المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز

الباب الأول: في البيان عن كيفية نزول القرآن وتلاوته وذكر حفاظه في ذلك الأوان

قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} (1) وقال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} (2) ، وقال جلت قدرته: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} (3) ، فليلة القدر هي الليلة المباركة وهي في شهر رمضان جمعا بين هؤلاء الآيات؛ إذ لا منافاة بينها، فقد دلت الأحاديث الصحيحة على أن ليلة القدر في شهر رمضان، وأمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالتماسها في العشر الأخير منه (4) ، ولا ليلة أبرك من ليلة، هي خير من ألف شهر. فتعين حمل قوله سبحانه: {فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} على ليلة القدر. كيف، وقد أرشد إلى ذلك قوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} (5) ، فهو موافق لمعنى تسميتها بليلة القدر؛ لأن معناه التقدير، فإذا ثبت هذا، علمت أنه قد أبعد من قال: الليلة المباركة هي ليلة النصف من شعبان، وأن قوله تعالى: {أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآن} (6) معناه:
__________
(1) البقرة: 185.
(2) الدخان: 3.
(3) القدر: 1
(4) انظر: صحيح البخاري 2/ 254، وسنن أبي داود 2/ 70-72.
(5) الدخان: 4.
(6) البقرة: 185.

(1/9)


أنزل في شأنه وفضل صيامه وبيان أحكامه، وأن ليلة القدر توجد في جميع السنة لا تختص بشهر رمضان، بل هي منتقلة في الشهور على مر السنين، واتفق أن وافقت زمن أنزال القرآن ليلة النصف من شعبان:
وإبطال هذا القول متحقق بالأحاديث الصحيحة الواردة في بيان ليلة القدر وصفاتها وأحكامها على ما سنقرره إن شاء الله تعالى في المسائل الفقهية بين كتابي الصيام والاعتكاف.
وبما اخترناه من القول في الجمع بين الآيات الثلاث، ورد الخبر عن ابن عباس (1) رضي الله عنهما، وهو ابن عم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المشهود له بأنه حبر الأمة وترجمان القرآن.
أخرج الحافظ أبو بكر البيهقي (2) في "كتاب الأسماء والصفات"، من حديث السري (3) عن محمد بن أبي المجالد (4) عن مقسم (5) عن ابن عباس
__________
(1) هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم، أبو العباس القرشي الهاشمي، الصحابي الجليل، توفي سنة 68هـ "تذكرة الحفاظ 1/ 37، الإصابة 2/ 330، تهذيب التهذيب 5/ 276".
(2) هو أحمد بن الحسين بن علي، أبو بكر البيهقي الشافعي، من أئمة الحديث، صنف التصانيف الكثيرة، منها "السنن الكبرى" و"شعب الإيمان" وكتابه "الأسماء والصفات"، توفي سنة 458هـ "طبقات السبكي 3/3، تذكرة الحفاظ 3/ 309، وفيات الأعيان 1/ 24، شذرات الذهب 3/ 1/ 313".
(3) هو إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة السدي، أبو محمد القرشي بالولاء، الكوفي تابعي، توفى سنة 127 هـ (تهذيب التهذيب 1 / 313)
(4) هو محمد "ويقال عبد الله" بن أبي المجالد الكوفي، مولى عبد الله بن أبي أوفى "تهذيب التهذيب 5/ 388".
(5) هو مقسم بن بجرة "ويقال ابن نجدة"، أبو القاسم، تابعي ثقة، من رجال الحديث، توفي سنة 101هـ "ميزان الاعتدال 3/ 198، تهذيب التهذيب 10/ 288".

(1/10)


رضي الله عنهما قال: سأله عطية بن الأسود (1) فقال: إنه قد وقع في قلبي الشك في قول الله عز وجل: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} (2) ، وقوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} (3) ، وقوله سبحانه: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} (4) ، [3 ظ] وقد أنزل في شوال وذي القعدة وذي الحجة ... يعني وغير ذلك من الأشهر.
فقال ابن عباس رضي الله عنهما: إنه أنزل في رمضان وفي ليلة القدر وفي ليلة مباركة جملة واحدة، ثم أنزل بعد ذلك على مواقع النجوم رسلا في الشهور والأيام (5) .
قلت: رسلا أي رفقا، وقوله على مواقع النجوم، أي على مثل مواقع النجوم، ومواقعها مساقطها، يريد أنزل مفرقا يتلو بعضه بعضا على تؤدة ورفق، فقوله على مواقع النجوم في موضع نصب على الحال، ورسلا أي ذا رسل يريد مفرقا رافقا.
ودل أيضا على أن إنزال القرآن كان في شهر رمضان، رواية قتادة (6) عن
__________
(1) هو عطية بن الأسود اليمامي من بني حنيفة، من علماء الخوارج وأمرائهم، وتوفي سنة نحو 75هـ "الملل والنحل 1/ 155-169، وانظر: الأعلام 5/ 23".
(2) البقرة: 185.
(3) القدر: 1.
(4) الدخان: 3.
(5) كتاب الأسماء والصفات236.
(6) هو قتادة بن دعامة بن عزيز السدوسي، أبو الخطاب البصري، الضرير الأكمه حافظ، مفسر، عالم بالعربية، توفي سنة 118هـ "صفة الصفوة 3/ 182، معجم الأدباء 6/ 202، تذكرة الحفاظ 1/ 115، غاية النهاية 2/ 25، تهذيب التهذيب 8/ 351".

(1/11)


أبي المليح (1) عن واثلة بن الأسقع (2) أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "أنزلت صحف إبراهيم عليه السلام أول ليلة من شهر رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من شهر رمضان، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة خلت من شهر رمضان، وأنزل الزبور لثماني عشرة خلت من شهر رمضان، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من شهر رمضان" (3) . هكذا أخرجه البيهقي في "كتاب الأسماء والصفات" (4) و"شعب الإيمان" (5) له، وذكره أيضا الثعلبي (6) في تفسيره (7) وغيره.
ووقع في "تفسير الماوردي" وغيره: "وأنزل الزبور لثنتي عشرة (8) والإنجيل لثماني عشرة" (9) . وكذلك هو في كتاب أبي عبيد (10) .
__________
(1) هو أبو المليح بن أسامة الهذلي، مجهول الحال، قيل: اسمه عامر وقيل زيد وقيل غيرهما، توفي سنة 98هـ على خلاف "ميزان الاعتدال 3/ 382، تهذيب التهذيب 12/ 246.
(2) هو واثلة بن الأسقع بن كعب بن عامر، أبو الأسقع الليثي، صحابي من أهل الصفة، فلما قبض النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج إلى الشام فمات بها، وهو آخر الصحابة موتا بالشام سنة 83هـ "الاستيعاب 3/ 643، صفة الصفوة 1/ 279، غاية النهاية 2/ 358، تهذيب التهذيب 11/ 101، الإصابة 3/ 626".
(3) مستند أحمد بن حنبل 4/ 107. ولم يذكر وقت إنزال الزبور.
(4) كتاب الأسماء والصفات ص234.
(5) شعب الإيمان 1/ 370,.
(6) هو أحمد بن محمد بن إبراهيم أبو إسحاق الثعلبي النيسابوري، المفسر المعروف، العالم بالقراءات، له تصانيف جليلة، منها تفسيره المسمى "الكشف والبيان في تفسير القرآن"، توفي سنة 427هـ "وفيات الأعيان 1/ 26، إنباه الرواة 1/ 119، غاية النهاية 1/ 100، بغية الوعاة ص154.
(7) انظر: تفسير الثعلبي 1/ 112و.
(8) تفسير الماوردي 1/ 58.
(9) الذي في تفسير الماوردي 1/ 62، هو "وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة"، والله أعلم.
(10) هو القاسم بن سلام أبو عبيد الهروي البغدادي، من كبار العلماء بالقراءات والحديث والفقه والعربية والأخبار، له تصانيف في كل فن منها، توفي سنة 224هـ "مراتب النحويين: 93، تذكرة الحفاظ 2/ 5، غاية النهاية 2/ 71، تهذيب التهذيب 8/ 315، شذرات الذهب 2/ 147".

(1/12)


وفي بعض التفاسير عكس هذا: الإنجيل لثنتي عشرة والزبور لثماني عشرة، واتفقوا على أن صحف إبراهيم عليه السلام لأول ليلة [4 و] والتوراة لست مضين والقرآن لأربع وعشرين خلت.
قال أبو عبد الله الحليمي: يريد ليلة خمس وعشرين (1) .
وذكر أبو بكر ابن أبي شيبة (2) -وهو أحد شيوخ مسلم- (3) في "كتاب ثواب القرآن" (4) عن أبي قلابة (5) قال: أنزلت الكتب كاملة ليلة أربع وعشرين من رمضان. وعنه: أنزلت التوراة والزبور لثنتي عشرة، وفي رواية أخرى: الزبور في ست، يعني في رمضان (6) .
__________
(1) في كتابه المنهاج 2/ 103 ظ، والحليمي هو الحسين بن الحسن بن محمد، أبو عبد الله الحليمي الجرجاني، أحد أئمة الشافعية بما وراء النهر، توفي سنة 403هـ "وفيات الأعيان 1/ 183، طبقات السبكي 3/ 147".
(2) هو عبد الله بن محمد بن إبراهيم، أبو بكر العبسي بالولاء، المعروف بابن أبي شيبة، من أهل الكوفة، حافظ للحديث، وصنف المسند والأحكام والتفسير، توفي سنة 235هـ "الفهرست، 334، تاريخ بغداد 10/ 66، تذكرة الحفاظ 2/ 81، تهذيب التهذيب 6/ 2".
(3) هو مسلم بن الحجاج القشيري، أبو الحسن النيسابوري، الحافظ، صاحب الصحيح والتصانيف، أحد الأعلام المحدثين والأئمة، توفي سنة 261هـ "الفهرست، 336، تاريخ بغداد 13/ 100، وفيات الأعيان 2/ 119، تذكرة الحفاظ 2/ 150، تهذيب التهذيب 10/ 126".
(4) ثواب القرآن هو باب من أبواب مصنف ابن أبي شيبة ولي كتابا مستقلا كما يفهم من المتن.
(5) هو عبد الله بن زيد بن عمرو الجرمي، أبو قلابة البصري، تابعي ثقة، كثير الحديث، توفي سنة 104هـ على خلاف "صفة الصفوة 3/ 160، تهذيب التهذيب 5/ 224".
(6) المصنف 2/ 162ظ.

(1/13)


قال البيهقي في معنى قوله: "أُنزل القرآن لأربع وعشرين": إنما أراد -والله أعلم- نزول الملك بالقرآن من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا (1) .
وقال في معنى قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} (2) : يريد -والله أعلم: إنا أسمعناه الملك وأفهمناه إياه وأنزلناه بما سمع، فيكون الملك منتقلا به من علو إلى سفل (3) .
قلت: هذا المعنى مطرد في جميع ألفاظ الإنزال المضافة إلى القرآن أو إلى شيء منه: يحتاج إلى نحو هذا التأويل أهل السنة المعتقدون قدم القرآن، وأنه صفة قائمة بذات الله تعالى.
وفي المقصود بالإنزال الخاص المضاف إلى ليلة القدر أقوال:
أحدها: أنه ابتدئ إنزاله فيها.
والثاني: أنه أنزل في عشرين ليلة من عشرين سنة.
فنذكر ما حضرنا من الآثار في ذلك ومن أقوال المفسرين.
قال الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام [4 ظ] في "كتاب فضائل القرآن": حدثنا يزيد (4) -يعني ابن هارون- عن داود بن أبي
__________
(1) كتاب الأسماء والصفات ص234.
(2) القدر: 1.
(3) كتاب الأسماء والصفات ص229.
(4) هو يزيد بن هارون بن داود "ويقال زاذان" بن ثابت السلمي بالولاء، أبو خالد الواسطي، الحافظ، الثقة، توفي سنة 206هـ "تاريخ بغداد 14/ 337، تذكرة الحفاظ 1/ 291، تهذيب التهذيب 11/ 366".

(1/14)


هند (1) عن عكرمة (2) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا في ليلة القدر، ثم نزل بعد ذلك في عشرين سنة، وقرأ: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} (3) .
أخرجه الحاكم أبو عبد الله (4) في "كتاب المستدرك على الصحيحين" وقال في آخره: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (5) .
ورواه عبد الأعلى (6) عن داود وقال: فكان الله إذا أراد أن يوحي منه شيئا أوحاه، أو يحدث في الأرض منه شيئا أحدثه (7) .
__________
(1) هو داود بن أبي هند، أبو بكر البصري، وينتسب إلى بني قشير بالولاء، تابعي، كان يفتي في زمان الحسن بن علي بن أبي طالب، توفي سنة 140هـ على خلاف "تهذيب التهذيب 3/ 204".
(2) هو عكرمة مولى ابن عباس البربري، أبو عبد الله المدني، كان من أعلم التابعين بتفسير القرآن، توفي سنة 105هـ على خلاف "الطبقات الكبرى 5/ 287، ميزان الاعتدال 2082، غاية النهاية1/ 515، تهذيب التهذيب 7/ 263".
(3) الإسراء: 106.
(4) هو محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه الضبي، الطهماني، أبو عبد الله النيسابوري، المعروف بالحاكم، من أكابر حفاظ الحديث، له تصانيف كثيرة، منها "المستدرك على الصحيحين" توفي سنة 405هـ "تاريخ بغداد 5/ 473، تذكرة الحفاظ 3/ 227، ميزان الاعتدال 3/ 85، طبقات السبكي 3/ 64، غاية النهاية 2/ 184".
(5) المستدرك 2/ 222، ورواه البيهقي في كتاب الأسماء والصفات، 235، وفي شعب الإيمان 1/ 370 ظ.
(6) هو عبد الأعلى بن عبد الأعلى بن محمد، أبو محمد القرشي البصري السامي، أحد علماء الحديث، قال ابن سعد: لم يكن بالقوي، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، توفي سنة 189هـ "تهذيب التهذيب 6/ 96، شذرات الذهب 1/ 324".
(7) انظر: كتاب الأسماء والصفات ص235.

(1/15)


قال أبو عبيد: لا أدري كيف قرأه يزيد في حديثه، إلا أنه لا ينبغي أن يكون على هذا التفسير إلا "فرقناه" بالتشديد.
قال أبو نصر ابن القشيري (1) في تفسيره: فرقناه أي فصلناه (2) .
قال ابن جبير (3) : نزل القرآن كله من السماء العليا إلى السماء السفلى ثم فصل في السماء السفلى في السنين التي نزل فيها.
قال قتادة: كان بين أوله وآخره عشرون سنة، ولهذا قال: {لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} (4) .
وقيل: فرقناه أي جعلناه آية آية وسورة سورة، وقيل: فصلناه أحكاما، كقوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيم} (5) ، أي يفصل، وقيل: "فرقناه" بالتشديد أي أنزلناه مفرقا، على مكث على تؤدة وترسل ونزلناه تنزيلا: أي نجما بعد نجم، وقيلك جعلناه منازل ومراتب ينزل شيئا بعد [5 و] شيء ولو أخذوا بجميع الفرائض في وقت واحد لنفروا.
وأسند الحاكم أبو عبد الله في كتابه "المستدرك" من حديث ابن أبي
__________
(1) هو عبد الرحيم بن عبد الكريم بن هوازن، أبو نصر بن أبي القاسم القشيري، الواعظ من علماء نيسابور، توفي سنة 514هـ "طبقات السبكي 4/ 249".
(2) تفسير القشيري ص340و.
(3) هو سعيد بن جبير بن هشام الأسدي بالولاء، أبو عبد الله الكوفي، تابعي مشهور، قتله الحجاج بواسط شهيدًا سنة 95هـ "الطبقات الكبرى 6/ 256، وفيات الأعيان 1/ 256، غاية النهاية 1/ 305، تهذيب التهذيب 4/ 11".
(4) الإسراء: 106.
(5) الدخان: 4.

(1/16)


شيبة، حدثنا جرير (1) عن منصور (2) عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} (3) ، قال: أنزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر إلى سماء الدنيا وكان بمواقع النجوم، وكان الله عز وجل ينزل على رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعضه في إثر بعض، قال الله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} (4) ، صحيح على شرطهما (5) .
وأسنده البيهقي في دلائله (6) والواحدي (7) في تفسيره (8) .
وأسند البيهقي في "كتاب الشعب" عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نزل القرآن في ليلة القدر من السماء العليا إلى السماء
__________
(1) هو جرير بن عبد الحميد بن قرط الضبي، أبو عبد الله الرازي، كان محدث الري في عصره، توفي سنة 188هـ "تاريخ بغداد 7/ 253، تذكر الحفاظ 1/ 250، تهذيب التهذيب 2/ 75".
(2) هو منصور بن المعتمر بن عبد الله بن ربيعة السلمي، أبو عتاب الكوفي، أحد أعلام رجال الحديث، توفي سنة 132هـ "تهذيب التهذيب 10/ 312".
(3) القدر: 1.
(4) الفرقان: 32.
(5) المستدرك 2/ 222.
(6) يعني دلائل النبوة 4/ 172ظ، وذكره أيضا في كتاب الأسماء والصفات ص234.
(7) هو علي بن أحمد بن محمد بن علي، أبو الحسن الواحدي النيسابوري، المفسر، النحوي، وصنف الكتب في هذين وغيرهما، منها تفاسيره "البسيط" و"الوسيط" و"الوجيز"، توفي سنة 468هـ "وفيات الأعيان 1/ 419، غاية النهاية 1/ 523، طبقات المفسرين 23، بغية الوعاة 327".
(8) انظر: الوسيط 2/ 953ظ.

(1/17)


الدنيا جملة واحدة، ثم فرق في السنين، قال: وتلا الآية {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} (1) ، قال: نزل متفرقا (2) .
قلت: هو من قولهم: نجم عليه الدية أي قطعها، ومنه نجوم الكتابة، فلما قطع الله سبحانه القرآن وأنزله مفرقا قيل لتفاريقه نجوم، ومواقعها: مساقطها، وهي أوقات نزولها، وقد قيل: إن المراد {بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} مغارب نجوم السماء، والله أعلم.
وقوله في الرواية الأولى: وكان بموقع النجوم: أي بمنزلة ذلك في تفرقه وعدم تتابعه على وجه الاتصال، وإنما هو على حسب الوقائع والنوازل، وكذا مواقع النجوم بحساب [5 ظ] أزمنة معلومة تمضي. وقرئ {بِمَوَاقِعِ} بالجمع و"بموقع" بالإفراد (3) .
وقال أبو الحسن الواحدي المفسر: وقال مقاتل (4) : أنزله الله من اللوح المحفوظ إلى السفرة، وهم الكتبة من الملائكة في السماء الدنيا، فكان ينزل ليلة القدر من الوحي على قدر ما ينزل به جبريل على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السنة كلها إلى مثلها من العام القابل، حتى نزل القرآن كله في ليلة القدر، ونزل به جبريل على محمد عليهما الصلاة والسلام في عشرين سنة (5) .
__________
(1) الواقعة: 75.
(2) شعب الإيمان 1/ 370، وانظر: البسيط 5/ 493 و.
(3) قرأ حمزة والكسائي "بموقع" بإسكان الواو من غير ألف، والباقون بفتح الواو وألف بعدها "التيسير، ص207".
(4) هو مقاتل بن سليمان بن بشير الأزدي بالولاء، أبو الحسن الخرساني، المفسر المشهور، كان من العلماء الأجلاء، اختلف العلماء في أمره، فمنهم من وثقه في الرواية ومنهم من نسبه إلى الكذب، توفي سنة 150هـ "تاريخ بغداد 13/ 160، وفيات الأعيان 2/ 147، ميزان الاعتدال 3/ 196، تهذيب التهذيب 10/ 279".
(5) الوسيط 2/ 953ظ، البسيط 5/ 493و.

(1/18)


وفي "كتاب المنهاج" لأبي عبد الله الحليمي: كان ينزل من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في كل ليلة، قدر ما ينزل على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الليلة التي تليها (1) ، فينزل جبريل عليه السلام ذلك نجوما بأمر الله تعالى فيما بين الليلتين من السنة إلى أن ينزل القرآن كله من اللوح المحفوظ في عشرين ليلة من عشرين سنة (2) .
قلت: فهذان قولان في كيفية إنزاله في ليلة القدر: أحدهما أنه نزل جملة واحدة، والثاني أنه نزل في عشرين ليلة من عشرين سنة.
وذكر أبو الحسن الماوردي (3) في تفسيره قال: نزل القرآن في رمضان وفي ليلة القدر وفي ليلة مباركة جملة واحدة من عند الله تعالى من اللوح المحفوظ إلى السفرة الكرام الكاتبين في السماء الدنيا، فنجمته السفرة على جبريل عليه السلام عشرين عليه، ونجمه جبريل على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عشرين [6 و] سنة، فكان ينزل على مواقع النجوم إرسالا في الشهور والأيام (4) .
ذكر ذلك في تفسير قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} (5) قال: فيه قولان: أحدهما ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما (6) ، فذكر ذلك، وكأنه قول ثالث غير القولين المقدمين، أو أراد الجمع بينهما،
__________
(1) أي ليلة القدر التي تليها.
(2) المنهاج 2/ 103ظ.
(3) هو علي بن محمد بن حبيب، أبو الحسن الماوردي، كان من كبار الفقهاء الشافعية، له تصانيف كثيرة، منها تفسيره "العيون والنكت" المعروف بـ"تفسير الماوردي"، توفي سنة 450هـ "وفيات الأعيان 1/ 410، طبقات السبكي 3/ 303".
(4) تفسير الماوردي 3/ 270و.
(5) القدر: 1.
(6) تفسير الماوردي 3/ 370و.

(1/19)


فإن قوله: نزل جملة واحدة، هو القول الأول، وقوله: فنجمته السفرة على جبريل عشرين ليلة، هو القول الثاني، كأنه فسر قول من قال: نزل في عشرين ليلة بأن المراد بهذا الإنزال تنجيم السفرة ذلك على جبريل، قال: والقول الثاني أن الله عز وجل ابتدأ بإنزاله في ليلة القدر، قال: وهذا قول الشعبي (1) .
قلت: هو إشارة إلى ابتداء إنزال القرآن على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن ذلك كان وهو متحنث بحراء في شهر رمضان، وقد بينت ذلك في "شرح حديث المبعث" (2) ، وغيره، وهذا وإن كان الأمر فيه كذلك إلا أن تفسير الآية به بعيد مع ما قد صح من الآثار عن ابن عباس: أنه نزل جملة إلى سماء الدنيا، على ما تقدم.
وفي الكتاب "المستدرك" أيضا عن الأعمش (3) عن حسان بن حريث (4) عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: فصل القرآن من الذكر فوضع في بيت العزة في السماء الدنيا فجعل جبريل عليه السلام ينزله على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويرتله ترتيلا. قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (5) .
__________
(1) انظر: المصدر السابق والصفحة المذكورة، والشعبي هو عامر بن شراحبيل بن عبد الله "وقيل عامر بن عبد الله بن شراحيل" الشعبي الحميري، أبو عمرو الكوفي، تابعي، من رجال الحديث، وكان فقيها شاعرًا، توفي سنة 103هـ على خلاف "تاريخ بغداد 12/ 227، وفيات الأعيان 1/ 306، تهذيب التهذيب 5/ 65".
(2) سماه المؤلف في كتابه "الذيل على الروضتين" ص39: "شرح الحديث المقتفى في مبعث النبي المصطفى".
(3) هو سليمان بن مهران الأسدي بالولاء، أبو محمد، الملقب بالأعمش، تابعي، كان عالما بالقرآن والحديث والفرائض، توفي سنة 147هـ على خلاف "تاريخ بغداد 3/ 9، وفيات الأعيان 1/ 267، غاية النهاية 1/ 315، تهذيب التهذيب 4/ 222".
(4) هو حسان بن حريث العدوي، أبو السوار البصري "تهذيب التهذيب 12/ 123".
(5) المستدرك 2/ 223، وانظر: كتاب الأسماء والصفات ص234.

(1/20)


وخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في "كتاب ثواب القرآن" عن ابن عباس [6 ظ] رضي الله عنهما في قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} (1) قال: رفع إلى جبريل في ليلة القدر جملة فرفع في بيت العزة ثم جعل ينزل تنزيلا (2) .
وفي "تفسير الثعلبي" عن ابن عباس قال: أنزل القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ في ليلة القدر من شهر رمضان فوضع في بيت العزة من السماء الدنيا، ثم نزل به جبريل على محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نجوما عشرين سنة، فذلك قوله عز وجل: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} (3) .
وقال أبو عبيد: حدثنا ابن أبي عدي (4) عن داود بن أبي هند قال: قلت للشعبي: قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} (5) ، أما نزل عليه القرآن في سائر السنة إلا في شهر رمضان؟ قال: بلى، ولكن جبريل كان يعارض محمدًا عليهما السلام بما ينزل عليه في سائر السنة في شهر رمضان.
زاد الثعلبي في تفسيره: فيحكم الله ما يشاء ويثبت ما يشاء ويمحو ما يشاء وينسيه ما يشاء (6) .
زاد غير الثعلبي: فلما كان في العام الذي قبض فيه عرضه عرضتين،
__________
(1) القدر: 1.
(2) المصنف 2/ 162ظ.
(3) الواقعة: 75، انظر: تفسير الثعلبي 1/ 111ظ.
(4) هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي السلمي بالولاء، أبو عمرو البصري، توفي سنة 194هـ على خلاف "تذكرة الحفاظ 1/ 297، تهذيب التهذيب 9/ 12".
(5) البقرة: 185.
(6) تفسير الثعلبي 1/ 112و.

(1/21)


فاستقر ما نسخ منه وبدل (1) .
وقال أبو القاسم البغوي (2) : حدثنا الحسن بن سفيان (3) ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا ابن أبي عدي عن داود بن أبي هند عن الشعبي: أن جبريل عليه السلام كان يعارض النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما أنزل عليه في سائر السنة في شهر رمضان.
وعن أبي عبيد، عن إسماعيل بن إبراهيم (4) ، عن أيوب السختياني (5) ، عن محمد بن سيرين (6) [7 و] نبئت أن القرآن كان يعارض على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كل عام مرة في شهر رمضان، فلما كان العام الذي توفي فيه عرض عليه مرتين، قال ابن سيرين: فيرون أو يرجون أن تكون قراءتنا هذه أحدث القراءات عهدًا بالعرضة الأخيرة.
__________
(1) حديث عرض جبريل القرآن على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرتين في العام الذي قبض فيه سيأتي تخريجه "انظر ص35-36".
(2) وهو عبد الله بن محمد بن عبد العزيز: أبو القاسم البغوي، الحافظ، له مؤلفات في الحديث والرجال والسنن على مذاهب الفقهاء، توفي سنة 317هـ "الفهرست ص339، تاريخ بغداد 10/ 111، تذكرة الحفاظ 2/ 273، لسان الميزان 3/ 338".
(3) هو الحسن بن سفيان بن عامر الشيباني، أبو العباس النسوي، مصنف المسند، كان إمام عصره في الحديث، توفي سنة 303هـ "معجم البلدان 2/ 48، طبقات السبكي 2/ 212، تذكرة الحفاظ 2/ 245".
(4) هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي مولاهم، أبو بشر البصري، المعروف بابن علية، توفي سنة 193هـ على خلاف "تهذيب التهذيب 1/ 275".
(5) هو أيوب بن أبي تميمة كيسان السختياني، أبو بكر البصري، من صغار التابعين، توفي سنة 131هت "تهذيب التهذيب 1/ 397، شذرات الذهب 1/ 181".
(6) هو محمد بن سيرين الأنصاري مولاهم، أبو بكر البصري، تابعي، أحد الفقهاء من أهل البصرة، توفي سنة 110هـ "تاريخ بغداد 5/ 331، وفيات الأعيان 1/ 573، تهذيب التهذيب 9/ 214".

(1/22)


قال ابن أبي شيبة: حدثنا الحسين بن علي (1) ، عن أبيه، عن ابن جدعان (2) ، عن ابن سيرين، عن عبيدة السلماني (3) قال: القراءة التي عرضت على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في العام الذي قبض فيه هي القراءة التي يقرأها الناس اليوم (4) .
ورأيت في بعض التفاسير، قال: وقال جماعة من العلماء: نزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى بيت، يقال له بيت العزة، فحفظه جبريل عليه السلام، وغشي على أهل السماوات من هيبة كلام الله، فمر بهم جبريل وقد أفاقوا فقالوا: {مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ} (5) ، يعني القرآن، وهو معنى قوله: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} (6) ، فأتى به جبريل إلى بيت العزة، فأملاه جبريل على السفرة الكتبة، يعني الملائكة، وهو قوله تعالى: {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ، كِرَامٍ بَرَرَةٍ} (7) .
نقتله من "كتاب شفاء القلوب"، وهو تفسير علي بن سهل النيسابوري (8) .
__________
(1) هو الحسين بن علي بن الوليد الجعفي بالولاء، أبو عبد الله الكوفي، مقرئ، من رواة الحديث، توفي سنة 203هـ "غاية النهاية 1/ 247، تهذيب التهذيب 2/ 257".
(2) هو علي بن زيد بن عبد الله بن أبي مليكة زهير بن عبد الله بن جدعان التيمي، أبو الحسن البصري، كان فقهيا ضريرا، وليس بالثقة القوي، توفي سنة 129هـ "تهذيب التهذيب 7/ 322".
(3) هو عبيدة بن عمرو "ويقال ابن قيس بن عمرو" السلماني المرادي، أبو عمرو الكوفي، تابعي، أسلم باليمن زمن فتح مكة، ولم ير النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، توفي سنة 72هـ على خلاف "تذكرة الحفاظ 1/ 47، الإصابة 3/ 102، تهذيب التهذيب 7/ 84".
(4) المصنف 2/ 164 و.
(5) و (6) سبأ: 23.
(7) عبس: 15، 16.
(8) هو علي بن سهل بن العباس بن سهل، أبو الحسن النيسابوري، عالم زاهد، مقرئ، جمع كتبا في التفسير وغيره، توفي سنة 491هـ "طبقات السبكي 3/ 299، بغية الوعاة ص338".

(1/23)


وما رواه داود عن الشعبي، يعد قولا رابعا في معنى قوله تعالى: {أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآن} (1) ، وكأنه نزل عرضه وإحكامه في رمضان من كل سنة منزلة إنزاله فيه، مع أنه قد لا ينفك من إحداث إنزال ما لم ينزل أو تغيير بعض ما نزل بنسخ أو إباحة [7 ظ] تغيير بعض ألفاظه على ما سيأتي، وإن ضم إلى ذلك كونه ابتدأ نزوله في شهر رمضان ظهرت قوته.
وقد أوضحنا في "كتاب شرح حديث المبعث" (2) : أن أول ما نزل على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} (3) ، وذلك بحراء عند ابتداء نبوته، ويجوز أن يكون قوله: {أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآن} إشارة إلى كل ذلك، وهو كونه أنزل جملة إلى السماء الدنيا وأول نزوله إلى الأرض وعرضه وإحكامه في شهر رمضان، فقويت ملابسة شهر رمضان للقرآن، إنزالا جملة وتفصيلا وعرضا وإحكاما، فلم يكن شيء من الأزمان تحقق له من الظرفية للقرآن ما تحقق لشهر رمضان، فلمجموع هذه المعاني قيل: {أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآن} .
فإن قلت: ما السر في إنزاله جملة إلى السماء الدنيا؟
قلت: فيه تفخيم لأمره وأمر من أنزل عليه، وذلك بإعلام سكان السماوات السبع أن هذا آخر الكتب، المنزل على خاتم الرسل لأشرف الأمم، قد قربناه إليهم لننزله عليهم، ولولا أن الحكمة الإلهية اقتضت وصوله إليهم منجما بحسب الوقائع لم نهبط به إلى الأرض جملة كسائر الكتب المنزلة قبله، ولكن الله تعالى باين بينه فجمع له الأمرين إنزاله جملة ثم إنزاله مفرقا.
__________
(1) البقرة: 185.
(2) انظر: الحاشية رقم 2 ص20.
(3) العلق: 1.

(1/24)


وهذا من جملة ما شرف به نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما شرف بحيازة درجتي الغني الشاكر والفقير الصابر، فأوتي مفاتيح خزائن الأرض، فردها واختار [8 و] الفقر والإيثار بما فتح الله عليه من البلاد، فكان غنيا شاكرًا وفقيرًا صابرًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فإن قلت: في أي زمان نزل جملة إلى السماء الدنيا، أبعد ظهور نبوة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم قبلها؟
قلت: الظاهر أنه قبلها، وكلاهما محتمل، فإن كان بعدها، فالأمر على ما ذكرناه من التفخيم له ولمن أنزل عليه، وإن كان قبلها، ففائدته أظهر وأكثر؛ لأن فيه إعلام الملائكة بقرب ظهور أمة أحمد المرحومة الموصوفة في الكتب السالفة، وإرسال نبيهم خاتم الأنبياء كما أعلم الله سبحانه وتعالى الملائكة قبل خلق آدم بأنه جاعل في الأرض خليفة (1) ، وكما أعلمهم أيضا قبل إكمال خلق آدم عليه السلام بأنه يخرج من ذريته محمد وهو سيد ولده، وعلى ذلك حملنا قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كنت نبيا وآدم بين الماء والطين" (2) ، على ما أوضحناه في "كتاب شرح المدائح النبوية" (3) ، وكان العلم بذلك حاصلا عند الملائكة، ألا ترى أن في حديث الإسرى (4) ، لما كان جبريل يستفتح له السماوات سماء سماء؟ كان يقال له: من هذا؟ فيقول: جبريل، يقال: من معك؟ فيقول: محمد، فيقال: وقد بعث إليه؟ فيقول: نعم. فهذا كلام من كان عنده علم بذلك قبل ذلك
__________
(1) الإشارة إلى الآية رقم30 من سورة البقرة.
(2) انظر: شرح المواهب 1/ 55.
(3) هو شرح لأبي شامة على "القصائد النبوية" لعلم الدين السخاوي المتوفى سنة 643هـ/ 1245م، وهذا الشرح أول مؤلفاته "انظر: الذيل ص39، بروكلمان
Gl317".
(4) انظر حديث الإسراء في: البخاري 4/ 247؛ مسلم 1/ 99.

(1/25)


وقد تكلم على فائدة إنزال القرآن جملة، شيخنا أبو الحسن (1) رحمه الله ببعض ما ذكرناه (2) .
ووقفت على كلام حسن للحكيم الترمذي [8 ظ] أبي عبد الله محمد بن علي (3) في تفسيره فقال: أنزل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا تسليما منه للأمة ما كان أبرز لهم من الحظ بمبعث محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذلك أن بعثة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانت رحمة، فلما خرجت الرحمة بفتح الباب جاءت بمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبالقرآن، فوضع القرآن ببيت العزة في السماء الدنيا ليدخل في حد الدنيا، ووضعت النبوة في قلب محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجاء جبريل عليه السلام بالرسالة ثم الوحي، كأنه أراد تبارك وتعالى أن يسلم هذه الرحمة التي كانت حظ هذه الأمة من الله تعالى إلى الأمة، ثم أجرى من السماء الدنيا الآية بعد الآية عند نزول النوائب، قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِين} (4) ، وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} (5) .
__________
(1) هو علي بن محمد بن عبد الصمد الهمداني المصري السخاوي الشافعي، أبو الحسن، عالم بالقراءات واللغة والتفسير والفقه، له مؤلفات، توفي سنة 643هـ "إنباه الرواة 2/ 311، طبقات السبكي 5/ 126، غاية النهاية 1/ 568، بغية الوعاة ص349".
(2) انظر: جمال القراء ص5ظ.
(3) هو محمد بن علي بن الحسن بن بشير، أبو عبد الله الحكيم الترمذي، صوفي، إمام من أئمة المسلمين وعالم بأصول الدين، له مصنفات، وفي وفاته اختلاف، قال ابن حجر في "لسان الميزان": عاش إلى حدود العشرين وثلاثمائة وعاش نحوًا من تسعين سنة ... "طبقات السبكي 2/ 20، لسان الميزان 5/ 308، كشف الظنون 1/ 838، الأعلام 7/ 156".
(4) الأنبياء: 107.
(5) يونس: 57.

(1/26)


وقال الشيخ أبو الحسن في كتابه "جمال القراء ... ": في ذلك تكريم بني آدم، وتعظيم شأنهم عند الملائكة، وتعريفهم عناية الله عز وجل بهم ورحمته لهم، ولهذا المعنى أمر سبعين ألفا من الملائكة لما أنزل سورة الأنعام أن تزفها، وزاد سبحانه في هذا المعنى بأن أمر جبريل عليه السلام بإملائه على السفرة الكرام البررة عليهم السلام وإنساخهم إياه وتلاوتهم له ... ثم ساق الكلام إلى آخره (1) .
فإن قلت: فقوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} (2) من جملة القرآن الذي نزل جملة، أم لا؟ فإن لم يكن منه فما نزل جملة، وإن كان منه فما وجه صحة هذه العبارة؟
قلت: له وجهان:
[9 و] أحدهما أن يكون معنى الكلام: إنا حكمنا بإنزاله في ليلة القدر، وقضينا به، وقدرناه في الأزل، وأردناه، وشئناه، وما أشبه ذلك.
والثاني أن لفظه لفظ الماضي، ومعناه الاستقبال، وله نظائر في القرآن وغيره، أي ننزله جملة في ليلة مباركة، هي ليلة القدر، واختير لفظ الماضي لأمرين: أحدهما تحققه وكونه أمرًا لا بد منه، والثاني أنه حال اتصاله بالمنزل عليه، يكون الماضي في معناه محققا؛ لأن نزوله منجما كان بعد نزوله جملة واحدة، وكل ذلك حسن واضح، والله أعلم.
فإن قلت: ما السر في نزوله إلى الأرض منجما، وهلا أنزل جملة كسائر الكتب؟
__________
(1) جمال القراء ص5ظ.
(2) القدر: 1.

(1/27)


قلت: هذا سؤال قد تولى الله سبحانه الجواب عنه فقال في كتابه العزيز: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً} (1) ، يعنون كما أنزل على من كان قبله من الرسل، فأجابهم الله تعالى بقوله {كَذَلِك} أي أنزلناه كذلك مفرقا {لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَك} أي لنقوي به قلبك، فإن الوحي إذا كان يتجدد في كل حادثة كان أقوى للقلب وأشد عناية بالمرسل إليه، ويستلزم ذلك كثرة نزول الملك عليه وتجديد العهد به وبما معه من الرسالة الواردة من ذلك الجناب العزيز فيحدث له من السرور ما تقصر عنه العبارة، ولهذا كان أجود ما يكون في رمضان لكثرة نزول [9 ظ] جبريل عليه السلام عليه فيه على ما سنذكره.
وقيل: معنى {لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَك} (2) ، أي لتحفظه فيكون فؤادك ثابتا به غير مضطرب، وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أميًّا لا يكتب ولا يقرأ، ففرق عليه القرآن ليتيسر عليه حفظه، ولو نزل جملة لتعذر عليه حفظه في وقت واحد على ما أجرى الله تعالى به عوائد خلقه، والتوراة نزلت على موسى عليه السلام مكتوبة وكان كاتبا قارئا، وكذا كان غيره، والله أعلم.
فإن قلت: كان في القدرة إذا أنزله جملة أن يسهل عليه حفظه دفعة واحدة.
قلت: ما كل ممكن في القدرة بلازم وقوعه، فقد كان في قدرته تعالى أن يعلمه الكتابة والقراءة في لحظة واحدة، وأن يلهمهم الإيمان به، ولكنه لم يفعل، ولا معترض عليه في حكم. {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ
__________
(1) الفرقان: 32.
(2) الفرقان: 32.

(1/28)


عَلَى الْهُدَى} (1) ، {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} (2) .
وأيضا في القرآن ما هو جواب عن أمور سألوه عنها، فهو سبب من أسباب تفريق النزول، ولأن بعضه منسوخ وبعضه ناسخ ولا يتأتى ذلك إلا فيما أنزل مفرقا.
فهذه جوه ومعان حسنة في حكمة نزوله منجما، وكان بين نزول أول القرآن وآخره عشرون أو ثلاث وعشرون أو خمس وعشرون سنة، وهو مبني على الخلاف في مدة إقامة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة بعد النبوة، فقيل: عشر، وقيل: ثلاث عشرة، [10 و] وقيل: خمس عشرة، ولم يختلف في مدة إقامته بالمدينة أنها عشر، والله أعلم.
وكان الله تعالى قد وعد نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حفظ القرآن وبيانه، وضمن له عدم نسيانه بقوله تعالى: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ، إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} (3) ، أي علينا أن نجمعه في صدرك فتقرؤه فلا ينفلت عنك منه شيء، وقال تعالى: {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى} (4) ، أي غير ناسٍ له.
وفي الصحيحين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهم قال: كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا نزل عليه جبريل بالوحي كان مما يحرك به لسانه وشفتيه، فيشتد عليه، فكان ذلك يعرف منه، فأنزل الله تعالى: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِه} أخذه {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ
__________
(1) الأنعام: 35.
(2) البقرة: 253.
(3) القيامة: 16، 17.
(4) الأعلى: 6.

(1/29)


وَقُرْآنَهُ} ، إن علينا أن نجمعه في صدرك وقرآنه فتقرؤه، {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} (1) ، قال: أنزلناه فاستمع له {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} (2) أن نبينه بلسانك، فكان إذا أتاه جبريل عليه السلام أطرق، فإذا ذهب قرأه كما وعده الله تعالى (3) .
وفي رواية: كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعالج من التنزيل شدة، كان يحرك شفتيه، فأنزل الله عز وجل: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ، إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} ، قال: جمعه في صدرك ثم تقرؤه {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} ، قال: فاستمع وأنصت، ثم إن علينا أن تقرأه، قال: فكان رسول الله صلى الله [10 ظ] عليه وسلم إذا أتاه جبريل عليه السلام استمع، فإذا انطلق جبريل قرأه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما أقرأه (4) .
وعن ابن شهاب (5) قال: أخبرني أنس بن مالك (6) أن الله تعالى تابع الوحي على رسوله قبل وفاته حتى توفاه أكثر ما كان الوحي، ثم توفي رسول
__________
(1) القيامة: 18.
(2) القيامة: 19.
(3) البخاري 6/ 76، 6/ 112، مسلم 2/ 35.
(4) البخاري 1/ 4، مسلم 2/ 35.
(5) هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب، أبو بكر الزهري، أول من دون الحديث، وأحد الفقهاء والأعلام التابعين بالمدينة، توفي سنة 124هـ "وفيات الأعيان 1/ 571، تذكرة الحفاظ 1/ 102، غاية النهاية 2/ 262، تهذيب التهذيب 9/ 445".
(6) هو أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد، أبو حمزة الأنصاري الخزرجي، خادم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأحد المكثرين، توفي سنة 93هـ على خلاف "الإصابة 1/ 71".

(1/30)


الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد (1) . هذا لفظ البخاري، ولمسلم: إن الله عز وجل تابع الوحي على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل وفاته حتى توفي، وأكثر ما كان الوحي يوم توفي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (2) .
قلت: يعني عام وفاته أو حين وفاته، يريد أيام مرضه كلها، كما يقال: يوم الجمل ويوم صفين، وكانت أياما، والله أعلم.
__________
(1) البخاري 6/ 97.
(2) مسلم 8/ 238.

(1/31)


فصل:
أول ما نزل على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من القرآن أول سورة {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} (1) ، نزل ذلك عليه بحراء عند ابتداء نبوته، على ما شرحناه في "كتاب المبعث" (2) ، ثم نزل {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّر} (3) ثم صار ينزل منه شيء فشيء بحسب الوقائع والنوازل مكيا، ومدنيا حضرا وسفرا، وآخر ما نزل من الآيات {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} (4) الآية، وقيل: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} (5) إلى آخرها، وقيل: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ} إلى آخر الآيتين (6) ، وقيل آيات الربا، وهو الموافق للقول الأول؛ لأن {وَاتَّقُوا
__________
(1) أي: سورة العلق، وتسمى أيضا سورة اقرأ.
(2) انظر: الحاشية رقم 2 ص20.
(3) المدثر: 1.
(4) البقرة: 1.
(5) النساء: 176.
(6) التوبة: 128، 129.

(1/31)


يَوْمًا} هي آخرهن، ونزل يوم عرفة في حجة الوداع: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُم} (1) الآية.
قال أبو عبيد: حدثنا حجاج (2) عن ابن جريج (3) [11 و] قال: قال ابن عباس: آخر آية أنزلت من القرآن: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} ، قال: زعموا أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكث بعدها تسع ليال، وبدئ به يوم السبت ومات يوم الاثنين.
قلت: يعني العاشر من يوم مرضه.
وقال: حدثنا عبد الله بن صالح (4) وابن بكير (5) عن الليث (6) عن عقيل (7)
__________
(1) المائدة: 3.
(2) هو حجاج بن محمد الأعور، أبو محمد المصيصي، توفي سنة 206هـ "غاية النهاية 1/ 203، تهذيب التهذيب 2/ 205".
(3) هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الرومي الأموي بالولاء، أبو الوليد وأبو خالد، كان إمام أهل الحجاز في عصره، يقال: إنه أول من صنف الكتب في العلم بمكة، توفي سنة 150هـ "تاريخ بغداد 10/ 400، تذكرة الحفاظ 1/ 160، تهذيب التهذيب 6/ 402".
(4) هو عبد الله بن صالح بن محمد بن مسلم الجهني بالولاء، أبو صالح المصري، من حفاظ الحديث، توفي سنة 223هـ على خلاف "تذكرة الحفاظ 1/ 351، ميزان الاعتدال 2/ 46، تهذيب التهذيب 5/ 256".
(5) هو يحيى بن عبد الله بن بكير القرشي المخزومي بالولاء، أبو زكريا المصري، من رواه الحديث والأخبار والتاريخ، توفي سنة 231هـ "تهذيب التهذيب 11/ 237".
(6) هو الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي، أبو الحارث المصري، الحافظ، إمام أهل مصر في عصره حديثا وفقها، توفي سنة 175هـ "وفيات الأعيان 1/ 454، تذكرة الحفاظ 1/ 207، تهذيب التهذيب 8/ 459".
(7) هو عقيل بن خالد بن عقيل الأيلي، أبو خالد مولى عثمان، من حفاظ الحديث، توفي سنة 141هـ على خلاف "تذكرة الحفاظ 1/ 152، تهذيب التهذيب 7/ 255".

(1/32)


عن ابن شهاب قال: آخر القرآن عهدًا بالعرش آية الربا وآية الدين.
قلت: يعني من آيات الأحكام، والله أعلم.
وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلما نزل من القرآن شيء أمر بكتابته ويقول في مفرقات الآيات: "ضعوا هذه في سورة كذا" (1) ، وكان يعرضه على جبريل في شهر رمضان في كل عام، وعرضه عليه عام وفاته مرتين، وكذلك كان يعرض جبريل على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كل عام مرة، وعرض عليه عام وفاته مرتين.
وحفظه في حياته جماعة من أصحابه، وكل قطعة منه كان يحفظها جماعة كثيرة، أقلهم بالغون حد التواتر، ورخص لهم قراءته على سبعة أحرف توسعة عليهم.
ومنه ما نسخ لحكمة اقتضت نسخه، وكل ذلك فيه أخبار ثابتة:
ففي جامع الترمذي وغيره عن ابن عباس عن عثمان رضي الله عنهم قال:
كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مما يأتي عليه الزمان وهو تنزل عليه السور ذوات العدد، فكان إذا نزل عليه [11 ظ] الشيء منه دعا بعض من كان يكتب فيقول: "ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا"، وإذا نزلت عليه الآية يقول: "ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا" ... هذا حديث حسن (2) ، وقال الحاكم:
__________
(1) سيأتي تخريجه.
(2) الترمذي 11/ 225، ورواه البيهقي في السنن الكبرى 2/ 42، وأحمد بن حنبل في مسنده 1/ 57، وأبو داود في سننه 1/ 290 أيضا.

(1/33)


هذا صحيح على شرط الشيخين (1) ولم يخرجاه (2) .
وفي سنن أبي داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يعرف فصل السورة حتى تنزل عليه "بسم الله الرحمن الرحيم" (3) . وفي الرواية: كان المسلمون لا يعلمون انقضاء السورة حتى تنزل {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، فإذا نزلت علموا أن السورة قد انقضت (4) .
وفي البخاري عن البراء بن عازب (5) قال: لما نزلت {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} (6) ، قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ادع لي زيدًا (7) ، وليجئ باللوح والدواة والكتف" -أو الكتف والدواة- ثم قال: "اكتب: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ} ".
__________
(1) هما البخاري ومسلم.
(2) المستدرك 2/ 230.
(3) سنن أبي داود 1/ 291.
(4) جاء في الحاشية من النسخة "ل" هذه العبارة: "إذا تأملت هذا الحديث، رأيته نصا صريحا في أن البسملة من القرآن".
(5) هو البراء بن عازب بن الحارث، أبو عمارة الأوسي، صحابي، أسلم صغيرا وغزا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمس عشرة غزوة، روى له البخاري ومسلم 305 أحاديث. توفي في الكوفة سنة 63 "الطبقات الكبرى 4/ 364، تهذيب التهذيب 1/ 425".
(6) النساء: 95.
(7) هو زيد بن ثابت الضحاك الأنصاري، أبو خارجة الخزرجي، كتب الوحي وتعلم وتفقه في الدين، فكان رأسا بالمدينة في القضاء والفتوى والقراءة والفرائض، وكان أحد الذين جمعوا القرآن في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكتبه أيضا في المصحف لأبي بكر ثم لعثمان، وتوفي سنة 45هـ على خلاف "تذكرة الحفاظ 1/ 29، غاية النهاية 1/ 296، الإصابة 1/ 561، تهذيب التهذيب 3/ 399".

(1/34)


وخلف ظهر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمرو بن أم مكتوم الأعمى (1) فقال: يا رسول الله فما تأمرني، فإني رجل ضرير البصر؟ فنزلت مكانها {غَيْرُ أُولِي الضَّرَر} (2) .
وفيه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجود الناس بالخير، وأجود ما يكون في شهر رمضان؛ لأن جبريل عليه السلام كان يلقاه كل ليلة في شهر رمضان حتى ينسلخ، يعرض عليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القرآن، فإذا لقيه جبريل عليه السلام كان أجود الخير من الريح المرسلة (3) [12 و] .
وفيه عن عائشة (4) رضي الله عنها عن فاطمة (5) رضي الله عنها: أسر إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن جبريل كان يعارضني بالقرآن في كل سنة، وأنه عارضني العام مرتين، ولا أراه إلا حضر أجلي (6) .
وفيه عن أبي هريرة (7) رضي الله عنه قال: كان يعرض على النبي صلى
__________
(1) هو عمرو بن قيس بن زائدة بن الأصم، ابن أم مكتوم القرشي، يقال: اسمه عبد الله، كان ضرير البصر، وكان يؤذن مع بلال، توفي بالمدينة قبيل وفاة عمر بن الخطاب "الطبقات الكبرى 4/ 205، الإصابة 2/ 523".
(2) البخاري 5/ 183، وانظر: سنن أبي داود 3/ 17، والترمذي 11/ 160.
(3) البخاري 6/ 102، ورواه مسلم في صحيحه 7/ 73 أيضا.
(4) هي عائشة بنت أبي بكر الصديق، أم المؤمنين، أفقه نساء المسلمين وأعلمهن بالدين والأدب، من المكثرين، وكان أعلام الصحابة يسألونها عن الدين، توفيت سنة 58هـ "الطبقات الكبرى 8/ 58، الإصابة 4/ 359".
(5) هي فاطمة الزهراء بنت محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أم الحسن والحسين، عاشت بعد أبيها عليه السلام ستة أشهر وتوفيت سنة 11هـ "الطبقات الكبرى 8/ 19، الإصابة 4/ 377"
(6) البخاري 6/ 101.
(7) هو أبو هريرة الدوسي اليماني، الفقيه، صاحب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واختلفوا في اسمه واسم أبيه، فقيل: عبد الرحمن بن صخر، وقيل: ابن عامر بن شمس، وقيل غيرهما، توفي سنة 59هـ على خلاف "صفة الصفوة 1/ 285، تذكرة الحفاظ 1/ 31، الإصابة 4/ 202".

(1/35)


الله عليه وسلم القرآن كل عام مرة، فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض فيه، وكان يعتكف كل عام عشرًا، فاعتكف عشرين في العام الذي قبض (1) .
وفيه عن مسروق (2) قال: ذكر عبد الله بن عمرو (3) عبد الله بن مسعود (4)
فقال: لا أزال أحبه، سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "خذوا القرآن من أربعة؛ من عبد الله بن مسعود، وسالم (5) ، ومعاذ بن جبل (6) ، وأبي (7) بن كعب" (8) .
__________
(1) البخاري 6/ 102.
(2) هو مسروق بن الأجدع بن مالك بن أمية، أبو عائشة الهمداني ثم الوادعي، تابعي من ثقاتهم، توفي سنة 63هـ "غاية النهاية 2/ 294، الإصابة 3/ 492، تهذيب التهذيب 10/ 109".
(3) هو عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل القرشي السهمي، صحابي، أحد الذين حفظوا القرآن في حياة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، توفي سنة 65هـ على خلاف "الطبقات الكبرى 4/ 261، غاية النهاية 1/ 439، الإصابة 2/ 351".
(4) هو عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي، أبو عبد الرحمن المكي، من كبار الصحابة ومن السابقين إلى الإسلام، وإمام في تجويد القرآن وتحقيقه وترتيله مع حسن الصوت، توفي سنة 32هـ على خلاف "غاية النهاية 1/ 458، الإصابة 2/ 368".
(5) هو سالم بن معقل، مولى أبي حذيفة، أحد أهل القرآن من الصحابة "الإصابة 2/ 6".
(6) هو معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري، أبو عبد الرحمن الخزرجي، صحابي، جليل القدر، أحد الذين جمعوا القرآن حفظا على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكانت وفاته بالطاعون في الشام سنة 17هـ على خلاف "صفة الصفوة 1/ 195، غاية النهاية 2/ 301، الإصابة 3/ 426".
(7) هو أبي بن كعب بن قيس بن عبيد، أبو المنذر المدني، صحابي من الأنصار، من كتاب الوحي، قرأ على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القرآن وقرأ عليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعض القرآن للتعليم والإرشاد، وقرأ عليه من الصحابة ابن عباس وأبو هريرة، ومن التابعين عبد الله بن عياش وأبو عبد الرحمن السلمي، توفي سنة 30هـ على خلاف "صفة الصفوة 1/ 188، غاية النهاية 1/ 31، الإصابة 1/ 19، تهذيب التهذيب 1/ 87".
(8) البخاري 4/ 318، 6/ 102، ورواه مسلم في صحيحه 7/ 149.

(1/36)


وفيه عن قتادة قال: سألت أنس بن مالك: من جمع القرآن على عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: أربعة، كلهم من الأنصار: أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد (1) . وفي رواية: مات النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء (2) ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد، قال: ونحن ورثناه (3) ، وفي رواية: أحد عمومتي.
قال الحافظ البيهقي في "كتاب المدخل": الرواية الأولى أصح، ثم أسند عن ابن سيرين قال: جمع القرآن على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعة، لا يختلف فيهم: معاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد وأبو زيد، واختلفوا في رجلين من [12 ظ] ثلاثة، قالوا: عثمان وأبو الدرداء، وقالوا: عثمان وتميم الداري (4) ، رضي الله عنهم.
__________
(1) البخاري 6/ 102، قال السيوطي في الإتقان 1/ 74: "أبو زيد المذكور في حديث أنس اختلف في اسمه فقيل: سعد بن عبيد بن النعمان، ورد بأنه أوسي وأنس خزرجي، وقد قال: إنه أحد عمومتي، وبأن الشعبي عده هو وأبو زيد جميعا فيمن جمع القرآن، فدل على أنه غير، وقال ابن حجر: وجدت عند ابن أبي داود ما رفع الإشكال، فإن روى على شرط البخاري عن أنس أن أبا زيد الذي جمع القرآن اسمه قيس بن السكن، قال: وكان رجلا من بني عدي بن النجار، أحد عمومتي ومات ولم يدع عقبا ونحن ورثناه" ا. هـ. بتصرف قليل. وترجمة قيس بن السكن في: الإصابة 3/ 250، 4/ 78.
(2) هو عويمر بن مالك "أو ابن عامر، أو ابن ثعلبة، أو ابن عبد الله، أو ابن زيد" قيس بن أمية الخزرجي، أبو الدرداء الأنصاري، صحابي، مشهور بكنيته، توفي سنة 33هـ على خلاف "الإصابة 3/ 45، تهذيب التهذيب 8/ 175".
(3) البخاري 6/ 103، ورواه مسلم 7/ 149 بزيادة "قال قتادة: قلت لأنس: من أبو زيد؟ قال: أحد عمومتي".
(4) هو تميم بن أوس بن خارجة، أبو رقية الداري، صحابي، وهو أول من أسرج السراج بالمسجد، توفي سنة 40هـ "أسد الغابة 1/ 215، الإصابة 1/ 183، تهذيب التهذيب 1/ 511".

(1/37)


وعن الشعبي قال: جمع القرآن على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سنة نفر من الأنصار: أبي بن كعب وزيد بن ثابت ومعاذ بن جبل وأبو الدرداء وسعد بن عبيد (1) وأبو زيد. ومجمع بن جارية (2) قد أخذه إلا سورتين أو ثلاثا، قال: ولم يجمعه أحد من الخلفاء من أصحاب محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير عثمان رضي الله عنهم.
قلت: وقد أشبع القاضي أبو بكر محمد بن الطيب (3) رحمه الله في "كتاب الانتصار" (4) الكلام في حملة القرآن في حياة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأقام أدلة كثيرة على أنهم كانوا أضعاف هذه العدة المذكورة، وأن العادة تحيل خلاف ذلك، ويشهد لصحة ذلك كثرة القراء المقتولين يوم مسيلمة باليمامة على ما سيأتي ذكره، وذلك في أول خلافة أبي بكر رضي الله عنه، وما في الصحيح من قتل سبعين من الأنصار يوم بئر معونة (5) كانوا يسمون القراء (6) . وقد قال عبد الله بن عمرو بن العاص: جمعت
__________
(1) هو سعد بن عبيد بن نعمان بن قيس الأنصاري الأوسي، مات شهيدًا بالقادسية سنة 16هـ "الإصابة 2/ 31".
(2) هو مجمع بن جارية بن عامر بن مجمع الأنصاري الأوسي، توفي بالمدينة في خلافة معاوية بن أبي سفيان "غاية النهاية 2/ 42، الإصابة 3/ 366، تهذيب التهذيب 10/ 47".
(3) هو محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر، أبو بكر الباقلاني، من كبار علماء الكلام، كان موصوفا بجودة الاستنباط وسرعة الجواب، له مؤلفات كثيرة في علم الكلام وغيره، توفي سنة 403هـ "تاريخ بغداد 5/ 379، وفيات الأعيان 1/ 609".
(4) انظر: كتاب الانتصار 1/ 43 و، 56و.
(5) بئر معونة: بفتح الميم وضم العين المهملة وسكون الواو وبالنون، هو موضع في بلاد هذيل بين مكة وعسفان، وكانت غزوة بئر معونة في سنة 4هـ "انظر: عمدة القاري 8/ 230".
(6) انظر: البخاري 5/ 41.

(1/38)


القرآن فقرأته كله في ليلة، فقال لي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اقرأه في شهر"، الحديث (1) .
وعبد الله بن عمرو غير مذكور في هذه الآثار المتقدمة فيمن جمع القرآن، فدل على أنها ليست للحصر، وما كان من ألفاظها للحصر فله تأويل، وليس محمولا [13 و] على ظاهره.
وقد ذكر القاضي وغيره له تأويلات سائغة:
منها أنه لم يجمعه على جميع الوجوه والأحرف والقراءات التي نزل بها، وأخبر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنها كلها شافٍ كافٍ، إلا أولئك النفر فقط.
ومنها أنه لم يجمع ما نسخ منه وأزيل رسمه بعد تلاوته مع ما ثبت رسمه وبقي فرض حفظه وتلاوته، إلا تلك الجماعة.
ومنها أنه لم يجمع جميع القرآن عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويأخذه من فيه تلقيا، غير تلك الجماعة، فإن أكثرهم أخذوا بعضه عنه، وبعضه عن غيره.
ومنها أنه لم يجمعه على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ممن ظهر به وأبدى ذلك من أمره وانتصب لتلقينه، غير تلك الجماعة مع جواز أن يكون فيهم حفاظ لا يعرفهم الراوي إذا لم يظهر ذلك منهم (2) .
ومنها أنه لم يجمعه عنده شيئا بعد شيء كلما نزل حتى تكامل نزوله، إلا هؤلاء، أي أنهم كتبوه وغيرهم حفظه وما كتبه، أو كتب بعضا.
__________
(1) انظر: البخاري 6/ 114، ورواه البيهقي في شعب الإيمان 1/ 360ظ مطولا.
(2) انظر: كتاب الانتصار 1/ 48ظ.

(1/39)


ومنها أنه لم يذكر أحد عن نفسه أنه أكمله في حياة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سوى هؤلاء الأربعة؛ لأن من أكمله سواهم كان يتوقع نزول القرآن ما دام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيًّا، فقد لا يستجيز النطق بأنه أكمله، واستجازه هؤلاء، ومرادهم أنهم أكملوا الحاصل منه.
ويحتمل أيضا أن يكون من سواهم لم ينطق بإكماله خوفا من المراءة به، واحتياطا [13 ظ] على النيات كما يفعل الصالحون في كثير من العبادة، وأظهر هؤلاء الأربعة ذلك؛ لأنهم أمنوا على أنفسهم، أو لرأي اقتضى ذلك عندهم.
قال المازري (1) : وكيف يعرف النقلة أنه لم يكمله سوى أربعة، وكيف تتصور الإحاطة بهذا، وأصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متفرقون في البلاد؟ وهذا لا يتصور، حتى يلقى الناقل كل رجل منهم فيخبره عن نفسه أنه لم يكمل القرآن. وهذا بعيد تصوره في العادة (2) .
وإن لم يكمل القرآن سوى أربعة، فقد حفظ جميع أجزائه مئون لا يحصون، وما من شرط كونه متواترًا أن يحفظ الكل الكل، بل الشيء الكثير إذا روى كل جزء منه خلق كثير علم ضرورة وحصل متواترًا (3) .
قلت: وقد سمى الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام أهل القرآن من الصحابة في أول "كتاب القراءات" له، فذكر من المهاجرين أبا بكر وعمر وعثمان
__________
(1) هو محمد بن علي بن عمر بن محمد التميمي، أبو عبد الله المازري، الفقيه المالكي، صاحب شرح صحيح مسلم المسمى بالمعلم، وله في الأدب كتب متعددة، توفي سنة 536هـ "وفيات الأعيان 1/ 615".
(2) المعلم 2/ 147ظ.
(3) نفس المصدر 2/ 146 ظ.

(1/40)


وعليًّا (1) وطلحة (2) وسعدًا (3) وابن مسعود وسالما مولى أبي حذيفة (4) وحذيفة بن اليمان (5) وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر (6) وعبد الله بن عمرو وعمرو بن العاص (7) وأبا هريرة ومعاوية بن أبي سفيان (8) وعبد الله بن الزبير (9) وعبد الله
__________
(1) هو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب القرشي الهاشمي، أبو الحسن، رابع الخلفاء الراشدين وأحد العشرة المبشرين بالجنة، مات شهيدًا في سنة 40هـ "الطبقات الكبرى 3/ 19، تذكرة الحفاظ 1/ 10، غاية النهاية 1/ 546، الإصابة 2/ 507، تهذيب التهذيب 7/ 334، تاريخ الخلفاء ص64".
(2) هو طلحة بن عبيد الله بن عثمان القرشي التيمي، أبو محمد، أحد العشرة المبشرين بالجنة، قتل يوم الجمل في سنة 36هـ "الطبقات الكبرى 3/ 214، غاية النهاية 1/ 342، الإصابة 2/ 229".
(3) هو سعد بن بن مالك بن أهيب بن عبد مناف القرشي الزهري، أبو إسحاق، أحد العشرة المبشرين بالجنة، توفي سنة 56هـ على خلاف "الطبقات الكبرى 6/ 12، الإصابة 2/ 23، تهذيب التهذيب 3/ 479".
(4) سالم: مر ذكره، وأبو حذيفة هو ابن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي العبشمي، واختلف في اسمه، كان من السابقين إلى الإسلام. "الإصابة 4/ 42".
(5) هو حذيفة بن حسل بن جابر العبسي، أبو عبد الله، واليمان لقب أبيه حسل، من كبار الصحابة، كان صاحب سر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي لا يعلمه أحد غيره، توفي سنة 36هـ "الإصابة 1/ 317، تهذيب التهذيب 2/ 219".
(6) هو عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي، أبو عبد الرحمن، توفي سنة 73هـ على خلاف "وفيات الأعيان 1/ 309، غاية النهاية 1/ 437، الإصابة 2/ 347".
(7) هو عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم القرشي السهمي، أبو عبد الله، فاتح مصر، من أكابر العرب، توفي سنة 43هـ على خلاف "الاستيعاب 2/ 508، غاية النهاية 1/ 601، الإصابة 3/ 2".
(8) هو معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي، أبو عبد الرحمن، مؤسس الدولة الأموية، من كتاب الوحي، توفي سنة 60هـ "الإصابة 3/ 433، تهذيب التهذيب 10/ 207، تاريخ الخلفاء ص75".
(9) هو عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي، أول مولود ولد في الإسلام بالمدينة من قريش، في نقل أبي شامة هنا عن أبي عبيد القاسم بن سلام عد ابن الزبير من المهاجرين مع أنه ولد بالمدينة، وكأنه عد من المهاجرين في مقابل الأنصار، قتله الحجاج بن يوسف في أيام عبد الملك بن مروان في سنة 73هـ على خلاف "فوات الوفيات 1/ 210، الإصابة 2/ 309، تهذيب التهذيب 5/ 213".

(1/41)


ابن السائب (1) ، قارئ مكة.
ومن الأنصار أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وأبا الدرداء وزيد بن ثابت ومجمع بن جارية وأنس بن مالك.
ومن أزواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عائشة وحفصة (2) [14 و] وأم سلمة (3) .
قال: وبعض ما ذكرنا أكثر في القراءة وأعلى من بعض، وإنما خصصنا بالتسمية كل ما وصف بالقراءة، وحكي عنه منها شيء.
قلت: وأما ما نسخ من القرآن فعلى ثلاثة أضرب: منه ما نسخت تلاوته وبقي حكمه، ومنه ما نسخت تلاوته وحكمه، وزانك كآيتي الرجم (4) والرضاع.
ففي الصحيح عن عمر رضي الله عنه قال: إن الله بعث محمدًا
__________
(1) هو عبد الله بن السائب صيفي بن عائذ بن عبد الله المخزومي، أبو عبد الرحمن المكي، من قراء القرآن، أخذ عنه أهل مكة القراءة، توفي قبل ابن الزبير بخمس سنين، وفاة ابن الزبير في سنة 73هـ على خلاف كما سبق "الإصابة 2/ 314، تهذيب التهذيب 5/ 229".
(2) هي حفصة بنت عمر بن الخطاب، وتزويجها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سنة اثنتين أو ثلاث للهجرة. توفيت سنة 45هـ "الطبقات الكبرى 8/ 81، الإصابة 4/ 273".
(3) هي هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله، أم سلمة القرشية المخزومية، توفيت سنة 59هـ على خلاف "الطبقات الكبرى 8/ 86، الإصابة 4/ 458".
(4) هي الآية: "الشيخ والشيخة فأرجموهما البتة بما قضيا من اللذة" "الإتقان 2/ 25".

(1/42)


صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل عليه آية الرجم فقرأتها وعقلتها ووعيتها (1) .
وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها: كان مما أنزل من القرآن: "عشر رضعات معلومات يحرمن". ثم نسخن بـ"خمس معلومات يحرمن"، فتوفي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهن مما يقرأ من القرآن (2) .
قال الحافظ البيهقي: فالعشر مما نسخ رسمه وحكمه، والخمس مما نسخ رسمه بدليل أن الصحابة حين جمعوا القرآن لم يثبتوها رسما، وحكمها باقٍ عندنا.
قال: وقولها " ... وهن مما يقرأ من القرآن"، يعني عند من لم يبلغه نسخ تلاوته قرآنا.
قلت: هذا تأويل حسن، ومثله ما في صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله (3) قال: كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر، حتى نهى عنها عمر في شأن عمرو بن حريث (4) .
فمعناه، فعلها بعد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من لم يبلغه نهي النبي صلى الله
__________
(1) البخاري 8/ 26.
(2) مسلم 4/ 167، ورواه أبو داود في سننه 2/ 302 أيضا.
(3) هو جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري السلمي، أبو عبد الله وأبو عبد الرحمن وأبو محمد، صحابي، من المكثرين في الرواية عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، توفي سنة 78هـ "الإصابة 1/ 213".
(4) مسلم "4/ 131".

(1/43)


عليه وسلم عنها. فلما اتصل ذلك بعمر رضي الله عنه نهى عنها لنهي [14 ظ] النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنها. فاشتهر ذلك وثبت، والله أعلم.
الضرب الثالث: ما نسخ حكمه وبقيت تلاوته كآية عدة الوفاة حولا نسخت بالآية التي قبلها التي ذكر فيها {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} (1) .
وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن الزبير قال: قلت لعثمان بن عفان رضي الله عنه الآية التي في البقرة: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} (2) ، لِمَ تكتبها وقد نسختها الآية الأخرى؟ قال: يابن أخي، لا أغير شيئا عن مكانه (3) .
وأسند البيهقي في "كتاب المدخل" و"الدلائل" عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: كنا حول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نؤلف (4) القرآن، إذ قال: "طوبى للشام"، فقيل له: ولِمَ؟ قال: "إن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليهم" (5) .
زاد في "الدلائل": نؤلف القرآن من الرقاع، ثم قال: وهذا يشبه أن يكون أراد به تأليف ما نزل من الآيات المتفرقة في سورها، وجمعها فيها بإشارة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم كانت مثبتة في الصدور مكتوبة في الرقاع واللخاف والعسب، فجمعها منها في صحف بإشارة أبي بكر
__________
(1) البقرة: 234.
(2) البقرة: 240.
(3) البخاري 5/ 163.
(4) نؤلف: هنا بمعنى نجمع.
(5) ورواه في شعب الإيمان 1/ 379، وانظر: كتاب الانتصار 1/ 89 وأيضا.

(1/44)


وعمر، ثم نسخ ما جمعه في الصحف في مصاحف بإشارة عثمان بن عفان على ما رسم المصطفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1) .
وأخرج هذا الحديث الحاكم أبو عبد الله في "كتاب المستدرك"، وقال: [15 و] هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. قال: وفيه البيان الواضح أن جمع القرآن لم يكن مرة واحدة، فقد جمع بعضه بحضرة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم جمع بعضه بحضرة أبي بكر الصديق، والجمع الثالث -وهو ترتيب السور- كان في خلافة أمير المؤمنين عثمان، رضي الله عنهم أجمعين (2) .
قال القاضي أبو بكر بن الطيب: "الذي نذهب إليه أن جميع القرآن الذي أنزله الله تعالى وأمر بإثبات رسمه ولم ينسخه ويرفع تلاوته بعد نزوله هو هذا الذي بين الدفتين، الذي حواه مصحف عثمان أمير المؤمنين رضي الله عنه، وأنه لم ينقص منه شيء ولا زيد فيه، وأن بيان الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان بجميعه بيانا شائعا ذائعا وواقعا على طريقة واحدة، ووجه تقوم به الحجة وينقطع العذر، وأن الخلف نقله عن السلف على هذه السبيل، وأنه قد نسخ منه بعض ما كانت تلاوته ثابتة مفروضة، وأن ترتيبه ونظمه ثابت على ما نظمه الله سبحانه ورتبه عليه رسوله من آي السور، لم يقدم من ذلك مؤخر، ولا آخر منه مقدم، وأن الأمة ضبطت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ترتيب آي كل سورة ومواضعها وعرفت مواقعها، كما ضبطت عنه نفس القرآن وذات التلاوة، وأنه قد يمكن أن يكون الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد رتب سوره على ما انطوى عليه مصحف عثمان، كما رتب آيات
__________
(1) دلائل النبوة 4/ 174و.
(2) المستدرك 2/ 229.

(1/45)


سوره، ويمكن أن يكون قد وكل ذلك إلى الأمة بعده، ولم يتول ذلك بنفسه [15 ظ] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإن هذا القول الثاني أقرب وأشبه بأن يكون حقا على ما سنبينه فيما بعد إن شاء الله تعالى، وإن القرآن لم يثبت آيه على تاريخ نزوله، بل قدم ما تأخر إنزاله، وأخر بعض ما تقدم نزوله على ما قد وقف عليه الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ذلك" (1) ... وساق الكلام إلى آخره في "كتاب الانتصار" للقرآن، على كثرة فوائده، رحمه الله.
قلت: وقد ذكرنا أسماء كتاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذين كانوا يكتبون له الوحي وغيره في ترجمته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في "تاريخ دمشق" (2) نحو خمسة وعشرين اسما. والله أعلم.
وقد أخبرنا شيخنا أبو الحسن في "كتاب الوسيلة" عن شيخه الشاطبي (3) بإسناده إلى ابن وهب (4) قال: سمعت مالكا (5) يقول: إنما ألف القرآن
__________
(1) كتاب الانتصار 1/ 4و، ظ.
(2) هو مختصر تاريخ مدنية دمشق الذي صنفه الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن عساكر المتوفى سنة 571هـ. قال أبو شامة في كتابه الروضتين 1/ 5: "هو ثمانمائة جزء في ثمانين مجلدًا، فاختصرته وهذبته وزدته فوائد من كتب أخرى جليلة وأتقنته ووقف عليه العلماء وسمعه الشيوخ والفضلاء ... " وانظر بروكلمان:
Gl 331.
(3) هو القاسم بن فيره بن خلف بن أحمد الرعيني أبو القاسم وأبو محمد الشاطبي، صاحب القصيدة التي سماها "حرز الأماني ووجه التهاني" في القراءات، كان عالما في القراءات والتفسير والنحو واللغة وغيرها، وكان ضرير البصر، توفي سنة 490هـ "معجم الأدباء 6/ 185"، وفيات الأعيان 1/ 534، غاية النهاية 2/ 20، شذرات الذهب 4/ 301".
(4) هو عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي بالولاء، أبو محمد المصري، الحافظ الفقيه، من أصحاب الإمام مالك، له تصانيف، منها كتابه "الجامع" توفي سنة 197هـ "وفيات الأعيان /312، تذكرة الحفاظ 1/ 279، تهذيب التهذيب 6/ 71".
(5) هو الإمام مالك بن أنس بن مالك الأصبحي، أبو عبد الله المدني، أحد الأئمة الأعلام الذي تنسب إليه الماليكة من المذاهب الأربعة عند أهل السنة، له تصانيف، منها كتابه "الموطأ" توفي سنة 179هـ "صفة الصفوة 2/ 99، وفيات الأعيان 1/ 155، تذكرة الحفاظ 1/ 191، تهذيب التهذيب "5/ 10".

(1/46)


على ما كانوا يسمعون من قراءة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1) ... وذكره أبو عمرو الداني (2) في "كتاب المقنع" (3) .
__________
(1) الوسيلة ص3ظ.
(2) هو عثمان بن سعيد بن عثمان الأموي بالولاء، أبو عمر القربي، أحد الأئمة في علم القرآن وروايته وتفسيره ومعانيه وطرقه وإعرابه، وألف في ذلك تواليف، توفي سنة 444هـ "غاية النهاية 1/ 503".
(3) انظر: المقنع ص8.

(1/47)