُ شُدِّدَ لِلتَّكْثِيرِ؛ وَيَجُوزُ
أَنْ يَكُونَ مِنَ الْكَلَامِ.
(أَنَّ النَّاسَ) بِالْكَسْرِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ.
وَبِالْفَتْحِ، أَيْ تُكَلِّمُهُمْ بِأَنَّ النَّاسَ، أَوْ
تُخْبِرُهُمْ بِأَنَّ النَّاسَ، أَوْ لِأَنَّ النَّاسَ.
(وَيَوْمَ نَحْشُرُ) : أَيْ وَاذْكُرْ يَوْمَ. وَكَذَلِكَ
«وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ» بِمَعْنَى:
فَيَفْزَعُ.
وَ (كُلٌّ أَتَوْهُ) : عَلَى الْفِعْلِ، وَآتَوْهُ -
بِالْمَدِّ عَلَى أَنَّهُ اسْمٌ.
وَ (دَاخِرِينَ) : حَالٌ.
قَالَ تَعَالَى: (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً
وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي
أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ
(88)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (تَحْسَبُهَا) : الْجُمْلَةُ حَالٌ مِنَ
الْجِبَالِ، أَوْ مِنَ الضَّمِيرِ فِي «تَرَى» .
(2/1014)
وَتَرَى الْجِبَالَ
تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ
اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا
تَفْعَلُونَ (88) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ
مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (89) وَمَنْ
جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ
تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (90) إِنَّمَا
أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي
حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ (91)
(وَهِيَ تَمُرُّ) : حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ
الْمَنْصُوبِ فِي «تَحْسَبُهَا» وَلَا يَكُونُ حَالًا مِنَ
الضَّمِيرِ فِي «جَامِدَةٍ» إِذْ لَا يَسْتَقِيمُ أَنْ تَكُونَ
جَامِدَةً مَارَّةً مَرَّ السَّحَابِ؛ وَالتَّقْدِيرُ: مَرًّا
مِثْلَ مَرِّ
السَّحَابِ: وَ (صُنْعَ اللَّهِ) : مَصْدَرٌ عَمِلَ فِيهِ مَا
دَلَّ عَلَيْهِ «تَمُرُّ» لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ صُنْعِهِ
سُبْحَانَهُ؛ فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَصْنَعُ ذَلِكَ صُنْعًا،
وَأَظْهَرَ الِاسْمَ لَمَّا لَمْ يُذْكَرْ.
قَالَ تَعَالَى: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ
مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (89)) .
قَالَ تَعَالَى: (خَيْرٌ مِنْهَا) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ
الْمَعْنَى أَفْضَلَ مِنْهَا، فَيَكُونُ «مَنْ» فِي مَوْضِعِ
نَصْبٍ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى فَضْلٍ فَيَكُونُ
«مِنْهَا» فِي مَوْضِعِ رَفْعِ صِفَةٍ لِخَيْرٍ؛ أَيْ فَلَهُ
خَيْرٌ حَاصِلٌ بِسَبَبِهَا.
(مِنْ فَزَعٍ) : بِالتَّنْوِينِ. (يَوْمَئِذٍ) : بِالنَّصْبِ.
وَيُقْرَأُ: «مِنْ فَزَعِ يَوْمِئِذٍ» بِالْإِضَافَةِ؛ وَقَدْ
ذُكِرَ مَثَلُهُ فِي هُودٍ عِنْدَ قَوْلِهِ: (وَمِنْ خِزْيِ
يَوْمِئِذٍ) [سُورَةُ هُودٍ: 66] .
قَالَ تَعَالَى: (وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ
وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ
تَعْمَلُونَ (90)) .
قَالَ تَعَالَى: (هَلْ تُجْزَوْنَ) : أَيْ يُقَالُ لَهُمْ،
وَهُوَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ؛ أَيْ فَكُبَّتْ
وُجُوهُهُمْ مَقُولًا لَهُمْ هَلْ تُجْزَوْنَ.
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ
هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ
وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (الَّذِي حَرَّمَهَا) : هُوَ صِفَةٌ
لِرَبِّ. وَقُرِئَ: «الَّتِي» عَلَى الصِّفَةِ لِلْبَلْدَةِ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(2/1015)
|