التبيان في إعراب القرآن إِذَا الشَّمْسُ
كُوِّرَتْ (1)
سُورَةُ التَّكْوِيرِ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
قَالَ تَعَالَى: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِذَا الشَّمْسُ) : أَيْ إِذَا كُوِّرَتِ
الشَّمْسُ، وَجَوَابُ إِذَا: (عَلِمَتْ نَفْسٌ) [التَّكْوِيرِ:
14] .
قَالَ تَعَالَى: (فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ
الْكُنَّسِ (16)) .
وَ (الْجَوَارِي) : صِفَةٌ لِلْخُنَّسِ.
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي
قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ
أَمِينٍ (21)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ) : يَجُوزُ أَنْ
يَكُونَ نَعْتًا لِرَسُولٍ، وَأَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِمَكِينٍ.
وَ (ثَمَّ) : مَعْمُولُ مُطَاعٍ. وَقُرِئَ بِضَمِّ الثَّاءِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23)
وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24)) .
وَالْهَاءُ فِي «رَآهُ» لِجِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَ (بِظَنِينٍ بِالظَّاءِ) أَيْ بِمُتَّهَمٍ؛ وَبِالضَّادِ؛
أَيْ بِبَخِيلٍ. وَ «عَلَى» تَتَعَلَّقُ بِهِ عَلَى
الْوَجْهَيْنِ.
قَالَ تَعَالَى: (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26) إِنْ هُوَ إِلَّا
ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (27) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ
يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ
اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ) أَيْ إِلَى أَيْنَ،
فَحُذِفَ حَرْفُ الْجَرِّ، كَمَا قَالُوا: ذَهَبْتُ الشَّامَ.
وَيَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْمَعْنَى؛ كَأَنَّهُ قَالَ:
أَيْنَ تُؤْمِنُونَ.
وَ (لِمَنْ شَاءَ) : بَدَلٌ بِإِعَادَةِ الْجَارِّ. وَ (إِلَّا
أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) أَيْ إِلَّا وَقْتَ مَشِيئَتِهِ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(2/1273)
إِذَا السَّمَاءُ
انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2) وَإِذَا
الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4)
عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5) يَا أَيُّهَا
الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي
خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا
شَاءَ رَكَّبَكَ (8) كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9)
وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ
(11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12) إِنَّ الْأَبْرَارَ
لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14)
يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (15)
سُورَةُ الِانْفِطَارِ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
قَالَ تَعَالَى: (إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1)) .
جَوَابُ إِذَا: (عَلِمَتْ) .
قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ
بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ
فَعَدَلَكَ (7)) .
(مَا غَرَّكَ) : اسْتِفْهَامٌ لَا غَيْرَ، وَلَوْ كَانَ
تَعَجُّبًا لَقَالَ: مَا أَغَرَّكَ.
وَ (عَدَلَكَ) بِالتَّشْدِيدِ: قَوَّمَ خَلْقَكَ،
وَبِالتَّخْفِيفِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى؛ وَيَجُوزُ أَنْ
يَكُونَ مَعْنَاهُ صَرَفَكَ عَلَى الْخِلْقَةِ الْمَكْرُوهَةِ.
قَالَ تَعَالَى: (فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8))
.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَا شَاءَ) : يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ «مَا»
زَائِدَةً، وَأَنْ تَكُونَ شَرْطِيَّةً، وَعَلَى الْأَمْرَيْنِ
الْجُمْلَةُ نَعْتٌ لِصُورَةٍ؛ وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ؛ أَيْ
رَكَّبَكَ عَلَيْهَا.
وَ (فِي) تَتَعَلَّقُ بِرَكَّبَكَ. وَقِيلَ: لَا مَوْضِعَ
لِلْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّ «فِي» تَتَعَلَّقُ بِأَحَدِ
الْفِعْلَيْنِ، فَالْجَمِيعُ كَلَامٌ وَاحِدٌ، وَإِنَّمَا
تَقَدَّمَ الِاسْتِفْهَامُ عَمَّا هُوَ حَقُّهُ.
قَالَ تَعَالَى: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10)
كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)) .
(كِرَامًا) : نَعْتٌ، وَ «يَعْلَمُونَ» كَذَلِكَ، وَيَجُوزُ
أَنْ يَكُونَ حَالًا، أَيْ يَكْتُبُونَ عَالِمِينَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14)
يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (15)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَصْلَوْنَهَا) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ
حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي الْخَبَرِ، وَأَنْ يَكُونَ نَعْتًا
لِجَحِيمٍ.
(2/1274)
يَوْمَ لَا تَمْلِكُ
نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19)
قَالَ تَعَالَى: (يَوْمَ لَا تَمْلِكُ
نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19))
.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَوْمَ لَا تَمْلِكُ) : يُقْرَأُ
بِالرَّفْعِ؛ أَيْ: هُوَ يَوْمُ. وَبِالنَّصْبِ عَلَى
تَقْدِيرٍ أَعَنَى يَوْمَ. . . وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ:
يُجَازَوْنَ يَوْمَ، وَدَلَّ عَلَيْهِ ذِكْرُ «الدِّينِ» .
وَقِيلَ: حَقُّهُ الرَّفْعُ،
وَلَكِنْ فُتِحَ عَلَى حُكْمِ الظَّرْفِ: كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
(وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ) [الْأَعْرَافِ: 168] . وَعِنْدَ
الْكُوفِيِّينَ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ. وَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
(2/1275)
وَإِذَا كَالُوهُمْ
أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ
أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ
يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6) كَلَّا إِنَّ
كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7)
سُورَةُ الْمُطَفِّفِينَ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ
يُخْسِرُونَ (3)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (كَالُوهُمْ) : فِي «هُمْ» وَجْهَانِ؛
أَحَدُهُمَا: هُوَ ضَمِيرُ مَفْعُولٍ مُتَّصِلٍ،
وَالتَّقْدِيرُ: كَالُوا لَهُمْ.
وَقِيلَ: هَذَا الْفِعْلُ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ تَارَةً
وَبِالْحَرْفِ أُخْرَى، وَالْمَفْعُولُ هُنَا مَحْذُوفٌ، أَيْ
كَالُوهُمُ الطَّعَامَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَعَلَى هَذَا لَا
يُكْتَبُ كَالُوا وَوَزَنُوا، بِالْأَلِفِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ ضَمِيرٌ مُنْفَصِلٌ مُؤَكِّدٌ
لِضَمِيرِ الْفَاعِلِ؛ فَعَلَى هَذَا يُكْتَبَانِ بِالْأَلِفِ.
قَالَ تَعَالَى: (أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ
مَبْعُوثُونَ (4)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَلَا يَظُنُّ) : الْأَصْلُ (لَا)
النَّافِيَةُ دَخَلَتْ عَلَيْهَا هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ،
وَلَيْسَتْ (أَلَا) الَّتِي لِلتَّنْبِيهِ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَ
تِلْكَ مُثْبَتٌ، وَهَاهُنَا هُوَ مَنْفِيٌّ.
قَالَ تَعَالَى: (لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ
النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6) كَلَّا إِنَّ كِتَابَ
الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ) : هُوَ بَدَلٌ
مِنْ مَوْضِعِ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ.
وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: يُبْعَثُونَ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ.
وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: أَعْنِي. وَقِيلَ: هُوَ مَبْنِيٌّ،
وَحَقُّهُ الْجَرُّ أَوِ الرَّفْعُ. وَالنُّونُ فِي «سِجِّينٍ»
: أَصْلٌ مِنَ السِّجْنِ، وَهُوَ الْحَبْسُ.
وَقِيلَ: هُوَ بَدَلٌ مِنَ اللَّامِ.
(2/1276)
كِتَابٌ مَرْقُومٌ (9)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (10) الَّذِينَ
يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11) وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ
إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ
آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13) كَلَّا بَلْ
رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلَّا
إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15)
ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (16) ثُمَّ يُقَالُ هَذَا
الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (17) كَلَّا إِنَّ كِتَابَ
الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَمَا أَدْرَاكَ مَا
عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ
الْمُقَرَّبُونَ (21) إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22)
عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ
نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ
(25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ
الْمُتَنَافِسُونَ (26) وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27)
عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28) إِنَّ الَّذِينَ
أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29)
وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا
انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31)
وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ (32)
وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ (33) فَالْيَوْمَ
الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) عَلَى
الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (35) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا
كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)
قَالَ تَعَالَى: (كِتَابٌ مَرْقُومٌ (9)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (كِتَابٌ) أَيْ هُوَ مَحَلُّ كِتَابٍ،
لِأَنَّ السِّجِّينَ مَكَانٌ.
وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: هُوَ كِتَابٌ؛ مِنْ غَيْرِ حَذْفٍ،
وَالتَّقْدِيرُ: وَمَا أَدْرَاكَ مَا كِتَابُ سِجِّينٍ.
قَالَ تَعَالَى: (ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ
تُكَذِّبُونَ (17) كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي
عِلِّيِّينَ (18) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (ثُمَّ يُقَالُ) : الْقَائِمُ مَقَامَ
الْفَاعِلِ مُضْمَرٌ تُفَسِّرُهُ الْجُمْلَةُ بَعْدَهُ.
وَقِيلَ: هُوَ الْجُمْلَةُ نَفْسُهَا. وَأَمَّا «عِلِّيُّونَ»
فَوَاحِدُهَا عِلِّيٌّ؛ وَهُوَ الْمُلْكُ.
وَقِيلَ: هُوَ صِيغَةٌ لِلْجَمْعِ مِثْلُ عِشْرِينَ، وَلَيْسَ
لَهُ وَاحِدٌ، وَالتَّقْدِيرُ: عِلِّيُّونَ مَحَلُّ كِتَابٍ.
وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: مَا كِتَابُ عِلِّيِّينَ.
قَالَ تَعَالَى: (عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23)) .
وَ (يَنْظُرُونَ) : صِفَةٌ لِلْأَبْرَارِ؛ وَيَجُوزُ أَنْ
يَكُونَ حَالًا، وَأَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا.
وَ «عَلَى» يَتَعَلَّقُ بِهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا
إِمَّا مِنَ الضَّمِيرِ فِي الْمَجْرُورِ قَبْلَهَا، أَوْ مِنَ
الْفَاعِلِ فِي «يَنْظُرُونَ» .
قَالَ تَعَالَى: (عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ
(28)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (عَيْنًا) أَيْ أَعْنِي عَيْنًا. وَقِيلَ:
التَّقْدِيرُ: يُسْقَوْنَ عَيْنًا؛ أَيْ مَاءَ عَيْنٍ.
وَقِيلَ: هُوَ حَالٌ مِنْ (تَسْنِيمٍ) وَ «تَسْنِيمٍ» عَلَمٌ.
وَقِيلَ: «تَسْنِيمٍ» : مَصْدَرٌ، وَهُوَ النَّاصِبُ عَيْنًا.
وَ (يَشْرَبُ بِهَا) : قَدْ ذُكِرَ فِي الْإِنْسَانِ.
قَالَ تَعَالَى: (هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا
يَفْعَلُونَ (36)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (هَلْ ثُوِّبَ) : مَوْضِعُ الْجُمْلَةِ
نَصْبٌ بِـ «يَنْظُرُونَ» .
وَقِيلَ: لَا مَوْضِعَ لَهُ. وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: يُقَالُ
لَهُمْ: هَلْ ثُوِّبَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(2/1277)
إِذَا السَّمَاءُ
انْشَقَّتْ (1) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (2) وَإِذَا
الْأَرْضُ مُدَّتْ (3) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ (4)
وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (5) يَا أَيُّهَا
الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا
فَمُلَاقِيهِ (6) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ
(7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنْقَلِبُ
إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ
كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا
(11) وَيَصْلَى سَعِيرًا (12) إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ
مَسْرُورًا (13) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14) بَلَى
إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا (15) فَلَا أُقْسِمُ
بِالشَّفَقِ (16) وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17) وَالْقَمَرِ
إِذَا اتَّسَقَ (18) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (19)
فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20)
سُورَةُ الِانْشِقَاقِ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
قَالَ تَعَالَى: (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)) .
جَوَابُ «إِذَا» فِيهِ أَقْوَالٌ:
أَحَدُهَا: (أَذِنَتْ) [الِانْشِقَاقِ: 2] وَالْوَاوُ
زَائِدَةٌ.
وَالثَّانِي: هُوَ مَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُهُ: يُقَالُ: (يَا
أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ) [الِانْشِقَاقِ: 6] .
وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: بُعِثْتُمْ أَوْ جُوزِيتُمْ، وَنَحْوَ
ذَلِكَ مِمَّا دَلَّتْ عَلَيْهِ السُورَةُ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ «إِذَا» مُبْتَدَأٌ، (وَإِذَا الْأَرْضُ)
[الِانْشِقَاقِ: 3] خَبَرُهُ، وَالْوَاوُ زَائِدَةٌ، حُكِيَ
عَنِ الْأَخْفَشِ.
وَالرَّابِعُ: أَنَّهَا لَا جَوَابَ لَهَا، وَالتَّقْدِيرُ:
اذْكُرْ إِذَا السَّمَاءُ.
قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ
إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6)) .
وَالْهَاءُ فِي «مُلَاقِيهِ» ضَمِيرُ رَبِّكَ. وَقِيلَ: هُوَ
ضَمِيرُ الْكَدْحِ؛ أَيْ مُلَاقِي جَزَائِهِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9)
وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10)
فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11)) .
وَ (مَسْرُورًا) : حَالٌ. وَ (ثُبُورًا) : مِثْلُ الَّتِي فِي
الْفُرْقَانِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17)) .
(وَمَا وَسَقَ) : «مَا» بِمَعْنَى الَّذِي، أَوْ نَكِرَةٌ
مَوْصُوفَةٌ، أَوْ مَصْدَرِيَّةٌ.
قَالَ تَعَالَى: (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (19)
فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَتَرْكَبُنَّ) : عَلَى خِطَابِ
الْجَمَاعَةِ.
(2/1278)
إِلَّا الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ
مَمْنُونٍ (25)
وَيُقْرَأُ عَلَى خِطَابِ الْوَاحِدِ
وَهُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَقِيلَ: الْإِنْسَانُ الْمُخَاطَبُ.
وَ (طَبَقًا) : مَفْعُولٌ. وَ (عَنْ) : بِمَعْنَى بَعْدَ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا عَلَى بَابِهَا؛ وَهِيَ صِفَةٌ؛ أَيْ
طَبَقًا حَاصِلًا عَنْ طَبَقٍ؛ أَيْ حَالًا عَنْ حَالٍ.
وَقِيلَ: جِيلًا عَنْ جِيلٍ. وَ (لَا يُؤْمِنُونَ) : حَالٌ.
قَالَ تَعَالَى: (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ. . . (25)) .
وَ (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) : اسْتِثْنَاءٌ؛ وَيَجُوزُ أَنْ
يَكُونَ مُتَّصِلًا، وَأَنْ يَكُونَ مُنْقَطِعًا. وَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
(2/1279)
|