التبيان في تفسير غريب القرآن

مقدمة التحقيق
ألفت في العربية عدة مصنفات لتوضيح الغريب من الألفاظ الواردة في كتاب الله العزيز، وهو ما يستغلق فهمه على القارئ أو السامع، ويختلف كمّه وفق ثقافة الشخص بالعربية ومدى إلمامه بدلالة ألفاظها.
وأول ما وصلنا من مصنفات في هذا المجال رسالة لابن عباس عن طريق الرواية بالمشافهة لأن عهده لم يكن عهد تدوين. ثم تتابعت الكتب المؤلفة في هذا الموضوع حتى عصرنا هذا الذي نعيش فيه، ففي تراثنا زاد وفير وكم هائل من هذه الكتب. وقد ذكرت في مقدمة تحقيق «بهجة الأريب في بيان ما ورد في كتاب الله العزيز من الغريب» طائفة منها.
ويأتي كتابنا هذا «التبيان في تفسير غريب القرآن» بعد مرور سبعة قرون على نزول القرآن العظيم، فهو يعد من حيث الترتيب الزمني واسطة العقد لهذه المصنفات.
وفيما يلي دراسة سريعة عن هذا الكتاب تحدثت فيها عن المؤلف وعن جانب من حياته وما تركه من مصنفات. ثم تناولت الكتاب ووصفت نسخته الوحدة التي استطعت الحصول عليها، ووضحت منهجي في التحقيق. وعرّفت بالكتاب الذي اعتمد عليه المؤلف وعدّه العمدة في جمع مادته وهو «غريب القرآن للسجستاني» ثم بينت منهج ابن الهائم في عرض مادة كتابه. وبعد عرض النص محققا، أردفته بفهارس له مفصلة.
ولنبدأ بالحديث عن:

(1/7)


المؤلف «1»

حياته وجهوده العلمية

حياته:
أحمد بن محمد بن عماد بن علي شهاب الدين أبو العباس القرافي المصري ثم المقدسي الشافعي، المعروف بابن الهائم «2» . ولد سنة 753 «3» وقيل سنة 756 «4» وذلك في أحد أحياء القاهرة المسمى القرافة الصغرى «5» . وفي القاهرة تلقى- شأن أقرانه- تعليمه، فحفظ القرآن الكريم ودرس العلوم العربية والإسلامية. وانتظم من غير شك في حلقات الدروس التي كانت تعقد وتقام في الأزهر الشريف وإن لم تنص مراجع ترجمته على ذلك، لكن ذلك من الأمور البدهية لمن ولد في القاهرة مقر الأزهر الشريف وقضى بها مراحل عمره الأولى التي تلقى فيها تعليمه، وتكون علميّا في العلوم العربية والإسلامية وتفوق في علم المواريث والحساب تفوقا كبيرا «6» .
__________
(1) () انظر ترجمته في:
- المقفى الكبير للمقريزي (ت: 845) 1/ 621.
- إنباء الغمر لابن حجر (ت: 852) 2/ 525.
- ذيل الدرر الكامنة لابن حجر 223، تحقيق عدنان درويش، معهد المخطوطات العربية.
- الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، لشمس الدين السخاوي (ت: 902) 2/ 157.
- الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل لمجير الدين العليمي (ت: 928) 2/ 110- 111.
- طبقات المفسرين للداوودي (ت: 945) 1/ 81- 83.
- شذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد الحنبلي (ت: 1089) 7/ 109.
- البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع، للشوكاني (ت: 1250) 117، 118.
(2) إنباء الغمر 2/ 525، والضوء 2/ 157، وشذرات الذهب 7/ 109.
(3) الضوء 2/ 157، وإنباء الغمر 2/ 525، والأنس الجليل 2/ 110، والطبقات 1/ 81، والشذرات 7/ 109.
(4) الضوء 2/ 157، والأنس الجليل 2/ 110، والطبقات 1/ 82، والبدر 1/ 117.
(5) الطبقات 1/ 82.
(6) انظر المرجع السابق.

(1/8)


أساتذته:
يذكر مؤرخو حياته أن ممن تلقى عنهم العلم ودرّسوا له طائفة ممن ذاع صيتهم وانتشرت أسماؤهم لبلوغهم درجة من العلم عالية، وذلك مثل التقي بن حاتم، والجمال الأميوطي والزّين العراقي «1» ، وشيخ الإسلام سراج الدين البلقينيّ «2» وقد صرح بذلك وهو يشرح غريب الآية 228 من سورة البقرة في هذا الكتاب.
ثم ارتحل إلى القدس واشتغل بالتدريس والإفتاء «3» وتولى التدريس بالمدرسة الصلاحية نيابة عن الزّين القمني «4» .
وفي سنة 815 أحل نوروز (نائب الشام) شمس الدين الهروي الحنفي مذهبا مكان القمني، وبالتّالي الهروي مكان ابن الهائم ثم أعاد نوروز ابن الهائم «5» إلى الصلاحية ليشارك الهروي. وظل بها حتى توفي «6» . وكانت عودة ابن الهائم إثر ضجة مطالبة برجوعه «7» وذلك في جمادى الآخرة سنة خمس عشرة وثمان مائة «8» ، وحددها الشّوكاني بأنها في العشر الأواخر منه «9» . وفي طبقات المفسرين «في العشر
__________
(1) الضوء 1/ 157، والطبقات 1/ 82، والبدر 1/ 117، والأميوطى هو الجمال أبو إسحاق إبراهيم بن العز محمد اللخمي نسب إلى أميوط، إحدى قرى الغربية بمصر (تاج العروس- ميط) ، والزين العراقي هو عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن زين الدين الشهير بالحافظ العراقي كردي الأصل. ولد في رازنان من أعمال إربل بالعراق وتنقل ما بين مصر والحجاز والشام وتوفي بالقاهرة سنة 806 هـ. ومن كتبه: المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في أحاديث الإحياء، والألفية في مصطلح الحديث وشرحها، والألفية في غريب القرآن، وذيل على العبر للذهبي. (الأعلام، وانظر: إنباء الغمر 2/ 275- 279، والضوء 2/ 171- 178، وغاية النهاية 1/ 382 وشذرات الذهب 7/ 55- 57) .
(2) طبقات المفسرين 1/ 82، وهو سراج الدين أبو بكر عمر بن رسلان العسقلاني الأصل البلقيني- نسبة إلى بلقينة إحدى قرى المحلة الكبرى بالغربية بمصر- الكناني لولادته بمنية كنانة سنة 754. وقد توفي سنة 805 هـ (تاج العروس- بلقن، وانظر في ترجمته إنباء الغمر 2/ 245- 247) .
(3) الضوء 2/ 157، وطبقات المفسرين 1/ 82، والبدر الطالع 1/ 117.
(4) إنباء الغمر 2/ 515، والضوء 2/ 157، والأنس الجليل 2/ 110، وشذرات الذهب 7/ 109.
والقمني هو زين الدين أبو بكر بن عمر بن عرفات المصري. أصله من قمن من ريف مصر، وانتقل إلى القاهرة وبها تعلم، ثم تولى التدريس بالصلاحية بالقدس، وتوفي سنة 833 هـ (الأنس الجليل 2/ 110، وشذرات الذهب 7/ 201) .
(5) الإنباء 2/ 525، والشذرات 7/ 109.
(6) الإنباء 2/ 525.
(7) المرجع السابق.
(8) الشذرات 7/ 109. [.....]
(9) البدر 1/ 117.

(1/9)


الأخير «1» » وذكر الداوودي نقلا عن ابن حجر أن الوفاة كانت في رجب من السنة نفسها «2» .

تلاميذه:
اقتضى قيام ابن الهائم بالتدريس في المدرسة الصلاحية بالقدس وغيرها وعقد الجلسات التي كان يخصصها للوعظ والفتوى أن يكون له تلاميذ كثيرون، نذكر منهم:
1- ابنه محب الدين محمد الذي اختطفته المنية في حياته في شهر رمضان عام 800 هجرية «3» وقيل سنة 798 «4» وحزن عليه والده حزنا أليما وقد وصفه صاحب «إنباء الغمر» فقال: «وهو أذكى من رأيت من البشر مع الدين والتواضع ولطف الذات وحسن الخلق والصيانة» «5» وذكره أبوه في كتاب التبيان ونقل عنه وهو يفسر الآيتين 97، 124 من سورة البقرة.
2- ابن حجر علامة عصره المتوفى سنة 852 وقد لقيه في القدس وأخذ عنه. ونص على ذلك في إنباء الغمر «6» .
3- العماد بن شرف وكتب له إجازة «7» .
4- الزين ماهر «8» .
5- التقي القلقشندي «9» وهو إسماعيل بن علي بن حسن القلقشندي المصري. ولد بمصر سنة اثنين وسبع مائة وبها تلقى تعليمه ثم بدمشق واستقر بعد ذلك بالقدس ودرّس بالمدرسة الصلاحية. كان عالما بالفقه والحديث وتوفي بالقدس سنة ثمان وسبعين وسبع مائة، وقيل سنة سبع وسبعين «10» .
__________
(1) الضوء 2/ 158، والطبقات 1/ 83، وأظن أن كلمة «الأخير» محرفة عن «الأخيرة» .
(2) الطبقات 1/ 83.
(3) الأنس الجليل 2/ 111.
(4) ذكره صاحب الإنباء في وفيات 798 (انظر الإنباء 1/ 519) .
(5) إنباء الغمر 1/ 519.
(6) إنباء الغمر 2/ 525.
(7) الضوء 2/ 158.
(8) المرجع السابق.
(9) المرجع السابق.
(10) إنباء الغمر 1/ 137، والشذرات 6/ 256، و 257، واكتفى الشذرات بالتاريخ الأول لوفاته.

(1/10)


مصنفاته:
ترك لنا ابن الهائم عشرات المصنفات التي دبجها قلمه، منها ما أنجزه في حياته، ومنها ما لم يقدر الله له أن يكملها.
أولا: فمن المؤلفات التي أكملها:
1- التبيان في تفسير غريب القرآن. وهو كتابنا الذي نقدمه للقراء.
2- التحرير لدلالة نجاسة الخنزير (الضوء اللامع 2/ 157، طبقات المفسرين 1/ 83، إيضاح المكنون 1/ 233، هدية العارفين 1/ 120) .
3- 5- تحفة الطلاب في نظم قواعد الإعراب لابن هشام (أرجوزة) (الضوء اللامع 2/ 158، كشف الظنون 124، هدية العارفين 1/ 120) .
وقد قام المؤلف بشرح نظمه مرتين: أحد الشرحين مطول، والآخر مختصر (الضوء 2/ 158، وطبقات المفسرين 1/ 12) .
6- التحفة القدسية في أخبار الرجبية (نظم في الفرائض) (الضوء اللامع 2/ 157، طبقات المفسرين 1/ 82، هدية العارفين 1/ 20، كشف الظنون 372 وفيه «اختصرها من الرجبية» . واسمه في الضوء اللامع، وطبقات المفسرين «النفحة القدسية» وممن شرحها زكريا الأنصاري (كشف الظنون 372، وبروكلمان ق 6/ 519) وكذلك سبط المارديني (بروكلمان ق 6/ 519) وإبراهيم بن محمد المري (طبقات المفسرين 1/ 17) .
7- تحقيق المعقول والمنقول في نفي الحكم الشرعي عن الأفعال قبل بعثة الرسول (الضوء 2/ 158، طبقات المفسرين 1/ 82، البدر 1/ 147 وفيه «في رفع الحكم» ، هدية العارفين 1/ 120) .
8- ترغيب الرائض في علم الفرائض (الضوء 2/ 157، طبقات المفسرين 1/ 82، إيضاح المكنون 1/ 282، هدية العارفين 1/ 120، بروكلمان ق 6/ 518، وذكر أنه علق عليه سبط المارديني وزكريا الأنصاري) .
9- الجمل الوجيزة في الفرائض (الضوء 2/ 157، البدر 1/ 117) .
10- الحاوي في الحساب (كشف الظنون 629 وذكر أنه توفي سنة 927 كما ذكر أن أحمد بن صدقة الصديقي نظمه، وفي طبقات المفسرين في ترجمة أحمد بن

(1/11)


صدقة أنه شرحه «الطبقات 1/ 45» . وذكر إيضاح المكنون «1/ 390» شرحا له قام به زين الدين عبد القادر بن علي بن شعبان) .
11- خلاصة الخلاصة في النحو (الضوء 2/ 158، وطبقات المفسرين 1/ 82) .
12- ديوان شعر (هدية العارفين 1/ 120) .
13- رفع الملام عن القائل باستحباب القيام (الضوء 2/ 157، إيضاح المكنون 1/ 580، هدية العارفين 1/ 120) وهو في: طبقات المفسرين «دفع الملام ... » .
14- شرح الأربعين (ذكره المؤلف في هذا الكتاب عند شرح قوله تعالى: شُعُوباً وَقَبائِلَ من الآية 13 من سورة الحجرات) .
15- شرح قطعة من المنهاج (الضوء 2/ 157) .
16- شرح الياسمينية في الجبر والمقابلة (الضوء 2/ 157، وطبقات المفسرين 1/ 82، هدية العارفين 1/ 120، وفيه: شرح الأرجوزة الياسمينية) .
17- صيام ستة أيام من شوال (الضوء 2/ 157، طبقات المفسرين 1/ 83) .
18، 19- الضوابط الحسان فيما يتقوم بها اللسان، ويعرف بالسماط، وقد شرحها شرحا حسنا (الضوء 2/ 158) . واسمه في طبقات المفسرين 1/ 82 «القواعد الحسان» وحققه الدكتور السيد رزق الطويل.
20- غاية السول في الإقرار بالدين المجهول (الضوء 2/ 157، الطبقات 1/ 82، إيضاح المكنون 2/ 139، هدية العارفين 1/ 121) ومنه نسخة بدار الكتب المصرية كتبت سنة 858 هـ تقع في 62 ورقة.
21- الفصول المهمة في علم ميراث الأمة (الضوء 2/ 157، الطبقات 1/ 82، كشف الظنون 1225، هدية العارفين 1/ 120، إيضاح المكنون 2/ 195 وذكر أن القاضي زكريا الأنصاري شرحه) .
22- القواعد المنظومة (هدية العارفين 1/ 121) .
23- كفاية الحفاظ «ألفية في الفرائض» (الضوء 2/ 157، كشف الظنون 1497، هدية العارفين 1/ 282) .
وعليه عدة شروح أحدها للمؤلف قارب الفراغ منه وسنذكره في موضعه، وثان لسبط المارديني، وثالث لزكريا الأنصاري، وغيرها (بروكلمان ق 6/ 519) .

(1/12)


24- اللمع في الحث على اجتناب البدع (الضوء 2/ 158، إيضاح المكنون 2/ 410 وفيه «اللمع في اجتناب البدع» ) .
25- اللمع في الحساب (هدية العارفين 1/ 120) .
26- اللمع المرشدة في صناعة الغبار (الضوء 2/ 157، الطبقات 1/ 82، كشف الظنون 1562، هدية العارفين 1/ 120) .
27- مختصر تلخيص ابن البناء والمسمى بالحاوي (الضوء 2/ 157، هدية العارفين 1/ 120 وانظر البدر 1/ 117) .
28- مختصر كتاب اللمع لأبي إسحاق، في الأصول (الضوء 2/ 158، الطبقات 1/ 82، البدر 1/ 117) .
29- مرشدة الطالب إلى أسنى المطالب (كشف الظنون 1655، هدية العارفين 1/ 120) ويذكر له بروكلمان عدة شروح ومختصرات لطائفة من العلماء (انظر:
بروكلمان ق 6/ 515- 517) .
30- 32- المعونة في الحساب الهوائي (الضوء 2/ 157، الطبقات 1/ 82، كشف الظنون 1773، هدية العارفين 1/ 120، معجم المطبوعات 270) .
وقد اختصره المؤلف مرتين:
الأولى باسم الوسيلة (الضوء 2/ 157، كشف الظنون 1743، بروكلمان ق 5/ 520) .
والأخرى باسم: المبدع (الضوء 2/ 157، الطبقات 1/ 82) .
33- المغرب من استحباب ركعتين قبل المغرب (الضوء 2/ 157، الطبقات 1/ 82، 83، إيضاح المكنون 2/ 519، هدية العارفين 1/ 120) .
34- المفتاح في الحساب (كشف الظنون 1769، وهدية العارفين 1/ 120) .
35- 37- المقنع في الجبر والمقابلة (قصيدة لامية من بحر الطويل) (الضوء اللامع 2/ 157، طبقات المفسرين 1/ 82، بروكلمان ق 6/ 518، هدية العارفين 120 وفيه المقنع في الهيئة) وقد قام بشرحه باسم: الممتع (الضوء اللامع 2/ 157، طبقات المفسرين 1/ 82، هدية العارفين 1/ 121 وفيه وهو شرحه الكبير) .
وشرح آخر وهو: اختصار الممتع باسم: المشرع (الطبقات 1/ 82، وهدية العارفين 1/ 120) وهو عند محقق (نزهة النفوس) / 13 (المسرع) وهو

(1/13)


المناسب لكونه شرحا مختصرا. ويذكر المحقق أن من الكتاب مصورتين في جامعة الملك سعود. وممن قام بشرحه كذلك سبط المارديني، وزكريا الأنصاري (بروكلمان ق 6/ 518) .
38- منظومة لامية في الجبر «من بحر البسيط» (الضوء 2/ 157، طبقات المفسرين 1/ 82) .
39- نزهة النظار في صناعة الغبار (الضوء 2/ 157، هدية العارفين 1/ 120، إيضاح المكنون 2/ 643، طبقات المفسرين ويذكر أنه اختصار لكتاب اللمع المرشدة، كشف الظنون 1942، وفيه نزهة الحساب، لخصه من المرشدة في علم الغبار.
وقد شرحها عبد القادر بن محمد الفيومي (إيضاح المكنون 2/ 638) وغيره، (بروكلمان ق 6/ 515) .
40- نزهة النفوس في بيان حكم التعامل بالفلوس (الضوء 2/ 157، طبقات المفسرين 83، إيضاح المكنون 2/ 643، هدية العارفين 1/ 121) .
ومنه أربع نسخ خطية بدار الكتب المصرية. وقام بتحقيقه الدكتور عبد الله ابن محمد الطريقي.
ثانيا: ومن الكتب التي لم يكملها:
1- إبراز الخفايا في فن الوصايا (الضوء 2/ 158، الطبقات 1/ 83، إيضاح المكنون 1/ 10، هدية العارفين 1/ 120، والبدر 1/ 118 ولم يذكر أنه لم يكمله) .
2- البحر العجاج في شرح المنهاج (منهاج الطالبين للنووي) (الضوء 2/ 158، طبقات المفسرين 1/ 83، إيضاح المكنون 1/ 165، هدية العارفين 1/ 120) .
3- تحرير القواعد العلائية وتمهيد المسالك الفقهية (الضوء 2/ 158، الطبقات 1/ 83، إيضاح المكنون 1/ 233، هدية العارفين 1/ 120) .
4- تعاليق على مواضع من الحاوي (الضوء 2/ 158، الطبقات 1/ 83) .
5- تفسير (الضوء 2/ 158، البدر الطالع 1/ 118، الطبقات 1/ 83 وذكر أنه قطعة وصل تفسيره إلى قوله تعالى فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها الآية 36 من سورة البقرة) .
6- شرح الجعبرية في الفرائض (الضوء 2/ 158، والطبقات 1/ 83) .
7- شرح الكفاية (الضوء 2/ 158، والطبقات 1/ 83 وذكر أنه قارب الفراغ منه) .
8- العجالة في حكم استحقاق الفقهاء أيام البطالة (الضوء 2/ 157، الطبقات 1/ 83

(1/14)


وذكر أنه لم يكمله، الأنس الجليل 2/ 111، كشف الظنون 1125، هدية العارفين 1/ 120) .
9- العقد النضيد في تحقيق كلمة التوحيد (الضوء 2/ 158، الطبقات 1/ 83، البدر 1/ 118 وذكر الثلاثة أنه كتب منه 30 كراسة، إيضاح 2/ 111، الهدية 1/ 120) .
هذا وقد وردت أسماء بعض هذه الكتب غير متطابقة في المراجع التي ذكرتها وهي اختلافات طفيفة وسبق أن أشرت إلى بعضها.
ومن عرضنا هذا لمؤلفاته- أو جلها بعبارة أدق- نرى عالما متعدد الجوانب، له مشاركة في كثير من العلوم العربية والإسلامية، فهو فقيه ونحوي ورياضي. كان علّامة في الرياضيات ومبرزا فيها. ونلحظه مع بعض مصنفاته يؤلفها ثم يختصرها وقد يشرحها، بل وقد يشرح المصنّف أكثر من مرة، يسهب في إحداها ويوجز في أخرى. ومرد ذلك اشتغاله بالتدريس، فكان يوجز أو يطنب وفق نوعية التلاميذ ومستواهم العلمي.
ومجمل القول إن ابن الهائم نذر حياته لخدمة دينه، تارة بالموعظة الحسنة يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وتارة بالتدريس وتكوين جيل جديد من العلماء يواصلون السير في خدمة دينهم ويتابعون نهج أسلافهم في إعلاء شأنه، وكذلك بتصنيف المؤلفات العديدة، وهي تندرج تحت علوم أربعة: الفقه والتفسير والنحو والرياضيات بالمعنى المتعارف عليه اليوم. وقد كان في الرياضيات بمكان عال، ذا قدم راسخة وباع طويل في وقت ندر فيه من كانوا يولونه أدنى اهتمام. وهذا يذكرني بالشيخ حسن الجبرتي والد المؤرخ الشهير عبد الرحمن الجبرتي الذي عاش بعد ابن الهائم بنحو قرنين ونصف، فقد ذكر الجبرتي أن أحمد باشا الوالي التركي المعروف بكور وزير (غرة المحرم 1162 هـ- 10 من شوال سنة 1163 هـ) كان من أرباب الفضائل وله رغبة في العلوم الرياضية لمّا وصل مصر وقابله أكابر العلماء في ذلك الوقت وعلى رأسهم شيخ الأزهر الشيخ عبد الله الشبراوي ناقشهم وباحثهم. وعند ما تطرق إلى الرياضيات أحجموا جميعا وقالوا: لا نعرف هذه العلوم، ولم يجد شيخ الأزهر غير الشيخ حسن الجبرتي يعرف هذه العلوم فقدمه للباشا فأعجب به ولازمه مدة من الزمن «1» يقول الجبرتي المؤرخ: «وكان المرحوم الشيخ عبد الله الشبراوي
__________
(1) عجائب الآثار 1/ 193، 194.

(1/15)


كلما تلاقى مع المرحوم الوالد يقول له: سترك الله كما سترتنا عند هذا الباشا، فإنه لولا وجودك كنا جميعا عنده حميرا «1» .
ونقف بعد هذا مع كتابنا الذي نقدمه، وهو:

كتاب التبيان في تفسير غريب القرآن
نص ابن الهائم على اسم هذا الكتاب في المقدمة الموجزة التي صنعها له، وورد اسم الكتاب معزوّا لمصنفه في عدة كتب «2» .
ومما يؤكد نسبة الكتاب لصاحبه أنه ذكر فيه أشخاصا أخذ عنهم وتربطه بهم صلة وطيدة. من هؤلاء ابنه محمد الذي مات في حياته وأخذ عنه من كتابه «الغرر المضية» عند تفسير اللفظ القرآني لِجِبْرِيلَ في الآية 97 من سورة البقرة، وقوله تعالى: وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ في الآية 124 من سورة البقرة أيضا.

وصف المخطوط:
لم أعثر إلا على نسخة وحدة مخطوطة لهذا الكتاب تحتفظ بها دار الكتب المصرية تحت رقم 84 تفسير، تقع في 76 ورقة، بكل صفحة 25 سطرا، وفي السطر نحو 11 كلمة، كتبت سنة 1130 هـ بخط نسخي ممتاز بقلم علي بن عاشور بن عبد الكريم البرلسي أصلا الاتكاوي مولدا. وفي الحاشية بعض عبارات وألفاظ بخط المتن نفسه، بعضها سقط من الناسخ فاستدركه بالهامش.
والكلمات في النسخة واضحة إلا في بعض المواطن وخاصة في الأوراق الأولى. ويبدو أن ذلك بسبب أرضة ألمت بها أو رطوبة أصابتها مما جعل بعض العبارات يصعب قراءتها. وهناك بعض العبارات الواردة في الحاشية في النسخة كلها- وليس في الصفحات الأولى منها فقط- بترت منها كلمات أو حروف، وقد يكون مرجع ذلك إلى عدم الدقة في تصوير الفيلم لأن دار الكتب لا تمكّن من الاطلاع على أصل المخطوطات وتكتفي بالاعتماد على الفيلم.
__________
(1) المرجع السابق 1/ 194.
(2) من هذه الكتب: طبقات المفسرين 1/ 83، والضوء اللامع 2/ 158، والبدر الطالع 1/ 118، وإيضاح المكنون 1/ 223، وهدية العارفين 1/ 120، وبروكلمان ق 6/ 521. [.....]

(1/16)


ونلاحظ أن هذه النسخة تحافظ على ضبط الألفاظ القرآنية ومنها التي قرأ بها أبو عمرو مخالفة قراءة حفص عن عاصم.
وفيما يلي عنوان الكتاب كما سجل على الغلاف مكتوبا على شكل مثلث مقلوب:
«كتاب التبيان في تفسير غريب القرآن، تأليف الشيخ الإمام العلامة شيخ الإسلام وبركة الأنام العالم العامل الرباني شهاب الدين أحمد بن محمد الهائم الشافعي المصري ثم المقدسي، تغمده الله برحمته ونفعنا والمسلمين ببركته آمين آمين» ، وكتب تحته تمليكان فيهما كلمات يعسر قراءتها. وهما- كما أرى- على النحو التالي:
الوارد في الجهة اليمنى:
«من زاوية ابن العربي تفسير نمرة 12 حرف ت» والوارد في الجهة اليسرى:
«هذه النسخة ضمن مجلد موضوعات على القاري في أصول الحديث ص 3 ميم» .
وبعد أن انتهى المصنف من عرض الألفاظ القرآنية وفق ترتيب المصحف ختم كتابه بفوائد وتنبيهات تكلم فيها عن السجستاني مؤلف غريب القرآن، ونقل رأي التبريزي الذي يرى أنه «عزيز» بالراء في آخره وأن النطق بالزاي تصحيف، وكذلك تكلم عن منهجه في ذكر الكلمات الغريبة وعدم تكراره ما سبق وروده في سور أو آيات سابقة.

حول عنوان الكتاب:
هذا الكتاب ألفه ابن الهائم حاشية على كتاب غريب القرآن للسجستاني، وعنونه باسم «التبيان في تفسير غريب القرآن» . وكلمة «تبيان» مصدر من بيّن بمعنى وضّح «1» . ووروده بكسر أوله شاذ. جاء في الصحاح (بين) : «والتّبيان مصدر، وهو شاذ لأن المصادر إنما تجيء على التّفعال بفتح التاء نحو التّذكار والتّكرار والتّوكاف، ولم يجئ بالكسر إلا حرفان وهما: التّبيان والتّلقاء» .
__________
(1) التاج: (بين) .

(1/17)


ونقل الزبيدي في التاج (بين) عن شيخه الفاسي صاحب «إضاءة الراموس» مصدرا ثالثا وهو التّمثال «مصدر مثّلث الشيء تمثيلا وتمثالا» كما نقل رابعا عن درة الغواص وهو «تنضال» «1» وخامسا عن الشهاب الخفاجي في شرح الدرة وهو «تشراب» وذكر فيه الفتح أيضا «2» .
وذكر الجواليقي بعض هذه المصادر وزاد عليها التّيفاق بمعنى الهلاك «3» .

السجستاني صاحب تفسير غريب القرآن:
إذا كان ابن الهائم مصنف هذا الكتاب قد اتخذ من كتاب السجستاني أصلا لكتابه فعدّه كالمتن له، يعرض اللفظ القرآني الوارد عنده وتفسيره له، ثم يعقب أو يستدرك عليه ألفاظا لم يتناولها، فحريّ بنا أن نعرّف به.
لم تسعفنا كتب التراجم بترجمة مسهبة وافية عنه على الرغم من شهرة كتابه وذيوع انتشاره وكثرة تداوله. وكل ما قيل عنه إنه:
أبو بكر محمد بن عزيز العزيزي السجستاني «4» أديب مفسر كان من تلاميذ أبي بكر بن الأنباري. عاش في بغداد، وكان يؤدب أولاد العامة. ويذهب إلى جامع المدينة كل جمعة «5» . وفيما يتصل بكلمة سجستاني يقول ابن النجار: «ولا أدري قدم إلى سجستان أو أصله منها» «6» وكان أديبا صالحا فاضلا «7» متواضعا «8» .
واشتهر بكتابه «تفسير غريب القرآن» الذي أطلق عليه أيضّا «نزهة القلوب»
__________
(1) درة الغواص 88.
(2) شرح درة الغواص للخفاجي 186.
(3) شرح أدب الكاتب للجواليقي 412.
(4) () انظر في ترجمته:
- خاتمة التبيان لابن الهائم.
- تاريخ الإسلام 9/ 384.
- بغية الوعاة 1/ 171.
- طبقات المفسرين للداوودي 2/ 193، 194.
(5) خاتمة التبيان لابن الهائم، نقلا عن ابن خالويه.
(6) تاريخ الإسلام 9/ 384.
(7) تاريخ الإسلام 9/ 384، وطبقات المفسرين 2/ 194.
(8) طبقات المفسرين 2/ 194.

(1/18)


- وسنعرض لذلك فيما بعد- الذي قيل إنه ألفه في خمس عشرة سنة، وكان يقرؤه على شيخه ابن الأنباري «1» ويصلح له فيه مواضع «2» ومات سنة 330 هـ «3» .

الاختلاف في اسم عزيز:
اختلف المترجمون للسجستاني وكذلك العلماء المتخصصون في ضبط الأعلام في الحرف الأخير من «عزير» أهو بالزاي أم بالراء.
قالت طائفة إنه بالراء فقط وأخرى قالت إنه بالزاي. ولابن حجر دراسة موعبة في «تبصير المنتبه» عن هذا الموضوع وفيمن قال إنه بالراء أو بالزاي في آخره «4» ، وأورد الزبيدي كلامه وزاد نقولا من غيره في مادة (عزز) بتاج العروس. ويذكر الزبيدي أن هناك رسالة مستقلة في هذا الموضوع ألفها الحافظ أبو الفضل ابن ناصر السلامي.
ويتلخص ما كتبه الزبيدي أن البغداديين يقولون إنه بالراء، ومنهم الحافظ ابن ناصر وابن نقطة وابن النجّار وأبو محمد بن عبيد الله وعبد الله بن الصّباح البغدادي، وتبعهم من المغاربة الصدفي وأبو بكر بن العربي والعبدري والقاسم التّجيبيّ. وذكر طائفة ممن قالت إنه بالزاي فنسب ذلك إلى الدارقطني وعبد الغني والخطيب وابن ماكولا.
ونقل الزّبيدي من حجج من قال إنه بالراء أن جماعة منهم ابن نقطة ذكر أنه رأى نسخة عند شخص معين حدده مكتوب عليها أنها لمحمد بن عزيز أو بخط ابن عزير، بالراء في آخره.
وأما الفريق الآخر الذي يرى أنه بالزاي فحجة بعضهم أن الكاتب قد يذهل عن نقط الزاء فتصير راء، وحجة غيرهم أنه قد يكون فوقها نقطة فجعلها بعض من لا يميّز علامة الإهمال.
وكونه بالزاء هو الذي مال إليه الزبيدي وارتضاه «5» .
__________
(1) بغية الوعاة 1/ 171، وطبقات المفسرين للداوودي 2/ 194.
(2) تاريخ الإسلام 9/ 384، وطبقات المفسرين 2/ 194.
(3) بغية الوعاة 1/ 171، وطبقات المفسرين 2/ 194، والتاج (عزز) .
(4) تبصير المنتبه 948- 950.
(5) انظر التاج (عزز) . [.....]

(1/19)


على أن ممن قال إنه بالراء علل ذلك بأنه من بني عزرة «1» وردّ ذلك بأن القياس فيه العزري لا العزيري «2» .
وقد نبهني الأستاذ الدكتور رمضان عبد التواب- رحمه الله- إلى أن أحد تلاميذه حقق هذا الاسم وانتهى إلى أنه «عزير» بالراء المهملة وذلك لأنه كان يهوديّا يسمى عزرا، فلما هداه الله إلى الإسلام غير اسمه من عزرا إلى عزير.
هذا وقال بعضهم إنه نطق بالحرفين فقيل عزير وعزيز «3» .

منهج السجستاني في ترتيب الألفاظ:
انتهج علماء غريب القرآن في ترتيب الألفاظ التي انتخبوها نهجين رئيسين وهما:
الأول- وفق ترتيب الآيات في المصحف، وذلك مثل مجاز القرآن لأبي عبيدة، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة، وغريب القرآن لعبد الله بن يحيى بن المبارك، وبهجة الأريب في بيان ما في كتاب الله العزيز من الغريب للمارديني، والتبيان لابن الهائم وهو هذا الكتاب موضوع التحقيق.
الثاني- حسب الترتيب الهجائي، وهذا الأخير كان ذا طرائق قددا:
أ- فمنهم من راعى آخر الكلمة، فرتب على أساسه، وذلك وفق ترتيب الجوهري للصحاح ومن تبعه كابن منظور في «لسان العرب» والصّغاني في «العباب» والفيروزآبادي في «القاموس المحيط» . وقد سار على هذا النهج محمد بن أبي بكر الرّازي، يقول حاجي خليفة عن كتابه هذا: «ورتب ترتيب الجوهري» وقد قام بتحقيقه الدكتور عبد الله عبد الرحمن بكلية الآداب بجامعة الكويت.
والمعروف أن الرازي هذا اختصر الصحاح محافظا على ترتيبه وسماه مختار الصحاح.
ب- ومنهم من لاحظ أول الكلمة، وهؤلاء لم يسيروا وفق منهج معين:
__________
(1) الأنساب 4/ 188.
(2) طبقات المفسرين 2/ 193.
(3) تاريخ الإسلام 9/ 384.

(1/20)


1- فمنهم من راعى جذر الكلمة مثل الهروي في كتابه الغريبين.
2- ومنهم من نظر إلى الشكل الخارجي للكلمة دون مراعاة لأصلها الاشتقاقي كالسجستاني في كتابه غريب القرآن.
وهذا الكتاب هو الذي يعنينا من بين كتب غريب القرآن لأن ابن الهائم اتخذه أساسا لكتابه التبيان.
وفيما يلي وقفة مع منهجه في ترتيب الغريب الذي أورده في كتابه.

مع السجستاني في ترتيب غريب القرآن:
المنهج الذي اتبعه السجستاني في عرض غريب القرآن أنه رتب الألفاظ القرآنية ترتيبا هجائيّا وفق الشكل الخارجي للكلمة دون مراعاة للأصل الاشتقاقي، فمثلا:
تُدْهِنُ ورد في التاء وفَيُدْهِنُونَ في حرف الياء. ومراعاة الأصل الاشتقاقي يقتضي أن يكونا في حرف الدال (دهن) .
ثم قسم كل حرف إلى ثلاثة أقسام: المفتوح يليه المضموم وينتهي بالمكسور، ففي باب الكاف المفتوحة مثلا يضع كَبُرَ (الصف 3) ويضع الْكُبَرِ (المدثر/ 35) في باب الكاف المضمومة ويضع كِبْرٌ (غافر 56) في باب الكاف المكسورة، ثم يرتب كل صنف (المفتوح والمضموم والمكسور) وفق ترتيبه في المصحف، فما يبدأ مثلا بالراء المكسورة في سورة آل عمران يسبق ما يبدأ بالراء المكسورة في سورة النساء، وما يرد في الآية العشرين مثلا بإحدى السور يسبق ما يرد في الثلاثين من السورة نفسها حتى وإن كان الحرف الثاني من الآية الأخيرة يسبق ما في الآية المتقدمة من حيث الترتيب الهجائي. وإن لكل من المنهجين مزاياه فالمرتب وفق ترتيب المصحف لا يجهد الباحث نفسه في العثور على بغيته وإنما يسير مع الكلمة حيث ترد في موقعها من سورتها. ولكن هناك كلمات تكررت في القرآن بنفس المعنى في المواضع التي وردت بها ومن عادة المؤلفين ألا يذكروها إلا في أول ورودها، فلو كان القارئ يقرأ الكلمة في السورة المتأخرة في الترتيب وليس له حظ من حفظ كتاب الله فإنه لا يصل إلى بغيته بسهولة إلا إذا استعان بمعجم لألفاظ القرآن. ومثال ذلك قوله تعالى فُرِجَتْ التي وردت في الآية التاسعة من سورة المرسلات والتي وردت أيضا في الآية السادسة من سورة ق، فالقارئ لسورة

(1/21)


المرسلات لا يجد مراده في غريب هذه السورة لوروده في سورة ق ومثال ذلك أيضا الكلمة القرآنية مَواخِرَ التي ذكرت في سورة فاطر بالآية الثانية عشرة، فإن الباحث لا يجد مراده في تفسير غريب هذه السورة لأنها سبقت في الآية الرابعة عشرة من سورة النحل.
أما المرتب وفق النظام الهجائي فيسهل عليه الوصول إلى اللفظ المراد تفسيره بشريطة أن يكون على دراية بنهج مؤلفه في الترتيب.
ونلاحظ على السجستاني بالنسبة لعرضه أيضا:
1- يذكر جزءا من آية، أي كلمة أو عدة كلمات، ونجده في الحالة الأخيرة يفسر الكلمة الغريبة من هذه الكلمات ويحدد موضع الآية وترتيبها في كتابه وفقا لشكل الكلمة التي يفسرها وليس وفقا لأول لفظ ورد في الآية، ومثال ذلك الْكِبْرِياءُ في قوله تعالى وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ [التوبة الآية 87] فهو يضع الآية في الكاف المكسورة تبعا للكلمة التي يفسرها.
2- عدم الالتزام أحيانا بصورة اللفظ كما ورد في المصحف، فمن ذلك: الْقُرْآنُ [البقرة 185] ، الْإِنْجِيلَ [آل عمران 3] ، بِالْإِفْكِ [النور 11] ، الْأَيامى [النور 32] ، الْأَعْجَمِينَ [الشعراء 198] ، أَقْواتَها [فصلت 10] ، بِالْأَحْقافِ [الأحقاف 21] ، الْأُخْدُودِ [البروج 4] فقد كتبت في النزهة:
قرآن، إنجيل، إفك، أيامى، أعجمين، أقوات، أخدود (انظر النزهة 159، 32، 35، 16، 17، 20، 30) .
3- السهو عن ذكر بعض الألفاظ القرآنية وفق ترتيب المصحف وذلك داخل الترتيب الهجائي الذي انتهجه المؤلف، من ذلك:
أ- قدّم فَاصْفَحْ عَنْهُمْ من سورة الزخرف، الآية 89، على الْغَوْا فِيهِ وهي من سورة فصلت، الآية 26.
ب- قدم حَبَّ الْحَصِيدِ من سورة ق الآية 9 على حَمِيَّةَ من الآية 26 من سورة الفتح.
ولعل السبب في هذا الخلل أن اللفظ الذي وضع في غير مكانه سقط من

(1/22)


إحدى النسخ فاستدركه الناسخ في الحاشية فجاء ناسخ آخر نقل عن هذه النسخة فوضعه سهوا في غير مكانه.
4- هناك ألفاظ لم يفسرها في موضعها من الترتيب الهجائي الذي اتخذه وسار عليه وإنما فسرها مع لفظ آخر قرآني ورد مقترنا به على الرغم من اختلاف كل منهما في الترتيب الهجائي، من ذلك:
أ- فَرْشاً الوارد في حَمُولَةً وَفَرْشاً من سورة الأنعام الآية 142 كان المتوقع تفسيره في الفاء المفتوحة لكنه فسره في الحاء المفتوحة مع (حمولة) .
ب- مَقِيلًا، الوارد في أَحْسَنُ مَقِيلًا في الآية الخامسة من سورة الفرقان فسر في الألف المفتوحة مع (أحسن) وكان الظن أن يفسر في الميم المفتوحة.
ج- سائِبَةٍ، ووَصِيلَةٍ، وحامٍ في الآية 103 من سورة المائدة. كان المفروض أن تفسر الأولى في السين المفتوحة والثانية في الواو المفتوحة والثالثة في الحاء المفتوحة لكنه فسرها كلها في الباء المفتوحة مع بَحِيرَةٍ.
على أن هناك ألفاظا فسرها في غير موضعها بالإضافة إلى تفسيرها في موضعها مثل كلمة مَبْثُوثَةٌ التي فسرها في الزاي المفتوحة مع زَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ من الآية 16 من سورة الغاشية. وفسرها كذلك في الميم المفتوحة وفق ترتيبها الهجائي.

السجستاني وقراءة أبي عمرو:
وبالنسبة للألفاظ القرآنية التي حرص على ذكرها وفق الرسم المصحفي لاحظت أنه لم يراع قراءة حفص عن عاصم التي اتبعت في كتابة المصحف الشائع الآن في الشرق العربي، وإنما كتبت وفق قراءة أبي عمرو. ولا عجب في أن يلجأ إلى هذه القراءة ويترك قراءة حفص عن عاصم، لأنها القراءة التي كانت شائعة في ذلك الحين في مصر والشام كما يذكر ابن الجزري «1» وأعتقد أنها كانت أيضا شائعة في العراق موطن السجستاني ذلك لأن أبا عمرو عاش في البصرة وكان إمام القراءة بها ومات
__________
(1) النشر 1/ 41، وانظر: أثر القراءات في الأصوات والنحو العربي (أبو عمرو بن العلاء) للدكتور عبد الصبور شاهين.

(1/23)


بالكوفة سنة 154 «1» ، ومن غير شك انتشرت قراءته في البصرة وانتشرت كذلك في المدن القريبة منها كبغداد التي أقام بها السجستاني كما ذكرنا في ترجمته.
ونجد أنه وفق قراءة أبي عمرو هذه فسر كثير من العلماء الألفاظ القرآنية، وقد لاحظت ذلك في كتاب «بهجة الأريب» للمارديني من خلال تحقيقي له، كما لاحظته من خلال اطلاعي على غريب القرآن لعبد الله بن يحيى بن المبارك.
وممن سار على هذا الدرب زين الدين محمد بن أبي بكر عبد القادر الرازي المتوفى بعد سنة 668 في كتابه «غريب القرآن» . والرازي هذا من الريّ وزار مصر والشام.
وقد لاحظت أن كل طبعات كتاب السجستاني التي اطلعت عليها لم تلتزم بقراءة أبي عمرو وإنما كتبت الألفاظ القرآنية حسب قراءة حفص عن عاصم التي روعيت في طباعة المصحف المتداول في بلاد المشرق العربي بدءا بمصر غربا، إلا إذا تعارض ذلك مع تقسيم المؤلف لأوائل الألفاظ فتحا أو ضمّا أو كسرا، وذلك مثل نَسْياً في الآية 23 من سورة مريم التي وضعها في النون المكسورة وهي في المصحف المتداول في المشرق بالنون المفتوحة وفق قراءة حفص عن عاصم، وفَيُسْحِتَكُمْ في الآية 61 من سورة طه التي وضعها في الياء المفتوحة موافقة لقراءة أبي عمرو وهي في المصحف المتداول في المشرق وفق قراءة حفص عن عاصم بضم الياء وكسر الحاء فَيُسْحِتَكُمْ.
وقد لاحظ هؤلاء الناشرون قراءة أبي عمرو أيضا عند اختلاف الحرف الأول وذلك مثل أُقِّتَتْ من الآية 11 من سورة المرسلات، فقد عالجوها في حرف الواو المضمومة تبعا للمصنف الذي راعى قراءة أبي عمرو.
على أن السجستاني قد خالف نهجه أحيانا فلم يبدأ بقراءة أبي عمرو، وهذا في كلمات قليلة جدّا، ونلاحظ ذلك عند ما يعرض كلمة وينص على أنها بقراءتين، يتبين لنا أن إحداهما لأبي عمرو، من ذلك ننشرها ونُنْشِزُها في الآية 259 من سورة البقرة، فقد بدأ بالصيغة الزائية وهي ليست قراءة أبي عمرو الرائية التي أخرها.
ومن ذلك أيضا تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وتَنْبُتُ بِالدُّهْنِ في الآية 20 من سورة المؤمنون
__________
(1) التيسير في القراءات السبع 4.

(1/24)


فقد وضعها السجستاني في التاء المفتوحة مخالفا قراءة أبي عمرو التي هي بالتاء المضمومة.
وأعتقد أن عددا من علماء التفسير فسروا كتاب الله وفق قراءات معينة غير قراءة حفص لكن الناشرين في البلدان التي تسود فيها قراءة حفص عن عاصم راعوا- في الغالب- كتابة الألفاظ القرآنية وفق هذه القراءة. وقد طبعت دار الكتب المصرية تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن) وجاء في صدر الطبعة الثالثة الصادرة عن الهيئة العامة للكتاب أن القرطبي فسر القرآن وفق قراءة نافع، ولكن الهيئة راعت في كتابة الآيات القرآنية المصحف المطبوع في دار الكتب حسب قراءة عاصم براوية حفص «1» .
وممن تنبه إلى طبع تفسير للقرآن وفق القراءة التي التزم بها المفسر «دار إحياء الكتب العربية» لصاحبها عيسى الحلبي وشركاه سنة 1925 وهي تطبع تفسير القرآن الكريم للجلالين المحلي والسيوطي، فقد دونت على غلافه أنها راعت ضبط القرآن الكريم بالشكل التام حسب رواية الشيخين المفسرين وإن كانت تخالف رواية حفص أحيانا.

طبعات النزهة:
إن تأليف هذا الكتاب في صورة مشرقة بهجة من حيث الصحة في تفسيراته والسهولة واليسر في ترتيبه جعلت الناس يقبلون عليه، يستشيرونه وهم يتلون كتاب الله ويتدارسونه، فانتشر بين الخاصة والعامة. وتضم المكتبات العامة والخاصة مئات النسخ منه، وفي دار الكتب المصرية وحدها- مضموما إليها المكتبات الملحقة بها كالتيمورية وطلعت- أحصيت 21 (إحدى وعشرين) نسخة تحمل اسم نزهة القلوب، و 3 ثلاث نسخ باسم غريب القرآن ونسخة باسم تفسير غريب القرآن، ونسخة بعنوان «مختصر نزهة القلوب» . هذا بالإضافة إلى نسخة تحمل اسم «تفسير غريب القرآن» برقم 163 تفسير، دون على غلافها أنها للسجستاني وبالاطلاع عليها تبين لي أنها ليست له، فهي مرتبة وفق ترتيب المصحف، والمادة العلمية التي تشتمل عليها أكثر غزارة من مادة كتاب السجستاني. حقيقة إنها تضمنت بعض العبارات الواردة عنده،
__________
(1) انظر مقدمة الجزء الأول من القرطبي ص 2.

(1/25)


ولكن هذا شيء طبعي لأن كتب التفسير ينقل بعضها عن بعض، فقد يكون مؤلفها رجع إلى كتاب السجستاني أو إلى مصدر من مصادره أو إلى كتاب أخذ عنه. هذا واسم مؤلف هذه النسخة غير مدون لا في صدرها ولا في خاتمتها.
وإذا كان لظهور المطبعة أثر ضخم في نشر تراثنا وتيسير الاطلاع عليه، فقد كان لتفسير غريب القرآن للسجستاني حظ من النشر عظيم، فقد طبع عدة مرات أقدمها على ما أعتقد النسخة التي طبعت على هامش تفسير القرآن الكريم المسمى «تبصير الرحمن وتيسير المنان» لعلي بن أحمد المهايمي في مطبعة بولاق سنة 1295 هـ، وتوالت الطبعات بعد ذلك فنجده ينشر على هامش تفسير ابن كثير في «أره» سنة 1307 هـ والقاهرة 1325 «1» وينشره محمد بدر الدين النعساني في مطبعة السعادة بالقاهرة سنة 1325 هـ «2» . وقام الشيخ مصطفى عناني بنشره مرتين: الأولى سنة 1342 هـ (أي نحو سنة 1923 م) والأخرى سنة 1355 هـ (1936 م) وكلاهما طبع بالمطبعة الرحمانية بالخرنفش بالقاهرة. والطبعتان متماثلتان في كل شيء عدا اختلاف ترقيم الصفحات نتيجة صف الحروف مرة أخرى.
ونشرته كذلك مطبعة محمد علي صبيح سنة 1382 هـ (1963 م) وكتبت على غلافه: «عني بتصحيحه وترقيمه وضبط ألفاظه وتعليق حواشيه لجنة من أفاضل العلماء» . ثم طبعته دار الرائد العربي في بيروت بلبنان وكانت الطبعة الثالثة سنة 1402 هـ (1982 م) وهي الطبعة التي اعتمدت عليها في تحقيق التبيان، فإذا ذكر في الحواشي «النزهة» أو «مطبوع النزهة» فإنني أعني هذه الطبعة. ولقد تبين لي أنها صورة طبق الأصل من الطبعة الثانية التي نشرها الشيخ مصطفى عناني من حيث الضبط والهوامش وأرقام الصفحات وبداياتها ونهاياتها ما عدا صفحة العنوان التي غيرتها الرائد مكتفية باسم الكتاب والمؤلف.
والشيخ العناني عالم لغوي كان يدرّس بدار العلوم، ثم اختير المفتش الأول للعلوم العربية بالمعاهد الدينية الأزهرية. وكان مبرزا في العلوم العربية والإسلامية ويشهد له بهذه المكانة أنه قبل عشرين عاما من نشر هذا الكتاب تولى تصحيح طبعة القاموس المحيط التي نشرتها المطبعة المصرية الحسينية سنة 1332 هـ (1913 م)
__________
(1) تاريخ التراث العربي 1/ 75.
(2) انظر معجم المطبوعات 1008.

(1/26)


وكان في أثنائها يدرّس في دار العلوم «1» لذا حرص على ضبط الكلمات الملبسة وعلق على بعض المواضع تعليقات مفيدة. وقد أوضح عمله في صفحة العنوان التي جاءت على النحو التالي: «غريب القرآن المسمى (بنزهة القلوب) للإمام أبي بكر محمد بن عزيز السجستاني، عني بتصحيحه وترقيمه وضبط المهم من ألفاظه وتعليق حواشيه ومراجعته على أصول الأستاذ مصطفى عناني بك المفتش الأول للعلوم العربية بالأزهر والمعاهد الدينية» .
ودار الرائد بعملها هذا قد سطت على الكتاب وسلبت جهد محققه بحذف اسمه وعزو عمله من ضبط وتعليقات وغيرها إلى لجنة زعمت أنها هي التي قامت بهذا الجهد الضخم. وهذا اعتداء صارخ وظلم مبين وسرقة فاضحة. وهذه الجريمة في حق هذا الكتاب ومحققه الشيخ العناني سبقتها جريمة أخرى مشابهة تتمثل في طبعة مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح التي أشرنا إليها قبل، فهذه الطبعة صورة طبق الأصل من طبعة الشيخ العناني: الضبط هو الضبط والحواشي هي نفسها بحذافيرها.
والخلاف الوحيد عدم التطابق في بداية الصفحات ونهاياتها وعددها. ومرد ذلك أن تصوير الكتب لم يكن قد غزا عالم المطابع فلجأ الناشر إلى جمع الحروف وصفها من جديد مما اقتضى التغيير الذي ذكرناه.
وأحب أن أشير إلى نسختين من هذا الكتاب طبعتا مرتين وفق ترتيب المصحف: إحداهما على هامش المصحف باسم «نزهة القلوب» طبعتها دار الكتب العلمية بلبنان بإذن من مشيخة المقارئ المصرية رقم (55) وراجعه عبد الحليم بسيوني المصحح بإدارة الجامع الأزهر، وتاريخ الطبع غير مدون، وجعل تفسير كل لفظ أمام وروده في المصحف بقدر الإمكان.
ولا أدري هل الدار هي التي قامت بترتيب الكتاب بهذه الصورة أو أنها اعتمدت على نسخة مخطوطة مرتبة وفق الترتيب المصحفي ولم تشر إليها.
أما الطبعة الأخرى فهي صورة من المطبوعة على المصحف إلّا أنها نشرت مستقلة في كتاب للشيخ محمد الصادق قمحاوي بعنوان «تهذيب غريب القرآن» .
__________
(1) انظر الصفحة الختامية ص 420 من الجزء الرابع من القاموس، الطبعة الثالثة 1352 هـ/ 1933 م- المطبعة المصرية.

(1/27)


ولا أدري هل هي منقولة عن طبعة المصحف، أو عن نسخة أخرى لم يشر إليها، أو هي ترتيب جديد قام به الشيخ قمحاوي، وهو ما أشار إليه في المقدمة.
وعلى كلّ فالطبعتان ليس فيهما كلمة واحدة مضبوطة، سواء أكانت قرآنية أم تفسيرية.

عود إلى كتاب التبيان:
ونعود إلى ابن الهائم فنتكلم عن منهجه في عرضه للغريب من الألفاظ:

منهج ابن الهائم:
إذا كان ابن الهائم قد اتخذ كتاب السجستاني الأساس الذي بنى عليه مصنفه، ولما كان المنهجان متباينين، اقتضى ذلك منه ترتيب النزهة وفق ترتيب المصحف، وهذا جهد جبار ومضن. وقد نص على صنيعه هذا في المقدمة الموجزة التي صنعها لكتابه، فيقول: «فرأيت أن أجمع ما تفرق من غريب كل سورة فيما هو كالفصل مع زيادة أشياء في بعض المواضع على الأصل» . ووجدناه بعد ذلك يعقب على تفسير كثير من الألفاظ، بل ويستدرك ألفاظا لم يوردها السجستاني في كتابه ويفسرها، ونلاحظ أنه:
يفصل بين كلام السجستاني والكلام الذي عقب به عليه بالرمز «زه» أي زاي ودارة كما وضّح في مقدمته للكتاب، وهذا يعني أن «زه» اختصار للفظ «زيادة» التي يوردها المصنف.

ملاحظات على الرمز «زه» :
1- أبقيت على هذا الرمز كلما ذكره ابن الهائم ووضعته بين قوسين هكذا (زه) .
2- ينقل ابن الهائم عن السجستاني وقد يعلق على كلامه أو يستدرك عليه لفظا أو أكثر ويوضحه دون أن يسبقه بوضع الرمز. وفي هذه الحالة أضعه بين قوسين معقوفتين هكذا [زه] قبل التعليق.
3- قد ينقل عنه ولا يعلق. وفي هذه الحالة تركت الكلام دون إشارة إلى أنه من النزهة.

(1/28)


- هذا وقد يجد القارئ الرمز «زه» في نهاية تفسير لفظ قرآني أو أكثر ولا يتبعه ابن الهائم بتعقيب من عنده فيتوهّم أنه مخالف لمنهجه الذي نص عليه، ولكن مرد ذلك في الغالب إلى اختلاف عرض النص في المخطوط عن عرضه محقّقا إذ إن المخطوط يذكر الألفاظ القرآنية وتفاسيرها مسرودة متتابعة دون فاصل بين لفظ مع تفسيره وآخر، وفي نهايتها جميعا يذكر المصنف الرمز ويعقب على الأخير منها. أما التحقيق فقد حرص على أن يبدأ كل لفظ مفسّر وما يتصل به من ألفاظ أخرى إن وجدت في بداية سطر جديد. وما دام المصنف قد اكتفى بوضع الرمز آخرها كلها فيتوهم أنه أهمل الرمز مع تفسير الألفاظ السابقة لهذا اللفظ والحقيقة أنه لم يهمله.
ويشهد على ذلك أنه وضع الرمز «زه» في نهاية تفسير يُنْفِقُونَ من سورة البقرة الآية الثالثة ثم فسر بعدها الألفاظ أُنْزِلَ وقَبْلِكَ ويُوقِنُونَ. ونلاحظ أن هذه الألفاظ وتفسيراتها لم ترد في النزهة، أي أنها من زيادات ابن الهائم. ومثال ذلك أيضا أن التحقيق وضع «زه» آخر تفسير سَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ من سورة إبراهيم الآية 32 ثم ذكر دائِبَيْنِ
من الآية 33 واضعا إياه في بداية سطر جديد. وإذا رجعنا إلى السجستاني لم نجد هذا التفسير. ونظائر ذلك كثيرة وهي الألفاظ التي وضع المؤلف آخرها «زه» ثم لم ينقل تفسير اللفظ الذي يليها من النزهة ووضعنا أمامه () إشارة إلى عدم وجوده بالنزهة.
لكن تواجهنا ألفاظ مفسّرة مختومة بهذا الرمز وهو «زه» وكان المفروض أن الذي يليها لم يرد في النزهة أي أنه من كلام ابن الهائم، إلا أننا أحيانا نجد اللفظ المفسر الذي يليه مختوما بهذا الرمز أيضا. من ذلك أنه فسر بِشِقِّ الْأَنْفُسِ [من النحل 7] بقوله «أي مشقّتها زه» وتلاه مباشرة تفسير وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ من الآية 9 من السورة نفسها فقال «بيان طريق الحكم لكم. والقصد: الطريق المستقيم زه» وتفسير هذا التكرار للرمز هو أن الرمز الأول إما وضع سهوا، وإما أنه كان يليه كلام للمؤلف أو استدراك لم يرد في النزهة وسقط هذا الكلام من الناسخ أو من النسخة المنقول عنها.
هذا، وعلى العكس من ذلك قد نجد لفظا مفسرا مختوما بالرمز «زه» والذي يليه في الترتيب غير مختوم تفسيره بهذا الرمز ولكن بالرجوع إلى النزهة نجده ورد بها

(1/29)


وسها المؤلف عن ذكره، ومثال ذلك:
أن المصنف وضع في نهاية تفسير شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ من سورة البقرة، الآية 144 الرمز «زه» وتلا ذلك مباشرة ثلاثة ألفاظ مفسرة، وهي: الْمُمْتَرِينَ من الآية 147، وجْهَةٌ
من الآية 148، ومُصِيبَةٌ من الآية 156 ولم يوضع في آخر أي منها الرمز «زه» لكن بالبحث في النزهة نجدها وردت كلها فيها.

وقصارى القول إن:
أ- كلام صاحب النزهة هو:
- ما سبق الرمز «زه» سواء أكان بين قوسين أم معقوفتين.
- ما لم يوضع في آخره أي رمز، ويستثنى ما يشار إليه في الحاشية أنه ليس لصاحب النزهة.
ب- كلام ابن الهائم هو:
- ما اختص به المؤلف من تفسير لم يرد في النزهة وميز بوضع نجمة () في آخره.
- ما يلي الرمز «زه» سواء أكان بين قوسين أو معقوفتين وفي هذه الحالة لم يوضع في آخره الرمز () .
- ما أشير في الحاشية أنه ليس لصاحب النزهة.

وقد لاحظت أيضا على منهج ابن الهائم أنه:
1- قد يورد اللفظ القرآني أكثر من مرة بالدلالة نفسها فلا يفسره في أول وروده وفق ترتيب المصحف، وإنما في موضع متأخر، ومن ذلك:
أ- ضَعْفاً: ورد في الآية 66 من سورة الأنفال والآية 45 من سورة الروم، ولم يفسر في الموضع الأول وإنما فسر في الثاني.
ب- ورد الْعَرْشِ في الآية المائة من سورة يوسف ولم يفسره فيها، وإنما فسر عَرْشَها في الآية الحادية والأربعين من سورة النمل، وورد اللفظ بصيغة عَرْشُكِ في الآية التالية لها (الثانية والأربعين) بالدلالة نفسها وأمر طبعي

(1/30)


أنه لم يفسره ونلاحظ أن اللفظ عُرُوشِها من الآية التاسعة والخمسين بعد المائتين من سورة البقرة فسره المصنف في موضعه وهو يختلف في دلالته عن الألفاظ الأخرى.
ج- ورد قوله تعالى: لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ في الآية السادسة والخمسين من سورة الكهف ولم يفسر، ولكنه فسر في الآية الخامسة من سورة غافر.
2- لم يتقيد فيما يفسره أحيانا باللفظ القرآني شأنه في ذلك شأن العزيزي- كما سبق أن ذكرنا- من ذلك: سائِبَةٍ ووَصِيلَةٍ وحامٍ في الآية 103 من سورة المائدة فقد وردت في المصحف منكرة، لكن ابن الهائم ذكرها معرفة بأل وكذا فعل قبله السجستاني الذي ذكرها في الباء المفتوحة مع بَحِيرَةٍ التي وردت معها الثلاثة في آية واحدة.
ومن ذلك أيضا قوله تعالى زَحْفاً في الآية 15 من سورة الأنفال وردت عند ابن الهائم «الزّحف» .
3- عند ما ينقل عن السجستاني- وقد يعلق وقد لا يعلق- لا يلتزم بما أخذه عنه، فقد يقدم ويؤخر في الكلام أو يزيد أو يحذف أو يتصرف. على أن هذا التصرف لا يخل بالمعنى وقد أشار إلى ذلك في مقدمته فقال: « ... حريصا أن آتي بعبارته في الأكثر» . وفيما يلي أمثلة لذلك:
أ- اسْتَوْقَدَ [البقرة 17] فسّر في النزهة بمعنى «أوقد» وورد في التبيان «أي أوقد زه» .
ب- فسرت النزهة قَفَّيْنا في الآية 87 من سورة البقرة بما يلي: «أي أتبعنا، وأصله من القفا، تقول: قفوت الرجل إذا سرت في أثره» وأورده ابن الهائم على النحو التالي: «أتبعنا وأصله من القفا، تقول: قفوت الرجل إذا سرت خلفه» .
ج- جاء في باب الكاف المكسورة بالنزهة «كبره» [النور 11] وكبره لغتان، أي معظمه، ويقال كبر مصدر الكبير من الأشياء والأمور وكبر مصدر الكبير السّن «وورد في التبيان:» كِبْرَهُ أي معظمه. قيل إنه بكسر الكاف وضمها لغتان بمعنى. ويقال إنه بالكسر مصدر الكبير من الأشياء والأمور،

(1/31)


وبالضم: مصدر الكبير السن زه» .
ومن الاختلاف الطفيف بين الكتابين تعريف المنكر وذلك مثل:
أ- بِالْعُرْفِ في الآية 199 من سورة الأعراف. ورد في التبيان «العرف:
المعروف» وهو في النزهة: «عرف: معروف» .
ب- الْبَوارِ الآية 28 من سورة إبراهيم. ورد في النزهة «بوار: أي هلاك» وفي التبيان: «البوار: الهلاك» .
وإذا كان المصنف يورد كلام السجستاني مع زيادة عليه أو نقص منه أو تغيير لفظ بآخر، وهذا واضح بالنسبة للنسخة المطبوعة (نشر دار الرائد) التي اعتمدت عليها كنسخة رئيسة في التثبت من النقل عنه. على أنه تبين لي بعد الاطلاع على طائفة من النسخ المخطوطة اختلافها في بعض الألفاظ وخاصة زيادة «أي» التفسيرية أو حذفها، لذا لم أعتد بمثل هذه الاختلافات سواء أكان ذلك في النسخة المطبوعة أم في المخطوطتين اللتين رجعت إليهما.
4- بالنسبة لما حذف من النزهة:
كان من المتوقع أن يضمن ابن الهائم كتابه كل ما ورد في غريب السجستاني فلا يحذف شيئا مما ذكره، بوصفه تبيانا له، شأنه في ذلك شأن الكتب التي ألفت بهدف التبيان مثل شروح ألفية ابن مالك كشرح ابن عقيل وشرح الأشموني، ومثل تاج العروس للزبيدي بالنسبة للقاموس المحيط، ولكننا نجده في بعض الأحيان يحذف من كلام السجستاني وهذا أمر مطرد بالنسبة لمحمد بن عبد الواحد الزاهد أبي عمر، فقد أحصيت له في النزهة ثلاثين قولا، حذفها كلها ابن الهائم عدا واحدا ورد عند تفسير اللفظ القرآني لَأَوْضَعُوا في الآية السابعة والأربعين من سورة التوبة.
ومن أمثلة ما حذف كذلك:
أ- فسر السجستاني قوله تعالى صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها من سورة البقرة الآية التاسعة والستون بقوله: «أي سوداء ناصع لونها» - وكذلك جِمالَتٌ صُفْرٌ [سورة المرسلات الآية 33]- أي سود، قال الأعشى:
تلك خيلي منه وتلك ركابي هنّ صفر أولادها كالزّبيب

(1/32)


ويجوز أن يكون صفراء وصفر من الصّفرة، قال أبو محمد: قال عبد الله النّمري: قال أبو رياش: من جعل الأصفر أسود فقد أخطأ، وأنشد بيت ذي الرّمة:
كحلاء في برج صفراء في نعج ... كأنها فضّة قد مسّها ذهب
قال أفتراه وصف صفراء بهذه الصفة.
وقال في قول الأعشى:
هنّ صفر أولادها كالزّبيب
أراد زبيب الطائف بعينه أو هو أصفر وليس بأسود ولم يرد سائر الزبيب» .
ورأينا ابن الهائم يكتفي من قول السجستاني ب: «ناصع لونها، ويجوز أن يكون صفراء وصفر من الصفرة» .
ب- في تفسير مُزْجاةٍ في الآية الثامنة والثمانين من سورة يوسف قال السجستاني: «أي يسيرة قليلة، من قولك فلان يزجي العيش، أي يدفع بالقليل يكتفي به. المعنى: جئنا ببضاعة إنما ندافع بها ونتقوّى ليست مما يتّسع به «أما ابن الهائم فقد حذف من قوله «يكتفى به إلى آخر التفسير» .

مراجع ابن الهائم:
وقد رجع ابن الهائم في زياداته على السجستاني إلى كتب عديدة في مختلف العلوم العربية والإسلامية وعلى الأخص كتب معاني القرآن وتفاسيره- وهي نفسها تحوي معارف من علوم متعددة- فكتاب التبيان يضم في ثناياه فقها وحديثا ونحوا وصرفا وبلاغة وفلسفة ومنطقا وتصوفا وعلم كلام وغير ذلك من العلوم التي مارسها العلماء السابقون للمصنّف ويتضح ذلك من خلال عرضه للألفاظ القرآنية التي وضحها. وفيما يلي أمثلة لذلك، وسنذكر اسم العلم. ونقرن به اللفظ القرآني الذي ورد في تبيانه ما يتصل بهذا العلم:
أ- الفقه: عند تفسير ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [سورة البقرة 28] .
ب- علم اللغة: عند تفسير: حَصَبُ جَهَنَّمَ [الأنبياء 98] .

(1/33)


ج- التاريخ: عند تفسير: آلِ فِرْعَوْنَ [البقرة 49] .
د- النحو: أَبَداً [البقرة 95] ومَهْما [الأعراف 132] وفَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ [الحجر 94] .
هـ- الصّرف: نِعْمَتِيَ [سورة البقرة 122] .
والبلاغة: عُدْوانَ [البقرة 163] .
ز- الفلسفة: الْمُقَدَّسَةَ [المائدة 21] .
ح- المنطق: بِآياتِي [البقرة 41] .
ط- علم الكلام: حَذَرَ الْمَوْتِ [البقرة 19] .
وقد رجع المؤلف إلى طائفة كبيرة من العلماء، وهو في أخذه عنهم لم يتبع منهجا محددا، فهو أحيانا يذكر اسم الشخص المنقول عنه دون أن يحدد كتابه الذي نقل عنه، فإن كان مفسرا وله تفسير واحد مثل الطبري فهذا يعني أنه أخذ من هذا التفسير وإن كان له أكثر من تفسير مثل الكرماني وله تفسيران نلاحظ أنه لا يكتفي بأحدهما بل ينقل من هذا أو من ذلك «1» .
وأحيانا يكتفي بذكر مصدره الذي أخذ عنه دون ذكر مؤلفه، من ذلك «المجمل» عند تفسير فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ [البقرة 206] و «الصّحاح» و «ديوان الأدب» عند تفسير ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة 228] ، و «الكشاف» وهو يفسر الْقَواعِدَ [البقرة 127] .
وأحيانا يذكر المؤلف وكتابه ففي تفسير قِسِّيسِينَ [المائدة 82] نقل عن الأزهري في تهذيب اللغة، وفي تفسير ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة 228] نص على أنه رجع إلى كتاب التدريب للبلقيني، ونجده وهو يفسر الْفاسِقِينَ [البقرة 26] ينص على أن ابن الأنباري ذكره في الزاهر.

منهج التحقيق:
بدأت بنسخ هذا الكتاب من المخطوطة وفق الرسم الإملائي الشائع الآن مراعيا علامات الترقيم التي دخلت العربية حديثا، وهي معينة على تقسيم الكلام إلى جمل تساعد على فهم المعنى المراد بسهولة ويسر، وأخرجته في صورة تعين على الوصول إلى ما يبغيه القارئ في سرعة ويسر، فجعلت تفسير كل لفظ قرآني وما قد يصاحبه
__________
(1) انظر ترجمة الكرماني الواردة في حاشية تفسير اللفظ القرآني في الآية الثانية من سورة البقرة.

(1/34)


من ألفاظ مقترنة به أحيانا في بداية سطر جديد مسبوقا برقم مسلسل داخل كل سورة ومردفا برقم الآية في السورة بين معقوفتين، وجعلت اللفظ القرآني المفسّر إذا كان المصنّف قد حافظ عليه كما هو بالمصحف- وهو في هذه الحالة يكون موافقا لقراءة أبي عمرو أو غيره- بين قوسين قرآنيين، وكذلك ما استشهد به من قرآن وفق القراءات المتواترة أو الشاذة.
وإذا كان الكتاب يشتمل على شواهد بعضها آيات قرآنية وردت في غير ترتيبها، وأحاديث للرسول ولغيره، وأمثال، وأشعار، حرصت على تخريجها. ولاشتماله كذلك على قراءات قرآنية- ومنها ما هو شاذ- عزوتها إلى قرائها أو بمعنى أدق إلى كثير منهم ثم قمت بتزويد الكتاب بفهارس مفصلة.
وهذا كتاب شرعت في تحقيقه منذ أكثر من عشر سنوات، وما كدت أنتهي من التحقيق حتى وقعت تحت يدي نسخة محققة فتصفحتها فوجدت جهدا كبيرا وعناء ضخما قد بذلا في تحقيقها مما جعلني أتقاعس عن تقديم عملي هذا للنشر. وشغلتني شواغل أخرى عنه وما إن انتهيت من بعضها حتى عدت إليه فوجدت أن ما بذلته في التحقيق جدير بألا يضيع سدى ويجب أن يرى النور، خاصة وأن تكرار النشر ليس بدعا والأمثلة عليه مئات المصنفات بل الآلاف، وشجعني على هذا اختلافي أحيانا مع تلك الطبعة في فهم النص وطريقة عرضه.
ولا يسعني إلا أن أقدم الشكر الجزيل لأخي الأستاذ إبراهيم البحيري المحرر بمجمع اللغة العربية الذي شاركني مراجعة تجارب الكتاب وبذل جهدا فائقا وكانت له ملاحظات قيمة.
وبعد: فآمل أن أكون قد أسهمت في خدمة كتاب الله العزيز، وصلى الله على سيدنا محمد، والحمد لله رب العالمين.
المحقق

(1/35)


الرموز المستعملة في التحقيق ودلالاتها
1- (زه) : ما بعده زيادة للمصنف عن السجستاني ومثبت بالمخطوطة.
2-[زه] : ما بعده زيادة للمصنف عن السجستاني ولم يرد في المخطوطة.
3-: الكلام السابق له للمصنف.
4- خلو الكلام من الرمز يعني أنه ورد عند السجستاني.

(1/40)


التّبيان تفسير غريب القرآن تصنيف شهاب الدّين أحمد بن محمّد بن عماد المعروف بابن الهائم (المتوفى سنة 815 هـ.)
تحقيق الدّكتور ضاحي عبد الباقي محمّد

(1/41)


[مقدمة المؤلف]
[1/ ب] بسم الله الرّحمن الرّحيم صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله قال الشيخ الإمام العالم العامل شهاب الدين أبو العبّاس أحمد بن محمد الهائم الشافعي، أسبغ الله ظلاله وختم بالصالحات أعماله. أما بعد حمد الله مولى النّعم، والموفّق لأقوم اللّقم «1» ، والصلاة والسلام على محمّد المبعوث إلى العرب والعجم، وعلى آله وصحبه العوالي الهمم:
فإن من أعظم ما امتنّ به الرحمن على الإنسان تعليمه القرآن العظيم الشأن. وإنّ شكر النعمة يزيدها ويستوجب مزيدها، وإن من حقّ من أتحف بنعمة تعليم القرآن أن يعتني بتفهّمه وتدبّره حسب الإمكان، وأدنى مراتبه أن يعرف معاني الألفاظ الغريبة ليتأتى له تدبّر آياته العجيبة ليترقى بذلك عمّن يحفظه كالرّقى الشّبيهة بالمهمل، فإنه يقبح بالمحصّل أن يسأل عن مدلول ما يحفظه فيجهل.
وإنّ من أنفس ما صنّف في تفسير غريب القرآن مصنّف الإمام أبي بكر محمد بن عزيز «2» المنسوب إلى سجستان، إلّا أنه يحوج المستغرب لكلمات سوره إلى كشف حروف وأوراق كثيرة، لا سيما السّور الطوال، وقاصر همّة ذي ملال، فرأيت أن أجمع ما تفرق من غريب كل سورة فيما هو كالفصل، مع زيادة أشياء في بعض المواضع على الأصل، لتسهل مطالعته وتتم فائدته، فشرعت فيه متوخيا للتسهيل مجتنبا للإكثار والتطويل، مستعينا بذي الحول، ومستمدّا من ذي الطّول، حريصا أن آتي بعبارته في الأكثر، وألّا أخل منه بشيء إلا ما تكرّر. والمزيد وإن ارتبط بالأصل في العبارة فيكفيه للتمييز بينهما زاي ودارة، وسمّيته «التّبيان في تفسير غريب القرآن» .
وبالله التوفيق إلى سواء الطريق.
__________
(1) اللّقم: وسط الطريق. (اللسان والتاج- لقم) .
(2) كذا كتب في الأصل بالزاي في آخره، وكذلك في مواضع أخرى من الكتاب، ولم يكتب بالراء إلا في الخاتمة عند النقل عمن يقول إنها بالراء المهملة في آخر الكلمة. وكتابته بالراء أو بالزاي موضع خلاف أشار إليه المصنف في الخاتمة وذكرته في المقدمة، وآثرت إبقاءه كما جاء في المخطوطة حيث ورد.

(1/43)